وضع داكن
25-04-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 034 - حديث - أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت رمضان.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم... حقائق الدين ثابتة، فأي داعيةٍ، أو أي خطيبٍ، أو أي عالمٍ ركز على بعض الأشياء وضخَّمها، وقلل من أهمية بعض الأشياء وصغَّرها فقد حاد عن الطريق المستقيم. مرةً ثانية حقائق الدين ثابتة، أي داعيةٍ، أي خطيبٍ، أو أي عالم ، أي مرشدٍ ضخم بعض الأشياء، وقلل من بعض الأشياء فقد حاد عن الطريق الصحيح.
 هذه المقدمة بدأت بها لأن حديث اليوم من الأحاديث التي وردت في الأربعين النووية، وهو حديثٌ له فائدة تربوية دقيقة جداً، نستخدمه في الدعوة إلى الله عزَّ وجل، لكن لا أريد أن تضخم شيئاً له حجمٌ أقل من حجمه، ولا أن تصغر شيئاً له حجمٌ أكبر من حجمه، فالتضخيم مجانبةٌ للحق، والتصغير مجانبةٌ للحق، فمثلاً:
 هناك دعاةٌ يركِّزون في الاستقامة على أمر الله على نقطةٍ أو نقطتين تركيزاً شديداً جداً، وفي نقاط أخرى خطيرة جداً يهملونها، فهذا طالب العلم يُبْنَى بناءً مغلوطاً، فمن جهةٍ هو متشددٌ إلى درجة التذمُّت في ناحية، ومتساهل إلى درجة التسيُّب من ناحية ثانية، لا هذا هو الحق، ولا ذاك هو الحق، أي لئلا نتشدد في موطن يجيب أن نتساهل فيه، ولئلا نتساهل في موطن يجب أن نتشدد فيه، لئلا تأتي أحكامنا تارةً مبالغاً بها، وتارةً ذات شأنٍ قليل، لئلا نقع في التطرف، لئلا نقع في الانحياز.
 فمثلاً: إذا ركزت على القلب وأهملت الجوارح، هذه دعوةٌ عرجاء، وإذا ركزت على الجوارح وأهملت القلب، هذه دعوةٌ عرجاء، إذا ركزت على العِلم وأهملت القُرب، إذا ركزت على القرب وأهملت العلم، إذا ركزت على كل ما يتعلَّق بالنساء وأهملت آفات اللسان، إذا ركزت على آفات اللسان وأهملت فيما يتعلق بالنساء، أية دعوةٍ تركز على جانبٍ وتهمل جانباً ؛ تركز على الدنيا وتهمل الآخرة، تركز على الفكر وتهمل العمل، تركز على العمل وتهمل الفكر، تركز على القلب وتهمل الفكر، الإنسان فكر وقلب وجوارح.
 فأردت من هذه المقدمة أن أبين: أن أي تطرُّفٍ، أو أي مبالغةٍ، أو أي انحرافٍ، أو أي تركيزٍ على جانبٍ دون جانب، أو أي تقليلٍ لجانبٍ دون جانب، هذا مجانبةٌ للصواب، فالنبي عليه الصلاة والسلام في حديثٍ صحيح رواه الإمام البخاري والإمام مسلم، مطلعه: عن أبي عبد الله جابرٍ بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ـ أي هو وأبوه من الصحابة، إذا قلنا: رضي الله عنهما، هو وأبوه من الصحابة ـ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرَّمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ فقال الصلاة والسلام: نعم))

 كلام رسول الله، لا ينطق عن الهوى..

 

(( يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات ـ الصلوات الخمس ـ وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ فقال الصلاة والسلام: نعم ))

 

( رواه مسلم )

 طبعاً معنى حرَّمت الحرام أي اعتقدت حرمته واجتنبته، ومعنى أحللت الحلال أي اعتقدت حِلَّه وفعلته، هذا هو المعنى. قال بعض علماء الحديث: هذا حديث عظيم الموقع وعليه مدار الإسلام كله، لأن الأفعال إما أنها قلبية أو بدنية، وكلٌ منهما إما أنه مأذونٌ أن تفعله وهو الحلال، أو ممنوعٌ أن تفعله وهو الحرام، فإذا فعلت المأمورات وتركت المنهيات فقد استحققت الجنة.
 الحقيقة نحن في الأحاديث الشريفة هناك أحاديث أخرى تفسر هذا الحديث، ففي حديثٍ آخر يفسر مَن هذا الرجل ؟ ألم يقل أبو عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي ؟ قال: هذا الرجل هو النعمان بن قوقل الخُزاعي، شهد بدراً، وقتل يوم أحدٍ شهيداً وهو القائل يومها ـ قال بأحد ـ قال: يا رب أقسمت عليك رب العزة لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي هذه خضر الجنة. كان أعرجاً، قال: يا رب أقسمت عليك رب العزة لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي هذه خضر الجنة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام بعد استشهاده:

 

(( إن النعمان ظن بالله عزَّ وجل خيراً فوجده عند ظنه))

 أي كمؤمن إذا تدللت على الله عزَّ وجل، طلبت منه طلب عظيم وأنت صادق، إياك أن تظن أن الله يخيب ظنك، لأنه:

 

 

(( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ))

 

( الجامع لأحكام القرآن )

 قال له: أقسمت عليك رب العزة لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي هذه خضر الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد استشهاده:

 

((إن النعمان ظن بالله عزَّ وجل خيراً فوجده عند ظنه، ولقد رأيته يطأ في خضرها ما به من عرج ))

 هكذا قال النبي. هذا الرجل هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:

 

 

(( يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات ـ الصلوات الخمس ـ وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ))

 إياكم أن تظنوا أن في هذا الحديث تسهيلاً، أخي صلاة وصوم القضية سهلة، صلاة وصوم وأن تحل الحلال وأن تحرم الحرام، أي استقامة تامة، أن تفعل المأمورات وأن تدع المنهيات، أن تفعل ما أمرك الله به وأن تدع ما نهاك عنه.
 في شيء آخر: كلمة (أرأيت) أي يا رسول الله أفتني، أي أرأيت لو فعلت كذل وكذا، هذا المصطلح أو هذه العبار تعني بالضبط أفتني وأفدني يا رسول الله، والمكتوبات هم الصلوات الخمس المفروضات، ورمضان شهر الصيام المعروف، أحللت الحلال ـ هنا الدقة ـ اعتقدت إنه حلال وفعلته، وحرمت الحرام اعتقدت أنه حرام واجتنبته، فبالإحلال والتحريم في جانب فكري وجانب سلوكي، اعتقدت حليته وفعلته، واعتقدت حرمته واجتنبته، طبعاً الحرام هو كل ما منعك الشرع أن تفعله على وجه الجزم والقطع.
 الحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام حدد لطريق الجنة حدوداً، ودعا الناس إلى السير فيها، وهذا الطريق في طاقة الإنسان، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن ما طالبك الله به ضمن طاقتك، فأي كلامٍ تسمعه عن أن الاستقامة صعبة، وهي شيء فوق طاقة الإنسان، هذا كلام مرفوض لأن الله عزَّ وجل يقول:

 

 

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

 

( سورة البقرة: من آية " 286 " )

 الوسع لا تحدده أنت بل يحدده ربك، هو الخالق، هو المربي، هو الخبير، الوسع يحدده رب العزة، فإذا أمرك الله بأمرٍ فهو قطعاً ضمن طاقتك، الخطأ الكبير أن الإنسان يجتهد بوسواس من إبليس أن هذه فوق طاقتك يا أخي، أين تذهب بعيونك في الطريق ؟ والله لو أردت لغضضت، كيف تصلي العصر ؟ لو أردت لفعلت، وراقب نفسك في أمور أخرى تكاد تكون مستحيلة أن تفعلها إن كانت في صالحك، حينما تتوافق مع مصلحتك، وحينما تتعلق بها قضيةٌ هامة في حياتك تفعلها بشكلٍ عجيب.
 على كلٍ الحديث يتَّجه إلى التيسير لا التعسير، وإلى التقريب لا التبعيد، وإلى التبسيط لا التعقيد، الحديث يتجه للتيسير والتبسيط والتقريب، والحقيقة أن هذا الذي سأل: إن فعلت هذا أأدخل الجنة ؟ معنى هذا هو مشتاقٌ لدخول الجنة، ولن تكون مؤمناً إلا إذا تطلَّعت إلى الجنة، لن تكون مؤمناً إلا إذا نقلت اهتماماتك كلها إلى الجنة، مشتاقٌ لدخول الجنة، هي محط الرحال ومعقد الآمال.
 وعلى شاكلة هذا الحديث هناك أحاديث كثيرة، روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً ـ طاعة الله، العبادة هي الطاعة، ولكن طاعة تسبقها معرفة، تعقبها سعادة ـ وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ))

 عند مسلم:

 

 

(( دلني على عملٍ أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار ))

 كملخَّص: الله هو الحق، والجنة هي الهدف، فأي عملٍ، أي سلوكٍ، أي تصرفٍ، أي نشاطٍ، أي تفكيرٍ، أي موقفٍ يقرِّبك من الله والجنة فهو حق، وأي سلوكٍ، ونشاطٍ، وعملٍ يبعدك عن الله والجنة فهو الباطل، الباطل ما أبعدك عن هدفك والحق ما قربك من هدفك.
 حديثٌ آخر: روى أحمد بإسنادٍ عن ابن المُنْتَفِق أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات فقلت: اثنتان أسألك عنهما ـ أي شيئان اثنان ـ ما ينجيني من النار، وما يدخلني الجنة ؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام، السؤال كبير، واحد قال لك سؤال صغير: يلزمني بيت في المالكي وفيلا هنا، ومعمل صغير وسيارة، فقط ؟ سأل سؤال كبير جداً، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( لئن كنت أوجزت في المسألة، لقد أعظمت وأطولت ))

 أي سألت عن عظيم والطريق إليه طويل. الجنة شهرين زمان فرنا فورة وبعدها همدنا، ألاحظ إخوان كثير له فورة، حلوة الفورة، لكن بعدها لم نعد نراه، أين هو ؟ شهر، شهران أو ثلاثة مثل الرغوة وبعدها همد فرد همدة، بعد الزواج لم نعد نراه، بعدما فتح محل لم نعد نراه، الجنة طريق طويل، وكل العمر طريق للجنة، الواحد يوطِّن نفسه بطاعة الله عزَّ وجل، والإقبال على العلم بالسراء والضراء، قبل الزواج وبعد الزواج، بالغنى، بالفقر، برمضان، خارج رمضان، طريق طويل، قال له النبي الكريم:

 

 

(( لقد أعظمت وأطولت سألت عن عظيم والطريق إليه طويل، فاعقل عني إذاً ـ أي اسمعني، انتبه ـ اعبد الله لا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة المكتوبة، وأدِ الزكاة المفروضة، وصم رمضان ـ أما آخر واحدة أصعب واحدة ـ قال له: وما تحب أن يفعله بك الناس فافعله بهم، وما تكره أن يؤتى إليك فذر الناس منه ))

 هذا أدق مقياس، يعني عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، قال له:
اعبد الله لا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة المكتوبة، وأدِ الزكاة المفروضة، وصم رمضان وما تحب أن يفعله بك الناس فافعله بهم، وما تكره أن يؤتى إليك فذر الناس منه ".
هذا العظيم والطويل، الحقيقة الحديث فيه استنباطاتٌ كثيرة، الاستنباط الأول: أن طريق الجنة طريقٌ ضمن طاقة الإنسان. الاستنباط الثاني، قال له:

 

 

(( أرأيت إن صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ))

 طريق الجنة طريق ميسور وسالك، وكل ما في هذا الطريق بإمكانك أن تجتازه، لو أنه فوق طاقة الإنسان لما استحق الإنسان دخول الجنة، ولما عوتب على تركها.
 الاستنباط الثاني: أن التزام الفرائض وترك المحرَّمات أساس النجاة، كثير في حلقات دينية لهم حركات، وأوراد، وحضرات، جميل جداً، أما لو كان في تاركين فرائض، لو في أكل مال حرام هذا كله لا يغني شيئاً، قبل النوافل ترك المحرمات وفعل الواجبات، أساس النجاة ترك المحرمات وفعل الواجبات.
 الشيء الثاني: طبعاً الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، والصيام كذلك، الصيام الفريضة الثانية بعد الصلاة، لكن عندما قال هذا الصحابي الجليل: "... ولم أزد على ذلك شيئاً ". كيف يعني ؟ كيف نفسر ولم أزد على ذلك شيئاً..

 

 

(( أرايت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ فقال: نعم ))

 فما هو الشيء الذي لم يزد فيه ؟ النوافل، قال: الشيء الذي لم يزد فيه فعل النوافل، وترك المكروهات، والتورُّع عن بعض المباحات، المقصود بالزيادة أنه هناك مباحات فعلها، هناك من يترفَّع عنها، في نوافل أهملها، في مكروهات وقع فيها، هذا معنى لم أزد على ذلك شيئاً.
في استنباط دقيق جداً، لماذا أقرَّه النبي على ذلك ؟ في سبب وجيه وسبب تربوي، أولاً النبي عليه الصلاة والسلام يخبر عن الله تعالى أنه يقول:

 

 

(( ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ))

 

( من شرح الجامع الصغير: عن " السيدة عائشة " )

 أعظم قربة إلى الله أن تؤدي ما افترضه الله عليك، بادئ ذي بدء، وفي الآية الكريمة:

 

﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾

 

( سورة التوبة )

 بشارة للمؤمن الذي حفظ حدود الله.
في الحديث الشريف:

 

(( ما من عبدٍ يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ))

 

( من الدر المنثور: " أبي هريرة " )

 وقوله تعالى:

 

﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)﴾

 

( سورة النساء )

 أقول لكم مرةً ثانية: هذا الحديث تفوح منه رائحة التيسير لأن الله عزَّ وجل يقول:

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾

 

( سورة البقرة: من آية " 185 " )

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

( سورة البقرة: من آية " 286 " )

﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾

( سورة الحج: من آية " 78 " )

 في سؤال دقيق: لماذا تساهل النبي ؟ فقط قال له: أنا أصلي وأصوم، وأحلل الحلال، وأحرم الحرام، إن فعلت هذا أدخل الجنة ؟ قال: نعم. ولم أزد على ذلك، لماذا تساهل النبي؟ هنا السؤال، كلامه حق، يبدو أنه إذا كان داعية أو عالم جاءه طالب علم، شعر أن الاستقامة ثقيلة عليه، قال له: دع المحرمات، وافعل الفرائض، وأد الصلوات، وصم رمضان يكفي، في إنسان مشتاق ؛ يحب النوافل، يترك المباحات أحياناً، يتقرَّب بالقربات، يدفع أكثر من زكاة ماله، هذا إنسان بارك له هِمَّته، بارك له سعيه، بارك له إقباله، بارك له عزيمته، لكن جاءك إنسان إذا وضعت له شوط تعجيزية ؛ لابدَّ من أن تذكر الله كل يوم خمس ساعات مثلاً، وقيام الليل، والنوافل، والأوابين، يقول لك: والله شغلة صعبة، أتمنى ولكنها صعبة. إذا جاءك إنسان همته ليست كما تريد، أراد أن يكتفي بالفرائض، وأن يدع المحرمات، وأن يصلي، وأن يصوم فهذه طريقة تربوية لأن تدفعه إلى ذلك.
 يقولون أن واحد قال له شخص لا يصلي، تارك الصلاة، قال له: أنا أصلي الصلوات عدا الفجر هذه صعبة علي، فقال له: صلِ أربع صلوات وضعها برقبتي، والفجر صليه قضاء، فأقاموا عليه النكير ـ بعض الناس ـ قال لهم: أنا أقنعته بأربع صلوات، أقنعوه بالخامسة أنتم. الحديث تقريباً اتجاهه أن الإنسان يجب ألا يضع عراقيل تعجيزية أمام طلاَّب العلم. هذا الصحابي صريح قال له:

 

(( أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ قال: نعم ))

 الحقيقة في استنباط دقيق، الصراحة، نحن عايشين في عصر فيه نفاق كثير، تجد إنسان له مظهر ديني صارخ، ويحكي عن أذكاره، وعن صلواته، وعن قيامه، وله خبصات كبيرة أحياناً، وفي له مخالفات شنيعة، وله مواقف لا ترضي الله عزَّ وجل، ومع ذلك يتحدث عن قيام الليل، ومع هذا يتحدث عن بكائه في الصلوات، هذا موقف فيه نوع من النفاق، الصحابي كان صريح، والأكمل أن تكون صريحاً، إن لن تستح من الله فليس من المعقول أن تستحي من عباده، وأن تدع الحياء من الله عزَّ وجل، فكن صريحاً، الصحابي كان صريح، قال له: ولم أزد على ذلك شيئاً، قال له: تدخل الجنة.
 فتوجيه الحديث: كأن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على صراحته، وأثنى على جرأته، وأثنى على موقفه الواقعي، هذا استنباط أيضاً.
 يرووا أن أحد الأئمة كان يمشي في الطريق، فسمع رجل يقول لآخر: هذا الإمام لا ينام الليل ـ هو أبو حنيفة النعمان ـ فيروى أن هذا الإمام استحيا من الله أن يظن به الناس ظناً غير واقعي، من بعد هذه الكلمة صار يقوم معظم الليل. فشيء شنيع جداً أن يظن الناس بك خيراً وأنت دون ذلك، فالإنسان لا يستحي من الناس بل يستحي من الله عزَّ وجل.
واحد وقف أمام الرسول وقال: إني نؤوم، ادعو الله أن يذهب عني النوم. فقال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( اللهم أذهب عنه النوم إذا شاء))

 لأن القضية باختياره.
 واحد قال له: إني منافق، فقام سيدنا عمر ليضربه، فقال له: دعه يا عمر:

 

 

(( فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ))

 

( من كنز العمال: عن " الفضيل " )

 إذا أنت مع الله صادق لا تحاول تعمل مظهر ديني صارخ وأنت ليس كذلك، تغش مَن ؟ هؤلاء الذين تظهر أمامهم بهذا المظهر الديني لا قيمة لهم عند الله، ولا ينفعوك إطلاقاً، إن خدعتهم لن تخدع الله عزَّ وجل. فأنا أعجبني في هذا الحديث صراحة هذا الصحابي، كن صريح يا أخي، إذا تعاملت مع رجل دين أنا هكذا، أنت إذا أخفيت عنه كل معاصيك، وأخطاءك، أغفلت كل شيء سلبي وأظهرت كل شيء إيجابي، ما شاء الله حولك، يقول لك: أنت أحسن مني، أنت كن واقعي، لا تحاول أن تظهر بمظهر أكبر من حجمك، تخدع مَن ؟ الله يعرف، يعلم.
 في موقف مشابه، النبي عليه الصلاة والسلام جاءه أعرابي، هو ضمام بن ثعلبة فسأله عن الصلوات فقال:
ـ خمس.
ـ فقال: هل علي غيرها ؟
ـ قال: لا إلا أن تطوع.
ثم سأله عن عددٍ من الواجبات والفرائض وهو يجيبه بالواجب عليه، فيقول السائل:
ـ هل عليّ غيرها ؟
ـ فيقول: لا إلا أن تطوع، هذا الذي عليك.
ـ فقال: والله لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أفلح إن صدق ))

 

( من الدر المنثور: عن " طلحة بن عبيد الله " )

 وفي روايةٍ عند مسلم:

 

(( إن تمسَّك بما أُمر دخل الجنة ))

 

( من الدر المنثور: عن " أبي أيوب " )

 وفي روايةٍ ثالثة:

 

(( من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا))

 أحياناً نحن نتوهم القضية سهلة، أنت إذا أحللت ما أحل الله، وحرمت ما حرم الله، فما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أنك استقمت على أمر الله، فليس هناك شيء، صار الطريق سالكاً إلى الله عزَّ وجل، الآن صحت الصلاة، وصح الصيام، وصحت كل العبادات.
ألم تسألوا هذا السؤال: لماذا أغفل هذا السائل الحج والزكاة ؟ الحديث لأنه:

 

 

((أرأيت إذا صليت المكتوبات ـ الصلوات الخمس ـ وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ قال: نعم ))

 مَن عنده جواب ؟ الحج على المستطيع، والزكاة على المالك، على الغني.
جواب آخر ؟ من ضمن إحلال الحلال، وتحريم الحرام، الحج والزكاة.
 جواب ثالث ؟ سأل السائل النبي الكريم قبل أن يفرض الحج، وقبل أن تفرض الزكاة، ممكن، إما أن السؤال قبل فرضية الحج والزكاة، وإما أن السائل فقير وغير مستطيع، فلم يذكر الحج والزكاة، وإما أن إحلال الحلال وتحريم الحرام مما يدخل به الحج والزكاة.
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 

 

(( عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، مَن ترك واحدةً فهو بها كافر ؛ شهادة ألا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان))

 أيمكن أن نغفل الصيام ؟ إذا أغفلنا الحج بأن السائل غير مستطيع، وإذا أغفلنا الزكاة لأن السائل ليس غنياً، هل يمكن أن نُغْفِل الصيام ؟ إذا كان مريضاً أو مسافراً، لكن ما هو الفرض الذي لا يسقط بحال ؟ الصلاة، من تعاريف الصلاة: هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال. ولو في أشد حالات المرض، لابدَّ من أن تصلي ولو بالإيماء، بتحريك الوجه، لابد من أن تصلي ولو بالإيماء، ولو كنت خائفاً، في صلاة الخوف، ولو كنت مريضاً، في صلاة المريض، ولو كنت مسافراً، في صلاة المسافر، ولأنك في ساحة الحرب، في صلاة الحرب، ولو أن الإنسان في أشد أحواله مرضاً لابد من أن يصلي، إذاً الفرض الذي لا يسقط بحال والمتكرر هو الصلاة.
 وقال بعضهم: في الصلاة معنى الصيام، وفي الصلاة معنى الحج، وفي الصلاة معنى الزكاة، فاقتطاع وقتٍ ثمين لتصلي، الوقت أساس المال، أصل المال الوقت، إذا واحد حجزنا حريته، هل يتمكن من المتاجرة ؟ لا يقدر، أصل التجارة وكسب المال الوقت، فالوقت المبذول في الصلاة كأنه زكاة، بل هناك زكاة الوقت وزكاة المال، والتوجه إلى الكعبة من معاني الحج في الصلاة، وترك الطعام والشراب وأيَّة حركةٍ غريبة عن الصلاة أصل الصيام، ففي الصلاة معنى الصيام والحج والزكاة والصلاة، لذلك هي الفرض الذي لا يتكرر، هي عماد الدين مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين، والصلاة سيدة القربات، وغُرَّة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
 في عندنا سؤال: قال الإتيان بالنوافل زيادة قربٍ من الله تعالى، والمؤمن الصادق، المؤمن ذو العزيمة القوية يفعل القُرُبات، ويدع المكروهات، ويقوم بالنوافل، وقد يدع بعض المباحات تأثماً وتحرجاً، ولا تبلغُ درجة اليقين حتى تدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس.
 الآن، إليكم بعض الأحكام الشرعية الدقيقة: لو إنسان ترك بعض النوافل هل عليه إثم ؟ ليس عليه إثم، إذا ترك السنة فقد أساء، إن ترك الفرض فقد هلك، إن ترك النوافل لا شيء عليه، لكنه ترك الأولى، في هلك، في أساء، في ترك الأولى، أما الشيء العجيب قال: إذا كان الترك لهذه النوافل تركاً جماعياً، كما لو تواطأ أهل بلدةٍ على ترك نافلةٍ بشكل جماعي، عندئذٍ هذا حرامٌ حرمةً شديدة. واحد لوحده يترك نافلة مقبول، أما يتواطأ أهل بلدة على ترك نافلة بشكل جماعي هذا استخفافٌ بالسنة وخطوةٌ نحو ترك الواجبات، فلذلك لا يسمح أن تترك بعض النوافل تركاً جماعياً على شكل إجماع وتخطيط وتحلل من عرى الدين
 الآن، إذا الإنسان ترك النوافل ترك مستمر، أي أنه منطلق من مبدأ: أنا لن أصلي قيام الليل، ولن أصلي الضحى. إذا ترك النوافل تركاً مستمراً، فهذه رقةٌ في الدين، وفسوقٌ، ومروقٌ منه، وتردُّ شهادته، مادام الحديث على: ولم أزد على ذلك شيئاً. الأصل أن تؤدي الفرائض، وأن تؤدي السنن، وأن تفعل النوافل، وأن تدع المكروهات، وأن تدع بعض المباحات إذا أدت إلى بعض المفاسد، الإنسان ممكن يزين بيته لكن أن يزين بيته بمبلغ يزوج فيه خمس شباب ؟ تزين البيت مباح، لكن الورع يؤثر أن يعمل عملاً صالحاً يرضي الله على هذه المبالغة، فالأكمل أن تؤدي الفرائض، والواجبات، والسنن، وأن تدع المكروهات، وأن تؤدي النوافل، وأن تدع بعض المباحات، توصلاً إلى رضى الله عزَّ وجل.
 لكن إذا الإنسان ترك بعض النوافل بشكل غير مستمر، هل عليه شيء ؟ لا شيء عليه. إذا تواطأ أهل بلدةٍ على ترك نافلةٍ، اتفقت بلدة على ترك صلاة الضحى نهائياً، أو على ترك قيام الليل، إذا تواطأ مجتمعٌ مسلمٌ على ترك نافلةٍ فهذه حرمةٌ شديدة، لأنها خطوة إلى ترك ما بعدها، هنا صار تخطيط..

 

 

(( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة))

 

(من الجامع الصغير: عن " أنس " )

 الإنسان وحده لو ترك بعض النوافل بشكل مستمر، فهذا يعد رقةٌ في دينه، ونوعٌ من الفسوق ترد به شهادته، لكن لماذا ؟ هنا السؤال، الحقيقة أن السنة والنافلة إنما شُرِعَت لتكون جبراً لنقصٍ في الفريضة، أو لخللٍ فيها، فمثلاً الظهر أربع ركعات الفرض، السنة القبلية من أجل أن تتهيأ لهذه الصلاة، والبعدية من أجل أن ترمم ما فاتك من الفرض، ففي تهيئة وفي ترميم، فلو تركت التهيئة والترميم، الفرض الأساسي بثلاث ركعات كنت شارداً، ضاع منك الفرض، فإنما شُرِعَت السنن والنوافل من أجل أن ترمم النقص أو تصلح الخلل في الفرائض، فمن ترك هذه النوافل عمداً بشكل مستمر فقد عدَّ هذا نقصاً في دينه. كل يوم إذا قمنا صلينا الضحى، تذكرت صلِ الضحى هذا أكمل، نسيت مرة ما في شيء عليك، لكن الأكمل أن تصلي الضحى، استيقظت قبل الفجر بنصف ساعة صلِ قيام الليل، أما تاركه عمداً، تارك الضحى عمداً فهذا الشيء لا يناسب.
 العلماء قالوا: المسلم الذي يرجو النجاة، وتطمح نفسه إلى رفيع الدرجات، لا يترك نافلةً، ولا يقرب مكروهاً، ولا يفرِّق فيما يطلب منه بين واجبٍ أو مفروضٍ أو مندوب، كما كان يفعل الصحابة الكرام. أخي هذه شكليات، ما هو حكمها الشرعي ؟ إذا كانت سنة لا أريدها، ليست هذه صفات المسلم، النبي الكريم ورد عنه أنه فعل كذا، قال الله عزَّ وجل:

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 

( سورة الحشر: من آية " 7 " )

 تقول لي: هذه واجب، أم سنة، أم مكروهة ؛ كرهة تحريمية تنزيهية، بالله انظر لي فيها كي أتركها، أو لا أتركها، ليس هذا هو الورع، الورع أن تفعل كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من دون تفريق، أحياناً مثلاً إنسان يحب إنسان، فهذا الإنسان المحبوب طلباته كلها مقدسة ما كان منها عظيماً أو ما كان منها صغيراً، ما كان واجباً وما كان سنة، الإنسان المحبوب طلباته كلها مقدسة، إذاً قوله تعالى:

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 يعني على المسلم الذي يرجو النجاة، ويتقصَّى أرفع الدرجات أن لا يفرِّق في الأمر والنهي بين واجبٍ وفرضٍ وسنةٍ ومستحب، ولا بين حرامٍ ومكروهٍ تنزيهاً أو تحريماً، الأكمل، لكن إنسان فاتته أيام الضحى ما في مانع، فاتته هذه النافلة ما في مانع، أما إذا أصرَّ على عدم فعلها بشكل مستمر فهذه رقةٌ في دينه، وإذا تواطأ جمعٌ غفير على تركها فهذه خطوةٌ خبيثة هدفها التحلل من عُرى الدين عروةٌ عروة.
 الآن، أقرأ عليكم بعض الفقرات، النبي الكريم عندما قال له النعمان: لا أزيد عليها، لماذا أقرَّه ؟ لمَ لمْ ينصحه ؟ قال له: ولا أزيد عليها، طبعاً نحن حمدنا صراحته وجرأته، لكن أليس من المناسب أن يقول له النبي: لا بل افعل بعض النوافل، فقال: هذا تعليمٌ للدعاة، والعلماء، والمرشدين من بعد النبي، يعني إذا شعرت أن هذا الإنسان يريد أخف الأشياء، فإذا أثقلت عليه، ووضعت أمامه العقبات، وشددت عليه، حتى حملته على ترك هذا الدين كله، أنت ما فعلت صالحاً، فهذا ما يفعله بعض الدعاة يضعون حلول وسط.
 أنا أذكر مرة أخ كريم حضر شهران أو ثلاثة ثم افتقدته، سألت عنه قالوا: والله خجلان أن يأتي. خير ؟ قال: عنده محل يبيع فيه هدايا ثمينة كريستال، كؤوس للمشروب أحياناً، تماثيل، فضيات، مذهبات، أي أنه محل فخم جداً، وكل مواد البيع مواد تقريباً شيء منها حرام، وشيء منها مكروه، فهو شعر أنه واقع في معصية دائمة، وقد زرته وقلت له: أيعقل أن أقول لك إيتِ بشاكوش وكسِّر كل هذا ؟ هذا فوق طاقتك، بع هذه البضاعة وغيِّر هذه المصلحة، هذا شيء يمكن بمستوى أرقى أتلفها كلها، لكن كان إتلاف هذه البضاعة عقبةً كأداء بينه وبين الصلح مع الله، نقول له: بعها، وغير هذه المصلحة، وهذه توجيه لطيف من رسول الله إذا وجدت إنسان قوائم المكروهات، وقوائم النوافل، ثقيلةٌ عليه قل له: دعك منها، أد الصلوات الخمس، أحياناً يقولون لك: يجب أن تقعد ساعتان كل يوم في الفجر، وإن لم تفعل هذا فأنت لست مؤمناً، هذا وضع عقبات تعجيزيةً أحياناً، إن رأيت إنساناً يحب الأسهل كن معه كما يريد لكن لا على حساب الفرائض، ولا على حساب المنهيات، لكن رأى النوافل صعبةًَ عليه، أو رأى بعض المكروهات محببةً لديه وأصر على ذلك قل له: افعل.
 والحقيقة طبيعة الإيمان طبيعة كل خطوةٍ تفضي إلى أختها، أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً، إذا إنسان صلى الصلوات الخمس بإتقان، وصام رمضان، وأحل الحلال، وحرم الحرام، والله الذي لا إله إلا هو لابد من أن يقوده هذا الموقف إلى النوافل والقربات، لان الإنسان لا يبقى بحالة واحدة، بل من طبيبعته أنه يزداد، فلو فعل الإنسان هذا لقاده هذا الشيء إلى شيء أفضل، واحد سأل النبي الكريم اللهم صل عليه قال له:
ـ ماذا ينجي العبد من النار ؟
ـ قال له: إيمانٌ بالله ؟
ـ قال: أمع الإيمان عمل ؟
ـ قال: أن تعطي مما أعطاك الله.
ـ قال: فإن كان لا يملك، ما معه ؟
ـ قال: فليأمر بالمعروف.
ـ قال: فإن كان لا يستطيع ؟
ـ قال: فليعن الأخرق. يعاون واحد ضعيف.
ـ قال: فإن كان لا يحسن ؟
ـ قال: فليكف أذاه عن الناس.
ـ قال له: أو إن فعل هذا دخل الجنة ؟ فقط كف الأذى عن الناس، السؤال محرج في الحقيقة، فكان الجواب رائع جداً.
ـ قال له:

 

(( ما من عبدٍ مسلم يصيب خصلةً من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجن))

 وأنا أقول لكم: والله ما من عبدٍ يصلي الصلوات الخمس بإتقان، ويصوم رمضان كما أراد الله، ويحل الحلال، ويحرِّم الحرام، إلا انتقل من هذا المستوى لمستوى أرقى، إلى مستوى أداء النوافل، إلى مستوى ترك المكروهات، إلى مستوى ترك بعض المباحات. الإنسان عنده حساسية: أنا أنفق هذا المبلغ الضخم وفي شباب يتلوون على غرفةٍ يسكنونها ؟ لا يتحمَّل، فأنت كلما فعلت شيء يرقى بك هذا الشيء إلى أن تصل إلى الكمال، على كل حال الحديث له اتجاه تربوي رائع، لأنه:

 

(( ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن دعاني لأجيبنه ))

 

(من صحيح البخاري: عن " أبي هريرة " )

 هذا الحديث مرَّ معنا سابقاً، أي أن النوافل مهمة جداً، ولكن النبي تساهل، وقال له: لا تفعل غير هذا ولك الجنة، يعني إذا رأيت إنسان ترك النوافل، ترك المكروهات، وترك بعض المباحات، ستكون عقبةً بينه وبين الصلح مع الله قل له: لا، أد الصلوات المكتوبات، وصم رمضان، وأحل الحلال، وحرم الحرام، ولا تزد على ذلك شيئاً ولك الجنة، وهذا الواقع، لكن هذا الموقف ينقله إلى أخذ بعض المستحبات.
بالمناسبة التحليل والتحريم هذا من اختصاص مَن ؟ من اختصاص الله عزَّ وجل، فأي إنسانٍ يحل وفق هوى نفسه، أو يحرم وفق هوى نفسه فهذا منحرف ومبتدع، والله أنا شايف أن هذه ما فيها شيء ؟ مَن أنت..
يقولون هذا عندنا غير جائزٍ فمَن أنتم حتى يكون لكم عند!
 من حضرتك ؟ إحلال الحلال وتحريم الحرام ليس من شأن الإنسان، تحرم شيء هو بالأصل حلال هكذا نزوة، هذا التحريم لما هو حلال ليس أقل إثماً لتحليل ما هو حرام، فالتحليل والتحريم هذا من اختصاص الله عزَّ وجل، والدليل: " الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله ". أما أنت تقول: هذه حلال ما فيها شيء، أنا بقناعتي ما فيها شيء، فمَن أنت هل أنت مشرع ؟ وما دليلك ؟ أو هذه حرام، لماذا هي حرام ؟ أنا أقول لكم: ليس تحريم الحلال أقل إثماً من تحريم الحرام، التحليل والتحريم ليس من اختصاصك، هو من شأن الخالق جل وعلا، نعرفه من خلال كلام الله عزَّ وجل، ومن خلال سنة النبي، أما ما سوى ذلك نرجع في كل هذا إلى الله ورسوله.
 سؤال ثاني: قال: مَن حلف أن يفعل خيراً وما فيه طاعةٌ فالأفضل أن يفعل ذلك، لقوله تعالى:

 

﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 89 " )

 أما من حلف على ترك واجبٍ أو فعل معصيةٍ، وجب عليه أن يحنث بيمينه، وجب عليه. أختك ما لها غيرك، حلف بالله ألا يزورها طوال عمره، نقول له: يجب عليك أن تحنث بهذا اليمين، خدمت إنسان فأساء لك، والله ما عدت أعاون أحد، خلص أنا حالف يمين، خير إن شاء الله ؟ احنث بهذا اليمين، وكفر عن هذا اليمين، وافعل الخير، فقال:

 

((من حلف على ترك واجبٍ أو ترك معصيةٍ وجب عليه الحنث بيمينه))

 لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

 

 

(( من حلف على معصيةٍ فلا يمين له ـ هذا يمين باطل ـ ))

 ومن حلف على ترك خيرٍ غير واجبٍ عليه فالأفضل في حقه أن يحنث، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( من حلف على يمينٍ ورأى غيرها خيراً منها، فليأتِ الذي هو خير وليكفر عن يمينه ))

 هذا حكم الله الدقيق.
 يفيد هذا الحديث أيضاً أن على المسلم أن يسأل، اسأل، وأن على العالم أن يتوسَّع بالسائل لا أن يضيق به ذرعاً، لا أزيد على ذلك، قال له: ولك الجنة، على المسلم أن يسأل، وعلى المسؤول أن يكون رحب الصدر أي أن يتسع لسؤال هذا السائل.
* * *
 بقيت نقطة دقيقة جداً، في أخ كريم استبق الأمر وذكرها في هذه القصاصة، هذا السائل سأل عن أي شيء ؟ سأل عن الدخول، أنت ممكن يكون معك ثمن مركبة عامة تصل لهذه البلد، أما أن تسكن في أفخر قصر فيها، أما أن تسكن في أفخر فندق، أما أن تنفق إنفاق كبير تحتاج إلى أموال طائلة، دخلول البلد شيء والتمتع بكل ما فيها شيء آخر، فالسائل ماذا سأل ؟ قال:

 

 

(( يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة ؟ ))

 الجنة كما قال النبي:

 

 

(( أنا زعيمٌ في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وهو مُحق، وزعيمٌ في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو مازحاً، وزعيمٌ في أعلى الجنة لمن حَسن خلقه )).

 

(من رياض الصالحين: عن " ابي أمامة " )

 معنى هذا الجنة مراتب، فيها مراتب لا يعلمها إلا الله، موضوع الدخول فقط يحتاج أن تؤدي هذه الفرائض، وأن تدع هذه النواهي، أن تحل الحلال وأن تحرم الحرام، ولك الجنة دخولاً، أما أن تصل بها إلى أعلى المراتب هذه تحتاج إلى قربات، وإلى نوافل، وإلى ترك المكروهات، وإلى ترك بعض المباحات.
 في شيء آخر في الحديث هو أن الله عزَّ وجل يقول:

 

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)﴾

 

( سورة الواقعة )

﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)﴾

( سورة الواقعة )

 هؤلاء درجة ثانية، فالسابقون درجة، وأصحاب اليمين درجة ثانية، فهنا الحديث عن دخول الجنة فقط لا عن بلوغ أعلى مراتبها، أعلى مراتبها يحتاج إلى ذكر، وإلى استغفار، وإلى تفكر، وإلى فعل المعروف وترك المنكر، وإلى خدمة الخلق، وإلى الدعوة إلى الله، وإلى قيام الليل، وإلى صلاة الضحى، وإلى النوافل، طبعاً، فبين أن تدخل الجنة وبين أن ترقى إلى أعلى مراتبها هذا هو الفرق، لكن أنت لا تطالب عوام الناس بأعلى مراتب الجنة، هنا الغلط، حينما تحمل الناس جميعاً على أعلى درجاتها، قد يكون هذا تحميلاً لهم فوق ما يستطيعون، فإذا دعوت إلى الله فارفق بالناس، أي أعطهم الحد الأدنى، أعطهم ما يبلغهم الجنة، فإذا رأيت إنسان متشوِّق، متقد، عندئذٍ كلفه بالنوافل والقربات.
 فهذا الحديث تحت أي باب يصنَّف ؟ الحديث يصنف تحت باب الأحاديث التربوية، أي إذا أردت أن تدعو إلى الله عزَّ وجل، أن تلقي على الناس العِلم، ترفق بالناس، خذهم باليسير، بشِّر ولا تنفِّر، سدد وقارب، يسِّر ولا تعسر، طالبهم بالحد الأدنى، فإذا رأيت بعضهم مشتاقٌ للحد الأعلى فادفعهم إليه، فالنبي الكريم علمنا أن الحد الأدنى هو المطلوب وهو كافٍ لدخول الجنة، أما إذا أردت مراتبها، ما قال له: سيدي كم الزكاة، قال له ؟ عندنا أم عندكم ؟ قال له: ما عندنا وما عندكم ؟ قال له: عندكم اثنان ونصف في المائة، أما عندنا العبد وماله لسيده..

 

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) ﴾

 فنحن اليوم إذا تحدثنا عن النواحي السهلة، ليس معنى هذا أننا لا نريد العزائم، ولا نريد الهمة العالية، هذه الهمة العالية موقف شخصي، أما الموقف الذي يجب أن يُتَّبع أن تؤدي الفرائض، وأن تدع المحرمات، وأن تحل الحلال، وأن تحرم الحرام، فإن فعلت هذا دخلت الجنة، أما بلوغ أعلى مراتبها، هذا يحتاج إلى القربات..

 

 

((ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه... ))

 

( من صحيح البخاري: عن " أبي هريرة " )

تحميل النص

إخفاء الصور