وضع داكن
29-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 109 - من استمع إلى حديث قوم له كارهون .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في كتاب إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم نأخذ فقرة من حديث شريف رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد أخرجه الإمام البخاري في صحيح، الفقرة التي سوف تكون محور هذا الدرس عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ متفق عليه ]

  الحقيقة أن هذا الحديث يعني أي طالب علم، لأنه ما من طالب علم يأتي إلى المسجد يتلقى العلم إلا والمنتظر منه أن يعلم من حوله، أنت حينما ترتاد بيت الله وحينما تحضر درس علم فالذي ينتظر منك أن هذا العلم ينبغي أن تنقله لمن حوله وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((بلغوا عني ولو آية ))

 وحينما تتوهم أنك لست معنياً بالدعوة إلى الله وقعت في خطأ كبير ذلك لأن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم شئت أم أبيت، أنت لماذا تصلي ؟ لأن الصلاة فرض عليك وحينما توقن أن الدعوة إلى الله فرض عليك تنطلق إلى الدعوة لكن المشكلة فهم الدين خطأً لكن الحقيقة أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، كل أمر لو فتحت القرآن الكريم إذا قال الله لك:

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة يونس: 101]

  هذا أمر التفكر أمر، إذا قال الله لك:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

 

[ سورة التوبة: 119]

  أن تعيش مع المؤمنين أمر، لو أتيح لك أن تتصفح القرآن الكريم وأن تضع خطاً تحت كل أمر لوجدت أنك أمام مئات ألوف الأوامر بل عشرات الألوف وأضعاف أضعافها في السنة هذا هو الإسلام منهج كامل، منهج يغطي كل شؤون حياتك، أما أن أكتفي من الدين فقط أن أصلي وأصوم وأن أحج وأن أؤدي الزكاة وانتهى كل شيء، الدين يدخل معك في غرفة النوم يصل إلى أشد خصوصياتك بدءاً من أن تدخل الحمام بالرجل اليسرى إلى أن تقاتل أعداء المسلمين وأن يكون كما قال عليه الصلاة والسلام المسلمون حربهم واحدة وسلمهم واحدة.
 يعني بدءاً من سلوك فردي شخصي جزئي إلى علاقات دولية هذا هو الإسلام، كلما نحينا الإسلام عن الحياة ضعفنا، فلذلك أيها الإخوة الكرام، أنت حينما تتوهم أن الدعوة إلى الله للعلماء فقط للخطباء للمفكرين لمدرسي الجامعة لمن يحمل دكتوراه في الشريعة، لا أنت مكلف بالدعوة والدعوة فرض عين عليك قولاً واحداً، الدليل:

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

[ سورة العصر ]

  فلتواصي بالحق ربع النجاة وإلا أنت خاسر، قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

[ سورة يوسف: 108]

  فإن لم تدعُ إلى الله على بصيرة فلست متبعاً لرسول الله، وإن لم تتبع لرسول الله فلست محباً لله عز وجل الدليل، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾

 

[ سورة آل عمران: 31]

  أمور واضحة كالشمس، الدعوة إلى الله لها خصائص، النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أحد هذه الخصائص، إنك لن تستطيع أن تفتح العقول ببيانك ما لم تفتح القلوب بإحسانك، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، أنت لو عندك شاب في المحل التجاري وأحسنت إليه، لو رآك تصلي لصلى معك، أما إن لم تحسن إليه لو أمرته أن يصلي لصلى بلا وضوء خوفاً منك، كلمة أوضح كل أب محترم بحسب العادات والتقاليد وبحسب مبادئ الدين أيضاً لكن ما كل أب يُحَب، لا يُحب الأب إلا إذا كان محسناً فأنت لن تستطيع أن تقنع أولادك بالصلاة وبالانضباط إلا إذا كنت محسناً لهم، كل إنسان أراد أن يكون داعية، أراد أن يكون مناراً للإسلام، أراد أن يعيش لدعوة كبيرة ينبغي أن يبدأ عمله بالإحسان، أحسن إلى النفوس وبعدها أقنعها بالحق، النقطة الدقيقة أن الله عز وجل حينما قال:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾

 

[ سورة فصلت: 30]

  ربنا الله ثم استقاموا، تلازم الإيمان والعمل، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

 

[ سورة البينة: 7]

  في أكثر من مئتي موضع لم ترد كلمة الإيمان إلا مع العمل الصالح، نتابع الآية:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾

 

[ سورة فصلت: 30-32]

  دققوا الآن:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

 

[ سورة فصلت: 33]

  علامة إيمانك الاستقامة على أمر الله وعلامة نجاح دعوتك وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، إذاً من لوازم الإيمان الاستقامة ومن لوازم الدعوة إلى الله العمل الصالح، نعود إلى الكلمة الأولى لن تستطيع أن تفتح عقول من حولك إلا إذا فتحت قلوبهم بإحسانك، أول مبدأ في هذا الدرس، تحب أن تدعو إلى الله أحسن إلى من تدعو إليه بكلمة طيبة بخدمة جيدة بهدية بمعاونة باهتمام بتفقد، ما لم تحسن لن تؤثر، أما كل إنسان بإمكانه أن يقول كلمات مرتبة على سجع مثلاً بأدلة القضية سهلة أما الإحسان صعب لذلك الأنبياء والمرسلون على خلاف ما يتوهم بعضهم مهمتهم الأولى القدوة والإحسان مهمتهم الثانية التبليغ، التبليغ سهل أي إنسان طليق اللسان ذاكرته قوية يحفظ نصوص كثيرة بإمكانه أن يبلغ لكن ليس أي إنسان بإمكانه أن يبذل أن يعطي من وقته من ماله من خبرته الشيء الكثير، حدثني قريب توفي رحمه الله كان عنده محل بالحلويات قال لي دخل إلى هذا المحل إنسان غير مسلم سأله سؤالاً غريباً جداً قال له هل تعلمني صنع الكاتو ؟ قال نعم ببساطة بأريحية فعمل أمامه طبخة كاتو قالب بعدما انتهى قال له اكتب ماذا أفعل، بعد أن انتهى قال له اعمل قالباً أمامي، هذا الإنسان طبعاً ليس مسلماً يقيم بآخر مكان في سوريا على الحدود، فتح محل حلويات هناك وطبق التعليمات وربح يقسم بالله قريبي أن بقي ثلاثين عاماً يأتيه كل سنة بهدية قال له لا أنسى فضلك حتى الموت.
 هذا المسلم، أنت حينما تحسن تفتح عقول الناس إلى كلامك أما حينما لا تحسن لا أحد يهتم بكلامك، أما حينما تسيء يغتاظ الناس من دعوتك إذا في قسوة بالمعاملة يصير في تفلت فأنا أقول قبل أن تطلب العلم وقبل أن تجمع الأحاديث والآيات وقبل أن تتبحر في الأدلة والنصوص إن أردت أن تكون داعية إلى الله ينبغي أن تكون محسناً، افتح قلوب من حولك بالإحسان إليهم وبعدئذ تنفتح عقولهم لكلامك، أما هنا:

 

((... مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُون صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ متفق عليه ]

  يعني لا تجلس في مجلس لتستمع إليه ومن حولك يكرهك، ولا تلقي على الناس حديثاً تتوقع أن يستمعوا إليه وهم يكرهونك، مدام في كراهية الطرق كلها مغلقة ومسدودة هذا أول منهج وقد ينتهي هذا الشرح في قاعدة الإحسان قبل البيان، أب أحسن إلى أولادك أولاً ثم عظهم، أم أحسني إلى بناتك أولاً ثم دليهم على الله عز وجل.
 لكن في قاعدة ثانية القدوة قبل الدعوة ممكن أن تنتفع من طبيب وتعلم أنت علم اليقين أنه غير مطبق إلى الدين وممكن أن تنتفع من مهندس وتعلم علم اليقين أنه لا يطبق الدين ولك أن تنتفع من محامي وتعلم علم اليقين أنه لا يطبق أوامر الدين لكن لن تنتفع من داعية تظن أنه لا يطبق أوامر الدين، إذا ما في تطبيق ما في تأثير لذلك تجد الأنبياء فعلوا المعجزات، هل يمكن أن يقلب وجه الأرض بدعوة نبي عاش في قومه سنوات محدودة ؟ وملايين الدعاة لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً، فالقوة، قوة الدعوة في التطبيق.
 أول شيء في هذا الدرس، الإحسان قبل البيان، الشيء الثاني القدوة قبل الدعوة، لا يتمكن الأب أن يمنع ابنه عن التدخين وهو يدخن لو يلقي عليه مئات المحاضرات تدخين الأب أقوى من كل المحاضرات، لا تتمكن الأم تعلم ابنتها الصدق إذا كذبت على أبيها أمامها، مستحيل، القدوة قبل الدعوة بل إني أبالغ وأقول إن كنت قدوة لو لم تنطق ببنت شفة فصمتك يغنيك عن أن تقول أي شيء، أخت كريمة اتصلت بي أنه في شاب خطبها رأت من أخلاقه الشيء الذي لا يصدق استطاع أن يؤثر فيها تأثيراً دينياً يفوق تأثير الدعاة مع أنه لم ينطق ببنت شفة عن الدين، أخلاقه دعوة بصراحة، أيها الإخوة إذا ما كان في تميز صارخ أخلاقي بالمؤمن لم يحمل الناس على الدخول في الدين ما معنى قوله تعالى:

 

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)﴾

 

[ سورة النصر: 2]

  المواقف الأخلاقية والصدق والأمانة يجعل الناس يتهافتون على الدين، أما الآن ماذا تجد ما في إنسان متفلت من الدين إلا في معه حجة رأينا أصحاب الدين، معه حجة غير مقبولة عند الله عز وجل لكن مقبولة في المجتمع حتى أن بعضهم بلغ درجة من التجاوز أنه لا يتعامل إلا بإنسان بعيد عن الدين لأنه يظن أنه أصدق وعمله متقن أكثر، النماذج السيئة التي تعامل الناس معها هذه سببت صدمة قاسية جداً قصص كثيرة جداً، إذا لك مظهر ديني إذا لك انتماء ديني يجب أن تنتبه، أن تلاحظ نفسك ملاحظة كبيرة جداً، فالقدوة قبل الدعوة كن قدوة في عملك في انضباطك في إنفاق مالك وبعدئذ ادع الناس إلى تطبيق هذه القاعدة، لذلك ورد:

(( ابن آدم عظ نفسك فإن وعظتها فعظ غيرك وإلا فاستحي مني ))

  يضاف إلى أن القدوة قبل الدعوة أنك حينما تكون قدوة تجد أن هناك من يقلدك وأنت صامت وأنا أتكلم عن مصطلح جديد اسمه الدعوة الصامتة، المؤمن ينبغي أن يعمل وفق منهج الله تماماً في شيء ثاني يضاف إلى ذلك الناس على علم وعلى بصيرة بما يفعل من حولهم فإذا في مبالغة في كذب الإنسان ينفر أما إذا في صدق الإنسان يقبل فأكبر رأسمال تملكه ثقة الناس بك وثقة الناس بك أساسها الاستقامة، أريد أن أضيف قاعدة تفيدنا جميعاً في الدعوة إلى الله التربية لا التعرية. ليس هدفك أن تحطم من حولك ليس هدفك أن تحرج من حولك لا تحمروا الوجوه هدفك أن تأخذ بيد من حولك إلى الله.
كنت أقول دائماً في بالتموين مصطلح اسمه التدخل الإيجابي في السوق، وفي مصطلح آخر اسمه أسلوب القمع، أنت مدير تموين بمحافظة عندك خمسين موظف تموين وفي محلات تبيع بضاعة سيئة بأسعار غالية تخالف الأنظمة فأنت أمام طريقين إما أن تسلك طريق القمع وإما أن تسلك طريق التدخل الإيجابي، طريق القمع معروف ترسل موظفين يغلقون المحلات يزجون بأصحاب المحلات في السجن مع غرامات كبيرة جداً هذا أسلوب القمع، لكن في أسلوب اسمه التدخل الإيجابي تفتح محلات تبيع أفضل بضاعة بأرخص سعر بأطيب معاملة فجميع الناس يتهافتون عليك، أصحاب هذه المحلات إما أن يقلدون فيعيشون أو لا يقلدون فيموتون من الجوع فأنت لا قمعت ولا أغلقت محلات ولا زججت بأناس إلى السجن لكنك كنت قدوة في البيع والشراء، وكل داعية الآن لا يهاجم فئة ولا ينتقص من قيمة طائفة ولا يقول نحن على حق وفلان على باطل هذا طريق مسدود كل واحد معه كلام يقوله كل واحد له أنصار، أما الشيء الصحيح أنت كن قدوة وانطق بالحق وأحسن إلى الناس، كن قدوة وأحسن وتكلم بالحق فقط تجد أن الناس يقبلون عليك ويقلدونك وينتفعون بدعوتك، هذا الكلام أتمنى أن يعرفه أي داعية، أنا أقول أي داعية لأن كل واحد منكم طالب علم ينبغي أن يكون داعية إلى الله عز وجل وما في شرف أعظم أن تكون تحت هذه الآية:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت: 33]

  يعني لا تجد على وجه الأرض إنساناً أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، طبعاً هذا بمقاييس الآخرة ألم يقل عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي رضي الله عنه:

(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس وخير لك من حمر النعم وخير لك من الدنيا وما فيها ))

 ألم يقل عليه الصلاة والسلام:

(( أفضل كسب الرجل ولده ))

 ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾

 

[ سورة الطور: 21]

  يعني أنت حينما تربي ابنك كل أعماله وأعمال ذريته إلى يوم القيامة في صحيفتك، حينما تهدي إنساناً كل من حوله ممن اهتدى بهدي هذا الإنسان في صحيفتك، عطاء الله في الهداية كبير جداً، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

[ مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، أحمد، الدارمي ]

  هنا محل الإشارة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول:

(( خير كسب الرجل ولده ))

 لأن الله عز وجل حينما يعطينا على أعمالنا الصالحة عطاء غير محدود إذاً أولوياتنا القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، التربية لا التعرية، هذه بعض مبادئ الدعوة إلى الله والقدوة قبل الدعوة يعني التدخل الإيجابي بدل أن تهاجم فئات أخرى وأن تلتقي لها وأن تتهمها بالشرك والابتداع بدل هذا الطريق المسدود الشائك الذي يثير فتناً في المجتمع كن قدوة وانطق بالحق وأحسن إلى من حولك، طبعاً كل هذا الكلام مأخوذ من كلمة وهم له كارهون، الدعوة تحتاج إلى محبة.
 مرة اطلعت على مشكلة تعاني منها أكبر دولة اشتهرت بصنع السيارات، دولة بعيدة جداً فاقتها وغزت أراضيها عشر سيارات ثمانية من صناعة شرقية في اليابان فهذه الدولة العريقة بصناعة السيارات حينما غزتها صناعة أخرى للسيارات صار هناك مشكلة كبيرة، يحدثني خبير أن هناك فرقاً تقنياً صناعياً بين السيارتين فلما ذهبوا إلى هناك واطلعوا وجدوا أن الفرق اجتماعي وليس تقني كيف ؟ في بعض البلاد الشرقية البعيدة كاليابان العامل مضمونة كل حاجاته وبمثابة صهر صاحب المعمل لا يسرح، مضمونة طبابته ومواصلاته ورواتبه مجزية وله جزء من الربح فالتصاق العامل هناك بالمعمل وتفانيه بخدمته قوي جداً لذلك تفوقت هذه الصناعات في عندنا نحن ظاهرات أيها الإخوة الكرام، اليابان ما فيها أي مادة أولية إطلاقاً وصادراتها للعالم تعادل صادرات العالم الإسلامي بأكمله بما فيه النفط أربعة أضعاف، ولا تملك شيئاً من المواد الأولية لا بترول ولا فوسفات ولا حديد ولا شيء إطلاقاً، هذا البلد يمثل العمل وحده، أنت حينما تصمم أن تفعل شيئاً تفعل كل شيء.
 الآن بالدعوة، بالدعوة أنت حينما تريد أن تحقق شيئاً لا يصح إنسان طوال عمره يأتي على الدروس نقول له إلى متى تستمع ؟ متى تنطق بالحق ؟ طوال عمره يتلقى متى تلقي ؟ طوال عمره يلتزم متى تحمل غيرك على الالتزام ؟ أقول لكم أيها الإخوة الكرام، إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي

(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس وخير لك من حمر النعم وخير لك من الدنيا وما فيها ))

 يوجد بالدنيا شركات أرباحها بالمليارات، يوجد بالدنيا مكاسب ووظائف وثروات ومتع يقول النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد المعلمين والمربين

(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس وخير لك من حمر النعم وخير لك من الدنيا وما فيها ))

 خير لك مما طلعت عليه الشمس، معنى هذا إنسان يرتاد المسجد ويتلقى العلم ولا يتكلم بكلمة في حياته هذه مشكلة كبيرة جداً وفي أساليب كثيرة أن إنساناً تعطيه شريطاً تعطيه كتاباً أن تأخذه معك إلى الدرس أن تصله أن تقدم له خدمة أن تستميل قلبه عندئذ يأتي معك إلى الدرس فلهذا الذي أتمناه في هذا الدرس أن نؤمن أن الدعوة إلى الله فرض عين وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وأنا أحياناً أجد شخصاً التزم في المسجد بعد حين في عشرة ممن حوله أصبحوا في المسجد قد أجد شخصاً عنده نشاط في الدعوة كبير جداً، صار بقلب العشرات بل المئات ما الذي يمنعك أن تكون مساهماً في هذا العمل العظيم ؟
 كل هذا الكلام

((... مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ))

  يجب أن تكون محبوباً وكنت أقول دائماً الذي لا يجد رغبة في أن يحب أو أن يحب ليس من بني البشر يجب أن تسعى لأن تكون محبوباً عند الناس والمؤمن كيس فطن حذر والمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
 أيها الإخوة الكرام، حدثني أخ كريم له دعوة في بلد مجاور سبب دعوته أنه راكب مركبته وجد إنساناً يركب دراجة وقد قطع الجنزير وهو في حيرة والأخ الذي يركب مركبة عنده خبرة فأوقف مركبته وأعانه على إصلاح دراجته ما تكلم ولا كلمة، وأنا عندي أيها الإخوة الكرام، شواهد كثيرة جداً أن بدايات الهداية عمل صالح دون أن ينطق بكلمة يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، جبلت فأنت حينما تفكر في خدمة تقدمها للآخرين تملك قلوبهم، أخ كان في بلد في الحجاز هو مدرس في مدير للمدرسة صعب جداً إذا قرع الجرس ينبغي أن يتوجه كل المعلمين إلى صفوفهم قال لي مرة صببت كأساً من الشاي وما إن انتهيت من صب الكأس حتى قرع الجرس لا يستطيع أن يشرب الكأس، قال لي وجدت مستخدم بالمدرسة قدمت له هذا الكأس ضيافة شربه وتأثر تأثراً بالغاً من تقديم هذا الكأس قال لي: في اليوم الثاني سألني قال له أنا في هذه المدرسة من عامين وما أحد سلم علي، سلام فضلاً أن يقدم لي كأساً من الشاي فلماذا فعلت هذا ؟ قال لي والله أنا قدمته لأنها انتهت الفرصة وليس كرم مني، فصار في لقاء وصار في زيارة وإذ بهذا الإنسان من دولة من شرقي آسيا فقيرة جداً يعمل آذن قال له أنا معي ماجستير في العلوم قال لي: صعقت، ماجستير في العلوم، لكن ما في عمل ودعاه إلى البيت على أساس يمتحن هذه الدعوة أخرج له موسوعة علمية باللغة الإنكليزية قال له هذه ما معناها، قال لي عجيب أجابني إيجابيات دقيقة جداً فعلاً معه إجازة من خلال قراءته وتعليقاته ويعمل آذناً قال له تسمح لي أن آتي إليك كل أسبوع ؟ طبعاً ليسوا مسلمين وثنيين، قال لي عملنا لقاء أسبوعي وبعد شهرين ثلاثة سبعة أسلموا كلهم. قلت سبحان الله ممكن سبعة أشخاص يسلموا بتقديم كأس شاي في البداية، أنت لا تعلم كم للعمل الصالح من أثر في الدعوة إلى الله، ابنِ حياتك على خدمة الناس، ابنِ حياتك على العطاء، على إكرام الناس، الآن بهذه الطريقة تفتح قلوبهم فإذا فتحت قلوبهم صار الطريق سالكاً إلى عقولهم، أما إذا قلوبهم مغلقة والطريق إلى عقولهم مغلقة أيضاً، كم في الحياة من كلام كله كلام بكلام في تفنن عالي جداً إلقاء الكلمات لكن لأنه ما في إحسان ما أحد يصغي إلى أحد أبداً أنت لا تصغي إلا إلى المحسن.
 لذلك أعود وأكرر وأقول الإحسان قبل البيان، لن تستطيع أن تفتح عقول الناس ببيانك إلا إذا فتحت قلوبهم بإحسانك، والقدوة قبل الدعوة إن لم تطبق ما تقول لا أحد يصغي إليك ولا تستأهل دعوتك إلا ابتسامة ساخرة، وكنت أقول دائماً أيها الإخوة الكرام، ما من عمل يتذبذب بين أن يكون عملاً عظيماً يرقى إلى صنعة الأنبياء وبين أن يكون عملاً تافهاً لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة كالدعوة إلى الله يكون عملاً عظيماً ترقى إلى صنعت الأنبياء حينما ترافقها القدوة ويرافقها الإحسان عندئذ تملك القلوب والأنبياء ملكوا القلوب والأقوياء ملكوا الرقاب، وشتان بين من يملك القلوب وبين من يملك الرقاب، الذين يملكون الرقاب يمدحون في حضرتهم بينما الذين يملكون القلوب يمدحون في غيبتهم، وفرق كبير بين أن تمدح في غيبتك وبين أن تمدح في حضرتك، فرق كبير لذلك الإحسان قبل البيان والقدوة قبل الدعوة والتربية لا التعرية، ليس القصد أن تفضح الإنسان وأن تصغره وأن تحرجه وأن تحمر وجهه القصد أن تأخذ بيده كن حكيماً وكن لطيفاً وحدثه عن خطيئته بينك وبينه من دون أن تشهر به هذه بعض القواعد في الدعوة وقد انطلقت بها من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((... مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ))

 لابد من الحب ولا بد من الإحسان ولا بد من التطبيق ولا بد من الإخلاص ولا بد من الحكمة هذه قواعد الدعوة إلى الله وكل إنسان كائن من كان يجب أن يكون داعية إلى الله عز وجل.

تحميل النص

إخفاء الصور