وضع داكن
24-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 35 - الشهوة - الشهوة الجنسية - صور المشيمة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ علاء :

تقديم وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، وزلنا في معية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً بأستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
أهلاً بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :

تذكير بما سبق :

بدأنا منذ حلقات نتحدث عن موضوع الشهوة كمقوم من مقومات التكليف ، وتعرفنا من خلال بحثكم ، ومن خلال تدقيقكم في هذه القضية أن الشهوة قوة كامنة ، إذا أُحسن استخدامها صار الإنسان بقوة دفع أعطت المعجزات ضمن أطر ، وقانون ، وحدود ، وضمن غرز ، وإذا تفلتت خارج غرز ، أو خارج حد ، أو خارج أُطُر تحولت الشهوة إلى قوة مدمرة تفني الإنسان ، وتفني معه مجتمعه الذي يعيش بين جوانحه .
تبينا أيضاً أن الشهوة في رأسها ترتكز على مسألتين : الجنس والمال ، وكل الفضائح ، وكل القضايا على هذه البسيطة ، على الكرة الأرضية تتلخص في قضيتين اثنتين : قضايا جنسية ، والثانية قضايا المال ، وقضايا الفساد ، وقضايا الاختلاس ، وكم من قضية أذهبت بصاحبها ، وبمركزه ، وبسلطانه ، إما من قضية اختلاس ، قضية مال ، أو من قضية جنس ، وقضية فساد .
تحدثنا في مسألة الجنس ، وتحدثنا عن العفة والإعفاف ، وعن غض البصر ، وعن سد الذريعة ، وعن الاحتشام ، وعن كل المسائل التي تمنع الوصول إلى الفاحشة ، وتحدثنا عن رفع السوية الروحية للفرد ، وتحدثنا عن الصيام الذي أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام ، هنالك الكثير من القضايا التي تحدثنا عنها إذا ما تبعها المرء سار سيراً حسناً ، كمن يمشي على الموجة الخضراء الذي ولا يقف عند الإشارة الحمراء ، يمشي على موجة خضراء لسرعة معينة ، يسلك هذه السابلة ، وهذا الطريق دون عوائق ، لكن إذا انحرف الإنسان ، أو زلت قدمه في متاهة ، وارتكب المعصية ، أو اقترب منها ، كانت التوبة وكان هنالك رجوع ، ماذا بقي في موضوع الجنس لننتقل إلى المال سيدي ؟
الدكتور راتب :

من معاني الرب : تربية العباد ببعض العقوبات في الدنيا :

أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، بقي في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين ، وماذا تعني كلمة رب ؟ أي هو المربي ، كان من الممكن أن ترجئ العقوبات إلى يوم القيامة ، وفي الأعم الأغلب سيتورط معظم الناس في المعاصي والآثام ، والمعاصي محببة إليهم ، ويغفلون عن ساعة الحساب .
شاءت حكمة الله أن يكون هناك عقاب دنيوي رادع ، لأن الله عز وجل رحيم بعباده ، يمكن أن يذيق الله عباده بعض الذي عملوه :

﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة الروم )

والآية واضحة جداً : 

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾

( سورة الروم الآية : 41 )

يمكن أن يضاف الآن الجو : 

﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

( سورة الروم الآية : 41 )

الفساد من صنع البشر ، لأن كل الخلائق عدا الإنس والجن مسيرون لصالحهم ، إلا أن الإنسان قبِل حمل الأمانة ، وتصدى لها ، وقال : أنا أهل لها يا رب . 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 72 )

فلما قبِل الإنسانُ حملَ الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم ، فالكون مسخر له تسخير تعريف وتكريم ، وأعطاه العقل ، وقد تحدثنا عنه ملياً ، أعطاه الشهوة ، أعطاه الفطرة ، أعطاه الحرية ، أعطاه الشرع ، نحن في طور الحديث عن الشهوة ، هذه الشهوة كما تفضلتم في تقديم هذا اللقاء الطيب قوة دافعة إلى الله ، أو قوة مدمرة ، فلو أن الإنسان غفل عن ربه ، وغفل عن منهج ربه ، وغفل عن مصيره ، واتبع شهوته بلا ضابط ، وبلا رادع ، وبلا منهج ، وأراد أن يستمتع بالحياة ، ولا يعبأ بما بعد الموت ، لو أن هذا الإنسان ترك على ما يريد وجاءه الموت استحق العذاب الأبدي ، لكن لأن الله رب العالمين ، ولأنه رحمن رحيم ، يعالجه في الدنيا لعله يتوب ، قال تعالى : 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة السجدة )

مراحل المعالجة الربانية للعبد :

وتحدثت في لقاءات سابقة أن الله سبحانه وتعالى من حكمته البالغة أنه يبدأ مع الإنسان بالهدى البياني ، يسمع خطبة ، درسا ، شريطا ، محاضرة ، ندوة ، هدى بياني ، وهو في كامل صحته ، والله ينتظر منه أن يستجيب .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 24 )

فإذا لم يستجيب قال تعالى : 

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

( سورة القصص الآية : 50 )

المعنى المعاكس المخالف الرائع : الذي يتبع هواه وفق هدى الله فلا شيء عليه ، أودع الله في الإنسان حب المرأة ، ففتح له قناة الزواج ، أودع الله في الإنسان حب المال ففتح له قناة الكسب المشروع .
إذاً : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، وليس في الإسلام حرمان ، ولكن لأن الله رب العالمين ، ولأنه رحمن رحيم ، ولأنه خلق الإنسان ليسعد في الدنيا والآخرة يربِّيه ، فكيف يربِّيه ؟ يسوق له من الشدائد ما يردعه بها عن انغماسه بالشهوات المحرمة .

 

العلاقة العلمية والعلاقة الوضعية :

لكن الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لدى الإخوة المشاهدين أن هناك علاقة وضعية ، وعلاقة علمية ، ما الفرق بينهما ؟ العلاقة الوضعية أنا اخترعت علاقة ، وفرضتها بحكم قوتي ، أقول لابني : اخرج من هذا الباب ، ولا تخرج من هذا الباب ، البابان معدَّان للخروج ، أنا أردت أن أنظم الحياة في البيت ، البيت له بابان ، واحد للدخول وواحد للخروج ، فرضاً ، هذه العلاقة اخترعها الأب ، فهي وضعية ، أما حينما يضع الطفل يده على المدفأة المشتعلة تحترق يده ، هذه علاقة علمية ، لأن وضع اليد فيه بذور الاحتراق ، فالعلاقة علمية .
حينما أفهم أن كل أوامر الله ، وكل النواهي بينهما وبين النتائج علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، فهذه أخطر فكرة أقولها .
حينما أقرأ لوحة كتب عليها : " حقل ألغام " ، لا أحقد أبداً على واضع اللوحة ، بل أشكره من أعماق نفسي ، لا أرى اللوحة حداً لحريتي ، بل أراها ضماناً لسلامتي .
حينما أقرأ لوحة : " ممنوع الاقتراب من التيار " ، القضية ليست مع الشرطة ، وليست مع القوانين ، وليست مع المخالفات ، وليست مع المساءلة القانونية ، وليست مع العقاب البشري ، التيار نفسه يعاقب الذي اقترب منه ، يجعله فحمة سوداء .
حينما أصل مع الإخوة المشاهدين إلى أن يعتقدوا اعتقاداً جازماً أن العلاقة بين الأوامر والنواهي علاقة علمية علاقة سبب بنتيجة فقد وصلنا إلى نتيجة كبيرة .
تصور إنسانًا اقترب من منطقة خطر لتيار توتره عالٍ ، ورأى لوحة الكهرباء : " ممنوع الاقتراب من التيار " ، حينما تراه يتلفت يمنة ويسرى ، ويقول : هل هناك شرطي يحاسبني ؟ فهو في حضيض الغباء ، ليس الموضوع موضوع شرطة ، ولا ضبط ، ولا مساءلة ، التيار يعاقبك .
لحكمة بالغةٍ الله عز وجل توعد كل العصاة بنتائج من جنس عملهم .
الأستاذ علاء :
مرة سقت لنا مثالاً للجسر الذي يتحمل أوزانًا معينة ، وجاءت شاحنة تفوق في حملها استطاعة ذلك الجسر ، وتلفت السائق : هل هنالك شرطي ؟
الدكتور راتب :

حبُّ السلامة واستمرارُها مطلب كلِّ إنسان :

ليس الموضوع موضوع شرطي ، إذا هُدم الجسر يسقط في النهر ، هذه الفكرة التي أتمنى أن تكون واضحة لدى الإخوة المشاهدين ، أما المعاصي التي نهى الله عنها فيها بذور نتائجها ، وأن العلاقة بين المعاصي ونتائجها علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة .
حينما يحب الإنسان نفسَه ، حينما يكون بالتعبير الدارج أنانياً ، حينما يحرص على سلامته ، حينما يحرص على وجوده ، حينما يحرص على سلامة وجوده ، حينما يحرص على كمال وجوده ، حينما يحرص على استمرار وجوده يطيع الله عز وجل ، وحينما يطيع الله عز وجل يطيعه بدافع حب لسلامته ، لأن الله هو الصانع ، وتعليماته هي التعليمات الوحيدة التي ينبغي أن تتبع ، وما من تعليمات يجب أن تتبع إلا تعليمات الصانع الخبير .
كل إخواننا الكرام الذين اقتنوا سيارات ، كل متاعبهم لأنهم لم يقرؤوا تعليمات المعمل .
إن الإنسان بدافع من حبه لذاته ، من أنانيته ، ينبغي أن يطيع الله عز وجل ليضمن سلامته وسعادته ، وأنا أصر وأقول : في القارات الخمس 6 آلاف مليون إنسان ، ما من إنسان واحد إلا وهو يتمنى سلامته وسعادته .
الأستاذ علاء :
هنالك كما تفضلت ارتباط بين المعصية كسبب ، وبين النتيجة ، النتيجة العلمية الارتباط ، أو العلاقة السببية العلمية ، فكلُّ معصية يرتكبها الإنسان بالعلاقة العلمية تؤدي إلى نتائج وخيمة تهدد حياة الإنسان ، هل من شروح لهذا الأمر ؟
الدكتور راتب :

العاقل يحكمه النص ، وغير العاقل يحكمه الواقع :

أنا أضرب هذا المثل دائماً : العاقل يحكمه النص ، بينما الدابة يحكمها الواقع .
مثلاً : أنا لي مبلغ كبير جداً في مدينة حمص ، والأيام أيام شتاء ، وركبت مركبتي ، وتوجهت إلى حمص ، فإذا لوحة صغيرة جداً كتب عليها : " الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في مدينة النبك ، أنا أرجع من ظاهر دمشق ، ولا يمكن لعاقل واحد قرأ هذا النص أن يتابع السير ، لكن لو أن دابة تمشي على هذا الطريق أين تقف ؟ تقف في النبك ، عند انقطاع الطريق بالثلج .
حينما يحكمني الواقع أنا أهبط عن مستوى إنسانيتي ، وحينما يحكمني النص أنا أرقى إلى مستوى إنسانيتي .
مثل أقرب : هذا الذي يدخن ، ويدخن ، إلى أن فوجئ أن ورماً خبيثاً في رئتيه ، لا شك أن عندئذٍ يمتنع عن التدخين ، لكن هذا ليس عاقلاً أبداً ، ينبغي أن تمتنع عن التدخين بعد أن تقرأ بحثاً علمياً مخيفاً عن آثار التدخين ، أو بعد أن تقرأ حكماً شرعياً يردع المدخنين ، أما حينما يصاب الإنسان بمرض عضال ، ويمتنع فهذا أمرٌ عادي جداً ، هو كالدابة حكمها الواقع .
الأستاذ علاء :
السعيد لا يحكم بالواقع ، يحكم بالنص ، والسعيد من اتعظ بغيره .
الدكتور راتب :

العاقل يحب ويكره بعقله :

بكلام الخبير ، السعيد لا يتعلق بالنتائج المادية ، بالمتوقعات العقلية ، لذلك قالوا : من هو العاقل ؟ الذي لا يندم ، هو استمرأ شهوة ، استمرأ معصية أحبَّها ، ركن إليها ، نسي الوعيد ، مهمة الشيطان أن يعطيك إيجابيات المعصية ، تُسر ، الحياة سرور ، أنت شاب فعِشْ شبابك ، يزيِّن له إيجابيات المعصية ، والمعصية لها إيجابيات لا تصدق ، المعصية محببة للناس جميعاً ، يزين له إيجابيات المعصية ، ويغيِّب عنه نتائجها الوبيلة ، فمَن هو العاقل ؟ هو الذي يحب بعقله ، ويكره بعقله ، أما الذي يحب بأحاسيسه وشهواته فليس عاقلا .
دعك من كل الأمثلة : الطعام والشراب ، مَن هو الذي يتمتع بصحة رائعة لأمد طويل ؟ هو الذي يعتني بطعامه ، وشرابه ، ولا يساق وراء شهوته ، الطعام طيب ، وهناك طعام يميت .
القضية أن نحب بعقولنا ، وأن نكره بعقولنا ، أما إذا وضعنا الأحاسيس مكان العقول نتفلت من كل منهج وضعه الله لنا .
الأستاذ علاء :
الله عز وجل أنزل هذا المنهج ليعمل المرءُ عقلَه ، هذه الجوهرة التي منحه وأعطاه الله إياها ، هذه الوديعة أن يُعمِلها ، وألاّ يعطِّلها ، وأن يُعمِلها في كل شؤون حياته .
الدكتور راتب :

ابدأْ من النهاية :

وأنا أصر وأقول : هناك خطان لا ثالث لهما ، فإما أن تكون على الخط الأول ، وإلا فأنت حتماً على الخط الثاني ، والدليل :

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ﴾

ـ يا محمد ـ

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ ﴾

العبرة أستاذ علاء من يضحك آخراً ، الذي يضحك أولاً يضحك قليلاً ، ويبكي كثيراً ، والذي يضحك آخراً يضحك كثيراً ولا يبكي أبداً .
فلذلك البطولة أن أعيش المستقبل ، أنا أقول : الأغبياء وحدهم يعيشون الماضي ، ويتغنون بالماضي ، والأقلّ غباءً يعيشون الواقع ، بينما العقلاء يعيشون المستقبل ، ما هو أخطر حدث مستقبلي في حياة كل إنسان ؟ مغادرة الدنيا .
تصور بيتًا ثمنه ثمانون مليونًا سيغادر إلى قبر ، الصالونات ، الغرف ، الثريات ، السجاد الأصفهاني ، الأجهزة الحديثة ، سوف يغادر هذت كله إلى القبر ، لذلك في البرمجة العصبية اللغوية يقولون : " ابدأ من النهاية " .
أنا أرى بطولة الإنسان حينما يبدأ من الموت ، إذا تفكر في الموت يأخذ الدكتوراه ، ويؤسس معملا ، ويتزوج ، يكون بأعلى درجة من الإيجابية والعطاء في مجتمعه ، لكن التفكر بالموت يمنعه أن يعصي الله .
الأستاذ علاء :
لا ينسى الامتحان ؟
الدكتور راتب :

 

لابد من الامتحان لإظهار الفائز والخاسر :

الامتحان لا يُنسَى أبدا ، التفكر بالموت يمنعه أن ينزلق ، بل يسرع الخُطى إلى الله عز وجل .
أريد في هذا اللقاء الطيب أن أؤكد على هذه النقطة ، أن الله رب العالمين ، ومعنى أنه رب العالمين ، أي أنه يعاقب العصاة عقاباً دنيوياً لعلهم يرتدعون :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾

( سورة الروم )

والآن في العالم أربعون مليون إنسان مصاب بالإيدز ، وقد مات في العقدين الماضين 22 مليونا ، والرقم المخيف ، والرقم الحقيقي عشرة أضعاف ، هذا الذي يصدر من قِبَل الدولة ، وكلُّ إنسان جاء إلى البلد يُجبَر على تقديم فحص ، هذا الرقم مأخوذ من هذه الضبوط فقط ، وقد يكون الإنسان الذي يحمل هذا الفيروس خمسة عشر عاماً ، وهو ينقله لمئات الناس دون أن يشعر ، ولو شعر الناس ماذا يصنعون ؟
لذلك سافر إنسان إلى إيطاليا ، والتقى بامرأة بغي ، وفي الصباح غادرت قبل أن يستيقظ ، كتبت له على مرآة المرحاض : " مرحباً بك في نادي الإيدز " ، فانتحر فوراً .
حينما يعرف الإنسان أن الله عز وجل جعل للمعاصي نتائج ردع كبيرة جداً يراقب نفسه .
مرة سألني واحد : هل على العسل زكاة ؟ قلت له : طبعاً ، قال لي : والدي لا يفعل ، فقلت له كلمة لطيفة : عندنا حشرة اسمها قراد النحل ، لا تبقي ولا تذر ، إن دفعت الزكاة فقد دفعت القراد ، وإلا فهو جاهز .
قضية الردع قضية مهمة جداً ، هناك إنسان يستخدم عقله فيرتدع ، وإنسان يحكمه النص فيرتدع ، وإنسان تحكمه محبة الله ، يطيعه ، هذه أرقى شيء ، لا يعصي الله ، لا لأنه يخاف نتائج المعصية ، بل لأنه يحب الله ، ولا يحب أن يعصيه .
الأستاذ علاء :
المعصية مع المحبة لا تلتصقان .
الدكتور راتب :

 

لو كان حبُّك صادقاً لأطعته :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لـمن يحب يطيع

مرة شاب التزم ببعض الدروس ، وسمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، يبدو أنه زلت قدمُه ، فانتظر كما قال شيخه العقابَ من الله ، مضى أسبوع ، وأسبوعان ، ما حدث شيء ، صحته ، بيته ، سيارته ، دخله ، أولاده كلها في العافية ، في أثناء المناجاة قال : يا رب ، لقد عصيتك ولم تعاقبنِي ! فوقع في قلبه كما يقول بعض علماء القلوب : أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟
أستاذ علاء ، أنا أقول لك كلاماً : أكبر دافع للطاعة أنك حريص على صلتك بالله ، فلا تضحِّ بها من أجل معصية طارئة ، حرصك على اتصالك بالله يدفعك إلى طاعته ، هذه مستويات عالية جداً .
لذلك مرة أجرى علماء النفس استبيانا على ألف زوج ، السؤال كان : لماذا لا تخون زوجتك ؟ فالجواب صنف تصنيفاً أخلاقياً ، قسم كبير أجاب : لا أستطيع ، لأنها معه ، ملازمة له دائماً ، وقسم قال : لأنني لا أتحمل الشعور بالذنب ، أما أرقى من هذا فقال : لا أحب الخيانة .
أنا أقول : العقاب الذي وضعه الله في الدنيا للعصاة مهمته الأولى ردع الباقين ، لذلك أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا ، إلا اسم العدل فمحقق جزئياً ، الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، أما الردع فمؤلم جداً .

 

حتى لا نفكِّر في الفاحشة :

أستاذ علاء ، نحن نستسمح الإخوة المشاهدين عذراً بأن نريهم بعض الصور المزعجة ، لكن والله أرى منها فائدة كبيرة جداً لكل مَن تحدثه نفسه أن يعصي الله عز وجل الله عز وجل ، كأن مرض الإيدز مرض مخيف ، هو من سهولة الوقاية منه بشكل غير معقول ، يكفي أن تكون عفيفاً ، أما إذا جاء المرض فهو مرض مستعصٍ ، والخطأ الاستراتيجي عند الغربيين يريدون أن يتابعوا إباحيتهم ، لكن يبحثون عن مصول مضادة لهذا المرض ، كما لو أن مدينة تشرب ماء ملوثًا ، والأمراض انتشرت فيها ، الموقف العقلاني أن أوقف أنواع الممارسة ، أنا أريد أن أتابع التلوث ، وأن أستخدم أطباء ، وأن ابحث عن مصول ، وعن علاجات ، هذا خطأ كبير جداً ، لذلك :

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾

سيرى الإخوة المشاهدون بعض الصور المخيفة من أمراض جنسية تأتي بعد الزنا ، الصورة الأولى : هذا ورم أصاب اللسان ، صورة ثانية : أصاب الوجه ، تشوه أصاب الوجه ، صورة ثالثة : فطور ظهرت على جلد إنسان ، صورة رابعة : مرض خبيث في الفم ، وورم خبيث في الشفتين ، سقف الحلق قد ثقب ، اليدان ، الأرجل ، وهكذا ، هذه كلها صور تردع الإنسان عن أن يقترف معصية ، ينبغي أن يردعه عقله ، وينبغي أن يردعه صلته بالله عز وجل .
فلذلك نحن نريد من هذا اللقاء الطيب أن نؤكد للإخوة الكرام أن كل معصية وراءها عقاب في الدنيا ، فالذي يحرص على سلامته ينبغي ألا يتورط في هذه المعاصي والآثام .
إن الإنسان إذا أراد أن يقوم بعمل فليتدبر عاقبته ، وهذا هو العقل ، وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أرادت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطيك شيئاً ، لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، أعود إلى ما بدأت به ، بأن علاقة منهيات الله عز وجل بالنتائج إذا اقترفها الإنسان ، إذا نهى الله في قرآنه ، والنبي في السنة عن الإتيان بالمعاصي فالعلاقة بين المعصية ونتيجتها علاقة علمية ، وليست وضعية .
الدكتور راتب :
علاقة سبب بنتيجة ، فالذي يحب ذاته حريص على سلامته ، وسعادته يطيع الله عز وجل ، إن الله هو الصانع ، وتعليماته ينبغي أن تتبع ، وهو الخبير . 

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

الأستاذ علاء :

 

الموضوع العلمي : الجنين :

الفقرة العلمية في هذه الحلقة ، لا زلنا عند الجنين ؟
الدكتور :
لا زلنا عند الجنين الآن الفقرة قبل الأخيرة ، وفي لقاء آخر نأخذ خاتمة الموضوع وهو الولادة .

1 – المشيمة :

الجهاز الذي نراه على الشاشة واحد من أجهزة الطفل ، وهو أحدث تقنية في العالم ، هذه وحدة دعم الحياة اللازمة للمرضى في العناية المشددة ، إلا أنه في أثناء مقارنة هذه التقنية التي تملأ غرفة بجهاز فائق آخر سنرى الفرق بينهما ، هذا الجهاز الفائق هو المشيمة التي تحيط بالجنين من الجهات كلها ، وتسد حاجته ، المشيمة وحدها تعمل كوحدة غسيل الكلية والقلب والرئة والكبد الاصطناعي ، وجهاز الهضم ، والدوران ، تقوم بجمع هذه المهمات في وقت واحد ، إنه تصميم خارق يؤمِّن حياة الطفل والأم معاً .

2 – دور المشيمة :

ما هي المكونة للمشيمة ؟ تعرف من بين ملايين الخلايا في بطن الأم ، هذه المشيمة تعرف بالضبط كم يحتاجه الجنين من الغذاء ، تأخذ الأوكسجين من دم الأم تطرحه في دم الجنين ، تأخذ الأنسولين تطرحه في دم الجنين ، تأخذ السكر تطرحه في دم الجنين تأخذ عوامل المناعة من الأم تطرحها في دم الجنين ، والآن تعرف ماذا يحتاجه الجنين من مقومات الغذاء ، من بروتينات ، والشحوم ، والفيتامينات ، والمعادن ، لا يستطيع أطباء الأرض مجتمعين القيام بهذه المهمة ، ولو تركت مهمة المشيمة لأطباء الأرض مجتمعين لمات الجنين في ساعة واحدة .
إنه شيء لا يصدق ، بل حينما تعطي الجنين السكر ، والأنسولين ، والأوكسجين يحترق السكر ، والفضلات تعيدها إلى دم الأم لتطرحها في أثناء تنفسها ، وحينما تأخذ البروتينات والمواد المرممة من الجنين يكون الاستقلاب في دم الجنين الناتج حمض البول ، تعيدها إلى الأم ، كي تطرحها مع جهازها البولي .

وحينما ينقص الجنين مادة معينة كيف يخبر أمه ؟ تشتهي الأم طعاماً فيه هذه المادة ، شيء لا يصدق ، هذا كله في هذه المشيمة ، والمشيمة فيها دورة دم الأم ، ودورة دم الجنين ، وكل دم له زمرة ولا يختلطان ، ولمجرد أن يختلط دم الأم بدم الجنين تموت الأم والجنين معاً ، ولا يختلطان ، بينهما هذا الغشاء العاقل ، شيء لا يصدق .
نحن نعطي معلومات بسيطة جداً يأخذها طلاب الطب في أول مراحل دراستهم ، أما الأمر فهو أعقد بكثير ، هذا يسميه العامة الخلاّص ، هذه المشيمة فيها من آيات الله الدالة على عظمته ما لا يصدق .
تنقل عوامل المناعة ، تنقل المادة الغذائية ، تعيد حمض البول ، تعيد ثاني أوكسيد الكربون ، جهاز اسمه غشاء المشيمة العاقل ، سماه الأطباء غشاء المشيمة العاقل ، لأنه يقوم بأعمال تعجز عنها العقلاء ، نحن ماذا نفعل عد الولادة ؟ نرميه في المهملات ، هذا القرص اللحمي يسميه العوام الخلاص هو عند الأطباء المشيمة ، وبين دورة دم الأم ، ودورة دم الجنين هذا الغشاء العاقل يقوم بمهمات يعجز عنها الأطباء ، والله الذي لا إله إلا هو قراءة تفاصيل هذا الموضوع يبعث في النفس إيماناً لا حدود له .
الأستاذ علاء :

 

خاتمة وتوديع :

كنا نتمنى أن نستمر ، لكن الوقت يداهمنا دائماً ، ولا يسعني إلا أن أشكر باسم السادة المشاهدين الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، ولنا متابعة إن شاء الله في هذا الموضوع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور