وضع داكن
16-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 100 - حديث أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله – تحريم النميمة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد:


أيها الإخوة الكرام؛ حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, له أبعاد خطيرة في حياتنا، قبل أن أذكر نصّه أقول: 

المسلم بشكل أو بآخر, عنده تصورات للكبائر والصغائر، فلعل في أعماقه, تصور أن القتل من الكبائر، وأن السرقة من الكبائر، وأن أكل المال الحرام من الكبائر، وأن شرب الخمر من الكبائر، وأن الزنا من الكبائر، والتولّي من الزحف.

لكن يغيب عن معظم المسلمين, أن هناك أفعالاً في نظرهم صغائر، وهي عند الله كبائر، فالعبرة لا أن تتوهم أنت أن هذه صغيرة, العبرة أن يأتي تصورك وفق ما في الكتاب والسنّة.

أيها الإخوة الكرام؛ شيء يلفت النظر: 

في أي مكان في العالم الإسلامي؛ شرخ, بغضاء, وعداوات, وحسد، وخلافات، وطعن, يا رب ما هذا المرض؟.

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ, ثم قال: بلى, أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ, فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا, ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

((مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ, فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ)) هذا من إعلام الله له، ((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) النبي عليه الصلاة والسلام بشر مثلنا, لا يعلم إلا أن يعلمه الله، لقد أعلمه الله ليعلمنا، قال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ)) الصياغة رائعة في نظر الناس ((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) بلى إنه كبير، عند الناس ليس بكبير.

ما دام الإنسان لم يقتل، ولم يشرب الخمر، ولم يزنِ، هذه الكبائر، أما هذا الإنسان فيتكلم طوال الوقت, بشيء لا يرضي الله، دققوا: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِـنْ رِضْوَانِ اللَّهِ, لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ الـلَّهُ بِهَا في الجنة, وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ ]

(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، -قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْنِي قَصِيرَةً-, فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً، لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي ]

هل في البحر شيء يفسده؟. 

أحياناً: تصب عليه مياه سوداء، تسير في عرضه أكثر من خمسين كيلو مترًا، والبحر لا ينجس, يبقى طاهراً، أما أن تقول امرأة عن أختها قصيرة، فقال: ((لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً، لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ)) .

 

بعض أمراض المسلمين في هذا العصر:


كعادتي في هذا الدرس؛ درس الأحد: أحب أن أبين بعض أمراض المسلمين.  

1- سوء الظن:

المسلمون لا يتورعون عن الطعن في بعضهم, الطعن بالعلم، والطعن بالأمانة، ببساطة بالغة يتهم أخاه بسوء الائتمان.

(( أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أساءَ بِأخِيهِ الظَّنَّ فَقَدْ أساءَ بِرَبِّهِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ))

((ومن أساء الظن بأخيه كأنما ساء الظن بربه)) إذا كان الإنسان ملتزمًا, تعلم عشرين سنة, تشك في أمانته، إذاً: كيف تعامل أهل الدنيا, الذين لم يسمعوا كلمة حق؟ فضبط اللسان. 

2- النميمة:

 ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ, وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) في نظر الناس ((أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) النمام لا يدخل الجنة، يكفي أن تقول لزيد: فلان تحدث عنك، وقال: إنك لست أميناً, أحدثتَ شرخًا, فقبل أن تقول كلمة عدَّ للمليون، لعل هذه الكلمة من سخط الله، ولعلها تهوي في جهنم سبعين خريفاً، لمجرد أن تعتقد أن قولك من عملك. 

3- الغيبة:

يتوهم الإنسان أن العمل هو الحركة، أمسك، أخذ، ضرب، أعطى, هذا العمل، أما ما دام الكلام بكلام, فهذا كلام يا أخي, لا، ((وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)) .

 

ما يجب عليك فعله:


أيها الإخوة؛ كيف كان الحُب بين الصحابة الكرام؟ كيف كان الودّ بينهم؟.

كان هناك عالم جليل في الشام -رحمه الله تعالى- الشيخ بدر الدين الحسني, لا يجرؤ إنسان أن يتكلم أمامه عن إنسان, اسكت يابا, هكذا كانت لغته، أظلم قلبي اسكت, لو أخذ المؤمنون بهذا.

أنا لا أتكلم من فراغ، وأعلم علم اليقين أنه: في مجالس المسلمين غيبة ونميمة لا تنتهي، يطعن في فهمه، ويطعن في علمه، ويطعن في أمانته، وهو مرتاح، وقد يصل إلى دعاة كبار مرتاحًا، ماذا فعل؟ هدّم مثلاً أعلى.

غيبة ونميمة وسوء ظن.

 

البيان يطرد الشيطان:


طبعاً: ((رحم الله عبداً جبّ المغيبة عن نفسه)) النبي علّمنا أشياء مذهلة، النبي الكريم سيد الخلق، وحبيب الحق، كان يمشي مع زوجته صفية، فمرّ صحابيان, فقال عليه الصلاة والسلام: 

(( عَلَى رِسْلِكُمَا, إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ, فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ, فقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابن آدم مَجْرَى الدَّمِ, وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شراً ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ]

أنت مؤمن يجب أن تبين، أن توضح العلاقة، لماذا أتيت في هذا الوقت؟ لماذا دخلت إلى هذا البيت؟ يجب أن تبين، والبيان يطرد الشيطان، أنت مهمتك أن تبين، ((ورحم الله عبداً جبّ المغيبة عن نفسه)) .

مرة حدثني أخ, عنده سفر بوقت مبكر، ونسي بعض الوثائق في المحل التجاري، والوقت الساعة الواحدة ليلاً، فاضطر إلى أن يأتي إلى محله, الساعة الواحدة ليلاً، جاء للحارس، وبيّن له: أنا نسيت سندات في المحل، جئت لآخذها، أما أن يفتح إنسان محله الساعة الواحدة ليلاً, هناك مشكلة وشبهة.

مرة سيدنا معاوية سأل سيدنا عمر بن العاص, قال له:

يا عمر ما بلغ من دهائك؟. 

قال له: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه. 

قال له: لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً, أحتاج أن أخرج منه.

أنا لا أدخل إطلاقاً، أنت دخلت، وأحسنت الخروج، أما الأبلغ من هذا: ألاّ تدخل من هذا. 

 

أي علاقة يجب توثيقها.


هناك أشخاص ليس لديهم مشكلة، وعندهم وعي، عندهم ورع، كل شيء واضح، حساباته واضحة، علاقاته واضحة، اتفاقياته كلها واضحة، كلها بعقود، كلها موثقة.

وبالمناسبة: عندما المؤمن يقيّد الآخرين بعقود، منع عنهم الشيطان.

أقسم لي بالله أخ, قال لي: شخص عرض علي أن أكون شريكاً في مدرسة، وكان وضع المدارس سيئًا جداً, إلى درجة أنها تموت موتاً بطيئاً، مدرسة بضع عشرات من الألوف اشتروها، أحدهما دفع خمسة، والآخر دفع خمسة ثانية، قال لي: بعد حين: أصبح المبلغ قريبًا من عدة ملايين، فاجأني أنه أعطاني دفعة ودفعةً ودفعة, قال لي: قرضك انتهى, دخل شريكًا، فوجد نفسه مقرضًا, عندما ارتفع سعرها الشديد، والورع غير موجود، اتفاق شفهي، فأنت حينما تقوم باتفاق خطّي, توثّقه بالمراجع الرسمية، أنت ماذا فعلت مع أخيك؟ أنت حميته من الشيطان, حميته أن يأكل المال الحرام، قيّدته.

إخواننا الكرام؛ أتمنى أن أقول لكم كلمةً بدقة: إذا سرق أحد, فالإسلام يقطع يده، لكن هل تصدقون: أن الذي أغراه بالسرقة, لا يقلّ إثماً عنه؟ هذا قد لا يخطر في بالكم.

صاحب محل, عنده موظف، وله معاش محدود، الدرج فيه عشرات الألوف، تركه وسار، هذا وجد درجًا، ولا يوجد حسابات، وكل عُملة خمسمئة ليرة، أخذ عدة عملات، ووضعها في جيبه، وحلّ مشاكله بها، من الذي نقله من الأمانة للسرقة؟ صاحب المحل، لأنه ترك بين يديه صندوق الغلّة، وإيمانه ضعيف، وقوة انضباطه ضعيفة، فكل إنسان يقيد الآخرين بعقود، بوثائق، باتفاقيات مكتوبة مسجلة.

 

الجهالة سبب رئيسي للخصومات بين المسلمين.


أيها الإخوة؛ أنا ما وجدت سببًا للخصومات بين الناس غير الجهالة، ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام:

الجهالة في المعقود عليه, وبدله تفضي إلى المنازعة

فالنبي بيّن بكلمة: هذه زوجتي صفية، يقاس عليها مليون حالة, دفع لك مبلغًا، ويوجد حساب، خرجت صفراً, دون شيء، كلمة واحدة، ما قنع ولا استحى منك، تحدث عليك في غيابك، ما هذا بذمته؟ هذا ذمته قليلة، لماذا خرجنا صفراً؟ بيّن له الحساب، بين بالتوقيع، خذ توقيعه، اكتب وصلاً، اعمل عقدًا وثبته، هذا كله ينسحب على: هذه زوجتي صفية، بيّن، فإذا بينت فلا يوجد مشكلة، وإذا لم تبيّن فثمة مشكلة.

 

قصة طريفة جداً:


حدثني أخ؛ عنده محل تجاري، وتجارة أقمشة، فكلما نقل البضاعة, ينشأ مع من نقلها وحملها مشكلة عويصة، يطلبوا مبلغًا، ثم يطلبون ضعفه, ألم تقل خمسمئة؟ اتضّح أنها كمية كبيرة، اسأل فلانًا.

قال لي: مرة أحببت أن أعمل تجربة، ففي نقل مجموعة أثواب, أحضر الذي ينقل البضاعة, قال له: عدّها، قال: لا، قال: عدَّها، عدها، وبإصرار واحدًا واحِدًا، فعدّها، قال له: احمل واحدًا، وثقّله، افعل كما أقول لك، حمل واحدًا، قال له: امش معي، مشاه الطريق كله، وصل للبناية الثانية, قال له: بالطابق الرابع ممنوع استعمال المصعد، وصل فوق، قال له: بآخر باب بالممشى، دق الباب, قال له: بالغرفة الداخلية على الرفوف, نقل البضاعة، بعد ما انتهى، طلب خمسمئة فأعطاه، قال له: معوضين، لم يتكلم ولا كلمة.

إذا قال له: كثر عدّها، إذا قال له: ثقيلة فقد ثقّلهم، الطريق طويل مشّاه إياه، رابع طابق، المصعد لم يستعمله، شعرنا بالتعب, قال له: ممنوع استعماله، بآخر الممشى.

أنت بحياتك العامة, كلما بيّنت, ليس عندك مشكلة، كل شيء بينه، لو أخذت مليون مشكلة بالأسواق, سببها الجهالة، ((الجهالة تفضي إلى المنازعة)) كل واحد يتصور شيء لصالحه.

 

بين وضح.


تاجر له جار بائع غرف نوم، وجد غرفة جميلة، قال له: ابعثها لي، والله شيء جميل ، قال له: أمرك يا جار، فأرسلها له، فبعث له عشرة آلاف وراء عشرة آلاف, أصبحوا مئة، يعتقد أنه انتهى، قال له: هذه ثمنها مئتان, أنت المخطئ، لأنك لم تسأله عن ثمنها، فما دامت الجهالة فيوجد منازعة، هذه قاعدة.

ففي علاقاتك مع الناس, والباعة مع المشترين، في بيعك, في شرائك، كل شيء وضحه, البيان يطرد الشيطان، هذا كله ينسحب على قول النبي: ((هذه زوجتي صفية)) أنت كمؤمن, مكلف أن تبين للآخرين, ما الذي حصل؟.

أذكر مرة: بائع جاءت إليه امرأة, فرحب بها ترحيبًا غير طبيعي، اشتقنا لك، أين هذا الغياب؟ وجلس في المحل رجل صالح من أهل العلم، تغيّر لونه، غير معقول, امرأة تستقبل هذا الاستقبال من بائع، أنا كنت جالسًا, قلت: لعلها أخته، توقعتها أخته، فلما ذهبت سألناه، فإذا أخته الشقيقة, لكن لو قال: هذه أختي –مثلاً- حلّت المشكلة. 

دخلنا إلى بيت مرة، قدم مناشف عليها اسم فندق، والله مشكلة, كيف أُخذت هذه؟ أين أمانته؟ أين ورعه؟ صار هناك مشكلة, لم يتكلم أحد, بعد سنة، بعد سوء ظن سنة, قال: يقدمون المناشف كل سنة للموظفين, قل هذا من زمان يا أخي، قل: نحن يقدمون لنا المناشف كل سنة، انتهت مشكلتك، فأنت بيّن؛ يوجد التباس, يوجد مشكلة، البيان يطرد الشيطان.

فالمؤمن الأول مكلف أن يبين، والمؤمن الثاني مكلف أن يحسن الظن.

((التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة)) فإذا في المجتمع أحد يبين, والآخر يحسن الظن فلا مشكلة، أما الملاحظ على مستوى الأسرة فثمة شرخ، على مستوى الحي شرخ، على مستوى الجامع شرخ، على مستوى السوق شرخ، من أين يأتي هذا؟ من النميمة، ((النمام لا يدخل الجنة)) محرم عليه دخول الجنة، تلاحظ أن المؤمن يخزن لسانه، لا يتكلم، لن أتكلم أي كلمة يوجد لها إشكال.

شخص أذنب، أنت أخوه، صديقه، أخوه في الله، إن قلت: هكذا فعل اغتبته، إن قلت: ماذا حصل له؟ أين عقله؟ أنت شمت به, إن قلت: يدبّر حاله، شاركته بالإثم، انظر كم كلمة تكلمت؟ أنت لم تفعل ذنب، أنت راقبت فاعل الذنب, فإن ذكرت هذا الذنب فقد اغتبته، وإن عيرته ابتليت به، وإن رضيت به فقد شاركته في الإثم.

 

محور الدرس معرفة الكبائر من خلال الكتاب والسنة:


فالإخوة الكرام؛ أهم شيء في الدرس اليوم: يجب أن تعرف ما هي الكبائر؟ ليس بتصورك بالكتاب والسنّة، ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) قال النبي الكريم: ما يعذبان في كبير في تصوركم.

الشيء الدقيق: أن الشيطان مستحيل أن يطلب منك أن تعبد صنماً، الشرك الجلي انتهى في العالم الإسلامي.

(( فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ, فَقَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ, أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي, فَيُزَيِّنُ صلاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ ))

[ أخرجه أبن ماجه ]

(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ, أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ: يَعْبُدُونَ شَمْسًا, وَلا قَمَرًا, وَلا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))

[ أخرجه الحاكم في مستدركه ]

فالشرك انتهى، لكن بقي أعمال تظنونها صغيرة.

كنت قد حدثتكم: أن الشيطان يأتي للإنسان فيأمره بالكفر، فإن وجده على إيمان يأمره بالشرك، فإن وجده على توحيد يأمره بالكبائر، فإن وجده على طاعة يأمره بالصغائر، فإن وجده على ورع يأمره بماذا؟ بالمباحات, فإن وجده على يقتات, يأمره بالتحريش بين المؤمنين.

لو حللنا دم أحد, تجد هناك كرية بيضاء، وكرية حمراء، وكرية غيبة ونميمة، أينما جلس يتكلم على الناس، يقتات غذاءه، إذا لم يتكلم على الناس لا يعرف النوم، هذه مشكلة كبيرة.

فهذا المغتاب النمام, يمزق العالم الإسلامي، وهذه مشكلة المسلمين، شيء مؤلم جداً، حتى في بلاد أوروبا وأميركا, أمراضهم في المشرق, نقلت معهم إلى الغرب, هذا الجامع للجماعة الفلانية، وهذا الجامع للجماعة الفلانية.

في أميركا قبلتين؛ قبلة إلى مكة مباشرة، وقبلة عبر المحيط الهادي، تختلف الزوايا ويتصارعون، ورمضان يبدأ في أيام ثلاثة، جماعة يصومون السبت، وجماعة الأحد، وجماعة الاثنين، هذه أمراض المسلمين في مشرقهم, نقلت إلى مغربهم، هذه مشكلة المشاكل، هذا كله من ضعف الإخلاص، لو أخلصنا جميعاً لاجتمعنا على الله, قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

[ سورة الحجرات ]


أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ...


لاحظ نفسك جالس، جاء أخوك, قال لك: كيف حالك مع فلان؟ قال: لا شيء, قال: كيف لا شيء؟ تحدث عليك البارحة, وتقول: لا شيء؟ قال: إنك أكلت له ماله؟ هو قال هكذا؟ نعم والله, ويوجد شهود، أنت لم تفعل شيء أبداً، لكن ماذا فعلت؟ هززت أركانه، أصبح حقودًا ، كل كلمة نميمة تسبب شرخًا بين اثنين، فإذا كان المسلمون يمشون بالنميمة, معنى هذا: أنهم متفرقون, قال تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[ سورة الأنفال ]

 

ما الذي يحجبك عن الله؟.


أيها الإخوة؛ عندما تنضبط بلسانك, تراقب الله عز وجل, لا تتكلم كلمة تسيء إلى إنسان, تشعر أنك مع الله دائماً.

يقول لك: أصلي ولا أشعر باتصال بالله، صحيح, لأن استقامتك في الكبائر، أما الذي اتهمته بالصغائر أيضاً, هو من الكبائر، حجبك عن الله, لا يدخل الجنة نمام.

فالنميمة صغيرة أم كبيرة, هي مثل الزنا، لا يوجد أحد ناج من لسانك, كله تسفّه به, كله تطعن فيه، إلى متى؟. ((وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)) .

سيدنا أبو حنيفة النعمان -رحمه الله تعالى- إذا حلف يمينًا صادقًا, يعاقب نفسه, يدفع دينار ذهبي صدقة, ألم يقل الله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) لا داعي لأن تحلف يمينًا في كل مناسبة، فإذا أخطأ، وحلف يمينًا صادقًا، لم يكذب، لكن لا داعي لليمين، يدفع دينارًا ذهبيًا جزاء حلفه اليمين، إذْ أمرنا الله أن نحفظ أيماننا.

 فكل واحد منا إذا عامل الله بهذه الطريقة، أنا أخطأت وقلت كلمتان, يجب أن أدفع صدقة، لا أملك ذلك أصوم، عندما أصوم يومًا بكامله, لأنه تكلم عن إنسان, يشعر بنفسه أن الأمور ترممت، الصدقة ترميم, قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .

هناك شيء آخر: هو غيبة القلب، قد تغتابه بقلبك وتأثم.

ذكرت أنا من مدة, يمكن في الدرس الماضي قصة رمزية، امرأة تغسل امرأة, فاتهمتها بزنا في قلبها, فالتصقت يدها بجسم الميت، لم يتمكن أحد من أن ينزعها, واختلفوا، وانقسم الناس قسمين، قسماً يرى أن يقطع من جسم الميت ليسيروا الأمر، وقسماً رأوا أن تقطع يد المغسلة، أصبحت اليد والجسم قطعة واحدة.

فعرض هذا على الإمام مالك, إمام دار الهجرة, فقال: ((اجلدوها ثمانين جلدة)) وفي الجلدة الثمانين فكّت يدها, لأنها اتهمتها بالزنا في قلبها.

أحياناً: تتهم إنساناً بقلبك، الله يحاسب عليه.

في بعض الكتب كالإحياء: الإمام الغزالي يذكر غيبة القلب، فأنت طهر قلبك من الغيبة. 

أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ, أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ

في رواية:

لا يستبرئ

وفي رواية:

لا يستتر

وفي رواية:

لا يتنزه

لكن لا يستتر هذا الذي يقضي حاجته أمام الناس في الطريق، كلكم يعلم: أن البول في الطريق يجرح العدالة، والعدالة من حقوق المسلم، المسلم له صفتان كبيرتان: 

الضبط والعدالة، الضبط صفة عدلية، والعدالة صفة نفسية، فحينما يحدث الناس فيكذبهم, سقطت عدالته.

من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، وحرمت غيبته

 

قصة فيها عبرة:


حدثني أخ من جدّة, في موسم الحج, متزوج امرأة من دمشق, فكان بيني وبينه لقاء، راكب في مركبته, يسير في طريق عام، يوجد طريق فرعي, بدا منه شاحنة صغيرة, فهو خفف السرعة, على أمل أن يخرج هذا السائق بسيارته، الشاحنة الصغيرة بقيت واقفة، فلما رآها وقفت, تابع سرعته، فلما انطلق بأقصى سرعة, خرجت فجأة أمامه، واصطدما، ومات ثلاثة، المقتول بالحادث, ديّته مئة ألف ريال في الأيام العادية، في الحج مئتا ألف، على السوري حوالي سبعة ملايين أذهبها بثانية، سائق الشاحنة عندما جاءت الشرطة قال لهم: والله أنا السبب, هذه الكلمة ثمنها مئة مليار, هو خفف سرعته عندما رآني، فأنا أخطأت, بعد ما اطمأن أنني وقفت خرجت، هذه كلمة حق.

هذا من عامل الناس فلم يظلمهم, كم دعوة كيدية يوجد؟ ((من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته)) .

 

ما الذي يجرح عدالة الإنسان؟.


أيها الإخوة؛ من بال في الطريق, لا أقول سقطت عدالته، ولكن جرحت عدالته, من أكل في الطريق جرحت عدالته، من أطلق لبرذونه العنان وأسرع جرحت عدالته، من أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته، من تنزه في الطرقات جرحت عدالته، من بال في الطريق جرحت عدالته، من علا صياحه في البيت جرحت عدالته، من كان حديثه عن النساء جرحت عدالته، من طفف بتمرة جرحت عدالته، من أكل لقمة من حرام جرحت عدالته.

المؤمن إنسان كبير عند الناس، هذه أشياء يفعلها معظم الناس، أما المؤمن لا يفعل من هذا شيئاً، حافظ على الضبط والعدالة.

 

وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لا يَستبِرئُ مِنْ بَوْلِهِ...


بالمناسبة: المرضى بأمراض القذارة ثلاثمائة مليون إنسان في العالم، ((لا يَستبِرئُ مِنْ بَوْلِهِ)) البول مادة سامة، الأمراض كثيرة والمسلمون معافون منها: 

أولاً: أمراض القذارة. 

ثانياً: مرض الإيدز.

هذا المرض في أفريقيا, نسبته عالية جداً, وفي العالم كله، يتضخم بسلسلة انفجارية.

نحن درسنا سلسلة حسابية, وعددية, وهندسية، عددية: واحد, اثنان, ثلاثة, أربعة، هندسية: اثنان, أربعة, ثمانية, ستة عشر, اثنان وثلاثون, أربعة وستون، الآن: ظهرت سلسلة ثالثة: سلسلة انفجارية, صعب أن تتوقع الرقم.

مرة كنت أُعدّ خطبة عن الإيدز, الإحصاء كان سبعة وثلاثين مليون مقدّر لعام ألفين, تفاجأت, فالرقم قبل سنة الألفين, كان ستةً وخمسين مليون مصابون بالعالم.

هذا المرض الوقاية منه سهلة جداً بالعفة، وإذا كان نُقل المرض حتى الآن: هو مرض مميت، فأمراض القذارة المسلمون معافون منها.

أذكر مرة أن السّويد تفوقت بالتمرينات الرياضية، فيبدو أن العلماء بالغوا بالتمرينات, فحدثَ هناك منعكس إجهاد للقلب، فعقدوا مؤتمراً، وطلبوا من كبار العلماء, أن يصمموا تمرينات رياضية, يفعلها كل الناس صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، بالأعمار كلها، والأوقات كلها، والأماكن كلها، فصمموا تمرينات رياضية, تشبه الصلاة تماماً.

إذا صلى الإنسان صلاة متقنة, دون أن يشعر, قام بتدريبات رياضية دقيقة جداً، وتعلمون أن الدم يتباطأ في أطراف الجسم، يتباطأ تباطؤاً شديداً، لذلك: أكثر الأماكن التي تصاب بمرض الغرغرين أصابع القدمين.

النبي علّمنا أن نخلل الأصابع بالوضوء، فالتخليل ينشط الدورة الدموية، فقلما يصاب إنسان يصلي بالغرغرين، ما دام هناك غسل للقدم خمس مرات، وكل مرة تخليل أصابع، يوجد حركة تحريض الأوعية على ....

عندما يتوضأ الإنسان بماء بارد, يتورد وجهه, السبب: الماء البارد نبّه الأوعية المحيطية, فتوسعت اللمعة, فجاء الدم أكثر.

في الإنسان أشياء عجيبة: إذا سار في جو بارد جداً, يصبح أنفه أحمر قانياً، ما تفسير ذلك؟ أن الهواء قد يكون تحت الصفر بعشرين, فاستنشاق الهواء بهذه البرودة خطر على صحة الإنسان، فأوعية الدم لها خاصة عجيبة، بأن لها عضلات دائرية, تتوسع لدرجة ضعفين أو ثلاثة، فإذا كان البرد شديداً تتوسع، ويأتي الدم الساخن بكميات غزيرة, يلطف الأنف كله، يدخل الهواء دون الصفر بعشرين درجة للقصبة باعتدال. ففي الإنسان أجهزة عجيبة جداً.

على كل؛ الأمراض التي عوفي منها المسلمون, لا تعدّ ولا تحصى، هناك مرض انقلاب الرحم، علاجه: تمرينات تشبه الصلاة تماماً.

 

إلا المصلين.


أيها الإخوة؛ تجد ظاهرة؛ إنسان ارتفع ضغطه إلى اثنين وعشرين درجة, لم يصبه شيء, شخص آخر ضغطه ثماني عشرة درجة, معه خثرة في الدماغ انفلج، ألا يوجد قاعدة؟ اثنان وعشرون لم يصب بشيء، وثماني عشرة درجة أصيب بشيء.

العلماء قالوا: كل إنسان يصلي, بالنهار لدينا كم ركعة؟ الصبح ركعتان، والظهر أربع ، والعصر أربع، عشر، والمغرب ثلاث, والعشاء أربع، اثنان، ستة، وثلاثة، تسعة، تقريباً يوجد ثلاثون ركعة, ضرب اثنين, أربع وستون ركعة, فأربع وستون مرة, تنحني للأسفل, فيهجم الدم للدماغ، يوجد احتقان، ثم تعود, فيرجع الضغط.

هذه العملية احتقان الأوعية بالدم، ثم فراغها من الدم، أربع وستون مرة, تقوم بشيء اسمه:

المرونة في الأوعية الدماغية، يصبح الوعاء مرناً مثل المطاط، فلو ارتفع الضغط فجأة إلى الاثنين والعشرين لم تصب بشيء, أما إذا كان لا يصلي فأوعيته غير مرنة، إذا ارتفع الضغط للثمانية عشر انفجر الوعاء، وسبب خثرة بالدماغ، هو وحظّه، بمحل يفقد بصره، بمحل يفقد ذاكرته، بمحل يفقد حركته، فكم هي الصلاة مصممة من خلال خالق الكون, على أن تكون تدريباً, وتلييناً, وتنشيطاً للدورة الدموية؟.

 

درهم وقاية خير من قنطار علاج: الحجامة.


أيها الإخوة؛ أكثر من ثلاثين حديثاً في الصحاح عن الحجامة.

الحجامة أخطر معمل في الجسم, هو معمل كريات الدم الحمراء، هذا في نقي العظام ، هذا المعمل ينتج كل ثانية اثنين ونصف مليون كرية, بدأ الدرس الساعة السابعة والربع، والآن مضت أربعون دقيقة، بالثانية اثنان ونصف مليون، الدقيقة ضرب ستين، الخمسون دقيقة ضرب خمسين, كم مليون كرية صنعت أجسامنا في هذا الدرس فقط؟.

هذا المعمل الذي يصنع كريات الدم الحمراء لنقل العظام, أحياناً: يقف عن العمل، فيصاب الإنسان بمرض اسمه: فقر الدم اللامصنّع، هذا مرض مميت, لا يوجد حل, إلا أن يأخذ الدم كل أسبوع بكميات كبيرة إلى أن يتوفاه الله.

هذا المعمل: معمل كريات الدم الحمراء, صيانته في نقص الدم المنتظم مبرمج, كلما نقص الدم يضاعف الكمية، فحتى يصان هذا المعمل، ويحفظ من التوقف, لا بد من إنقاص الدم بشكل منتظم، فالحجامة إنقاص دم بشكل منتظم، فيحسّ خلايا هذا المعمل على النشاط.

 

من توجيهات النبي:


النبي وجه توجيهات -اللهم صل عليه- في وقتها, لا في عصره، ولا بعد ألف وأربعمئة سنة من بعثته, يوجد جهة علمية في الأرض, عندها القدرة لتفهم توجيهاته النبوية، أما الآن: تكشف هذه التوجيهات واحدةً واحدة، أشياء دقيقة جداً.

النبي أمر أن نذبح الدابة من أوداجها، وأن يبقى الرأس عالياً، الآن: كل مسالخ العالم يعلقون الدابة من أرجلها, ويقطعون رأسها كلياً، تجد اللحم أزرق قاسياً، لحم المسلمين لونه فاتح وطري، السبب: عندما ذبحنا الدابة من أوداجها, وبقي الرأس متصل، القلب مهمته بعد الذبح: إفراغ الدم, فإذا قُطع الرأس, فالقلب يتلقى أمراً ثمانين ضربة في الدقيقة, من مراكز كهربائية في القلب, أما الأمر الاستثنائي بالمئة والثمانين ضربة, هذه تأتي من الكظر عن طريق الدماغ، فلو قطع الرأس انقطعت الأوامر الاستثنائية، فثمانين ضربة يخرجوا ربع الدم فقط، ويبقى ثلاثة أرباع الدم في الدابة، أما المئة والثمانون ضربة فتخرج الدم كله.

فالنبي قال بهذا المعنى تقريباً: ((إذا ذبحتم الدابة, فاذبحوها من أوداجها، ولا تقطعوا رأسها بهذا المعنى)) هذا التوجيه يمكن من قبل عشرين سنة, حتى فُهم حكمة هذا التوجيه, فكل شيء النبي ذكره ليس من ثقافته، بل من وحي الله له.

 

وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لا يَسْتَبرُئُ مِنْ بَوْلِهِ...


وفي رواية: ((لا يستتر من بوله)) وفي رواية: ((لا يتنزه من بوله)) فرجل خلع ثيابه أمام النبي, واغتسل, كان أجير يعمل شيء, قال له: ((أراك لا تستحيي من ربك, خذ إجارتك, لا حاجة لنا بك)) فصله، فلا يستتر من بوله، البول في الطريق يجرح العدالة، وأحياناً: أماكن لقضاء الحاجة كلها على الواقف، هذه أماكن غير شرعية.

 

خلاصة القول:


يوجد للحديث رواية ثانية: 

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ، فسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ, يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى, كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتتر مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ))

[ أخرجه البخاري وابن خزيمة في صحيحه ]

فتلخيص هذا الحديث: المؤمن ينبغي أن يعلم ما الكبائر بالضبط، فهناك كبائر لسانية.

الإمام الغزالي: أحصى ثماني عشرة كبيرة من كبائر اللسان في إحياء علوم الدين، فالناس في مجالسهم، وفي لقاءاتهم، وفي ولائمهم، وفي حفلاتهم، وفي أسفارهم راقبهم، كل الحديث عن الناس، المؤمن ضابط لسانه, لا يتكلم إلا بالخير.

أيها الإخوة؛ أحياناً: يستلم أحدكم منصباً جديداً, يأتيه المهنئون, ويذمّون السابق دائماً.

فمرة أعرف شخصاً, توفي رحمه الله, كان وزيراً، دخل وفد إليه, فبدأ يذمّ القديم, قال له: اسكت فلان صديقي، وأنا أحترمه جداً، فلا أعتقد أن أحداً تجرأ بعد هذا الحادث, أن يتكلم أمامه.

فإذا عوّدت الناس هكذا، عوّدت أولادك، عوّدت أهلك أن يضبطوا لسانهم، أما أن نتكلم بطلاقة ومرتاحين، ولا كأن هناك مشكلة أبداً، فأصبح هناك نوع من النفاق، الشخص بوجوده تحترمه وتعظمه، يغيب دقيقتين, يأتي الانتقاد, والطعن, والغمز, واللمز، فهذا ذو الوجهين ليس عند الله وجيهاً.

فأنا أتمنى على الله عز وجل أن نطبق الإسلام، نحن روّاد مساجد، طلّاب علم، نحن نمثّل عند الناس الفئة الديّنة، الفئة الملتزمة، فعندما يتكلم الملتزم كلام فيه خطأ, وفيه معصية, فيكون بذلك قد أعطى فكرة سيئة للآخرين.

 

الاستثناء من الغيبة:


هناك حالات للغيبة لا بد منها: 

إذا سألك أحد عن شخص في موضوع زواج، وهو لا يصلي, ويشرب الخمر، لا تستطيع القول: كل الناس خير وبركة, ما خير وبركة؟ تعطيه ابنتك؟ أعطيه، يقول لك: يباع بالعزاء، هذا لا يجوز, فأنت خنته، ما دام استنصحك بالنصيحة, لا يوجد غيبة، هذه واحدة.

رجل مظلوم رفع دعوة، يا بني تكلم ما هي قصتك؟ يقول: أنا أخاف أن أغتابه لخصمي، ماذا تغتابه؟ قال تعالى:

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148)﴾

[ سورة النساء ]

لا يوجد غيبة هنا، هنا خصومة، عليك أن تبين, قال تعالى: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) بيت معروض للبيع رخيص، لماذا رخيص؟ هناك مشكلة بالأساس، وأمر بإخلائه، عرض رخيص، يجوز للدلال أن يخفي العيب، يقول لك: لأنه يريد السفر، وهو مضطر، معقول! يشتريه، لا يريد أن يغتابه.

هناك شخص, باع بيتاً, على أنه قبلي بالليل، وصلى باتجاه الشمال، يريد أن يصلي العشاء, هو بالعادة لا يصلي، لكن صلّى أمام الزبون باتجاه الشمال، ليقنعه باتجاه القبلة، وكل النوافذ باتجاه القبلة، يعني: هذا أنه بالنهار مشمس, وصلى باتجاه الشمال، هناك أناس عندهم أساليب شيطانية.

مثلاً: بيت في الطابق الخامس, يصل المشتري إلى الأعلى, وهو متعب، عند كل طابق, يحكي له قصة، لا ينتبه المشتري، صعد وهو مرتاح، لا يوجد مشكلة، بل هذا أفضل، فمناظره أجمل، لكن هو يكون سرد له قصة, فما شعر أن البيت عالٍ، فهناك أساليب كلها غش وخداع.

النصيحة: يجب أن تؤدى، ولو عن طريق الغيبة، بيت له مشكلة، زواج له مشكلة، شخص محتال ستشاركه، محتال قديم، تقول له: فلان محتال إياك, شخص مبتدع, عنده أفكار سيئة جداً، أنا لا أغتاب أحداً، هذا ليس موضوعي، شخص سيسير معه, هذا ينكر السُنّة, مشكلة كبيرة جداً، عقيدته فيها زيغ، لا أتكلم، هذا ليس له علاقة بالغيبة، فالمبتدع لا غيبة له، والفاجر لا غيبة له، أن تستنصح في أمر زواج, أو شراء بيت, أو شراكة, لا يوجد غيبة، عند القاضي لا يوجد غيبة، هذه كلها استثناءات, كلها من الغيبة والنميمة.

يا إخوان؛ آخر شيء أقوله لكم: رجل استنصحك بزواج ابنته، قل له: هذا الشاب لا يناسب، أخلاقه غير منضبطة، قال لك: شكراً, جاء الشاب وقال: ماذا حصل معك؟ فقال له: أنت لست جيداً، قال لي فلان: ﺇنك لست جديراً أبداً, هذه تتحقق.

حدثني أخ, كان مدير مالية, قال لي: رجل مكلف بضريبة، والضريبة معقولة, وهو موافق عليها، تأتيه شكوى: أن هذا عنده تجارة كبيرة جداً، وعنده مستودعات، وجد الوضع فيه كيد, فطوى الموضوع، هناك شكوى أخرى, طوى الموضع، شكوى ثالثة, حتى ارتفع الأمر للوزير، ثم رئاسة مجلس الوزراء، هذا الشخص مصر إصراراً غير معقول، يحضر أدلة قوية، بعد ذلك فهم: أن هذا الشخص الذي يقدم التقارير, ابنته مخطوبة لشخص، وهذا التاجر نصح بعدم الزواج, فقال له: إن فلاناً, قال لي: إنك سيء، وابنتك سيئة، فتشكل لديه هذا الحقد.

هذا إذا نصحك أحد، والله يتحقق هذا الأمر معي كثيراً، أنا أقول لكم شيء من ألمي.

أعرف شخص منحرف جداً, يقول لك: ليس لك مصلحة بهذا الزواج، يقول له: الشيخ راتب نصحني ألا أعطيك ابنتي, معقول أن تقوم بهذا الفصل, يخلق مشكلة، فأنا إذا قلت لك: أعطه, تقول لي: غششتني، وأنت أسأت لي، إذاً: لا تعطه، هل تقول له: أنني أنا قلت لك, لا تعطيه؟.

يا إخوان؛ رجاءً إذا استنصحك أحد بموضوع خطير كزواج, أو شراء بيت, أو شراكة, وقال لك: هذا الإنسان لا يناسبك، يتقي الله في هذا الكلام، أنت تكون مسيئًا جداً, إذا بلّغت الشخص الثاني أن فلانًا حذّرني منك.

هذه نقطة مهمة جداً، وحكيتها لكم سابقاً، وتقع دائماً: الإنسان يحتار، يستنصح شخصًا, إن قال الحقيقة: عاد الخطر على الناصح، يبلغه أن فلانًا، والله عشرات المرات, يتحقق هذا الأمر, وليس مرة أو مرتين.

فعليك أن تكون منضبطًا، يسير على الشرع، استنصحته ونصحك, وانتهى الأمر, لا يوجد نصيب, وانتهى.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور