وضع داكن
20-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 44 - الشهوة ـ المال - شرعية التعامل بالمال - النمل الأبيض وعجائبه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

الأستاذ علاء :
 أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، ونرحب بأستاذنا الكبير الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين .
 أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم .
 بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .

هذا تذكيرٌ بما سبق :

 سيدي ، وقفنا عند مسالة الشهوة في مقومات التكليف ردحاً من الزمن والحلقات ، وتوقفنا عند المال ، ولخصت لنا في الحلقة الماضية موضوع المال ، والمال قوام الحياة والإنفاق، وتبينا أن الفقر على أشكال متعددة ، فقر الكسل ، وصاحبه مذموم من الله وعند الناس ، وفقر القدر ، كأن يكون الإنسان مريضاً ، أو يكون بعاهة ، وفقر الإنفاق ، وهذا شيء مشكور ، ووسام شرف ، ولا يعتلي هذا المكان إلا علي ، وإلا مَن يحمل العلو والسمو ، وهذا ما كان لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، ولكل محسن مؤمن .
 ثم تبينا أيضاً بأن من أفعال الناس ما يكون الفقر حالة ، وقد سمى القرآن الكريم حالة دولة المال بين الأغنياء ، يقول الله تعالى : 

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ 

( سورة الحشر الآية : 7 )

 يجب أن يكون المال دولة بين كل أفراد المجتمع ، وأن يتحقق كما ورد معنا في الحلقة الماضية سيدي الدكتور ، أن يتحقق لكل إنسان في المجتمع الحد الأدنى ، أن يحقق كرامته في المال ، البيت ولو كان متواضعاً ، المأوى الآمن ، الوضع الصحي النظيف ، الحديقة ، ولو كانت صغيرة متواضعة ، المركبة ، ولو كانت بسيطاً ، أن يتحقق له كل هذه المسائل .
 وقلت في الحلقة الماضية : لا يكون الوضع الصحي للمال ، ولا يكون معافىً إلا إذا نال كل المجتمع من هذا المال نصيبه ، نتحدث الآن كيف يكون المال مريرا ؟ .
الدكتور راتب :

الكسب المشروع والكسب غير المشروع :

 الحقيقية من أجل أن يكون المال متداولاً بين كل أفراد الأمة يجب أن يكون الكسب مفتوحاً ، وحينما يكون الكسب غير مشروع يكون محفوراً في فئة معينة ، فما هو الضابط من الكسب المشروع ؟ مفردات الفقه فيها آلاف المصطلحات ، السرقة ، والغش ، والاحتيال ، والكذب ، والنهب ، والسلب .. إلخ .

1 – كلُّ منفعة بنيت على مضرة فهذا كسب ليس مشروعاً :

 لكن العلماء جعلوا لكل هذه الأنواع غير المشروعة من الكسب ضابطاً واحداً ، الكسب غير مشروع أساسه منفعة طويت على مضرة ، أوضح مثل لها السرقة ، السارق انتفع بمال بجهد كبير كان قد حصله صاحبه بجهد كبير، صاحب المال الذي بذل جهداً مديداً ، وشديداً فقده ، والذي أخذه بيسر استنفع به ، فأي منفعة بنيت على مضرة فهذا الكسب ليس مشروعاً ، هذا الضابط الأول .

2 – الكسب المشروع أساسه منافع متبادلة :

 ما هو تعريف الكسب المشروع ؟ هي المنافع المتبادلة .
 يفتح إنسان محل بقالية في حي ، يذهب باكراً ، ويشتري الخضار ، والفواكه ، والمواد التموينية من مصادرها بشكل جيد ، بمواصفات جيدة ، بأسعار قليلة ، يأتي بها إلى دكانه ، أهل هذا الحي يرون كل حاجات الدكان فوفّروا وقتهم وجهدهم ، وسمحوا لهذا البائع أن يضيف على رأس المال مقدارا هو ربحه ، وهو سبب معيشته ، إذاً : الذي فتح هذه الدكان انتفع ، والذي اشترى حاجته إلى جانب بيته انتفع أيضاً .
 الكسب المشروع أساسه منافع متبادلة ، والكسب غير مشروع أساسه منفعة بنيت على مضرة ، لذلك عندنا في الفقه الإسلامي المعاوضات ، أيّ شيء تبذله ينبغي أن تأخذ مكانه شيئًا آخر ، أما إذا بذلت ، ولم تأخذ كمن يشتري ورقة يانصيب ، دفع ولم يأخذ شيئاً ، والذي أخذ المبلغ أخذ من كل هؤلاء ، ولم يعطهم شيئاً .
 كقاعدة عامة : الكسب المشروع منافع متبادلة ، والكسب غير مشروع منافع بنيت على مضرة ، هذا هو الأصل .

3 – متى يكون الكسب مشروعاً ؟

 متى يكون الكسب مشروعاً ؟ حينما تلد الأعمال الأموال .
 أنا فتحت مشروعا ، أنا بحاجة إلى أرض ، صاحب الأرض انتفع مني ، بحاجة إلى بناء ، المهندس انتفع مني ، بحاجة إلى إكساء ، مَن يعمل في الإكساء يدير عجلة مئتي حرفة ، الدهان ، والبلاط ، والمواسير ، والكهرباء ، أنا حينما احتجت إلى الأرض انتفع صاحب الأرض ، احتجت إلى بناء على الهيكل انتفع المهندس الإنشائي ، حينما كسوت هذا المحضر انتفع به مئتا جهة ، الآن أحتاج إلى موظفين ، أحتاج إلى مستودعات ، أحتاج إلى مركبة ، والمركبة تحتاج إلى إصلاح وصيانة باستمرار ، أحتاج إلى فواتير ، إلى مطبعة ، إلى ورق ، أحتاج إلى نقل ، إلى شحن ، مركبة الشحن انتفعت . قد يكون عندك مؤسسة فيها عشرة موظفين ، لكن أكثر من ألف جهة تنتفع بها في هذه المؤسسة ، فالكتلة النقدية التي هي الربح وزعت على أكبر شريحة اجتماعية .

الإنسان أكبر مورد اقتصادي :

 هناك نقطة دقيقة جداً ، العمل هو الذي يلد المال ، إذا سمحنا للأعمال أن تلد المال يكون هناك الازدهار الاقتصادي ، لذلك الآن في العرف العالمي الإنسان أكبر مورد اقتصادي ، أنت عندك أرض ، عندك رأس مال يحتاج إلى إنسان يحسن إدارة هذا المال ، إلا أنه كان سابقاً يقنعوننا أن الكثافة السكانية خطر على مستقبل الشعب ، لذلك اخترعوا مؤتمرات السكان كي يحدوا من النسل عقب الزواج ، و الزواج مفهوم واسع جداً ، هو علاقة بين شخصين ، وقد يكونان رجلين ، وقد يكونان امرأتين ، لكن الحقيقة أن المكاسب البشرية مع الأوراق الرابحة لا الخاسرة ، ولكن بشرطين ، هذا الإنسان حينما تعلمه ، وحينما تطلق يده ، يصبح أكبر مورد اقتصادي ، والآن الصين غيرت سياستها بتحديد النسل ، لأنه انفتحت على العالم وهي بحاجة إلى طاقة بشرية ، بحاجة إلى أشخاص يعملون بإتقان .
 الذي أتمنى أن يكون واضحاً عند الإخوة المشاهدين أن الإنسان أكبر مورد اقتصادي على الإطلاق ، ولكن بشرط ، الدول المتخلفة الإنسان غير متعلم ، وعليه ألف قيد وقيد ، إذاً : هو عبء على الأمة ، إنسان يجب أن يأكل ، ما معه ثمن طعام ، يسرق ، نريد أجهزة أمن وشرطة ... إلخ ، فالإنسان حينما تعلمه ، وتقوده يكون عبئاً عليك ، وهو أحد أكبر مشكلات الأمة ، أما حينما تعلمه ، وتيسر له اختصاص الناس بحاجة إليه ، وتطلق يده في مشروع ينجح ، والآن أكبر الإنسان أكبر مورد اقتصادي .

لابد أن تلد الأعمال المال :

 إذاً : الفكرة أن الأعمال إذا ولدت المال ، الكتلة النقدية لا بد من أن تتوزع بين أكبر شريحة بين البشر ، لذلك في الشركات كلها لا بد من أن يكون المصروف ثلث الأرباح ، الأرباح مئة مليون ، 33 مليون مصاريف ، دخل لشريحة كبيرة جداً لا بد منها .
 لذلك أنا حينما لا أسمح للأعمال أن تلد المال أضمن أن يكون الدخل مشروعاً ، وأضمن أن تكون هذه الكتلة النقدية موزعة بين كل أفراد الأمة ، أما حينما أسمح للأموال أن تلد المال عن طريق الربا فالمشكلة كبيرة .
 أريد أن أوضح : لو أن إنسانًا وضع ماله باستثمار الربوي ، وأخذ الفوائد ، ما قدم للأمة شيئاً إطلاقاً ، ما هيأ فرص عمل لأحد ، الآن المشكلة الأولى في العالم هي البطالة ، والعمل البطولي الأول أن تهيئ فرص عمل للشباب .
 أستاذ علاء ، لو أن شابًا وجد عملا بدخل معقول لفكر في الزواج ، وحل مشكلة فتاة ، وفكر بشراء بيت صغير ، وصار في بنية للمجتمع ، المجتمع مجموعة أسر ، فأي نظام إلهي عظيم يدعم الأسرة ، وأي نظام مستورد خبيث يحقق الآخرين على حساب الأمم يهدم الأسرة ، لذلك كل التسلط ، وكل ما يعرض بالفضائيات غير منضبطة من أشياء تثير الشهوات هذا يهدم الأسرة ، إذاً : نظام الأسرة نظام مستقى من شرائع السماء ، ونظام الإباحية نظام وضعي مستقى من مصالح الأقوياء .
 إنّ مؤتمرات السكان تتيح بكل نُظم الأسرة ، من أجل أن تجعل المجتمع إباحياً مجتمعًا لصالحهم ، بسلوك استهلاكي لهم ، كأنهم عبيد يأتمرون بأمرهم .
 لذلك موضوع الأموال حينما تتجمع بأيدٍ قليلة ، وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، والإحصاء الدقيق أن 90% من ثروات العالم بيد 10% ، لذلك دول الشمال غنية جداً ، فما تأكله الكلاب من اللحم في بعض البلاد الغنية لا يأكله الشعب الهندي بأكمله ، وما تأكله الكلاب في بعض البلاد الغنية لا تأكله شعوب بأكملها في الدول المتخلفة ، هذا تفاوت طبقي كبير جداً ، لذلك قضية توزيع الأموال خطيرة جداً ، وأساس سلامة المجتمع ، بل إن المال قوام الحياة .

الاستثمار طريق مشروع للربح :

 لذلك أنا حينما أسمح للمال أن يلد المال فقد تجمعت الأموال بأيدٍ قليلة ، وحرمت منها الكثرة الكثيرة .
 لا بد من مثل : حينما يتاح لي أن آخذ ربحا بـ 10 % ربويًا من دون جهد ، من دون مغامرة ، والتجارة فيها مغامرة ، الربح مقابل المغامرة ، أما الربا فلا مغامرة فيه ، ولا ضرائب ، ولا مسؤولية ، ولا توقع خسارة ، ولا مشكلة ، وضعنا المال في هذا البنك ، وأخذنا الفوائد ، الآن لا يمكن أن تنشئ مشروعا تجاريا بربح بالـ% ـ 10 ـ موفرًا من دون جهد ، من دون مخاطرة ، من دون مغامرة ، من دون مصاريف ، من دون أعباء نفسية ، من دون محاسبة ، من دون مالية ، من دون جمارك ، من دون ضرائب ، هذا كله متاح لك .
 لذلك حينما يكون هناك المال يلد المال لا يضع الإنسان ماله في مشروع زراعي ، أو صناعي ، أو تجاري إلا بأرباح عالية جداً ، أحد أكبر النتائج المتاحة للإنسان أن يستثمر ماله استثمارا ربويا ارتفاع الأسعار .
 أنا الآن آتي بموشور ، الموشور دوائر متناقصة إلى الأعلى ، ولهذا الموشور عمود في الوسط ، فكلما ارتفع السعر صغرت الشريحة المرتفعة بهذه السلعة ، بعت بدمشق ، لو أن كيلو الكرز بمئة ليرة يأكل من هذه الفاكهة عدد معين ، لو كان بخمس ليرات تضاعف العدد لعشرة أضعاف ، فكلما ارتفع سعر الشيء قلّت الشريحة المنتفعة من هذا الشيء .
 أحياناً تكون السلع موجودة الشيء لكن أثمانها لا يملكها معظم الناس ، هذه المشكلة .
 لذلك حينما يكون نظام استثمار المال لا عن طريق الأعمال ، بل عن طريق الأموال وحدها ترتفع الأسعار ، لأنه يتاح لكل إنسان أن يأخذ ربحاً من دون جهد ، بلا مغامرة ولا مقامرة ، ولا عبء نفسي ، ولا خطر ، ولا خوف ، أما حينما يضع ماله بالاستثمار يريد بالـ% 40 من الربح ، حتى يكون الفرق واضحا بين المؤامرة وعدم المؤامرة .
الأستاذ علاء :
 بالتالي ينحسر هذا الانتفاع العمومي لكل المجتمع .
الدكتور راتب :

المحافظة على المال العام والخاص :

 أريد أن آتي بالآية التي توضح هذا المعنى ، قال تعالى :

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾

( سورة النساء )

 ما من معصية على الإطلاق توعد الله مرتكبها بالحرب إلا معصية الربا ، أما على الشبكية فالبنك جميل أنيق ، موظفون ، مكيف ، كمبيوترات ، المظهر رائع جداً ، لكن أمة بأكملها يمكن أن تنهار عن طريق أن يلد المَال المال .

ككرة الثلج ، تكبر بسرعة ، تتجمع الأموال بأيدٍ قليلة ، يعيشون حياة البذخ والترف والتبذير ، وأناس يموتون من الجوع ، وليس في أيديهم شيئاً .
 حينما تريد أن تكون غنياً عن طريق تأسيس مشروع فأنت مضطر أن تهيئ فرص عمل للموظفين والعمال ، لذلك الأعمال حينما تلد المال تتهيأ فرص عمل .
 مرة أحد الإخوة الكرام وصل إلى درجة لم يربح ، عنده 80 عاملا ، فاستنصحني أن يغلق المعمل ، قلت له : وهل تظن أن كل العمل الصالح تأخذه ربحًا ؟ حينما تفتح ثمانين بيتا هذا أفضل ربح عند الله ، ولو لم تربح قرشاً واحداً ، وحينما تهيئ فرص عمل لثمانين شابًا ربح وكل شاب وراءه خمسة أشخاص ، أنت فتحتَ ثمانين بيتًا ، والله استجاب لي ، وتابع العمل ، والآن الله أكرمه .
 حينما تؤمّن عملا ، معملا ، مشروعا تجاريا ، مشروعا زراعيا ، مثلاً : المشروع الزراعي ما فائدته ؟ يطرح كمية فواكه ، أو مواد أساسية بكمية كبيرة ، ينزل السعر باعتبار العرض والطلب ، فكلما فكرنا أن نستثمر أموالنا عن طريق الأعمال دون أن نشعر تنخفض السعار .
الأستاذ علاء :
 سيدي ، من هنا جاء موقف الشرع أو الفقه في مسألة أن المال يولد المال ، هذا شيء ينتج عنه الظلم ، أن مقايضة بالأشياء بأمثالها كالفضة بالفضة ، والذهب ، التمر بالتمر ، من هنا جاءت النظرة سيدي ؟
الدكتور راتب :
 هنا التبادل يداً بيد ، وسواء بسواء ، هذا تشريع خالق الأكوان ، ومَن عرَضَ الإسلام عرضاً سطحياً غير متماسك ، بمضمون هزيل ، دعوة فيها كرامات ، وشطحات غير معقولة ، ومنامات ، من عرض الدين عرضاً هزيلا غير متماسك فالمبلِّغ بهذه الطريقة لا يعد مبلِّغاً عند الله ، لأن في أعماق كل إنسان أن دين الله عظيم ، دين الله عز وجل يعجز عن تلبية حاجة الاستثمار في الأرض ، هذه أهم حاجة .

مشروعية المضاربة في الإسلام :

 هناك يتيم ، أو امرأة ، أو شيخ كبير في السن ، أو إنسان ورث مالاً معينا ، إنسان لا يحسن استثمار المال ، فلابد من أن يكون في هذا الدين العظيم منهج قويم لاستثمار المال ، إنه المضاربة ، والنبي الكريم كان أول المضاربين في الإسلام ، ضارب بمال زوجته ، نحن شجعنا المضاربة ، وليس فيها عبء .
 عملت عملا ، وشغلتُ الطاقة الشابة ، والإنسان الذي معه مال أخذ ربحا في آخر السنة ، لكن ما كان عبئًا على صاحب العمل .الأستاذ علاء :
 الآن سيدي ، توريد المال هو الذي أورث الاتجار بالممنوعات ، لكي يأخذ ربحاً شديداً ، فتح أبواب الاتجار ، نسأل الله العفو والعافية ، للاتجار بالمخدرات ، والاتجار بالسلاح والاتجار بالممنوعات ؟ .
الدكتور راتب :

خطر التجارة بالمحرمات على المال العام والخاص :

 أستاذ علاء ، المخدرات الأرباح فيها ألف ضعف ، مثلاً : كيلو المخدرات في مكان زراعتها ألف دولار ، في مكان بيعها مئة ألف دولار ، ألف ضعف ، لأنها ممنوعات .
 لذلك نحن نقيّم الإنسان لا بحجمه المالي ، بل بطريقة كسبه للمال فقط ، لو دخلتَ أستاذ علاء إلى بيت فخم جداً ، وعلمت أن صاحبه تاجر مخدرات هل تحترمه ؟ تحتقره ، ولا أكون عنده .
 فلذلك قضية المال قضية مهمة جداً ، والمؤمن يتوقى طاعة الله في كسب ماله .
 مرة سأل ملِك وزيره ، قال له : " مَن الملك ؟ الملك مخيف ، قال له : أنت ، قال له : لا الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ومسكن يكفيه ، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن إن عرفناه جهدنا في إحراجه " .
 حينما أقنع الناس أنه أنت يكون لك عمل كبير عند الله ، عمل يؤثر في مجتمع كبير أكون ناجحا ، أما أنت تعيش في بيت معقول ، بيت صحي ، ولك دخل معقول ، ولك زوجة ترضيك ، ولك مركبة صغيرة ، أنا حينما أعلّم الناس أن يكتفوا بالشيء المعتدل ، وأن يقدموا جهداً كبيراً لأمتهم عندئذٍ تصنع البطولات ، أما حينما أوجه الناس أن يكونوا أغنياء جداً كي يغرقوا في النعيم ، وفي الترف ، وفي الإباحيات ، أنا حينما أربي الناس على هذه الطريقة يفسد المجتمع . 

﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾

( سورة الإسراء )

 هذا ميزان لا يخل عند الله عز وجل .
الدكتور راتب :
 الكسب المشروع منفعة متبادلة ، الكسب غير مشروع منفعة بنيت على مضرة ، يكون الكسب مشروعاً إذا ولد العمل المال ، لأنك مضطر إلى أن توظف أناساً كثيرين ، إلى أن تهيئ فرص عمل .
 بلغني في بعض البلاد المتقدمة اقتصادياً ، لو أردت أن تنشئ معملاً ، يعطونك الدنم بمارك واحد ، يكاد يكون بلا ثمن ، وتوقع تعهدين ، أن لا تلوث البيئة ، وأن تهيئ فرص عمل ، وافعل ما تشاء .
 لذلك أنا أقول : هؤلاء الشباب طاقة كبيرة جداً ، إن لم نفكر في شكل جاد بتأمين فرص عمل لهم ، وإن لم نفكر بشكل جاد بتزويجهم هؤلاء قنبلة موقوتة ، فإما أن تكون طاقة تسهم في بناء الأمة ، أو في تدميرها .
 لذلك قضية كسب المال قضية خطيرة جداً ، وحينما يحاسب الإنسان عند الله في موضوع فبسؤال واحد ، إلا بالمال فبسؤالين ، من أين اكتسبه ؟ وفيمَ أنفقه ؟ .
الأستاذ علاء :
 من أين أتى هذا المال ، من أي مصدر ؟ وفي أي وجه من الأوجه صرف هذا المال .
الدكتور راتب :
 لذلك ورد في الأثر : " أن الأغنياء يحشرون أربع فرق يوم القيامة ، فريقا جمع المال من حرام ، وأنفقه في حرام ، يقال : خذوه إلى النار ، حسابه سريع جداً ، وفريق جمع المال من حرام ، وأنفقه في حلال ، فيقال خذوه إلى النار ، وفريقا جمع المال من حلال وأنفقه في حرام ، خذوه إلى النار ، الرابع جمع المال من حلال وأنفقه في حلال ، قال : هذا قفوه فاسألوه ، هل تاه بماله على عباد الله ؟ هل قصر في حقهم ، واستعلى عليهم ؟ فيقول النبي الكريم : فما زال يسأل ويسأل .
 أمامه أسئلة طويلة ، القضية قضية محاسبة ، فينبغي على الإنسان أن يؤمن أن هناك محاسبة .
الأستاذ علاء :
 سيدي ، الوقت الآن حان لفقرتنا العلمية ، هل نتابع في موضوع النمل ؟
الدكتور راتب:

النمل الأبيض :

1 – ما هو النمل الأبيض ؟

 نحن أمام النمل الأبيض ، النمل الأبيض حشرات صغيرة تعيش على شكل مستعمرات ، وتقيم المساكن الضخمة .

2 – كيف ينشئ النمل الأبيض مساكنه ؟

 من لوازم إنشاء المسكن الذي جهزته النملات العاملات من الطين المتكون من التراب ، وإفرازات أفواهها ، تصل مساحة مسكن النمل البيض إلى 3 أو 4 أمتار أحياناً ، وعند مقارنة هذا البيت مع حجم النملة يبدو لنا المسكن كناطحة سحاب ضخمة جداً ، مساكن النملة هذه مليئة بالممرات العميقة ، وعلى طول هذه الممرات يعمل مليون ونصف المليون نملة بتناسق تام ، وعند التدقيق في مقطع عرضي لهذا المسكن يبدو داخل هذه الممرات بهو خاص للملكة ، وأقسام زراعية ، ومخازن ، وأقنية تهوية هذا مقطع كبير .

3 – الجانب الأمني والصحي في مساكن النمل الأبيض :

 يقوم النمل الأبيض ببناء مسكنة وإصلاحه من جهة أخرى ، ويتهيأ لصد أي عدوان محتمل من جهة ثانية ، ويقوم بزراعة الفطر داخله من جهة أخرى ، وحياة السكان المزدحمين إلى هذا الحد متوقف على شرط مهم جداً هو تأمين التوازن بين الرطوبة والحرارة داخل المسكن ، ولدى النمل الأبيض حل رائع لهذه المشكلة ، فهناك في سقف المسكن هذه نوافذ موازية لبعضها ، هذه النوافذ المصنوعة من الطين تمتص الرطوبة من النمل ، وتتبخر هذه الرطوبة بحرارة جو المكان ، وتعلو عبر أقنية التهوية ، مما يؤدي إلى تخفيض حرارة المسكن من جهة ، وتأمين جريان الهواء الدائم من جهة أخرى ، فهذه النوافذ تقوم بمهمة التكييف الطبيعي بشكل تام .

4 – بناء النمل الأبيض مساكنها حسب الظروف :

 للنمل أمثلة محيرة في علم الإنشاءات ، ونوع آخر من النمل يعيش في سهول استراليا الشمالية ، حيث تبنى مساكنها هناك بعرض واسع جداً ، إلا أن جوانبها رفيعة كالخنجر ، سر هذه المساكن في زاويتها التي تواجه الشمس ، تبني هذه النمل مساكنها بزاوية إلى حد أنها عندما تكون الشمس مستوية وقت الظهيرة لا تدخل إلا إلى قسم صغير من هذا المسكن ، وهكذا تخفف الحرارة إلى أقل ما يمكن ، هذا النوع من النمل جميعه يستخدم الزاوية نفسها دون أي تحيز ، أما الجانب المثير في الأمر فهو أن هذه النملة القائمة بجميع الإنشاءات عمياء لا ترى ، هذه الكائنات الصغيرة التي لا ترى أمامها قدر سنتمتر واحد ، كيف تنشئ هذا البرج الضخم مستندة إلى الحسابات الهندسية الدقيقة ، الحقيقة تسير كل نملة عاملة بتناسق ضمن خطة كبيرة تنجز كل هذا ، لم نبدأ بعد ، كما قال بعض العلماء ، وهذا الذي أمانا لم نبدأ بعد لاستيعاب ذلك حتى الآن ، هذه الخطة الكبيرة لم يستوعبها الإنسان ، بل كل نملة هُديت دون أي قيد أو شرط إلى إلهام الله تعالى .

 وكل شيء له آية تدل على أنه واحد .


الأستاذ علاء :
 شكراً جزيلاً لأستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، نلتقي إن شاء الله في حاقة قادمة .
 والسلام عليكم ورحمة الله . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور