وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة آل عمران - تفسير الآية 190 ، عبادة التفكر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام ؛ الآية التسعون بعد المئة من سورة آل عمران وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 مَنْ هم (أولي الألباب) ؟ قال المفسرون: هم أصحاب العقول، وقد شبه الله العقل في الإنسان كاللب في الثمرة، فما قيمة قشرة الثمرة، بكم تشتري قشور الثمار ؟ بلا شيء، لكن بكم تشتري الثمار ؟ بكل شيء، لأن فيها لبًّا، فالعقل في الإنسان كاللب في الثمرة، والعقل كما ورد: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، ورأس الحكمة مخافة الله، فعقلك يظهر بقدر خوفك من الله وحبك له، فإذا قلَّ الخوف ضعف العقل، وإذا قلَّت المحبة ضعف العقل، يقول الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 فأنت بحاجة إلى شيئين ؛ بحاجةٍ إلى أن تعرف الله، وبحاجةٍ إلى أن تعبده، كي تحقق سر وجودك، فبالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، الأمر والنهي، نعرفه من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن تعبده عليك أن تعرف أمره ونهيه، أما إذا أردت أن تعرفه، عليك بقول الله عز وجل، وأنْ تتدبَّر قوله:

 

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 السموات والأرض كما قلت من قبل، تعبير قرآني عن الكون، فخلق السموات والأرض يدل على وجود الله، وعلى كماله وعلى وحدانيته، فالأرض مثلاً تدور حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو مترًا بالثانية، هذا الدرس المتواضع الذي لا يزيد عن عشر دقائق، تقطع فيه الأرض ثمانية عشر ألف كيلو متر، لأن الأرض تسير ثلاثين كيلومترًا بالثانية، بالدقيقة: 6x 3 = ثمانية عشر، عشر، وصفرين، ألف وثمانمئة، بعشر دقائق ثمانية عشر ألف كيلومترًا خلال درس التفسير الذي لا يزيد عن عشر دقائق.
 الأرض إذًا أيها الإخوة تدور حول الشمس، قال:

 

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 المسار إهليلجي، هناك قطر طويل وقطر قصير، وعند القطر الصغير الأصغري، تزيد سرعتها، لتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، وعند القطر الأعظمي، تقل سرعتها، لتبقى مرتبطة بالشمس.
 إذاً حركة الأرض حول الشمس بسرعةٍ متفاوتة، تزيد سرعتها وتقل سرعتها، لتبقى في مسارها الإهليلجي، شيئاً آخر:

 

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾

 

 تتابع الليل والنهار ما سببه ؟ الشمس هنا، يعني في جانب، هي منبع الضوء، والأرض هنا، يعني في جانب آخر، فلو أن الأرض توقفت عن الدوران، لما كان ليلٌ ولا نهارٌ، ولو أن الأرض دارت حول الشمس، ودارت على محور موازٍ لمستوى دوارنها حول الشمس، ودارت هكذا، والشمس من هنا، مع أنها تدور لا ليل ولا نهار، الليل ثابت إلى الأبد، والنهار ثابت إلى الأبد، ولو أن الليل ثبت إلى الأبد، لكانت حرارة الأرض في الليل دون المئتين والسبعين تحت الصفر، وهو الصفر المطلق، إذًا تنتهي الحياة، ولو أن الوجه المقابل للشمس ثابت، لكانت الحرارة ثلاثمئة وخمسين درجة فوق الصفر واحترق كلُّ شيء، إذاً لو أنّ الأرض توقفت لأُلغي الليل والنهار، ولو دارت هكذا بالعكس، والشمس من هنا، فالوجه المقابل للشمس، في حرارة درجتها ثلاثمئة وخمسون فوق الصفر، والوجه الآخر يكون بدرجة مئتين وسبعين تحت الصفر، ولانعدمت الحياة، لكن الأرض تدور هكذا، و الشمس هنا تدور هكذا، إذًا:

﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾

 لكن في الآية معنى آخر، الليل والنهار يختلفان فيأتي الأول بعد الثاني، والثاني بعد الأول، وهكذا، أمّا المعنى الثاني، أن اختلاف الليل والنهار، يعني أن طول النهار وطول الليل يختلفان، من سبع عشرة ساعة ونصف إلى عشر ساعات أحياناً، فما سر هذا الاختلاف ؟ فلو أن الشمس هنا والأرض هنا تدور الأرض حول محور عمودي على مستوى الدوران هكذا، لانعدمت الفصول، بالمنطقة الاستوائية صيف دائم إلى الأبد، وبالمناطق القطبية شتاء دائم إلى الأبد، والتغت الفصول، لكن هذا المحور مائل قليلاً، مع ميل المحور تأتي الشمس عموديةً على القطب الشمالي، فإذا أصبحت الأرض هاهنا جاءت الشمس عموديةً على القطب الجنوبي، وصار في السنة اختلاف فصول، من صيف، وشتاء، وربيع، وخريف، إذاً هذه الحكمة البالغة، أن الأرض تدور حول محورٍ مائلٍ على مستوى الدوران.

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 

 دورة الأرض حول نفسها، تتناسب مع طاقة الإنسان، لو كان الليل ساعة واحدة، والنهار ساعة، تنام وتستيقظ، ولا بد لك ثماني ساعات، ثمانية أيام نوم وثماني ليال، لكن لو كان النهار أو الليل مئة ساعة، أيضاً لصارت الحياة صعبة، أما الليل والنهار فيتوافقان مع طاقة الإنسان، لوجود تصميم وتناسق رائع، إذًا الإنسانُ إن لم يفكر في هذه الآيات التي بثَّها الله في الكون، فكأنه عطل عقله، أو كأنه لم يستخدمه، أما إذا استخدمه فيما لم يخلق له، فقد أساء إساءةً بالغة، إذاً دقق في هذه الآية:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

 الألباب أصحاب العقول، وإنسان من دون عقل كالثمرة من دون لب.
 يعني أنت بكم تشتري قشر كيلو الموز، أتأخذه بمئة ليرة، أعوذ بالله، لن تأخذه ولو بقرش، أما كيلو الموز فثمنه مئة ليرة، وفيه اللبُّ، واللبُّ مغذٍ، والإنسان من دون عقل ثمرة من دون لب، والعقل يقتضي أن تُعمله في الكون كي تعرفه، إن أعملت عقلك في الأمر والنهي فمن أجل أن تعبده، وإن أعملت عقلك في الكون فمن أجل أن تعرفه، فأنت تعرف الله بالكون، وتعبده بالكتاب والسنة، فمعرفة الكتاب والسنة من دون معرفة الله نقص كبير، ومعرفة الله عز وجل من دون أن تعرف أمره نقص كبير، فلابد من التناسق بين معرفة الله ومعرفة أمره.
 لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول بصدد هذه الآية:

((الويل لمن لم يفكر بهذه الآية ))

 كان كلما استيقظ في الليل يتلو هذه الآية، وكأن الإنسان مكلف أن يجول فكره في خلق السموات والأرض حتى يعرفه، فإذا عرفه عَبَدَه من خلال الكتاب والسنة.
 فالإنسان لا يمر على الآيات مرورًا سريعًا، فكأس الماء الذي تشربه و، كأس الحليب الذي تشربه، ورغيف الخبز الذي تأكله، وهذه الفاكهة التي تأكلها، وهذه الأمطار التي تهطل، وهذه البحار التي تزخر بما فيها من أسماك، ولآلئ ومرجان، هذه كلها بين يديك من أجل أن تعرفه، وكلما ازدادت معرفتك بالله عز وجل ازدادت خشيتك له.

 

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

 

(سورة فاطر: 28)

 و (إنما) تفيد القصر، أي أن العلماء وحدهم، ولا أحد سواهم يخشى الله عز وجل.
 فتبدُّل الليل والنهار، وتعاقبهما، والصيف وما فيه من خصائص، والربيع، والشتاء، والخريف، هذه الأرض بدورانها حول الشمس، ولا تنسوا هذا الرقم البسيط، نحن خلال هذا الدرس كم قطعنا من مسافةٍ حول الشمس ؟ ثمانية عشر ألف كيلو متر، الآن مرَّت بنا عشر دقائق، فقطعنا ثمانية عشر ألف كيلو متر في مسيرنا حول الشمس.
 فكم هي عظمة هذا الكون ؟ والمؤمن كما قلت قبل أيام، بالكون والنظر في عظمته يعبُر المؤمن إلى المكوِّن، ومن النظام للمنظم، ومن التسيير للمسيِّر، ومن الخلق للخالق، ومن التربية للمربي، ومن التصوير للمصور، فما لم تعبر من هذه الحقيقة الكبرى إلى حقيقةٍ أكبر فأنت لا تعرفه.
 الغربيون وقفوا عند الكون، أما المسلمون فتجاوزوه إلى المكوِّن، والمؤمن ينتقل من النعمة إلى المنعِم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور