وضع داكن
24-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 030 - أحاديث شريفة تبدأ بـ إن ....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الحديث النبوي الشريف، وثمة حديث شريف عن أسامة بن زيد، هذا لحديث لو عرفنا أبعاده، وصدقنا مضمونه كما أراد النبي عليه الصلاة والسلام لانتزع من قلبنا أي خوف، و أي حزن، و أي قلق، و أي فرح، غير الفرح الذي أراده الله عز وجل.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:

((كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ))

[متفق عليه ]

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ))

أيّ شيء أعطاك إياه ثم أخذه فهو في الأصل لله تعالى، كل شيء أعطاك الله إياه عارية مستردة،

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى))

 أي شيء تتمتع فيه يجب أن تعلم علم اليقين أنه من الله عز وجل، ومعنى أنه من الله أنه في أيّ لحظة يمكن أن يسترده، وأي شيء استرد منك يجب أن تعلم أنه في الأصل ليس لك، إنما هو لله عز وجل، هذا الذي يقول: ما لي ما لي، هذا بيتي، هذه حاجاتي، ما أدرك بعد هذا الحديث الشريف،

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ))

 أخذ منك بعض المال، أخذ منك بعض الصحة، أخذ منك بعض الأولاد، أخذ منك شيئاً، حينما أخذه هو في الأصل له، ما أخذ منك شيئاً تمتلكه أخذ شيئاً يملكه هو، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 

[ سورة الفتح: 14]

  ملكاً وتصرفاً ومصيراً، الأشياء لله وهو جل، يتصرف فيها كيفما يشاء، ومصيرها إليه، فحيثما جاءت لام الملكية في نسبة الملكية إلى الله عز وجل فإنما تعني الملكية والتصرف والمصير، ((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ))، يد الله عز وجل يد رحيمة، يد حكيمة، فإذا استردت منك شيئاً في خريف العمر، في مقتبل العمر، في وسط العمر، في شبابك، في كهولتك، في شيخوختك، أي شيء أخذ منك فهو في الأصل ليس لك، هو في الأصل لله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾

 

[ سورة آل عمران: 26]

 حتى عين الإنسان ليست ملكه، حتى سمعه، حتى بصره، حتى كل أعضاؤه،

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى))

 والذي أعطاك إياه لا ينبغي أن ترى أنك حصلته بكسبك، وبتعبك، وبجهدك، إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى،

((وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ))

  الآن متى أخذ هذا الشيء ؟ ولماذا أخره ؟ ولماذا أخذه في وقت مبكر ؟ ولماذا أخر أخذه إلى وقت متأخر ؟ حتى البرنامج الزمني داخل في سنن الله عز وجل، من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
 كل شيء بقضاء وقدر، الإيمان بالقدر نظام التوحيد، هذا الذي أعطاك الله إياه هو منحة منه، ليس لك عليه حق أبداً، والذي أخذه منك هو في الأصل له، أعطاك، وما يزال مالكاً، وسلبك وهو في الأصل ملكه، إذا فهمنا هذا الحديث تهون علينا مصائب الدنيا.

 

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ))

 معنى ولتحتسب: ولتجعل هذه المصيبة صبرك عليها ابتغاء وجه الله عز وجل، هذا الحديث يكتب في النعي أحياناً:

 

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ))

  أيها الإنسان، الحقيقة في الحوادث أن البطولة في تفسيرها، فإذا أمكنك أن تفسر الحوادث، إن في الإكرام أو الحرمان، في العطاء أو الأخذ، في الصحة أو المرض، في الغنى أو الفقر، في القوة أو الضعف، في الوسامة أو الدمامة، زوجة صالحة أو زوجة سيئة، أي شيء تأخذه، أو أيّ شيء يسلب منك إنما هو بقضاء من الله وقدر، وأفعال الله كلها تنطلق من حكمة مطلقة، والحكمة تنطلق من الخير المطلق، فالحديث هذا إذا كتبه الإنسان في مكان ظاهر في بيته:

((أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ))

 علم معنى أنه مملوك لله، فلا يحزن على شيء.
 وفي حديث آخر رواه الطبراني:

((إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها))

[ الطبراني]

 أنت وعاء، فبماذا ملأت هذا الوعاء ؟ أنت آنية من أواني الله عز وجل، عبدي طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة ؟ فالقلب بيت الرب، قلبك آنية الرحمن، هل ملأتها من صبغة الله عز وجل، أم ملأتها من حب الدنيا ؟ هل ملأتها من معان راقية جاء بها القرآن الكريم، أم ملأتها من سفاسف لا ترقى إلى المستوى الذي يريده الله منك ؟

((إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها ))

 كاد الحليم أن يكون نبياً، لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، وما ينزع من شيء إلا شانه، علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف.
 شيء آخر، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))

[ أحمد ]

 يجب أن تعلم علم اليقين أن كلمة (لو) يجب أن تنزعها من قاموسك، لأن الله عز وجل ما شاء فعل، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان، ولكن هناك (لو) واحدة مسموح بها، هي لو الإيجابية، وقد وردت في قوله تعالى إذا حدث قحط وانحباس أمطار، قال تعالى:

 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

 

[ سورة الأعراف: 96]

 لا مانع إذا تعاملت بطريقة أو بأخرى بالربا، وأتلف الله المال، وقلت: لو لم أفعل لما تلف مالي، هذه لو مقبولة، ويجب أن تقولها.
 الإيمان ألاّ ترى مع الله أحداً، الإيمان ألا ترى زيداً أو عبيداً، أن ترى يد الله وحدها تتصرف،

((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))

 هذا يرد الشظية الطائشة، والقتل الخطأ، أخطاء العباد يوظفها الله عز وجل لمصلحة العباد، العبد يخطئ، ولكن الله لا يخطئ، الله عز وجل مطلق، فإذا آمنت بهذا الحديث:

((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))

 علمت حكمة الله عزوجل.
 الإيمان بالقدر يريح النفس، كما قال عليه الصلاة والسلام، الإيمان بالقدر نظام التوحيد، والإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، وكلمة (لو) كلمة لا تفيد شيئا، كلمة راحت من يدي، ما أخذتها، أخذوها مني، هذه الكلمات كلها تسبب الحزن والشعور بالحرمان، لكن المؤمن لا يرى مع الله أحداً، ليس إلا يد الله تعمل في كل شيء.
 أحياناً الإنسان يعاني من هموم في كسب الرزق، يقول لك: السوق بور، والأحوال صعبة، والعمل قليل، والمصروف أكبر بكثير من الدخل، ولا نعرف كيف ندبر أمورنا، هذا كلام الناس، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في هذا الحديث:

((إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا العمرة، ولكن يكفرها الهموم في طلب المعيشة))

[الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة]

 يعني ربنا عز وجل جعل الهموم في طلب المعيشة من بعض المكفرات، وربنا عز وجل لحكمة أرادها جعل كسب المال الحرام سهلاً، وجعل كسب المال الحلال صعباً، فقال عليه الصلاة والسلام:

((من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له))

[الطبراني في الأوسط عن ابن عباس بلفظ: من أمسى...]

((إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا العمرة، ولكن يكفرها الهموم في طلب المعيشة))

  من قصر في العمل ابتلاه الله بالهم، المصائب منوعة تنوعاً كبيراً جداً، هناك مصائب تمس النفس، ومصائب تمس الجسد، ومصائب تمس السمعة، ومصائب تمس الأهل، والمصائب أنواع منوعة، لا يعلمها إلا الله، الله عز وجل يمكن أن يصل إليك من ألف باب وباب، بل من مليون باب وباب، ولا تستطيع أن تتقي علاجه إلا إذا كنت كما يرضى، لأنه لا ينفع حذر من قدر، يؤتى الحذر من مأمنه، كل أنواع الاحتياطات، وأخذ الاستعدادات، والذكاء، والخطط، والتدبير إن لم يرافقها توفيق من الله عز وجل تبوء كلها بالإخفاق، فلذلك لا ينفع حذر من قدر، ولكن ينفع الدعاء مما نزل، وما لم ينزل.
ومن علامات قيام الساعة كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

((مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِلْخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ))

[ متفق عليه ]

  العلم قليل، مثلاً ترى حيًّا مكتظًا بالسكان، الذين يرتادون المساجد قلة، لو نظرتم إلى المساجد إذا قيست بعدد سكان البلدة فهم قلة قليلة،

((مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ))

 وأثمن شيء في الحياة أن تكون عالماً، لأن أساس كل سعادة العلم، قبل كل حركة العلم، قبل أي توجه العلم، قبل أي تصرف العلم، لأن كل شيء مبني على العلم، فبه تكون سديدًا صحيحًا موفقًا مجديًا نافعًا ناجحًا فائزًا.
 قال:

((إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله - حديث دقيق - فأدوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم))

  الملاحظ أن كل هذه الأحاديث الشريفة تنصب على مكارم الأخلاق، بل الدين كله مكارم أخلاق، بل إن العبادات حجمها بالنسبة لمكارم الأخلاق كحجم الفحص في الامتحان في العام الدراسي، تمضي السنة كلها في مكارم الأخلاق، فإذا أردت أن تصلي كانت الصلاة ميزاناً لعلاقاتك بالناس، لذلك قال عليه الصلاة والسلام الصلاة: الصلاة ميزان، فمن وفى استوفى، يعني من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها.
((إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم ))

 هل تعلم ما هي الأمانة ؟ أنت حينما يكون عليك إيصال أو وثيقة، وتؤدي ما عليك فليست هذه أمانة أبداً، لأنك لو رفضت أن تؤديها فهناك من يحاسبك قضائياً، الأمانة أن تؤدي ما عليك من دون وثيقة، من دون شهود، من دون إيصال، من دون سند، من دون اعتراف، من دون كاتب عدل، من دون مذكرة تبليغ، لا يسمى الأمين أميناً إلا إذا أدى ما عليه من دون وثيقة، من دون مستمسك.
 كلكم يعلم أن سيدنا عمر جاءته رسالة من بعض الولاة، قال: يا أمير المؤمنين، إن أناسًا قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسّهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، قال: يا سبحان الله ! أتستأذنني في تعذيب بشر ؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله ؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله ؟ أقم عليهم البينة، البينة المستمسك، أقم عليهم البينة، فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعهم إلى الإقرار، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا فادعهم إلى حلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، وايم الله لأن يلقوا الله بخياناتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم.
 هناك نظام، أول شيء: بينة مستمسك، وثيقة، ثانياً: اعتراف، ثالثاً: حلف يمين، ولا سبيل لك على إنسان حلف اليمين التي استحلفته بها، وعندئذ ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يحاسبك.

((إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم))

 لماذا قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

 

[ سورة النساء: 58]

  لمَ لمْ يقل: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانة إلى أهلها ؟ لماذا جاءت كلمة الأمانات جمعاً ؟ لأن زوجته أمانة، وأولاده أمانة، والمرضى عند الطبيب أمانة إذا غشهم، والشاري عند الصيدلي أمانة، إذا انتهى مفعول الدواء، ومسح محل انتهاء المفعول، فموضوع الأمانة خطير جداً، يدور مع الناس حيثما داروا، في كل نشاطات حياتهم، التاجر، والصانع، والمزارع، والموظف، والجندي، والقائد، كل إنسان وكله الله بأشخاص فهؤلاء الأشخاص عنده أمانة، فإما أن يضيعهم، وإما أن ينصحهم، ولن يرضى الله عنك إلا إذا كنت نصوحاً.

 

((إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم))

 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

((كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ))

[ أبو داود ]

 موقف شنيع أن شخصًا مسلمًا هو لك مصدق، كلامك عنده مقبول، كلامك عنده ثابت، وأنت تكذب عليه، لذلك الكذب كما قال عليه الصلاة والسلام: المؤمن لا يكذب، فإذا كذب فقد برئت منه ذمة الله، إذا كذب ليس مؤمناً، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب،

((فأدوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم))

 حسن الجوار من حسن الإيمان، المؤمن هو الذي يأمن جاره بوائقه.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الْجَارُ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ: شَرُّهُ))

[ مسلم، أحمد ]

  البوائق هي المضايقات والإيذاء.
 وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ ؟ قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا، فَيَقُولُ: لِمَ ؟ فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي))

[ أحمد ]

 قال تعالى:

 

﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾

 

[ سورة الزمر: 73]

  لما ربنا عز وجل يتجلى للمؤمنين فيرون وجهه الكريم، ويغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة، هذه السعادة التي لا توصف لا ينبغي أن نزهد فيها، وأن نتبع الدنيا، وأن نجمع الدرهم والدينار لذاتهما.
 عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))

[ مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد، ابن ماجه ]

  يعني إذا أردت أن تقتل أفعى فيجب أن تقتلها بإحسان، إذا أردت أن تقتل عقرباً فيجب أن تقتله بإحسان، إذا أردت أن تذبح شاة فيجب أن تذبحها بإحسان، أحد الصحابة كان يذبح شاةً أمام أختها، فالنبي عليه الصلاة والسلام عنفه، قال: هلا حجبتها عن أختها ؟ تريد أن تميتها ميتتين، الإحسان: وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته، يعني أن تكون السكين حادة، هذه من وصايا النبي عليه الصلاة والسلام لئلا يُعذب الحيوان.
 أحيانا الإنسان يقتل عقربًا، لا يموت فيدوسه بقدمه، يتحرك، يتركه، ويمشي، ما دام قتلته، وأردت أن تقتله فهذه الحركة مزعجة له، ما دام فيه روح وحركة وتكسر قد يُعذب ساعة أو ساعتين، فإذا قتلت العقرب فاقتله قتلاً مجهزاً، هكذا السنة،

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))

  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ))

[ متفق عليه ]

  لما يعرف الإنسان أن والده عليه حق، ومن حقوق الوالد على ابنه أن يحفظ له سمعته، فإذا تجاوز الحدود، وأساء، وسب آباء الناس، وردوا عليه بسب أبيه، إذا سبوا أباه جلبوا لأبيه هذه السمعة السيئة، وهذا السباب والشتم، فهذه كما روى الإمام البخاري عن رسول الله:

((إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ))

  أحياناً الإنسان عنده قدرات عالية يهابه الناس، ويتقون شره، يظن نفسه ذكياً، يظن موقفه ذكياً جداً، وتمكن أن يحدث حوله هالة من الإرهاب، عَنْ عَائِشَةَ

((أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، أحمد ]

  الذي له لسان بذيء، واستطال على الناس، وله كلام فاحش، والناس يتقون لسانه السليط هذا شر الناس عند الله، الحياء من صفات المؤمن، وأحياناً تلتقي مع سفيه لا تجد ما تجيبه، هذا وسام شرف لك، أما لو كال لك الصاع فكلت له الصاع صاعين، تكلم بكلمة سباب سببته عشرًا، ليس هذا من أخلاق المؤمن،

((إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ))

  إن الله تعالى هو السلام، أي يهديهم سبل السلام، من أسمائه السلام، وكل من اقترب منه عاش في سلام، كل من عرفه، وأطاعه، وتقرب إليه دخل في سلام، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، أحمد ]

  لأن العبد الصالح مشى على منهج الله، ومنهج الله عز وجل يهديك سبل السلام، أنت في سلام دائماً إذا اتبعت منهج الله، ولا يوجد مصيبة في الأرض إلا بسبب معصية، وليس هناك معصية في الأرض إلا بسبب جهل بأحكام الشريعة، فالإنسان متاعبه بسبب معاصيه، ومعاصيه بسبب جهله، فالجهل رأس كل خطيئة.
 أحياناً إنسان عادي يتمنى أن تخرق القواعد ليظهر أمام الناس بالولاية والصلاح، أما النبي عليه الصلاة والسلام فلما خسفت الشمس والقمر عند موت إبراهيم أراد أن يفصل هذه الظاهرة الكونية عن الدلالات التي استنبطت منها، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:

((خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ، وَذَاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَاكَ))

[ البخاري، النسائي، أحمد ]

  إذا صدف أنه أنت خرقت لك بعض العادات، وليس لها علاقة بك، ولكن جاءت صدفة، لا ينبغي أن تستغلها، يجب أن تبين للناس أن هذه لا علاقة لها بهذه، انظر إلى هذا الطرح العلمي النبي عليه الصلاة والسلام، بيّن أن خسوف الشمس والقمر لا علاقة لهذه الظاهرة الكونية بموت سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 الحديث المهم جداً الذي رواه الإمام البخاري و مسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

((لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ))

[ البخاري، مسلم، النسائي، أبو داود، أحمد ]

  أي لا طاعة في المعصية، لا طاعة في توجيه ليس مدعماً بدليل، افعل، لماذا أفعل ؟ ما الدليل ؟ لا تفعل ؟ لماذا لا أفعل ؟ قل: فلان لماذا أصِله ؟ قاطع فلانًا، لماذا أقاطعه ؟ لا ينبغي أن تفعل شيئاً، ولا أن تكف عن فعل شيء من دون دليل من كتاب وسنة، فلذلك:

((إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ))

  والقصة الشهيرة النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر أنصارياً على سرية، وفي الطريق غاضبهم، وغاضبوه، وأمر بإيقاد نار عظيمة، وأمرهم أن يقتحموها، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

((بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ))

[ البخاري، مسلم، النسائي، أبو داود، أحمد ]

  الطاعة في الشيء المعروف، والمعروف هو أمر الله عز وجل، ونهي الله عز وجل.
 عن هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ))

[ متفق عليه ]

  الباعة الذين يحلفون كثيرًا بالأمانة، بعتكها برأسمالها، ما ربحنا شيئًا عليك، هذا ليس من أخلاق المؤمن،

((الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَة))

 الآن إلى قصة من قصص الأطفال في عهد الصحابة الكرام، من باب الاستعراض ربنا عز وجل قال تعالى:

 

﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾

 

[ سورة الأنبياء: 60]

  درسنا اليوم عن الأطفال، قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾

 

[ سورة الكهف: 13]

﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾

[ سورة مريم: 12]

﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾

[ سورة يوسف: 19]

  آيات كثيرة جداً ذكرت الصنف المحبب في المجتمع، وهو صنف الصبية والغلمان والشباب، القصة جرت مع سيدنا عمر رضي الله عنه.
 في بيت أم حكيم زوج عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة يرى عمر واقفاً عند الباب، والباب مفتوح، كأنه يرقب شيئاً من بعيد.
 عمر: أولئك الصبيان يلتقطون البلح من أصول النخل، ويحهم إنهم يتعلمون السرقة، وهم أغيلمة، أين أهلهم كيف تركوهم.
 أم حكيم: وماذا عليهم أن يلتقطوا ما ألقت الريح.
 عندنا حكم دقيق، إذا هبّت الرياح، وأسقطت بعض الفواكه سريعة العطب، إذا أسقطت المشمش، وإن أسقطت الجوز مثلاً، فهذا حكم آخر، على كل الورع أن تمتنع عن أن تأكل ما ليس لك.
 عمر: لعلهم أسقطوه من عث أكيله قبل ذلك بالحجارة، ضربوا النخل بالحجارة فسقط البلح.
 انظري ذلك صبي منهم قذف رأس النخلة بحجر ينادي بأعلى صوته يا صبية، ويلكم كفوا عن النخل.
 أم حكيم: لقد هربوا يا أمير المؤمنين فرقاً من صوتك، خافوا منك.
 عمر: لكن واحدًا منهم بقي هناك يلتقط البلح بعد.
 أم حكيم: لعله أصم يا أمير المؤمنين، لا يسمع، حينما صاح بهؤلاء الصبية كلهم تفرقوا إلا هذا الغلام بقي يلتقط البلح، ولم يستجب لنداء سيدنا عمر.
 قال عمر: بل أحب أن يستأثر بالبلح دونهم بعدما تركوه، يا غلام يا غلام.
 أم حكيم: ما أشك الساعة أنه أصم.
 عمر: بل يتصامم، ويتغافل، ينادي بأعلى صوته: يا لاقط البلح، يا لاقط البلح.
 الصبي: لبيك يا أمير المؤمنين، لبيك يا أمير المؤمنين.
 عمر: تعال، أقبل إلي.
 الصبي: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين، إذاً ليس أصم.
 قال عمر لأم حكيم: لم يشأ أن يلبي ندائي حتى ملأ حجره من البلح.
 أم حكيم: لكنه والله غلام شجاع لو كنت مكانه لهربت.
 قال عمر: لا تعجبي حتى يصل إلينا.
 أم حكيم: أتخشى بعد أن يهرب من نصف الطريق.
 قال عمر: مثل هذا الغلام الأريب لا شيء يعجزه.
 أم حكيم: لا يا أمير المؤمنين، إنه آت إليك حقاً.
 عمر: أي والله، إني به لأسعد.
 يقترب الصبي من سيدنا عمر.
 يقول الصبي: السلام عليك يا أمير المؤمنين، يقول عمر: إني لا أرد السلام يا غلام على من يسرق أموال الناس.
 يقول الصبي: يا أمير المؤمنين ما سرقت والله مال أحد، إنما هذا ما ألقت به الريح.
 عمر: أرني أنظر، فإنه لا يخفى علي، ينظر في حجر الصبي، ويقلب ما فيه من البلح.
 الصبي: كيف وجدت ذلك يا أمير المؤمنين ؟
 عمر: صدقت هذا مما ألقته الريح، لا جناح عليك، ليس هناك مخالفة.
 الصبي: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
 عمر: يضحك، وعليك السلام ورحمة الله، ما اسمك يا بني ؟
 قال الصبي: اسمي يا أمير المؤمنين سنان.
 عمر: سنان ابن من ؟
 الصبي: حنانيك يا أمير المؤمنين، لا تشكني إلى أبي، فإنه قاس غليظ القلب.
 عمر: لا ترع فلم أشكك إليه.
 الصبي: إياك أن تخلف وعدك، فأنت أمير المؤمنين.
 عمر: كلا لن أخلف وعدي.
 الصبي: أنا سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي.
 عمر: أتراك أنت وليد يوم حنين ؟
 الصبي: نعم يا أمير المؤمنين أنا هو.
 عمر: ويحك أتعرف قصة ذلك ؟
 الصبي: نعم، كان أبي يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فبشروه بي، فقال: لَسنان، أي لَرمح أذب به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما بشرتموني، فسماني رسول الله سناناً.
 لما بشروا أباه في المعركة أنه جاءك غلام، قال: لَسنان أدافع به عن رسول الله أحب إليه مما بشرتموني به.
 الصبي: لذلك سماني رسول الله سناناً، هذه تسمية رسول الله.
 عمر: يا سنان، والله إنك لشجاع صدوق.
 الصبي: لكني لا أحب العراك مع الصبيان يا أمير المؤمنين.
  عمر: ذلك خير لك، فإنك إن عاركتهم فلا تأمن أن يقطعوا ثيابك، أو يجرحوك.
 الصبي: يا أمير المؤمنين أترى هؤلاء الصبيان هناك.
 عمر: ما لهم.
 الصبي: والله إن انطلقت لأغاروا علي فانتزعوا ما معي.
 عمر: أليس معهم من البلح مثل الذي معك ؟
 الصبي: لا، أنا سبقتهم إلى المكان، ثم فروا عندما سمعوك، وبقيت أنا ألتقط.
 أم حكيم: لكن كيف خافوا من صوت أمير المؤمنين، ولم تخف أنت ؟
 الصبي: خافوا لأنهم لصوص ينوون السرقة، ولست كذلك.
 عمر: أتحب يا غلام أن أوصلك إلى مأمنك.
 الصبي: نعم يا أمير المؤمنين، جزيت خيراً.
 أم حكيم: يا أمير المؤمنين ابعث معه أسلم.
 الصبي: كلا يا أمير المؤمنين، أسلم لا يحميني من هؤلاء، إنهم يترصدونني، ولا يخافون إلا منك.
 عمر: يشد أذن الغلام في رحمة وتدليل، وهو يضحك، لله درك يا سنان.
 أم حكيم: ربما يجيء عبد الله بن عباس الآن يا أمير المؤمنين.
 عمر: إذا جاء ابن عباس فقولي له: ينتظرني، فإنني راجع على التو.
 الصبي: لن يغيب أمير المؤمنين عنكم طويلاً، فإن بيتنا جد قريب على مرمى الحجر.
 أم حكيم: أرأيت يا أسلم مثل هذا الصبي قط ؟
 أسلم: لا، والله ما رأيت أشجع ولا أنجب ولا أحكم.
 عمر: أتدرين يا أم حكيم ماذا فعل معي الصبي ؟
 أم حكيم: قالت ماذا فعل الصبي ؟.
 عمر: إنه خدعني، ما كان خائفاً من الصبيان، وما كان بحاجة إلى أن أبلغه مأمنه.
 أم حكيم: وكيف عرفت ذلك ؟.
 عمر: ما كدت أوصله إلى بيته حتى اختلط في الصبيان، وفرق فيهم البلح، وقال لهم، وأنا أسمع: يا معشر الصبيان من منكم مثلي، رسول الله سماني، وأمير المؤمنين أوصلني إلى بيتي.
 على كل في التاريخ العربي والإسلامي مواقف من بطولات الصغار رائعة جداً، تعرفون لما عبد الله بن الزبير مر سيدنا عمر بالمدينة، وكان الغلمان يلعبون، فتفرقوا إلا هو، فقال سيدنا عمر: لمَ لمْ تهرب مع من هرب ؟ قال: أيها الأمير، لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك، هذا قول عبد الله بن الزبير حينما التقى بسيدنا عمر في الطريق.
 ولما دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد الحجاز تقدمهم غلام لا تزيد سنه على الحادية عشرة، قال عمر: اجلس أيها الغلام، وليقم من هو أكبر منك سناً، انزعج، رئيس وفد غلام يأتيني، قال الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس، الشيء ليس بالحجم، بالعقل، باللسان الذكور، والقلب الشكور.
 ولما دخل على عبد الملك بن مروان وفد من البادية أيضاً تقدمهم غلام، وعبد الملك انزعج انزعاجًا شديدًا، فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل حتى الغلمان، هكذا أصبحنا مع الغلمان ؟ فقال هذا الغلام: أيها الأمير، إن دخولي عليك لم ينقص قدرك، ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لله فعلامَ تحبسونها عن عباده، ونحن عباده، وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، فإن الله يجزي المتصدقين، وإن كانت لنا فأعطونا حقنا، فقال عبد الملك: واللهِ ما ترك هذا الغلام في واحدة عذراً.
 إذا نشأ الابن في حجر والديه على العلم والجرأة، وتنمية شخصية الطفل مهمة جداً، كثير من الآباء قساة على أولادهم، إذا حكى اسكت، أنت لا تفهم، إذا أحب أن يسلم على الضيوف، يخرجه، هذا سلوك غير إسلامي، إذا كان دخل ابنك على الضيوف يسلم عليهم واحدًا وَاحدًا، ويصافحهم، وإذا أبدى رأيًا فاسمعه، أعطه أذناً صاغية.
 أكبر مبدأ في التربية أن تحترم شخصية الطفل، إذا وثق من نفسه ينمو متكامل الشخصية، فإذا قمع، ووبخ، وكلما تكلم أسكته من هو أكبر منه، فإذا صلى في الصف الأول أرجعوه إلى الصف الأخير، فإذا أخطأ في الصلاة عنفه المصلون بقسوة بالغة، ليس هذا من الدين في شيء، هذا سلوك جاهلي.
الذي يبدو من هذه القصة أن سيدنا عمر أراد أن ينمي شخصية هذا الغلام، رافقه طبعاً، الغلام أراد أن يعتز بهذا التوصيل، رسول الله سماني سنانًا، والأمير أوصلني إلى بيتي، مع أنه ليس هناك بينه وبينهم خصومة، تربية الأولاد جزء أساسي من الدين، ولن يفلح الأب إن لم يكن حكيماً بتربية أولاده، أحياناً تكون الأم أقسى من الأب لمحدودية تفكيرها، أو لعدم اطلاعها على الأساليب الحديثة، أو على المبادئ النبوية في التربية، التربية تخلق من الطفل شخصية نامية جداً، العظماء في العالم لهم تربية غنية، الذي عنده أولاد إذا تحدث يسمع له، أنا في العيد زرت شخصًا من علية القوم، قال لي: والله أخذت بناتي الصغار إلى المراجيح، أخذهم بنفسه، أنا والله أكبرته بها.
 من كان له صبي فليتصابَ له، ينزل إلى مستواه، النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي على الأرض، ويركب الحسن والحسين على ظهره، ويقول:

((نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما))

[الطبراني في الكبير عن جابر]

  كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان ألين الناس، كان أرحم الناس بالأهل، كان يقول: ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً.
 يمكن أن تنجح في عملك نجاحًا كبيرًا، وبيتك لا تنجح فيه، فإن لم تنجح في بيتك فهناك مصدر كبير من الشقاء ينسل إليك، الكلمة الطيبة والشكر والامتنان والاعتذار والمسامحة والإكرام، هذا كله من صفات المؤمن، يجب أن يكون بيت المؤمن جنة، لا في أثاثه، ولا في اتساعه، ولكن في العلاقات الطيبة بين الآباء والأبناء، بين الأب والأم، بين الأم والأولاد، الأولاد فيما بينهم.
 ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: ريح الجنة في الشباب، إن الله ليباهي الملائكة في الشاب المؤمن، يقول انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي، الله عز وجل لما يوفق الإنسان يوفقه في بيته، والتوفيق في البيت نجاح كبير جداً في الحياة، هناك شخص ناجح خارج البيت، أما داخل البيت فأسرته ممزقة، في خصام، في شقاق، في نكد، في بغضاء، في شحناء، جو مقيت، الإنسان إذا دخل إلى بيته يكون بسامًا ضحاكًا، كان النبي عليه الصلاة والسلام يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
 سيدنا ابن عباس شهد مع الإمام علي كرم الله وجهه الصفين والجمل، وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، وقال عمر بن دينار: ما رأيت مجلساً كان أجمع من كل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية والأنساب والشعر، وكان كثيراً ما يجعل أيامه، يوماً للفقه، ويوماً للتأويل، ويوماً للمغازي، ويوماً للشعر، ويوماً لوقائع العرب، وكان الخليفة عمر بن الخطاب إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس، وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله، ولا يدعو لذلك أحدًا سواه، وكان آية في الحفظ، أنشد عمر بن ربيعة قصيدته التي فحفظها مرةً واحدة، وكان عبقرياً.

إخفاء الصور