وضع داكن
23-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 55 - الاختيار - الإضلال عن الشركاء ـ اليعسوب
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ علاء :

تقديم وترحيب :

 أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ما زلنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ونرحب بك سيدي الأستاذ .
نكمل المحطة الهامة المقوم من مقومات التكليف وهو الاختيار .

تذكير بما سبق :

 كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة وفي حلقات سابقة عن الاختيار ، وأن الله عز وجل جعل الاختيار للإنسان فيما كلف به ، وتبينا الآيات التي يُشم منها رائحة الجبرية ، وضحنا بأن لا جبر فيها ، ولا قسر فيها ، ووضحنا الإضلال الجزائي ، والإضلال الحكمي ، وبقي علينا في هذه الحلقة أن نتحدث عن الإضلال عن الشركاء ، ماذا نقصد بالإضلال عن الشركاء ؟
الدكتور راتب :

كلمة التوحيد : لا إله إلا الله :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 – ماذا تعني كلمةُ التوحيد ؟

 أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله ، وتعني أنْ لا معطي ، ولا مانع ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، ويد الله تعمل وحدها .

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف الآية : 84 )

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف )

2 – كلمة التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعًا :

 هذا هو الإيمان ، بل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء التوحيد والعبادة .

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

( سورة الأنبياء )

 يعني فحوى رسالات السماء من آدم إلى يوم القيامة التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
 أما الإيمان بالله خالقاً فإن إبليس مؤمن به خالقاً ، قال :

 

﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾

( سورة الأعراف )

 إبليس مؤمن أنه رب عزيز ، قال :

 

﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

( سورة ص : 82 )

 أما أن تؤمن أن الأمر بيد الله ، وأن يد الله تعمل وحدها ، وأنه لا معطي ، ولا مانع ، ولا خافض ، ولا رافع إلا الله ، فهذا هو الإيمان .

 

3 – الاتجاه لغير الله ينافي عقيدة التوحيد :

 حينما يتجه الإنسان لغير الله يقع في الشرك .
 مرة ضربت مثلاً دقيقًا : إنسان له مبلغ كبير ، هو في دمشق ، ومبلغ كبير جداً في حلب ركب القطار المتَّجه إلى حلب ، قد يقترف أخطاء كثيرة في هذا الركوب ، قد يركب في الدرجة الثالثة وبطاقته درجة أولى ، هذا خطأ ، لكن الطريق باتجاهه لحلب ، قد يجلس مع شباب أصواتهم عالية ، مزاحهم ثقيل ، هذا خطأ ثانٍ ، قد يجلس بعكس اتجاه القطار فيصاب بالدوار ، هذا خطأ ثالث ، قد يتلوى من الجوع ، وفي القطار مطعم ، هذا خطأ رابع ، لكن القطار في طريقه إلى حلب ، وهدفه محقق ، أما الخطأ الذي لا يغتفر أن يركب قطار مدينة درعا .
 هذا هو الشرك ، الشرك توجهت إلى غير الله ، إلى مخلوق ما عنده شيء ، وإذا توجهت إلى الله يغفر لك كل أخطائك ، أما إذا توجهت إلى غير الله ، وإذا علّقت الأمل بغير الله ، وإذا واليت غير الله ، إذا عقدت الأمل على غير الله ، إذا خفت من غير الله ، إذا كنت مجيراً لغير الله ، إذا كنت محسوباً على غير الله فقد احتقرت نفسك .
 مرة عالم جليل أجرى عملية في بريطانيا ، وجاءته مئات ألوف الرسائل والاتصالات ، لفت نظر مَن في بريطانيا ، أجرت معه المحطة الإذاعية حوارًا ، سألته : ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ هو اعتذر عن الإجابة ، فلما ألحوا عليه ، قال : لأني محسوب على الله .
 حينما يكون الإنسان محسوبًا على غير الله يحتقر نفسه ، فأنت لله ، لذلك كن مع الله تكن حراً ، فإذا كنت مع غير الله تكون عبداً .
 التوحيد هو الدين ، لا يقبل مؤمن أن يكون لغير الله ، ولا أن يكون محسوباً على غير الله ، ولا أن يكون مجيراً لغير الله ، ولا أن يكون حسنة لغير الله ، أو سيئة لغير الله .
الأستاذ علاء :
 هذا هو محض التكليف .

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾

( سورة الإسراء الآية : 70 )

 التكريم أن يكون محسوباً ، وحراً على الله فقط ، فإذا حسب على ما دون الله عز وجل فقد ضاع ، واحتقر مكانته ، وزهد بمكانته .
الدكتور راتب :

 

الرغبة عن دين الله سفاهة واحتقار :

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

( سورة البقرة الآية : 130 )

 أي عُدَّ عند الله سفيهاً .
 حينما لا ترغب بما عند الله ، حينما تتجه إلى غير الله غير الله عبد مثلك فأنت سفيه .

 

النبي بشرٌ لا يملك نفعا ولا ضرا :

 النقطة الدقيقة جداً : سيد الخلق ، وحبيب الحق قال :

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة الأنعام )

﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾

( سورة هود الآية : 31 )

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾

( سورة الجن )

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾

( سورة الأعراف الآية : 188 )

 هذا سيد الخلق وحبيب الحق ، فما قولك فيما دون ذلك ؟ .

(( يا فَاطِمَةُ ، أنِقذُي نفُسَكِ مِنَ النَّارِ ، فإنَّ لا أملك لكم من اللّه شيْئا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبو هريرة ]

 لا يأتوني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم .

(( ومَن بطَّأَ به عَملُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسبُهُ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبو هريرة ]

 لو أن إنسانا استطاع أن ينتزع من فم النبي الكريم فتوى لصالحه ، وكان لسِناً ذا حجة ، والنبي أفتى له ، فلا ينجو من عذاب الله ، فما بال أناس يتعلقوا بفتوى إمام مسجد لا يفقه من الفقه شيئاً .
 عن أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ :

(( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا ))

[ متفق عليه ]

 إذاً قضية أن الإنسان ما يكون موحدًا مشكلة كبيرة جداً .

 

ماذا يعني الشرك ؟

 الشرك أن تتجه إلى غير الله ، أن تعقد الأمل على غير الله ، أن تعتمد على مالك فقط ، أن تعتمد على منصبك فقط ، أن تعتمد على من حولك فقط ، أن تنسى الله ، أن تعبد غير الله ، لا أقول لك أن تعبده أن تجعله إلهاً ، لا ، يكفي أن تعصي الله من أجله فأنت تعبده ، يكفي أن تطيعه في معصية الله .
الأستاذ علاء :
 سيدي ما الفرق بينها وبين أن نجعلها من الأسباب المتخذة ؟
الدكتور راتب :

بين الاعتماد على غير الله واتخاذ الأسباب :

1 – الأسباب بين تأليه الغرب لها وترك المسلمين :

 الله عز وجل قال :

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾

( سورة الكهف )

 عندي نقطة دقيقة جداً ، بارك الله بك أستاذ علاء ، أنا أمشي على طريق ضيق ، عن يمينه وادٍ سحيق ، وعن يساره وادٍ سحيق ، أنا إن أخذت بالأسباب كما يفعل العالم الغربي واعتمدت عليها كلياً ، ونسيت الله عز وجل وقعت في وادي الشرك ، وإن لم آخذ بها إطلاقاً ، واعتمدت على التواكل وليس توكلاً كما يفعل أهل الشرق وقعنا في معصية أخرى ، فإما وقعنا في الشرك حينما ألهنا الأسباب واعتمدنا عليها ونسينا الله عز وجل ، وإما تركنا الأسباب فوقعنا في المعصية .

 

2 – الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :

 ما الصواب ؟ أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .

النبيُّ يجسِّد حقيقة الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :

 كما فعل النبي في الهجرة ، اختار من يأتيه بالأخبار ، اختار من يمحو له الآثار ، اختار من يأتيه بالزاد ، سار باتجاه معاكس لهدفه ، سار مساحلاً ، قبع في غار ثور ثلاثة أيام ، استأجر دليلا رجح فيه الخبرة على الولاء ، لم يدَع ثغرة في الخطة إلا سدّها ، ووصلوا إليه ، لأنه أخذ بالأسباب تعبداً ، وتوكل على الله يقيناً ما تأثر ، فعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ :

(( مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

 لماذا سمح الله للمطاردين أن يصلوا إلى الغار ؟ ليبين أن أخذه بالأسباب تعبداً ، لكن اعتماده على الله ، هذه بطولة ، وفي رواية ضعيفة ، لقد رأونا ، قال له : يا أبا بكر ، أما تقرأ قوله تعالى :

 

﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ درس الهجرة درس أساسي لنا جميعاً .
 لذلك الحديث الدقيق :

(( إِن الله يَلُومُ على العَجْز ))

[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ]

 أمّا أن أستسلم ، ولا أتحرك ، دون أن آخذ بالأسباب ، وأقول : هذا ترتيب الله ، هكذا مصيرنا ، انتهينا ، ما بيدنا شيء ، هذا كلام بعيد عن جوهر الدين ، يجب أن آخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم أتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 بطولة السلف الصالح أنهم أخذوا بالأسباب ، واعتمدوا على الله ، وخطأ الغرب أنه أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، خطأ الشرق أنه لم يأخذ بالأسباب أبداً ، تواكل على الله ، ولم يتوكل توكلاً صحيحاً .

 

الإضلال عن الشركاء :

1 ـ الإضلال عن الشركاء تأديبٌ من الله للعبد :

 الشرك خطير ، ربنا عز وجل رب ، أي أنه مربٍّ ، فإذا رأى عبداً من عباده المؤمنين تعلق بغيره ، واتجه إلى غيره ، وعقد الآمال عليه ، وطمع في رضاه بسخط الله يؤدبه بأن يضله عن شركائه .
 لك صديق حميم قوي أعطاك هاتفه ، وقعت بأزمة نسيت الله تذكرت هذا الصديق القوي ، دخلت عليه لم ينظر إليك ، ولم يقل لك : اجلس ، بل خيَّب ظنك ، هذه تربية إلهية دقيقة جداً ، أراد الله أن يضلك عن شركائه ، الله يغار عليك ، ويريدك أن تكون له ، أن تعتمد عليه .

2 ـ الاستعانة بالأشخاص فيما يقدرون عليه من تمام اتخاذ الأسباب :

 لا مانع أنا حينما أكون موحداً أكون مؤمن أن يكون الفعل فعل الله ، أنا آخذ بالأسباب عن طريق شخص ، فرق كبير جداً بين أن أتجه إلى شخص ما ، وأنا موقن أنه وحده بإمكانه أن يوقظني ، ولا علاقة بهذا ، وبين أن أطلب منه أن يحل لي هذه المشكلة على أنه سبب من الأسباب التي أمرني الله بها ، الفرق دقيق جداً ، لولا أن أعتمد عليه ، وبين أن أتخذ سبباً .

3 ـ لابد مِن شكر الناس بعد شكر الله :

 لذلك أنا حينما أنجح أشكر الله أولاً ، وأشكر الناس ثانياً ، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله .
 سيدنا رسول الله نزل الوحي بتبرئة السيدة عائشة ، نزل الوحي ، كان عندها الصديق أبوها ، قال : << يا عائشة قومي واشكري رسول الله ، قالت : لا والله لا أشكره ، لا أشكر إلا الله >> ، فتبسم النبي ، وقال :

(( عرفت الحق لأهله ))

 حينما تنجز تشكر الله أولاً ، وبعدها تشكر الذي جعله الله سبباً لهذا الخير ، والمؤمن لبق ، ولطيف ، وفهيم ، واجتماعي ، لكن لا يشرك بالله ، لا يرى أن هذا الطبيب شفى ابنه ، يرى أن هذا الطبيب الله جعله وسيلة ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
الأستاذ علاء :
 كيف نقرأ سيدي في هذا المنظور الذي تتحدث عنه ما جرى في بدر ، وما جرى في حنين .
الدكتور راتب :

غزوة بدرٍ وحُنين درسان بليغان لكل مسلمٍ :

 أستاذ علاء ، الحقيقة أن أي مسلم الآن معه درسان بليغان : درس بدر ودرس حنين .

1 – درس غزوة بدر :

 في بدر قال تعالى :

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 123 )

 أي مفتقرون إلى الله .
 حينما أُقدِم على عمل كبير أقول : يا الله ، إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك .
 أنا أعرف طبيبا جراحَ أعصاب ، يصلي ركعتين أمام المريض قبل أن يبدأ بالعملية ، ويدعو : يا رب وفقني ، يا رب ألهمني الصواب ، يا رب يسر لي هذا العمل الجراحي .
 أنت طبيب ، أنت مهندس ، محامٍ ، مدرس ، خطيب مسجد ، داعية ، قبل أن تقدم على عمل ، افتقر إلى الله ليأتيك الدعم ، ويأتيك التوفيق .
 لذلك درس بدر أن الصحابة افتقروا إلى الله فانتصروا وهم 300 مقابل ألف من صناديد قريش .

 

2 – درس غزوة حنين :

 الدرس المعاكس : في حنين وجدوا نفسهم عشرة آلاف ، فقالوا في نفوسهم :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 ومعهم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هم نخبة البشر ، لكن وقعوا في الشرك ، قالوا : نحن أقوياء ، لذلك :

 

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 49 )

 هؤلاء وقعوا في الشرك ، فالله عز وجل قال :

 

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

( سورة التوبة الآية : 25 )

 لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر منه ))

 ما الذي هو أكبر مِن أنْ لا تذنب ؟

((العجب ))

[ أخرجه البزار عن أنس بن مالك ]

 قال بعض العارفين بالله : " رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " .

 

الطريق الصواب هي الجمع بين الأسباب والتوكل على الله :

 هذا الدرس بليغ جداً ، يحتاجه المؤمن الآن ، فقد يُقدِم على امتحان ، ويقول : أنا متمكن من الحساب والجبر ، ثم لا تنجح ، يجب أن تدرس دراسة متقنة جداً ، ثم تقول : يا رب وفِّقني ، وقبل أن تسافر يجب أن تراجع المركبة مراجعة دقيقة ، بكل تفاصيلها ، وتقول : يا رب احفظني ، البطولة أن تجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب ، الأحادية سهلة ؛ أن تأخذ بالأسباب ، وتعتمد عليها ، سهل جداً ، وألا تأخذ بها أصلاً كما يفعل عوام المسلمين أيضاً سهل ، أما أن تأخذ أخذاً جيداً متقناً فهذا يوقعك في مزلق ، لأنك لست بحاجة إلى الله .
الأستاذ علاء :
 سيدي ، مِن هنا كيف نفهم هذا المعنى مما جعله سيدنا عمر بن الخطاب أول حِجْرٍ صحّيٍّ في التاريخ ، وهو مرض الطاعون .
الدكتور راتب :

الأسباب وعلاقتها بالتوحيد :

 قد قيل له : أفراراً من القدر ؟ لكنه أخذ بالأسباب ، قال : لا ، لو عندك أرض مجدبة وأرض خصبة ، إن رعيت الإبل في أرض مخصبة رعيتها بقضاء الله وقدره ، وإن رعيتها في أرض مجدبة فقد رعيتَها بقضاء الله وقدره ، وأنا أفرُّ مِن قدر الله إلى قدر الله .
الأستاذ علاء :
 من هنا أيضاً جاء من بعض دروس عزل سيدنا خالد بن الوليد ، عن قيادة المعارك في اليرموك .
الدكتور راتب :
 قال له : لمَ عزلتني ، قال له : والله إني أحبك ، قال له مرة ثانية : لمَ عزلتني ؟ قال له : والله إني أحبك ، لأن سيدنا عمر عملاق الإسلام ، وسيدنا عمر خليفة راشد ، سيدنا خالد قلق على نفسه ، ظن أن هذا من خطأ عنده ، قال له : والله ما عزلتك يا ابن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك ، لكثرة ما أبليت في سبيل الله ، خاف عمر على أمته أن يروا أن النصر من عند خالد ، خالد عبد لله ، والنصر من عند الله عز وجل .
 فلذلك التوحيد خطير جداً ، حينما يتجه الإنسان إلى غير الله دون أن يشعر يشرك ، قال تعالى :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

( سورة يوسف )

 وكذلك حينما تعتمد على مالك .

 

الأسباب لا تؤدِّي مهمتها في بعض الأحيان ليؤدَّب الإنسانُ :

 أعرف صديقًا قال : الدراهم مراهم ، تحل كل مشكلة ، الله أوقعه في مصيبة 63 يوما لا تحلها مئات الألوف ، فكان درسا لا ينساه ، تفضل حلها بالدراهم التي هي مراهم ، ما حلت معه .
 لما يعتمد الإنسان على غير الله عز وجل يقع في الشرك ، اعتمد على ماله في مرض خبيث لا يحله المال .
 والله مرة كنت عند طبيب قلب ، جاءه اتصال ، قال له : دكتور بأي مكان في العالم ، وبأيّ مبلغ ، قال له : والله لا أمل في الشفاء ، عنده مال ، لكن فَقَد الصحة .
 الله عز وجل يضلك عن شركائه ، وأنت على أي شيء اعتمدت ؟ على المال ، يبعث لك مشكلة لا تحل بالمال أبداً ، أقرب الناس لك يتطاول عليك ، اعتمدت على مكانتك تضعضع ، أي شيء اعتمدت عليه ونسيت الله ، الله عز وجل يؤدبك تأديبًا لطيفًا فيخيّب ظنك بالذي اعتمدت عليه ، وهذا إضلال عن شركائه .
الأستاذ علاء :
 سيدي الكريم ، طالما وصلنا إلى هذه النقطة ، هنالك من يتطرف في نفي مسألة الشفاعة ، ويعتبر أن الشفاعة هي محض شرك ، وأنك تنزل غير الله منزلة الله ، مع العلم في الكلام القرآني الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام فيقول له :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 33 )

الدكتور راتب :

 

وقفة متأنية مع قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ

 هذه الآية لها معنىً كبير جداً نحن في أمسّ الحاجة إليه :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

 يعني يا محمد ما دام منهجك وسنتك وسيرتك مطبَّقةً في حياتهم ، في بيوتهم ، في أعمالهم ، في كسب أموالهم ، في تربية أولادهم ، في حلهم ، في ترحالهم ، في أفراحهم في أتراحهم ، ما دام منهج الله مطبقاً في حياتهم فهم في مأمنٍ من عذاب الله ، فإذا كنا في عذاب شديد فنحن إذاً لا يعيش النبي معنا ، ونعيش مناهج أخرى ، نعيش مناهج مستوردة ، نعيش عادات وتقاليد وأساليب في الحياة لا ترضي الله عز وجل ، نحن في مأمنين ، المأمن الأول : أن نكون مطبقين لهذا المنهج الكريم النبوي ، والمأمن الثاني :

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 33 )

 فأنا حينما أطبق منهج آخر يقول الله لي :

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 147 )

 فإذا وقعتُ في خطأ وزلَّت قدمي ، وعدتُ إلى الصواب ، أيضاً أنا في بحبوحة ، إذاً هذا منهج آخر ، وحينما أطبق منهج النبي الكريم فأنا في مأمن من عذاب الله ، هذا معنى الشفاعة ، و لا ينالها إلا من مات موحداً .
بالتعبير الدارج ، أو بالأمثلة الواقعية : طالب عنده 12 مادة ، نجح في11 مادة ، أخذ علامات عالية جداً ، نقصه علامتين في مادة واحدة ، مثلاً :

 

﴿ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾

( سورة الزمر )

 مستحيل !
 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا ، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ، إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ ، سُحقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي ))

[ متفق عليه ]

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

 دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ ، فَقَالَ :

(( يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي هَاشِمٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا فَاطِمَةُ ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))

[ مسلم ]

 لا يأتوني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم .

(( ومَن بطَّأَ به عَملُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسبُهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 هذه حقيقة الشفاعة .
 أستاذ علاء الآية الدقيقة :

 

﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴾

( سورة غافر )

 هذا معنى دقيقة جداً :

﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ﴾

الأستاذ علاء :
 والله سيدي ، هذا الموضوع سنحط رحالنا أيضاً عنده في الحلقة القادمة إن شاء الله ، والآن ننتقل إلى الموضوع العلمي إذا سمحت ماذا أعددت لنا سيدنا ؟ .
الدكتور راتب :

 

الموضوع العلمي : اليعسوب :

 مع موضوع اليعسوب :

1 – مشكلة تعيين موقع الطائرات وفقا للأرض :

الحقيقة أنّ من إحدى المشكلات المتكررة بعد المناورات تعيين موقع الطائرة وفقاً للأرض ، نحن عندنا مشكلة تعيين موقع الطائرة ،الآن كل الطيران مبني على إرشادات أرضية ، لولا هذه الإرشادات لما كان طيران إطلاقاً ، فإذا تداخل على الطيار اتجاه الطائرة ، أيّ جهة أعلى أو أيّ جهة أسفل عندئذٍ تتعرض الطائرة للسقوط ، والإنسان في الطائرة لا يعرف أين يسقط نحو الأعلى أم نحو الأسفل . 

2- السمكة والحساسيات العصبية .

السمكة لها محفظة ، في أسفل المحفظة حبات كلس ، وفيها حساسات عصيبة ، فما دامت حبات الكلس في أسفل المحفظة فإن ظهر السمكة نحو ظهر البحر ، فإذا قلبت الحبات تتغير مكانها إلى الجهة المعاكسة ، وهكذا لا حساسات.
 إذاً : الله عز وجل أعطى السمكة جهازا بالغ الدقة كي تعرف أن ظهرها نحو سطح البحر أم قعر البحر .
 كذلك اليعسوب ، في عنده جهاز يبين له الأفق الحقيقي ، الآن تقيس على الجهاز أين مكانه .
 أنا ركبت طائرة ، ودخلت إلى غرفة الطيار وجدت هذا الخط الأفقي ، في خط أفق صناعي ، الطائرة لها خط ثاني ، مال يميناً ، يساراً ، أعلى ، أدنى ، هو ثابت خط الأفقي الصناعي ثابت . 

3- اليعسوب والخط الأفقي الاصطناعي .

فلذلك اليعسوب يحل هذه المشكلة ، وقد طوَّر التقنيون جهازاً يحدد للطيار خط أفق اصطناعي ،يقارن الطيار به خط الأفق هذا مع خط الأفق الحقيقي ، ويحدد وضع الطائرة في الوقت المناسب ، هذا الجهاز الذي طوره التقنيون يستخدمه اليعسوب منذ ملايين السنين ، فأمام أعين اليعسوب خط أفقي اصطناعي ،لهذا يبقى رأسه موازياً للخط الأفقي الاصطناعي في اتجاه أي زاوية طار .

  سقوط نظرية داروين بالإعجاز الخلقي في اليعسوب .


 هناك نظرية التطور لداروين التي يزعم فيها حدوث الأشياء عن طريق المصادفات ، وهو يقف عاجزاً تجاه هذه الأسئلة ، لأن اكتشاف تطور الأنظمة في جسم اليعسوب تدريجياً خطوة خُطوة أمر مستحيل ، وسبب هذا أنه لا بد من وجودها بدون نقصان في الوقت ذاته ، وذلك حتى يتمكن الكائن من العيش ،وهذا يجزم أن يكون أول يعسوب في العالم بكامل الأنظمة التي في اليعسوب اليوم ، الشيء المذهل أن المتحجرات التي تدلنا على تاريخ الطبيعة تثبت هذه الحقيقة ، وتبين أن اليعسوب لم يظهر فجأة في وقت واحد ، هذا الوقت أقدم متحجرة معرفة لليعسوب تعود إلى 320 مليون سنة ،المتحجرة التي تعود إلى 320 مليون سنة فيها اليعسوب كما هو الآن ، وكلام داروين فارغ يعتمده بعض الناس ليتحللوا من المسؤولية أمام خالق السماوات والأرض .

التفكر في الكون بابٌ إلى معرفة الله :

 الحقيقة أن التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله وأقصر طريق إلى الله عز وجل ، الله عز وجل يقول :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾

( سورة الحج )

 هذا الكون معرض لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، أو هو مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، فالإنسان إذا تفكر في الكون تفكرا بسيطاً ، لو بذل واحدًا بالمليار مما يبذله لدنياه لعرف الله ، ولاستقام على أمره ، ولسلم وسعد في الدنيا والآخرة .
الأستاذ علاء :

 

خاتمة وتوديع :

 لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ونتابع موضوعنا إن شاء الله في الحلقة القادمة ، شكراً جزيلاً .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور