وضع داكن
23-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 070 - حديث أمرنا رسول الله صلى عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع - الحكمة الإلهية من ظاهرتي التثبيت والتحريك بين الأشياء – أسباب زيادة الرزق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


  تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ في كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم, باب من أبواب هذا الكتاب, عنونه مؤلفه, وقال: 

كتاب عيادة المريض, وتشييع الميت, والصلاة عليه، وحضور دفنه, والمكث عند قبره بعد دفنه.

أيها الإخوة؛ كمقدمة لهذا الموضوع: 

الله جل جلاله، جلت حكمته, ثبت في هذا الكون أشياء, وحرك أشياء، آلاف الأشياء ثبتها الله عز وجل، دورة الأفلاك ثابتة، يمكن أن تعلم بعد ألف عام: كم الساعة؟ وكم الدقيقة تشرق الشمس؟.

دورة الأفلاك ثابتة، بل إن أدق ساعة في الأرض, تضبط على مرور نجم، وقد تسبق أو تقصر ثانية في العام، والذي لا يقصر ولا يسبق ثانية في العام هو النجم، دورة الأفلاك ثابتة, خصائص المواد ثابتة، حديدٌ حديد، فضةٌ فضة، الذهب ذهب.

لو أن هذه الخواص تتبدل, لكان هناك مشكلة ما بعدها مشكلة، تضطرب الموازين، تشتري الذهب, فبعد حين يصبح حديداً، تشتري الحديد, فبعد حين يلين، ينهار البناء، خصائص المواد ثابتة، خصائص البذور ثابتة، الذي تلقيه حباً في الأرض تجنيه ثمراً.

إن أردت أن تستقصي الأشياء التي ثبتها الله لا تعد ولا تحصى، تثبيت هذه الأشياء، تثبيت خصائصها، تثبيت دوران الكواكب, تثبيت نظام الكون، تثبيت الفصول، تثبيت المواسم، هذا كله من فضل الله علينا.

إذاً: أن هذا الثبات, يضفي على الحياة نظاماً مريحاً, وحرك أشياء، وحرك الرزق، وحرك الصحة، قد تأتي أمطار, فتنبت الأرض ما لا عين رأت، وقد تشح الأمطار, فيموت الحيوان لموت النبات، وقد يهجر الإنسان أرضه, وهذا شيء ملاحظ. 

أيها الإخوة؛ وقد ذكرت شح الأمطار ثبت الآن: أن مجموع الهطولات المطرية في الأرض ثابت كل عام من آلاف السنين، وإلى آلاف السنين، مجموع الهطولات المطرية في الأرض قاطبةً ثابت، طبعاً: بعد أن صار كل بلد, عنده مقاييس أمطار دقيقة.

لو جمعنا الهطولات في الأرض, لكان الرقم متكرراً كل عام، لكن هذه الكميات تزيد في هذه المنطقة، وتقلّ في هذه المنطقة، هذا ما توصل إليه العلم.

الآن بعد جهد جهيد، وبعد دراسات مضنية، وبعد استقصاءات متعبة، وبعد هذه الأجهزة الحديثة التي تقيس كمية الأمطار في العالم، أما أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: 

(( ما عامٌ بأمطَرَ من عامٍ  ))

[ حديث ضعيف أخرجه البيهقي والديلمي  ]

فهذا من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، إذ أن النبي عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى.


  ما علة التثبيت والتحريك بين الأشياء في الكون؟.


أيها الإخوة؛ الله عز وجل ثبت أشياء, وحرك أشياء، من الذي حركه الصحة؟ ومن الذي حركه الرزق؟ الذي ثبته من أجل استقرار النظام في الحياة، والذي حركه من أجل تربية الإنسان، علة التحريك التربية, وعلة التثبيت النظام، فالشيء الذي يدفعك إلى الله, قد يكون خوفك على صحتك، وخوفك على رزقك.

وفي الإنسان مطلبان عجيبان: الإنسان حريص حرصاً لا حدود له على حياته، وعلى رزقه، وقد تلاحظ أن كل الناس الذين ضعف إيمانهم, يعصون الله عز وجل خوفاً على آجالهم أن تقترب، وخوفاً على أرزاقهم أن تقل، وقد ورد في الأثر القدسي: 

يا عبدي, خلقت لك ما في السموات والأرض, ولم أعي بخلقهن, أفيعييني رغيف أسوقه إليك كل حين؟ لي عليك فريضة, ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك, فلأسلطن عليك الدنيا, تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي بما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد, أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد


  أسباب زيادة الرزق:


وقد تمنى علي بعض من قبل الإخوة الكرام أن أبين لهم الوسائل التي شرعت لزيادة الرزق.

ذكرت هذا في درس سابق، ولا بأس أن أمر على هذه الوسائل مروراً سريعاً، لأن الله حرك الرزق، حرك الرزق للتربية، وثبت الخصائص لاستقرار النظام.

1-   الطاعة لله وأداء الصلوات.

قال تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾

[ سورة طه ]

يعني تفرغ لتربية أولادك, ولترسيخ قيم الدين فيهم، والرزق لهذه الأسرة مضمون ، يعني بيت تؤدى به الصلوات، ويتلى فيه القرآن, وتقام فيه حدود الله عز وجل, هذا بيت مرزوق، ومحل تجاري يؤدي أفراده الصلوات الخمس، ويطاع الله في البيع والشراء, هذا محل مرزوق، فطاعة الله عز وجل, وأداء الصلوات أحد أسباب زيادة الرزق.

2-   الاستقامة على أمر الله.

قال تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16)﴾

[ سورة الجن ]

ثانياً: الاستقامة على أمر الله, أحد أسباب وفرة الرزق، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾

[ سورة الأعراف ]

لو أن أهل كل قرية, اتقت أن تعصي الله، اتقت أن تبيع الخمر, أمرت بالمعروف، لم تسمح للنساء الكاسيات العاريات, أن يفسدن الشباب، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96))  

3- صلة الأرحام.

صلة الرحم تزيد في الرزق، الإنسان حينما يرعى أفراد أسرته الأقربين والأبعدين، كل إنسان تفوق في الدنيا, له دخل كبير, فرعى أفراد أسرته، يعني زوج شبابهم، عالج مرضاهم، أطعم جائعهم, رعى أرملتهم، رعى أيتامهم، هذا له عند الله رزق كبير، فصلة الرحم تزيد في الرزق.

4-   إتقان العمل.

وإتقان العمل يزيد في الرزق، شيء معلوم لديكم جميعاً: أنه في أيام الكساد سبعون بالمئة من أصحاب المصالح, يبقون بلا عمل، أما المتقنون فلا تتوقف أعمالهم أبداً، النخبة أعمالهم مستمرة، فإتقان العمل جزء من الدين.

والنبي عليه الصلاة والسلام, حينما دفن أحد أصحابه الكرام, الذي حفر القبر وردمه, أبقى فرجةً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((هذه لا تؤذي الميت, ولكنها تؤذي الحي، إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه)) .

مرة أطلعني صاحب معمل -معمل تطريز- على الآلات التي صنعت في سويسرا، الثوب المصنوع في سوريا, على أحدث آلات في العالم, يباع كله -وهذه القصة قديمة بالسبعينات- بثلاثمئة ليرة، والثوب المصنوع على الآلة نفسها, يباع المتر بثلاثة آلاف ليرة، الفرق هو الإتقان، والآلة نفسها، ولكن هنا لا يوجد إتقان.

يعني: أخطاء كثيرة جداً, تجدها في الثوب، إذاً: سقط سعره، إذاً: ((إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه)) .

إتقان العمل جزء من الدين، أحياناً: عدم الإتقان يسبب جريمة.

أنا ذكرت لكم من قبل: أن صديقًا لي, وضع صحنًا من هذه الصحون التي على السطوح, وموضوع مشروعية الصحون, يعالج في مكان آخر، لم يحكم تثبيته, ففي أيام عاصفة, طار هذا الصحن، وأزهق حياة طفلة بريئة بعمر الورود، فعدم الإتقان أحياناً يسبب جريمة, أو يسبب أذىً للمسلمين.

حدثني أخ, مثلاً: حديد غير متقن, في شوائب فحم, المهندس حتى ينام مطمئناً, يضع في البناء ضعفي الحاجة المناسبة، ما معنى أن في الحديد شائبة فحم؟ قد ينكسر الحديد, إذا ألقيت قضيب حديد فيه شوائب فحم, من مكان مرتفع, قد يأتي قطعتان في الأرض، لأن الشوائب غير موزعة توزيعًا منتظمًا، بل موزعة توزيعًا عشوائيًا، فإذا كان في نقطة ضعفًا, ينكسر قضيب الحديد، فالمهندس حتى ينام مطمئناً, يضع كمية مضاعفة، فعدم إتقان صناعة الحديد, تسبب أن ندفع ضعف الكميات اللازمة في إنشاء الأبنية، ونحن في أمس الحاجة إلى هذا المال، عدم الإتقان أحياناً, يسبب تلف مواد كبيرة جداً، يسبب أمراض، يسبب فقرًا أحياناً، إتقان العمل جزء من الدين.

هناك نقطة دقيقة جداً: أن منهج الله عز وجل منهج موضوعي، كيف؟ إذا جاء ملحد أو عابد نار، أي إنسان, ولو كان كافراً بكل الأديان، وطبق منهج الإسلام في حياته الدنيا, قطف كل ثماره عدا الجنة، لأن منهج الله عز وجل تعليمات الصانع، فإتقان العمل جزء من الدين، وهو أحد أسباب الرزق.

5-   الإنفاق في سبيل الله.

وأن تنفق من مالك في سبيل الله أيضاً, هذا أحد أسباب زيادة الرزق, وأن تؤمن وتتقي أن تعصي الله عز وجل, أحد أسباب زيادة الرزق، وأن تستقيم على أمر الله, أحد أسباب زيادة الرزق، وأن تصل رحمك بالمعنى الشرعي: أن تزورها أولاً، وأن تتفقد أوضاعها ثانياً، وأن تمدها بالعون ثالثاً، وأن تهديها إلى الله رابعاً، هذه صلة الرحم في الإسلام, أحد أسباب زيادة الرزق.

فالرزق متغير لعلة التأديب والتربية، والصحة متغيرة لعلة التأديب والتربية.


  أمرنا رسول الله صلى عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع...


(( قال معاوية بن سويد بن مُقَرِّن: دخلتُ على البراء بنِ عازِب ، فسمعتُه يقول : أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْع ، ونهانا عن سبع : أمرنا بعيادةِ المريض ، واتِّباعِ الجنازة ، وتشميتِ العاطس ، وإِبْرَارِ القسم - أو المُقْسِم - ونصرِ المظلوم ، وإِجابةِ الدَّاعي ، وَإِفشاءِ السلام ، ونهانا عن خواتيم الذهب ، أو عن تختُّم بالذهب ، وعن شُرب بالفضة ، وعن المياثِر ، وعن القَسِّيِّ ، وعن لُبْس الحرير ، والإِسْتَبْرَقِ والديباج ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما ]

درسنا اليوم عن الصحة: ((عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِي اللَّه عَنْه يقول: أَمَرَنَا رسول اللَّه صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ؛ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ -أو المقسم- وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وإجابة الداعي, وإفشاء السلام))

مرة ذكر لي أخ, قال لي: مرة تألمت أشد الألم، ألماً لا حدود له, لأني مرضت ثلاثين يوماً، ولم يزرن أحد من أخوة المسجد!. 

بماذا نجيبه؟. 

يوجد جواب شرعي، حينما يكون وجودُ الإنسان قوياً ويغيب، فغيابه صارخ، وإخوته يتحرونه، أما إذا كان بالأساس وجوده غير قوي، إذا حضر درسًا يغيب عشرة، فإذا -لا سمح الله ولا قدر- مرض، وغاب, ماذا يظن من حوله؟ أنه غاب على عادته بلا سبب، أما إذا كان وجودُ الإنسان مع الجماعة قويًا، ووجوده يدعم، يُسأل عنه إذا غاب.

فإذا رفعك الله عز وجل بمرتبة علمية، بشهادة، بعمل صناعي، بتجارة ناجحة، بمنصب رفيع, بشهادة عالية، بشيء متميز به، ولزمت مجالس العلم، فوجودك يقوي هذا المجلس, وأنت لا تدري، وجودك يشجع عشرات، بل مئات من حولك, أن يحضروا، فأنت حينما تحضر مجلس علم, أنت تقوي هذا المجلس، وتزيد سواد المؤمنين، إذا دخل إنسان إلى سينما, ماذا يفعل؟ يزيد من سواد رواد السينما، فالبطولة: أن تكون عوناً للحق لا عوناً للباطل.


  أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ...


النبي أمرنا بعيادة المريض، يوجد نقطة مهمة جداً, قد تغيب عنا جميعاً: المرض نافذة إلى السماء، يرافق المريض المؤمن رقة عجيبة جداً.

مرة عدنا أخًا من إخواننا, أجريت له عملية جراحية، والله رأيت تألقاً في وجهه، وإقبالاً على ربه، وقرباً منه، هذا التألق، وهذا الإقبال، وذاك القرب, لا تحدثه ألف خطبة في مسجد.

الله عز وجل رحيم, إذا أخذ صحة أحد عباده, ليعوض عليه أضعافاً مضاعفة من رحمته.

لذلك ورد: ((الدنيا دار التواء ولا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح, فمن عرفها, لم يفرح لرخاء, ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى, وجعل الآخرة دار عقبة، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً,  فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي)) ، إذا أخذ منك بعض الصحة, ليعطيك أضعاف مضاعفة من القرب منه، لذلك ورد في الحديث القدسي الصحيح, في هذه المناسبة:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا بْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِ, قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ, أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ, لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ, يَا بْنَ آدَمَ! اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِ, قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ, وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ, أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ, لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي, يَا بْنَ آدَمَ! اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِ, قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ, وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ, أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ, لوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ))

[  أخرجه مسلم ]

رب العزة، خالق السموات والأرض, وجدت الله عند المريض, وجدته قريباً من الله، كان مقبلاً على الله، كان مستسلماً لأمر الله, كان منغمساً في رحمة الله: 

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

[ سورة الزخرف ]


  المرض وراءه أسرار كثيرة.


أيها الإخوة؛ أنا الذي أراه: المؤمن بالذات, المرض يرقى به، مالكِ يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله، قال: لا تلعنيها, فو الذي نفس محمد بيده, لا تدع المؤمن, وعليه من ذنب، شيء قطعي وثابت ومدعم بعشرات الأحاديث: أن مرض المؤمن تكفير له.

الحديث: 

(( عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب - أو أم المسيب - فقال : ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين ؟ قالت : الحمى لا بارك الله فيها ! فقال : لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ))

[ أخرجه مسلم  ]

وقد يأتي المرض ضيفاً، ويخرج وقد التفت إلى الله، ويخرج وقد أقبلت على الله، ويخرج وقد اصطلحت مع الله، ويخرج وأنت أسعد الناس بالقرب من الله، والسبب مرض.


  العبرة من القصص.


حدثني أخ, كان يعمل في مكان, ولهذا المكان إنسان الأمر بيده، قال لي: ما رأيت جباراً, ولا إنساناً أشرس, ولا أقوى، ولا أقسى قلباً منه, لا يوجد عنده كلمة طيبة، إذا بطش لا يرحم، قال لي: مرض فدخلت عليه, فقال له: كيف حالك يا بني؟ إن شاء الله أنت مرتاح؟ قال لي: بحياتي ما سمعت هذه الكلمة اللينة منه، بعد المرض قال هذه الكلمة اللينة.

رجل قاس على رجل آخر قسوة بالغة, يريد أن يحطمه، أن يفتك به, مرض فعدته, فذكر لي: أنه طلب من هذا الإنسان أن يسامحه.

الله عز وجل طبيب، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، طبيب دواؤه يصيب العلة والداء معاً ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ, لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟)) فإذا زار الإنسان مريضًا, يشعر برقة هذا المريض، أو بصفاء هذا المريض، طبعاً: الشرط أن يكون مؤمنًا.

حدثني طبيب قال: والله جاء مريض معه مرض خبيث في أمعائه، ولكن أشهد أنه مؤمن، ما دخل عليه إنسان إلا قال له ابتداءً: اشهد أنني راض عن الله، يا رب لك الحمد ، قال لي: عجيب هذه الغرفة, فيها نورانية عجيبة, كل ما يقرع الجرس, يتهافت الممرضون في خدمته، والأطباء كذلك، وكلما دخل عليه إنسان يقول له: يا رب اشهد أنني راض عنك, ومعه مرض خبيث، ثلاثة أيام بعدها توفي.

وقال لي: ولحكمة أرادها الله, ودرساً بليغاً أراده الله، جاء مريض آخر بالمرض نفسه في الغرفة نفسها، قال لي: يسب الأنبياء كلهم، يسب الدين، يسب الإله، قال لي: رائحة لا تقابل، يقرع الجرس لا أحد يرد عليه، فالله عز وجل أطلع الناس في المستشفى على مرض واحد، آلام واحدة، أعراض واحدة، لكن المؤمن كيف وضعه؟ والكافر كيف وضعه؟.

لي صديق رحمه الله, أصيب بمرض خبيث في أمعائه، تقول زوجته: بقي يعاني من هذا المرض سنتين، قالت: والله ما سمعت إلا يحمد الله على هذا المرض، قلت لوالدها -لوالد زوجته- الذي نقل لي الخبر، قلت له: والله لو لم يكن في حياته إلا هذا الصبر على هذه الآلام, لكانت كافية لدخوله الجنة، الصبر، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر  ]

إذاً: يجب أن تعلم علم اليقين: أن المرض أداة فعالة لتربية الإنسان وللرقي به.

طبعاً: القصص على هذا كثيرة جداً، وأنا من كلماتي التي أكثر تردادها في الدروس، يعني: ادخل إلى مسجد، ولا تبالغ, تجد سبعين بالمئة من المصطلحين مع الله, اصطلحوا معه, عقب تأديب إلهي، ولكنه ناجح، الله عز وجل يؤدب، وتأديبه فعال.

1-   من فوائد الحديث استحباب عيادة المريض.

((أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ -أو المقسم- وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وإجابة الداعي, وإفشاء السلام)) طبعاً يعنينا من هذا الحديث الطويل: عيادة المريض، ((من دعي ولم يلبِ فقد عصى أبا القاسم)) تلبية الدعوة جزء من الدين، لكن بعض الناس أصلحهم الله, يلبون دعوة الأقوياء والأغنياء، ويهملون دعوة الفقراء، ولي تعليق في هذا الموضوع: 

تلبية دعوة الأغنياء، والكبراء, والأقوياء من حب الدنيا، وتلبية دعوة الفقراء, والمساكين, والضعاف من أعمال الآخرة.

2-   من فوائد الحديث استحباب اتباع الجنائز للصلاة عليها ودفنها.

   ((وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ)) يمكن لا يوجد موعظة تفوق هذه الموعظة: ((كفى بالموت واعظاً يا عمر)) إنسان في النعش, أين سيذهبون به؟ إلى القبر، ماذا في القبر؟ هنا المصير، هنا نهاية الإنسان، في القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، والإنسان بحاجة إلى أن يكثر هذه الصور، صور القبر, والدفن، والتغسيل، والتشييع.

مرة حضرت تكفين ميت, جاء بقطعة قماش طويلة, غمسها بالماء، ثم ربط بها رجليه وشدها، ثم لف بالكفن، وغطى الكفن وجهه، ووضع، هذا الإنسان، أين شخصيته, وقوته, وحريته, وحركته, وهيمنته, ونظراته المعبرة, ودقة فهمه؟ أصبح جثة هامدة، وهذا مصير كل إنسان منا، ترفرف روح الميت فوق النعش وتقول: ((يا أهلي, يا ولدي، لا تلعبن الدنيا بكم, كما لعبت بي، جمعت المال مما حل وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي)) أمر من النبي: ((أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ -أو المقسم- وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وإجابة الداعي, وإفشاء السلام)) .

3-   إبراء القسم ونصر المظلوم.

 ((وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ)) أيها الإخوة؛ لا أبالغ بعملي في الدعوة, عشرات الألوف من قضايا الطلاق, اطلعت عليها، يقول لها الزوج: لا تفعلي هذا، ويحلف بالطلاق ألاّ تفعل، لا يحلو لها إلا أن تحنث بيمينه، وتضعه في موقف حرج، هذا من فعل الشيطان.

إنسان أقسم عليك، وقد تكون أشياء سخيفة، لا تزوري أختك خلال شهر، تزورها، وتصبح مطلقة، وتجعل زوجها يتسكع على أبواب المشايخ، هذا يقول له: على رأي ابن تيمية ترجعها، وهذا يقول له: لا ترجعها، الأحناف لا يرجعونها، حلف عليك ألا تزوري أختك اطلبيها إليك، يجب أن تحنث باليمين، هذا أمر نبوي: (إبرار المقسم، ونصر المظلوم) عدل ساعة يعدل أن تعبد الله سبعين عاماً، إنسان مظلوم وأنت قادر أن تنجده

4-   إجابة الداعي وإفشاء السلام.

 ((وإجابة الداعي, وإفشاء السلام)) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: 

(( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ, وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ, وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ, وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ, وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

أي شيء يمتن علاقتك بأخيك أمرك النبي به، وأي شيء يضعف علاقتك بأخيك, نهاك الله عنه، نهاك أن تحقر أخاك، نهاك أن تغتابه، نهاك أن تقعد بين اثنين محبين، نهاك أن تفشي سراً, نهاك أن لا تلبي دعوةً.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كراع أَوْ ذراع لأَجَبْتُ, وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ))

[  أخرجه البخاري ]

كراع يعني القدم، إنسان يقول لك أحياناً: هذه الخطوات أطول من اللقمات، يدعى إلى محل بعيد، ويتكلف مشقة كبيرة حتى يصل، من سيارة إلى سيارة أو ثمن بنزين، وهذا الطعام لا يتناسب مع هذه المسافات الكبيرة، ولكن تلبية الدعوة واجب ديني.

(( عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ, وَعُودُوا الْمَرِيضَ, وَفُكُّوا الْعَانِيَ أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود في سننه  ))

[ العاني: الأسير. ]

 

تطبيقات عملية:


حدثني أخ, جزاه الله خيراً، هذا الأخ تبرع بمبلغ ضخم, سدد به كل الغرامات المدنية، يوجد مخالفات مدنية، مخالفة قانون بسيطة جداً، وأطلق سراح هؤلاء، إنسان أطلقه من الأسر، ورده إلى أهله بأربعة آلاف ليرة، ألفين سفر، وألفين غرامة، وانتهت المشكلة.

أبواب الخير لا تعد ولا تحصى، والله سبحانه وتعالى أساساً ودود، تودد إلينا بنعمه، وخلق الود بين عباده, بين الزوجين، بين الأخوين، بين الأم وابنها، وشرع لك ألف طريق لتعبر عن مودتك له، تودد إليك، وخلق الود بين عباده، وشرع ألف طريق, كي تتودد إليه، منها فكّ العاني.

يوجد أخ, جزاه الله خير، يذهب إلى سوق العصافير, يشتري العصافير المقيدة ويطيرها، العصفور طليق، أو يشتري كميات ضخمة من طعام الطيور، عنده آلاف الطيور فوق السطوح يأكلون، مشهد حيوان جائع يأكل, شيء مريح جداً.

لذلك: النبي صلى الله عليه وسلم علمنا, إذا زرع الإنسان شيئًا, وأكل الطير منه, فهو له صدقة, دون أن يدري، أي حيوان يأكل من زراعتك شيئاً, فهو لك صدقة.

وحوش النظام العالمي الجديد, أتلفوا محصول الحمضيات, ليبقى سعر الحمضيات مرتفعاً، الزنوج الفقراء, –طبعاً: أتلفوه بمزارع ضخمة، وسورها بأسلاك شائكة وأتلفوه-, يأتي الطفل الزنجي من تحت الأسلاك، ويأخذ برتقالة ويأكلها، ماذا فعلوا في العام القادم؟ سمموا المحصول، تسمع بأمور عجيبة، فائض السوق المشتركة, مشتقات الحليب بما يساوي حجم أهرامات مصر، ألقوها في البحر، والشعوب تموت من الجوع، والحفاظ على السعر المرتفع.

قرأت خبرًا بنفسي في مجلة خليجية, تم إطلاق النار على عشرين مليون رأس غنم في أستراليا, للحفاظ على أسعار اللحم المرتفع، وشعوب تئن من الجوع، وحوش.

أما النبي صلى الله عليه وسلم نبّه إلى أنه: إذا أكل طير من قمحك، وأيّ حشرة تأكل من العنب, كلها صدقة لك.

أنا ولدت قريبًا من هذا المسجد، كنت أسمع، وكان يوجد هنا في الحي نحو الشرق قليلاً, منطقة اسمها: جرم الشاويش قديماً، فيها ساقية، كل أصحاب البساتين, يضع سلة فواكه لعابر السبيل.

مر طفل, يوجد مشمش، تفاح، كمثرى، ويوجد سكينة صغيرة موضوعة، انضباط اجتماعي عجيب، لا أحد يشتهي شيئًا، كل إنسان يحمل الفواكه، يضع جزءًا من الفواكه التي يملكها.

ذهبت إلى بلدة في شمال لبنان، بلدة متمسكة ملتزمة، يوجد هناك تقليد, كلما رأوا هناك ضيفاً, يعطونه من الفواكه, ما يكفيه أسبوعاً هدية، دراق، أجاص، تفاح، أحياناً يسير إنسان في الطريق, ليس من أهل هذه البلدة, قد يكون ضيفًا، يقدمون له فواكه كثيرة جداً، يوجد ألفة، كان الإنسان يأتي إلى بلد ألف فيدعوه إنسان، أما الآن: في دمشق ترحب بكم فقط، تذهب: رافقتكم السلامة، أما إنك تجد أغلى الأسعار.

(( عَنْ ثَوْبَانَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ, حَتَّى يَرْجِعَ ))

الخرفة: أي جناها, أي ثمارها ، يوجد حديث, ولكن الآن في وضع دقيق: 

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا, لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ, فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ, رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ, إِلا عُوفِيَ ))

[  أخرجه الحاكم في مستدركه ]

يجب أن نفرق بادئ ذي بدء بين مرض الموت، الأمراض كلها في كفة, ومرض الموت في كفة، لو كان صديقًا، مرض الموت, الأمر سيتفاقم حتى الموت، مهما كان مرتبته الإيمانية عالية, إذا دخل في مرض الموت، لأن الحديث القدسي, والله حديث مخيف, يقول الله عز وجل:

ما ترددت في شيء أنا فاعله, ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت, وأنا أكره مساءته

الموت الذي يقدره الله للمؤمن, أعظم عطاء على الإطلاق، في الوقت المناسب، في الظرف المناسب.

والدعاء النبوي: 

(( اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ))

فالموت بالوقت المناسب.

(( عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ, أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ, يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا, إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ, وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ, وَالْبِلادُ, وَالشَّجَرُ, وَالدَّوَابُّ ))

مرة كنا في جلسة، وأخ من أخواننا, كان مدير مالية دمشق، قلت له: كلما أرى جنازة أقول: هنيئاً له، انتهى من المالية، قال لي: والله ما انتهى، لأنه يوجد تركات.

(( وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ, وَالْبِلادُ, وَالشَّجَرُ, وَالدَّوَابُّ ))

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((ما ترددت في شيء أنا فاعله, ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت, وأنا أكره مساءته)) لما يكشف الغطاء يقول العبد: يا رب لك الحمد على أن توفيتني في الوقت المناسب.

(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ, وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ, وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ, فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا, وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ, وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ, وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ, فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ))

[ أخرجه الترمذي ]

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا, لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ, فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَات: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ, رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ, إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ))

[  أخرجه ابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه ]

الحديث دقيق جداً، ويجب أن نتعلمه جميعاً، إلا أن يكون قد حضر أجله, هذا وضع خاص, إذا مرض الموت, هذا ليس له حل.


  قال تعالى : الذي خلق الموت والحياة....


قبل أسابيع عدة, عقد مؤتمر للأطباء في دمشق، مؤتمر أطباء القلب، حدثني أحد الحاضرين في هذا المؤتمر, قال لي: الشيء الذي لا يصدق: أنه تم اكتشاف مورث في الإنسان, يحدد سبب موته، الناس كيف يموتون؟. 

جاءت امرأة إلى طبيب, تريد أن تعمل عملية قلب، قال لها: يا أختي نجاح العملية بالمئة ثمانون، قالت له: كيف؟ قال لها: إذا مئة إنسان أجروا هذه العملية, يموت عشرون، ويعيش ثمانون، قالت له: لا، أريد مئة بالمئة، قال لها: إذا بالمئة مئة, كيف يموت الناس إذاً؟ لا يوجد طريقة، كل إنسان سوف يغادر الدنيا بسبب، هذا يغادرها تشمع كبد، هذا فشل كلوي، هذا سكتة قلبية، هذا خثرة بالدماغ، هذا ورم خبيث.

هذا المؤتمر الذي عقد قبل أسابيع في دمشق, أغرب شيء في المؤتمر: أنه تم اكتشاف مورث في الهندسة الوراثية, هذا المورث يحدد مرض الموت في الإنسان، وهذا مصداق قوله تعالى: 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

[ سورة الملك  ]

منذ أن خلق الإنسان في هندسته الوراثية, سبب موته، فالموت حق.  

أيها الإخوة؛ الشيء الأغرب: قبل عام في سفرتي الأخيرة, أُخبِرت عن مورث سرطاني لكل إنسان، هذا المورث له قامع، القامع يشل فاعليته، كل إنسان يوجد عنده مورث سرطان وقامع، متى يحدث هذا المرض؟ حينما يفك القامع عن هذا المورث، ما الذي يفك القامع؟ الشدة النفسية، الخوف، القلق الشديد، ما الذي يؤدي إلى الخوف الشديد، والقلق الشديد، والحسد، والحقد؟ الشرك بالله، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء  ]

أحد أكبر أسباب العذاب: الشرك بالله، الذي يفك هذا القامع.

هكذا حدثني طبيب كريم في لوس أنجلوس, عن هذا الموضوع, الذي يفك هذا القامع ذرة البلاستيك، فإذا اشترى إنسان لبنًا مصفى, يقول لك: نعمة، كلامه صحيح، يأتي بالسكينة, ويقحط اللبن مع الكيس بسكينة حادة، تأخذ معها بعض ذرات البلاستيك، كيلو فول مثل النار، يوضع في كيس بلاستيك، الحرارة تذيب بعض ذرات البلاستيك أو مادة حامضية في صحن بلاستيك، الحرارة والحمض، والعامل الميكانيكي، هذا الذي يفك القامع ، الذي يفك القامع ذرة البترول, الذين يعملون في إصلاح السيارات, إذا لم ينظفوا أيديهم تنظيفًا مبالغًا به آخر الدوام وأكلوا, ربما دخلت بعض ذرات البنزين أو المازوت التي تحت أظافرهم إلى جوفهم، ففكت هذا القامع.

لذلك: الآن عجلات السيارة على الزفت, يتطاير منها هذه الذرات، واستعمال المكابح أيضاً، نسب السرطان مرتفعة جداً.

الآن: في العالم, في الدول النامية, ارتفاع غير معقول، أحد الأسباب: ذرة البترول، وذرة البلاستيك، والشدة النفسية، والإشعاع الذي ينتج عن المفاعلات النووية، ولكن أكثر شيء الشدة النفسية, فالإنسان إذا وحد، واستقام على أمر الله, وعاش في بحبوحة.

هذا أحدث موضوعين: أن كل إنسان عنده مورث للسرطان، وله قامع يشل حركته، ويوجد حالات يفك هذا القامع، وكل إنسان عنده مورث في مغادرة الدنيا.


دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب لا ترد.


أيها الإخوة, الحديث: 

(( أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ, رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ  ))

ويوجد رواية:

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا, لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ, فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَات: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ, رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ, إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ))

لذلك: دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب لا ترد.

أتمنى عليكم جميعاً, إذا مرض أخ كريم, أن نزوره جميعاً، الزيارة ترفع معنوياته ، وأن تدعو له بهذا الدعاء.

يوجد حديث آخر: 

(( عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ, يَعُودُ مَرِيضًا, فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ, يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا, أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى صلاة  ))

[ أخرجه ابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه ]

  

دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لا ترد، إذا أحدنا زار مريضًا, فليدعُ له بهذا الدعاء.


  لكل داء دواء...


أيها الإخوة, الحديث الذي يملأ الإنسان راحة:

(( عَنْ جَابِرٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ, فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ, بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[ أخرجه ابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه ]

إذا قرأه مريض, يمتلئ قلبه ثقةً بالله, وإذا قرأه طبيب, كأن النبي صلى الله عليه وسلم يحثه على اكتشاف الدواء، أي مرض له دواء ((فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ, بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) أي إذا وفق الطبيب لتشخيص المرض, واختيار الدواء المناسب برئ، ولكن بإذن الله، لا يسمح الله للمادة الفعالة بالدواء أن تفعل فعلها, إلا أن يأذن الله عز وجل، لذلك: المؤمن الصادق يعالج نفسه وأهله عند الأطباء المتفوقين، ويأخذ الدواء بعناية بالغة، ويتصدق لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((داووا مرضاكم بالصدقات)) وبعدئذ: يدعو الله عز وجل أن يشفيه، هذا الطريق الصحيح السالك: معالجة عند طبيب جيد، تشخيصه صحيح، دواءه صحيح، تناول الدواء بعناية بالغة، الصدقة، ثم الدعاء, وهكذا يتم الشفاء.


  من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام للمريض: 


(( عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ, فَقَالَ أَنَسٌ: أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى, قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ, مُذْهِبَ الْبَاسِ, اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي, لا شَافِيَ إِلا أَنْتَ, شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ))

[ أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما ]

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ, قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ, فَقَالَ لَهُ: لا بَأْسَ, طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ))

وكان عليه الصلاة والسلام إذا عاد مريضاً يسأله عن أحواله، خير إن شاء الله، ما هذا المرض؟ صديقي مات بهذا المرض، هذه عادة سيئة جداً، إذا عاد الإنسان مريضاً, يجب أن ينفس له بالأجل، يعطيه أملاً، وهذا من السنة، طبعاً: تنفيس الأجل لا يطيل الأجل، ولكن يملئ نفس المريض بالراحة.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور