وضع داكن
25-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 048 - أحاديث في النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ عقد الإمام النووي رحمه الله تعالى, في كتابه رياض الصالحين، بابا سماه:

باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور.

وقد صدر هذا الباب, ببعض الآيات الكريمة المتعلقة بهذا الموضوع.

 

الآية الأولى:


قال الله تعالى:

﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)﴾

[ سورة يونس ]

الحق واحد، والحق لا يتعدد، وبين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، فلو حاولت أن ترسم مستقيما ثانيا لجاء فوق الأول، فالحق واحد لا يتعدد، كل ما سوى الحق باطل، والآية الكريمة دليل قطعي على هذه الحقيقة، قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) أيّة زيادة على الدين ضلال، أي حذف من الدين ضلال، أيّ تأويل باطل ضلال، أية بدعة ضلال، أية محدثة ضلال، لأن هذا الدين من عند الخالق، والله عز وجل يقول:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]

فمن أجل أن يستمر الدين كما بدأ, ينبغي ألاّ يضاف عليه، وألاّ يحذف منه، والدليل الملموس هذه الأنهر: 

اذهب إلى منبع النهر، ماء عذب, فرات، نقي، صاف، اذهب إلى مصب النهر مياه سوداء، من شدة ما جاءها من روافد ليست منها, فأصبحت هذه المياه سوداء، فلذلك قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) والذي يلفت النظر هو: أن الله سبحانه و تعالى جعل الحق مفردا والباطل متعددا، فكما أنه لا يمر بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد، كذلك يمر بين النقطتين مئات الخطوط المنحنية، والمنكسرة, والمنحرفة، فالباطل يتعدد، أما الحق فلا يتعدد، لذلك قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾

[ سورة البقرة ]

لمَ لمْ يقل: يخرجهم من الظلمات إلى الأنوار؟ جمع بجمع، النور واحد، قال تعالى: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ظلمة المعصية، وظلمة الغفلة، وظلمة المخالفة، وظلمة الشهوة، وظلمة الإعراض، هذه كلها ظلمات بعضها فوق بعض, والدليل الآخر:

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[ سورة الأنعام ]

إذًا: الحق لا يتعدد، لذلك المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، ومعركة بين حق وباطل تطول، لأن الله مع الحق، أما بين باطلين فلا تنتهي، هذه الآية الأولى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) التمام عددي، والكمال نوعي، وعدد القضايا التي عالجها الدين تامّ، وطريقة المعالجة كاملة، وهذا دين الله عز وجل لا يحتمل الزيادة، ولا إضافة, ولا تعديل، ولا تأويل منحرف، ولا تفريع, ولا تشتيت، دين الله عز وجل, دين كامل كمالاً مطلقاً، قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) و: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) .


 الآية الثانية هي قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء.

 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)﴾

[ سورة الأنعام ]

الله لا ينسى، قال تعالى:

﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)﴾

[ سورة طه ]

الإنسان أحياناً ينشئ قانوناً، وينسى فئة من الناس لا يشملها القانون، أحياناً يعدّل هذا القانون، وينسى شريحة لم يصبها التعديل، أحيانا كثيرة يحدث شيئًا ليس مغطى بالقانون، القانون من صنع البشر، أما هذا القرآن فمن عند خالق البشر، والله سبحانه وتعالى قال: (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) إذًا: الآية الأولى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) والآية الثانية: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) لذلك: 

هذا القرآن الكريم الذي جاءنا قبل ألف وأربعمئة عام، مع تقدم العلوم تقدما مذهلا وهائلا, لم تظهر حقيقة تناقض القرآن الكريم أبداً، لأنه كلام خالق البشر، الله عز وجل قال:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة النحل ]

هذا كان في عهد النبي، والنبي لا يعلم الغيب، لو أن هذا الكلام كلام رسول الله لانتهت الآية هنا، ولكن لأنه كلام الله, يقول الله عز وجل: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)) فإذا ركب الإنسان طائرة, فهو تحت قوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)) إذا ركب سفينة، إذا ركب قطاراً، مركبة سريعة، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) هذه الآية الثانية.

 

الآية الثالثة:


قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

[ سورة النساء ]

طبعا: أطيعوا الله من خلال قرآنه، وأطيعوا الرسول من خلال سنته، وأولي الأمر منكم، من هم أولو الأمر؟ قال الإمام الشافعي: ((هم العلماء الذين يعرفون الأمر، وهم الأمراء الذين كلِّفوا بتنفيذ الأمر)) فجهة تعلم ولا تملك، وجهة تنفذ ولا تعلم، كلاهما يتكاملان, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) العلماء والأمراء، قال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) في الدين من هو الحكم؟ قال: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) حدث خلاف حول قضية بين المؤمنين وعلمائهم، بين المؤمنين وأمرائهم، من هو المرجع والحكم؟ كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)

أيها الإخوة؛ الآن أضعكم أمام حقيقة خطيرة، هل يليق بالله عز وجل أن يقول كلاما لا معنى له؟ مستحيل، لما قال ربنا عز وجل: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) لو أن هذا القرآن ليس كاملاً, لا يغطي كل حاجات الإنسان، وحدثت مشكلة، وجئنا لنردها إلى الله, فلم نجد فيها شيئاً، معنى ذلك: أن هذه الآية لا معنى لها.

شيء قطعي: 

ما من قضية, يعاني منها الإنسان إلى يوم القيامة, إلا ولها في كتاب الله وفي سنة رسوله جواب شافٍ، هذا تشريع كامل مطلق، لو لم يكن ذلك, لما كان لهذه الآية من معنى، أي سؤال يخطر في بالك, تجده في هذا الكتاب.

الآن: 

سألتني سؤالا فما وجدت له جواباً، فكلامي غلط، أي سؤال يخطر في بالك تجده في هذا الكتاب، فأنت سألتني سؤالاً، فتحت فلم أجد جواباً، صفحة صفحةً، كلمةً كلمة، فقرةً فقرة، معنى ذلك: أن كلامي غير صحيح، لما يقول ربنا عز وجل: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) أيْ في أيّ موضوع, قال تعالى: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) لو أردنا أن نرده, فلم نجد فيه شيئاً، معنى ذلك: أن الآية لا معنى لها، هذا الشيء مستحيل في جنب الله عز وجل.

هذه الآية تؤكد قطعاً أن كل قضايانا الاجتماعية, والاقتصادية, والشخصية, والعلاقات, والمعاملات, أصولها في كتاب الله، وتفاصيلها في سنة رسول الله، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلِّف أن يبيّن للناس ما نزل إليهم، هذا واضح,

 

أهمية هذه الآيات:


أيها الإخوة؛ هذه الآيات مهمة جداً، ينبغي لكل واحد -وأنتم تجار- أن يقيم جرداً، جردًا لمعلوماتك، جردًا لمعتقداتك، جردًا لتصوراتك، إذا كان فيها شيء خلاف الكتاب والسنة ينبغي أن تحذفه، وأن تتخلى عنه، فالإنسان أحيانا يتلقى تلقيّا عفوياً من دون تمحيص.

مثلاً: يمكن لإنسان في أيام الشتاء القارس, أن يدخل إلى الحمام, وفيه صنبور الماء الساخن, وصنبور الماء البارد غير المحتمل، فإذا توهم أن كل الثواب على المشقة, فبدل أن يتوضأ بالساخن المريح توضأ بالماء البارد، أله أجر؟ لا أجر له أبداً، السبب: أن كل شيء أشار إليه النبي فهو من عند الله، قال تعالى:

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾

[ سورة النجم  ]


أحاديث تتعلق بالنهي عن البدع ومحدثات الأمور:

 

(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ, إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ, فَسَأَلَ عَنْهُ, فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ, نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ, وَلَا يَسْتَظِلَّ, وَلَا يَتَكَلَّمَ, وَيَصُومَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ, وَلْيَسْتَظِلَّ, وَلْيَقْعُدْ, وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود وأخرجه مالك ]

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ, قَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ, وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ]

 

قاعدة أساسية:


المشقة في الإسلام لا يمكن أن تُطلب لذاتها، والمشقة لا يمكن أن نتعبد الله بها، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾

[ سورة الحج ]

الأمر إذا ضاق اتسع، هذا مبدأ، فالذين يرون أن في تعذيب النفس، وفي حملها على ما لا تطيق، وفي حرمانها من الطعام والشراب، والذين لا يتزوجون، ولا يأكلون، هؤلاء يخالفون منهج الله عز وجل، وفي الحديث: 

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بُيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخْبِروا كأنَّهم تَقَالُّوها، قالوا: فأينَ نَحنُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟ قال أحدُهم: أمَّا أنا فأصَلِّي اللَّيلَ أبداً، وقال الآخرُ: وأنا أصُومُ الدَّهرَ ولا أفُطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأنا أعْتَزِلُ النِّساءَ ولا أتَزَوَّجُ أبداً، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قُلتم: كذا وكذا؟ أمَا والله، إنِّي لأخْشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصُومُ وأفْطِرُ، وأصَلِّي وأرْقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليس منِّي ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح والنسائي في سننه ]

ظهر شاعر في المعرّة, حرّم اللحم على نفسه, تجاوزا وتطاولا على الله عز وجل، ومجاوزة لمنهج الله عز وجل.

 

الآية الرابعة:


قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[ سورة الأنعام ]

بالمناسبة الخط المستقيم أقصر الخطوط، لذلك الصراط المستقيم هو أقصر طريق إلى الله، هذا الصراط ينقلك إلى الله مباشرة.

شيء جميل جداً أن تعاهد نفسك على الصدق، والأمانة، والعفة، والاستقامة، وألاّ تغش أحداً، وألا تحتال على أحد، وألا تأخذ ما ليس لك، وأن تقنع بالذي لك، إذًا: أنت مستقيم ، إذًا: أنت مع الله، إذًا: أنت في رعاية الله، وفي توفيق الله، وفي حفظ الله، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الطرق غير المستقيمة, الملتوية, الطويلة, وغير موصلة مسدودة.

تصور إنساناً يمشي في طريق، ثم فوجئ بأنها مسدودة، ألا يشعر بإحباط شديد، وكل الناس الآن يتوهم: أن طريق السعادة المال، يأخذ المال من حله ومن حرامه، بالمعقول وبغير المعقول، يأخذ المال بشكل مقبول وبشكل غير مقبول، هكذا توهم، بعد حين يكتشف أن المال ليس كل شيء، بل يكتشف أن المال ليس بشيء.

أحياناً: الإنسان يدنو أجله في الأربعين، منذ أسبوع تقريبا أو أسبوعين, شخص شاب في ريعان الشباب، ثمانية وثلاثون عاماً، عنده سبع أخوات، متزوج من امرأة شابة، له ولدان ، في أعلى درجات صحته، خلال دقائق, صار من أهل القبور، نهي ذاتي عصبي للقلب، هذا المرض منتشر كثيراً بلا سبب، من عشر سنوات أو عشرين سنة, أمراض القلب تصيب المتقدمين في السن، الآن المستوى إلى الثلاثة والثلاثين، إلى الاثنين والثلاثين، إلى الثامنة والعشرين, احتشاء عضلة قلبية، بالأربعة والثلاثين, والستة والثلاثين، الإنسان يكون ملء السمع والبصر, فيصبح تحت الثرى في لحظة، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) .

 

الآية الخامسة:


وقال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران ]

دعوى المحبة سهلة جداً، يدعيها كل إنسان، ولكن العبرة بالبرهان، برهان محبتك لله طاعتك لرسول الله، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) هذه بعض الآيات التي تؤكد: أن الدين ينبغي ألاّ يزاد عليه, وألاّ ينتقص منه.

(( كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ ))

[ أخرجه مسلم والنسائي ]

 

سؤال ينبغي أن يطرح:


أين مكان الابتداع, والاختراع, والتطوير, والتغيير, والتحسين؟. 

يمكن أن تحسّن بيتك، تحسّن دخلك، تحسّن تجارتك، تخترع أجهزة، ممكن هذه في الدنيا، محل الابتداع هو الدنيا، ومحل الاتباع هو الدين، الدين من عند خالق البشر، كماله مطلق، أما الدنيا فمن صنع البشر، فكل مركبة فيها تعديل.

من يذكر مركبة؟ أقدم سيارة, ادرسها, شيء مضحك، تشغيل من الأمام، تذكرون، والبوق على الهواء، والإضاءة فوانيس، والدولاب صب، ليس فيها علبة سرعة، حركة واحدة مكشوفة، أول قطار اخترع, كلف صاحبه إنساناً, يمشي أمامه، يحذر الناس منه، إذا كان الإنسان يمشي أمام القطار, كم هي سرعة القطار؟.

الآن: هناك سرعات فلكية، كونكورد تقطع الأطلسي كله في ساعتين، فالدنيا من صنع البشر، المطلوب أن نطورها ونحسّنها، صار هناك مساجد، وصار فيها إضاءة، وتهوية, وتكييف، وتدفئة، ماء ساخن، ماء بارد، لا مانع، التطوير مطلوب في الدنيا، أما في الدين فلا يوجد تطوير.


 مفهوم التجديد: 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ))

[ أخرجه أبو داود في سننه ]

ما هو التجديد في هذا الحديث؟.

أضرب لكم مثلاً: 

بناء محطة الحجاز تعرفونه، قبل سنوات أتوا بجهاز حديث، أزال عنه ما علق به خلال عشرات السنين، رمل مضغوط، تجديد الدين أن تزيل عنه ما ليس منه، فلان مجدد، أي أرجعك إلى أصل الدين، إلى صفاء الدين، إلى نقاء الدين، الدين بسيط، نحن عقدناه، الدين منطقي، نحن جعلناه غير منطقي، الدين معه أدلة، نحن قلنا: هكذا الإيمان.

فالتجديد في الدين: أن تعيد الدين إلى أصله، أن تزيل كل ما علق عليه وليس منه، هذا هو التجديد، إياك، ثم إياك، ثم إياك: أن تظن أن التجديد أن تعبّر على البناء، نضيف غرفة، نقيم سوراً، نضيف طابقا ثانياً، لا، الدين لا يحتمل التجديد بهذا المعنى، يحتمل التجديد أن تزيل عن أحجاره ما علق عليها, من غبار عبر السنين، هناك كثير من الأبنية الآن عن طريق الجهاز الرملي, رجعت إلى رونقها, وجمالها السابق، حجر أبيض صار أسود، من دخان السيارات, وأوكسيد الفحم، صار البناء أسود، فلما أزلنا عنه كل ما علق به, مما ليس منه, هذا هو التجديد.

فإذا قلت: تجديد في الدين يعني: عملية حذف ما أضيف عليه، هذا التجديد، الدين لا يحتمل أن تضيف عليه.

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ]

رد: أي مردود.

هل الصحابة اشتروا سوطاً عريضاً, ووضعوا طربوشاً، والتفوا حوله مثل مظلة؟ هذا من الدين؟ هل في الصحابة من أتى بسكين, فأدخلها في بطنه, فخرجت من الطرف الثاني؟ هل هذا دين؟ لا، ليس هذا بدين، هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك التجديد أن تزيل عن الدين بدعه، لأنه: ((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ)) وأنا أنصح كل أخ كريم: ألا ّتقبل شيئا من الدين إلا بدليل، وألاّ ترفض شيئا منه إلا بالدليل، اقبل بالدليل، وارفض بالدليل، ولولا الدليل: لقال من شاء ما شاء.

مرة زرت أخا كريماً في بناء الأوقاف، قال لي: كل هذه الشام, بناء الأوقاف عال، الطابق العاشر، مفتوح من أربع جهات، قال: هذه المدينة المترامية كلها ملكي، لكن بلا دليل، الكلام سهل، لولا الدليل: لقال من شاء ما شاء، العبرة: أن تأتي بالدليل.

لذلك: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو كنت مدعياً فالدليل.

عوّد نفسك أن يكون عقلك منهجياً، آلاف القصص، آلاف الخرافات، آلاف الإضافات ، آلاف التحليلات، آلاف الشطحات، إذا كان كل من قال كلمة, أصبحت من الدين, صار الدين شيئا مضحكا، صار الدين ركاما، والدين صاف.

لذلك: ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء, فعلى العين والرأس، وما جاءنا عن سواه, فنحن رجال وهم رجال، كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه, إلا صاحب هذه القبة الخضراء. نحن عندنا القرآن، وعندنا الحديث الصحيح، هذا هو ديننا، فأي شيء في الكتاب والسنة على العين والرأس، وأي شيء خلاف الكتاب والسنة فهو مرفوض، هذا درس اليوم.

آخر حديث: 

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ, احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ, وَعَلَا صَوْتُهُ, وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ, حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ, يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ, وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ, وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى, وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ, وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ, وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ, مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ, وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ ))

[ أخرجه مسلم والنسائي ]

وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون في مستوى هذه الآيات، لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دليل، وليكن معك مقياس, لأن مقولات الدين كبيرة جداً، ولا نتوحد إلا إذا عدنا إلى الكتاب والسنة، ولا يلتئم شملنا إلا إذا دقننا في منهج ربنا، أما كل إنسان تكلم كلمة نأخذها, فالقضية لا تنتهي.

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور