وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 18 - سورة الأنفال - تفسير الآيتان 50 -51 ، ما قبل الموت - نفي الله عز وجل الظلم عن ذاته العلية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

خطاب الله عز وجل نبيه الكريم في الآية التالية :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثامن عشر من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخمسين وهي قوله تعالى : 

﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ﴾

هذه الآية أيها الإخوة فيها خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ، أما لو فهي حرف امتناع لامتناع ، ولولا حرف امتناع لوجود ، بمعنى لولا المطر لهلك الزرع ، امتنع هلاك الزرع لوجود المطر ، لو جئتني لأكرمتك ، هذه لو حرف امتناع لامتناع ، امتنع إكرامي لك لامتناع مجيئك .

فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام ويقول : يا محمد  ، ﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ مصير هؤلاء الكفار إذ يتوفاهم ملك الموت ، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ﴾ الملائكة فاعل ، أي ولو ترى يا محمد إذ يتوفى الملائكة الذين كفروا ، ماذا سيحل بهم ؟ ما مصيرهم ؟ القرآن الكريم سكت عن الحديث عن مصيرهم ، وعما يحل بهم ، لماذا ؟ قال بعض العلماء : إن إغفال الجواب يسمى في علم البلاغة إيجازاً غنياً . 

أي قد تقول : أصابني فقر ، واضح ، أصابني مرض ، أصابني همّ ، أصابني حزن ، لكن تقول أحياناً : لو تعلم ما الذي أصابني ؟! فهذا السامع انطلق خياله إلى آفاق كبيرة جداً ، هذا ليس إيجازاً عادياً ، هذا إيجازٌ غني ، لأن هناك إيجازاً مخلاً ، وهناك إطناباً مملاً ، والبلاغة بين الإيجاز المخل وبين الإطناب الممل ، أما هذا الإيجاز له اسم خاص بالبلاغة اسمه : إيجاز غني .

 

من عرف الله استقام على أمره :


مرة ثانية أقول لك : أصابني همّ ، الهم محدد ، أصابني مرض ، أصابني فقر ، أصابتني مصيبة ، أما حينما أقول لك : لو تعلم ما الذي أصابني ؟ ما الذي أصابه ؟ ينطلق الخيال لآفاق كثيرة ، إذاً هو أغفل التفاصيل ليعطي التفاصيل قوة يصنعها خيال السامع ، هذا معنى الإيجاز الغني . 

﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ يا محمد ، ﴿ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾ في أثناء الوفاة يضربون وجوههم وأدبارهم ، أي القاتل حينما يلقى القبض عليه يُساق بالضرب إلى السجن ، لا يُساق بالتكريم ، حينما يلقى القبض على قاتل ، أو على مجرم ، أثناء سوقه إلى السجن ، يتلقى ضربات كثيرة ، لأنه مجرم ، وهؤلاء الذين كفروا بنوا مجدهم على أنقاض الناس ، بنوا حياتهم على موتهم ، بنوا غناهم على إفقار الناس ، بنوا أمنهم على إخافة الناس ، بنوا عزهم على إذلال الناس ، دائماً وأبداً أنت حينما تعرف الله تستقيم على أمره ، تأخذ ما لك وتدع ما ليس لك .

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

 

الإيمان بالله يُعرف الإنسان بحدوده ويبعده عن العقاب :


الإنسان لماذا يؤمن بالله ؟ ليعرف حدوده ، لئلا يعتدي ، لئلا يستحق بعد الاعتداء العقاب من الله ، أنت حينما تعرف الله عز وجل ، وأنه سيحاسب ، وأنه سيعاقب ، تقف عند حدك ، كيف لا وأنت مع إنسان من بني جلدتك لكنه أقوى منك ، حينما تعلم علم اليقين أن علمه يطولك ، وأن قدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه .

وأوضح مثل : تقود مركبة وعند تقاطع الطرق الإشارة حمراء ، الشرطي واقف ، الشرطي عين واضع القانون ، وشرطي آخر على الدراجة ، وضابط مرور في المركبة ، أنت مواطن عادي ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تتجاوز الإشارة الحمراء ، لأنك موقن قطعاً أن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، والشرطي والضابط ، وأن قدرته تطولك ، وبإمكانه أن يسحب الإجازة منك ، وأن يحجز المركبة .

أنت انظر كيف تتعامل مع الأقوياء في الدنيا ، أنت تاجر استوردت بضاعة ، لم تخبر عنها جهة الضرائب ، تهدَر حساباتك ، وتضاعَف ضرائبك ، مع أن كل شيء تستورده تذهب منه نسخة إلى وزارة المالية ، فإذا أغفلتها أنت في ميزانيتك هم يكشفونها ، قلّما تجد في أنحاء البلاد تاجراً واحداً يغفل إعلام المالية بصفقة استوردها ، التعامل مع الأقوياء ، أو التعامل مع من علمهم يطولك ، ومع من قدرتهم تطولك ، واضح جداً ، الله عز وجل قال :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)﴾

[  سورة الطلاق  ]

 

أغبى أغبياء الأرض من لا يدخل الله في حساباته :


قد يسأل سائل : لماذا اختار الله جلّ جلاله من أسمائه الحسنى اسمين فقط ؟ ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ قدرته ، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ ، إذا كنت مع واضع قانون السير لا تخالفه أبداً ، إذا كان علمه يطولك من خلال الشرطي وأن قدرته تطولك من خلال سحب الإجازة ، فكيف تتعامل مع خالق السماوات والأرض وأنت في قبضته ؟ يعلم سرك ونجواك ، يعلم ما أعلنته ، ويعلم ما أسررته ، ويعلم ما لم تعلمه ، وأنت في قبضته ، فلذلك العلم بالله يقود إلى طاعة الله ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

إخوتنا الكرام ، دققوا فيما سأقول : أغبى أغبياء الأرض ، أحمق حمقى الأرض ، أجهل جهلاء الأرض ، الذي لا يدخل الله في حساباته ، وصدقوا ولا أبالغ ، ما من قطرة دم تراق في الأرض ، في كل الأصقاع والأمصار ، وفي كل الأزمنة ، من آدم إلى يوم القيامة وإلا ويتحملها إنسان يوم القيامة ، إلا أن دم المقتول بحدٍّ شرعي يتحمله الله عز وجل .

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)  ﴾

[ سورة القيامة  ]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)  ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

أتظن أن الله لا يحاسب ولا يعاقب ؟ 

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)  ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

 

الاستقامة على أمر الله تحتاج إلى معرفة به سبحانه :


لذلك أيها الإخوة الاستقامة على أمر الله تحتاج إلى معرفة الله ، إن هؤلاء الذين كفروا غفلوا عن الله ، واعتدوا بقوتهم ، وجبروتهم ، وظنوا أن الله لا يحاسبهم فبطشوا ، هؤلاء الذين يقصفون المدن ، يدمرون الشعوب ، يسببون المجاعات ، يهدمون البيوت ، يقتلون الشباب ، ثم يتصدرون الشاشات ، ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية ، الله لهم بالمرصاد . 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾

[  سورة آل عمران ]

 

الحساب الختامي يوم القيامة فالعاقل من اتعظ بغيره :


إخوتنا الكرم ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسماً واحداً وهو اسم العدل ، هذا الاسم محقق جزئياً ، الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ولكن الحساب الختامي يوم القيامة :

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)  ﴾

[ سورة آل عمران ]

فالبطولة لا أن تعيش لحظتك وأنت قوي ، وأنت غني ، لكن البطولة أن تعيش مصيرك ، دائماً العاقل يعيش في المستقبل ، يعيش في نتيجة عمله . 

﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ يا محمد ، لو ترى هؤلاء الكفار حينما يتوفاهم ﴿ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ .

أيها الإخوة ، ورد في السنة أن صحابياً أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال رجلٌ  : يا رسولَ اللهِ  ، إنِّي رأيتُ

(( بِظهرِ أبي جَهلٍ مثلَ الشِّراكِ – أي علامة من الضرب الشديد ظاهرة على جسمه - قال  : ما ذاكَ ؟ قال  : ضَربُ الملائكَةِ  . ))

[ الحسن البصري المحدث  : ابن كثير | المصدر  : تفسير القرآن العظيم ]

[ الصفحة أو الرقم  : 4/20 | خلاصة حكم المحدث  : مرسل | أحاديث مشابهة ]

[ توضيح حكم المحدث  : إسناده ضعيف ]

(( وجاء صحابي آخر وقال : يا رسول الله إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه – أي في أثناء المعركة فتوجهت إليه بسيفي وقبل أن يصل سيفي إلى رقبته  رأيت رأسه قد طار من فوق جسده - فنَدرَ رأسُه ؟ فقال : سبقك إليه الملك . ))

[ والحديث ضعفه الأرناؤوط في تعليقه على المسند ، وقال  : ” إسناده ضعيف لإبهام الواسطة بين إسحاق بن يسار والد محمد وبين أبي داود المازني . ]

وهذا مصداق لقول الحق سبحانه وتعالى : 

﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)﴾

[ سورة الأنفال  ]

هذا قرآن كريم ، إذاً : ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ .


 إذا أراد الإنسان أن ينفذ أمراً فليتدبر عاقبته :


أيها الإخوة ، سُئل أحدهم : ما العقل ؟ فقال : أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، أي هذا القاتل لو فكر أنه سوف يلقى القبض عليه ، وسوف يُحاكم ، وسوف يُعدم ، ما قتل ، لكنه عاش لحظته ، فقتله وطمع بماله ونسي اعتقاله ثم محاكمته ثم شنقه ، كل بطولتك أن تعيش المستقبل ، وأن تعيش على مشارف ترك الدنيا ، أن تعيش وأنت تتصور ما وضعك في القبر ؟ هل قبرك روضة من رياض الجنة أم حفرة من حفر النار ؟

إذا أراد أحدكم إنفاذ أمر فليتدبر عاقبته ، أقول لكم : إن الأغبياء يعيشون الماضي دائماً ، يتحدث عن بطولاته ، وأن الأقل غباء يعيشون الحاضر ، لكن العقلاء والأذكياء يعيشون المستقبل ، أي وأنت تدخن تستمتع بهذه الدخينة ، لكن هل فكرت أن هناك سرطاناً في الرئة ؟ هل فكرت في هذا ؟ هذا الذي كان يقول : تعالوا إلى حيث النكهة ، معلن كبير للدخان ، يركب الحصان ويرتدي ثياباً خاصة ، ويقول : تعال إلى حيث النكهة ، قبل أن يموت قال  ما يلي : كنت أكذب عليكم الدخان قتلني ، بعضهم قال : العاقل لا يندم ، لأن الذي سيأتي توقعه ، فتكيف معه ، ومن هو الذكي ؟ هو المتكيف ، ما من تعريف جامع مانع موجز للذكاء كهذا التعريف ، الذكاء هو التكيف فقط ، أن تتكيف مع المستقبل ، أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا ، ماذا أعددت لهذه الساعة ؟ 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)﴾

[ سورة فصلت  ]

﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ .

 

أعظم أنواع التكيف أن تتكيف مع حدث الموت :


أيها الإخوة ، من ملامح أن تعيش المستقبل قاعدة في بعض البرمجات النفسية ، ابدأ من النهاية ، أي ابدأ من المصير .

سُئل طالب نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية : ما سبب التفوق ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي ولا دقيقة في أثناء العام الدراسي ، أي تكيف مع الامتحان ، درس ، هو البطولة بالتكيف ، أعظم أنواع التكيف أن تتكيف مع حدث الموت . 

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾

[ سورة يس ]

فكل ذكائك ، وكل نجاحك ، وكل فلاحك ، وكل بطولتك ، وكل توفيقك ، أن تتكيف مع المستقبل ، مع أخطر حدث في المستقبل ، مع مغادرة الدنيا ، يا ترى لو أننا فكرنا بالموت ، وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام فقال :

(( عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  أكثروا ذكر هاذم اللذات ؛ فما ذكره عبد قط وهو في ضيق ، إلا وسعه عليه ، ولا ذكره وهو في سعة ، إلا ضيقه عليه . ))

[ أخرج ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني . بينما ضعفه ابن الجوزي ، فقال : هذا حديث لا يثبت  ]

 مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات  . . .

((  عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس   . ))

[ رواه الطبراني رواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد والألباني في السلسلة الصحيحة  ]

لو أن الإنسان فكر في مصيره يا ترى لا يعمل ؟ لا يدرس ؟ لا يتاجر ؟ لا يبحث عن وظيفة ؟ لا يشتري بيتاً ؟ لا يتزوج ؟ لا ، يدرس ، وينال أعلى الشهادات ، ويتاجر ، وقد يقيم صناعة ، وقد يبحث عن وظيفة راقية ، ويتزوج امرأة تسره إن نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، ويتنزه مع أولاده ، هذا كله مسموح ، لكن التفكر بالموت يمنعك أن تعصي الله ، التفكر بالموت يسرع بك الخطا إلى الله ، هذه فائدته ، (( أكثروا ذكر هاذم اللذات)) ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .

((  عن عبد الله بن عمر كنتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاشِرَ عَشرةٍ ، فذكر حديثًا طويلًا ، فيه : فقال فتًى : يا رَسولَ اللهِ ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ : قال : أحسَنُهم خُلُقًا ، قال : فأيُّ المؤمِنينَ أكيَسُ ؟ فقال : أكثَرُهم للموتِ ذِكرًا وأحسَنُهم له استِعدادًا . ))

[  ابن حجر العسقلاني المصدر  : الفتوحات الربانية حكم المحدث  : حسن ]

إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً ، وأحزمكم أشدكم استعداداً له ، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور  .

 

أصل حدث الوفاة أمر من الله يُبلغ لملك الموت :


أيها الإخوة ، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾ الوفاة تنسب إلى الله أحياناً كما في قوله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)﴾

[ سورة الأنعام ]

وتنسب إلى ملك الموت .

﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)﴾

[ سورة السجدة ]

وتنسب إلى رسل الله عز وجل : 

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)﴾

[ سورة الأنعام ]

شرح هذه الآيات أن أصل حدث الوفاة أمر من الله يُبلغ لملك الموت ، وملك الموت قد يكلف أحد جنوده بقبض روحه ، فإما أن تكون الوفاة معزوة إلى الله ، وإما أن تعزى إلى ملك الموت ، وإما أن تعزى إلى رسل من جنود ملك الموت .

 

أنواع العذاب :


أيها الإخوة ، الحقيقة الثانية أنه في ساعة الاحتضار هناك عذاب ، والدليل هذه الآية ، هناك عذاب في القبر ، وهناك عذاب في ساعة الاحتضار ، وهناك عذاب يوم القيامة ، فالبطولة لا أن تملك الدنيا وأن تتألق في الدنيا ثم تتحمل عذاب الاحتضار ، وعذاب القبر ، وعذاب يوم القيامة إلى أبد الآبدين .

إخواننا الكرام ، أحياناً العذاب الأليم أخف من الضرب أمام ملأ ، قال تعالى :

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) ﴾

[  سورة النور  ]

أحياناً هناك عذاب أليم ، وهناك عذاب عظيم ، وهناك عذاب مهين ، هؤلاء الكفار يُضربون بضرب مهين ، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ الضرب له معنى ، الضرب إيلام مع الإهانة ، وهناك ﴿ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ عذاب مؤلم جداً ، و هناك عذاب عظيم :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)﴾

[ سورة النور  ]

الكفار . 

﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ أي أنت أحياناً تجد دولاً تجتاح دولاً ، تقتل ، تهدم بيوتاً ، تلقي قنابل نووية على بعض البلاد ، في أعقاب الحرب العالمية الثانية ثلاثمئة ألف إنسان ماتوا في ثوان معدودة ، هؤلاء الذين أمروا بالقصف ، وإلقاء القنابل ، والتعذيب ، وإذلال الناس ، يجب أن تعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى سيعذبهم عذاباً أليماً : ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ .

 

ورود النار غير دخولها فدخول النار تعذيب لكن ورودها لا علاقة له بالعذاب :


لذلك في بعض الآيات يقول الله عز وجل :

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)  ﴾

[ سورة مريم  ]

قال علماء التفسير : ورود النار غير دخولها ، دخول النار تعذيب شديد ، لكن ورود النار لا علاقة له بالعذاب إطلاقاً ، الذين يردون النار لا يتأثرون ولا بوهجها .

أحياناً يأتي مسؤول كبير ، يحب أن يعمل زيارة للسجون ، فيذهب إلى السجن ، تفتح له الأبواب ، يجلس في غرفة المدير العام ، يأتيه الشراب البارد ، يُصور ، يُكرم ، يُبجل ، إذا شخص كان داخل السجن كان كضيف كبير يزور السجن يعد سجيناً ؟ لا .

الله عز وجل كما قلت قبل قليل : أسماؤه الحسنى كلها محققة في الدنيا ، لكن اسم العدل محقق جزئياً ، فمن أجل أن يرى كل إنسان مصير الطغاة قال تعالى : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ ليرى المؤمن – دقق - مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً ، ليرى المؤمن هؤلاء الطغاة الذين ملؤوا الأرض قتلاً وإذلالاً ما مصيرهم ، ليتحقق اسم الله العدل ، فهذه الآية دقيقة جداً في قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ أي كل بني البشر سيطلون على النار الذين لم يستحقوها ، الذين استحقوا الجنة سيطلون على النار ليروا مكانهم في النار لو لم يكونوا مؤمنين ، وليروا مصير العصاة في النار أي ليتحقق اسم الله العدل .

 

الابتعاد عن الظلم الذي يودي بالإنسان إلى النار : 


﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ اتخذتم قرار إبادة ، اتخذتم قرار إعلان حرب على شعب آمن ، بدعوى أسلحة الدمار الشامل ، ليس هناك أسلحة دمار شامل ولا هم يحزنون ، لكن هناك بترول ، هؤلاء الذين أعلنوا الحرب على بلاد ضعيفة ، آمنة ، قتلوا أهلها ، شردوا خمسة ملايين ، أعاقوا مليوناً ، وقتلوا مليوناً ، هؤلاء الذين يبنون أمجادهم على أنقاض الشعوب ، يبنون حريتهم على إذلال الشعوب ، يبنون غناهم على إفقار الشعوب ، هؤلاء طغاة الأرض . 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

[  سورة القصص  ]

أيها الإخوة ؛ ﴿ ذَلِكَ – هذا العذاب الشديد - بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ هذه قرارات اتخذتموها في الدنيا ، دقق في هذه الآية :

﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)  ﴾

 

[ سورة الزخرف  ]

حدثني صديق ، قال لي : توفي والدي وكنت مكانه في تجارة الصوف ، وأنا جاهل ، سافر إلى مكان شراء الصوف ، خطر في باله أنه إذا أعطى صاحب الصوف أوزاناً أقل من الحقيقة يكون ذكياً ، فكل وزنة يطرح منها خمسة كيلو ، ثمانية كيلو ، لم ينتبه صاحب الصوف لكن عنده حدس عام أن هذه الكمية ثمنها ثلاثون ألفاً ، فوجد ثمنها يقدر بعشرين ألفاً ، هو بدوي قال له : إن شاء الله تلقاها بصحتك ، قال لي : ركبت بهذه السيارة ، وأنا طبعاً لا أعرف الله ، أخذت عشرة آلاف من ثمنها ، أنا بصراع ، أرجع أعطيه الفرق ؟ مشكلة ، يبقى ماشياً ؟ مشكلة ، قال لي : بقيت في صراع من مكان الصوف إلى مشارف دوما ، قال لي : أخذت قراراً ماذا حصل ؟ قال لي : ما أكملت هذا القرار بذهني وجدت نفسي وسط بركة من الدماء ، السيارة قلبت ، والصوف تناثر ، وعبوات السمن فسدت ، وأخذوه إلى المستشفى .

أنا سبحان الله ! هذه الآية أراها مناسبة جداً : ﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ ، إياك أن تتخذ قراراً فيه ظلم ، ﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ .

 

الله عز وجل ينفي عن نفسه أن يكون ظلّاماً للعبيد :


﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ ، إخواننا الكرام ؛ ظلّام صيغة مبالغة من ظالم ، الآن إنسان ثبت خشبة بكرسي لمرة واحدة في حياته نقول له : ناجر ، أما النجار من اتخذ النجارة حرفة ، إنسان ثبت زراً بقميصه بإبرة نقول له : خائط ، أما الخياط من اتخذ الخياطة حرفة ، إنسان ذبح دجاجة لمرة واحدة في حياته نقول له : جازر ، أما الجزار من اتخذ هذه الحرفة مهنة له ، هناك ظالم لمرة واحد بالخطأ ، بالصواب ، أما الظلّام كثير الظلم ، إلا أن صيغ المبالغة تأخذ منحيين ، منحى الكثرة ، ومنحى شدة الفعل ، إما ظلم لا يحتمل كبير جداً ، أو ظلم مليون إنسان ، إذا إنسان غدر مشترٍ بخمسة ملايين ، هذا ظلّام ، وإذا إنسان غدر ألف مشترٍ كل واحد بمئة ليرة أيضاً ظلّام ، الأول ظلّام بشدة الظلم ، والثاني ظلّام بتكرار الظلم ، الله عز وجل قال : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ أي مهما يكن الظلم قليلاً لو شمل كل العبيد لكان هذا العمل ظلماً شديداً والذي أوقعه ظلّام ، الله عز وجل ينفي عن نفسه أن يكون ظلّاماً للعبيد .

لذلك حينما نثبت صيغة المبالغة نثبت الصيغة غير المبالغ بها ، إذا قلنا : إنسان أكّال ، أكل كمية كبيرة جداً ، هو أيضاً آكل ، إن أثبتنا صيغة المبالغة نثبت صيغة غير المبالغة ، أما إذا نفينا صيغة المبالغة لا ننفي صيغة غير المبالغة ، معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما قال : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ ولو كان الظلم طفيفاً ، إذا شمل كل العباد يُعد هذا ظلماً كبيراً ، فالله عز وجل نفى عن ذاته العلية أن يكون ظالماً وظلّاماً في الوقت نفسه ، بل إن نفي الظلم عن الله جاء بآيات ، ونفي الظلّام جاء بآيات ، لكن نفي صيغة المبالغة تغطي الصيغة غير المبالغة ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ .

 

كل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة :


لكن أيها الإخوة ، يجب أن نعلم علم اليقين أنك أنت كائن محدود لا تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك إلا بحالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلم الله ، هذا غير معقول فلذلك الله عز وجل أخبرنا بالقرآن الكريم أنه لا يظلم :

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)  ﴾

[  سورة غافر  ]

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾   . .

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)﴾

[ سورة التوبة  ]

أي آيات تصل إلى المئات تنفي عن الذات الإلهية أن يكون ظالماً ، أو ظلّاماً ، فيثبت عدل الله بإخبار الله عن ذاته العلية ، أما ما يجري في الأرض هذا يحتاج إلى أن تقرأ سورة الكهف ، لماذا خُرقت السفينة ؟ ولماذا قُتل الغلام ؟ ولماذا أنشأنا جداراً بلا مقابل ؟ الأشياء التي لا يستوعبها عقلك قسها على ما في سورة الكهف ، أي سفينة ، وراء هذه السفينة ملك ، يغتصب كل سفينة عدواناً .

﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)﴾

[  سورة الكهف  ]

أردت أن أعيبها لئلا تصادر ، إذاً هذا في حق صاحب السفينة خير ، أما في ظاهره شر ، فكل قصة اضطربت في فهمها قسها على سورة الكهف تجد أن الله سبحانه وتعالى أفعاله كلها حكيمة ، وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذه حقيقة دقيقة جداً .

وهناك حقيقة أخرى : لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور