وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0010 - غزوة بدر .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتمادي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله .
الله ارزقنا الإيمان الصحيح ، فهو أساس الفضائل ، ولجام الرذائل وقوام الضمائر ، وسند العزائم في الشدائد ، وبلسم الصبر عند المصائب , وعماد الرضى والقناعة ، ونور الأمل في الصدور ، وسكن النفس إذا أوحشتها الحياة , وعزاءُ القلوب إذا نزل الموت أو قربت أيامه .

معركة بدر وأهميتها لدى المسلمين :

(( يا أهل القليب , " يا عُتبة بن ربيعة ، يا شيبة ابن ربيعة ، يا أمية ابن خلف يا أبا جهل بن هشام , هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً , لقد كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس " فقال المسلمون : يا رسول الله أتنادي قوماً جيفوا ـ أي أصبحوا كالجيفة , قال : نعم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني ))

[ أخرجه البخاري ومسلم]

موقعة بدر الكبرى هي أول انتصارٍ للمسلمين على أعدائهم
كلمات بليغات تلك التي خاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى من كفار قريش بعد أن أمر بطرحهم في قليب ( أي بئر ) لدفنهم , وذلك أثر انتصار المسلمين في أول مواجهة لهم مع أعدائهم ، لقد انتصروا وهم قلة قليلة مُستضعفة ، على كثرة كثيرة من صناديد قريش وهم أشداء مستكبرون .
وكان هذا النصر المؤزَّر الحاسم في السابع عشر من رمضان لسنتين خلتا من الهجرة ، وكانت الموقعة ، موقعة بدر الكبرى .
قال تعالى :

 

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف ]

لقد كان صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حريصين حرصاً بالغاً على هذا النصر الذي قرر مصير هذا الدين الجديد ، فإن هلكوا فلن يُعبد الله بعدها في الأرض .
ولقد كان من مناجاة الرسول الكريم لربه العظيم قُبيل التحام الفريقين :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(( اللهم إِن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإِسلام لا تُعبدْ في الأرض ))

[ حديث الضراعة يوم بدر متفق عليه ]

وجعل يرفع يديه إلى السماء ويدعو في لهفة ورجاء .

(( اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني ))

[ حديث الضراعة يوم بدر متفق عليه ]

اللهم نصرك المؤزَّر .
حتى سقط الرداء عن منكبيه الشريفين ، فتقدَّم أبو بكر رضي الله عنه يسوِّي عليه رداءه ويواسي لهفته وتضرعه قائلاً :
" يا رسول الله , بعض مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك "
أيها المؤمنون ؛ لقد كان جيش المسلمين في بدر ضئيل العدد ، قليل العدد ، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لا يزيدون عن ثلاثمائة بل ينقصون ، ولكن الواحد منهم كألف ، والألف من أعدائهم أف ، فهم يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة ، لقد استعرض الرسول جيشه كما يفعل القادة قُبيل المعركة ، لاستجلاء معنوياته فقال :
" أشيروا عليِّ أيها الناس , ويعني بذلك الأنصار لأنهم كانوا الأكثرين عدداً فقال له سعد بن معاذ :
والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل ، فقال : قد آمنا بك وصدَّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك فامض يا رسول الله لما أردت ، فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلَّف منا رجل واحد , وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً وإنا لصبر في الحق صُدُق عند اللقاء فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت ، فلعل الله يُريك منا ما تقرُّ به عينك ، فسِر بنا على بركة الله "
أيها الإخوة ؛ لقد كان جيش المسلمين ضئيل العدد ولكن هذا نموذج من مقاتلي جيش المسلمين عشية موقعة بدر ، إنهم على أهبة الاستعداد للتضحية بالغالي والرخيص والنفس والنفيس ، دعماً للحق ولدين الحق ولرسول الحق .
وفضلاً عن ضآلة العدد كان جيش المسلمين قليل العُدد ، فليس مع الرسول الكريم وصحبه الكرام سوى سبعين بعيراً والمسافة بين المدينة وبدر تربو على مائة وستين كيلومتراً .
روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بأنه قال :
كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير ( أي يتعاقبونه ) ويتناوبونه وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أي دوره في السير) فقالا له : نحن نمشي عنك ( ليظل راكباً ) فقال : " لا .. ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر " ، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه راكبان .
هذا الذي يمشي وصاحباه يركبان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائد الجيش .
فهل تدهشنا بعد هذا شجاعة أصحابه ، وتضحياتهم ، وإقبالهم على الموت ، بعد أن سوَّى نفسه بهم ، في كل شيء ، وهل يدهشنا تعلُّقهم به وتفانيهم في محبته ، وقد كان لهم أباً رحيماً , وأماً رؤوماً , وأخاً ودوداً , ونبياً رسولاً .
لقد صدق الله العظيم إذ يقول :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم ]

الايمان بالله مفتاح النصر :

أيها الإخوة المؤمنون ؛ فهذا النصر المؤزر العزيز الذي فرح به ويفرح له المؤمنون في كل عصر ومصر وزمان ، أليس له ثمن ؟ أليس له قواعد ، أليس له شروط؟
الحقيقة , يا إخوتي , أن للنصر معادلةً رياضية ، وقواعد محددة وشروطاً واضحة ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة الأنفال ]

الإيمان بالله مفتاح النصر
فالنصر , في ضوء القرآن الكريم يحتاج إلى إيمان صحيح ، وإعداد كافٍ الإيمان بالله يبدل طبيعة النفس ويغير قيمها ، ومطامحها ، ويصعد ميولها ورغائبها ، ويخفف من متاعبها ، وهمومها ، ويقوي رجاءها وأملها ويقلب أحزانها أفراحاً ، ويجعل مغارمها مغانم ، فهذه الخنساء ماتت أخوها صخر في الجاهلية فبكت وبكت وبكت حتى عميت ، وحينما أسلمت استشهد أولادها الأربعة في معركة القادسية ، حينما بلغها النبأ قالت :
" الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " .
الإيمان بالله يؤكد للإنسان أن له أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر ، هذا وحده يبعث في النفس الشجاعة ، والإقدام وروح التضحية ، والإيثار .
سيدنا خالد رضي الله عنه ، يقول وهو على فراش الموت :
" لقد خضت سبعين معركة أو زهادها ، وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا ذا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء " .
أيها الإخوة ؛ إن ما ينطبق على الإنسان لا ينطبق على المؤمن قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾

[ سورة المعارج ]

خبيب بن عدي وقع أسيراً في يد الكفار ، فساوموه على إيمانه ولوحوا له بالنجاة ، إذا هو كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان إيمان خبيب كالشمس قوةً ، وبعداً ، وناراً ونوراً ، وما مجادلتهم في رده عن إيمانه إلا كمن يحاول أن يقتنص الشمس برمية نبل ، فلما يئسوا مما يرجون قادوا خبيباً البطل إلى مصيره المحتوم ، وخرجوا به إلى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعُه ، وما إن بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين فأذنوا له ، فصلى في خشوع وسلام وإخبات ، وتدفقت في روحه حلاوة الإيمان ، فودَّ لو ظل يصلي ، ولكنه التفت إلى قاتليه وقال : والله لولا أن تحسبوا أن بي جَزَعاً من الموت لازددت صلاة ، وقال :

ولست أبالي حين أقتلُ مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي

ثم أعدوا العدة لقتله ، فشدوه من أطرافه إلى جذع نخلة ، واستعدوا لرميه بالسهام والنبال ، وهنا اقترب منه أبو سفيان وقال له :
" أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت سليم معافىً في أهلك "
وهنا صاح بهم خبيب , رضي الله عنه .
" والله ما أحب أني في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ، ويصابُ رسول الله بشوكة " .
عندها قال أبو سفيان قبل أن يسلم وهو يضرب كفاً بكف ؛
" والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً " .
وكان سعيد بن عامر رضي الله عنه تأخذه الغشية ( أي الإغماء ) بين الحين والحين فلما سأله عمر رضي الله عنه ، عن هذه الغشية ، قال :
" لقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة ، وقد بَضَعت قريشٌ لحمه وحملوه على جذعةٍ ، فكلما ذكرت هذا المشهد الذي رأيته ، وأنا يومئذ من المشركين ، ثم تذكرت تركي نُصرة خبيب يومها ، ارتجف خوفاً من عذاب الله ، ويغشاني الذي يغشاني "
أيها الإخوة ؛ حينما يصارع المؤمن عدو الله وعدوه يقبل على جنة عرضها السماوات والأرض ، بينما يقبل أهل الكفر والعصيان ، على موت ساحق وعذاب أليم .
عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حينما دنا المشركون يوم بدر :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

(( قوموا إِلى جنة عَرْضُها السموات والأرض ، قال: يقول عُمَيْر بن الحُمام الأنصاري : يا رسولَ الله ، جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : نعم ، قال : بخ بخ يا رسولَ الله ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسولَ الله ، إِلا رَجَاءَ أن أكونَ من أهلها ، قال : فَإِنَّكَ من أهلها قال : فاخترج تَمَرَات من قَرَنِهِ ( أي من
جعبته )، فجعل يأكلُ منهن ، ثم قال : لئن أنا حَييتُ حتى آكُل تمراتي هذه إِنَّها لحياة طويلة ، قال : فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتِل ))

[ أخرجه مسلم ]

أيها المؤمنون ؛ إن الإيمان إلى جانب ذلك كله يجعل من المؤمن رجلاً فطناً يستلهم الرشد من ربه فيلهُم الخطة المناسبة ، التي يكون بها النصر المبين ، فهو العليم الحكيم ، ناصر عباده المؤمنين ، قال تعالى :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة آل عمران ]

وهذا خالد رضي الله عنه ، بهرت عبقريته الحربية قواد الروم وأمراءَ جيشهم ، مما حمل أحدهم واسمه ( جرجه ) على أن يدعو خالداً إلى البروز إليه في إحدى فترات الراحة بين القتال , وحين يلتقيان يوجه القائد الروماني حديثه إلى خالد قائلاً :
يا خالد اصدقني ولا تكذبني ، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاك إياه ، فلا تسلُّه على أحد إلا هزمته ؟
قال خالد : لا ..
قال : الرجل فبمَ سُميت سيف الله ؟
قال خالد : إن الله بعث فينا رسوله ، فمنا من صدقه ، ومنا من كذَّب ، وكنت فيمن كذَّب حتى أخذ الله قلوبنا غلى الإسلام ، وهدانا برسوله فبايعناه فدعا لي الرسول وقال لي أنت سيف من سيوف الله ، فهكذا سُميت سيف الله .
قال القائد الروماني : وإلامَ تدعون ؟
قال خالد : إلى توحيد الله وإلى الإسلام .
قال : هل لمن يدخل في الإسلام اليوم ، مثل ما لكم من المثوبة والأجر؟
قال خالد : نعم وأفضل .
قال الرجل : كيف وقد سبقتموه ؟
قال خالد لقد عشنا مع رسول الله ، ورأينا آياته ، وحُقَّ لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يُسلم في يسر ، أما أنتم يا من لم تروه ، ولم تسمعوه ثم آمنتم بالغيب ، فإن أجركم أجزل وأكبر إذا صدقتم الله في سرائركم ونواياكم ، وصاح القائد الروماني ، وقد دفع جواده إلى ناحية خالد ووقف بجواره : علمني الإسلام يا خالد , وأسلم وصلى ركعتين لم يصل سواهما فقد0 استأنف الجيشان القتال ، وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتاً في طلب الشهادة ، حتى نالها وظفر بها .
أيها الإخوة ؛ الإيمان بالله شرط لازم للنصر غير كافٍ ، فلا بد من الإعداد .
قال تعالى :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنفال ]

وقد وقال عليه الصلاة السلام :

(( ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي .." وإن الله يُدخل بالسهم الواحد ، ثلاثة نفر الجنة ؛ صانعه ، والرامي به ومنبله ))

[ رواه الإمام أحمد بمسنده 4/146 والترمذي 1637 ]

إحكام الرمي وإصابة الهدف له أثرٌ حاسم في كسب المعارك
وهذا مقياس خالد للقوة ، فإحكام الرمي وإصابة الهدف له أثر حاسم في كسب المعارك قديماً وحديثاً مهما اختلفت أنواع الأسلحة وتطورت .
وفي حديث آخر يؤكد النبي الكريم على الإعداد الصحيح ، ويشجع عليه فيقول :
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

(( إن الله عز وجل لَيُدْخِلُ بالسَّهْم الواحد ثلاثة نَفَر الجنَّةَ : صانِعَه يَحْتَسِبُ في عمله الخيرَ ، والرَّاميَ به ، والمُمِدَّ به ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ]

يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الإعداد للمعركة من مقومات النصر
أي المحدّبه ، وفي عرفنا اليوم الملقم .
وفي حديث ثالث ، يحذر النبي الكريم من التقاعس في الإعداد فيقول :
عن فقيم اللخمي رحمه الله قال سمعت رسول اللع صل الله عليه وسلم يقول :

(( من تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثم تركه فليس منا ))

[ أخرجه مسلم ]

أيها الإخوة ؛ الإيمان الصحيح والإعداد الكافي هما مقومات لنصر .
اللهم أعنا على أنفسنا حتى ننتصر على عدونا نصراً حاسماً .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

ليلة القدر :

قال تعالى :

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ * ﴾

[ سورة القدر ]

ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر
إن ألف شهر أي ما يعادل ثمانين عاماً تقريباً يقضيها الإنسان في تأدية عبادات من غير فقه لخير منها ساعة تفكر واحدة في آيات الله تورثه علماً ومعرفةً وتقديراً وترفعه إلى أعلى عليين , فقد ورد في الحديث الشريف :
" تفكر ساعة خير من عبادة ستين عاماً " .
وفي رواية سبعين عاماً .
هذه العوام الكثيرة تجعله عابداً ، أما هذه الساعة فتجعله يخطو خطوة في طريق العلم ولا يخفى أن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، ولعالمٌ واحد أشد على الشيطان من ألف عابد .
ففي الليلة التي يقدر فيها العبد ربه حق قدره ويقبل عليه بكل جوارحه خير له من ألف شهر يقضيها في عبادة جوفاء من غير فقه ، مشوبة بالمعاصي والمخالفات ، ولا تسمو بنفسه ، ولا ترقى بأخلاقه .
وهل من موسم أقربُ إلى بلوغ هذه المعرفة والتقدير وذلك الإقبال والتجلي من رمضان ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( عجبت لمن أدرك رمضان ولم يغفر له .. إن لم يُغفر له فمتى ؟ ))

أيها الإخوة ؛ هذا بعض ما توحيه إلينا ليلة القدر التي وجهنا نبينا الكريم إلى التماسها في العشر الأواخر من رمضان .

و الحمد لله رب العالمين

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

 

تحميل النص

إخفاء الصور