وضع داكن
19-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 36 - الشهوة - شهوة المال
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، مع أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم سيدي .

 

مقدمة تذكيرية :

في حلقات سابقة توقفنا عند الشهوة ، وعند تعريفها ، وعند إفرزاتها ، وعند ما جاء به الشارع ، وجعلها في المجال الصحيح ، وعند ما أتى الشارع ، ونبهنا من خلال البيان النصي والعقلي لنتجنب مزالق هذه الشهوة ، ولنتجنب استخدام الشهوة في مجالات التي لا يريدها الله ، لأنها تضر بالإنسان .
وتبينا من خلال الحلقة الماضية بأن العلاقة واضحة بين ما نهى عنه القرآن والسنة النبوية بين المنهيات ، وبين نتائجها بعلاقة علمية بين سبب ونتيجة ، وأن كل معصية لها نتائج في الحياة الدنيا قبل الآخرة .
وتحدثنا في الحلقة الماضية عن شهوة الجنس ، وأغلقنا الستار إن صح التعبير لنبتدئ في مسألة هامة جداً ، هي شهوة المال ، كيف نظر إليها الشرع ، وكيف أطّرها ، وكيف جعل لها حدوداً ونقاط ، إذا خرج الإنسان مركبته في هذا المنحى دمر نفسه ، ودمر مجتمعه ، ونستذكر قول الله تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 14 )

إذاً : هناك زينة ، كما تفضلت في حلقات سابقة : 

﴿ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 14 )

المال قوام الحياة :

أستاذ علاء ، في أول هذا اللقاء الطيب نقول : إن المال قوام الحياة ، فالنفس في قضية المال بين تطرفين : إما أن الناس يعبدونه من دون الله ، فيرتكبون كل المعاصي والآثام من أجل الحصول عليه ، وعلى حساب دينهم وقيمهم ومبادئهم ، وإما أن ينبذوه نبذاً غبياً فيفتقرون إليه بعد حين .
إن الإسلام وسطي ، المال قوام الحياة ، والمال قوة كبيرة في الإنسان ، والمال حيادي ، وبإمكان الإنسان أن يرتقي بالمال إلى أعلى مراتب الجنة ، وبإمكانه أن يصل بالمال إلى أدنى دركات المال ، المال حيادي ، وكل الحديث السابق أن الإنسان مخير ، ولأنه مخير كل حظوظه من الدنيا حيادي ، وكل إمكاناته حيادية ، يمكن أن توظف في الخير ، أو في الشر ، وكل خصائصه حيادية ، فالمال قوام الحياة ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾

( سورة النساء الآية : 5 )

قيام البشر بالمال .
تصور شابًا حصل على عمل بدخل محدود ، فتزوج ، ارتاحت نفسه ، سكن بيتًا ، الله عز وجل جعل في المال قياماً للحياة ، والذين يعبدونه من دون الله أخطؤوا ، والذين يهملونه أخطئوا ، فالإسلام وسطي ، كأن المال خط عمودي عليه نقطتان وعلامتان واضحتان ، فوق هذا الخط تطرف ، وتحت هذا الخط تطرف ، إن أهملته فقد تضيع كرامتك من أجله ، وإن بالغت بتعظيمه ضاعت مبادئك من أجله .

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

[ ورد في الأثر ]

المال قوة ، لذلك النبي الكريم يقول :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

الذي معه المال متاح له أن يفعل من الأعمال الصالحة ما لم يتح للملايين من الناس ، المال قوة ، فقد يكون المال سبب شقاء الإنسان .

(( بادِرُوا بالأعمال الصالحة : ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ، هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ))

[ أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]

حينما أهمله ، وأهمل كسبه ، أتضعضع ، وأُذل أحياناً ، وحينما عبده من دون الله شقي به في الدنيا والآخرة .

دائماً الإسلام وسطي ، والفضيلة دائماً وسط بين طرفين ، فالله عز وجل في قرآنه الكريم بيّن أن المال قوام الحياة ، ينبغي أن نكسبه من طريق مشروع ، وأن ننفقه في مصارف مشروعة .
الأستاذ علاء :
سيدي ، يخطر في بالي سؤال : نسمع بين الناس كثيراً أن هنالك مَن افتقر ، فعف ، وترك أمره إلى الله ، واحتسب أمره عند الله ، والتزم ، ولم يحقد على مَن يملك ، ولم يمد يده إلى الحرام ، وهنالك من اغتنى ، ولكنه جعل هذا الغنى مجالاً للخير ، وصرف غناه في أوجُهِ الخير ، مَن هو الأفضل مكانة عند الله ؟
الدكتور راتب :

 

ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر :

ليس الفقير الصابر بأعظم أجراً من الغني الشاكر ، هذا هو الجواب ، المال قوة ، وبإمكانك أن تمسح دموع الفقراء ، بإمكانك أن تزوج الشباب ، بإمكانك أن تقيم المياتم والمصحات ، بإمكانك أن تنشئ المدارس ، بإمكانك أن تصل بالمال إلى أعلى درجات الجنة ، يؤكد هذا قول النبي الكريم :

(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ : رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ ، فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا ، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]

فقد رفع النبيُّ الغنيَّ المؤمنَ المحسن إلى مستوى أكبر الدعاة والعلماء ، فالمال قوة ، ويجب أن نبحث عن المال .

 

الغنى بالطرق المشروعة ممدوحٌ :

ولكن هناك تعليق دقيق جداً : لأنك بالمال متاح لك أن تفعل من الأعمال الصالحة ما لا يوصف ، فينبغي أن تكون غنياً ، ولكن إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على أساس أن تتخلى عن دينك ، وعن مبادئك ، وعن قيمك ، أو أن تخون أمتك ، فالفقر وسام شرف لك ، فأنا أكون غنياً إذا كان الطريق إلى الغنى سالكاً وفق منهج الله ، دون أن أبني مجدي على أنقاض الآخرين ، ودون أن أبني غناي على فقرهم ، وحياتي على موتهم ، وعزي على ذلهم .
أتمنى من كل شاب أن يكون غنياً ، لأن الغني متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره ، هذه نقطة دقيقة جداً .

بين فقر الكسل وفقر القدر وفقر الإنفاق :

1 – فقر الكسل :

هناك فقر الكسل ، هذا فقر مذموم ، وهناك فقر القدر ، في عاهة ، العاهة تمنعه أن يكسب المال ، صاحب فقر القدر معذور ، والمجتمع ينبغي أن ينهض لمساعدته ، لكن صاحب فقر الكسل مذموم ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، الفقير فقر الكسل ليس محترماً عند الله ولا عند الناس .دخل النبي على رجل يعبد الله في أقوات العمل ، قال له : من يطعمك ؟ قال : أخي قال :

(( أخوك أعبد منك ))

[ ورد في الأثر ]

أمسك النبي الكريم يد عبد الله بن مسعود ، وكانت خشنة من العمل ، فرفع يده أمام أصحابه وقال :

(( إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))

[ ورد في الأثر ]

التقى سيدنا عمر بأناس فقراء ، قال : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
سيدنا عمر له ملمح لا يصدق ، مرّ ببلدة كل الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين ، فلما عاتبهم أشد العتاب على تقصيرهم في كسب الأموال ، قالوا : إن الله سخرهم لنا ، كما يقول بعض الأغنياء الكسالى الآن : لقد سخرهم الله لنا ، فاشتد غضبه ، وقال : << كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ >> .
أستاذ علاء ، الغني قوي ، والغني يتحكم في الفقير أحياناً ، وأنت لا تصدق أن تعمير محرك طائرة يكلِّف 5 ملايين دولار ، أربع محركات 20 مليون دولار ، مليار ليرة ، كم طنًّا قطن ؟ أصحاب التقنيات العالية يتحكمون ففي العام الآن .
الأستاذ علاء :
وقالوا : مَن يملك الاقتصاد يملك القرار .
الدكتور راتب : 

مَن يملك الاقتصاد يملك القرار :

أنت قوي بقدر ما أنت غني ، وأنت تفتقر إلى حرية الحركة بقدر ما أنت فقير ، فلذلك المال قوام الحياة ، الذي أريد أن أؤكد : إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، ضمن مبادئك ، ضمن قيمك ، ضمن الطرق المشروعة ، ضمن القنوات النظيفة ، ضمن ما أُقِرّ من قِبل قيم السماء والأرض ، ينبغي أن تكون غنياً ، أما إذا كان طريق الغنى على حساب مبادئك ، وعلى حساب دينك ، وعلى حساب قناعاتك ، فلا مرحباً بهذا المال ، أو على حساب وفائك لأمتك ، لا مرحباً بهذا المال ، أقول لمثل هذا الذي ترفع عن هذا المال الذي تدفع ثمنه باهظاً جداً : فقرك وسام شرف لك .

2 – فقر القدر :

أما فقر القدر فصاحبه ليس مذموم ، بل هو معذور .

3 – فقر الإنفاق :

عندما فقر ثالث ، هذا فقر الإنفاق لأنه أنفق ، هذا موضوع ثانٍ ، أبو بكر أنفق كل ماله ، قال له النبي : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لك ؟ قال : الله ورسوله ، سيدنا الصديق افتقر ، لأنه أنفق ، وكل إنسان عنده مروءة لا يحتمل أن يتمتع هو بالحياة وحده ، وأن يرى حوله المعوزين البائسين الفقراء المرضى ، لذلك كلما ارتقت مشاعر الإنسان كان ماله في خدمة المجموع .
الله عز وجل قال :

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾

( سورة البقرة الآية : 188 )

استنباطات من قوله تعالى : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

والله أستاذ علاء ، هذه آية فيها ملمح خطير جداً : مال أخيك هو مالك ، لا بمعنى أنه ملك لك ، بمعنى أنك مكلف أن تحافظ عليه كما لو أنه مالك ، هذه واحدة .
المعنى الثاني : أخوك ماله مالك ، بمعنى أن المال ليس ملكك حصراً ، بل ملك جميع المسلمين ، بمعنى أنه ينبغي أن تنفقه في الصالح العام ، أمّا أن تنشئ مثلاً لنفسك رفاهًا وبذخًا غير معقول فهذا شيء مذموم .
أنا أقول كلمة طريفة : مرة سألني تاجر : إذا اقتنيت الأشياء الغالية جداً إلى درجة غير معقولة هل أنا مؤاخذ ؟ أردت ألا أقنعه بالنصوص ، بل أردت أن أقنعه بالمثل ، قلت له : هناك رجل معه مئة مليون ، اشترى بيتا بـ75 مليونا ، وسيارة بـ 25 مليونًا ، وما عنده دخل آخر ، يكون أحمق ، اشترِ بيتا بعشرة ملايين ، واشترِ وسائل أخرى ، مركبة بمليونين ، وشغل الباقي ، ابحث عن هذا المال الضخم بدخل كبير .
هذا المال قوام الحياة ، وهو شيء أساسي يملكه الإنسان .
الأستاذ علاء :
سؤال : ماذا عن افتقار المال ؟
الدكتور راتب :
فقر كسل ، فقر قدر ، وفقر إنفاق .
الأستاذ علاء :
فقر الإنفاق هل هو في الذين ينفقون ، ويتملكون هذه المادة ، ويصرفونها ويشتتونها في أوجه خير الناس ؟
الدكتور راتب :

لستَ مكلَّفًا بإنفاق جميع مالك :

والله هذه بطولة كبيرة ، لكن الإسلام ما كلف الإنسان فوق طاقته ، فلذلك قال تعالى :

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾

( سورة البقرة الآية : 195 )

العلماء حاروا في هذه الآية ، ما معنى التهلكة ؟ لكن النتيجة استقرت على أنك تهلك إن لم تنفق مالاً في سبيل الله ، تأتي يوم القيامة مفلساً ، وتهلك مرة ثانية إن أنفقت كل مالك .

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾

( سورة الفرقان )

فيهلك الإنسان إن أنفق كل ماله ، عنده أولاد ، عنده أساسيات الحياة ، ويهلك أيضاً إذا لم ينفق ماله ، أما سيدنا الصديق فحالة استثنائية ، هذا يسميه العلماء موقفا شخصيا ، وليس حكماً شرعياً ، هي مرتبة له اختص بها ، لكن ليست حكماً شرعياً .
النبي الكريم لما هاجر انتقل سراً وخفية ، وفي الليل ، واتجه مُساحلاً ، وقبع بغار ثور ، ثم هيأ راحلة ، وهيأ خبيراً ، وهيأ من يمحو الآثار ، أخذ بكل الأسباب ، أما سيدنا عمر فهاجر جهاراً نهاراً متحدياً ، الإنسان الساذج يقول : والله سيدنا عمر أشجع من النبي ، نقول له : عمر ليس مشرِّعاً ، لكن النبي مشرِّع ، لو أن النبي هاجر جهاراً نهاراً متحدياً فقد هلكت أمته مِن بعده ، ولأصبح أخذ الحيطة حراماً ، وأخذ الأسباب حراماً ، ولهلكت أمته من بعده ، لكن هو مشرِّع .
النبي مشرِّعًا لم يقبل من أحد ماله كله إلا الصدِّيق ، لم يقبل من أحد ماله كله ، لكن قبل نصف المال من عمر .

 

غنى الكفاف والعفاف :

المال قوام الحياة ، وهناك فقر الكسل ، وفقر القدر ، وفقر الإنفاق ، وهناك كفاية ، هناك غنى البذخ ، وهناك غنى الكفاية ، فإذا كان دخلك يغطي نفقاتك فأنت غني ، لذلك النبي في بعض أدعيته يقول :

(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))

[ ورد في الأثر ]

ليس فقيراً ، عنده كل حاجاته ، لكن من دون بذخ ، من دون سجادة ثمنها مليونان ، هناك سجادة جيد جداً وجميل وثمنها خمسة آلاف ، من دون بذخ غير معقول ، والبذخ يولد أحقادا في المجتمع ، الفقير إنسان له مشاعر ، يرى الآخرين غارقين في النعيم ، غارقين في البذخ .
حدثني إنسان قال لي : والله في بيته حنفية بثمن بيت ، من الذهب الخالص صنبور ماء بثمن بيت بأكمله ! الناس يموتون من الجوع ، فلذلك الغني المؤمن يأخذ الحاجات الأساسية ، ويعود بماله على بقية الناس .
الأستاذ علاء :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :

(( جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ ، وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ، مَرَّتَيْنِ))

وبعدها لما قال : سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم :

(( قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً ))

[ أخرجه الطبراني ، والبزار ، والإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين ]

فتبرع بكل القافلة .
الدكتور راتب :

 

إتلاف المال سفهٌ ، وأشد سفهًا منه إتلاف الوقت :

أريد أن أنوه إلى شيء ، الحقيقة ليس له علاقة متينة بالموضوع ، لكنه مهم جداً ، الآن إذا أصيب رجلٌ ـ لا سمح الله ولا قدر ـ بمرض عضال ، وهذا المرض تحتاج عمليته الجراحية خارج القطر مثلاً إلى مليوني ليرة ، ولا يملك إلا بيتا ثمنه مليونان ، ماذا يفعل ؟ أنا أقول لك : إنني متأكد أنه لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته ، وإجراء العملية ، لماذا ؟ لأنه مركوز في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، لأنه بهذه العملية يتوهم أنه سيعيش بضع سنوات أخرى ، أليس كذلك ؟ إذاً ضحى ببيته الوحيد ، وأجرى عملية متوهماً من خلال إجراء العملية أنه سيعيش بعض السنوات الأخرى ، هذه مقدمة .
إذا أمسك الرجل بمئة ألف ليرة أمام أشخاص عديدين وأحرقها ، كم يحكم عليه من الحاضرين السفه ؟ الكل من دون استثناء .
إذاً إتلاف المال سفه ، وإذا كان الوقت أثمن من المال ، فالذي يتلف وقته أشد سفهاً من الذي يتلف ماله .
الإيمان مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، فإذا أردت أن تكون إنساناً بالمعنى الدقيق فتعرف إلى الله .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء " .

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾

( سورة يس ) 

خاتمة وتوديع :


الأستاذ علاء :

نرجو الله عز وجل أن نفيد جميعاً بكل ما تقدم ، ومن كل هذا العلم الفياض ، ولا يسعنا إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً أستاذي الكريم ، وإلى اللقاء إن شاء الله في محطات قادمة لنكمل ما بدأناه في هذه الحلقة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور