وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة النساء - تفسير الآية 7 ، متى يتوقف العلاج الإلهي ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في سورة النساء الآية السابعة والأربعون بعد المئة، يقول سبحانه و تعالى:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) ﴾

 كيف يتوقف عذاب الله عز وجل ؟ عن كل إنسان، آمن به وشكره، هذا الجواب أيها الإخوة.
 هذا الكون بسماواته وأرضه، مسخر للإنسان تسخرين ؛ تسخير تعريف.... وتسخير تكريم....
 أضرب لكم مثلاً، لو أن لك صديقاً مهندساً في الإلكترون، قدّم لك جهاز هاتف من أعلى مستوى، قدمه لك هديةً، وهذا الجهاز نادر، ويؤدِّي خدمات كثيرة، ينوب مناب إنسان، أنت أمام هذه الهدية العالية مستواها، أمام شعورين ؛ شعور امتنان لأن هذا الجهاز قدم لك هدية، وشعور إكبار لهذا العلم الدقيق الذي وراء هذا الجهاز.
 هذا معنى قولي... تسخير تعريف... وتسخير تكريم...
 فالكون له مهمتان ؟
 المهمة الأولى أن تتعرف إلى الله من خلاله.
 والمهمة الثانية أن تنتفع به.
 رد فعل التعرف، إيمان، ورد فعل الانتفاع، الشكر.
 فإذا آمنت وشكرت، فقد حققت الهدف من وجودك، وحينما تحقق الهدف من وجودك يتوقف العلاج الإلهي.

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾

 أنت متى تتيقن، أن كل أنواع المعالجات، والمضايقات، والشدائد، والمصائب، تتوقف ضدّك ! حينما تحقق الهدف من وجودك.
 إنَّ الأب الذي يتمنى لابنه أن يكون طبيباً، يضيِّق عليه، يشدِّد عليه، متى يتوقف التضييق والتشديد ؟ إذا دخل كلية الطب، ونال علاماتٍ عالية، فقدْ حقق الهدف من تخطيط الأب، لذلك متى يتوقف العلاج ؟ متى يتوقف التشديد ؟ التعقيب ؟ المضايقة ؟ الإلجاء ؟ الهم ؟ الحزن ؟
 حينما يحقق الإنسان الهدف من وجوده، وهذه آيةٌ دقيقةٌ.
 الله سبحانه وتعالى لا يعذب عباده إلا لهدف كبير، لأنّ الشر المطلق لا وجود له في الكون.
 مثلاً أب طبيب جراح، وله ابن يتمتع بصحة جيدة، فهل يضعه على منصة التشريح، ويخدره ويفتح بطنه بلا سبب ؟ مستحيل.
 أبٌ طبيبٌ جراح، قلت: أب لأن في قلبه رحمة لا حدود لها تجاه ابنه، وقلت: طبيب لأنه يعلم وهو جراح أيضًا، أيضع ابنه على المشرحة، ويفتح بطنه بلا سبب ؟ أما إذا رأيت أباً يفتح بطن ابنه، فالمعنى أنّه يعاني من التهاب زائدة.

 

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) ﴾

 يعني إذا أردت أن يتوقف العلاج الإلهي، والشدة الإلهية، فعليك بتحقيق الهدف من وجودك، وتحقيق الهدف من وجودك في هذه الآية، يتمثل بإيمانك بالله، كرد فعلٍ على أن الكون مسخرٌ لك تسخير تعريف، وبشكره كرد فعلٍ على أن هذا الكون مسخر لك تسخير تكريم، والله عز وجل يقول:

 

 

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾

 

( سورة الجاثية: 13 )

 بنص القرآن الكريم.
 أيها الإخوة ؛ رأى النبيُّ عليه الصلاة والسلام – مما يؤكد هذا المعنى – مرةً هلالاً فقال:

((هلال خيرٍ ورشد، هلال خيرٍ ورشد ))

 يعني هذا الهلال يرشدني إلى الله، وأنتفع به في عد الأيام والأسابيع،

 

﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾

 

( سورة يونس: 5 )

 الآن مرحلة ثانية: أية مهمةٍ أعظم، أن تهتدي بالكون، أم أن تنتفع به ؟ الحقيقة الأجانب الغربيون، انتفعوا بالكون أشد الانتفاع، يعني ما من أمةٍ وصلت إلى أعماق البحار، وصلت إلى الأقمار، استغلت المناجم، الفلزات، المعادن، كل شيء مستخدم ومسخر إلى أعلى درجة، وقد أثبت الله لكم ذلك:

 

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

 

( سورة الروم: 7 )

 لكن مهمة الكون لتعريفك بالله، أعظم مليون مرة من مهمة الكون في الانتفاع به.
 لو كان دخلك محدودًا، حيث لا يسمح لك أن تأكل العسل، وأمسكت كتاباً عن النحل، وقرأت عن عجائب النحل، كيف أن كل كيلو عسل، محصلة طيران أربعمئة ألف كيلو متر، لو أننا كلفنا نحلةً واحدة، أن تصنع لنا كيلو عسل، لاحتاجت أن تطير حول الأرض عشر مرات، وأن هذه النحلة، فيها أجهزة لا يعلمها إلى الله، لا تقف على زهرةٍ امْتُصَّ رحيقُها، توفيراً لوقتها وجهدها، أكرِّر: لا تقف على زهرةٍ امتص رحيقها، وأن النحلات العاملات ترقص رقصاتٍ، تُعلم بقية النحلات العاملات، كم هي المسافة بينهم وبين الأزهار، هناك بحث قائم بذاته اسمه " رقص النحل"، والشيء الذي لا يصدق أنها تصنع هذا الشمع، بشكل سداسي منتظم، ليس فيه فراغات بينية، هناك ملكة، وهناك ذكور، وهناك عاملات، بعض العاملات وصيفات للملكة، يأتين بغذاءٍ ملكيٍّ خاص، مأخوذٍ من غبار الطلع، وبعض العاملات تنظف الخلية، فإذا وجدنَ فيها حشرةً كبيرةً، يغلفنها بطبقة شمع حتى لا تؤذي وتتفسخ، وبعض العاملات تُهوِّي هذه الخلية، وبعض العاملات تحمل، والموضوع طويل الذيل، وقد أُلِّفتْ كتب كثيرة حول النحل وطريقة عمله وأسلوب حياته.
 فلو أن إنساناً قرأ كتاباً عن النحل، فخشع قلبه، وانهمرت عيناه، ولم يسمح له دخلُه أن يأكل لعقة عسلٍ واحدة، بينما إنسان آخر كاد ينفزر من أكل العسل، من الذي حقق الهدف من وجود النحل والعسل ؟ هو الذي عرف الله من خلال هذه الآيات.
 لذلك أن تعرف الله من خلال الكون أعظمُ بكثير من أن تنتفع به، كل أهل الدنيا انتفعوا بالكون، الكفار، الملحدون، ما من إنسان إلا وينتفع بالكون، لكن المؤمن وحده، هو الذي يهتدي بالكون إلى الله، هو الذي يعبر بالكون إلى المكون، من النظام إلى المنظم، من التسيير إلى المسير، من التربية إلى المربِّي، من النعمة إلى المُنعم.
 فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ يجب أن نعلم أنّ كأس الماء، كأس الحليب، رغيف الخبز، قطعة الجبن، البرتقالة، التفاحة، ابنك الذي أمامك، الفراش الذي تنام عليه، اللحاف الذي تتدثر به، ثيابك التي تلبسها، الشمس والقمر، الليل والنهار، البحار، الأسماك، الأطيار، كل شيءٍ حولك يدل على الله، فحينما لا تُعمل فكرك في الكون، فقد عطلت أكبر شيئاً فيك، وهو أنه دليلك إلى الله عز وجل، أما إذا انتفعت منه فقط، فشأنُك شأنُ أهل الدنيا الذين ينتفعون بالكون، الكفار ينتفعون بالكون، الملحدون ينتفعون بالكون، الانتفاع بالماء والهواء، والزراعة، والصناعة، كل إنسان ينتفع بالكون.
 النبي الكريم يقول:

((هلال خيرٍ ورشد.))

 تنتفع به، لكن ينبغي أن تهتدي به أيضاً، فالإنسان إذا أكل شيئًا، أو شرب شيئًا، أو نام، فالنوم والأكل والشرب نعمة، وإذا نظر فالنظر نعمة، إذا استمع فالاستماع نعمة، إذا تكلم فالتكلم نعمة.
 يأكل وينام، هناك أجهزة معقدة أيّما تعقيد، عملية هضم معقدة، البنكرياس والكبد، والصفراء، والحركة المعوية، والعصارات الهاضمة.
 الإنسان إذا لم يفكر في تكوين جسمه، لا ينتفع بعقله، لذلك هذه الآية من أدق الآيات.

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾

 حينما تؤمن، وحينما تشكر، فإيمانك ردُّ فعل أن الكون مسخر تسخيرَ تعريف، وشكرك ردٌ على أن الكون، مسخر تسخير تكريم، فإذا آمنت وشكرت، توقف العلاج الإلهي.
 قال الله تعالى:

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾

 هل أدركنا لماذا إن شكرتم وآمنتم، فلِمَ لمْ يقل الله عز وجل إن شكرتم وصبرتم، إن شكرتم وأطعتم ؟ بل قال:

 

﴿إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾

 لأن الشكر دليلٌ أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تكريم والإيمان دليل... أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تعريف، فإذا آمنت وشكرت، ما يفعل الله بعذابك ؟
 هذه الآيات الكريمة أيها الإخوة: مرةً ثانية وثالثة، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((بلغوا عني ولو آية))

 أجل ولو آية.
 أنا أعطي آية واحدة خلال الدرس، لا أضيف آية ثانية، فإذا استوعب الإنسان معناها وعقل الغاية منها، وحدثها بها زوجتَه، أولاده، جيرانه، شركائه، فما منا أحد إلا عنده سهرة أو سهرتان في الأسبوع ؟ لقاء، لقاءان، هل منا أحد بلا عمل ؟ أماله أصدقاء، جيران.

 

(( بلغوا عني ولو آية))

 هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وإذا ما تذكرت معناها في شريط مسجل، وشرحت هذا المعنى لجلسائك فقد بلغتَ غاية كبرى، فلذلك نأخذ القرآنَ آية، آية، نحن نمشي في القرآن بالتسلسل، إن شاء الله، فكلما حان وقتُ درس جديد، نختار آية من هذه الآيات الأساسية، التي تعد ركناً من أركان الإيمان، ونعالجها حتى نقطف ثمراتها.

 

 

تحميل النص

إخفاء الصور