وضع داكن
16-04-2024
Logo
الخطبة : 0187 - ذكرى المولد2 - عدالته صلى الله عليه وسلم - خاصة الإنتباه والإعتياد في الدماغ .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا لرُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر، ما اتَّصَلَت عين بنظر، وما سمعت أذنٌ بِخَبر.
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير.

مولد سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم :

أيها الأخوة المؤمنون، لازلنا في موضوع مولد سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم علينا أن نجعل الرسول قدوة لنا في كل حركاتنا
يا سيّدي يا رسول الله، يا مَن كانت الرّحمة مُهجتَكَ، والعدل شريعتك، والحبّ فطرتك، والسموّ حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
أيها الأخوة المؤمنون، تحدَّثتُ في الأسبوع الماضي عن طرفٍ يسيرٍ من رحمته صلى الله عليه وسلّم، وقلتُ لكم: ليس الاحتفال بذكرى المولد أن نسْمعَ الأناشيد، وأن نأكل ما لذَّ وطاب، وأن نقيم الزينات، ولكنّ الاحتفال الحقّ بِذكرى المولد النبويّ الشريف يعني اقتفاء أثره، واتّباع سنّته، والاهتداء بِهَديِهِ، وجعلهِ صلى الله عليه وسلّم قُدوةً لنا في كلّ حركاتنا، وسكناتنا، في أعمالنا، في بيوتنا.

عدل النبي عليه الصلاة والسلام :

اليوم أيّها الأخوة، الحديث عن العدْل الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ذاتَ يومٍ تقدَّم منه أعرابيّ، وسألهُ مزيدًا من العطاء، وقال في غِلظَة: اعْدِل يا محمَّد - صلى الله على سيّدنا محمّد- فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أنّه تبسَّم وقال: ويْحَكَ، مَنْ يعْدِل إنْ لمْ أعْدِل؟ مَنْ في الأرض رجلٌ أحقّ بالعَدْل مِنِّي؟ مَن يعدِل إن لم أعْدِل؟ دينُ العَدل، دينُ الرّحمة، دينُ القِيَم، ويْحَكَ يا أعرابيّ من يعدلُ إن لم أعدل ؟
أمرنا الرسول أن نتقصى العدل في تعاملنا مع أبنائنا
أيها الأخوة المؤمنون، الرحمة مَوضوع الخطبة السابقة، والعَدل موضوع هذه الخُطبة، شيئان متكاملان، ولا يصْلُح أحدهما من دون الآخر لا يصْلُح العَدل من دون الرّحمة، ولا تصلحُ الرحمة من دون العَدل، العَدل من دون رّحمة فيه قَسْوةٌ بالغة، والرّحمة من دون عَدلٍ فيه فسادٌ عريض.
النبي عليه الصلاة والسلام قال لهذا الأعرابي: ويْحَكَ يا أعرابيّ من يعدلُ إن لم أعدل؟ النبي عليه الصلاة والسلام أمرَنَا أن نتقصّى أدقّ جُزئيّات العَدل، أمرَنا أن نعدِل في أولادنا في القُبَل، أن تقبِّلَ ولدًا دون ولد في سِنٍّ واحد، إنّ هذا يجْرحُ الثاني، على هذا المستوى أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام، الله سبحانه وتعالى جعل شرْط العدالة في تعدُّد الزوجات شرطًا أساسيًّاً، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾

[ سورة النّساء: 3]

عندما تضرب طفلك اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه
أيها الأخوة لمؤمنون، النبي عليه الصلاة والسلام لِحِرصِهِ الشّديد على إقامة العَدل التامّ في كلّ أحكامه، كان إذا مالَ قلبهُ إلى جهة أخرى، كان يدعو ربّه ويقول: "اللهمّ هذا قسمي فيما أمْلك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك"، إلى هذه الدرجة حُبُّه للعدالة كان يجعلهُ أشدّ الناس خوفًا من الله عز وجل، أرسَلَ غلامًا له في حاجةٍ فغابَ وقتًا طويلاً، يزيدُ عن نصف نهار، فلما عاد أخذ النبي عليه الصلاة والسلام من الغضب ما يأخذ كرام البشر، وكان في يده سواك فأمسك بالسّواك، ولوَّحَ به للغلام وقال له:

((والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك))

[ورد في الأثر]

ماذا يفعلُ السّواك ؟ أيُؤلِمُ رضيعًا؟، لولا خشيةُ القصاص لأوجعتك بهذا السّواك، مرَّ عليه الصلاة والسلام على صحابيّ يضربُ غلامًا له، هو أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه، قال

((..اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ..))

[مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ]

لا تنسى الواحد الدّيان .

 

تقصّي النبي العدل في علاقاته الخاصّة والعامّة :

أيها الأخوة المؤمنون، تقصّى النبي عليه الصلاة والسلام في علاقاته الخاصّة، وفي علاقاته العامّة أقصى درجات العدالة، وهذه سنّته المطهّرة التي أُمرنا أن نقتَدِيَ بها، النبي عليه الصلاة والسلام كما قال بعض العلماء تخلّق بأخلاق الله تعالى، الله سبحانه وتعالى يقول عن نفسه:

(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

آيةٌ تؤكِّدُ هذا المعنى، وهي قول الله عز وجل مُخاطبًا سيّدنا داود في قوله تعالى:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

كان النبي يتقصى العدل في علاقاته الخاصة والعامة
إنِّي حرَّمتُ الظّلم على نفسي، وجعلتهُ بينكم محرَّمًا فلا تظالموا، ينهانا الله عز وجل عن أن نظلِمَ ولدًا دون ولد، عن أن نُعْطِيَ ولدًا دون ولد، أحدُ أصحاب رسول الله جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله: اشْهَد على أنِّي نحلْتُ ابني هذه الحديقة، قال أنَحَلْت كلّ أولادك حديقةً؟ قال: لا، قال: أشْهِد غيري فإنِّي لا أشهدُ على زَوْر.
نهانا ربّنا سبحانه وتعالى ونهانا النبي عليه الصلاة والسلام على أن نظلِمَ ولدًا، على أن نُحابيَ ولدًا، عن أن نعطِيَ ولدًا دون ولد، عن أن نحرِمَ البنات من الميراث، بِدَعْوى جاهليّة أنّ هذا المال سيذهبُ إلى الغريب‍‍!! هذا تغييرٌ لشَرع الله عز وجل، الله سبحانه وتعالى يقول:

(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تَظَالموا ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

أحاديث في مغبّة الظّلْم :

النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أحاديث كثيرة في مغبّة الظّلْم فقال عليه الصلاة والسلام:

((اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ]

الظلم ظلمات يوم القيامة
لا تستخدِم أجيرًا، وتحمّله فوق ما يطيق، لا تحمّلهُ فوق ما يُطيق إذا عرفْت أنّه لا سنَدَ له، لا تُعْطِه أقلّ مِمَّا ينبغي، لا تحمّله أكثر مِمَّا يحتمل، لو لم يكن لهذا الذي عندك سنَد فالله سبحانه وتعالى سندهُ، رجلٌ كان يطوف بالبيت العتيق ويقول: ربّ اغفر لي، ولا أظنّك تفعلُ! سمِعَهُ أحدُ الحجّاج المعتمرين، قال له: وَيحكَ يا فلان، ما أشدَّ يأسكَ من رحمة الله تعالى! قال: ذَنبي عظيم، دخلتُ إلى بيتٍ فقتلتُ الرّجل، وطلبْتُ من المرأة أن تعْطِيَني كلّ ما عندها، فأعطَتني سبعة دنانير، فقتلْتُ ولدها الأوّل، فلمّا رأتْني جادًّاً في قتل الثاني أعطَتني دِرْعًا مُذْهبة، أعجبتني، تأمَّلتُ بها، فلمَّا قرأتُ عليها بيتَين من الشِّعْر وقَعْتُ مغْمِيًّا عليّ:

 

إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *

على القاضي أن يتحرى العدل في الحكم بين الناس
لِشِدّة خوف النبي عليه الصلاة والسلام من عدالة الواحد الدّيان، قال:" القضاة ثلاثة: فقاضٍ في الجنة، وقاضيان في النار، قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاضٍ عرف الحق فلم يقض به فهو في النار، وقاضٍ لم يعرف الحق فحكم أو فقضى فهو في النار"، وقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))

[ أحمد عن عائشة]

تَرْوي بعض الكتب أنَّ حجرًا ضجَّ إلى الله عز وجل بالشَّكْوى، قال: يا ربّ، عبدْتك خمسين عامًا، ثمَّ وَضَعتني في أسّ كنيف، قال: تأدَّب يا حَجَر إذْ لمْ أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم، النبي عليه الصلاة والسلام لِمَعرفته بِعَدالة الله، وبأنّ الذي يأخذ ما ليس له، وبأنّ الذي يظلم الناس لا ينْجو من عقاب الله الأليم، قال:

((ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، يقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))

[الترمذي وأحمد في مسنده عن أبي هريرة ]

المؤمن يتقصّى أدقّ مناحي العدالة :

أيها الأخوة المؤمنون، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ))

[ البخاري عن أنس]

على المؤمن أن يتقصّى أدقّ مناحي العدالة
المؤمن الحقّ إلى جانب الحقّ ولو كان هذا على حِساب ولده، لا تأخذهُ في الله لَومة لائم، أمثلةٌ بسيطة منتزعة من حياتنا اليوميّة، قد يتشاجرُ ابنك مع ابن الجيران، ويُعرف المؤمن من غير المؤمن بإصدار حُكمه على هذا، فالأب الجاهل و الأمّ الجاهلة تنحازُ إلى ابنها، والأمّ المؤمنة والأب المؤمن يستمعُ إلى الطَّرفين، وقد يأخذُ على يد ابنه، وقد يكيلُ لابنه الصاع صاعَين، يجبُ ألا تأخذك في الله لومة لائم، يُروى أنّ سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه، كان في مجلس عمر رضي الله عنه، فدخل رجلٌ من عامّة الناس يشكو الإمام عليّ كرّم الله وجهه، فقال سيّدنا عمر: يا أبا الحسَن قُم من جانبي، وقف جانب الرّجل، لئلاّ يكون هناك تفرقةٌ بينهما، فإذا بالإمام عليّ كرَّم الله وجهه يتغيّر لونهُ، وقضى عمر بينهما، وقضى على هذا الرّجل، قال عمر: يا أبا الحسَن، أوَجَدْت عليّ؟ قال: نعم، قال ولِمَ؟ قال: لِمَ قلتَ لي يا أبا الحسَن ولم تقل لي يا عليّ ؟ لقد ميَّزْتني عنه!! هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كانوا يتقصَّون أدقّ مناحي العدالة.
أيها الأخوة المؤمنون، قال عليه الصلاة والسلام:

(( أوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء))

[ صحيح عن ابن مسعود]

مِن حقّ المسلم عليك أن تكون معه إذا أصابتْهُ شِدّة :

من حقّ المسلم عليك أن تكون معه إذا أصابتْهُ شِدّة
لقد حذَّرنا النبي عليه الصلاة والسلام من أن نقف موقف المتفرّج بينما تُؤخذ الحُقوق، وتُنْتهكُ الأعراض، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يقفنّ أحدكم موقفًا يُقتلُ فيه رجلٌ ظُلمًا، فإنّ اللَّعْنة تنزلُ على كلّ من حضر))

[ الترغيب و الترهيب عن ابن عباس]

أيها الأخوة المؤمنون، مِن حقّ المسلم عليك أن تكون معه إذا أصابتْهُ شِدّة، أو إذا أصابهُ ظلم.

 

 

 

الإشارة بالسّلاح تستوجبُ العقاب :

 

 

أيها الأخوة المؤمنون، النبي عليه الصلاة والسلام جعَلَ مجرّد التهوين، أو الإشارة بالسّلاح بآلةٍ حادّة مؤذِيَة عملاً يستوجبُ العقاب، واللَّعْنة من أشار إلى أخيه بِحَديدة فإنّ الملائكة تلعنهُ حتى يضعها
يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري لعلّ الشيطان ينزعُ في يده))

وقال أيضًا:

(( من أشار إلى أخيه بِحَديدة فإنّ الملائكة تلعنهُ حتى يضعها ))

[البخاري عن أبي هريرة]

أيها الأخوة المؤمنون، هذه العادات الباليَة ؛ أي استخدام بعض الأسلحة في الأعراس، إطلاق العيارات الناريّة في الأعراس، ما أكثر الحوادث التي ذهبَ ضحِيَّتها أُناسٌ أبرياء لا جريرة لهم إلا لِطَيشٍ، أو لعادةٍ جاهليّة، أهكذا الفرَح؟ من أجل أن تفرح تُزْهِقُ نفسًا إنسانيّة لا ذنبَ لها!! النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا:

((لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري لعلّ الشيطان ينزعُ في يده))

[البخاري عن أبي هريرة ]

نهي النبي عن العدوان على الأعراض :

أيها الأخوة المؤمنون، والعُدْوان على الأعراض، نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، جاءهُ رجلٌ أعرابيّ قال له: يا محمّد اِئْذَن لي بالزنا! أصحابُ النبي عليه الصلاة والسلام كادوا يثِبون عليه، ما هذه الوقاحة؟ ما هذه الجُرأة؟ ما هذا الخرْق للحياء؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام كان طبيبًا، قال:

(( يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا : مهْ مَهْ. فقال: "ادنه" . فدنا منه قريبًا فقال اجلس . فجلس، قال : "أتحبه لأمك ؟" – حوار- قال : لا والله، جعلني الله فداك . قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم" . قال : "أفتحبه لابنتك" ؟ قال : لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك . قال : "ولا الناس يحبونه لبناتهم"، قال : "أتحبه لأختك"؟ قال : لا والله، جعلني الله فداك . قال : "ولا الناس يحبونه لأخواتهم"، قال : "أفتحبه لعمتك" ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك . قال : "ولا الناس يحبونه لعماتهم" قال : "أفتحبه لخالتك" ؟ قال : لا والله، جعلني الله فداك . قال : "ولا الناس يحبونه لخالاتهم ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 نهي النبي عن العدوان على الأعراض
أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى حُقوق الآخرين، هذا الشاب الذي يُسْمِعُ فتاةً في الطريق كلامًا لا فائدة منه، هذا الشابّ الذي يتحرَّش بِفَتاةٍ تجري أمامه، ما موقفهُ لو كانت هذه أُختهُ ؟ لَصَعَدَ الدّم إلى رأسه، عامل الناس كما تحبّ أن يُعاملوك.
لو طبَّقنا هذه القاعدة لحُلَّت كلّ مشكلتنا، عامل الناس كما تحبّ أن يُعاملوك.
أيها الأخوة المؤمنون، من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام قوله صلى الله عليه وسلّم:

(( ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به"))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

نهي النبي عن العدوان على الأموال :

تحدَّثنا عن العُدوان عن الدّماء، على الأنفس، وعن العدوان على الأعراض، وها نحن نتحدّث على العدوان على الأموال، إنّ الله تعالى طيّب لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وإنّ الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة المؤمنون:51]

وقال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

[ سورة البقرة:172]

نهي النبي عن العدوان على الأموال
ثمّ ذكر أنّ الرجل يُطيل السَّفر أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدهُ إلى السماء يقول: يا ربّ، يا ربّ، ومطعمهُ حرام، ومشربهُ حرام، وملبسهُ حرام، وغذيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟
والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا ألا نُعْجَبَ بالأموال الطائلة إذا جُبِيَتْ من حرام، قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُعْجبنَّك جامعُ المال من غير حِلِّه فإنّه إن تصدَّق به لمْ يُقبل، وما بقيَ كان زادهُ إلى النار))

[حديث السراج برواية الشحامي عن ابن عباس ]

أيها الأخوة المؤمنون، هذه نبْذةٌ عن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام عامَلَ أزواجه بالعَدل، وعامل أولاده بالعَدل، عامل أصحابهُ بالعَدل، أمرَنَا أنْ نعْدِلَ حتى في القُبَل، أُريد أيّها الأخوة المؤمنون أن تعلموا علْم اليقين أنّ الاحتفال بعِيد المولد يعني اقتفاء أثره صلى الله عليه وسلّم، والاقتداء بسُنّته، والاهتِداء بِهديِهِ، وأن يكون هذا النبي الكريم أُسْوةً لنا، وقُدوةً حسنة، ومثلاً أعلى في تعاملنا، والمسلم الحقّ هو الذي يلتزمُ عند حدود الله عز وجل.

الصحابيات زمن النبي صلى الله عليه و سلم :

أيها الأخوة المؤمنون، يتحدَّث الخطباءُ دائمًا عن محبّة النبي عليه الصلاة والسلام في مناسبات المولد النبويّ الشريف، وقد وقفْتُ على قصّة والله الذي لا إله إلا هو لولا أنّها وقعَت، ولولا أنّ الخَبَر صادق، ولولا أنَّها وردَت في الصّحاح، لما يمكن أن تصدّق، امرأة من الأنصار بلغَها مقْتَلُ أبيها، وأخيها، وزوجها في معركة أحُد، إنَّ أيّ خبرٍ تسمعهُ المرأة من فقْد أيّ واحدٍ من هؤلاء كافٍ أن يصْعقهُا، مَقتلُ زوجها، ومَقْتلُ أبيها، ومَقْتلُ أخيها، الخنساء مات أخوها، أبْكَت الناس جميعًا، جُمِعَ شِعرها في دواوين، كلّ هذا الشِّعْر في رثاء أخيها صَخر.
ألا لا إيمان لمن لا محبة له لرسول الله
أُبْلِغَت هذه المرأة أنّ أباها وأخاها وزوْجها اسْتُشْهِدوا جميعًا في معركة أُحُد، ماذا قالَت؟ قالتْ: ما فعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أريد رسول الله، ماذا حلَّ به؟ وقال علماء البلاغة: لو أنّ هذه المرأة تحمِلُ أعلى درجة في الآداب لما تمكَّنَتْ من التلفُّظ بهذه الكلمة، لم تقل: هل مات رسول الله؟ ولكن قالَتْ: ما فعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ لأنّ الفِعْل من لوازم الأحياء، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قِمَمًا في الأدب الرّفيع، سيّدنا العباس عمّ رسول الله، سألهُ أحدهم أيُّكُما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مِنِّي وأنا وُلِدْتُ قبلهُ! هذه المرأة لمْ تقل: ماتَ، لم تقل اسْتُشهد، قالَتْ: ما فعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أي أرادَت التحقّق من سلامته وبقائِهِ، وعبَّرَتْ عن ذلك تأدُّبًا لأنّ الفعل يستلزم الحياة، قالوا: خيرًا، هو بِحَمد الله كما تحبِّين سالمٌ منصور مظفّر، قالَتْ: أُريد أن أراه، فما زالَت تقتحِمُ الصُّفوف حتى وقعَتْ عينها على الرسول عليه الصلاة والسلام، عندها قالت: كلُّ مصيبةٍ بعدك جَلَلٌ يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هكذا كانتْ الصحابيّات، هكذا كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ألا لا إيمان لمن لا محبّة له.
أيها الأخوة المؤمنون، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الانتباه و الاعتياد في الدماغ :

أيها الأخوة المؤمنون، ربّنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة إبراهيم:34]

لم يقل نِعَمَ الله، نعمةٌ واحدة، لو ذهبتم طوال عمركم إلى تعداد خيراتها لا تُحصون ذلك، إن كنتم عاجزين عن إحصاء خيرات نعمةٍ واحدة فأنتم عن شُكرها أعْجَز.
مَن مِنَّا يُصدّق أنَّ في الدّماغ البشري خصائص لو فقِدَت إحداها لكانَتْ حياتنا جحيمًا، من هذه الخصائص خاصّة الانتباه وخاصّة الاعتياد، خاصَّتان متناقضتان، قالوا: الانتباه، الإنسان يركّز انتباهه على مفهومٍ واحد في وقتٍ واحد، تجربة بسيطة، ضَع آلة تسجيل على النافذة، واجْلس مع أخٍ، وتحدّث معه في موضوع دقيق مهمّ، نصف ساعةٍ من الزّمَن، وبعدها قلْ: ما الذي جرى في الطريق؟ تقول: ما سمعتُ شيئًا، افْتح المسجّلة تسمعُ أصواتًا، وباعةً، وحوادث، وصياح، كلّ هذه الأصوات أنت ما سمِعتها، ما تفسير ذلك؟ الصّوتُ دخل إلى الغرفة، ولامسَ غشاء الطّبل، واهتزّ غشاء الطّبْل، ونُقِلَ الصوت إلى الدّماغ وأنت لم تسمعهُ‍! قال: هذه الظاهرة اسمها الانتباه، أي أنّ الإنسان يركِّزُ انتباهه على مفهومٍ واحد، في وقتٍ واحد، العلماء سمُّوا هذه الظاهرة الوَعي الانتقائي، فالدّماغ يغلق جميع منافذ المعلومات التي لا علاقة لها بالموضوع المَعنيّ، هناك منْفذ السَّمْع، ومنفذ البصَر، ومنفذ الإحساس، كلّ هذه المنافذ تُغلق، ويبقى الموضوع المَعنيّ مفتوحًا، ويسمحُ الدّماغ للذّكريات فقط ذات العلاقة بالموضوع.
خاصّة الانتباه والاعتياد خاصَّتان متناقضتان في الدماغ
كيف الدِّماغ يسدُّ كلّ منافذ المعلومات ويسمحُ فقط للمعلومات التي لها علاقة بهذا الموضوع؟ هذا الوَعيُ الانتقائي، الانتباه.
وقال العلماء: هناك حالةٌ أعقدُ من ذلك، هناك تركيزٌ دائم، فهذه الأمّ المرضِع، إنّ صوتَ بُكاء ابنها الرّضيع تنتبهُ له من بين أشدّ الأصوات صخبًا، لا يوقظها إلا صوتُ ابنها الرّضيع، قد يُغلقُ بابٌ، وقد يحدثُ ضجيجٌ، وهي نائمة لا تستيقظ، فإذا سمعَت صوت ابنها الرّضيع يبكي تهبّ واقفةً، ما تفسير ذلك؟ امرأة نائمة، أحْدِث صَوْتًا كبيرًا، تبقى نائمة وهذا الطّفل إذا بكى تستيقظ، تفسير هذه الحادثة علميًّاً صعب جدًّا، هذا الصّوت أشدّ ولم يوقظْها، قالوا: هذه حالةٌ أخرى، التركيز الدائم، فكلّ واحد بحَسب معلوماته، أحيانًا السائق له حساسيّة للصوت الطارئ لسيارته عجيب، ما هذه الحساسيّة؟ أي هناك تركيز دائم على بعض الموضوعات، الأمّ يوقظها صوتُ ابنها الرّضيع، صاحبُ الآلة يوقظهُ صوتٌ غريبٌ في الآلة، هذه الظاهرة اسمها الانتباه، لولاها لما أمكننا أن نفكِّر تفكيرًا صحيحًا، الطلاّب في الصفّ ينصرفون إلى أستاذهم، والأصوات خارج الصفّ لا تُحتمل، بِفَضْل خاصّة الانتباه، أنتم تركِّزون على ما أقول، وهناك أصواتٌ أخرى لا تُلقون إليها بالاً، هذه الظاهرة ظاهرةٌ تأخذ بالألباب.
الاعتياد هي خاصية في الدماغ تثبط التنبيهات
على عكس ذلك، لو أنّ إنسانًا يعملُ في معمل، لو أنّ هذه الأصوات تُحدثُ فيه تنبيهات مستمرّة لأصبَحَتْ حياتهُ جحيمًا لا يُطاق، لذلك يعتاد، صاحب الطاحون متى يستيقظ؟ إذا توقَّفَت الطاحون عن الصّوت، قالوا: هناك ظاهرةٌ معاكسة هي الاعتياد، وحتى هذه الساعة لا يعرفُ العلماء كيفيّة تثبيت هذه التنبيهات الصوتيّة، وإخمادها دون أن تصل إلى الدّماغ، لا أحدَ يعرف، هؤلاء الذين يعملون في المعامل ذات الضجيج العالي، هؤلاء الذين يعملون في المطارات، يعملون في الطواحين، لهم بيوت على شوارع مزدحمة، كيف ينامون؟ هناك خاصّة في الدّماغ ثانية تثبّط هذه التنبيهات وتخمدها، ولا توصلها إلى الدّماغ مركز التنبّه، وهذه الظاهرة اسمها الاعتياد، تجاهل المنبّه بعد مرور فترة معيّنة على الرّغم من استمراره.

نعم الله لا تعد و لا تحصى :

وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
شيءٌ آخر، هاتان الظاهرتان في الدّماغ لولاهما لأصبحَت حياتنا جحيمًا فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة إبراهيم:34]

نِعْمةُ الدّماغ، ونعمة التفكير، ونعمة التخيُّل، ونعمة التصوُّر، ونعمة المحاكمة، ونعمة التذكّر، ونعمة الإدراك، ونعمة الإحساس، ونعمة الانتباه، ونعمة الاعتياد، الانتباه أيْ التركيز، والاعتياد أي التجاهل، هاتان نعمتان من فضل الله علينا أودعهما فينا، ولولاهما لأصبحَت حياتنا جحيمًا.

الدعاء :

اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت، ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت، نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك
اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك، ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقّ والدِّين، وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور