وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 085 - قصة أصحاب الأخدود.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
  أيها الإخوة الكرام، من علامات التوفيق في حياتك الدنيا، أن تنظر لمن هو أدنى منك، فهذا أحرى بك، أن لا تحتقر نعمة الله عليك، أن تنظر لمن هو أدنى منك في شتى المجالات، يعني، أحدنا يأتي إلى المسجد، ويصلي، ويستمع لدرس علم، ولا شيء عليه، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شكوا له مرة، ماألم بهم من ضيق، فذكر لهم النبي عليه الصلاة والسلام قصة أصحاب الأخدود،

 

﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾

 

[سورة البروج]

  يعني أحيانا، الذنب الوحيد الذي يُؤخذ به الإنسان، ويستحق أن يقتل، أنه آمن بالله، يعني، الإنسان، هناك نعم، لا تُعدّ، ولا تُحصى، أنك مؤمن، وتصلي، وتصوم، وتحج البيت، وزوجتك محجبة، وأنت آمن في بيتك، آمن في بيتك، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، ونحن الآن في بلاد كثيرة لا تستطيع أن تدخل المسجد، ولا أن تحضر مجلس علم إطلاقا، أنا أذكركم بنعمة الله الكبرى عليكم، أن تأتي، تستمع إلى درس علم، تستمع إلى آيات الله تتلى عليك، تستمع إلى حديث رسول الله يُفسرُ لك، تصلي وأنت مطمئن، يعني، بالتاريخ القريب، وليس البعيد، بتركية، من وُجد معه مصحف، يقتل، مثلا، يعني، قصص لا تعد ولا تحصى من قصص الضغط على المسلمين، فإذا كنت آمنا في سربك، معافا في جسمك، عندك قوت يومك، فكأنما حيزت لك الدنيا بحذافيرها، أنا أريد من خلال هذا الدرس أن تقدروا نعمة عبادة الله، نعمة عبادة الله، النبي عليه الصلاة والسلام فسر في الصحاح، في البخاري ومسلم والكتب الصحيحة، فسر الآيات المتعلقة بأصحاب الأخدود، فقال عليه الصلاة والسلام: كان ملك من الملوك، وكان له كاهن يكهَن له - هذه القصة رواها النبي عليه الصلاة والسلام بألفاظها، كان ملك من الملوك، وكان له كاهن يكهَن له - بالمناسبة، لما ربنا عز وجل، ذكر فرعون، قال:

 

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾

 

[سورة القصص]

  وكل إنسان أعان إنسانا ضالا، فله الإثم نفسه، يعني من عظمة هذا الدين، أنه من يشفع شفاعة حسنة، يكن له نصيب منها، إذا أنت ساهمت في هداية إنسان، كل أعمل هذا الإنسان الصالحة في صحيفتك، كل فضائله في ميزان حسناتك، كل أعماله الجليلة في حوزتك يوم القيامة، لأنك ساهمت في هدايته، أي شفعت له شفاعة حسنة، دللته على الله، دللته على الخير، أعنته على طاعة الله، مسكته بالكتاب، حببته بالمسجد، حملته على الإستقامة، شجعته على العمل الصالح، فكل أعماله الصالحة، هو وذريته من بعده إلى يوم القيامة، في صحيفتك أرأيت إلى هذا الكرم الإلهي ؟ يمكن أربح تجارة على الإطلاق، التجارة مع الله، على الإطلاق يعني، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[سورة فصلت ]

  هنيئاً لمن كانت مفاتيح الخير على يديه، هنيئا لمن استخدمه الله في الخير، هنيئا لمن جعل الله تعالى حوائج الناس عنده، هنيئا لمن كان مصدر خير للناس، مصدر رحمة للناس، مصدر خير للناس، هكذا الدنيا، من يشفع شفاعة حسنة، يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة قال لك: ماذا أفعل له، والله معي قرشين، قل له والله الآن أكثر شيء الملاهي شغالة، يقول لك ملهى وتربح أرباحا طائلة، كل هذه المعاصي، أنت قلت كلمة، تكلمت كلمة، أقنعته، أن الآن الأمور، التجارة التقليدية واقفة، أما تجارة السياحة، والملاهي، والنوادي الليلية، والمطاعم المتفلتة، هذه ممتازة، فأنشأ ملهى، أقام مقصفا، جمع، فكل هذه الأعمال التي تمت في هذا المقصف، وفي هذا الملهى، وكل أنواع المعاصي التي ارتُكبت في هذا الملهى، في صحيفة، لا الذي أنشأه بل الذي أشار عليه أن ينشئه، من يشفع شفاعة حسنة، يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، أنتبه، عد للمليار قبل أن تدلَّ إنسانا على معصية، أو على كسب غير مشروع أو على عمل لا يرضي الله، أو على علاقة مشبوهة، إحرص أن لا تنطق بكلمة تسبب مخلافة، أو انحراف، أو تقصير، أو محبة للدنيا، فهذا الملك الظالم كما روى النبي، النبي عليه الصلاة والسلام يحدثنا، كان عليه الصلاة والسلام، بالتعبير المعاصر، كان متحدثا لبقا، مصطلح ثابت في علم النفس، متحدث لبق، فشرح النبي عليه الصلاة والسلام لنا قصة أصحاب الأخدود، الله عز وجل قال:

 

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)﴾

 

[سورة البروج ]

  يعني أنت ماذا تحملت في سبيل الدعوة، يعني، الآن يقول لك كان لنا ملتقى، قمنا بنزهة، حتى نُسمع الناس الحق، الإنسان الآن يُغرى بنزهة بوليمة، حتى يسمع كلمتي حق، كان من كان قبلكم يُنشر بالمناشير ليرجعوا عن دينهم، ماذا تحمل أصحاب رسول الله ؟ تحملوا الشيء الكثير، ألم تقم حروب، وضعوا أنفسهم على أكفهم ؟ ! ضحوا بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، فيا أيها الإخوة الكرام نحن مع قصة رواها النبي عليه الصلاة والسلام، عن أصحاب الأخدود، لأن هؤلاء الذين وُضعوا في الأخدود، وحُرّقوا بالنار، لهم ذنب واحد هو أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، فقط، هذا أكبر ذنب عند الطغاة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الطويل، موجود في الصحاح كلها، وقد شرح به عليه الصلاة والسلام قصة أصحاب الأخدود، فقال: كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، يعني يسمونها المنطلقات النظرية، الإنسان يحتاج إلى من يدعمه بالفكر أحيانا، يعني كل إنسان، طبيعة الإنسان، يحتاج إلى دعم فكري، ماذا قال فرعون:

 

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)

 

[سورة غافر]

  ما من إنسان إلا يعبِّر عن واقعه بكلام مقبول، لأن الإنسان منطقي، واحد يغش الناس، إسأله، لماذا تفعل هذا ؟ يقول لك، يا أخي، الزمن صعب، أنا عندي أولاد، هذه بلوى عامة صارت، يعطي تبريرات، طبعا غير مقبولة إطلاقا، لكن ما يوجد إنسان، يرتكب معصية، ولو جهارا إلا يغطيها بكلام معسول، يعني، إذا أحب أن يعمل اختلاطا، يقول لك المرأة نصف المجتمع، ينبغي أن لا تحبسها، أنت تستمتع بها لكن أنت تجعلها في الوحل، من أجل شهوتك فلذلك أيها الإخوة، هذا الملك، كانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وَكَانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ فقال الكاِهنُ: انْظُرُوا لِي غُلاَماً فَهما-يريد غلاما ذكيا، فطنا، سريع الفهم، سريع التعلم، - أَوْ قالَ فَطِناً لَقِناً- بالرواية فهما، أو كان فطنا، أحد كتاب الأدب له تعبير لطيف، قال لي صديق، كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني، صغر الدنيا في عينه، كان خارجا عن سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجا عن سلطان الجهالة، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا تكلم بذى القائلين، وكان يُرى ضعيفا مستضعفا، فإذا جد الجد، فهو الليث عاديا، وكان لا يُدلي بحجة إلا إذا رأى قاضيا فهما، فهم يعني سريع الفهم، وشهودا عدولا، -، لقنا ألقنه أي يتعلم عن طريق التلقين - فأُعَلّمَهُ عِلْمِي هَذَا فإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ - الكاهن حريص على أن تستمر هذه الكهانة والتدجيل من بعده، يعني تجد إنسانا متفلتا، يتمنى أن يكون ابنه متفلتا مثله، فإذا تاب إلى الله عز وجل، يتمنى أن يكون ابنه مثله، إن الطيور على أشكالها تقع، والله عز وجل أحيانا، هؤلاء الدجالون، هؤلاء السحرة، المشعوذون، قد يأتيهم رزق وفير، فخرق العادات على يد المنحرفين، ضلالات، وخرق العادات على يد المؤمنين الصالحين كرامات، وخرق العادات على يد الأنبياء والمرسلين معجزات، فأنت بين معجزة، وبين كرامة، وبين ضلالة، إلا أن المعجزة، أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحدى بها الناس، لأنها دليل أنه رسول، بينما الكرامة، هذا إشعار لك فيما بينك وبين الله أن الله يحبك، واسمعوا ماذا سأقول، والله أيها الإخوة، والله ثم والله، ثم والله، ما من مؤمن على وجه الأرض يخطب ودّ الله، بعمل بخدمة، بطاعة، بإنفاق، ببذل، بنصيحة، بتواضع، بأنه يرحم الناس، إلا أشعره الله فيما بينه وبينه بطريقة أو بأخرى، أنه يحبه، يعني أنت مشدود للدين لا لأن الدين منطقي فقط، هو الدين منطقي، الدين قد دلك تفسيرا كاملا للكون والحياة، الدين جعلك متوازنا، الدين أعطاك المركز القيادي في الحياة، الدين جعلك الإنسان الأول، الدين أعطاك تفسيرا متكاملا، متناسقا، توجد موت، إذا واحد غير مؤمن، هناك مشكلة، مشكلة غير معقولة، يعني قبل يومين حدثني أخ، إياكم أن تفهموا مني إلا الذي أريد أن أقوله لكم، أخ يعتني بجسمه عناية، من عشرين سنة، ما ترك المشي يوما، ولا ترك السباحة يوما، ولا يوما، مشي وسباحة، وكلما جلس في مجلس، كل قليلا، كل خضرا، كل فواكهها، كل خبز نخالة، اعتن بصحتك، اعمل رياضة، امش، اسبح، هذه دعوته الوحيدة، ما عنده موضوع غيرها، من يومين ثلاثة، رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جنته، بالمسبح، سلت، تحرك حركتين، انتهى، وافاه الأجل، يوجد طبيبي قلب، ما لحقاه، ما هذه الحياة ؟! إنسان يغادر الحياة خلال أربعة دقائق، مباشرة، خلاص انتهى، مغادرة بلا عودة، طيب،أهله لم يروه، يا ترى هناك حسابات ؟ هناك علاقات ؟ هناك أشياء باسمه مسجلة، خلاص انتهى، هذا الشيء، يعني بهذا الشهر زمان، أخوان كريمان بهذه الطريقة ماتوا، بأربع دقائق كان منتهيا، لا يشكو شيئا، على الإطلاق، أخ ثان عنده دعابة، قاعد بسهرة، قال أنا ستطول بي الحياة، لماذا يافلان ؟ قال: أنا أكلي قليل أولا، وأمشي، وأنا لا أحمل نفسي الهموم، كله كلام علمي، هذه أسباب طول الحياة، أكله قليل، رشيق، لا يدخن يمشي، رياضي، لا يحمِّلها، قال هذا الكلام في جلسة يوم السبت، السبت القادم كان تحت الأرض، مدفونا، معنى ذلك أنه إذا واحد ما آمن بالآخرة عنده مشكلة كبيرة، يوجد اختلال توازن، يعني، الآن الواحد حتى يستقر، يكون عنده دخل معقول، يركب مركبة، يسكن في بيت ملك، يجد زوجة في بيته، مثلا، يجد له ولدين ثلاثة، يموت مليون موتة حتى يصل، بالخمس والأربعين استقر وضعه، بالخمسين، بقي له عشر سنوات، بعد العشرة، شرف، الآن امش، قضية المغادرة قضية مخيفة جدا، ممكن يغادر بثانية، نعم، إذا من دون إيمان، الإيمان قدم لك تفسيرا منطقيا، أنه توجد حياة دنيا، دار عمل، وتوجد آخرة أبدية، دار جزاء، هنا المهم أن تعمل، الآخرة المهم أن تستمتع، بجنة عرضها السماوات والأرض، فأنت مشدود للدين، لا لأن الدين منطقي فقط، لأن الله عز وجل عاملك معاملة رائعة جدا، ذابت نفسك محبة له، قال لي واحد من مدة،: كيف أثبت على هذا الطريق ؟ قلت له: والله إذا واحد فتح محلا تجاريا، وكل يوم مبيعاته مليون ليرة، وربحه بالمائة خمسين، معقول أن يترك هذا العمل؟ ‍‍‍‍!
  إذا قال لك كيف أثبت على هذا العمل ؟ هذا كلام غير منطقي، مادام يوجد ربح أكيد، وغلة عالية جدا، وأرباح بالمائة خمسين، وعندك دخل فلكي، كيف تترك ؟ تتشبث بهذا العمل تشبثا عجيبا، إذا وَكَانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ فقال الكاِهنُ: انْظُرُوا لِي غُلاَماً فَهما فأُعَلّمَهُ عِلْمِي هَذَا فإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ
  فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا العِلْمُ وَلاَ يَكُونَ فيكم مَنْ يَعْلَمُهُ- كثير من الحرف مبنية على الدجل، مبنية على الكذب، وأنا أنصح الإخوة الكرام، قضية فك السحر، وقضية شيخ يطالع الجني من الإنسان، هذه قضايا كلها خرافات في خرافات، ليس معقولا أن الإنسان أن الله عز وجل، في موضوع خطير كهذه الخطورة ألا يكون له تشريع، قال لك:

 

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

 

[سورة الأعراف]

  استعذ بالله بقلب حاضر، أما أنه يوجد دجالون، وأناس يعيشون على الخرافات والأباطيل والأوهام، قالَ: فَنَظَرُوا لَهُ عَلَى ما وَصَفَ-وجدوا غلاما على ما وصف، فهما، فطنا لقنا، - فأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الكاهِنَ-أي يأتي إلى بيته - وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ. فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ-غلام ذكي جدا، يعني الإيمان يحتاج إلى ذكاء، سيدنا سليمان، لما أراد أن يهدي الملكة بلقيس، ماذا فعل ؟ امتحن ذكاءها، جاء بعرشها من اليمن، وغير تغييرا بسيطا، قيل أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو، إجابة رائعة، إذا كان هو قالت كأنه هو، وإن لم يكن هو، كأنه لا تعني أنه هو، وإذا أصابه تبديل، كأنه هو، يعني يحتمل كلامها ثلاث حالات، فالإيمان يحتاج إلى فطانة، نعم، واحد قام على المنبر يخطب، ومتحمس كثيرا، ردد قول خبيب، قال: ولست أبالي حين أَقتلُ مسلما، على أي جنب كان في الله مصرعي، قالوا له إنزل، ولست أبالي حين أَقتل مسلما هذا في النار خالدا مخلدا صار، هي البيت، ولست أبالي حين أُقتل مسلما، على أي جنب كان في الله مصرعي، مسافة كبيرة جدا، بين أن تقول ولست أبالي حين أَقتل مسلما، على أي جنب كان في الله مصرعي، وبين أن تقول ولست أبالي حين أُقتل مسلما، على أي جنب كان في الله مصرعي، يعني كثير من القصص والنوادر أن الدعوة تحتاج فطانة، تحتاج ذكاء، تحتاج حنكة، والنبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة، قال: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين الإنسان المتفوق يحمل معك، أما هناك شخص أنت تحمله، الصحابة حملونا، يعني والله مقام أبي أيوب الأنصاري في استنبول، يعني سبحان الله، من أين جاء هذا الصحابي الجليل، عمره ثمانون سنة، من أقاصي الدنيا، كم كيلومترا،بين مكة والمدينة وبين استنبول حتى هذا البلد ينعم بالإسلام ؟ أربع وثمانون مليون مسلم، في استنبول عشرة آلاف مسجد، عشرة آلاف مسجد باستنبول، وكلها تؤذن باللغة العربية، وكأنك في الشام، نعم، فوجدوا غلاما ذكيا، لقنا، فطنا ليتعلم هذا العلم من الكاهن، الذي هو أساس ملك هذا الملك الشديد، - وَكانَ عَلَى طَرِيقِ الغُلاَمِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ ـ قالَ مَعْمَرٌ: أَحْسَبُ أَنّ أَصْحَابَ الصّوَامِعِ كانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ-يعني كلمة مسلم لاتعني أن دينه الإسلام الآن، يعني الأنبياء جميعا مسلمون، كل إنسان خضع لمنهج الله فهو مسلم، لذلك توجد آيات، حصرا، الأنبياء الذين ذكروا في القرآن واحدا واحدا، هناك آية تؤكد أنه كان مسلما، وأنا أول المسلمين، فالإسلام بالمعنى الواسع، كل إنسان استسلم لله، وخضع لله، فهو مسلم، فيروي هذا الصحابي الجليل أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين يعني أناس أتقياء عرفوا الله، وانقطعوا إلى صومعتهم يعبدون الله عز وجل، - ـ قالَ: فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرّاهِبَ كُلّمَا مَرّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أَخْبَرَهُ - توجد على الطريق صومعة لراهب، هذا الغلام فطن ذكي، بدافع حب الفضول، يعني، دخل عليه، استأذن منه، سمع منه كلاما آخر، كلام الباطل كله دجل، كلام مضحك، كلام بلا دليل، كلام بلاتعليل، كلام غير متماسك، كلام سطحي،كلام فيه مبالغات، أما اجلس مع إنسان مؤمن، كلام منطقي، كل قضية ودليلها، والحادثة ينبأ بها، يبدو أن هذا الغلام، طرب طربا لا حدود له لكلام هذا الراهب، صار له جلسة مع ساحر، كاهن، وجلسة مع راهب، والفرق مئة وثمانون درجة، أنا أقول لك كلمة، أكبر إنسان يخدم الدعوة، هو الإنسان الضال، تجد إنسانا قذرا مزاحه منحط أمانته مشكوك بها، كلامه كذب، نظراته شهوانية، تعليقاته لازعة، أناني، وصولي، منافق، متعجرف، أنت توازن موازنة طبيعية مع مؤمن، تجد أنه لا يوجد مثله، يعني أكبر شيء يخدم المسلم هو الطرف الثاني، من خلال موازنة بسيطة، تجد أن المسلم متألق، والكافر في الوحل فهذا الغلام صار يسأل ذلك الراهب، كلما مر به، فلم يزل به حتى أخبره، فقالَ: إِنّمَا أَعْبُدُ الله،-فالملك كان يُعبد من دون الله، ألم يقل فرعون: ما علمت لكم من إله غيري، ألم يقل فرعون: أنا ربكم الأعلى، فهذا الغلام فطن، فعند الكاهن الإله هو الملك، وعند الراهب الإله هو الله، - قالَ: فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ وَيبطئ عَلى الكاهِنِ،-ذلك لم يعجبه، أكثر وقته مع الراهب، أقل وقته مع الكاهن، - فأَرْسَلَ الكاهِنُ إِلَى أَهْلِ الغُلاَمِ إِنّهُ لا يَكَادُ يَحْضُرُنِي-فعاقبه أهله - فأَخْبَرَ الغُلاَمُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ، فقالَ لَهُ الرّاهِبُ: إِذَا قالَ لَكَ الكاهِنُ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْ: عِنْدَ أَهْلِي، وَإذَا قالَ لَكَ أَهْلُكَ أَيْنَ كُنْتَ فاخْبِرْهُمْ أَنّكَ كُنْتَ عِنْدَ الكاهِنِ، -فلما الكاهن أخبرهم، انكشف الأمر، فإذا تأخر عن الكاهن، يعاقبه أهله، يعني، أنا أقول لواحد: أنت حتى عرفت الله ماذا دفعت ؟ أيام يكون فيه شدة شديدة، أيام يكون فيه أب ظالم، لا يسمح لك أن تحضر درس علم، لا يسمح لك، الأسر المتفلة، إفعل الموبقات كلها، الإبن معزز مكرم، لما يتوب إلى الله، فيغض بصره، يقام عليه النكير، هذا من علامات انحراف المجتمع، فصار إذا تأخر عند الكاهن يُحاسب، وإذا تأخر عند الراهب، يُحاسب،
  قالَ: فَبَيْنَمَا الغُلاَمُ عَلَى ذَلِكَ إذْ مَرّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النّاسِ -في أثناء الطريق، هو لايزال محتارا، هذا يقول الملك إله، وهذا يقول الإله خالق السماوات والأرض، لايزال لم يأخذ قرارا لكن كلام الراهب منطقي، وكلام الكاهن غير منطقي، - كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابّةٌ - يعني وحش كاسر واقف في مكان قطع الطريقِ الطريق ممر إجباري بين بلدتين، واقف وحش مخيف يعني فالناس خافوا، هذا الغلام يبدو على اتصال بالله شديد،-، فقالَ بَعْضُهُمْ: إنّ تِلْكَ الدّابّةَ كانَتْ أسَداً، قال: فأَخَذَ الغُلاَمُ حَجراً فقالَ اللّهُمّ إِنْ كانَ مَا يَقُولُ الرّاهِبُ حَقّا فأَسْأْلُكَ أنْ أَقْتُلَهَا،- قال له يا رب دلني بك عليك، إذا كنت تعلم أن هذا الراهب يقول حقا، وأنك أنت خلقت السماوات والأرض، فمكنني من قتل هذه الدابة، - قال: ثُمّ رَمَى فَقَتَلَ الدّابّة َ،-فالناس فرحوا فرحا شديدا أنظر الإنسان، أحيانا يوظف نجاحه لذاته، وهذا شرك بالله، وأيام يوظف الإنسان نجاحه للدعوة، لله، كثير من الأشخاص، يُوفقون في عمل، هذا من خبرات متراكمة، يقول لك، قل توفيق الله عز وجل، بيِّن للناس أن هذا النجاح بسبب طاعتك لله عز وجل، أعز هذا النجاح إلى الله، أنت عبد، فهذا الغلام، قال له يا رب: إن كان كلام الراهب حقا، وأنت خالق السماوات والأرض، وأن هذا الملك يقول باطلا، وأن هذا الكاهن، يعني، يعينه على كفره، فمكنني من قتل هذه الدابة، فألقى عليها حجرا أصاب مقتلا من مقاتلها فماتت، فكبر الناس، وعلموا أنه بدعاء رب السماوات والأرض، صار فيه فرح، فرح جديد، عند الناس كلهم، أنا ربكم الأعلى، الملك، الآن توجد قرية، شاهدوا بأعينهم، كيف أن غلاما دعا الله، قال يارب، إن كان كلام الراهب حقا فمكنني من قتل هذه الدابة، -هذه قصة رواها النبي عليه الصلاة والسلام، - فقالَ النّاسُ مَنْ قَتَلَهَا قالُوا الغُلاَمُ، فَفَزِع النّاسُ فقالُوا قَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ عِلْماً لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، قالَ فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فقالَ لَهُ: إنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَري فَلَكَ كذَا وكذَا، قالَ له: لا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إليْكَ بَصَرُكَ أُتُؤْمِنُ بالّذِي رَدّهُ عَلَيْكَ؟-يعني وظف كل إمكاناته في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، قالَ: نَعَمْ قالَ: فَدعَا الله فَرَدّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ - فالأعمى صار عنده يقين قوي بصحة عقيدة هذا الغلام، وهناك رواية أخرى أن هذا الأعمى كان وزيرا للملك، فلما علم أن هنالك غلاما يشفي الأمراض المستعصية، أتاه، قال له: أنا لا أشفيك أنا عبد ضعيف، ولكن أدعو الله لك، قال له أدعو الله لك خالق السماوات والأرض، فإن شفاك الله ينبغي أن تؤمن، فهذا وزير الملك، لما دعا له الغلام آمن برب السماوات والأرض، ذهب إلى الملك، قال له أنت لم ترد علي بصري، لكن رب هذا الغلام رد لي بصري، فأنت لست إلها، فصار عند الملك مشكلة، صار في أهل القرية طرح خلا ف طرحه، وصار هناك إنسان شفاه الله من العمى، وبدأت تجري على يديه خوارق، لكن هذا الغلام يعزوها إلى الله عز وجل، أبرئ الأكمه والأبرص، وأُحيي الموتى بإذن الله، والمؤمن دائما يرجع أعماله الصالحة إلى توفيق الله وإلى حفظ الله، قال له إن رجع إليك بصرك، يجب أن تؤمن بالذي رده إليك، قال له نعم، فدعا الله، فرد الله عليه بصره، فَآمَنَ الأعْمَى، فَبَلَغَ الملِكَ أَمْرُهُمْ. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فأُتِيَ بِهِمْ فقالَ: لأَقْتُلَنّ كلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لا أَقْتُلُ بهَا صَاحِبَهُ، فأمَرَ بالرّاهِبِ -جاء بالغلام، مازال يعذبه حتى أقر من شدة التعذيب بالراهب، جاء بالراهب، وجاء بالأعمى، وجاء بأهل اللقرية، - والرّجُلِ الّذِي كانَ أعْمَى فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى مَفْرَقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَه وَقَتَل الاَخَرَ بِقَتْلةٍ أُخْرَى، ثُمّ أَمَرَ بِالْغُلاَمِ -يعني قتل كل واحد، الراهب قتله بالمنشار، والأعمى وزيره قتله، وكل من آمن برب هذا الغلام قتله، قد تستغربون هذا الكلام، لكن يعني، التاريخ الحديث في بلد من إفريقيا، جُمع علماء هذا البلد، وأحرقوا بالنار، في ساحة المدينة الكبرى، هذا شيء ثابت قبل عشر سنوات وقال الذي أحرقهم، سأصحح القرآن بالقلم الأحمر، ونحن والحمد لله هذه من نعم الله الكبرى، تصلي، وتصوم، وتأتي مجالس العلم، وأنت في راحة كبيرة، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، هذا الغلام، طبعا قتل كل من آمن برب الغلام، بقي الغلام، فقالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا وكَذَا فأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ،- الآن الله عز وجل تدخل، فانْطَلَقُوا بِهِ إلى ذَلِكَ الْجبَلِ فَلَمّا
  انْتَهَوْا بِه إِلى ذَلِكَ المَكَانِ الّذِي أَرَادُوا أنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ، ويَتَرَدّوْنَ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاّ الغُلاَمُ. قالَ: ثُمّ رَجَعَ فأَمَرَ بِهِ المَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلى البَحْرِ فَيُلْقُونَهُ فِيهِ فانْطلقَ به إلى البَحْرِ فَغَرّقَ الله الّذِينَ كانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاهُ -يعني هذا الغلام صار عقدة كبيرة جدا، ليس هناك طريقة، حاول الملك أن يقتله بها إلا نجا، والذين أمرهم به هم الذين يهلكون، فقالَ الغُلاَمُ لِلْمَلِكِ: إنّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وتَرْمِينِي وتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي بِسْمِ الله رَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قَالَ: فأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمّ رَمَاهُ فقَالَ بِسْمِ الله رَبّ هَذا الغُلاَمِ.
  قَالَ: فوضَعَ الغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى صَدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمّ مَاتَ، فقالَ الناسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ عِلْماً مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ فَإِنّا نُؤْمِنُ بِرَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلاَثَةٌ فَهَذَا العَالَمُ كُلّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، قَالَ: فَخَدّ أُخْدُوداً ثُمّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنّارَ ثُمّ جَمَعَ النّاسَ فقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ في هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهمْ في تِلْكَ الأُخْدُودِ. قَالَ يَقُولُ الله تبَارَكَ وتعَالَى فِيهِ:

 

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾

 

[سورة البروج]

(({قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الوَقُودِ} حَتّى بَلَغَ {العَزِيزِ الْحَمِيدِ}فَأَمّا الغُلاَمُ فَإِنّهُ دُفِنَ، قَالَ فَيُذْكَرُ أَنّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ وَإِصْبَعُهُ عَلَى صدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ"))

[رواه الترمذي]

  الإنسان أحيانا يضحي بنفسه من أجل إثبات حقيقة، أو من أجل تحجيم عدو، فهذه القصة التي وردت في الصحاح، والتي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، في كتب الحديث، هذه قصة تؤكد أن الإنسان حينما يؤمن، يجب أن يوطن نفسه على الابتلاء، الإمام الشافعي سئل، أندع الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى. أنا لا أريد أن تفهموا من كلامي أن الإنسان سوف ينشر بالمناشير، هذه تحتاج إلى إيمان كبير جدا، ولكن، يعني إذا كان شيء من المتاعب، إذا كان ضايقوا الشاب لأنه التزم بدينه، معقول الشاب، لأدنى مضايقة، يترك ؟ لا قال تعالى:

 

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾

 

[سورة الحج ]

  فالبطولة، لا أن تعبد الله على حرف، أن تعبد الله في المنشط والمكره، وأن تعبده في إقبال الدنيا وإدبارها، وأن تعبده قبل الزواج، وبعد الزواج، وأن تعبده قبل أن تؤسس عملا، وبعد أن تؤسس عملا، وأن تعبده والدنيا مقبلة عليك، وأن تعبده والدنيا مدبرة عنك، فأما الذي يعبد الله في الرخاء فقط، هذا يعبد نفسه، ليس من إنسان في الرخاء إلا تجده حامدا شاكرا، يقول لك حامدينه، شاكرينه، لكن ليس هناك التزام، أما إذا جاءت الأمور على غير ماتريد، يبدأ الضجر، ويبدأ القلق، وما إلى ذلك، فطبعا هذه القصة، وإن كان تصورها صعبا جدا، أن الإنسان لأنه آمن بالله العزيز الحميد، ينشر بالمناشير ويحرق في الأخدود، ولكن إذا الأهل ضايقوا شابا لأنه التزم، معقول أن هذه المضايقة البسيطة تصرفه عن الدين، أنا أقول لكم قصة هذه تؤلمني كثيرا، يعني أخ يكون غير ملتزم، هذا الجامع مفتوح، بابه مفتوح، أي إنسان يدخله، أي إنسان كائنا من كان، يجوز الجامعة، هناك تسجيل، هناك شهادات، هناك امتحان مقابلة، هناك شروط قبول، الجامعة ترتيب آخر، أما الجامع، هذا فيه عينات عشوائية من المجتمع، لو فرضنا إنسانا أساء لك في هذا المسجد، قد يأتي إنسان إلى هنا وليس فيه جنس الدين وقد يكون إنسان منافق كبير، وقد يكون إنسان وصولي، فإذا أساء لك إنسان، خلاص ترك الجامع، هناك واحد لا أستطيع أن أنظر إليه، معقول إنسان دخل كلية الطب مثلا، ومعلق آمالا على هذه الكلية، سيغدو طبيبا لامعا، ولأن طالبا من طلاب هذه الكلية أساء إليه، ترك هذه الكلية، يكون أحمقا، يا بني، أنا زعلتك، قال لا أستاذ، أنت ما حكيت ولا كلمة، هناك واحد زعلني أستاذ، لن احضر خلاص، مادام هو بهذا الجامع أنا لن أحضر، والله شيء مضحك، حتى لا ينظر إليه فقط، هناك إنسان لأدنى سبب، لأدنى شبهة، تجده ترك الحق، إسمع الآية:

 

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾

 

[سورة البروج ]

  مرة اللهم صل عليه ذكر أن صحابيين وقعا في أسر مسيلمة الكذاب، مسيلمة الكذاب قال لأحدهما أتشهد أني رسول الله ؟ قال ما سمعت شيئا، فقتله، جاء للثاني، قال أتشهد أني رسول الله ؟ شهد له، خاف، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام،: أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله، وأما الثاني فقد قبل رخصة الله، شايف عظمة الإسلام، ما حملك فوق طاقتك، لو فرضنا أن أصحاب الأخدود آمنوا بأن الملك ربهم، يجوز أنه بالحكم الشرعي لا شيء عليهم، لكن كانوا أبطالا، اعزوا دين الله فأعزهم الله، أنا مرة ذكرت أنه في عصر الدول المتتابعة كان هناك ملك ظالم، أراد أن يقهر العلماء، فجاء بلحم خنزير، وأمرهم أن يأكلوه، وكل من لم يأكل قتله، كلهم أكلوا طبعا، واحد من العلماء الكبار ورع جدا، فمن شدة هيبته، ومكانته الكبيرة في المجتمع، خادم الملك، قدم له لحم ظأن، قال له ياسيدي هذا ليس بلحم خنزير، فقال له العالم ولكنه عند الناس لحم خنزير، ولم يأكل فقتله، أحيانا الإنسان يضحي بحياته، لكن يكون درسا كبيرا جدا للناس، هؤلاء ضحوا بحياتهم، ولكنهم كانوا مثلا أعلى لكل الذين تحملوا الضغط، في سبيل عقيدتهم.
يعني كتعليق على هذا الدرس، وطن نفسك أن تحمل هم المسلمين، وطن نفسك أن تتحمل في سبيل الله الشيء الكثير، وطن نفسك أن الحياة ليست مزرعة ورود، والحياة فيها متاعب، ولما الإنسان يأخذ طريق الهدى، هناك خصوم، هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، هذه المعركة أرادها الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾

 

 

[سورة الأنعام]


  ليس من دعوة صادقة إلا لها خصوم، فلو كان الأمور يعني سهلة جدا، ليس هناك جنة أساسا، تصور أن الله عز وجل جعل الكفار كلهم بأمريكا، وجعل الشرق كله مؤمنين، لا فيه معركة خندق، ولا فيه أحد، ولا فيه بدر، ولا فيه هجرة، ليس هناك شيء، الأمور كلها سهلة لم يعد هناك جنة، فهناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، والمؤمن لا يرقى إلا بتحمل قرار بطولي، أنت آمنت بالله، هذا قرار بطولي، أحيانا هذا الإيمان بالله يمنعك أن تأكل مالا حراما، قد يأتيك عرض مغر جدا، تقول معاذ الله، واحد مثلا، طالب طب تخرج حديثا، أخذ شهادة، عينوه طبيبا شرعيا، هناك جريمة قتل، هذا المقتول ترك مائتي مليون، قال له خذ خمسة ملايين، وقل وفاة طبيعية، والله شيء مغر، خمس ملايين، عشر ملايين، بيت ما عنده تحل كل المشاكل عشرة ملايين، قال لا معاذ الله هذه جريمة قتل، فشوف، أيام الإنسان هناك امتحانات صعبة جدا، حكى لي مهندس، أن هذا الإسمنت، السنتيمتر مكعب، يتحمل خمسمائة كيلو، ضغط، مع الشدّ على خمسة كيلو غرامات يقطع، فالإسمنت يتحمل ضغطا مخيفا، خمسمائة كيلو غرام يحملها سنتيمتر مكعب واحد، أما لو شددت هذا السنتي، بخمسة كيلو غرامات، يكسر كل طبخة إسمنت، يعيرون قوى الشد، الطبخة ناجحة جدا، ستة كيلو غرامات، الطبخة فيها خلل، ثلاثة كيلو غرامات، أنا أقول كل مؤمن، ينكسر على شيء، على إغراء معين أو على ضغط معين، فكلما كان إيمانك قويا، لا تكسر لا على سياط الجلادين اللاذعة، ولا على سبائك الذهب اللامعة، سبائك الذهب اللامعة إغراء، وسياط الجلادين اللاذعة، أحدٌ أحد، هذا تخويف، ضغط، فكل مؤمن، معرض لضغط، أو معرض لإغراء، فبطولته، أن يتماسك، أمام الضغط، وأمام الإغراء، أما أنه مؤمن، لا ضغط، ولا إغراء، طول حياته، للجنة، هذه مستحيلة، والدليل قوله تعالى:

 

 

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾

 

 

[سورة العنكبوت]


  سنة الله في الخلق أن يمتحن المؤمن، وأحيانا ربنا عز وجل يُفرز المؤمنين بهذه الطريقة، تأتي شدَّة، المؤمنون يُفرزون، حكى لي صديق كان بالقاهرة أثناء الزلزال، لما صار الزلزال هناك أطباء عملوا في المستشفى أربعة وعشرين ساعة، في إنقاذ الجرحى، وهناك أطباء ولَّوا إلى الإسكندرية، مكان آمن، ترك رسالته، ترك مهمته، ونفذ بريشه، فمن دون زلزال لا تعرف من المخلص، كلهم يتكلمون كلاما طيبا، يقول لك نحن في خدمة المجتمع، نحن جنود المجتمع، نحن رسل الصحة، ما دام ما فيه زلزال، الكلب يتبروز بالكلام، لأن الكلام سهل، لما صار الزلزال، الطبيب المخلص المؤمن، بقي في المستشفى، يخدم الجرحى كل الوقت، والطبيب الذي إيمانه ضعيف ولَّى هاربا إلى الإسكندرية، فالإنسان بالزلزال يُمتحن الإنسان، فدائما فيه فرز عند الله عز وجل، الفرز يكون بالشدة أياما، وأياما ليس بالشدة، الشيء المغري كلهم جابوا صحونا، والله شيء يسلِّي، يعني، عندك مائتي محطة دجتل، مائتي محطة، فيفيه إغراء، وفيه ضغط، أنت ممتحن بالإغراء، وممتحن بالضغط، بالإغراء، ممكن تسقط في الامتحان، وبالضغط ممكن تسقط، فأنا ذكرت هذا الدرس، حتى يوطن المؤمن نفسه أنه أخذ قرارا بطوليا، وأخذ قرارا سيتيح له أن يكون من أهل الجنة إلى أبد الآبدين، فهذا القرار يحتاج إلى التحمل، فنحن الحمد لله ما أحد ذاق منا شيئا صعبا، نحن في بحبوحة، نأتي إلى الجامع، وإذا واحد صار صاحب دين الناس يحترمونه، أحيانا زيادة، ليس هناك شيء، هذا الوضع المريح جدا، هناك ناس تركوه أيضا، تغريه بعزيمة، تغريه بسيران، تغريه يسمع كلمتين، تعطيه هدية، حتى يسمع، كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم، يعني يتحملون من الشدائد ملا يحتمله إنسان، النبي الكريم قال:

 

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال))

[ أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ]

  وقال:

(( أشد النَّاس بلاءً الأنبياء ثُمَّ الأَمثَلُ [فالأمثل] يُبْتَلى الَّرجُلُ على حَسَبِ دينه فَإنْ كَانَ في دِينِه صَلباً اشْتَدَّ بَلاؤه وإن كان في دينه دقة ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة))

[رواه ابن ماجه في سننه]

  أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه القصة التي رواها النبي عليه الصلاة والسلام، شرحا لأصحاب الأخدود، وأن تكون باعثا لنا على أن يقوى عودنا وعلى أن تشتد همتنا، وأن نتحمل بعض، يعني الابتلاءات، لأن الله عز وجل لابد من أن يبتلي، إما أن يبتلي بالأشياء المحببة، أو بالأشياء غير المحببة، فإما هناك ضغط، أو هناك إغراء، والمؤمن متماسك أمام الضغط، وأمام الإغراء

تحميل النص

إخفاء الصور