وضع داكن
29-03-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 13 - آداب وأركان شهادة أن محمد رسول الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ما محورا هذا الدين؟ :

 أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الثالث عشر من دروس العقيدة, وننتقل اليوم إلى شهادة: أن محمداً رسول الله.
 أيها الأخوة الكرام, يمكن أن يكون الدين كله في محورين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، شهادة ألا إله إلا الله كلمة التوحيد، وأن محمداً رسول الله, كلمة المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، مراد الله يتضح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية: 31]

ما مرتكزات شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ :

 هذه الكلمة, كلمة شهادة أن محمداً رسول الله, أولاً فيها مرتكزات ثلاثة؛ المرتكز الأول: الأدب الذي ينبغي أن نكون عليه مع رسول الله، والمرتكز الثاني: مقتضيات هذه الكلمة، والمرتكز الثالث: مبطلات هذه الكلمة، الآداب والمقتضيات والمبطلات.

من الآداب التي بينها القرآن الكريم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم :

1-الاستئذان :

 فالله عز وجل حينما قال:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[ سورة النور الآية: 62]

 وإذا كانوا معه على أمر جامع, لم يذهبوا حتى يستأذنوه:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة النور الآية: 62]

 أي أنت عضو في جماعة، أنت ضمن أسرة، ينبغي أن تتحرك بتنسيق مع رب الأسرة، هل يعقل أن يسافر ابن إلى مكان بعيد دون أن يستأذن أباه؟ مستحيل، ومجتمع المؤمنين مجتمع أسرة:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[سورة الحجرات الآية: 10]

 وعلى رأس هذا المجتمع سيد الخلق وحبيب الحق، فإذا كنت في مجتمع مسلم, ينبغي أن يكون هناك تنسيق بينك وبين بقية أخوتك، وأن يكون هناك استئذان بينك وبين من تتلقى العلم منه.

عتاب رقيق بين أخوين مؤمنين :

 مرة لي درس في جامع آخر, فإمام المسجد إنسان أحبه وأقدره, لكن لاحظت أنه غاب عن الإمامة عدة أسابيع، من عادته أنه إذا غاب, في الأعم الأغلب يكون في العمرة, فلما عاد إلى الإمامة, وسلمت عليه, عاتبني, قال: أنا مريض لم تزرن؟ قلت له: غبت مرات عديدة و كنت في العمرة، أنا حينما غبت هذه المرة, غلب على ظني أنك في العمرة، ولو أنك طبقت سنة رسول الله, وأعلمتني قبل أن تذهب إلى العمرة, ثم عدت, فهنأتك, هذا الوضع الطبيعي, أما أنت حينما لم تعلمن في العمرات السابقات, غيابك هذه المرة ظننته في عمرة، إذاً: هناك خلل في العلاقة بيننا حتى على مستوى جامع، على مستوى جماعة, يوجد شيء اسمه استئذان ، إعلام، تنسيق، نوع من العلاقة الطيبة مع أخوانك الكرام.

علام تحضنا هذه الآية؟ :

 فهو سيد الخلق لا ينبغي أن تذهب دون أن تستأذنه:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 62]

 إذاً: من الأدب الذي بينه القرآن الكريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تستأذنه إذا سافرت.

2-الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام :

 يوجد أدب آخر، يقول الله عز وجل:

﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾

[سورة النور الآية: 63]

 النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يكون دعاءه مناداته مخاطبته كما تخاطب أخاً لك, أو كما تخاطب صديقاً لك.
 من أدق التفاسير حول هذه الآية: أن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانوا يقولون: يا محمد, يا أبا القاسم, فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.

هذا الذي حصل في هذا المجلس :

 أحد طلاب العلم جلس في مجلس علم, ولم يكن كما ينبغي, فقال له الشيخ: يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك، والحياة كلها أدب.
 بل إن النبي عليه الصلاة والسلام, حينما دهش أصحابه من أدبه الرفيع, سألوه مرة: يا رسول الله, ما هذا الأدب؟ فقال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.

الأدب هو عنوان الإيمان :

 لا تعرف قيمة الأدب عند المؤمن إلا إذا صاحبت غير المؤمن، مزاحه رخيص، ألفاظه فاحشة، طرفه جنسية، تستحي أن تستمع إليه، المؤمن يضبط لسانه، كلامه لطيف، رقيق الشعور، يعتذر، يستحيي، فالأدب هو عنوان الإيمان، لذلك قال بعض العلماء: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.

إليكم هذه الآية التي تؤكد معنى الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :

﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾

[سورة النور الآية: 63]

 كما قلت قبل قليل: لا تقولوا: يا محمد، يا أبا القاسم، يا بن عبد الله، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، هذا هو الأدب.
 يوجد آية ثانية تؤكد هذا المعنى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾

[سورة الحجرات الآية: 1-4]

 أي عنوان إيمانك الأدب الرفيع الذي تتحلى به.

انظر هنا :

 سيدنا حمزة سئل مرة: أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله، سيدنا يوسف قال:

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

[سورة يوسف الآية: 100]

 أيهما أخطر بربكم: النجاة من السجن أم النجاة من الجب؟ الجب موت محقق, لكن لم يذكر الجب, لئلا يذكر أخوته بعملهم، قال:

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

[سورة يوسف الآية: 100]

من أخلاق المؤمن :

 تلاحظ من أخيك المؤمن أدب رفيع جداً، هذا الأدب الرفيع هو ثمرة من ثمار الإيمان، كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه الناس بما يكرهونه.
 من أخلاق المؤمن أنه لا يحمر الوجوه، أحياناً تضيق على إنسان حتى تحرجه, وحتى تلجئه إلى أن يكذب، لا تحمر وجه أخيك، رد الطرف عن زلته، اقبل منه عذره, ولو لم يكن صادقاً، التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة، من جاءه أخوه متنصلاً فليقبل منه محقاً كان أو مبطلاً، فالأدب مع رسول الله, هذه آيات كريمة تحدده, وتبينه, وتحدد معالمه، والأدب مع أخوانك المؤمنين أيضاً هذا ينبغي أن يكون.

بماذا تحذرنا هذه الآية؟ :

 يوجد معنى آخر في قوله تعالى:

﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾

[ سورة النور الآية: 63]

 يقول الحسن البصري: أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا, ثم يقول الله عز وجل:

﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 63]

من علامة محبة الله

اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 أخواننا الكرام, علامة محبة الله اتباع سنة رسول الله, بدليل أن الله عز وجل يقول:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية: 31]

ما مراد النبي عليه الصلاة والسلام هنا في هذا الحديث؟ :

 من الأحاديث الشريفة الصحيحة: أن النبي عليه الصلاة و السلام فيما رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, قال عليه الصلاة والسلام:

((إني ممسك بحجزكم عن النار, هلم عن النار وتغلبونني, تقاحمون فيه تقاحم الفراش, فأوشك أن أرسل بحجزكم, وأنا فرطكم على الحوض, فتردون علي معاً وأشتاتاً, فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم, كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله, ويذهب بكم ذات الشمال, وأناشد فيكم رب العالمين, فأقول: أي ربي أمتي, فيقول: يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرة على أعقابهم, فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة, يحمل شاةً لها ثغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة, يحمل بعيراً له رغاء, فينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة, يحمل فرساً له حمحمة, ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك, فلا أعرف أحدكم يوم القيامة, يحمل سقاءاً من أدم, ينادي: يا محمد يا محمد, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك))

[أخرجه البزار في مسنده]

 هذا الحديث الطويل: أراد النبي عليه الصلاة والسلام أنك لا تستطيع أن ترد حوض النبي يوم القيامة إلا إذا كنت مستقيماً في الدنيا، فإذا اغتصبت شاة, أو اغتصبت ناقة, أو اغتصبت سقاء من أدم من جلد, وجئت النبي عليه الصلاة والسلام, وقلت: يا محمد يا محمد, يقول لك: قد بلغتك، وقد سأل النبي ربه أن ينجي أمته فيقول: يا محمد لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟.
 لذلك الحديث الفيصل في هذا الموضوع: يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه.

ما أدب المؤمن مع النبي بعد مماته؟ :

 أيها الأخوة, علامة تقديرك لرسول الله أدبك معه، إذاً بعد موته صلى الله عليه و سلم؟ أدبك مع سنته، من ألطف ما قرأت حول قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[سورة الحجرات الآية: 1]

 أي يوجد آية واضحة لا تقدم أشياء أخرى تخالف هذه الآية، لا تقدم مقترحات تناقض سنة النبي، لا تبدي آراء تعاكس ما جاء به الوحيان الكتاب والسنة:

﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

[سورة الحجرات الآية: 1]

 بجلسة أحياناً تتكلم عن شيء من سنة النبي, يقول لك أحدهم: هذه غير معقولة، ماذا فعل؟ قدم بين يدي الله ورسوله، قدم كلاماًَ مناقضاً لفعل النبي، قدم كلاماً مناقضاً لسيرة النبي ، فأنت أدبك في حياته كما فعل أصحاب رسول الله، وأدبك بعد مماته أن تعظم سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

متى يأمن العبد عذاب الله؟ :

 قال الله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

[سورة الأنفال الآية: 33]

 ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم, فهم في بحبوحة من عذاب الله، أي الإنسان إما أنه مطبق أو أنه مستغفر، في كلا الحالين هو في بحبوحة, وفي مأمن من عذاب الله، علامة أن الله سبحانه وتعالى يعطيك أماناً أنك في طاعته، أو أنك أخطأت لكنك تستغفر، فالأدب مع رسول الله في حياته واجب كل مؤمن، والأدب مع سنة النبي صلى الله عليه و سلم بعد مماته واجب كل مؤمن.

قول رائع :

 أجمل ما قاله بعض الصحابة الكرام, أظنه سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، من هذه الثلاثة: ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى.
 أتمنى لو أن كل مؤمن, قرأ أحاديث رسول الله, واعتقد أنها هي الحق, وأن مخالفتها يورث الهلاك, لكنا في حال غير هذا الحال.
 أي النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه الجامعة المانعة الموجزة يقول: لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه.
 شيء واحد ينبغي أن تخاف منه أن تقع في ذنب, وإذا وقعت في مشكلة لا بد من جهة واحدة هي التي يمكن أن تنقذك منها, إنها الله عز وجل, هذه الجهة الوحيدة في الكون التي تنقذك مما أنت فيه, الله جل جلاله، لا يخافن العبد إلا ذنبه, ولا يرجون إلا ربه.

علام ترتكز شهادة لا إله إلا الله؟ :

 أيها الأخوة, ركيزة شهادة أن لا إله إلا الله: أن تكون متأدب مع رسول الله, في حياته, وبعد مماته, في حياته مع شخصه, ومع توجيهاته, وبعد مماته مع سنته المطهرة, أن تعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, كلامه صلى الله عليه س من ثقافته, ولا من خبرته, ولا من بيئته, ولا من كلامه, فقط من وحي السماء, لذلك لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى.

 

من مقتضيات شهادة أن محمد رسول الله :

1-أن تصدقه بأنه نبي يتلقى الوحي من الله :

 الآن: شهادة أن محمد رسول الله ما مقتضياتها أو ما أركانها؟.
 أول مقتضى لهذه الشهادة: أن تصدق النبي عليه الصلاة والسلام, الإيمان تصديق والكفر تكذيب, أن توقن حقاً أن هذا الإنسان ليس عبقرياً, ولا مصلحاً اجتماعياً, ولا شخصيةً فذةً, إنما هو رسول الله, هذا الإنسان هو رسول الله, لكن قد تلتقي مع أناس كثيرين, يطرحون عليك أنه عبقري, أنه مصلح اجتماعي, أنه استطاع أن يلم شمل الأمة, هذا كلام كله غير صحيح, إنه رسول الله يوحى إليه.
 فأول مقتضى من مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تصدق أنه رسول الله حقاً, يخبر عن الله عز وجل, ويوحى إليه بشرع ناسخ للشرائع السماوية السابقة.
 هناك أشخاص كثيرون من أديان أخرى, يقدسون النبي عليه الصلاة والسلام ويعظمونه, ويتحدثون عن عبقريته, وعن إصلاحه للأمة, وعن جمعه لشمل الأمة, وعن ..., القضية الفيصل بينك وبينه, هل تعتقد أنه رسول يوحى إليه؟ أما التعظيم سهل.
 فأول مقتضى من مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تصدقه أنه رسول يتلقى الوحي من الله عز وجل, هكذا يجب أن تعتقد, أن هذا الإنسان هو رسول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾

[سورة النساء الآية: 136]

هذا اعتقاد المؤمن :

 النبي باعتقاد المؤمن هو رسول الله، في الصحيحين: عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ:

((كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ, يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ, فَقَالَ لِي: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ الْوَفْدُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ, قَالَ: مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ أَوْ الْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ, فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ, وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا, فَسَأَلُوا عَنْ الْأَشْرِبَةِ, فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ, وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ, أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ, قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَإِقَامُ الصَّلَاةِ, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ, وَأَظُنُّ فِيهِ صِيَامُ رَمَضَانَ, وَتُؤْتُوا مِنْ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ .....))

 أي بالإيمان لا يوجد حل وسط، التصديق حدي، هل أنت مصدق مئة بالمئة أن هذا الإنسان رسول الله, وأنه يوحى إليه, وأن كل أقواله, وأفعاله, وإقراره حق من الله تعالى؟ فانتهى الاعتراض, وانتهت المناقشة, وانتهى النقد.

 

2-الاتباع :

 أيها الأخوة الأكارم, هل يكفي أن نؤمن أنه رسول الله, وأنه يوحى إليه, وأن ما جاء به من عند الله وحده, وأن كلامه, وإقراره, وفعله, وصفته تشريع, ينبغي أن نأخذ به؟ الجواب: نعم ولا، نعم ينبغي أن نؤمن بهذا، ولا لا يكفي أن نؤمن بهذا دون أن نتبع هذا النبي، الاتباع سهل جداً أن تنتمي لجماعة، من السهل جداً أن تعلن ولاءك لفئة، لكن البطولة لا في إعلان الولاء ولكن في الاتباع، الاتباع يقتضي جهد، الاتباع يقتضي مجاهدة النفس والهوى، الاتباع يقتضي أن تتنازل عن حظوظك لمرضاة الله عز و جل، الاتباع يقتضي أن تلزم نفسك بطاعة رسول الله:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية: 31]

 هذه الآية أصل في هذا الموضوع.

 

من علامة إيمانك بالنبي عليه الصلاة والسلام :

 الله عز وجل يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة الحجرات الآية: 1]

 أي أن تتبع ولا أن تعترض، أن تتبع لا أن تقترح، أن تتبع مثلاً لو قالوا: الفجر أربع ركعات والظهر ركعتين مثلاً، النبي علمنا كيف نصلي؟ وصلوا كما رأيتموني أصلي.
 يوجد أشياء كثيرة, الإنسان بحكم ضعف إيمانه, يتمنى أن تكون على غير ما هي عليه، علامة إيمانك برسول الله أنك تتبعه من أعماق أعماقك.

من صفات المؤمنين :

 أذكر لكم صفات المؤمنين:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 36]

 أحياناً: بالمؤتمرات قبل أن يجتمعوا يقولون: هناك قضايا لا نوافق أن تدرج في جدول الأعمال، كذلك المؤمن إذا الله عز وجل قضى أمراً إما تشريعاً أو قضاء وقدراً:

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

[سورة الإسراء الآية: 23]

 شيء الله قضاه، حكم شرعي جاء من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الذي قضاه النبي لا يمكن أن يكون في صدرك حرج منه.

أنت مخير في المباحات ولست مخيراً في الفرائض والأحكام :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 36]

 أي أنت مخير في المباحات ولست مخيراً في الفرائض والأحكام، علامة إيمانك أن تفعل ما أمرك به النبي.
 شخص أحياناً يحتار, أشتري هذا البيت أم هذا البيت؟ هذا البيت صغير لكنه نحو الجهة القبلية، هذا البيت كبير لكنه نحو الجهة الشمالية، هنا في حيرة، شراء البيتين من المباحات، فالخيرة تأتي من أشياء مباحة, أما أصلي أم لا أصلي، هذه لا يوجد بها خيار، ينبغي أن أصوم أو لا أصوم لا يوجد خيار، إذا للزوجة فرضاً الربع أو الثمن بحسب قواعد الميراث لا يوجد خيار، الله عز وجل قضى بهذا، جميع الأحكام القرآنية والأحكام النبوية, لا يوجد لك خيار بها, هذا من مسلمات الإيمان بالله ورسوله:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 36]

 تدبر القرآن من معاني التدبر, أنه كلما قرأت آية تعرض نفسك عليها، هل أنا كذلك؟ أي قد يحرم الإنسان من نصيبه من الإرث, بحسب نوع قرابته, هل تعترض؟ هذا حكم الله عز وجل؟ الله عز وجل كماله مطلق، فحينما يقضي الله أمراً, وحينما يقضي النبي أمراً, لا يمكن لمؤمن أن يكون لهم الخيرة من هذا، هذا شرع الله عز وجل.

احذر أن تقع في هذا الخلل من الإيمان بالنبي :

 يوجد آية ثانية:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 65]

 هذا كلام رب العالمين، لو أنه رفعت قضيتك إلى قاض شرعي, والقاضي الشرعي حكم لك بسنة النبي, وأنت لم تكن راضياً عن هذا الحكم، ففي إيمانك خلل كبير.
 لو أنه اختلفت مع أخ, ورفعت القضية إلى قاض شرعي, وهذا القاضي الشرعي حكم لك وفق سنة النبي, وأنت كنت منزعجاً, لم تكن راضياً, ففي الإيمان خلل كبير:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النساء الآية: 65]

 الأصح: ليس في إيمانك خلل, بل إنك لست مؤمناً:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 65]

 أي إنسان يعقد عقده على امرأة لأيام, ثم يجد أنه لا رغبة له فيها, فيطلب الفراق, يجب عليه نصف المهر، إنهم يومان ثلاثة، هل أنت منزعج؟ هذه ابنة كرام, الناس لها مكانة، لها مشاعر، ذاع بين الناس أنك خطيباً لها, وأنها زوجة لك، فهكذا الشرع، مليون، نصف مليون، خمسة أيام, كل يوم مئة ألف:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 65]

قف عند هذه الآيات :

 أيها الأخوة, ثلاث آيات تبين أن اتباع النبي جزء من إيمانك:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة الحجرات الآية: 1]

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 36]

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 65]

احذر أن تسوء الظن برسول الله :

 أروي قصة دائماً: النبي عليه الصلاة والسلام قال مرة لأصحابه قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، أي يوجد شخص فكر قال: أيقتل أحدنا أباه وأخاه, وينهانا عن قتل عمه؟ -ما استساغ هذا، ثم اتضح له أن عم النبي كان مسلماً, وكان عينه في قريش، فلو أن عم النبي لم يخرج مع المشركين لكشف نفسه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه مسلم لا تقتلوه لكشفه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لقتلوه, فلابد من أن يقول هذا الكلام المختصر: لا تقتلوا عمي العباس, ثم اتضح أن عمه كان مؤمناً، وكان مكلفاً بمهمة في قريش، و كان يعبد الله سراً، و كان عينه على قريش-، يقول هذا الرجل: والله ظللت أتصدق عشر سنين, رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.

متى يذوق العبد طعم الإيمان؟ :

 عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ, مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا, وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا))

[أخرجه مسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]


 رضي بهذا الإنسان رسول الله، كلامه وحي، أفعاله سنة، إقراره تشريع، وانتهى الأمر.
 أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام أوتي القرآن ومثله معه، ما معنى مثله؟ أي السنة، الكتاب والسنة، فكلا الوحيين الكتاب والسنة من الله العظيم، القرآن وحي متلو, والسنة وحي غير متلو.

 

3-أن تزكي النفس بهديه وسنته :

 مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تزكي النفس بهديه وسنته، كيف كان مع أهله؟ مع أولاده؟ مع جيرانه؟ مع أصحابه؟ كيف كان غضبه؟ كيف كان رضاه؟ كيف يعامل زوجته؟ يجب أن تتزكى بهديه صلى الله عليه وسلم، والدليل قول الله عز وجل:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 21]

معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على كل مسلم :

 أخوتنا الكرام, لابد من هذه القاعدة: ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، الصلاة فرض فرض، هل تتم الصلاة من دون وضوء؟ لا، الوضوء إذاً فرض، هذه القاعدة طبقها على سنة النبي، الله عز وجل يقول:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر الآية: 7]

 إذاً: هذه الآية ماذا تقتضي؟ كيف يتم أن تأخذ ما آتاك الرسول, وأن تنتهي عما نهاك عنه الرسول؟ لا بد من معرفة ما آتاك وما نهاك، إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، أنت كيف تصلي؟ لأن الصلاة فرض، لماذا تصوم؟ لأن الصيام فرض.
 يجب أن تتعرف إلى سنة النبي القولية, بماذا أمرك وعن أي شيء نهاك؟ لأن اتباع النبي فرض عليك.
 أنا أقول دائماً: متى تعالج ارتفاع الضغط عندك؟ إذا علمت أنه معك ارتفاع ضغط، متى تستطيع أن تأخذ ما آتاك الرسول، ومتى تستطيع أن تنتهي عما نهاك عنه الرسول؟ إذا كنت تعلم ماذا آتاك, وماذا نهاك؟ إذاً: هذه الآية التي تقتضي الوجوب, لا يمكن أن تطبق إلا إذا تعرفت إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية، إذاً: معرفة سنة النبي صلى الله عليه و سلم القولية فرض عين على كل مسلم.

ماذا تقتضي هذه الآية؟ :

 إذا قال الله لك:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 21]

 كيف يكون النبي لك أسوة حسنة إن لم تتعرف إلي سيرته؟ إذاً: تقتضي هذه الآية أن تتعرف إلى سيرة النبي، إذاً: معرفة سيرة النبي أو سنته العملية فرض عين على كل مسلم من خلال هاتين الآيتين:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر الآية: 7]

 من خلال هاتين الآيتين يقتضي وهو فرض عين: أن تتعرف إلى سنة النبي القولية, وإلى سنته العملية, هذا واجب، أي في كل بيت يجب أن يكون هناك كتاب أحاديث صحيحة، في كل بيت ينبغي أن يكون هناك كتاب سيرة من أفضل كتب السيرة.

ما تفسير هذا الحديث؟ :

 عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ, وَوَلَدِهِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]

 المعنى الدقيق: كيف يكون النبي عليه الصلاة والسلام أحب إليك من والديك وأولادك والناس أجمعين؟.
 الحقيقة: عند التعارض، أي إذا كان طلب ابنك أن تفتح له محلاً ليس شرعياً, يبيع موسيقا، يبيع أشرطة، يؤجر أفلام فيديو، وألح عليك, وأنت وجدت أن إرضاءه جيد, مع أن عصيت رسول الله في إرضائه, فهذه المشكلة ينبغي أن تحب رسول الله, أي أن تطبق سنته دون أن تعبأ بما يتمناه عليه والداك, أو أولادك, أو الناس أجمعين.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي, يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

ما الشخصية التي تتمنى أن تكون على دربها؟ :

 بصراحة: في حياة كل منا شخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، و شخصية يكونها، أنت لك شخصية دائماً يوجد بذهنك شخصية هي قدوة لك، ويوجد شخصية أخرى تحتقرها.
 قل لي: من الشخص الذي تتمنى أن تكون على دربه, أقل لك: من أنت؟ أهل الدنيا اجلس مع التجار مثلاً, فلان عنده ثروة فلكية، فلان بصفقة واحدة حقق ثلاثمائة مليون، فلان اشترى أرضاً كلما جلس يتحدث عن فلان، معنى فلان هو الشخصية التي يتمنى أن يكونها، هذا في عالم التجارة، في عالم الصناعة المعمل الفلاني ثلاث ورديات، حجم إنتاجه في اليوم ثلاثمائة ألف قطعة مثلاً، يتحدث.
 فأنت اسأل نفسك هذا السؤال: ما الشخصية التي تتمنى أن تكون على دربها؟ المؤمن قطعاً الشخصية التي يتمنى أن يكونها هو رسول الله، أن يكون على دربها، على منهجها.

 

متى يكون النبي لنا أسوة حسنة؟ :

 الآية الثانية:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 21]

 لن يكون النبي لك أسوة حسنة إلا إذا أردت الله, وأردت رسول الله, والدار الآخرة، و ذكرت الله كثيراً.

من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام :

 دخل إلى بيته قال:

((أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإنني صائم))

 أحياناً تدخل إلى البيت, الأكل لم ينضج, يقيم الدنيا ولا يقعدها، يوجد طعام لكن تأخر قليلاً, المؤمن دخل للبيت, يوجد مشكلة, النبي ماذا فعل؟ كان رقيقاً، كان حليماً، كان لطيفاً، كيف أن النبي كان واحداً من أصحابه وعليه جمع الحطب؟ كنت برحلة, يوجد أشخاص, يرتاح, ينام, يدعونه للطعام, لا يدفع, ولا يعمل، النبي قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك، قالوا: أعلم أنكم تكفونني, ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
 دخل إلى البيت: أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم.
 أي أخلاقه رضية، حليم، رقيق، كان إذا أتى مريضاً أو أوتي به قال:

((أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً))

 وأنت إذا زرت مريضاً ينبغي أن تتخلق بهذه الأخلاق.
 كان إذا أتاه الأمر يسره قال:

((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أتاه أمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال))

 هذا من هدي النبي, ومن أخلاق النبي, ومن سمت النبي.
 كان إذا أصبح وإذا أمسى قال:

((أصبحنا على فطرة الإسلام، و كلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين))

 كان إذا أكل أو شرب قال:

((الحمد لله الذي أطعم, وسقى، وسوغه, وجعل له مخرجاً))

 كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم.
 كان يمشي مشياً يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان.

 

ما العينة كما وردت في هذا الحديث؟ :

 كان عليه الصلاة و السلام يقول: عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ, وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ, وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ, وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ, سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ))

[أخرجه أبو داود في سننه]

 العينة: أي ربا على شكل بيع، وأنستم إلى الراحة.

 

خذ هذه العبرة :

 العبرة من هذه الفقرة الأخيرة: أنه ينبغي أن تقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام, وأن تهتدي بهديه, وأن تزكي نفسك بهديه صلى الله عليه وسلم، أي في الصحة والمرض، في الإقامة والسفر، في علاقتك الحميمة مع أهلك، مع أولادك، مع أخوانك، مع جيرانك، كيف كان النبي؟.
 أهم شيء في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله: أن تتزكى نفسك بهدي النبي عليه الصلاة والسلام.
 من لوازم تنفيذ هذا الأمر: أن تتعرف إلى سيرة النبي, وأن تتخلق بأخلاقه, عندئذ يكون النبي أسوة حسنة، ولن يكون أسوة حسنة إلا إذا أردت الله ورسوله, والدار الآخرة, وذكرت الله كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور