وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 064 - لماذا لا يستجيب الله لنا ؟.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام:
 من درس من دروس نحن في أمس الحاجة إليها، قبل أن نصل إلى موضوع الدرس أقدم لكم التمهيد التالي: أخطر ما في الدين أن يفرغ من مضمونه وأن يبقى شكلاً بلا مضمون، أن يبقى طقوساً تؤدى بلا معنى، أن يبقى كلاماً يلفظ بلا فعل، عندئذٍ يرفض الناس الدين لأنه لا يحل مشكلاتهم، هناك مشكلات يعاني منها الفرد والمجتمع فإذا كان الدين بشكله وصورته لا يحل مشكلات المجتمع يخرج من دائرة اهتمامات الناس، الآية الكريمة التي تقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

[ سورة محمد ]

 الحقيقة يوجد ظاهرة قد يسأل عنها كل مسلم، لماذا لا يستجيب الله دعاء المؤمنين، أو دعاء المسلم ؟ الشيء الظاهر أن أدعيةً فصيحةً تلقى كل جمعة، وأدعية منمقة، وأدعية بصوت مرتفع، وأدعية مأثورة، هذه الأدعية على فصاحتها، وعلى تنميقها، وعلى رفع صوت الداعي لا تجد فيما يبدو استجابةً لها.
 هذا المرض الخطير الذي يعاني منه المسلمون أن لا تكون دعوتهم مستجابة، الإنسان ما ميزته حينما يؤمن، حينما يسلم ؟ هناك ميزات أقل هذه الميزات أن يكون مستجاب الدعوة، أن يكون بينه وبين الله اتصال، أن يكون بينه وبين الله سؤال وجواب، أن يدعو الله عز وجل، ظاهرة عدم الاستجابة لدعاء المسلم ما أسبابها ؟ هذه ظاهرة يعني قد يقول أحدكم: أهل الدنيا الكفار، الفساق، الغارقون في المعاصي أمورهم منتظمة وتأتيهم حاجاتهم في أعلى مستوى فما بال المؤمنين الذين يدعون على أعدائهم ليلاً نهاراً وقد يزداد أعداءهم قوةً ويزدادون هم ضعفاً، أعداؤهم متفقون على باطلهم والمسلمون متفرقون على حقهم.
 الحقيقة درس اليوم يجيب عن هذا السؤال، لماذا لا يستجيب الله دعاء المؤمنين ؟ وهل هناك قانون أو سنة من سنن الله عز وجل مطبقة في كل زمان ومكان ؟ سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يقول: إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة، هناك مبدأ ثابت لا تزر وازرة وزر أخرى، كل إنسان محاسب وحده، كل إنسان محاسب عما اقترفته يمينه، لا يحاسب إنسان عن إنسان ولا يحمل إنسان وزر إنسان والآية واضحة الدلالة بل قطعية الدلالة:

 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 فهذا الخليفة الراشد والذي يعد خامس الخلفاء الراشدين يقول: إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة، ولكن إذا أظهرت المعاصي فلم ينكروا عليهم فقد استحقوا القوم جميعاً العقوبة.
 يعني أكاد أن أقول إن في الإسلام ركناً سادساً ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني أحياناً تجد مسلماً أو مؤمناً يتعايش مع أقاربه وهم مقيمون مع المعاصي كلها يسهر معهم يدعوهم إلى البيت، يلبي دعوتهم، يتنزه وإياهم، يقيم علاقات حميمة ولا يخطر في باله إطلاقاً أن يوجه ملاحظة، أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، الحقيقة حينما نعطل هذه الفريضة السادسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ربما عمم الله بالبلاء.
 الملاحظ أن الإنسان إذا فعل المنكرات ولم يتلقَ تعنيفاً، أو إنكاراً أو توجيهاً، أو أمراً، أو نهياً، استبرأ فعل هذه المنكرات، كشاهد واضح إنسان عنده مسبح مختلط وهل بعد هذا المنكر من منكر ؟ وأقام في هذا المسبح المختلط حفل مولد نبوي ودعا من دعا ولا أقول الذين دعوا، وهؤلاء الذين دعوا جلسوا، واستمعوا إلى الأناشيد واستمعوا إلى بعض الكلمات التي أشادت به، وانفض هذا المولد وكأن شيئاً لم يحدث، فأين هي أمانة العلم، أين هو الأمر بالمعروف أين هو النهي عن المنكر ؟ يعني هذه الظاهرة المتفشية في مجتمع المسلم، أخ له أخٌ وبين الأخوين مودة كبيرة وصلات شديدة بنت أخيه تخرج في الطريق بثياب تغضب الله عز وجل، لا يخطر في بال الأخ أن يوجه إلى أخيه أية نصيحة، فمتى لا يستجيب الله لنا ؟ إذا تركنا هذه الفريضة السادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 أنا أعرف إنسان أيها الأخوة أذكر هذه القصة لأبين لكم ماذا يفعل الأمر والمتابعة، والأمر دنيوي محض، إنسان له بيت قديم يسكن فيه صدر أمر بالاستملاك للمنطقة كلها وأودع لهذا البيت ثمن رمزي جداً وعد صاحب البيت مستأجر وبعد سنوات عدة استنفذ ثمن البيت كأجرة له، هذا الإنسان اتصل وقدم طلبات، واستدعاوات، كتب في الصحيفة، وأنا لي معه صداقة ومودة، فأنا أتابع الأمر والله فوجئت بعد أقل من ستة أشهر من متابعتي هذا الموضوع أن قراراً صدر بإلغاء الاستملاك، إنسان من أجل مصالحه، من أجل بيت يملكه لما تابع الأمر، طبعاً تظلم وقدم طلبات وقابل مسؤولين وضح الأمر صار في ضغط على المحافظ هذا الضغط انتهى به إلى إلغاء الاستملاك، ومن أجل دنيا حينما تأمر، وتسأل، وتعترض، وتحتج وتنكر، ألغي قانون استملاك منطقة كبيرة جداً في دمشق القديمة وهذا الشيء أنا عشته لأني لم أكن أصدق أن هذا سيصدر هذا القرار وصدر بالمتابعة، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:

 

((إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

 

[ أحمد ]

 يعني لك قريب انصحه، تودد منه، بين له الآية، الحديث، بين له مغبة عمله، فحينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تستوجب وعد الله عز وجل الذي يقول:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾

 

[ سورة غافر ]

 الحقيقة كيف يقول الله عز وجل:

 

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

 

[ سورة محمد ]

 هل الله عز وجل بحاجة إلى من ينصره ؟ أنت إذا أمرت بالمعروف واتسعت دائرة المؤمنين، ونهيت عن المنكر، وانكمشت دائرة العصاة نصرت دين الله عز وجل، يعني إذا كنا في نزهة فرضاً مجموعة زملاء في العمل دعوا إلى نزهة ما قام أحد ليصلي لو أنهم قالوا: قوموا إلى الصلاة نصرت دين الله عز وجل، هذه قاعدة أنا لا أكلفكم ما لا تطيقون، يعني علينا بخاصة أنفسنا، إنسان له أخ، أخت، ابنة أخت، أنا أتحدث عن خاصة أنفسنا لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

((. ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))

 

[ النسائي ـ ابن ماجة ]

 أنت يمكن أنه قد لا تستطيع أن تقف في الطريق وأن توجه لوم لامرأة سافرة، قد تسمع منها كلاماً قاسياً، لم تؤمر بهذا، بل أنت مأمور أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في مجال خاصة نفسك فيمن تمون عليهم، فيمن لهم بك صلة، فيمن تشعر أن كلامك عندهم مسموع، فهذا أول قول لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة، ولكن إذا أظهرت المعاصي فلم ينكروا عليهم فقد استحقوا القوم جميعاً العقوبة.
 أنا مرة سمعت قصة ما تزال ماثلةً أمام مخيلتي، سائق سيارة ركب معه شاب وزوجته وقالا له انتظر قليلاً ريثما تأتي بعض متاعنا يبدو أن الذي سيأتي بالمتاع تأخر تململ السائق بعد حين جاء رجل متقدم بالسن يحمل متاع هذه المسافر ما كان من هذا المسافر الشاب إلا أن وكز هذا الرجل الكبير لأنه تأخر في إحضار المتاع، وحينما تأخر تململ السائق، السائق قال لهذا الشاب من هذا الذي وكزته ؟ قال له: هذا أبي، فقال له: قم وانزل من السيارة إذا بقيت فيها لابد من أن نقع في حادث جميعاً.
 لو أن كل إنسان رفض أن يركب في مركبته مثل هذا الإنسان تضيق المعصية، أنا سمعت طيار في بعض البلاد العربية رفض أن يطير وعلى متن طائرته الخمر وهم في أمس الحاجة إليه فاستجابوا إليه، هو الوحيد الذي إذا ركب هذه الطائرة تخلى من كل المشروبات تحقيقاً لرغبته، يعني إذا الإنسان أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقف موقفاً صلباً، ما أخذته في الله لومة لائم تجد أن المعاصي تضيق دائرتها والطاعات تتسع دائرتها، إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فقد نصرت دين الله، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

 

[ سورة محمد ]

 ورد في الأثر أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى بعض أنبيائه أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خياركم وستين ألفاً من شراركم فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وآكلوهم وشاربوهم.
 والحديث الذي تعرفونه جميعاً، حينما أمر الله بعض ملائكته لإهلاك قرية، فقالوا يا رب إن فيها رجل صالحاً، قال: به فابدؤوا لما يا رب ؟ قال: لأنه لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً، فهذه الأحاديث تفسر لنا لماذا لا يستجيب الله لنا، لماذا لا ينصرنا لأننا لا ننصره، وكيف ننصره ؟ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ "))

 

[ ابن ماجة ]

 بعض الأحاديث القدسية ورد أن أوليائي إذا رأوا ذكر الله بهم يعني إذا إنسان معروف بالصلاح، معروف بغيرته الدينية، معروف بنصائحه القيمة إذا دخل إلى مجلس وكان في منكرات هذه المنكرات تغلق إكراماً له، الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يجلس والمنكرات من حوله فإذا رأوه لا يتأثر ولا يتحرك له، ولا يتكلم يستبرءون هذه المعاصي بحضرته.
اسمعوا ماذا قال الله عز وجل واصفاً المؤمنين، قال تعالى:

 

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

 

[ سورة التوبة ]

 أما المنافقون، قال تعالى:

 

﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾

 

[ سورة التوبة ]

 ما قال أولياء بعض بل بعضهم من بعض، أعيد على أسماعكم الحقيقة التي أتمنى أن تقع في نفوسكمٌ موقعاً حسناً، الإيمان حركة يعني في اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في نفس الإنسان يأبى هذا الإيمان إلا أن يعبر عن نفسه بخدمة الخلق، والدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإمام علي كرم الله وجهه يقول: أفضل الأعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أفضل الأعمال لأنك إذا أمرت بالمعروف واستجيب لك فقد أحييت نفساً بشرية ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، أفضل الأعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسق، لأنك إذا مدحت الفاسق غضب الله عز وجل، إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق، إذا مدحته يحصل اضطراب، يا ترى مدحه ومقيم على معصية، معنى ذلك أنها ليست معصية هذه.
 أعرف رجل حديث عهد في صلحه مع الله كان شارداً واستقام استقامة طيبة وتاب لله عز وجل وحضر مجالس علم، فرحت به فرحاً كبيراً، كنت مرة في دائرته رأيته صافح امرأةً أجنبية قلت له كيف تصافحها ؟ وهذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس معقول هل هناك من معصية من مصافحتها ! قلت: بلى وذكرت له الحديث، قال: عجيب فلان الفلاني معروف بالتدين والصلاح يصافح النساء كثيراً أمامي، هو استنبط حكم شرعي من هذا الذي عرف بالدين والصلاح، لذلك الإنسان عندما يرتكب مخالفة وله مكانة يظن العامة أن هذه طاعة أو كحد أدنى ليست معصية.

 

(( روى سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة فقال: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم، قال: أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم ماذا ؟ قال: صلة الرحم، قال: ثم ماذا ؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فاي الأعمال أبغض لله تعالى ؟ قال: الشرك بالله، قال: ثم ماذا ؟ قال: قطيعة الرحم قال: ثم ماذا ؟ قال: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ))

 يعني هذه المعصية تأتي بالدرجة الثالثة، الشرك، قطيعة الرحم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإيمان بالله، صلة الرحم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن أيها الأخوة لا تنسوا قول النبي عليه الصلاة والسلام أنه من أمر بالمعروف فليكن أمره بالمعروف.
بالسيرة النبوية بعض القصص حول أسلوب الأمر بالمعروف سيدنا الحسن والحسين رأيا شيخاً كبيراً يتوضأ وفي وضوئه بعض الأغلاط فطلبا من الشيخ أن يحكم بينهما في قضية خلافية في الوضوء فتوضئا أمامه بشكل جيد فقال: أنا المخطئ.
يمكن أن توجه ملاحظة لطيفة جداً بأدب من دون إحراج، من دون تضييق، من دون قسوة، قال عليه الصلاة والسلام

 

(( ما من قوم يكون فيهم رجل يعمل بالمعاصي ويقدرون أن يغيروه فلا يغيروه إلا عمهم الله بعذاب قبل أن يموت ))

 يعني ما من قوم فيهم من يعمل بالمعاصي ويقدرون أن يغيروه فلم يغيروه إلا عمهم الله بالبلاء، لذلك الترتيب الذي تعرفونه أول شيء أن تغيره بيدك فإن لم تستطع فبلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك وهذا أضعف الإيمان.

 

(( مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْهُ بِيَدِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ))

 

[ مسلم ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أبي داود ـ أحمد ]

 يوجد تعليق على هذا القول، التحليل لهذا القول أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من إنسان إنكاراً لمنكر بلسانه إذا كان بإمكانه أن يمنعه بيده، أيام ترى فتاة تفعل في خروجها ما لا يرضي الله عز وجل تسأل أباها، يقول لك: أنا نصحتها وهكذا تريد، أنت أبوها وأمرها بيدك، ونفقتها بيدك، هذا الأب بإمكانه أن يمنع هذا المنكر بيده فاكتفى بلسانه غير مقبول، والذي ينكر بقلبه وبإمكانه أن ينكر بلسانه إنكاره بقلبه غير مقبول.
الشيء الدقيق أنك إذا تبجحت أنك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ هذه الآية، قال تعالى:

 

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 

 

هذه الخيرية جاءت علتها في الآية، وعندنا قاعدة في الفقه عندما تنعدم العلة ينعدم الحكم، خيرية هذه الأمة في أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فإذا كفت عن أن تأمر بالمعروف وعن أن تنهى عن المنكر فقدت خيريتها، أنا حدثني صديق يعمل في شركة طيران أقلت طائرة حجاجاً من المغرب العربي إلى جدة تعطلت هذه الطائرة في تونس قال لي: فوجئت أن الحجاج والحاجات انطلقوا إلى البحر ليسبحوا، كيف يفهمون الدين ؟ شيء عجيب امرأة ذاهبةٌ إلى بيت الله الحرام لتحج، تسبح وبلباس السباحة مع الرجال ! هذا من ماذا ؟ من ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 الحقيقة لنا صديق ذهب إلى بلد في هذه البلاد التي تنكر وجود الله عز وجل وكانت متماسكة ثم تفككت، قال لي: شعر أحدهم وأنا في مجمع استهلاكي أنني مسلم فرحب بي أشد الترحيب وعانقني وشعر أنه وجد نفسه، وعبر عن حبه الشديد لي بأن اشترى لي زجاجة خمر هكذا والله قال لي، كيف وصلنا إلى هذا المستوى ؟ عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا سكتنا كلنا سوف نجد أن هناك من يفعل كل المعاصي ويصلي ويقول هذه حرام ! هناك من يفعل كل المعاصي ويصلي، ممكن إنسان يضع خمر ولحم خنزير ويقول بسم الله أنا مسلم يجب أن اسمي، أية تسمية هذه ؟ هذا الشيء يبدو أنه غريب والدليل تبسمكم ولكن والله واقع، واقع في بلاد كثيرة إسلامية حينما انعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقع هذا، وقد تجد في بعض البيوتات امرأة تصلي وأنعم بالصلاة ولكنها تخرج سافرةً تفسد الشباب، وتقول ماذا أفعل ؟ أليس لها أب ينبهها، زوج ينبهها كلما ضعف الأمر بالمعروف ترى المعاصي انتشرت وبقيت العبادات الشكلية التي لا تقدم ولا تؤخر، الدين نظام متكامل، أخطر ما في الدين أن تنتزع منه بعض الأشياء التي لا تكلف شيئاً وتفعلها.
 سؤال المعروف ما هو تعريفه ؟ قال: المعروف ما وافق العقل والنقل، ما وافق العقل والشرع، ويجب أن تؤمن أيها الأخ الكريم أن العقل متفق مع النقل بالضرورة، فكل شيء يقبله العقل والشرع معاً فهو معروف، كل شيء ينكره العقل والشرع معاً فهو منكر هذه الآية تبين أن خيرية هذه الأمة بالأمر بالمعروف، أما الآية الثانية تأمرنا قال تعالى:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

[ سورة آل عمران ]

 استحق أقوام الهلاك لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، والله كلما رأيت أخوانا الكرام في بيوتهم، في أعمالهم، مع أخوانهم، مع أصدقائهم، مع أقاربهم، مع جيرانهم...
 وأنت أيضاً هذا نهى عنه الشرع إذا أنت مؤمن حقاً ورجل نصحك نصيحة وفيه خمسين عيب اقبلها منه وقل له جزاك الله خيراً وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى تنفيذ ما نصحتني به وبعد حين إذا كنت مخلصاً لله وصادقاً في الأمر بالمعروف توجه له نصيحة معاكسة، أما حينما توجه له نصيحة معاكسة في المجلس نفسه فقد حاربت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو أمرك بالمعروف بشيء واضح أو نهاك عن المنكر ومعه دليل وهو ليس معصوماً لكن أنت كل ما رجل يوجه لك نصيحة تبحث عن أخطاء المتكلم حتى تحجمه وتسكته وتنتصر لنفسك هذا أسلوب شيطاني، أنا أنصح أخوتنا الكرام أي رجل نصحك اقبل منه النصيحة لأن الله عز وجل قال:

 

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[ سورة العصر ]

 من معاني التواصي بالحق ليس معناها أن ترد على النصيحة بنصيحة، العلماء قالوا: معنى هذه الآية مادام الفعل فيه مشاركة أن تستجيب لهذه النصيحة، فإذا نصحت واستجبت فقد شاركته في أجر النصيحة، بل إن الذي يستجيب لنصيحة أسدلت له ليس أقل أجراً من الذي يسدي هذه النصيحة، فالمشاركة لا تكون بالرد على النصيحة بنصيحة معاكسة، بل تكون بالاستجابة للنصيحة، وإذا لك أنت نصيحة تدخرها لأخ كريم إياك أن تلقيها على مسامعه وقت نصحه لك بعد حين، بعد حين ذكره بهذه الغلطة.

 

﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)﴾

 

[ سورة المائدة ]

 يعني لا ينهاهم الربانيون، علماؤهم وفقهاؤهم وقراؤهم، عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ! صار في نوع من أنواع التباهي أن كل ما صار في حفل عقد قران مثلاً يجب أن ندعي عالم يزين المجلس والله شيء جميل، ولكن لما يكون في منكرات في هذا الحفل والعالم ساكت ما تكلم شيء هذا صار احتقار لمهمة هذه العالم، أحياناً ترى سهرة المنكرات في الغرفة الثانية أصوات الغناء وأصوات التمثيليات ورجل جالس مرتاح ويجامل الناس، هذا الذي يسمع من الغرفة الثانية ما رأيك به يا سيدنا ؟ نبقى ساكتين ساكتين والناس يأخذون راحتهم، يقومون ببعض المعاصي أو أكثر المعاصي على مرأى ومسمع من وكل أمر توجيههم، أو ممن حملوا أمانة التبين وهم لا يبينون وكل هذا دفعاً للحرج، نستحي من بعضنا بعضاً أما لو أردنا وجه الله عز وجل لقلنا الحق.
 لو فرضنا أخ من أخوانك وأنت لك دعوة إلى الله عز وجل وأخ من أخوانك زرته في عمله وجدت عنده موظفة تساعده في أعماله ليست على ما ينبغي أن تكون عليه طبعاً كل وجودها غلط، تبقى ساكت، انصحه، إذاً إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوشك أن يعمنا الله بالبلاء وعندئذٍ ندعو فلا يستجاب لنا، لذلك أدق ما في الآية:

 

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾

 

[ سورة هود ]

 ما قال صالحون، صالحون يهلكون أما إذا كانوا مصلحون لا يهلكون، المصلح فعل متعدي من أصلح، أما الصالح من صلح فإذا كان أهلها صالحون يستحقون الهلاك، أما إذا كان أهلها مصلحون لعل الله سبحانه وتعالى ينجيهم من هذا البلاء.
لأبي الدرداء كلمة رائعة يقول: من وعظ أخاه في العلانية فقد شانه، ومن وعظ أخاه في السر فقد زانه. يوجد حديث للنبي عليه الصلاة والسلام يشبه فيه مجتمعاً تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتشبيه رائع جداً له رواية خاصة هنا:

 

(( حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ ))

 

[ الترمذي ـ أحمد ]

 هذا أجمل مثل نحن المؤمنين جميعاً في سفينة واحدة فإذا فعل أحدنا شيئاً يوجب غرق السفينة هلكنا جميعاً فإن أخذنا على يديه نجونا ونجا وإن تركناه هلكنا وهلك، هذا أوضح مثل نحن في قارب واحد، أيام ثلاث شركاء في قارب واحد، إذا أحدهم استبرأ المعصية عمهم الله بالبلاء.

 

((روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهن أو ليسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم ويستنصرون فلا ينصرون، ويستغفرون فلا يغفر لهم ))

 

(( عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ ))

[ أحمد ]

 ألا ترون معي أن هذه الفريضة ربما كانت الفريضةَ السادسة شهادة أن لا إله إلا الله، وأداء الصلاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وأداء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى يستمر الدين، تأخذ من أين ؟ من سورة العصر:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[ سورة العصر ]

 ربع الدين، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إذا هابت الأمة أن تقول للعاصي أنت عاص فقد تودع منهم. انتهوا اقرأ عليهم السلام، بعضهم فسر فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان بعضهم قال: وهذا أَضعَف الإيمان، ما الذي أَضعفَ الإيمان ؟ أن يبقى إنكار المنكر بالقلب كله ساكت.
 سيدنا عمر رضي الله عنه جالس مع أصحابه فقال له رجل وأراد أن يتقرب منه: والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، فأحد فيهم النظر، حتى قال رجل يوجد من هو خير منك، قال: من هو ؟ قال الصديق، فقال: رضي الله عنه كذبتم جميعاً وصدق هذا، سيدنا عمر عد سكوتهم كذباً، قال: والله كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك. فالسكوت يعد ضعفاً أو يعد إِضعافاً للإيمان، حتى إنكار القلب إذا كان بإمكانك أن تنطق وسكت فأنت لم تنكر.
 يوجد أخ مرة سألني سؤال يوجد موضوع خلافي قال: لو أن إنسان التقى بعالم وهذا العالم متساهل بهذا الموضوع وأفتى به، ما ذنب السائل ؟ يعني جمعت مع من يفتي بهذه المخالفة فأنا ليس مسؤول، قلت له: بل أنت مسؤول، قال: كيف ؟ قلت له: لو أن عندك بيتاً تريد أن تبيعه وجمعتك الصدف بدلال أعطاك لهذا البيت سعراً لماذا تسأل عشر أشخاص يعملون في بيت البيوت عن سعر بيتك ؟ لما لم تكتفِ بهذا السعر الذي قاله لك فلان ؟ لأنك حريصاً أن تأخذ بهذا البيت أعلى سعر، لماذا في أمر دنياك تتشدد وفي أمر الدين تتساهل ؟ هذا مأخذ عليك.
تعرفون في قصة طويلة عن أنه في قديم الزمان كان هناك شجرة يعبدها الناس من دون الله أحد النساك حمل فأسه وتوجه إلى هذه الشجرة ليقطعها ويقطع معها الشرك التقى به في الطريق الشيطان وتصارعا وكاد هذا الناسك أن يصرع الشيطان لولا أن الشيطان وعده أن يرى تحت وسادته كل يوم دينار ذهبي، فرأى شيء مغري فكف عن هذه المحاولة وعاد إلى البيت ورأى كل يوم هذا الدينار بعد حين لم يجد الدينار، فحمل فاسه وذهب ليقطع الشجرة فضحك عليه الشيطان وقال له أنت اليوم لم تذهب من أجل الله، ذهبت من أجل الدينار الذي افتقدته وصرعه الشيطان ووضعه تحت أقدامه.
 أيام الإنسان أحياناً تتضرر مصالحه يديرها دينية ويقول: لا يجوز ساكت ثلاثين سنة على هذه المعصية فلما صار موضوع مصالحك رفعت عقيرتك وقلت: معاذ الله، هذا لا يجوز، هذا شيء يأباه الشرع، هذه المواقف المتناقضة هذه مواقف مكشوفة الإنسان لا يسلكها إطلاقاً.
أيها الأخوة:
دققوا الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى خمس أشياء:
 ـ أولها العلم، قال له: أسلم، قال: ماذا أقول ؟ قال: لا أعرف ماذا تقول ؟ أحياناً تنهى عن منكر ليس منكر يوجد مذهب يغطيه ليس منكراً من جهلك ظننه منكراً فلا يستطيع أحد أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن منكر إلا إذا كان عالماً، عالماً بالمعروف والمنكر بحدود الشرع.
ـ الشيء الثاني أن يقصد بهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجه الله تعالى، أنا أعرف أشخاص كثيرين ينطلقون ليعبروا عن غيرتهم على هذا الدين حينما تمس مصالحهم فقط، أما إذا كانت مصالحهم منسجمة يسكتون، إذاً تحتاج إلى إخلاص لله عز وجل.
ـ الشيء الثالث يحتاج الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إلى شفقة على من يأمر باللين والتودد ولا يكون فظاً ولا غليظاً.
أيها الأخوة الأكارم:
 دققوا في هذا الموضوع، النبي سيد الخلق حبيب الحق، سيد ولد آدم، سيد الأنبياء والمرسلين يوحى إليه، معصوم، معه القرآن مؤيد بنصر الله ومع ذلك قال تعالى: أنت يا محمد على كل هذه الفضائل وعل كل هذه الميزات:

 

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 

 

إذا إنسان ليس هو سيد الخلق، ولا حبيب الحق، وليس معصوماً وليس معه وحي، وليس معه قرآن، ولا معه ولا ميزة، وكان فظ غليظ القلب، ذاك الذي ميزه الله على كل الخلق لو كان فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فكيف نحن ؟ لذلك يحتاج الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إلى شفقة على من يأمر باللين والتودد ولا يكون فظاً ولا غليظاً.
يعني في إنسان في علمكم أنتم كان أشد انحرافاً وإشراكاً واستطالةً وتطاولاً من فرعون، قال أنا ربكم الأعلى، ماذا قال لسيدنا موسى:

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

[ سورة طه ]

 هل هناك أوضح من هذا الدليل، الذي قال أنا ربكم الأعلى قال له قولا له قولاً ليناً، قال له: أنا سوف أغلظ عليك، فقال له: على رسلك لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني أرسل موسى إلى فرعون، ليس أنت موسى ولا أنا فرعون.
ـ الشيء الرابع أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر صبوراً حليماً لأن الله تعالى يقول:

 

﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

 

[ سورة لقمان ]

 ما أصابك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أكثر الناس يقولون: سلامتك يا رأسي، فخار يكسر بعضه هذا موقف غير سليم

 

﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

 

 

[ سورة لقمان ]

 كأن الله عز وجل يقول لنا إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فهناك متاعب اصبر عليها من أجلي أرفع مقامك عندي اصبر عليها.
 يوجد أب قال لي شخص بالميزان واضع وزن، يبيع تمر فله ابن دين وتائب، شاب مؤمن، يعمل عنده فما قبل هذا الشيء فنصح أبوه فأبوه ضربه ووبخه وطرده من المحل، لأن البيع كله حرام تحت الكفة يوجد قطعة حديد وكل البيع غلط، والابن ما سكت، يمكن هذا الضرب يرفعه عند الله، هذا الطرد يرفعه عند الله، أيام يكون في البيت معصية والأخت خروجها لا يرضي الله، الابن غضب والأب غضب لغضب الأخت ووبخ ابنه، قال تعالى:

 

﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

 

[ سورة لقمان ]

 الأمر بالمعروف أيام له ثمن.
 ـ أما الشيء الخامس أهم شيء ـ الأول أن تكون عالماً بالمعروف والمنكر، والثاني أن تكون مخلصاً، والثالث أن تكون مشفقاً، والرابع أن تكون صبوراً ـ أن تكون عاملاً بما أمرت تاركاً لما نهيت لأن الناس أعينهم مفتحة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

((عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قُلْتُ مَا هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ))

 

[ أحمد ]

 الآن يوجد عندنا موضوع مهم جداً في الدرس، لو أن إنسان مقيم في مكان لا يستطيع أن يطيع الله ولا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، مروا بعض المسلمين في بلاد الشمال في ظروف صعبة جداً، يعني لا يمكن أن يسمح لك بأداء الشعائر الإسلامية ولا قال في مثل هذه الحالات النادرة، إذا كنت في أرض يستحيل أن تطيع الله فيها، يستحيل أن تقيم شرع الله في بيتك، ابنتك ليست ملكك ممنوع أن تسيطر عليها، يجب أن تفتن في مثل هذه البلاد التي لا يقوى إنسان على أن يطيع الله فيها يجب أن يفر بدينه منها وإذا بقي فيها سوف يحاسب ويقال له يوم القيامة:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97)﴾

 

[ سورة النساء ]

 لهذا روى الحسن عن النبي رضي الله عنه:

 

 

 

((من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً فقد استوجب الجنة ))

 طبعاً متى نقول هذا الكلام ؟ حينما يستحل عليك أن تطيع الله في بلدك، أما إذا أطعت الله في بيتك وفي عملك ولو في فساد مادمت مستطيعاً أن تقيم شعائر الله هذه بلدك وابقى فيها وادعو إلى الله فيها

(( بَاب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِنْهُمْ))

 وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى

﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

 وَقَعَ وَجَبَ

 

(( أيما مسلم خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ووضع رجله في غرز راحلته يعني في ركابة راحلته ولو خطوة واحدة ثم نزل به الموت أعطاه الله تعالى مثل أجور والمهاجرين، وأيما مسلم يخرج من بيته قاصداً في سبيل الله فقتل مات كيفما مات فهو شهيد وأيما مسلم خرج من بيته إلى بيت الله الحرام ثم نزل به الموت قبل بلوغه أوجب له الله تعالى الجنة ))

 هذا الذي يسافر في سبيل الله إما فراراً بدينه أو طلباً للعلم أو حاجاً أو معتمراً فقد وقع أجره على الله، الفقهاء قالوا: من لم يهاجر من أرضه وهو يقدر على أداء فرائض الله تعالى فلا بأس أن يقيم هناك ويكون كارهاً للمعاصي فهو معذور.

 

 

(( وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: بحسب امرئ منكم أنه إذا رأى منكراً لا يستطيع له تغيراً أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره ))

 أما قول الله عز وجل:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

 

[ سورة المائدة ]

 

 

فلهذا الآية معنىً قد لا يخطر في بالكم، عليكم اسم فعل أمر يعني الزموا أنفسكم تعاهدوا قلوبكن، زكوا أنفسكم، طهروها من كل درن حلوها بمكارم الأخلاق، عرفوها بالله عز وجل هذا معنى عليكم أنفسكم، فإن لم تفعلوا ذلك عندئذٍ يضركم من ضل يقوى عليكم يتسلط عليكم، ينال منكم يأخذ ما في أيديكم، يشتتكم، يقهركم، طبعاً هذه بعض المعاني.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[ سورة المائدة ]

 

 

يعني إذا تعاهدتم أنفسكم بتعريفها بالله وتزكيتها، وتحليتها بالكمال وتعريفها بالله، وحملها على طاعة الله عز وجل، عندئذٍ الأمر كله بيد الله، عندئذٍ لا يستطيع من ضل أن يضركم، أما إذا توانيتم في تزكية نفوسكم وحملها على طاعة الله من ضل ينال منكم الشيء الكثير.

(( عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ))

 قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾

((قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ))

[ النسائي ـ ابن ماجة ]

 سيدنا الصديق ورد عنه تفسير هذه الآية:

 

(( عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قَالَ عَنْ خَالِدٍ وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ، و قَالَ عَمْرٌو عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لا يُغَيِّرُوا إِلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ))

 إن لم ترعوا أنفسكم، إن لم تأمروا بالمعروف، إن لم تنهوا عن المنكر، فعندئذ سوف ينال منكم من ضل، أي سوف يعموا هؤلاء بالعقاب.
أيها الأخوة الكرام:
أرجو الله تعالى أن يترجم هذا الدرس إلى سلوك يومي لكن بالحكمة، و المخلص إذا نصح مقبولة نصيحته، المخلص لا المنتقد إذا كنت مخلصاً و متأدباً و لطيفاً و قلت قولاً رقيقاً ليناً نفسيتك الطاهرة و المخلصة هذه تجعل نصيحتك تسري و يستجيب لها، و هناك نتائج رائعة جداً و باهرة جداً تلمسها بيدك حينما تجد أن كلمة طيبة فعلت فعل السحر في نفوس من حولك، لا تنسوا أن الله سبحانه و تعالى يقول:

 

 

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 و قد فسر المفسرون هذه الآية: كيف أن الشجر يبدأ من بذرة صغيرة، فإذا هي شجرة عملاقة فيها الثمار و في الثمار البذور و في كل بذرة شجرة، معنى ذلك بعد مائة عام البذرة الواحدة تصبح غابة و الكلمة الطيبة في فعلها الطيب كالبذرة التي ربما أصبحت بعد حين من الزمن غابة كثيفة ملء السمع و البصر، إذاً الكلمة الطيبة كشجرة طيبة:

 

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

تحميل النص

إخفاء الصور