وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة البقرة - تفسير الآية 177 ، جوهر الدين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

النجاح والتفوق في الجوهر وليس في الشكليات :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في سورة البقرة الآية السابعة والسبعون بعد المئة ، يقول الله تعالى في هذه الآية :

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة : 177]

 كتمهيد لهذه الآية نأخذ موضوع الدراسة المدرسية ، فلو أن طالباً اعتنى بدفاتره وجلدها، واعتنى بأقلامه ونوّعها ، واعتنى بمحفظته ، وبهندامه ، وبشطيرته كل يوم ، واعتنى بكل شيء لا علاقة له بالدراسة ولم يدرس ، نقول له : أنت قد تعلقت بالقشور ، ولم تتعلق باللباب .
 ففي الدين أشياء ، إن طُبقت تطبيقًا جيدًا ، لكنها لا تصل بها إلى جوهر الدين ، فليس لها مردودات إيجابية على تدين صاحبها ، فالله سبحانه وتعالى يقول :

﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾

 أي ليس النجاح ، وليس الفلاح ، وليس التفوق ، وليس الإحراز في الشكليات :

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾

.
 أحيانًا تنشأ مشكلاتٌ بين المسلمين ، أخي القبلة منحرفة بدرجة ، القبلة خط وليست مقطعًا ، ومادام الخط يحتمل ثلاث درجات ، فتقع خلافات بين المسلمين ، مثلاً : كم درجة بنظرك ؟ قد تجد خصومات وخلافات وتمزقات لأشياء من ثانويات ثانويات الدين ، وما أضل قوماً بعد إذ هداهم إلا أوتوا الجدل .
فربنا عز وجل يلفت نظرنا إلى أن في الدين جوهرًا ، وعرضاً ، فإياكم أن تلتفتوا إلى القشور والأشياء الشكلية الإجرائية وتنسوا اللباب ، فهذا الطالب الذي اعتنى بغرفته ، وطاولته ، وأقلامه ، ومحفظته ، ودفاتره ، وهندامه ، لكنه لم يدرس أبداً ، ثم ذهب إلى الامتحان ، معه فطيرة ، ومعه أسبرين ، ومعه ستة أقلام ، ينتظره السائق عند الباب ، لكنه ما درس ، وما كتب شيئًا ، فلن ينجح في امتحانه . فربنا عز وجل يقول :

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾

 فإذا آمنت بالله أنه هو الرزاق ، وهو المعز ، وهو المذل ، فكيف تعصيه من أجل الرزق ؟ معنى ذلك أنك لم تؤمن به رازقاً ، فكيف تعصيه من أجل أن ترضي زوجتك ؟ فلو أنك أسخطته وأرضيتها لأسخطها الله عليك .

البر والسعادة لمن نقل اهتماماته للدار الآخرة :

 إذاً :

﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾

 موجوداً ، وواحداً ، وفعّالاً ، ورباً ، وحكيماً ، وقديراً، وغنياً ،

﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

 فإنْ أحدٌ نقل اهتماماته للدار الآخرة ، ورأى الدنيا عرضاً حاضراً ، يأكل منها المؤمن والفاجر ، فهذا هو البر و الصلاح و السعادة . أجل السعيد الذي نقل اهتماماته ونقل أعماله للدار الآخرة ،

﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

 لكن أكثر الناس هذه الأيام وهم والله مساكين ، يحسبون لكل شيء من أمور دنياهم حسابًا ، فيقدم مثلاً طلبًا للحصول على هاتف لابنه و عمره شهر واحد ، يلتفت إلى مكاسب الدنيا ولا تراه يلتفت إلى آخرته .
 وليعلم الإنسان أيًّا كان ، و ليذكر قول الله تعالى :

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾

[سورة الحديد : 20]

تحميل النص

إخفاء الصور