وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 147 - الصيام والتجهيز لرمضان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس التربية الإسلامية، وسيكون محور هذا الدرس ما نحن قادمون عليه بعد عدة أسابيع من فريضة تعد ثاني أكبر العبادات في الإسلام.

أصول الإسلام:

 لكن بادئ ذي بدء: العبادات في هذا الدين العظيم كما قال الإمام الشافعي: معللة بمصالح الخلق، إن صح أن هناك مثلثاً لهذا الدين العظيم:
 المقطع الأول: العقائد.
 المقطع الثاني: العبادات.
 المقطع الثالث: المعاملات.
 المقطع الرابع: الآداب.
 فالدين عقيدة، وعبادة، وأحكام تعاملية، وآداب.

1 – العقيدة:

 إن صحّت العقيدة صح العمل
والعقيدة تقع على رأس هذه الأقسام، وإن صحت العقيدة صح العمل، وإن فسدت العقيدة فسد العمل.

2 – العبادات:

 المقطع الثاني: هي العبادات، العبادات كما قال الإمام الشافعي: معللة بمصالح الخلق، فالصلاة بنص القرآن الكريم:

﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 )

أ ـ الصلاة:

 الله عز وجل ملك الملوك، خالق السماوات والأرض، يمكن أن يأمرنا أن نصلي ولكن رحمة بنا أعطانا تعليلاًً للصلاة، كلما كان الآمر أكمل أعطى المأمور التعليل قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 )

 إذاً: الصلاة معللة بمصالح الإنسان، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء والمنكر سبب هلاكه في الدنيا والآخرة.
 الآن هذا التعليل مهمته أنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فما قطف ثماراً من الصلاة، لئلا تقوم بأفعال لا معنى لها، لئلا تقوم بأفعال لا فائدة منها، لئلا تقوم بأفعال مفرغة من مضمونها، قال:

﴿ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

 النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( والصلاة نور))

[صحيح مسلم]

 الصلاه سعادة وحبور
مستحيل أن يكون المصلي حقوداً، الحقد مرض، مستحيل أن يكون المصلي ظالماً، الظلم مرض، مستحيل أن يكون المصلي مستكبراً، الكبر مرض، واحد.
 الشيء الثاني: الصلاة حبور، سعادة،

(( أرحنا بها يا بلال ))

[ أبو داود]

 فالذي لسان حاله يقول: أرحنا منها لم يقطف ثمار الصلاة، فرق كبير بين أرحنا بها، وبين أرحنا منها.
 والصلاة نور، من خلال الصلاة ترى الخير خيراً والشر شراً، ترى الخير خيراً فتتبعه، وترى الشر شراً فتجتنبه، والدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

( سورة الحديد الآية: 28 )

 فالصلاة نور، والصلاة طهور، والصلاة حبور، والصلاة ميزان، هل تستطيع، وبلا مجاملة إن ارتكبت إثماً، أو اعتديت على إنسان على ماله أو على عرضه أن تصلي، بإمكانك أن تقف، وتقرأ الفاتحة وسورة، بإمكانك أن تركع وتسجد، لكن ليس بإمكانك أن تتصل بالله، لأن ذنبك حجبك عن الله عز وجل، فالصلاة صارت ميزاناً

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

( سورة النساء الآية: 43 )

 فالذي لا يعلم ماذا يقول في الصلاة إذاً هو لم يصلِ الصلاة التي أرادها الله. الصلاة قرب

 

(( ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منه ))

 

[ أخرجه أحمد عن عمار بن ياسر ]

 الصلاة قرب، وفي القرآن الكريم:

﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

( سورة العلق )

 الصلاة دعاء:

 

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

( سورة الفاتحة )

 الصلاة ذكر:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

( سورة طه )

 الصلاة معراج المؤمن، الصلاة أصل الطاعات، وغرة العبادات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
 إذاً العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، هذه الصلاة.

ب ـ الصيام:

 الصيام منطلق حديثنا.

(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))

[ أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]

 معنى ذلك أنه في الصيام بحسب الواحد الديان:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

( سورة البقرة )

 لعلك إذا صمت، وتركت كل المعاصي والآثام، وأقبلت على الواحد الديان، واشتققت منه النور رأيت الحق حقاً والباطل باطلاً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

 إذاً العبادات معللة بمصالح الخلق.

ت ـ الزكاة:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾

( سورة التوبة الآية: 103 )

 الغني يطهر من مرض الشح، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

( سورة الحشر )

 ومن أدى زكاة ماله أذهب الله عنه الشح، والفقير يطهر بالزكاة من مرض الحقد ، لأن الفقير يحقد، فإن أعطيت له الزكاة لا يغدو حاقداً، والمال يطهر من تعلق حق الغير به.

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾

( سورة التوبة الآية: 103 )

 التزكية أي أن نفس الفقير تنمو، لأنه شعر أن المجتمع لم ينسه، ونفس الغني تنمو حينما يشعر أنه أدخل الفرحة على قلوب الآلاف، والمال ينمو، التعليل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

( سورة التوبة الآية: 103 )

ث ـ الحج:

 قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾

( سورة المائدة الآية: 97 )

 أنت لمجرد أن تعلم أن الله يعلم فقد حققت الثمرة من الحج.
 قلت كلمة في بداية الدرس: العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، لو أردنا أن نقف موقفة متأنية عند الصيام.

من تعريفات الصيام:

 الصيام عبادة الاخلاص
من تعريفات الصيام:
 أنه عبادة الإخلاص، كيف ؟ قد يأتي رمضان في الصيف، واليوم في الصيف طويل، قد يقترب من 17 ساعة، والحر شديد، والعطش يكاد يميت الإنسان، تدخل إلى بيتك، وليس في البيت أحد، الثلاجة فيها ماء عذب فرات بارد، ولا تستطيع أن تضع قطرة ماء في جوفك، لماذا ؟ من يحاسب ؟ لا أحد في الأرض يحاسبك، لذلك:

(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))

[ متفق عليه ]

 أول شيء الصوم عبادة الإخلاص.

حِكمة الصيام: دورة تعبّدية

1 – دورة تعبدية:

 لكن ما حكمته ؟ أنت في أشهر العام تأكل الطعام والشراب، هل تشعر بذنب إذا تناولت طعام الإفطار ؟ هل تشعر بذنب إذا شربت كأس ماء ؟ في أيام الإفطار هل تشعر بذنب إذا قاربت زوجتك، وهي حلال لك ؟ أبداً إطلاقاً، ولا واحد بالمليون، الأشياء المباحة الحلال التي أبيحت لك، ولا شيء عليك لو مارستها محرمة في نهار رمضان، إذا كان تناول الطعام والشراب وهو مباح في غير رمضان، محرماً في رمضان، فلأن أن تدع المعاصي والآثام من باب أولى، كأن الله عز وجل قوى فيك الإرادة، أنت ممتنع عن الطعام والشراب فهل يعقل أن تكذب ؟ هل يعقل أن تغتاب ؟ هل يعقل أن تقول الباطل ؟ هل يعقل أن تغش المسلمين ؟ أنت تارك الطعام والشراب الحلال تاركه، فلأن تدع الحرام من باب أولى، فكأن الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر قوى لك الإرادة على أن تصوم رمضان.
 الإنسان أحياناً يستثني دورة محدودة، قد لا يحتمل أن يدرس لخمسين سنة قادمة، أما دورة في ثلاثين يوما فقط يستطع.

2 – شهر المغفرة:

 بالمناسبة:

(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

[ متفق عليه ]

(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

[ متفق عليه ]

 للتقريب: المفاهيم المعاصرة واحد عليه 8 ملايين دينا، أمواله كلها محجوزة، عليه محاكمة، وعليه سجن، قيل له: افعل هذه الأفعال ثلاثين يوماً فقط، وبعدها أنت معفى من كل شيء، 8 ملايين ألغيت، والمحكمة ألغيت، والحجوزات ألغيت، هل يتردد الواحد منا ثانية ؟ أنت في رمضان تفتح مع الله صفحة جديدة.

(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

 إذاً أنت أمام فرصة ذهبية، كيف ؟ تفتح مع الله صفحة جديدة.

دع الأشغال وحلَّ المشكلات إلى ما بعد رمضان:

 التفرغ للعبادة في رمضان
لكن هناك فكرة دقيقة، يجب أن تكون سرعتك في رمضان مئة، أنت هنا صفر، أو واحد، أنت لا تقدر أن تمشي على الواحد، لـ29 شعبان، وتقفز فوراً للمئة، لا تستطيع، المفروض أن تهيئ نفسك، هناك مشكلة حلَّها قبل رمضان، مشكلة عويصة أجّلها إلى ما بعد رمضان، محاولة كسوة بيت افعلها قبل رمضان، لأن رمضان شهر عبادة، شهر تفرغ، والحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف في رمضان، وهو انقطاع عن العالم الخارجي كلياً، أنا قد لا أحثكم على أن تعتكفوا، الحياة معقدة، الحياة معقدة جداً، ولكن معنى الاعتكاف أن تنقطع عن العالم الخارجي، عن عالم القيل والقال، والسؤال والجواب، والنقد، والهموم والأحزان، هذا شهر دورة تدريبية مع الله، لأن العبادة فيها شحنة.

3 – شهر الشحنة الإيمانية:

 أوضح مثل على ذك: الهاتف المحمول يحتاج إلى شحن، فإن لم تشحنه تنطفئ شاشته ويسكت، أصبح قطعة بلاستيك لا قيمة لها إطلاقاً، وأنت كمؤمن تحتاج إلى شحن، الشحن كم نوعا ؟ عندنا شحن يومي، كلما وقفت في الصلاة من أجل أن تُشحن شحنة روحية ، لذلك:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾

( سورة المزمل )

 حينما تُشحن في صلاة الفجر تشعر طوال اليوم أنك ترى الحقيقة، وأنك مالكٌ لجوارحك، وأن كلامك سديد، وأن قلبك مستنير، وأن نفسك مطمئنة، وأن رحمة الله تحفّ بك، وأن توفيق الله عز وجل يؤيدك.
 إذاً الصلاة شحنة، لكن طبيعة الصلاة ثلث ساعة، شحنة من الصباح إلى الظهر، الظهر شحنة ثانية إلى العصر، العصر شحنة ثالثة، إلى المغرب، المغرب شحنة إلى العشاء.
 صلاة الفجر، كنت في الفراش، فالسنة قبلية وأنت نائم، فالسنة قبل الفرض تدريب، الفرض صحوت، باعتبار تعبك طوال النهار السنة في العشاء بعدية، السنة أقرب إلى النوم، الفجر السنة قبلية، العشاء سنة بعدية، في الفجر نفسك صافية، وفي العشاء ركعتان تكفيان، الظهر كنت في المحل التجاري، واحد أخذ عليك مبلغا، والثاني أزعجك، ما اشترى، والرابع طالبك بدينه، أنت مشوش، تصلي أربع ركعات، اثنتين قبل، واثنتين بعد، دائماً الركعات القبلية تهيئة، والبعدية ترميم، ما فاتك من الفرض ترممه في السنة البعدية، لذلك صلوات النهار طويلة، أما الفجر قصيرة، صحوت صافي الذهن، شحنة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ))

[أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة ]

 رمضان ثلاثون يوما من الصيام، ومن قراءة قرآن، ومن الذكر، ومن صلاة الفجر في المسجد، ومن صلاة العشاء في المسجد، وكل يوم عشرون ركعة تراويح، وثلاثون يوما من الإنفاق، وغض بصر، وضبط لسان، رمضان شحنة من العام إلى العام، الحج شحنة إلى بقية العمر، شهر من السفر وترك الأهل والأولاد، واستقبال الكعبة، والطواف، والسعي، ووقوف بعرفات، ووقوف بمنى ومزدلفة... إلخ.
 إذاً: العبادات شحنات، وكلما كان الأمد أطول كانت الشحنة أشد، هذا معنى من معاني الصيام.

4 – الصيام تقوية النفس على الإرادة:

  الصيام تقوية النفس على الارادة
الصيام بادئ ذي بدء: عودك على أن تطيع الله، لأنك تركت المباحات، فلأن تدح المنهيات من باب أولى.
 إذاً المسلم يصوم بفمه وجوارحه في رمضان، وفي شوال يفطر بفمه فقط، وتبقى جوارحه صائمة إلى نهاية العام، وغض بصره، وضبط لسانه، وتحري الحلال، هذا طوال العام، هذا واحد.
 إذاً: الصيام تقوية الإرادة على طاعة الله، لكن نحن نتمنى من أعماق أعماقنا ألاّ يكون صيامنا صيام حديث، موسم رمضان في المجتمعات المعاصرة موسم الأفلام، موسم الفن، موسم السهرات، موسم الولائم، موسم التخمة، موسم السهر إلى ساعة متأخرة من الليل، المؤمن يجعل من هذا الشهر شهر عبادة، لا شهر لقاءات وولائم، وما شاكل ذلك، والطبقة المخملية ـ والعياذ بالله ـ صيام رمضان عندها فلكلور، تأتي إلى الخيام الرمضانية تبدأ الخيمة بتناول طعام الإفطار، وتنتهي بالرقص والموسيقى والغناء، رمضان عند الشاردين موسم فني فقط، وكل الأعمال الساقطة يكتبون عنها: " إكراماً لقدوم شهر رمضان المبارك "، نحن كمؤمنين هذا الشهر شهر عبادة، يمكن أن تقفز قفزة نوعية في هذا الشهر.

5 ـ الشعور بالافتقار إلى الله

 شيء آخر: الله عز وجل قال:

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾

( سورة النساء )

 لكنه قد لا يرى ضعفه، له منصب رفيع، قوي الشخصية، معه اتصالات، ألف إنسان يخضعون له، لكن برمضان الساعة 12 نشف لسانه، خواطره كلها كأس ماء بارد، كأس عرق سوس، كأس عصير، شيء بارد، كأن الله أراد في رمضان أراد أن يشعرنا بافتقارنا إليه، لما قال الله عز وجل في الأنبياء:

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾

( سورة الفرقان الآية: 20 )

 ما معنى ذلك ؟ هذا الذي يأكل الطعام أي هو مفتقر في استمرار وجوده إلى أن تناول الطعام، إذاً هو ليس إلهاً، الله عز وجل قال:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾

( سورة الإخلاص )

 الصمد، يعني أن وجوده ليس مفتقراً إلى غيره، أما أنت فإن أغلقت أنفك تختنق، أنت مفتقر للهواء، وأكثر من ثلاث دقائق تموت، وأنت مفتقر للماء، ومفتقر للطعام، ومفتقر للنوم، ومفتقر لزوجة، مفتقر إلى بعض الأدوات والأجهزة، لذلك في رمضان يشعر المؤمن بافتقاره إلى الله عز وجل، فما هي العبودية ؟ أن تفتقر إلى الله.

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

( سورة آل عمران الآية: 123 )

 يعني مفتقرون، أما في حنين فلم يكونوا مفتقرين، فقالوا:

(( لن تغلب اليوم من قلة ))

[ أخرجه البيهقي عن أنس ]

 نحن كثر.

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

( سورة التوبة )

 أيها الإخوة، إحساسك بالجوع والعطش نوع من الافتقار إلى الله، أنت ـ عفواً ـ لا تعرف قيمة هذا القميص الذي ترتديه إلا في الحج، حيث ترتدي منشفتين، هنا قميص له أكمام، له أزرار، فضفاض، هناك ترتدي منشفتين، لا تعرف قيمة الثياب إلا في الحج، لذلك نقول في الدعاء:

(( اللهم أرنا نعمك بوفرتها لا بفقدها ))

 الشيء بالشيء يذكر: نحن كنا ننعم بما يسمى بتوازن القوى في العالم، بوجود معسكرين كبيرين بينهما حرب باردة، وكلما تحرك معسكر ليأخذ ما ليس تصدى له المعسكر الآخر، فكل الدول الضعيفة تنعم برخاء بأمن واستقرار، لوجود معسكرين، لكن يوم كنا نعيش هذه الحرب الباردة ما كنا نعرف أن في الأرض معسكرين، أما حينما انفرد قطر واحد رأينا منه الأهوال، رأينا منه القهر، والنهب، والسلب، والإذلال، رأينا منه أنه فرض علينا ثقافته وإباحيته.
 إذاً البطولة أن ترى النعمة بوفرتها، لا بزوالها، جميع الأغبياء يعرفون النعم عند غيابها، لكن الأذكياء الموفقون يعرفون النعم بفورتها.
 لذلك مرة سأل وزير ملكا، وقد طلب كأساً من الماء، قال له: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذا الكأس من الماء لو منع منك ؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه ؟ قال: بنصف ملكي الآخر، مُلك طويل عريض يساوي كأس ماء.
 لذلك نحن في رمضان مفتقرون إلى الله، بكأس ماء، لقمة طعام.

6 ـ الشعور بمعاناة الفقر والجائع:

 الشعور بمعاناة الفقر
شيء آخر: فكرة، ومعاناة: لو أن لك صديقا نشأ خلاف بينه وبين زوجته، وزوجته تركته إلى بيت أهلها، أنت عندك فكرة أن زوجة صديقك ذهبت إلى بيت أهلها، هذه فكرة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تؤثر على سلامتك وسعادتك، أما الصديق فيأتي ظهراً فلا يجد زوجة، وطبخا، ولا طعاما، الأولاد يحتاجون إلى عناية، الصديق عنده المعاناة، وأنت عندك فكرة هجر الزوجة، الفرق كبير.
 مثلاً: لو أريتك خارطة لقصر، وفيها كل شيء، الطوابق، والغرف مساحاتها، الشرفات، هذه فكرة، أما أن تملك هذا القصر فشيء ثانٍ.
 لو قلت لك: مئة مليون دولار، هذه واضحة، بين أن تملكها وأن تنطق بها فرق كبير جداً، مئة مليون دولار، النطق بها سهل جداً.
 لذلك في رمضان تعرف معاناة الفقير أبداً، الفقراء في أول الثورة الفرنسية ما وجودوا خبزا، تقول ماري أنطوانيت: يأكلون ( الكاتو )، إذا ما وجد أحدنا خبزا يأكل( الكاتو )، وهو أطيب، فلا معاناة إطلاقاً.
 لذلك قالوا:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده  ولا الصبابة إلا من يعانيها
***

 أنت في رمضان يمكن أن تعاني مشكلة الفقير، أنت جائع، الذي ملأ معدته بالأكل لا يعنيه، أما الجائع فمنظر الأكل، ورائحة الطعام تعنيه، إذاً: يمكن أن تشعر بجوع الفقير في رمضان، وأن الجوع شيء لا يحتمل، الله عز وجل ذكر نعمتين عظيمتين من نعمه، فقال:

﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾

( سورة قريش )

 أكبر نعمتين على الإطلاق أن تأكل فلا تجوع، وأن تأمن فلا تخاف، الآن أكبر عقابين للأقوام الفاسدة:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾

( سورة النحل )

 أكبر نعمتين الشبع والأمن، وأكبر نقمتين الجوع والخوف،

﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

 إذاً أنت في رمضان فضلاً عن أنك تستعين بالصيام على طاعة الله التامة لأنك تركت الحلال، تركت المباح فلأن تدع الحرام من باب أولى.
 وأعانك الله بالصيام على أن تشعر بجوع الفقير، أعانك الله بالصيام على أن تشعر بعبوديتك لله عز وجل.

الصيام عبادة جماعية:

 الصيام عبادة جماعية
شيء آخر، الصيام عبادة جماعية، تصور بلدنا خمسة ملايين في دمشق يأكلون في ثانية واحدة عقب إطلاق مدفع الإفطار، الطرقات فارغة، عبادة جماعية، النظام محبب، فكأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نُنظم، تجد في رمضان النظام، الإمساك عن الطعام يتم مع أذان الإمساك، الصلوات في المسجد، الفجر في المسجد، العشاء في المسجد، الإفطار في وقت واحد، لذلك الصيام عبادة جماعية، يعلّم التعاون، يعلّم النظام.
 حدثني مرة أخ والده ضابط، نحن من ثلاثين سنة نتناول طعام الغداء مع دقات ساعة بيك بن، الساعة الثانية، في البيت نظام صارم، وجبات الطعام لها أوقات.
 النظام حضارة أيها الإخوة، أحياناً يأتي سائح أجنبي يرى الطرقات عند المغرب فارغة، ما هذا ؟ يشعر أن هناك عبادة جماعية، الله عز وجل أرادنا أن نكون منظمين.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾

( سورة الصف )

 الصلاة أيضاً فيها نظام، فيها أقات.
 مرة قال لي أحدهم: أنا أصلي قبل دخول العصر، وهذا أكثر راحة لي، هناك نظام صارم جداً في الصلوات الخمس، وفي الصيام.
 حج رجلٌ بيت الله الحرام، له منصب رفيع بمصر، في أثناء العودة بالطائرة قال: والله هناك عناية بالغة، لكن لو أقاموا الحج على خمس دورات، كل شهرين دورة لا يكون هناك ازدحام، أين هو من فهم هذه العبادة ؟! هي عبادة اجتماع.
 أنا كنت في القاهرة بمؤتمر إسلامي، طربت طرباً شديداً لاقتراح وزير أوقاف مسلم قال: لو أن كل حاج باستمارته تكتب حرفته، وعلى الكمبيوتر نفرزه، مثلاً: مدرسو الجامعات يعقدون مؤتمرا بمنى لحلّ المشكلات، والهموم المشتركة، عندكم صناعيين يقيمون مؤتمرا، وللمزارعين مؤتمر، وللتجار مؤتمر، ولأصحاب الوظائف المعينة مؤتمر، الحج كأن الله أرادك أن تلتقي بكل المسلمين.
 والحقيقة في الحج يرى الإنسان من كل الجنسيات.
 إذاً: أراد الله من الصيام أن تكون عبادة جماعية، والعزائم التي يقوم بها المؤمن، ويفتقر إليها بعض المؤمنين تؤدى في رمضان بيسر وسهولة.
 إذاً: أيها الإخوة، هذه بعض الملامح التي تلوح في الأفق بهذا الشهر الكريم الذي هو فرصة ذهبية لا تعوض إلا بعد عام آخر، كي تصطلح مع الله.

الخلاصة:

 بالمناسبة، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض، أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، إذا رجع العبد إلى الله أنسى الله الملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، إذا تاب العبد توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه، والملائكة، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، ورمضان فرصة لفتح صفحة جديدة مع الله، فرصة جديدة للإقبال على الله.

 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور