وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 151 - التوكل على الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

بين يدي الحديث

 أيها الإخوة الكرام، اخترت لكم حديثاً صحيحاً شريفاً، لماذا اخترت هذا الحديث ؟ لأنني أرى كثيراً من حالات مرَضية أساسها ضغوط نفسية، أمراض كثيرة تصيب الجهاز الهضمي، الجهاز العصبي، القلب، الضغط، هذه الأمراض تعزى بالدرجة الأولى إلى الناحية النفسية الضاغطة، النفس تتلقى ضغطاً، وطبيعة الحياة معقدة جداً، المطالب كثيرة، الموارد قليلة، الضغوط كثيرة، التعقيدات بالغة، المنافسة شديدة، فما من بيت إلا وفيه هموم لا يعلمها إلا الله، ما الخلاص من هذه الهموم، وهذه الضغوط ، وهذه الصدمات، ثم في النهاية تلك الأمراض، لأن العضوية لا تحتمل هذا الضغط النفسي ؟

 

حديث عظيم يقنن سبيل المعيشة والرزق: لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ

 عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

 

﴿ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا ))

 

[ أحمد، النسائي، ابن ماجه، الحاكم، وقال الترمذي حسن صحيح ]

1 – الحياة والرزق مصدرٌ لقَلقِ الناسَ:

 حديث على إيجازه بليغ في مدلولاته، أولاً ما الذي يقلق الناس ؟ الرزق وقبل الرزق الحياة، حياة الإنسان ورزقه، فإذا أيقن العبد أن له عند الله عمراً لا ينقص ولا يزيد، وأن له عند الله رزقاً لا بد من أن يستوفيه، إذا أيقن أن أجله محدود، ورزقه مقسوم رفع عنه ضغط كبير.

 

2 – هذا الحديث أصلٌ في التوكّل على الله:

 هذا الحديث يتعلق بالتوكل، ولو أنك توكلت على الله، انظر إلى الطفل الصغير لا يهتم لا بالإنفاق ولا بالمصروف ولا بارتفاع الأسعار، ولا بشح الموارد، ولا بتعقيد الحياة، كل همه على أبيه، ما يهتم إطلاقاً، طفل عمره سنة أو سنتان، تراه يفرح، ويمرح، ويضحك، المؤمن الصادق حينما يضع همومه عند الله عز وجل يستريح، هذا الحديث الشريف قال عنه العلماء: هو " أصل في التوكل "، وهناك أحاديث تبين التوكل من زوايا فرعية، أما هذا الحديث فيعد أصلاً في التوكل، وهذا الحديث يعد من أعظم الأسباب التي يجلب بها الرزق، فهو أصل في التوكل وأصل في طلب الرزق، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾

( سورة الطلاق )

﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾

( سورة الطلاق )

 النبي عليه الصلاة والسلام قرأ هذه الآية، وقال: لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم.

 

3 – نحن بحاجة إلى التوكّل على الله

 والآن نحن في أمسّ الحاجة إلى هذه الآية، نحن في أشد الحاجة إلى التوكل، إلى أن تلقي الهموم كلها عند الله، يا رب، أنا عبدك، وابن عبدك ناصيتي بيدك،

 

(( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ))

[أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود]

 أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض من أن تنزل بي سخطك، أو تحلّ بي غضبك، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي.
هذا الدعاء من القلب، الدعاء مع الخشوع، الشعور أن الله بيده كل شيء، يا رب، ليس لي إلا أنت، أنا لا أملك إلا رحمتك، إذا قطعت الأسباب، إذا قطعت العلائق، وتوكلت على الله عز وجل فلا شك أنك تشعر براحة كبيرة، أنا علي أن أعبده، أنا علي أن أبحث عن أمره، أنا علي أن أطلب العلم، أن أتعلم، وأن أتقصى أمره، وأن أنفذ أمره، والباقي كله عليه، هو يعلم حاجتي، عبدي كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، لا تجشم، لا تكلف خاطرك، تقول ماذا تريد، أعلم ماذا تريد، أعلم ماذا يصلحك، أعلم ماذا يسرك، أعلم ماذا يرضيك، أعلم ماذا يسعدك، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد.

 

4 – التوكل والتقوى:

 يقول بعض السلف: " لو حقق الناس التقوى والتوكل لأفلحوا "، فإن التوكل بلا تقوى لا يصح، وكل إنسان متلبس، وهذه أخطر فكرة في الدرس، كل إنسان متلبس بالمعصية لا يستطيع أن يتوكل على الله، لأنه خجول، لأن وجهه أسود، لا يستطيع أن يقول: يا رب توكلت عليك، أما إذا حقق العبد التقوى، أي طاعة الله عز وجل فبإمكانه أن يتوكل عليه، قدمت شيئًا يا رب، أنا أطيعك، هذا قسمي فيما أملك، أنا أملك أن أطيعك، لكن لا أملك الأقدار، الأقدار بيدك يا رب، أنا لا أملك الصحة، لكن أملك أن أطيعك، أنا لا أملك المال، لكنك تملك المال، أنا أملك أن أطيعك، أنا لا أملك الأقوياء، هم بيدك، أنا أملك أن أطيعك، الأمر واضح جداً، أنت ماذا تملك ؟ تملك أن تطيعه، أنت مكلف بطاعته، ما أنت مكلفٌ به محاسب عليه، وما لست مكلفاً به لا تحاسب عليه، الأقوياء ليسوا بيدك، السماء ليست بيدك، تمطر أو لا تمطر، يا رب إن أمطرتنا فهذه رحمتك الواسعة، وإن لم تمطرنا فهذه حكمتك البالغة، شيء مريح.

 

 

5 – التوكل استسلام لله تعالى:

 أنا قلت لكم مرة: أستاذ لنا في الجامعة من كبار أساتذة علم النفس عقد مؤتمر للطب النفسي في أوربا في ألمانيا، وكان هو مندوب سوريا في هذا المؤتمر، بدأ محاضرة بليغة وطويلة، قال في مقدمتها: أعلن عليكم أيها السادة أن نسبة الأمراض النفسية في مجتمعاتنا قليلة جداً بسبب الإيمان بالله عز وجل.

 

 

هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا  فليس لي عنهم معدل و إن عدلوا
والله و إن فتّتوا في حبهم كبدي  باق على حبهم راض بما فـعلوا
***

 هناك استسلام لله عز وجل، أقامك في هذا الشكل، وفي هذا الدخل، وبهذه الإمكانيات، وبهذا البيت، وبهذه الحرفة، ليس في الإمكان أبدع مما كان، يا رب هذا حكمك، وأنا راض بحكمك، مشاعر الرضى لا توصف، المؤمن إذا ارتقى في الإيمان يشعر بالسعادة التي لا توصف حينما يرضى بقضاء الله، ترضى بقضاء الله، وقد يكون هذا القضاء مكروهاً.
لذلك كان التوكل من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، ولو حقق العباد التوكل والتقوى لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودينايهم.
 هناك قطعتان من أرضٍ معدتّان للبناء اشتراهما رجلان، الأرض الأولى لم يعطى رخصة البناء، لأن هذه الأرض سوف تمر بها المجاري، والثاني أعطي رخصة البناء، فأنشأ المخططات، وحفر الأساسات، وأقبل عليه الناس، وقبض المبالغ الطائلة وتألق وجهه، ولمعت عيناه، وعلت الابتسامة على وجهه، الثاني يرى جاره يبيع ويشتري، وهو معطل ما زال الهم يضغط عليه، ويضغط عليه حتى أصيب بأزمة قلبية، بعد عامين نال الرخصة، فأصبحت سعر أرضه أضعافاً مضاعفة عن كل أرباح جاره، ولكن بعد فوات الأوان، لو توكل على الله لكسب الدنيا والآخرة، لا تعرف الخير أين هو، قال تعالى:

 

 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

 

( سورة البقرة)

 أيها الإخوة الكرام، يكفينا جميعاً قصة سيدنا الخضر، سفينة خرقت ولولا أنها خرقت لصودرت، ما الذي جعلها تنجو من المصادرة أنها خرقت، فلو علم صاحبها مسبقاً أن هذا الخرق لصالحه لكان شاكراً للذي خرقها له، لكنه لا يعلم، ثم كشف الغطاء.
إذا تحقق العدل من التقوى والتوكل فقد اكتفى بهما في مصالح الدين والدنيا.

 

معنى التوكل وحقيقه:

 

الحقيقة الأولى:

 عرف بعضهم التوكل بأنه صدق اعتماد القلب على الله، أنت قد تعتمد على جهة، ولا تثق بها، تقول: هذا اعتماد كاذب، لكن التوكل الحقيقي الذي منه تنجو من عذاب الدنيا والآخرة هو صدق اعتماد القلب على الله اعتمادا حقيقيا، والإنسان أحياناً يوكل قضيته لمحامٍ لامع جداً، وبالتعبير العامي يده طائلة، مفتاح أكثر القضاة، فتراه يرتاح، فلان وكلته مثلاً، فكيف إذا كان الله جل جلاله هو الوكيل، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

( سورة الحج)

الحقيقة الثانية:

قال بعضهم، وهذه عبارة دقيقة: حسبك من التوسل إليه أن يعلم الله من قلبك حسن التوكل عليه.
لك وسيلة واحدة إلى الله، الوسيلة الوحيدة أن يعلم الله أنك صادق في التوكل عليه، فكم من عبد من عباد الله فوض أمره إلى الله فكفاه الله كل ما أهمّه.
 أيها الإخوة الكرام، نقطتان: عليك أن تطيع الله، فإذا أطعته فلك عليه حق، تستطيع أن تتوكل عليه، التوكل على الله ممتع ومسعد، لكن العاصي يستحي أن يتوكل على الله، يخجل، لأن الذنوب حجاب، حقيقة التوكل صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة، وهذا تعريف جامع مانع، صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة.
الطالب يتوكل على الله، والتاجر يتوكل على الله، يا جبار، والطالب يقول: يا معين، والمزارع: يا رزقا، كل إنسان باختصاصه، والطبيب يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى الله عز وجل يلهمك التشخيص الصحيح، ويلهمك الدواء المناسب، والمحامي كذلك، والمهندس كذلك، باب التوكل واسع جداً، عود نفسك الدعاء، كلما أقدمت على عمل فقل: اللهم إني تبرأت من حول وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين.

الحقيقة الثالثة:

تحقيق الإيمان أي حقيقة الإيمان: أنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع إلا الله، إذاً توكل عليه.
 قال بعض العلماء: " التوكل على الله جماع الإيمان، فالإيمانُ بأكمله يلخص بالتوكل، والغاية القصوى هي التوكل، ونحن أحياناً في اللغة العربية نعلم الطالب نصوصا، نعلمه قواعد النحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، الغاية الكبرى من كل هذه الفروع التعبير السليم الشفهي والكتابي، التعليم غاية، لكن النصوص والقواعد والنحو الصرف والبلاغة والعروض وسائل، فالتوكل غاية، فإذا عرفت الله، وكنت مستقيماً على أمره تتوكل عليه في جلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة، فالطاعة والتوكل لجلب المصالح ودفع المضار في الدنيا والآخرة.

الحقيقة الرابعة:

قال بعض العلماء عن توكل العبد على ربه: " أن يعلم أن الله هو ثقته ".
 أحيانا يقول الإنسان: يا رب، توكلت عليك، وكل ثقته بفلان، هذا يعلمه الله، يعلم الله حقيقة هذا التوكل، لذلك مَن سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك، دققوا، صدق التوكل، لأن هناك توكلا كاذبا، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

( سورة آل عمران)

﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾

( سورة الحج)

 أسألك صدق التوكل على الله التوكل الحقيقي، اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته، حسبي الله ونعم الوكيل.

 

الاخذ بالأسباب ثم التوكل على الله

 لكن أيها الإخوة، الذي لا أريده أن تفهموه مني أنك إذا توكلت على الله تركت السعي بالأسباب، الله عز وجل قال:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

( سورة النساء )

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

( سورة الأنفال )

﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾

( سورة الجمعة )

 لذلك قال بعض العلماء:

(( من طعن في الحركة يعني في السعي والكسب فقد طعن في السُّنة ))

 كل إنسان ساكن يقبع في بيته لا يتوكل على الله حقيقةً، أنت إنسان كسولٌ، ليس هذا هو التوكل، التوكل أن تأخذ بكل الأسباب، التوكل مكانه القلب، والجوارح مكانها السعي، لا تخلط هذا بذاك، لا تلبس على الناس دينهم، التوكل في القلب، والسعي بالجوارح، قال أحد العلماء: " من طعن في الحركة يعني في السعي والكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ".
 إذا ما توكل الإنسان معنى ذلك أنه ضعيف الإيمان، وإذا ما سعى فهو ضعيف التطبيق للسنة، النبي كان يسعى، وأكملُ شيءٍ أن تسعى بجوارحك، وأن تتوكل بقلبك، أنا علي أن أسعى، وأوضحُ مثلٍ أن المطارِدين من قريشٍ حينما وصلوا إلى غار ثور النبي بقي رابط الجأش، هو أخذ بالأسباب، والآن هو متوكل، مثلُ طالب درس، ليس مضطربا، الآن توكل التاجر، اشترى البضاعة المناسبة، واجتهد في اختيارها وأسعارها، ويرتاح، الآن بيعها على الله، المزارع زرع في الوقت المناسب وتوكل، شيء جميل، لك مظهران مظهر السعي والنشاط والحركة، والعلم والأسباب والخطط، ومظهر من الداخل سلام في سلام، يا رب، هذا الذي علي فعلته بقي الذي عليك، في الدراسة، والزواج والتجارة والصناعة والقضاء والطبابة والتدريس والهندسة، عليك سفر، أنت راجعت السيارة، الميكانيك والأجهزة فقط، وعلى الله الباقي، أما إذا ما راجعتها فلا يكفي التوكل، تنشأ معك مشكلة كبيرة، لو راجعت السيارة تقول: أنا متوكل يا رب، ما فيها كوابح، ولا شيء، هذا غير معقول، ما هذا التوكل ؟ هذا الشخص المتوازن بقدر ما هو مستسلم بقدر ما هو يأخذ بالأسباب.

 

التوكل حال النبي والكسب سنته

 أيها الإخوة الكرام، التوكل حال النبي والكسب سنته، فمن عمل على حاله لا ينبغي أن يترك سنته، سنته السعي وحاله التوكل، أنت مكلف أن تقلده في حاله وفي سنته، في حاله بالاستسلام، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه أمر على ما يريد قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإن جاءت الأمور على غير ما يريد قال: الحمد لله على كل حال، هكذا الله يريد، أنت كل حياتك من أجله، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

( سورة الأنعام )

 كل حياتي من أجلك يا ب، وهذا قرارك، وهذه حكمتك.
والله مرة قرأت لوحة فيه:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾

( سورة الطور: من الآية 48 )

 لو كان حكم الله واضحا جداً فا يحتاج إلى صبر، لما تكون مريضا عند طبيب أسنان، ويعطيك إبرة البنج المخدر، وتعرف أن الإبرة مؤلمة، لا أقول: جداً، لكن مؤلمة، لكن ألمها أخف بكثير من آلام قلع الضرس، فالأمر واضح عندك، لأنه واضح فأنت صابر، لكن الأمر إذا ما كان واضحا فالله عز وجل يقول لك:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾

 أجمل شيء في حياة المؤمن إذا جاءت الأمور على خلاف مراده يقول: يا رب، لك الحمد، أنا مستسلم، أنا راض يا رب، التوكل حال النبي، والكسب سنته.

 

علاقة التوكل بأفعال الإنسان التعبدية والعادية

 

1 – علاقة التوكّل بالطاعة والعبادة:

 قال بعض العلماء: " أفعال الإنسان ثلاثة أنواع، أولها الطاعات التي أمر الله عباده بها، وجعلها سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة، هذه الطاعات لا بد من فعلها مع التوكل على الله، والاستعانة به عليها، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، قال النبي عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه الكلمة:

 

(( لا حول عن معصية الله إلا بالله، ولا قوة على طاعته إلا به ))

 

[ ورد في الأثر ]

 يجب أن تتوكل على الله في أداء الطاعات، وأحيانا الله عز وجل يضعف لك همتك، يضعف لك مقاومتك أحياناً، وإذا رزق الله الإنسان الاستقامة فلا ينبغي أن يتيه بها على الخلق، أنا مستقيم، وأنا غير فلان، ومن أنت ؟ إذا كنت مستقيماً فهذا فضل من الله عليك، فإذا استقام الإنسان على أمر الله، واعتد باستقامتك، وتاه بها على عباد الله فهذه ليست استقامة، لقد شابها الكبر، شابها العلو، لذلك هذه الاستقامة ليست مقبولة إلا إذا خالطها التواضع، خالطها العبودية لله، المؤمن الصادق إذا وفقه الله لطاعة يشكر الله على أن وفقه إليها، يا رب، سمحت لي أن أقوم بهذا العمل، سمحت لي أن أحضر هذا المجلس، وهناك إنسان مريض، وإنسان يسبب الله عز وجل له متاعب كثيرة في حياته، مشاكل في البيت والعمل، والأولاد، فإذا فرغه الله عز وجل، وسمح له أن يحضر مجلس علم فهذه من نعم الله، قال تعالى:

 

﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾

 

(سورة الحجرات )

 حتى العبادة تحتاج إلى توكل، والدليل، الفاتحة:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

( سورة الفاتحة: الآية 5 )

 تستعين بالله على صلاتك، وعلى صيامك، وعلى حجك، وعلى زكاة مالك، وعلى غض بصرك، وعلى ضبط لسانك، وعلى تحرير دخلك، وعلى قيامك بالأعمال الصالحة.

 

2 – علاقة التوكّل بالعادة والمباح

 الشيء الثاني: ما أجرى الله به العادة في الدنيا، وأمر به عباده، كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر والتدفؤ من البرد، هذه أيضاً أسباب، إن لم تأخذ بها تحاسب عليها، فإذا أهمل الإنسان طعام الفطور، وحدث معه ضعف، أو أهمل نوع الطعام، أهمل الحاجات الأساسية التي أمره الله بها، وحدثت له مشكلة فهذه المشكلة يحاسب عليها، يحاسب على تقصيره، جسمك ليس ملكك، فهذا الجسم أمانة بين يديك، سلمك الله إياك فعليك أن تعتني به لأنه قوام حياتك، ورأس مالك في حياتك، فالعناية بالصحة جزء من الدين، أن تعلم ماذا تأكل، ماذا تشرب، هناك أشياء فيها مواد ملوثة، قلنا لك: في الصيف أمراض كثيرة وخطيرة جداً، وحدثت حالات وفيات كثيرة جداً من التلوث، الآن أنا أنصح أن يكثروا تناول الطعام في بيوتهم، فالعامل في مطعم أحيانا لا ينظف نفسه إذا قضى حاجة، لا تعرف هذه السَّلَطة ما بها فيها مواد ملوثة، بهذه الطريقة تنتقل الجراثيم، بهذه الطريقة تنتشر الأوبئة، الخضار الورقية ممنوع استعمالها، الطعام خارج المنزل الأولى للإنسان أن يبتعد عنه لعدم الدقة في إعداده، والغسيل المتقن للخضار والفواكه، هذا أخذٌ بالأسباب وعلى الله الباقي، أما أن تهمل الأمر فلا ينبغي.
 لفت نظري أني قرأت في الجريدة منذ يومين أن كل موظفين المطاعم مكلفون أن يقدموا فحوصاً لبرازهم للصحة، خبر لفت نظري، معنى هذا تنتقل الجراثيم أن بهذه الطريقة، لماذا النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالنظافة الشديدة، الحقيقة موضوع الغذاء إذا كان مطعم القائمين عليه ليسوا مؤمنين فموضوع النظافة مهمل جداً أن أما المؤمن فحريص على ذلك.

 

 

: لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب

 

الآن يقول بعض العلماء: لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح.
أحيانا الله عز وجل يرزقك، لكن بعد أن يعصرك، مشاكل، ومعالجة مع الناس حتى تلحق رزقك، وأحيانا يكرمك الله فيبعث لك رزقا يكفيك مع جهد بسيط، هذا من إكرام الله لك.
 اسمعوا هذه الحقيقة، إذا طلبت العلم، وحضرت مجالس العلم، وأعطيت من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله، بفهم كتابه، بفهم سنة نبيه، بفهم السيرة، أرجو الله عز وجل ألا أكون مبالغاً في هذا، ساق الله لك رزقاً وفيراً مع جهد يسير، أنا أشعر أحيانا مع شخص يشكو لي درجة غير معقولة، يقول: أنا مسحوق كسحق الليمونة المعصورة، ينام الساعة الواحدة، إذا كانت الدنيا فقط تأخذ منك كل هذا الجهد، وكل ذاك الوقت، والله هذه حياة صعبة، فإذا ألغي وقت فراغ الإنسان فقد ألغي وجوده.
أنا أقول لكم: الآن أي عمل من أعمالكم إذا استغرق كل وقتكم مهما علا دخله فهو خسارة كبيرة، وقد ألغى وجودك، أنت تعمل من أجل رسالة، من أجل إيمانك بالله، من أجل عمل صالح ينفعك بعد الموت.
 أنا أخالف أناساً، الدنيا كلها ما عنده شيء غير تجارته من الفجر إلى نصف الليالي، لا زوجة، لا أولاد، لا مجلس علم، لا درس فقه، لا قرآن، كل وقته في تجارته، تجارته قبر له، وفي معمله، معمله قبر له، وفي وظيفته، وظيفته قبر له، انتهى الإنسان، العمل الذي يستغرق كل وقتك هو خسارة فادحة، ولو در عليك مئات الألوف، لأنك انتهيت، انتهى وجودك، انتهت رسالتك.
أحيانا هناك إنسان يتباهى، والله أنا آتي بعد ما ينام أولادي، وأذهب قبل أن يستيقظوا، مَن لهم أولادك ؟ أنت لست أبًا، أنت منفق عليهم فقط، لو حقق العباد التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح.
لذلك الإمام أبو حنيفة قرأ عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثاً، كان هذا الحديث انعطافاً في حياته، ما هذا الحديث ؟

(( من طلب العلم تكفل الله له برزقه ))

[ ورد في الأثر ]

هذا الكلام قطعي، إذا طلبت العلم تكفل الله لك برزقك، وربما حرم الإنسان الرزق بذنب يصيبه، لأن الذنوب تقطع الأرزاق.

من أسباب الرزق

1 – الاستقامة:

 وعندنا للرزق سبب آخر، ففي آية قرآنية استنبط منها العلماء أن هذا العمل يسبب بحبوحة الرزق، قال تعالى:

 

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

 

( سورة الجن )

 الاستقامة.

 

2 – الصلاة:

 الصلاة، قال تعالى:

 

 

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾

 

( سورة طه )

 الدليل:

 

﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

 

( سورة طه )

3 – التقوى والتوكل:

 التقوى والتوكل هذه الثالثة.

 

4 – الاستغفار وإتقان العمل والأمانة والصدقة وصلة الرحم:

 الاستغفار، إتقان العمل، الأمانة، صلة الرحم، الاستقامة والأمانة وصلة الرحم وإتقان العمل والصدقة، استمطروا الرزق بالصدقة والتوكل مع التقوى.

 

 

بم نفسر عدم توافر الرزق مع توافر أسبابه

 هذه كلها أسباب لوفرة الرزق، وإذا توافرت كلها والرزق قليل فبمَ نفسر ذلك ؟ نفسر ذلك بالحكمة، كما في الأثر: " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، والأجل محدود والزرق مقسوم، لا تقلق، قال بعض السلف: توكل تُسَقْ إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف.

 

 

علامة صدق التوكل اليأس مما في أدي الخلق

سئِل أحد العلماء: " ما علامة صدق التوكل ؟ فقال: أن يتوكل العبد على الله، وألا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء.
 يجب أن تيئس مما في أيدي الخلق، ما دام فلان لا يقصر لو طرقت بابه، فلان يودني، تقول: باب السماء مغلق، إذا يئست بما في أيدي الخلق أمدك الله عز وجل بما تحتاج، فعلامة صدق التوكل اليأس مما في أدي الخلق.

 

 

لا تسألن بني آدم حــاجة و  سل الذي أبوابه لا تُحجَب
الله يغضب إن تركت سؤاله  وبني آدم حين يُسأَل يَغضب
***

 كان أهل اليمن يحجون، ولا يتزودون، ويقولن: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية:

 

 

﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾

 

( سورة البقرة )

هذه الآية تدل على الأخذ بالأسباب، الحقيقة أن صدق التوكل عرفه بعضهم بأنه قطع الاستشراف من الخلق، الاستشراف هو الطمع.
 سئل أحد العلماء: ما الدليل ؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما عرض عليه جبريل أن يساعده، وهو يرمى في النار، فقال له: ألك حاجة ؟ قال: أما إليك فلا، وظاهر الكلام أن إبراهيم ترفع عن سؤال جبريل حينما ألقي في النار.
الله عز وجل حينما رأى منك يأسك من الخلق أمدك بما تريد.
 سئل أحد العلماء، وهو بشر الحافي عن التوكل فقال: اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب، فقال له السائل: فسره لنا حتى نفقهه، فقال بشر: اضطراب بلا سكون، رجل تطرب جوارحه بالسعي، وقلبه ساكن إلى الله لا إلى عمله، سعى وأخذ بالأسباب، وخطط، وسأل، وقدم واستدعى، أخذ بكل الأسباب، هذا اضطراب، لكن بلا سكون إلى هذا العمل، بل السكون إلى الله عز وجل، رجل ساكن إلى الله عز وجل بلا حركة، ولا اضطراب، فاضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب.

كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ

 إذا توكل الإنسان على الله عز وجل، وقصر في تحصيل رزق أولاده فهو محاسب عند الله، والدليل : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

 

[ أبو داود ]

 أحيانا يفرط الإنسان، أنا أقول له: هذا ليس مالك، هذا مال أولادك، عندك بنات، عندك شباب، له حساب قديم مع شخص أهمله، له عقد شراكة، دعه يعمل بأصله، هل أنت مكتفٍ ؟ لكن عندك أولاد، لو أن هذا المال حصلته، وزوجت أولادك به لكان أفضل، فالتقصير في المطالبة بالحقوق مع شدة الحاجة للمال هذا الإنسان يحاسب عليه.

 

الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ

 النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

 

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))

 

[ صحيح مسلم]

كل مؤمن يسعى ويكسب المال، ويتخذ الأسباب، هذا قوي، هذا أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لأن قوته للمسلمين.
 أخ درس دراسة عالية جداً، احتل منصبا رفيعا، تمكن أن يخدم خمسين أخا، فكلما قوي مركزُ الإنسان كثر ماله، وعلا شأنه، احتل مركزاً رفيعاً، كثر عمله الصالح ،

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))

 ولكن القوي أحسن، كإنسان يحمل شهادة عالية جداً، ويصلي أمام الناس، يشجج الضعفاء، صاحب مشروع ضخم، ومستقيم استقامة تامة، العمال كلهم يرونه قدوة، فكلما ارتفعت مكانةُ الإنسان الاجتماعية صار قدوة، أما إذا كان مقصرا فيقال له: اذهب وخذ الشهادة أولا، ثم حل مشاكلك قبل أن تنصحنا.

 

المؤمن العملي المثالي قدوة لغيره

 أنا قلت مرة لأخ: الناس الآن لا يحترمون المؤمن، ولا يقتدون به إلا إذا تفوق في عمله، إذا كان دكانه نظيفة جداً، حسابات دقيقة مثلاً، إذا كان في التعامل رقي، وإذا كان فيه فوضى و تقصير تجاوزات وإهمال لا يُقتدى به.

 

 

(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

 

[ أبو داود]

 إنسان مقصر ما نجح، وما درس يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، هذا جهل، ادرس، اشترى بضاعة من دون دراسة فما بيعت معه، ثم قال: هكذا ترتيب الله، حسبي الله ونعم الوكيل، لا هذا تقصير منك.

 

(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

أحيانا يحدث أمر قاهر، وأدق قول قال النبي عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إن التوكل بعد الكيس ))

 

[ ورد في الأثر ]

معنى الكيس التعقل، بعد أن تأخذ بالأسباب تتوكل على الله.
 إنسان عنده مركبة، يجب أن يراجعها، أخطر شيء في المركبة الميزان والمكابح، الميزان والمكابح قد تقتل صاحب المركبة، وهناك أشياء ليست خطيرة، أما هذان الشيئان فخطيران في المركبة، فمن لوازم التوكل الأخذ الأسباب.
قال العلماء: إن التوكل لا ينافي الأسباب، بل قد يكون الجمع بينهما أفضل، أن تجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل، والتوكل بالقلب، والأسباب بالجوارح.

أقوال حكيمة في التوكل على الله

1 – من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سب

 أخر نقطة في التوكل هي من أدق نقاطه: من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سبباً، أنا سوف أتوكل حتى الله يرزقني، جعلت التوكل سبباً، يجب أن تتوكل على الله لأنك راض بما قسمه لك، وإن توكلت على الله لأنك راض بما قسمه لك فهذا هو التوكل الحقيقي، أما إذا توكلت على الله كي تجلب بهذا التوكل الرزق فهذا التوكل أصبح مشوبًا.

 

2 – من توكل على الله لطلب الرزق فقد جعل التوكل سبباً:

لا تكونوا بالمضمون مهتمين فتكونوا للضامن مُتَهِمين.

 

 

3 – التوكل على الله على ثلاث درجات

 الحكماء قالوا: التوكل على الله على ثلاث درجات: أولها ترك الشكاية، فهناك إنسان كثير الشكوى، أينما جلس يحيطك بهالة سوداء، الشغل صعب، أولاد، بيت، جيران، مشاكل، فترك الشكاية أول درجة من درجات التوكل.
وثاني هذه الدرجات: الرضا.
وثالث هذه الدرجات: المحبة، فترك الشكاية درجة، والرضا درجة، والمحبة درجة ثالثة، الأولى للزاهدين والثانية للصادقين والثالثة للمرسلين.

 

 

4 – أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر:

 كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: " أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر الذي يقضيه الله عز وجل "، أنا راض به، قال سيدنا علي: << الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين >>.

 

 

لهذا كان التوكل موضوع هذا الدرس

سقت هذا الدرس للأسباب التالية:
 الحياة في المدن معقدة، والهموم كثيرة، والضغوط شديدة، والصراعات على أشدها، وكسب المال صعب، وتوفير الأعمال صعب، والشبهات كثيرة، فهذه الضغوط من شأنها أن تضغط على الإنسان فتصيبه بالعطب، الحل لمثل هذه الحالات الصعبة طاعة الله، والتوكل عليه، الآية التي أتمنى أن تكون شعاراً لكم جميعاً أولها بل، بل حرف إضراب، بل تنفي ما قبلها، وتثبت ما بعدها، قال تعالى:

 

 

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

 

( سورة الزمر )

هذه مهمتك، وبها تنتهي مهمتك، لن تستطيع التوكل عليه إلا إذا أطعته، إنك إن لم تطعه تشعر بالخجل، تشعر بالحجاب.
علاجنا أيها الإخوة إذا اشتدت الأمور، وضاقت المكاسب، وتعقدت الظروف في التوكل.
 مثلاً هذا الضغط النفسي خطير جداً، ينتهي برفع الضغط، ينتهي بأزمة قلبية، ينتهي بأمراض في المعدة، ينتهي بأمراض في العضلات، بانفجار في الدماغ، وهذا شيء ثابت، فالمفروض على الإنسان أن يستسلم، ويستقيم، ويتوكل، وعلى الله الباقي، فالتوكل يحتاج إلى استقامة، استقم تر أن الله معك، وكن مع الله تر الله معك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور