- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ في سلسلة الخطب المتعلّقة بِكَسْب المال ، تحدَّثْنا في خُطَبٍ سابقة عن أنَّ تِسْعة أعشار المعاصي مِن كسْب المال ، وعلى أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا وَضَعَهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ))
أيها الأخوة الأكارم ؛ المال قِوامُ الحياة ، لابدّ من أن يتوافَر بين يدي الإنسان فإنْ لمْ يكْسِبْهُ مِن طريقٍ مشروع حُمِلَ ، أو دُفِعَ ، أو اضْطرّ أن يكْسبهُ من طريقٍ غير مَشروع ، والدّعاء النبوي الشريف : " اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمّن سواك ".
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول :
﴿لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
الكون كلّه مُسَخّر لهذا الإنسان تَسْخير تعريف ، وتسْخير تكريم ، الإنسان مكرَّمٌ تكريمًا شديدًا ، حينما سخَّر الله له الكون ، ولا شكّ أنّ المُسَخَّر له أرْفعُ مكانةً من المسخّر ، ماذا يُفْهم من قوله تعالى :
﴿لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
الكون كلّه مُسخَّر لك أيها الإنسان ، فلماذا لا تعمل ؟ لماذا تكون عالةً على الآخرين ؟ لماذا تؤثِرُ الكسَل ؟ في آيةٍ ثانيَة يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً﴾
جعلها ليِّنَةً ، جعلها في خِدمة الإنسان ، وقرَّب له كلّ شيء ، جعل في الأرض معايِش ، وسُبُلاً لِكَسْب الرّزق ، قال تعالى :
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾
قال بعض العلماء : إنَّ كلمة فامْشُوا في مناكبها هو أمْرٌ من الله عز وجل ، ولكنّه أمْرُ إباحة ، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى حينما امْتنَّ على عباده بِأن جعَلَ لهم الأرض ذلولاً وأتْبعهُ بقوله تعالى :
﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكبِهِا﴾
إشارةً إلى أنّه يرتفعُ أمْر الإباحة إلى أمْر النّدْب حينما قال :
﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾
التعامل الإسلامي هو دَعْوَةٌ إلى الله مجسّدة و عمليّة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ وردَ عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّه قال فيما رواه أنس :
((ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ، ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً ، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة ، ولا تكونوا كلاً على الناس))
بالعمل تكْسبُ المال ، والمال إذا أنفقْتهُ في سبيل الله ترتقي به إلى الله تعالى ، بالعمل تكتسبُ المحامد ، وبالمال يظهرُ معدنُ المؤمن الثمين ، ربّما كان من خلال تعاملك مع الناس وفْق الشّرْع قرَّبْت الدِّين إليهم ، حبَّبْت إليهم الإسلام ، ربّما كنت داعيةً وأنت لا تدري ، حينما تعاملْت مع الناس من خلال الصِّدْق ، والأمانة ، والإخلاص ، والوفاء بالوَعْد ، هذا التعامل الإسلامي هو دَعْوَةٌ إلى الله مجسّمة ، ودعوَةٌ مجسّدة ، ودَعوَةٌ عمليّة .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ آيةٌ ثالثة ، قال تعالى :
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
الكون كلّه ؛ بِسَمائه ، وأرضِه ، وجباله ، وبُحَيْراته ، وبحارِهِ ، وأنهاره ، ونباته، وحيوانه ، لِتَبتغوا من فضله ، وإليه النشور .
آيةٌ خامسة ، قال تعالى :
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
ومن رحمته جعل الليل والنهار لتسكنوا فيه ، قال تعالى :
﴿نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾
آياتٌ كثيرة ، أكثرُ من أن تُحصى ، مِحْورُها ومُؤَدَّاها أنَّ الإنسان في الحياة الدّنيا خُلِقَ لِيَعملَ ، لا لِيَعْملَ مِن أجل أن يكسبَ المال فَيُنفقُه على شهواته ، ومُتَعِهِ الرخيصة ، ليس هذا هو القصْد ، القصد هو أن تُقدِّم للمجتمع نموذجًا للمسلم ، المسلم الصادق ، المسلم الأمين ، المسلم الحريص على دينه ، المسلم العفيف ، المسلم المخلص ، المسلم النصوح ، لا شيءَ يؤثّر في الآخرين كأنْ يكون الإسلام مجسَّدًا في التعامل ، لا أن يبقى في الكُتب ، ولا في الخُطَب ، ولا في المقالات ، ولا في المحاضرات ، ولكنّه التعاملُ اليومي ، أُذكِّركم بِقَول سيّدنا عمر رضي الله عنه حينما قال لأحدهم : جِئْني بِمَن يعْرفك ، فجاء بِرَجلٍ ، فقال له : هل تعرفهُ ؟ قال : نعم، قال : هل سافرْت معه ؟ - والسَّفَرُ من شأنِهِ أن يُسْفِرَ عن أخلاق الرِّجال – قال : لا ، قال: هل زاوَرْتَهُ ؟ قال : لا ، قال هل حاككْتَهُ بالدِّرْهم والدِّينار ؟ قال : لا ، فقال عمر رضي الله عنه : أنت لا تعرفهُ ، ائْتنِي بِمَن يعرفكَ فهذا لا يعرفك ، إذًا هذا الدِّين العظيم لا ينتشرُ في الآفاق إلا إذا جُسِّدَ في معاملات صحيحة ، إلا إذا طُبِّق في بيوتنا ، طُبّق في أسواقنا ، في بيعنا وشرائنا وتعاملنا ، فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ إن لمْ تكسِب المال من طريقٍ مشروعٍ نظيفٍ طاهر فربّما دُفِعْت بِدافِعِ الحاجة ، ربّما أوَّلْتَ أو احْتَلْتَ فَكَسِبْتَهُ من طريقٍ غير مشروع .
الجنة من رحمة الله و ثمنها العلم و العمل :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه النسائي عن السيّدة عائشة رضي الله عنها :
((إنَّ مِنْ أَطْيَبِ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ))
أُذكِّركم أنَّ كلمة أطْيَب اسْمُ تفضيل ، والإمام أحمدُ في مسنده روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال :
((خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح))
((مرّ على النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه- عضلات مفتولة ، وهمّة عاليَة ، ونشاط عالٍ - ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول اللّه لو كان هذا في سبيل اللّه - ليْت هذه العضلات المفتولة تتحرّك في سبيل الله ، ليت هذه الهمّة العليّة تنصرفُ في سبيل الله - فقال عليه الصلاة والسلام معلِّمًا : إن كان خرج يسعى على أولادٍ صغار فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسْعى على أبوَين شَيْخَين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسْعى على نفسهِ يعفّها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان ))
هل من بعد هذا الحديث مِن قضيّة غائمة ؟ قضيّة ضبابيّة ؟ إذا أردْت أن تكون يدك هي العليا ، وأن تكون لك مِهْنة ، صَنْعة ، اختصاص ، تفوُّق ، خِبْرة ، وأردْت أن تكسبَ المال وأنت رافع الرّأس ، وأن تنفقَ هذا المال الذي كسبْتهُ مِن تعبِك وعرق جبينك فيما يُرضي الله عز وجل ، إنّك ترْقى بهذا ، الآخرة بالعمل لا بالأمَل ، قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
أما أن تكون الجنة في حديث آخر صحيح بِرَحمة الله عز وجل ، فالحديثان صحيحان ، ولا يتناقضان ، الجنّة مَحْضُ فضْلٍ ، ولكنْ مفتاحها العمل ، قال الإمام جعفر رضي الله عنه : " يا عبادي ، اُدْخلوا الجنّة برحْمتي ، واقْتسِموها بأعمالكم " فالجنّة في الأصْل من رحمة الله عز وجل ، ولكن هذه الرحمة لها ثمَن ، ولها قاعدة ، ولها مفتاح ، مفتاحها اُدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ، في الحياة قُوَى كثيرة ، العِلْم قوّة ، والمال قوّة ، وأن تكون عالِيَ الشّأْن قوّة ، إنَّك إن كنْت عالِيَ الشَّأْن تستطيعُ أن تنصف المظلوم ، وإن كنت كثير المال تستطيعُ أن تمسح جراح البؤساء والمساكين ، وإن كنتَ عالمًا تستطيعُ أن تنير الطريق ، بإمكانك أن تسْلك إلى الجنّة طريق العلم ، وهو طريق سريع جدًّا ، وبإمكانك أن تجْعل من مالك طريقًا إلى الله عز وجل ، وبإمكانك أن تجْعل من جاهك طريقًا إلى الله عز وجل أما أنْ تقْعُد خاملاً ، كسُولاً ، بعيدًا عن أن تكون ذا شأْن ، وذا عملٍ ، وذا خِبْرةٍ ، وذا كسْبٍ ، فهذا ليس من أخلاق المسلم .
جمع الإحسان إلى الوالدَين مع عبادة الله عز وجل :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ ربّنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾
هؤلاء الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضْل الله تعالى هم الذين يعملون، ويكتسبون أرزاقهم بِكَدِّهم وعرق جبينهم ، هؤلاء جمعهم الله عز وجل مع الذين يقاتلون في سبيل الله تعالى ، والعطف يقتضي التجانس ، مثلاً ربّنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
جمَعَ الإحسان إلى الوالدَين في آية واحدة مع عبادة الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾
جَمَعَ صَلاَح البال مع الهُدى ، جَمَع الإحسان إلى الوالدَين مع عبادة الله عز وجل ، جمَعَ الجهاد في سبيل الله مع الضَّرْب في الأرض ابتغاء فضْل الله تعالى .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال : ما جاءني أجَلِي في مكانٍ ما عدا الجهاد في سبيل الله أحبّ إليّ مِن أن يأْتِيَني وأنا بين شُعْبَتَين أطْلُب من فضْل الله تعالى ، وتلا قوله تعالى :
﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾
إن لمْ يأتني أجَلِي ، وأنا أُقاتِلُ في سبيل الله تعالى ، أتمنَّى أن يأتِيَني أجلي ، وأنا أضربُ في سبيل الله ، أبْتغي رِزْقًا حلالاً ، أعفّ به نفسي ، وأكفي به أهلي .
الحكمة البالغة من جعل كسْب الحرام يسيرًا و كسْب الحلال صعبًا :
أيها الأخوة الأكارم ؛ شيءٌ دقيق جدًّا ؛ هو أنّ الله سبحانه وتعالى لحِكمةٍ بالغة جعَلَ كسْب الحرام يسيرًا ، وجعل كسْب الحلال صعبًا ، لماذا ؟ لو أنّ الله سبحانه وتعالى جعل كسْب الحلال يسيرًا جدًّا ، وجعل كسب الحرام صعبًا جدًّا ، لاتَّجَهَ الناس جميعًا إلى كسْب الحلال ، ولما عُرِف معدنهم ، ولما ظهرَتْ محبّتهم لِرَبِّهم ، ولا بدا ورعُهم ، ولا خوفهم ، ولا أيّ شيءٍ من هذا القبيل ، ولكن لِحِكمةٍ أرادها الله عز وجل جعل كسْب المال الحلال صعبًا ، وربّما كان كسْب المال الحرام أسْهلُ بِكَثيرٍ ، لماذا ؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال فيما رواه الإمام السيوطي عن أنس رضي الله عنه :
((من بات كالا في طلب الحلال بات مغفورا له))
الحكمة من خلق الإنسان هلوعاً و عجولاً و ضعيفاً :
هذا يُذَكِّرُنا بثَلاث آياتٍ وردَت في القرآن الكريم ، الأولى تقول :
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
والثانية تقول :
﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً﴾
والثالثة قوله تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلقهُ هلوعًا ، فما ذنبهُ هو ؟ وإذا كان الله جلّ وعلا قد خلقه ضعيفًا فما ذنبهُ ؟ وإذا كان الله جلّ في عُلاه قد خلقه عجولاً فما ذنْبُ الإنسان ؟ هذا ضَعْفٌ خَلقي ، وهذا الضّعْف مغروزٌ في خلق الإنسان ؛ لماذا ؟ لِنَأخذ واحدةً من هذه ، لو أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مهولاً ، ولم يخلقهُ عَجُولاً ، لو فطره على حبّ الآجلة ، وترْك العاجلة ، لاتَّجَهَ الناس إلى الآجلة من دون جُهْدٍ ، من دون معارضةِ نفسٍ ، من دون صِراعٍ ، من دون جهادٍ ، اتَّجَهَ الناس بِحُكم خلقهم إلى الآجلة ، ما بدا اختيارهم ، وما بدا حبّهم، وما بدا ورعهم ، قد يبدو لك شيءٌ عاجل متألّق ، مغْرٍ ، تدَعُهُ من أجل الآخرة البعيدة فيما يبدو لك ، لا ترقى إلى الله عز وجل إلا إذا عاكسْت نفسك وهواك ، قال تعالى :
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
جعل ربّنا سبحانه وتعالى هوى الإنسان في العاجلة ، في الشيء السريع ، وفي الشيء الذي بين يديك ، في الشيء القريب ، ووعدك بالجنة بعد الموت ، ماذا تفعل ؟ إذا أحْكَمْت عقلك تختار الآجلة ، وإذا حكَّمْت هواك تختار العاجلة ، هنا يُبتلى الناس ، وهنا يُمتحنون ، هنا يَميز الله الخبيث من الطيّب ، هنا يميزُ الله المفكّر من غيره ، الذي ينظر نظرةً ثاقبة ، والذي ينظر نظرةً عاجلة ، لذلك إذا تبِعَ الإنسان هواه هوى ، فإذا اهتدى بِنُور ربّه وحكَّمَ عقلهُ ارتفعَ ، إذًا الإنسان خُلِقَ عجولاً ، إيّاك أيّها الإنسان أن تطمع في العاجلة وتذر الآجلة ، إيّاك أن تُغريك الدّنيا ، ومن أصبحَ وأكبرُ همّه الدنيا جعل الله فقرهُ بين عينيه ، وشتَّتَ عليه شملهُ ، ولم يؤتِهِ من الدّنيا إلا ما قُدِّر له ، ومن أصبح وأكبرُ همِّه الآخرة ، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمْله ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغمة .
خُلقَ الإنسان ضعيفًا ، فلو أنّ الله خلق الإنسان وقويًّا ، لا يمرض ، غنيًّا لا يفتقر ، صحيحًا لا يسقم ، متماسكًا لا يخاف ، بقيَ في ضلاله ، وفي انحرافه ، وفي اتّباعه لِشَهواته إلى أن يأتِيَهُ الموت ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى لِحِكمةٍ أرادها جعلهُ ضعيفًا ، فإذا لاحَ له شبحُ مصيبةٍ ، يلجأُ إلى الله عز وجل ، خلقهُ ضعيفًا ، لِيَفْتقرَ في ضَعفِهِ فيسْعَدَ في افتقارهِ ، ولمْ يخلقهُ قويًّا لئلا يستغنِيَ بقوّتِهِ فيشقى باسْتِغنائِهِ ، إذًا مع أنّ الضَّعْف والفقْر والعُجالة ضَعفٌ في خَلْق الإنسان ، لكنّ هذه الثلاثة لِصالِحِ الإنسان ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
أل للجنس ، هكذا طبيعة الإنسان ، هكذا جنسُ الإنسان ، هلوعٌ جزوعٌ منوع ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
كلّما لاحَ له شبح مصيبة ، شبحُ مرضٍ ، شبح آفة ، شبح فقْر ، شبح قهْر ، بادَرَ إلى الله ملتجئًا ، بادرَ إلى الله داعيًا ، بادر إلى الله تائبًا ، يكون الله سبحانه وتعالى قد جعل من ضعفه طريقًا إليه ، كيف أنّ الصغير بِحاجةٍ إلى أبَويه ، وقد يستغلّ الأب العاقل حاجة ابنه إليه ليُرشده إلى الله عز وجل ، ولِيَحملهُ على طاعة الله ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
لكنّك إذا اتَّصَلتَ بالله عز وجل ، واعْتَزَزْت به ، وعرفْت أنّ الأمْر كلّه بيَدِهِ ، وأنّ الخَلْق جميعًا مصيرهم بين يديه ، وأنّ الأمْر كلّه يرجعُ إليه ، وأنّ بيدِهِ ملكوت السموات والأرض، وأنّه في السماء إلهٌ ، وفي الأرض إلهٌ ، وأنّ يدهُ فوق أيدي الناس جميعًا ، إذا شعرْت أنّ الله بيَدِهِ كلّ شيء ، وأنت على صراطه المستقيم بدَّل الله خوفك أمنًا ، وحِرْصكَ كرمًا ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
مِنْ قبيل هذا جعل الله الكسْب الحرام سهلاً ، وجعل الكسب الحلال صعبًا :
((من بات كالا في طلب الحلال بات مغفورا له))
كسْب المال جزءٌ من الدّين :
هناك احتيالٌ ، وهناك نصْبٌ ، وهناك مراوغةٌ ، وهناك غِشّ ، وهناك إيهامٌ ، وردَ في الجامع الصغير أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابر))
النهاوش الاحْتيال ، من أصابَ مالاً عن طريق الاحتيال ، أذهبهُ الله عن طريق النَّهْب والاستغلال ، فلذلك كسْب المال جزءٌ من دينك ، كسْب المال يظهر دينُك ؛ لا في صلاتك ، ولا في صيامك ، ولكن في كسْب مالك ، وإنفاق المال جزءٌ من دينك ، لذلك ربّنا سبحانه وتعالى خصّ موضوع المال يوم القيامة بسُؤالَين اثنين ؛ من أين اكْتسبه ؟ وفيم أنفقهُ ؟
أيها الأخوة المؤمنون ؛ أربعُ موضوعات قصيرة ، لماذا خُلِقَ الإنسان ضعيفًا ؟ لِيَفْتقِرَ في ضَعفه إلى الله ، فيَسْعَدَ في افتقاره ، لماذا خلق الإنسان هلوعًا ؟ لِيَلتجئ إلى الله عند كلّ مشكلة ، ليُبادِرَ إليه ، لماذا خلقهُ الله عَجولاً ؟ إذا آثرَ الآخرة على الدّنيا ارتقى إلى الله عز وجل بِمَعنى أنّه غلبَ نفسهُ وهواه ، عاكسَ مُراد نفسِهِ ، عاكسَ حُظوظ نفسه ، لذلك أيّها الأخوة المؤمن قد تُعرضُ عليه الدّنيا ، يؤثر مرضاة الله عز وجل ، يؤثر الآخرة :
((والله يا عمّ لو وضَعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمْر ما تركْتُه حتى يُظهره الله أو أهْلِكَ دونه))
إذًا خُلِقَ الإنسان عَجولاً ، وخُلق الإنسان هلوعًا ، وخُلق الإنسان ضعيفًا ، وجعل الله كسْب الرّزق الحلال صعبًا ، وجعل كسْب الرّزق الحرام سهلاً ، لذا قال عليه الصلاة والسلام:
((من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له))
إتقان العمل جزءٌ من الدِّين :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع أخيرٌ في كَسب المال ، يجبُ أن تعلموا عِلْم اليقين أنّ إتقان العمل جزءٌ من الدِّين ، بل هو مِن صُلْب الدِّين ، إذا قدَّمْتَ صِناعةً متقنةً ، سلعةً جيّدةً ، عملاً متقنًا ، ثوبًا جيِّدًا ، خَيطًا متينًا ، إذا قدَّمْت للمسلمين صِناعةً متقنة فاعْلَم أنَّ هذا من صُلْب الدِّين ، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو يَعلى عن عائشة رضي الله عنها أنه قال :
((إنّ الله يُحبّ إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يتقِنَهُ ))
أصحابُ الصَّناعات ، أصحاب الحِرَف ، أصحابُ المعامل ، أنت مسلم ، أتَرْضى أن يكون الكافر في بلادٍ بعيدة يُتقِنُ عملهُ أيّما إتقان ، يُعطيك صِناعةً من الدّرجة الأولى ، والناس يتهافتون على شراء صِناعته ، وأنت المسلم الذي تعرف الله عز وجل ، الذي تبيع هذه السّلعة لإخوانك المؤمنين ، هذا الذي اشْترى هذا الثّوْب ، واقْتَطَعَهُ من دَخله إذا هو بعد أيّام أو أسابيع قد هبط خيْطُه ، وقد توسَّعتْ فتاحتُه ، وصار شيئًا لا يُحتمل ، أهكذا المسلمون ؟ يجبُ أن تعلمَ علم يقين أنّ الإسلام يدخلُ معك في صنْعتك ، وفي مهنتك ، وفي حرفتك ، وفي معملك ، وفي دُكّانك ، وفي بيتك ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام :
((إنّ الله يُحبّ إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يتقِنَهُ ))
وكلّكم يعلم أنّ الصّناعة المتقنة قد يزيدُ سعرها أضعافًا كثيرةً عن الصّناعة المشابهة مِن حيث المواد الأوليّة إلا في إتقانها ، فلماذا نقدِّمُ أعمالاً غير متقنةٍ ؟ لماذا نعلِنُ عن أنَّنا مسلمون بهذه الصَّنْعة التي هي في غير المستوى المطلوب ؟
((إنّ الله يُحبّ إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يتقِنَهُ ))
هذا هو الدِّين ، الدِّين والحياة صِنْوان لا يفترقان .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قرار الأرض و مهادها :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ إذا أمركم الله عز وجل أن تتدبّروا آياته ، كيف التدبّر ؟ كيف أتدبَّرُ قوله تعالى :
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾
الله سبحانه وتعالى يوقِظُ أفكارنا ، ينبّه عقولنا ، يلفت أنظارنا ، ألم نجعل الأرض مهادًا ؟ هذه الأرض جُهِّزَتْ لكم أيّها الناس ، وهُيِّئتْ لاسْتقبالكم هل فكَّرْتم في ذلك ؟ هل فكَّرتم أنّ هذه الأرض جعلها الله مستقِرَّة ؟ في كلّ ثانيةٍ تقطع ثلاثين كيلو متراً ، وهذه الخطبة منذ أوَّلها وحتى الآن قطَعَتْ مئات الآلاف ، هل تحرّك شيء ؟ هل اهْتزَّ جِدَار ؟ هل تشقّق سقف ؟ ألم نجعل الأرض مهاداً ؟ قال تعالى :
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
من جعلها مستقرّة وهي متحرّكة ؟ تبني البناء ، طوابق متعدّدة ، لو أنّها تهتزّ قليلاً لانهارَ البناء ، وتهدَّم البنيان ، وتقطَّعَت الجسور ، ولَرُدِمَت التُّرَع ، من جعلها مستقرّة ؟ ولكيلا تبقى في غفلة أعطاك الزلازل نموذجًا ، زلزال يجعلُ الأرض عاليَها سافلها ، فأصبح في ثلاث ثوان ثلاثمئة ألف من دون مَأوى ، في ثوان معدودة مدينة بأكملها تُصبحُ تحت أطباق الثَّرى قال تعالى :
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
هلّا فكّرْتُم في هذه الآية ؟ من جعلها مستقرّة وهي متحرّكة ؟ وحركتها أيّها الأخوة متبدّلة لأنّ مسارها حول الشّمس مسارٌ إهْليلجي ، ولهذا الشَّكْل البيْضَوي نصف قطر صغير ، وآخر كبير ، فإذا وصَلَت الأرض إلى نصف القطر الصغير جذَبَتْها الشّمس ، ولكيلا تنجذب تزيدُ من سرعتها زيادةً تدْريجيّة ينشأ عن هذه الزّيادة قوَّة نابذةٌ تكافئ القوّة الجاذبة، قال تعالى :
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
أإلهٌ مع الله ؟ من يستطيعُ في الكون كلّه أن يُبقي الأرض على مسارها ؟ قال تعالى :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾
مَن جعل الأرض على مسارها ؟ من جعلها تزيدُ من سرعتها إذا اقتربَت من القطر الأدنى ؟ من جعل هذه الزّيادة تدريجيّة - تسارعٌ منظّم -؟ من جعلها ؟ يدُ مَنْ ؟ يدُ الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى :
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾
من وفَّر في الأرض الهواء ؟
أيها الأخوة ، الهواء مع الأرض ، ولو كان منفصِلاً عنها لنشأَتْ عواصف سُرعتها ألف وستمئة كيلو متر في الساعة ، وأشدّ أنواع الأعاصير المدمّرة لِكلّ شيءٍ على الأرض لا تزيدُ سُرعتها عن ثمانمئة كيلو متر ، وفي مئتي كيلو متر الرّياح مدمّرة ، بالثمانمئة كيلو متر لا تبقي ولا تذَر ، لا تُبقي بيتًا فوق الأرض ، لو أنّ الهواء شيء ، والأرض شيء ، والأرض تدور ، لنشأَتْ أعاصير سُرعتها ألف وستّمئة كيلو متر في الساعة ، قال تعالى :
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾
قال تعالى :
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾
هواءٌ مع الأرض ، ومتحرِّك ، هناك رياحٌ لطيفة ، رياحٌ معقولة تبدّل الأجواء ، تنقّي الأجواء ، وهكذا ، من وفَّر لهذه الأرض أشعّة الشّمس الدافئة ؟ المنيرة والمعقّمة ؟ من وفَّر الطعام والشّراب ؟ من خلق النبات ؟ آية النبات آيةٌ عظمى ، هذا كلُّه من قوله تعالى :
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾
من أعطى الأرض الحرارة المناسبة ؟ لو أنّها توقَّفت عن الدّوران لأصبَحَت حرارتها ثلاثمئة وخمسين درجة في النهار ، ومئتين وخمسين درجة تحت الصّفر في الليل ! مَن جعلها في درجات معتدلة تتوافق مع أجسامنا ؟ من جعل الليل والنهار بِطُول يُساوي حاجتنا إلى النوم والعمل ؟ مَن ؟
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾
أيها الأخوة ؛ الأرضُ هيَّأها لنا ، وهيّأك لها ، جعل لك قدَمَين تسعى بهما ويدين تعمل بهما ، وعينين تُبصرُ بهما ، وعقلاً تدرك به الحقائق .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ إذا قرأتم القرآن الكريم ، لا تقرؤوه هكذا ، توقَّفوا عند آياته، تأمَّلوا فيه ، ألَمْ نجعل الأرض مِهادًا ؟ كيف هيَّأها لك وهيَّأك لها ؟ كيف جعلها بِحَجمٍ وبِسُرعةٍ وباستقرار مع الهواء والماء والشّمس والنبات والحيوان والتضاريس والليل والنهار والحركة والجاذبيّة بِشَكلٍ يوافق حاجاتك ؟ وجعل لك قدَمَين ، ويدين ، وعينين ، ورئتين ، وأُذنين ، وقوّة مدركة ، وأخرى عاقلة ، ولِسان طليق يتحدّث ويبيّن .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ القرآن كونٌ ناطق ، والكون قرآن صامِت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، تأمَّل في صُنْع الله عز وجل من أجل أن تعرف الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .