- التربية الإسلامية / ٠7موضوعات مختلفة في التربية
- /
- ٠1موضوعات مختلفة في التربية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من ازداد علماً ازداد قرباً من الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ؛ درس اليوم موجه إلى فئة قليلة ، في كل مجتمع ، في كل جامع، في كل معهد ، في كل مؤسسة ، فئة متفوقة متألقة مجتهدة حققت نجاحاً ، هؤلاء الذين تفوقوا وتألقوا وأفلحوا ، هل هناك مطبات تنتظرهم ؟ هذا الدرس يفيد كل الفئات بشكل أو بآخر ، يفيد فئة ينبغي أن تعلم أن الدين له بداية ، لكن ليس له نهاية ، كلما ازددت علماً ازددت قرباً ، وكلما ازددت قرباً اتسع الأفق ، وكلما اتسع الأفق كان الإدراك أعمق ، وكان الكمال أشدّ ، الشيء الذي لا يقبل أن الإنسان صلى وصام وحضر دروس العلم وعاش وأكل وشرب ، هذا الدين ! لا ، هذا هو الحد الأدنى ، هذا هو التعليم الإلزامي ، فوق التعليم الإلزامي تعليم ثانوي ، تعليم جامعي ، ثم الماجستير و الدكتوراه ومن ثم شهادات تخصصية عليا جداً ، ثم إنتاج علمي، ثم بحث ، ثم اختراع ، فحتى في الحقل العلمي في العالم هناك درجات لا تنتهي ! أحياناً يقول لك : فلان معه أربع شهادات عالمية ، فلان له ثلاثون أو أربعون مؤلفاً ، فلان له اختراع باسمه . يا ترى في الدين في الحقل الديني ، وهو دين الله عز وجل ألا يمكن أن يكون هناك مراتب عليا جداً ؟ طبعاً ، دعونا من الأنبياء والمرسلين ، هذه مقامات مغلقة لا نبي بعدي ، وأظن أن مقام الصديق لا يعدله مقام ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر))
دون مقام الصديق أليس هناك مقامات عليا ؟ هناك أيمان عالية جداً ؟ طبعاً القرآن أقرّ بذلك ، فهناك إسلام ، وهناك إيمان .
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
هناك إحسان ذكره النبي عليه الصلاة والسلام أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هذا الدرس قد يوجه إلى فئة متألقة في المسجد ، وقد يلفت نظر الباقين إلى أن هناك مراتب عليا ينبغي أن نسعى إليها ، لا أن نكتفي بأن صلينا الصلوات الخمس ، وصمنا رمضان ، وحججنا بيت الله الحرام ، ودفعنا زكاة أموالنا ، وتصدقنا ، وانتهى الأمر !! لا لم ينته الأمر ، كل مرتبة فوقها مرتبة . قال بعضهم : هناك مرتبة الإسلام التي هي فوق الإحسان ، بالمعنى الدقيق جداً :
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
أنت تُخلي نفسك لله .
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
عما سوى الله ، إذاً هناك مرتبة الإيمان ، ومرتبة الإسلام ، كل من ينصاع لأمر الله فهو مسلم ، وكل من أقبل على الله بقلبه ، وسعد بهذا الإقبال ، فهو مؤمن ، وكل من رأى الله في كل شيء ، وقبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، وفوق كل شيء ، وتحت كل شيء ، كل من رأى الله في كل شيء فهو محسن ، وحينما لا يكون لك اختيار مع اختيار الله ، ولا إرادة مع إرادته ، ولا تتمنى إلا أن تكون كما يريد ، فهذه مرتبة الإسلام التي فوق الإحسان :
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
وقفات متأنية عند بعض النصوص الدينية كما يفهمها كبار العارفين :
نحن إذا وقفنا وقفات متأنية عند بعض النصوص الدينية كما يفهمها كبار العارفين، حتى في التعليم يوضع نص من الشعر في كتاب الصف السابع ، وقد تجد النص نفسه في كتاب الصف العاشر ، وقد تجده في كتاب جامعي ، وقد يدخل أستاذ في الدراسات العليا الأدبية فيأتي بالنص نفسه الذي في كتاب السابع فيشرح بيتاً في ثلاث ساعات ، النص واحد ، لكن الفهم يتغير ، بل إن فهم النصوص شيء اختص الله به بعض الأنبياء .
﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾
النص شيء ، وفهمه شيء آخر ، قد تفهم النص فهماً عميقاً جداً ، يعطيك دفعاً إلى الله لا حدود له ، وقد تفهم النص فهماً محدوداً ، أو معكوساً يبعدك عن الله عز وجل ، والشواهد كثيرة جداً .
إذا فهمت أن النبي إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، إذا فهمت أن الشيطان يمكن أن يصل إلى النبي ، وأن يلقي في أمنيته شيئاً ، ما هذه النبوة ؟ أين التحصين ؟ أما إذا فهمت الآية بمعنى آخر إذا تمنى النبي هداية قومه ألقى الشيطان في أمنيته هو كي يضلهم وانتهى . الأمر واضح جداً ، إذا فهمت أن الله عز وجل حينما قال في الآية الكريمة :
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾
قد تفهم هذه الآية على نحو تبتعد عن الله بها ، أن الله عز وجل قادر على هداية الخلق ، لكنه لم يشأ أن يهديهم ، لمَ لم يشأ أن يهديهم ؟ من أجل أن يملأ النار ، هذا المعنى لا يليق بحضرة الله عز وجل ، لا يليق بكماله ، لكن المعنى أنني يا عبادي لو كنت مجبركم على شيء ما ، لما أجبرتكم إلا على الهدى ، لكنكم مخيرون ، هويتكم أنكم مخيرون ، فإذا أخذت اختياركم ألغيت وجودكم ، أنتم مخيرون ، فلو أني أردت أن أسلبكم اختياركم ، وأن أجبركم على شيء ما ، لما أجبرتكم إلا على الهدى ، فلا تزعموا أن أعمالكم السيئة بقدر من الله عليكم . ما كان الله ليأمر بالفحشاء ، ولا يحمل عبده على الفحشاء ، ولا ليجبر عبده على الفحشاء ، وحسن الظن بالله ثمن الجنة ، نصوص كثيرة جداً بين أن تفهمها فهماً تتألق بهذا الفهم ، وبين أن تفهمها فهماً ثقيلاً .
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
إن فهمت هذه الآية على أن الله خلق في الإنسان الفجور انتهى الدين كله ! إذا فهمت هذه الآية على أن الله يخلق في النفس الفجور ، ما ذنب هذا الفاجر ؟ معه الحجة على الله يوم القيامة ، لكن قال :
﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
جبلها جبلة عالية راقية ، بحيث لو فجرت تعرف ذاتياً أنها فجرت ، أعطاك ميزاناً نفسياً داخلياً ، دائماً أنت تعرف واقعك تماماً ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
منية من اتقى الله وعمل الصالحات ليست كالذي اجترح السيئات :
أيها الأخوة ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :
((صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب . .))
تجد إنساناً يموت موتة رائعة ، في بيته بين أحبابه ، قبل أن يموت يلقي الله في روعه أنه اقترب أجله ، فيودع أقرباءه ، يستغفر ربه ، يكتب وصيته ، يموت موتة هنيئة معززة مكرمة .
كنت ذات مرة في تعزية ، جلس إلى جانبي أحد علماء دمشق الأجلاء ، وهو يتمتع بأعلى درجة من الصحة ، وسألته وأجابني ، ودار بيننا حديث ، ثم قام وخرج من التعزية، ما إن خرج من البيت متراً واحداً حتى لقيه أخ مؤمن لا يعرف اسمه ، لكن عرفه من زيه الديني، دعاه إلى أن يوصله إلى بيته ، ركب معه في السيارة ، وانطلق به إلى البيت ، دخل بيته ، وصعد حتى الطابق الرابع ، وفتح الباب ، ودخل إلى بيته ، ودخل إلى غرفته ، ونزع عمامته ، وخلع جبته ، واستلقى على السرير ، وفاضت روحه إلى السماء ! لو أراد أن يأخذ سيارة أجرة يموت في السيارة ، كيف سخر الله له إنساناً لا يعرفه ، ولا يعرف اسمه ، أقله إلى بيته وفاضت روحه على سريره ، بينما وجدت مرة إنساناً أمام قصر العدل ملقى على الطريق ، وقد جُلِل بقماش ، قاوا : هذا مات هنا ، ذهبت إلى عملي ، وعدت بعد ست ساعات ، هو مكانه مغطى، لم يأت الطبيب الشرعي ، إنسان يموت بالمرحاض أحياناً ، إنسان يموت شعر بأنه يرى التلفاز بشكل مشوش ، شعر بأن هناك غصناً من أغصان الشجرة التي أمام البيت تشوش الصورة من على الصحن ، فجاء بسلم وصعد الشجرة ، وقطع هذا الغصن ، اختل توازنه ، تمسك بهذا الغصن ولكنه قد قطعه ، فوقع ميتاً ، موتة رائعة في سبيل نقاء الصورة .
معركة تمت على السطح مع لص للإبر ، فمعه أزمة قلبية ، لكمه لكمة هذا اللص فأرداه قتيلاً ، أيضاً على السطح ، هناك من يموت وهو يعصي الله ، يموت في دار لهو ، يموت في ملهى ، يموت وهو يتابع شيئاً محرماً ، وهناك من يموت في المسجد ، هناك من يموت وهو يصلي ، هناك من يموت في ليلة القدر ، يقول عليه الصلاة والسلام : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء" الإنسان المؤمن الذي أمضى حياته في طاعة الله وفي تقواه ، وفي طلب العلم ، قرأ القرآن وعلمه ، وتابع النبي العدنان ، له عند الله موتة راقية ، بل إن الآية الكريمة يقول الله عز وجل :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ﴾
الذي اتقى الله وعمل الصالحات لا يمكن أن يكون موته كالذي اجترح السيئات .
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
صدقة السّر تطفئ غضب الرب :
صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب .
والله الذي لا إله إلا هو ما من مؤمن يسترضي الله بصدقة وقد أحاطت به مشكلة شبح مصيبة، أو إنسان هدده ، أو عليه مبلغ ضخم لا يجد سداداً له إلا و استجاب الله له و كشف ما به من ضرّ ، المصائب كثيرة جداً في الحياة ، والإنسان بهذا العصر سبحان الله لحكمة أرادها الله فوقه ألف سيف ، كيفما تحرك قد يحاسب
لذلك الإنسان إذا شعر بخطر ، شعر بمطب كبير ، شعر بشبح مصيبة ، لاح له خطر ، إنسان توعده ، إنسان لا يقوى على مغالبته ، فدفع صدقة فيما بينه وبين الله ، صدقة السر تطفئ غضب الرب . باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ، الصدقة تقع في يد الله ، قبل أن تقع في يد الفقير ، والله أكثر من أخ ، والله عشرات وقريب من مئات استرضوا الله بصدقة فأذهب الله عنهم كل مكروب .
نقطة دقيقة : الدعاء والصدقة يقويان العقيدة ، أنت عندما تدعو الله عز وجل ، والأمور كلها ضدك ، بقدرة قادر تنعكس الآية ، الأمور كلها لصالحك ، معنى ذلك أن الأمر كله بيد الله ، وأن الله سمعك واستجاب لك ، وأراد ك أن تتقوى عقيدتك بقدرته وسمعه وبصره ومحبته ورحمته .
أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يكون محجوباً عن الله :
العلماء قالوا : المصيبة التي لا تنجبر مصيبة المصائب ، أكبر مصيبة تلم بالإنسان ، الإنسان قد يسأل هل الفقر ؟ لا ، مرض عضال ؟ لا ، تشرد ؟ لا ، مرض الولادة ؟ إفلاس ؟ فقر مدقع ؟ دخول السجن ؟ لا ، المصيبة التي لا تنجبر أن تكون محجوباً عن الله ! لأن الله عز وجل تجلى عليك وأنت في أصعب حالة فتغدو أسعد الناس ، قد يسعدك وأنت فقير، وقد يشقيك وأنت غني ، قد يسعدك وأنت مريض ، وقد يشقيك وأنت صحيح ، قد يسعدك وأنت ضعيف ، وقد يشقيك وأنت قوي ، فالمصيبة التي لا تنجبر هي أن تكون محجوباً عن الله .
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
الأدب مع الله عز وجل و الاعتراف بفضله :
الآن دخلنا في الموضوع الذي بدأنا به ، إنسان له مكانة ، أخ كريم ، متفوق ، متألق ، موضع نظر المؤمنين ، قدوة لهم ، أخوانه يرمقونه بملء عيونهم ، هذا لو أراد الله أن يؤدبه كيف يؤدبه ؟ لا يسوق له مصيبة مؤلمة ، لا ، الله أجلّ من ذلك ، يحجبه ، يقف ليصلي، يقرأ القرآن ، يذكر الله ، الله عز وجل يؤدبه ، ويحفظ له مكانته ، وكرامته ، ويستره ، فإذا حجب الله عز وجل إنساناً فبسبب تقصير أو ميل للدنيا ، يقول أحد الشباب وقد لزم شيخاً والشيخ علمه أن لكل سيئة عقاباً ، وأن هذا الشاب زلت قدمه مرة فوقع في مخالفة ، وحسب كلام الشيخ ينتظره من الله عقاب أليم ، فصار ينتظر ، ظن أن العقاب لعله يأتي إلى جسمه ، أو إلى أهله، أو إلى أولاده ، أو إلى ماله ، مضى أسبوع أسبوعان ، في أثناء المناجاة قال : يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني ؟ قال : وقع في قلبه أن يا عبد لقد عاقبتك ولم تدر ! ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ هذا أكبر عقاب ، لا تنتظر إذا كنت قريباً من الله ، وعلى مستوى راق جداً ، إذا كنت متألقاً لا تنتظر أن يكون العقاب مصيبة في مالك ، أو جسمك ، عقاب المتفوقين الحجاب ، يحجبك عنه ، إذا ابن تربيته عالية جداً جداً ، يكفي ألا ينظر إليه أبوه حتى يحترق ، أعرض عنه فقط ، وأساساً من يخاف من عقابك المادي هذا لا يحبك ، أما الذي يخاف أن تنقطع صلته بك فهذا الذي يحبك ، والمؤمن أحد أسباب إقباله على الله الشديد أنه يخاف أن تنقطع صلته بالله ، الدنيا محببة ، وخضرة نضرة ، لكنه يخشى إذا أخذ من مباحاتها أن يحجبه الله عز وجل، فيدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس
هذا الشاب قال له : إلهي كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له : ألم أحجبك عن لطائف أنسي ؟ ألم أخرج من قلبك حلاوة مناجاتي ؟
قلت لكم مرة : الحجاج أمر بقتل الحسن البصري ، فاستدعاه فلما دخل وجد السيّاف جاهزاً ، قال : " يا مؤنسي في وحشتي ، يا ملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم " اختلف وضع الحجاج ، جاء به ليقتله فاستقبله ، ووقف له ، وقال له : يا أبا سعيد أنت خير العلماء ، واستفتاه ، وأضافه ، وأكرمه ، وعطره ، وشيّعه إلى باب القصر ، لذلك المؤمن مستجاب الدعوة ، أكبر كرامة له عند الله أنه مستجاب الدعوة ، قال : الكفار محجوبون بظلمة الضلالة عن نور الهدى ، أهل المعصية محجوبون بظلمة الغفلة عن أنوار التقوى ، هنا الدرجة العليا ، أهل الطاعة محجوبون أحياناً بظلمة رؤية الطاعة عن أنوار رؤية التوفيق ، أنا مستقيم باعتداد ، وكأن هذا من جهده الشخصي ، هذه بطولته ، الناس ضائعون ، أنا أضبط أموري ، هذا نفسه ذنب ، يجب أن ترى توفيق الله لك ، يجب أن ترى معونة الله لك ، يجب أن ترى أن الله سمح لك أن تكون مؤمناً ، وأسمعك الحق .
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
يجب أن ترى لولا فضل الله عليك ما كنت كما أنت ، دخلت لبيت أحد من يعمل في الحقل العلمي وجدت آية قرآنية ، والله اقشعر جلدي .
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
هؤلاء الذين يرتكبون الجرائم بشر مثلنا ، ساعة حمق قتل ، وضع في السجن ثلاثين سنة ، الله عز وجل نورك ، هؤلاء الذين يرتادون الملاهي بشر مثلنا ، كل يوم بالملهى ، الذين يأخذون المخدرات بشر مثلنا ، الذين يزنون بشر مثلنا ، الذين يشربون الخمر ، أناس كثيرون غارقون في شرب الخمر وتناول المخدرات ، في الزنا ، في الشذوذ ، في سرقة المال والاحتيال على الناس ، الله عز وجل شرفك وكرمك وجعلك إنساناً مؤمناً ، تعرف الحقيقة ، ومنضبط بالمنهج ، هذه نعمة الله الكبرى ، لا ترى أنك مستقيم ، يجب أن ترى توفيق الله لك حتى جعلك مستقيماً ، فطبعاً الكفار محجوبون بظلمة الضلالة عن نور الهدى ، وأهل المعصية محجوبون بظلمة الغفلة عن أنوار التقوى ، لكن أهل الطاعة محجوبون بظلمة رؤية الطاعة عن أنوار رؤية التوفيق ، هذا الكلام يؤكده أخ من إخواننا زارني في البيت ، ما إن دخل البيت حتى أجهش بالبكاء ، قلت له : خيراً ؟ قال : أنا أطلقت بصري في الحرام ، معاذ الله ، قلت له : تب إلى الله ، قال : تبت عشرين مرة ، وكل مرة أنقض التوبة ، والله أنا وقتها لم أجد حلاً ، قلت له : الحل عندي أن تتوب ، قال : أتوب ثم أعود ، زارني مرة ثانية فهمت ، له أب ليس ملتزماً مثله، يتابع بعض المسلسلات ، تأتي خالته يجلسون سوية ، بالنسبة له هذه حرام وهذه حرام . . فبدأ يحتقر والديه ، ويقسو في الكلام ، وبدأ يستعلي عليهما ، عصاة هو مستقيم ، فأدبه الله بأن ضعّف مقاومته ، اعتد باستقامته ، ما رأى توفيق الله له ، رأى قدرته على طاعة الله ، ورأى إرادته القوية ، هو لا يتابع هذه المسلسلات ، هو لا يجلس جلسة مختلطة ، أبوه منحرف وعاصٍ، فلأنه نسي فضل الله عليه لفت الله نظره ، ضعّف له مقاومته ، يا ترى هذا الكلام صح؟ صح قاله سيدنا يوسف :
﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
الأدب ، هذه أعلى درجة في الأدب .
﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
لذلك قال ابن عطاء الله السكندري : " رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً ، خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ".
التّولي و التّخلي :
المفتقر أقرب إلى الله ، المكسور أقرب إلى الله ، والمعتد محجوب عن الله ، أنا أخاطب المتفوقين : إذا كنت متفوقاً ، وإذا كنت داعية ، وإذا كنت شخصاً مهماً في الدين ، عندك علم غزير ، وحكمة بالغة ، ينتظرك مطب خطير ، أن تنظر إلى طاعتك لا إلى فضل الله عليك ، أن تنظر إلى قوة إرادتك لا إلى معونة الله لك ، هذا مطب . طبعاً الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه الإحياء عقد باباً أظنه في الفصل الأول عن الغرور وقال : " إن هذا المرض يصيب حتى العلماء " وكنت أقول دائماً : إن أراد الإنسان أن يصل إلى القمة - لا تقولوا قُمة ، القُمة أي القمامة ، القِمة بالكسر ، هناك أخطاء شائعة كثيرة جداً ، يقول لك : أنا مولّع أي ثور أحمر ، قل : أنا مولَع ، لا تتفاصح ، تقول : التجارُب ، التجارب العدوى بالجرب، يجب أن تقول : التجارِب ، لا تقل : أخي طبيب أخصائي في أمراض الدم ، أي يخص ، اختصاصي ، يوجد كلمات كثيرة فيها خطأ شائع ، لكن الخطأ الشائع هو الشائع ، والصواب ضائع ، هذه المشكلة - فالإنسان حينما يعتد بطاعته ، وينسى فضل الله عليه ما قرأ قوله تعالى :
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
هذا مطب ، القِمة بلوغها صعب يحتاج إلى جهد كبير ، وكأنها قمة مادية لها طريق ملتو كله أكمات وأحجار وتراب وغبار ، فإن وصلت إلى القِمة هناك طريق زلق يعيدك إلى القاع بثانية واحدة ، وهو طريق الغرور ، فمن عظمة الأنبياء أنهم في أعلى درجات تألقهم كانوا في أعلى مستويات افتقارهم إلى الله ، والدرس الشهير جداً الذي أدب الله به أصحاب النبي الكرام أنهم في بدر قال الله عنهم :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
وهذا الدرس يحتاجه كل مؤمن ، كل يوم أنت في بيتك ، في عملك ، في وظيفتك، في تسيير معاملة في بعض الدوائر ، تقول : أنا لي مكانتي ، الناس يحترمونني ، يخافون مني، لي أسلوب ، الدراهم مراهم مثلاً ، فتفشل ، تقول : يا رب أنا الضعيف وأنت القوي ، أنا الجاهل وأنت العالم ، أنا الفقير وأنت الغني ، إن أقبلت على الله مفتقراً تولاك الله ، إن اعتددت بقدراتك الذاتية تخلى الله عنك ، وكل واحد منا يحتاج إلى هذا الدرس كل يوم .
قال : من رأى نفسه عند الطاعة لم يتخلص من العجب ، كلمات تحتاج إلى تبصرة ، مكثفة جداً تحتاج إلى تمديد ، ربما يُحجب المرء برؤية العبادة عن وجدان حلاوتها ، وربما يحجب المرء بوجدان الحلاوة عن صحة الإرادة ، وربما يحجب المرء برؤية المِنّى عن المنان ، وربما يحجب المرء برؤية النعمة عن المنعم .
قال : من رأى الخلق لم يتخلص من الرياء ، ومن رأى الطاعة لم يتخلص من الغرور ، ومن رأى الثواب لم يتخلص من الحجاب ، ينبغي أن ترى الله ، هذه مستويات عالية ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
هناك قصة ؛ دخل شيخ مدينة فتبعه خلق كثير ، فلما نظر هذا الشيخ إليهم وإلى ازدحامهم عليه قال : اللهم إني أعوذ بك أن تحجبني عنك بهم ، وأعوذ بك أن تحجبهم عنك بي، كلام عميق ، أحياناً الإنسان لا يرى إلا شيخه ، لكن الله هو الأصل ، وأحياناً شيخ لا يرى إلا مريدينه ، والله هو الأصل . اللهم لا تحجبني عنك بهم ، وأعوذ بك أن تحجبهم عنك بي ، الله هو الأصل ، لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، ولكن أخوة و صحبة، هذا كلام عميق قليلاً ، لا أعرف مدى قبوله عندكم ، لكن هذا الواقع ، يجب أن تكون مع الله دائماً ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، ألا تتكل على غيره ، ألا تأنس إلا به ، ألا تعتمد إلا عليه ، ألا ترى أحداً فعالاً غيره ، ألا ترى معطياً إلا هو ، ألا ترى مانعاً ، ألا ترى خافضاً ، ألا ترى رافعاً ، ألا ترى معزاً ، ألا ترى مذلاً ، إلا الله ، هذا هو التوحيد ، والتوحيد نهاية العلم ، نهاية نهاية العلم أن توحد ، والتقوى نهاية العمل ، فإذا وحدت الله واتقيت أن تعصيه فقد مسكت المجد من طرفيه .
الاستعانة بالله و الالتجاء إلى حوله و قوته في كل أمر :
معنى هذا أنك بحاجة إلى خلوة مع الله ، وبحاجة إلى جلسة مع الناس ، مع الناس ترقى بالعمل الصالح ، ومع الله ترقى بالإقبال عليه ، ولابد من التوازن ، طبعاً علمنا الله بالقرآن الكريم قصتين شهيرتين : قصة سيدنا داود الذي آثر أن يكون مع الله على أن يكون مع الخلق، فعاتبه الله ، وسيدنا سليمان الذي آثر أن يكون مع الخلق عن أن يكون مع الله فعاتبه الله ، لا بد من التوازن ، لابد من أن تكون مع الله ومع الخلق ، مع الله مقبلاً ، مع الخلق معيناً ، مع الخلق يوجد عمل صالح ، ومع الله يوجد شحن .
مرة كنت أذكر لكم هذا كثيراً : رجل قدم لي بيلاً صغير جاء به من بلد آخر ، هذا يشحن في الكهرباء ، لا يوجد فيه بطاريات ، فحينما أنسى أن أشحنه و أريد أن أستخدمه فلا يعمل ، وحينما أشحنه يتألق كالشمس ، قلت : هذا كالمؤمن إذا لم يشحن كل أسبوع شحنتين أو ثلاث يضعف ، يقول لك : منزعج ، هذا صحيح ، أشعر بالملل ، صحيح ، هذا حال كل مؤمن لا يشحن ، الحياة مملة يا أخواننا ، والله مملة ، لكن يحبها من لم يصل لها ، لا يزال شاباً صغيراً ، يفكر في بيته ، ومن سيتزوج ، وماذا سيعمل في الكبر ، بعد أن تحدد عمله وزوجته وبيته ، الحياة لم يعد لها معنى إطلاقاً
أنا أقول : الإنسان شاب مادام الله همه ، فإذا كان همه الدنيا انتهى ، تجد شخصاً بعد أن يكون قد وصل لأهدافه لا يحتمل من استعلائه ، و لا يحتمل من تفاهته .
فيا أيها الأخوة ؛ أنت شاب مادمت مع الله ، شاب مادمت تحمل هموم المسلمين ، شاب مادام الله هو هدفك الكبير ، فإذا قنعت بالدنيا ، وركنت إليها ، انتهيت ، الحجاب أشدّ أنواع العقاب قال : من اشتغل بطرائف الحكمة ودقائقها صار محجوباً عن حقائقها ، يحب هذه الطرف يحفظها ويحكيها ويضحك الناس ، طرف جميلة جداً ، من اشتغل بطرائف الحكمة ودقائقها صار محجوباً عن حقائقها ، وما أعرف معصية أضرت بصاحبها من نسيان الرب ، وعلاقة القلب بغيره ، وكل همّ وذكر لغير الله تعالى حجاب بينك وبين الله ، ورب حسنة يعملها الرجل لا يكون له سيئة أضر عليه منها ، حسنة تجعله يتكبر . لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ، أعوذ بالله ، أكبر من الذنب العجب العجب ، سردت من يومين فكرة أن الإنسان أحياناً عنده كيلو لبن وجاءه عشرون شخصاً ، ليس لديه شيء ، شاي لا يملك ، فأتى بخمسة كيلو ماء ، خلط هذا اللبن بالماء ووضع ثلجاً وقدمه لمن جاءه ، الكيلو لبن تحمل خمسة كيلو ماء ، لكن لا يتحمل نقطة كاز واحدة ، تهدره فوراً ، الدين لا يتحمل كبراً أبداً ، لا يتحمل عجباً أبداً ، بالعجب تحجب فوراً
الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني شيء منهما أذقته عذابي ولا أبالي ، رب معصية أورثت ذلا وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، والدليل الأقوى : النبي صلى الله عليه و سيم ناصبته قريش العداء عشرين سنة ، أخرجته وائتمرت على قتله ، قتلت أصحابه ، نكّلت به ، حاربته ثلاثة حروب ، أرادت أن تستأصله ، ثم فتح مكة ، وكان منتصراً ومعه عشرة آلاف مقاتل ، يأتمرون بكلمة منه ، لو قال : أبيدوهم أبادوهم ، قال : ماتظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . ودخل مكة مطأطئ الرأس حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله تعالى ، هذه نصيحة لوجه الله ، مهما ارتفعت تواضع لله ، لا تنظر إلى ما أنت فيه ، انظر إلى فضل الله عليك ، ينبغي ألا تحجب بالنعمة عن المنعم ، ولا بالفضل عن صاحب الفضل .
قال : رب حسنة يعملها الرجل لا يكون له سيئة أضرّ عليه منها ، ورب سيئة يعملها الرجل لا يكون له حسنة أنفع له منها ، ينكسر ويكون قريباً من الله ويتذلل ويتوب ويستغفر ، أصبح قريباً ، هذه السيئة كسرته فصار قريباً ، والحسنة مع ضعف الإيمان يتكبر بها، أصبح محجوباً ، درس مستواه للمتفوقين ، أما العاديين فأطع ربك تسمى أعظم إنسان ، بعد أن تعمّق بالطاعة تجد أنه مع الطاعة اعتد بالنفس .
سيدنا الصديق كان يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الشرك الخفي " أن ترى نفسك شيئاً مهماً ، قال : نور الدين الشهيد الذي ردّ المغول وحقق انتصارات مذهلة ، مرة سجد لله عز وجل قال : يا رب من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك ، هو حقق شيئاً كبيراً جداً وصف نفسه بهذا الوصف ، ليظهر تواضعه لله عز جل ، وليظهر عظمة الله عز وجل ، إذا الإنسان أقبل على عمل قال : يا رب إني مفتقر إليك ، اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك ، يا ذا القوة المتين ، عود نفسك قبل كل عمل أن تستعين بالله ، أن تتقوى بالله ، أن تتعلم من الله عز وجل ، دائماً الإنسان إذا أعجب بنفسه حجب عن الله عز وجل ، قال : رقصت الفضيلة تيهاً بنفسها ، فانكشفت عورتها ، أحياناً يجلس شخص بجلسة أنا البارحة صليت قيام الليل ، يا إلهي لهذا التجلي الذي حدث ، ابق صامتاً ، عندما يمدح نفسه بقيام الليل ، ويمدح نفسه بأذكاره ، أصبح لديه شهوة ، شهوة أن يستجدي المديح .
قالت رابعة رضي الله عنها : " حجبت الدنيا قلوب أهلها عن الله ، فلو تركوها لجالت في ملكوته ثم رجعت لطرائف الحكمة "
سألوا أحد العارفين بالله : " بأي شيء يعرف العبد بأنه غير محجوب عن ربه ؟ قال : إذا طلبته ولم تطلب منه ، وأردته ولم ترد منه ، واخترته ولم تختر منه شيئاً ، من أحبنا أحببناه ، ومن طلب منا أعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا ".
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :
أحياناً تصبح لديك رغبة أن يكون الله راضياً عنك ، هكذا قال النبي وهو في أشدّ حالات الضعف ، النبي امتحن بالقهر ، قُهر بالطائف ، كُذب ، سُخر منه ، وضُرب وسال الدم من قدميه ، والسفهاء رموه بالحجارة ، ومع ذلك جاءه جبريل ليعطيه القدرة على الانتقام منهم :
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
" . . .إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى " هذا حال المؤمن إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي :
همُ الأحبة ُ إنْ جاروا وإنْ عدلوا فليسَ لي معدلٌ عنهمْ وإنْ عدلوا
إني وإنْ فتتوا في حبهمْ كبـــدي باقٍ على ودهمْ راضٍ بما فعلـــــوا
***
(( ...يا محمد إن اللّه قد سمع قول قومك لك ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً - فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً- ))
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك ، أو يحل عليّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، قال : كل من ليس في قلبه سلطان الهيبة ونار المحبة وأنس الصحبة فهو محجوب ، قال : كفاك من المعرفة أن تعلم أن الله مطلع عليك ، وكفاك من العبادة أن تعلم أن الله مستغن عنك ، وكفاك من المحبة أن تعلم أن حبه سابق لحبك ، وكفاك من الذكر أن تعلم أن ذكره متقدم على ذكرك ، اذكروني أذكركم ، والقلوب إذا قعدت على بساط الهيبة زالت عنها الشهوات ، وإذا قعدت على بساط المعرفة زالت عنها الغفلات .
نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى :
أيها الأخوة ؛ الدين واسع جداً ، وله مراتب عالية جداً ، وكلما ازددت توحيداً ازددت قرباً ، وكلما ازددت إخلاصاً ازددت قرباً ، وكلما ازددت تواضعاً ازددت من الله قربة ، ونهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، وأنت كعبد .
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
أنت عليك أن تعبده وانتهى كل شيء ، أدِّ الذي عليك وانتظر من الله الذي لك .
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
هذا حال العبودية لله عز وجل .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذا الدرس ، أن نكون في المستوى الذي يرضي الله عز وجل ، ويجب أن تعلم هذه الحقيقة من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، والمغبون من تساوى يوماه ، والدين فيه مراتب عالية جداً ، وكلما وصلت إلى مرتبة ينبغي أن تطمح إلى التي أعلى منها ، إلى أن تصل إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر .
بطولة الإنسان العمل للآخرة :
آخر شيء سأقوله لكم : في عالم الحيوان أنت أمام غنمتين ، أهزل غنمة ثمنها يقدر بألفي ليرة ، وأسمن واحدة ثمنها ستة آلاف ، السمينة ثلاثة أضعاف الهزيلة ، أما بعالم البشر :
((فعَنْ سَهْلٍ قَالَ : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ ،وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْتَمَعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ))
إذا أردنا أن نفهم النص فهماً رياضياً ، هذه الأرض محيطها أربعون ألف كيلو متر، نحن من محيطها نعرف قطرها وحجمها ، لو عرفنا حجم الأرض ، لو أنها كرة مجوفة وأخذنا حجم الإنسان ، وقسمنا حجم الأرض على حجم الإنسان ، تظن كم مئة ألف مليار تتسع ؟ رقم فلكي ، ممكن أن يكون هناك إنسان أفضل من مئة ألف مليار إنسان ، إذا عرف الله ، واستقام على أمره ، وقد يكون في الحياة إنسان عادي ، عامة الناس شخص عادي جداً إذا حضر لا يعرف ، وإذا غاب لم يفتقد .
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ ، لا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ))
قد تكون عند الله في أعلى العليين ، وقد تكون في الدنيا إنسان في المرتبة الدنيا في المجتمع ، قد يكون حاجباً ، أو ضارب آلة كاتبة ، أو موظفاً ، أو مدرساً ، لا يوجد من يعطيه ألقاب ، وليس له وسائل ركوب خاصة ، وقد يكون عند الله في أعلى عليين ، لذلك ابتغوا الرفعة عند الله ، هذه الرفعة عند الله مستمرة حتى بعد الموت ، أما رفعة الدنيا فتنقطع عند الموت ، طبعاً يقال له : يا عبد الله و لو كان ملكاً في السابق أليس كذلك ؟ هل قال له : يا صاحب الجلالة ؟ يا عبد الله ؟ الإنسان يعجب أن الدنيا يفقدها في ثانية واحدة ، الموت يلغي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، وغنى الغني ، وفقر الفقير ، وصحة الصحيح ، ومرض المريض ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، الموت قطع .
﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾
فبطولتنا جميعاً في العمل للآخرة ، الدنيا والله محدودة ومملة ، الإنسان ماذا يأكل في الصباح ؟ أفقر إنسان يمكن أن يستمتع بصحن فول مثل الملك ، وأفقر إنسان ممكن أن يستمتع بأكلة مثل الملك ، وأفقر إنسان يأنس بزوجته مثل الملك ، وأفقر إنسان يأوي إلى بيته ، مدفأ في الشتاء ، أمامه أولاده مثل الملك ، الفرق فرق بسيط جداً ، أساسيات الحياة بيد كل إنسان ، أحياناً منظر القمر ، منظر البحر ، النسمات اللطيفة ، في الربيع ممكن أن تذهب إلى أي مكان ترى الأرض خضراء ، الأشجار جميلة ، الأساسيات واحدة ، لكن الناس من تعلقهم بالمظاهر أشقوا أنفسهم ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذا الدرس .