وضع داكن
29-03-2024
Logo
الرد الجميل - الندوة : 1 - الإسلام والعقل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ راضي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، أخوتي أخواتي في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم معنا في حلقة جديدة من برنامج الرد الجميل ، فإلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، إلى أصحاب الشرائع السماوية ، إلى الإنسان في كل زمان ومكان، إلى كل ذي عقل وقلب وبصيرة نقدم هذا البرنامج .
الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، وغذاء العقل العلم ، وما يعقلها إلا العالمون ، لذا كان العقل مناط التكليف في جميع أوامر الشرع ، فإذا ما تعطل العقل سقط التكليف ، والإسلام يفتح أمام العقل آفاقاً بعيدة للتطلع والـأمل والبحث ، ويكشف له جوانب الحياة ويدفعه على التجديد والابتكار ، وليس أدل على ذلك من استخدام القرآن الكريم للفظ العقل صراحة في خمسين موضوعاً بصيغة المضارع ، فضلاً عن إشاراته للعقل بمعانيه المختلفة كالتفكر والتدبر والفقه والعلم والذكر والقلب واللب وغيرها ، والسنة النبوية الشريفة أشارت أيضاً إلى العقل في العديد من الأحاديث منها ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :

(( أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك ، بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب ))

[ تخريج أحاديث الإحياء ]

ورغم وضوح هذه الحقائق التي تبين أهمية العقل وإعمال الإسلام له هناك بعض التيارات الفكرية التي تحمل لواء العقلانية ، يتهمون الإسلام بأنه يخمل العقل ويعمل تعطيله ، بل أن منهم من يجعل العقل الحكم الفصل في قضايا الدين ، وإذا ما تعارض النص الشرعي من وجهة نظرهم مع العقل وجب إخضاع النص للعقل ، فماذا عن هذه الشبهة وهذا اللغط المفتعل ؟ ومن هم العقلانيون ؟ وبماذا وكيف نرد عليهم ؟
الرد الجميل يفتح هذا الملف ويبين زيف هؤلاء بالحكمة والموعظة الحسنة ، الرد الجميل يجمعنا وإياكم على الهواء مباشرة من الآن ولمدة ساعة يسعدنا أخوتي وأخواتي أن تشاركونا الرأي بطرح رأيكم حول موضوع الحلقة من خلال الرسائل القصيرة .
اليوم يسعدنا أن نرحب بضيف عزيز كريم محب لقلوبنا جميعاً ، أحد رموز الدعوة الإسلامية في سوريا الحبيبة والعالم الإسلامي والعربي ، الداعية الإسلامي سماحة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ راضي جزاكم الله خيراً .
الأستاذ راضي :
حياكم الله وأسعدتنا وأدخلت السرور على قلبنا .
الدكتور راتب :
ونحن كذلك سعدنا .
الأستاذ راضي :
أستاذنا الكريم تباينت حوله الرؤى ، واختلفت وجهات النظر ، مفهوم العقل من وجهة نظر الدكتور محمد راتب النابلسي ، وموقع العقل بالنسبة إلى الإنسان ؟

 

موقع العقل بالنسبة إلى الإنسان :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أستاذ راضي جزاك الله خيراً ، على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان ما منهم واحد إلا وهو قد جبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، سلامة الوجود باتباع تعليمات الصانع ، لهذا الكون خالق عظيم ، وهذا الخالق له شرع حكيم ، وكأنها تعليمات الصانع ، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها لأنها الجهة الخبيرة :

 

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

سلامة الإنسان تكون باتباع منهج رب العالمين
فسلامة الإنسان تتحقق باتباعه لمنهج رب العالمين ، أما سعادته تتعلق بالاتصال به ، والاتصال به يحتاج إلى عمل صالح :

 

﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً (110)﴾

( سورة الكهف)

أما استمرار الإنسان فيتحقق بتربية أولاده ليكونوا استمراراً له ، فما من مخلوق من بني البشر على سطح الأرض إلا وهو حريص على سلامة وجوده ، وكمال وجوده ، واستمرار وجوده ، ينبغي أن يعلم هذه الحقيقة ، إذاً يطلب العلم من أجل سلامة وجوده ومن أجل كمال وجوده ومن أجل استمرار وجوده ، ينبغي أن يطلب العلم ، والإنسان في حقيقته عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، وغذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فالبطل هو الحريص أن يزود عقله بالعلم اليقيني لا بالأوهام والترهات والأباطيل وأشياء لم يتحقق منها .
الأستاذ راضي :
عفواً سيدي ما المقصود بالعلم اليقيني ؟

 

العلم اليقيني :

الدكتور راتب :
أي :

 

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

( سورة التكاثر )

العلم الحقيقي لا يعتريه الشك أبداً ، بينما هناك أفكار لم ترقى إلى مستوى العلم اليقيني ، هذه فيها أخذ ورد :

 

﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ(9)﴾

( سورة الدخان)

تشتت الإنسان المعاصر
أحياناً الإنسان المعاصر لا يدري من أين أتى وإلى أين يذهب ؟ هذا الواقع المتشتت ، المؤمن على حقائق يقينية :

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

( سورة التكاثر )

فعلم اليقين شيء مهم جداً في حياة الإنسان ، فالإنسان حينما يغذي عقله بالعلم اليقيني القطعي ، أستاذ راضي هناك وهم ، وهناك شك ، وهناك ظن ، الوهم ثلاثون بالمئة ، الشك خمسون بالمئة ، الظن تسعون بالمئة ، أما القطع مئة بالمئة ، فالبطولة أن تكون الحقائق التي أغذي بها عقلي يقينية تجاوزت الوهم والشك والظن ، إذاً غذاء العقل العلم ، أما القلب غذاؤه الحب ، وبطولة الإنسان أن يغذي قلبه بالحب الذي يسمو به لا بالحب الذي يهوي به ، هناك حب في الله وهناك حب مع الله عز وجل ، الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك ، فالبطولة أن تغذي قلبك بحب هو من نوع الحب في الله ، وهذا الحب يسمو بالإنسان ، بالمناسبة القرآن الكريم خاطب قلب الإنسان وخاطب عقله ، بل في آية واحدة خاطب قلبه وعقله معاً :

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ﴾

( سورة الانفطار الآية : 6 )

خاطب قلبه :

﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾

( سورة الانفطار )

وأية دعوة إلى الله تخاطب العقل وحده دعوة عرجاء ، وأية دعوة إلى الله تخاطب القلب وحده دعوة عرجاء ، ينبغي كما خاطب القرآن الكريم الإنسان خاطب قلبه وعقله ينبغي أن نخاطب عقول الناس وقلوبهم ، الإنسان يحتاج إلى حقيقة يقينية ، ويحتاج إلى مشاعر سامية ، فالإنسان كما قلت عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك ، وينبغي أن يغذي جسمه بالطعام المفيد ، وقد درسنا في الجامعة أنه من أحدث أبحاث الذكاء أن هناك علاقة بين الذكاء والغذاء ، هناك غذاء لا يفيد الإنسان بل يضره ، إذاً غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب .
الأستاذ راضي :
وكأني بالسادة المشاهدين كلام فضيلتك ما شاء الله رقائق ذهبية ، ربنا يفتح عليك فتوح العارفين ، نود أن نخفف ونبسط المعلومة للسادة المشاهدين ، سؤالي الثاني هذا الجهاز الرباني الذي أودعه الخالق سبحانه وتعالى هل له مبادئ ؟ أنا قلت لفضيلتك هل لهذا المخلوق العجيب الذي أودعه ربنا في عبده ليفكر ويتدبر ويتذكر في مخلوقات الله هل له مبادئ يسير عليها ؟

 

للعقل مبادئ يسير عليها :

الدكتور راتب :
أستاذ راضي بادئ ذي بدء ، الإنسان إن لم يعمل عقله هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، مبادئ العقل كما لو أنك تحمل في جيبك اليمنى جهاز كشف العملات المزيفة وفي جيبك اليسرى أرقام العملات المزيفة ، فإنسان باع بيته بعملة ولم يستخدم جهاز كشف العملة المزيفة التي في جيبه ولا أرقام العملات المزيفة ، لم يستخدم لا عقله ولا الشرع، العقل جهاز لا يفهم شيئاً حوله إلا وفق مبادئ ثلاث :

1ـ مبدأ السببية :

مبدأ السببية : لا يفهم شيئاً بلا سبب ، لو أن إنساناً سافر إلى مكان جميل وأطفأ الكهرباء في البيت بيده ، وليس مع أحد آخر مفتاح للبيت ، فلما عاد من السفر وجد المصابيح متألقة ، يضطرب أشد الاضطراب لأن عقله لا يقبل أن هذه المصابيح تألقت بذاتها ، لا بد من إنسان دخل إلى البيت وأشعل المصابيح ، فالعقل لا يفهم شيئاً من دون سبب ، فالله عز وجل جعل لكل شيء سبباً ، وهذا القانون من خلق الله عز وجل ، هذا القانون من خلق الله لأنه جعل من كل شيء سبباً ، تسأل من أين جاءت البيضة ؟ من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، ثم ينتهي بك الطواف عند من خلق الدجاجة الأولى ، إلى الله عز وجل ، كأن الله من خلال مبدأ السببية أرادنا أن نصل إليه بلطف ورفق ، فهو مسبب الأسباب ، لكن هناك حقيقة دقيقة هي أن السبب لا يخلق النتيجة ، خالق النتيجة هو الله ، وقد يأتي السبب قبل النتيجة ، أما النتيجة الحقيقية يخلقها الله عز وجل، لذلك لئلا نؤله الأسباب كما فعل الغربيون ، في الحقيقة تعليق دقيق جداً أن الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، وألهها فوقع في وادي الشرك ، بينما الشرق لم يأخذ بها ، وقع في وادي المعصية ، الموقف الكامل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، عندي سفر أراجع المركبة مراجعة دقيقة جداً ، العجلات ، المحرك ، الزيت ، كل شيء أراجعه ، ومن أعماق أَعماق قلبي أقول أنت المُسَلِّم وأنت الحافظ .
أستاذ راضي سهل جداً أن يكون الإنسان متطرفاً ، أن يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها ، وسهل أيضاً ألا يأخذ بها ، ولكن البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
وما من درس يحتاجه العالم الإسلامي اليوم كهذا الدرس ، أن نأخذ بالأسباب ، لذلك النصر الذي يطمح إليه كل مسلم بل كل عربي يحتاج إلى إيمان بالله يحملنا على طاعته وأخذ بالأسباب ، لم نكلف المستحيل ، لم نكلف أن نعد ـ أخذاً بالأسباب ـ العدة المكافئة ، بل كلفنا الله عز وجل أن نعد العدة المتاحة ، نأخذ بالأسباب ونتوكل على الله ، إذاً كل شيء له سبب ، ونظام الكون نظام السببية ، وأروع ما في الموضوع أن مبادئ العقل متوافقة توافقاً تاماً مع مبادئ الكون ، العقل لا يفهم شيئاً بلا سبب ، والكون صمم على أساس أن لكل شيء سبباً ، وأن الله عز وجل مسبب الأسباب ، وهذا المبدأ من مبادئ العقل يقودنا إلى معرفة الله عز وجل .

2ـ مبدأ الغائية :

المبدأ الثاني كل شيء له غاية ، أنت أحياناً ترى شاحنة تمشي في الطريق وهناك سلسلة في آخرها ، لا علاقة لك بالشحن إطلاقاً ، لكن عقلك يحتاج إلى فهم لمَ هذه السلسلة ؟ من أجل أن تمتص الصاعقة ، فالإنسان أحياناً بعد أن يفهم السبب يحتاج إلى أن يفهم الغاية ، الإنسان لا يفهم شيئاً بلا سبب ، ولا يفهم شيئاً بلا غاية ، مثلاً هذه الفواكه ، هذه المحاصيل ، هذه الأمطار ، هذه الأنهار ، هذا الهواء ، كله خُلِق للإنسان :

﴿ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ(10)﴾

(سورة الرحمن )

فكما أن العقل البشري لا يفهم شيئاً بلا سبب في الوقت نفسه لا يفهم شيئاً بلا غاية مبدأ السببية مبدأ الغائية ، مبادئ في العقل وقوانين في الكون في آن واحد ، فالإنسان حينما يرى أن الله عز وجل أعطاه عينين من أجل أن يرى البعد الثالث ، بعين واحدة ترى الطول والعرض فقط ، بالعينين ترى العمق ، أعطاه أذنين من أجل أن يعرف جهة الصوت .
أستاذ راضي يوجد في دماغ الإنسان جهاز بالغ التعقيد ، هذا الجهاز يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين ، مركبة أطلقت بوقها ، فهذا الصوت دخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن ، التفاضل بينهما واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية ، يوجد في الدماغ جهاز يكشف التفاضل فيكتشف أن جهة الصوت من اليمين ، فالإنسان إذا استمع إلى صوت بوق سيارة وأخبره أن السيارة في اليمين يتجه نحو اليسار :

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

( سورة القيامة)

وقال :

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

( سورة التين)

يوجد أجهزة في الإنسان بالغة الدقة ، فكل شيء له سبب .
الأستاذ راضي :
سبحان الخلاق العظيم ، القائل :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

( سورة الذاريات )

علاقة الإسلام بالعقل هذه العلاقة صار حولها الجدل الكثير ، لكن سنتعرف ماذا عن طبيعة هذه العلاقة ؟ أستاذنا من القضايا التي كثر الجدل حولها علاقة الإسلام بالعقل ، ماذا عن طبيعة هذه العلاقة ؟

 

علاقة الإسلام بالعقل :

التوازن هو الفارق بين التفوق والتطرف
الدكتور راتب :
سأجيب عن هذا السؤال لكن لا بد من تعليق متعلق بالفقرة السابقة ، ما دام غذاء العقل هو العلم ، وغذاء القلب هو الحب ، وغذاء الجسم هو الطعام والشراب ، إذا غذى الإنسان عقله وقلبه وجسمه معاً تفوق ، فإذا اكتفى بواحدة تطرف ، وفرق كبير بين التفوق وبين التطرف ، الحقيقة التوازن وتلبية حاجات العقل والقلب والجسم معاً أحد أسباب التفوق ، وأتمنى على الأخوة المشاهدين أن ينتبهوا لهذه الناحية ، قد ينمو العقل نمواً كبيراً على حساب القلب ، قال بعضهم : أوربا عقلها من ذهب وقلبها من حديد ، قد ينمو العقل ولا ينمو معه القلب ، وقد ينمو القلب ولا ينمو معه العقل ، والفرق الإسلامية عبر التاريخ هناك من اهتم بالعقل وأهمل القلب والصلة بالله ، وهناك من اهتم بالقلب وأهمل العقل ، فالبطولة في التوازن لا في التطرف ، فإذا لبينا حاجة العقل والقلب والجسم معاً تفوقنا ، وإذا لبينا حاجة تطرفنا .
الأستاذ راضي :
هذه النقطة سيدي أليس هذا لحكمة إلهية يعلمها الله عز وجل ، عندما ننظر إلى أوربا تفوقت في التكنولوجيا والعلوم الحديثة ، لكن غذاء الروح غير متواجد ، لدينا نحن المسلمين غذاء الروح ، ما شاء الله متوافر لكن التقدم إلى حد ما قليل ، ألا تدخل فيها حكمة إلهية ؟

 

الفضيلة وسط بين طرفين :

الدكتور راتب :
ألا ترى معي أنك إذا رأيت إنساناً طيباً جداً ، لطيفاً جداً ، متسامحاً ، لكنه ضعيف الثقافة هذا لا ينتزع إعجابك ، أو رأيت إنساناً متفوقاً في الذكاء لكنه قاسي القلب أيضاً هذا لا ينتزع إعجابك ، لكن الإنسان الذي ينتزع إعجابك هو الذي تحبه بقدر ما تحترمه ، تحبه لكماله بقدر ما تحترمه لعقله ، فلذلك البطولة في التوازن لا في التطرف . الله عز وجل قال :

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

( سورة الرحمن )

بقدر ما تجله تحبه ، والأب ينبغي أن يحبه أولاده وأن يخافوا منه في الوقت معاً، أما إذا أحبوه من دون خوف تطرفوا ، وإن خافوا منه من دون حب ابتعدوا عنه ، فدائماً الحالة الوسط هي الكاملة ، والفضيلة وسط بين طرفين ، فكلما جمعت بين الطرفين بوضع متوازن كنت من المتفوقين .
الأستاذ راضي :
وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ، نعود إلى سؤالنا من القضايا التي ثار حولها جدال كثير طبيعة العلاقة بين الإسلام والعقل .

 

تتمة لطبيعة العلاقة بين الإسلام والعقل :

الله عرف النفس بالخير والشر
الدكتور راتب :
الحقيقة عندنا وحي نسميه النقل ، منقول عن خالق السماوات والأرض ، مشروح من شرح المعصوم ، القرآن الكريم وحي السماء ، والسنة شرح النبي عليه الصلاة والسلام ، فهذا الجانب هو الوحي النقل ، والعقل جانب آخر ، وهناك الفطرة ، والواقع ، الحقيقة الفطرة مقياس نفسي ، أنت جبلت على حب الخير ، الفطرة تعني أن تحب الخير ، أن تحب العدل ، أن تحب الكمال ، أن تحب الإنصاف لا أن تكون منصفاً ، شيئاً آخر أن تكون منصفاً صبغة ، هناك فطرة وهناك صبغة ، محبة الكمال فطرة ، وهذه الفطرة فطر الناس عليها جميعاً :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾

( سورة الروم الآية : 30)

صار عندنا فطرة ، مقياس نفسي يكشف لك خطأك :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

العقل التبريري يجمل القبيح لمصلحة

 

( سورة القيامة )

وقال :

 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

( سورة الشمس )

هذه الفطرة ، والواقع في عندنا واقع ملموس ، وفي عندنا عقل ، وفي وحي السماء النقل ، أنا أؤمن أن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، وقد وصفت كل كلمة بصفة ، العقل الصريح هناك عقل تبريري ، هذا العقل التبريري يغطي كل الانحرافات ، قد تأتي دولة تحتل بلاد ، تنهب الخيرات ، تقول جئنا من أجل الحرية ، هذا فكر تبريري ، في عندنا عقل تبريري وعقل صريح ، في عندنا نقل صحيح ونقل غير صحيح ، أحاديث موضوعة أو فهم للآيات غير صحيح ، فالنقل الغير صحيح إما تأويلاً أو وضعاً .
الأستاذ راضي :
التأويل أن يفسر الآية على خلاف ما أرادها الله عز وجل .

 

النقل الغير صحيح إما أن يكون تأويلاً أو وضعاً :

القلق نتيجة الانحراف
الدكتور راتب :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً (130)﴾

( سورة آل عمران )

يقول لك ضعف واحد ما في مشكلة .
الأستاذ راضي :
لكن النقل صحيح .
الدكتور راتب :
التأويل غير صحيح ، أو حديث موضوع :
كل الناس هلكى إلا العالمون ، والعالمون هلكى إلا العاملون ، والعاملون هلكى إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم . هذا حديث وضعته الزنادقة ، من أجل التيئيس ، فقد يكون النقل موضوعاً لا أصل له ، وقد يكون النص صحيحاً كالقرآن لكنه أُوِّل تأويلاً فاسداً، أهم شيء بالنقل أن يكون صحيحاً أصلاً وتأويلاً ، والعقل الصريح ليس عقلاً تبريرياً ، والفطرة السليمة لا الفطرة المنطمسة ، الإنسان إذا استمر في الانحراف طويلاً تنطمس فطرته الفطرة مقياس نفسي ، في ألمانيا فندق كتب على السرير : " إن لم تنم هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا إنها وثيرة ولكن العلة في ذنوبك إنها كثيرة " . الإنسان إذا ارتكب انحراف خطير تقلق نفسه والدليل :

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

( سورة الشمس )

الفطرة والعقل والنقل والواقع من عند الله فهي متكاملة فيما بينها :

العقل يجب أن يتوافق مع النقل لأن المصدر واحد
صار في عقل ، ونقل ، وفطرة ، وواقع ، أنا أؤمن أن الحق ما جاء به النقل الصحيح وقبله العقل الصريح وارتاحت له الفطرة السليمة وأكده الواقع الموضوعي ، وهناك عقل ونقل وفطرة وواقع ، فهذا مكان العقل من الإنسان ، ومن الدين الْدين نقل ، لكن هذا الدين الذي هو نقل يتوافق مع العقل لماذا ؟ إذا توافقت أشياء عدة مع جهة واحدة فهي فيما بينها متوافقة ، من خلق العقل ؟ هو الله ، من أنزل الوحي ؟ هو الله ، من جبل هذا الإنسان على فطرة سليمة ؟ هو الله ، من خلق هذا الواقع ؟ هو الله ، فالفطرة والعقل والنقل والواقع من عند الله من جهة واحدة ، إذاً هي فيما بينها متكاملة ، بل إن العالم الجليل ابن القيم رحمه الله عز وجل يؤكد تأكيداً قطعياً أن النقل لا يختلف مع العقل أبداً إلا في حالة واحدة أن يكون النقل غير صحيح ، أو أن يكون العقل غير صريح ، قد تظهر نظرية لم تثبت بعد قد تتناقض مع القرآن الكريم ، قد يفهم إنسان آية فهماً خاطئاً يتناقض هذا مع العلم ، فإذا جاء النقل صحيحاً والعقل صريحاً لا يختلفان إطلاقاً لأنهما من مصدر واحد ، هذا شيء عظيم في ديننا، الدين الإسلامي يتوافق مع العقل مئة بالمئة ، شيء آخر ، بالخمسين سنة الماضية التطور البشري من آدم إلى قبل خمسين سنة يكافئ التطور الذي حدث من خمسين إلى الآن ، مع ذلك لم يظهر في العالم اكتشاف أو حقيقة خالفت القرآن الكريم ، بالعكس المسلمون يعيشون حالة رائعة جداً هي الأمن العقدي ، في دينهم الربا محرم ، انهيار النظام العالمي يؤكد دينهم ، كل الأحداث التي تجري في العالم تؤكد الدين الإسلامي ، أنفلونزا الخنازير تؤكد دينهم مثلاً ، أنت لو تتبعت الأحداث تجد أن كل حدث كبير يؤيد هذا الدين ، أنت بحالة اسمها أمن عقدي ، الأمن العقدي شيء رائع ، صار العقل معه نقل وفطرة ومعه واقع ، واحد من أربعة أشياء .
الأستاذ راضي :
ننتقل إلى نقطة إن شاء الله ستكون تمهيداً لتبسيط المعلومة للسادة المشاهدين بعد هذا الشرح الكريم من فضيلتك ، بنظرة إحصائية إلى عدد الآيات القرآنية الدالة على العقل نجدها ما يزيد عن الخمسين موضوعاً وردت كلمة العقل بصيغة المضارع لعلكم تعقلون ، لعلكم تتفكرون ، بالإضافة إلى المعاني الأخرى وردت بمعاني مختلفة كلمة التذكر والتفكر ، كما قلت في المقدمة هذه هل لها من دلالات معينة ؟

 

في حياتنا كمسلمين دوائر ثلاث:

الدكتور راتب :
أنا اذكر أن عدد الآيات التي تتحدث عن العقل ومشتقاته تقترب من ألف آية هذا العدد الكبير يؤكد أن العقل له دور .
الأستاذ راضي :
أنا ذكرت ما ذكر صراحة خمسين .
الدكتور راتب :
الحقيقة الدقيقة أن في حياتنا كمسلمين دوائر ثلاث ، والموضوع دقيق جداً :

1ـ الدائرة الأولى هي دائرة المحسوسات :

الدائرة الأولى هي دائرة المحسوسات ، أداة اليقين بها الحواس الخمس ، واستطالتها كالميكروسكوب استطالة للعين ، والتليسكوب استطالة ، هذا كأس ماء ، هذا قلم ، هذه طاولة ، هذا ضوء متألق ، دائرة المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس ، هذه الدائرة ليست مشكلة هي قاسم مشترك في العالم كله ، في طاولة ، في مصباح متألق ، في بيت ، في جبل ، في بحر ، في حصان ، أشياء تراها بعينك ، وقد تسمع صوتها ، وقد تشم رائحتها ، فأداة اليقين بالمحسوسات الحواس الخمس ، أقصد بالمحسوسات شيء ظهرت عينه وآثاره .

2ـ الدائرة الثانية دائرة المعقولات :

حينما تختفي عين الشيء وتبقى آثاره ، سيارة مارة في طريق ترابي واختفت لكن بقيت آثارها، فالشيء إذا غابت عينه وبقيت آثاره أداة اليقين به العقل ، هذا هو دور العقل في هذا المجال فقط ، شيء غابت عينه وبقيت آثاره ، وأعظم موضوع في العقل أن الذات الإلهية غابت عنا ذاتها وبقيت آثارها ، الكون كله ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله ، فالكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، فلذلك يمكن أن نؤمن بالله من خلال الكون والدليل الآيات التي تحدثت عن الكون والإنسان تقترب من ألف وثلاثمئة آية .
أستاذ راضي لو قرأت آية تتحدث تأمرك بأمر معين ؛ موقفك منها أن تأتمر ، آية أخرى قرأتها فيها نهي ؛ الموقف الكامل منها أن تنتهي ، آية في وصف للجنة والنار ؛ أن تسعى بها إلى الجنة وأن تبتعد عن النار ، آية عن أمة سابقة عصت ربها فأهلكها الله ؛ أن تتعظ ، كل آية في القرآن ينبغي أن يكون لك منها موقف ، ما موقفك من ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ؟ التفكر :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

( سورة آل عمران )

يقول النبي عليه الصلاة والسلام : الويل لمن لم يتفكر بهذه الآية ، فمعناها الآيات الكونية هي دلائل على وجود الله ووحدانيته وكماله وأسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، إذاً العقل دوره من الذات الكاملة غابت عنها وبقيت آثارها ، بقي خلقها ، بقيت السماوات والأرض ، فلذلك الدائرة الثانية أداة اليقين بها العقل ، لكن العقل لا عمل له إلا بحالة واحدة أن تغيب عين الشيء وأن تبقى آثاره .

3ـ الدائرة الثالثة دائرة الإخباريات :

الثالثة أصل الشيء غاب عنا وغابت عنا آثاره ، العقل ليس له دور إطلاقاً ، الجنة ، النار ، الجن ، الملائكة ، الماضي السحيق ، المستقبل البعيد ، هذه الموضوعات أخبرنا الله عنا والعقل ليس له دور فيها إطلاقاً ، بهذا أنا أتمنى على كل أخوتي الدعاة ألا يطرحوا موضوعاً إخبارياً لإنسان إيمانه في الله مهزوز .
الأستاذ راضي :
ما قصدك يا أستاذ ؟
الدكتور راتب :
لو فرضنا أردت أن تقنع إنساناً أن يستقيم ، تقول له : في ملَكَين ، يقول لك : أين الملَكَين ؟ إذا إيمانه بالله مهزوز المَلَك ليس له دليل ، دليله الوحيد إخباري ، الله أخبرنا بالملائكة ، فكل شيء الله أخبرنا فيه هذا قسم إخباري ، صار في عندنا دائرة المحسوسات أداة اليقين بها الحواس الخمس ، ودائرة المعقولات أداة اليقين بها العقل ، والدائرة الثالثة دائرة الإخباريات ، أنت زرت صديقك وجدت عنده خزانة مهما كنت ذكياً لا تعلم ما فيها إلا أن يخبرك عنها ، في عندنا قسم إخباري في الدين ؛ الماضي السحيق ، المستقبل البعيد ، ذات الله عز وجل ، الصفات الإلهية ، الأسماء الحسنى ، الجنة ، النار ، الصراط ، كل شيء أخبرنا الله عنه في الآخرة ، هذه لا تعطى للإنسان إلا بعد أن يؤمن بالله وكتابه ورسوله .
الأستاذ راضي :
إذاً نخلص من كلام فضيلتك أن الشريعة الإسلامية آخت بين الإسلام والعقل حقيقة ولذلك جعلتهم مناط التكليف .

 

الشريعة الإسلامية آخت بين الإسلام والعقل و جعلتهم مناط التكليف :

الدكتور راتب :
طبعاً ، لكن هناك نقطة دقيقة جداً ، لو أيقظنا إنساناً من قبره قبل خمسين عاماً وأعطيناه قرصاً مدمجاً فيه خمسة عشر ألف كتاب مضبوطة بالشكل ، سيتهمنا بالجنون ، لأن العقل مربوط بالواقع ، أما الوحي مرتبط بخالق السماوات والأرض .
الأستاذ راضي :
إذا كانت الحقيقة أن الإسلام يحترم العقل ويعمل على تحريكه في مجالات الحياة المختلفة ، لماذا يثير العقلانيون حوله الشبهات ؟
وصلت إلينا بعض الأسئلة ، من جمعية محبي الشيخ الشعراوي بالإسكندرية ، محمد الكيك ، أستاذ وجدي العربي ، الفنان حسن يوسف ، نشارك التهنئة بالبرنامج بحضور الضيف الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي ونحن نشارككم هذه الحفاوة والترحيب .
رسالة من أخت مروة وردت بالإنكليزي وتمت ترجمة الرسالة ، نشكر الأخت الكريمة على الثناء للبرنامج وتتمنى أن يذاع مرة ثانية في الأسبوع ، أرجو مناقشة موضوع المرأة التي لا ترتدي غطاء الرأس ، وعندما أستعمل عقلي أعلم أن الله عز وجل واحد ، نرجع إليه في الآخرة ، كيف ألقى الله عز وجل ؟ وكيف أغير حياتي إلى الأفضل باستخدام العقل ؟

 

كيفية تغيير حياتنا إلى الأفضل باستخدام العقل :

الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان حينما يستخدم عقله يتساءل سؤالاً دقيقاً ؛ لمَ أنا على سطح الأرض ؟ لو ذهب شخص إلى باريس ونزل في أحد الفنادق ، وفي صبيحة اليوم الأول سأل : إلى أين أذهب ؟ نقول له : عجيب هذا السؤال ، لماذا جئت إلى هنا ؟ إن جئت طالب علم اذهب إلى المعاهد والجامعات ، وإن جئت سائحاً اذهب إلى المقاصف والمتنزهات ، وإن جئت تاجراً اذهب إلى المعامل والمؤسسات . يعني هذا الكلام أنه لا تصح حركتك في مكان ما إلا إذا عرفت سرّ وجودك ، وغاية وجودك ، أنا حينما أطرح هذا السؤال الكبير لماذا أنا على وجه الأرض ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ أين كنت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ماذا قبل الموت ؟ ما علة بقائي ؟ ما علة وجودي ؟ هذه أسئلة كبيرة ، لذلك قالوا : ما كل ذكي بعاقل ، الذكاء متعلق بالجزيئات ، تحمل أعلى شهادة في الفيزياء النووية ، لكن العاقل من عرف الله وعرف سر وجوده وغاية وجوده ، فما كل ذكي بعاقل ، فأي إنسان يجب أن يلبي أسئلة دقيقة جداً لماذا أنا في الدنيا ؟ ماذا بعد الموت ؟ الموت نهاية حياة أو بداية حياة ثانية ، هذه أسئلة كثيرة لكن صدق ولا أبالغ مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل ، بل زوال الدنيا أهون على الله من أن يبحث إنسان عن الحقيقة صادقاً ولا يصل إليها :

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

( سورة العنكبوت الآية : 69 )

إذاً أنا عندما أبحث عن سر وجودي وعن غاية وجودي الله عز وجل يهديني لأن الله تولى هداية البشر :

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

( سورة الليل )

من يبحث عن الحقيقة يصل إليها :

والله أستاذ راضي لو واحد في ألاسكا وبحث عن الحقيقة مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل إلا أن يجمعه الله بمن يعلمه الحقيقة ، هذا شيء ثابت في القرآن الكريم ، الآية الكريمة الدقيقة :

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 23 )

أي إنسان ينطوي على رغبة في معرفة الحقيقة لا بد من أن يصل إليها ، إذاً الإنسان حينما ينال دكتوراه أو ماجستير ، ينال شهادة علمية ، شهادة يعمل بها ، يعيش منها ، هذا موضوع حرفة ، لكن يجب أن يعرف لماذا خلقه الله ؟ ما علة وجوده ؟ ما سر وجوده ؟ بل إن الحركة في الحياة لا تصح إلا إذا عرفت سر الوجود .
الأستاذ راضي :
رسالة صغيرة في عجالة لأختنا مروة .
الدكتور راتب :
من يبحث عن الحقيقة يصل إليها
بارك الله بها حينما تبحث عن الحقيقة في مراكز إسلامية في كل أنحاء العالم ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ))

[ من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعاً أخرجه الحاكم وصححه ورده الذهبي ]

لماذا كانت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام آخر البعثات وكتاب القرآن الكريم آخر الكتب ؟ لأن الله علم هذا التواصل بين البشر ، الأرض كانت خمس قارات الآن قارة ، ثم بلد ، ثم مدينة ، ثم بيت ، ثم غرفة ، والآن سطح مكتب ، كنت في مالبورن أقصى مدينة في الجنوب ، فيها إذاعة إسلامية ، وقرآن ، وحديث ، ودروس أينما ذهبت ، فحينما تبحث الأخت عن الحقيقة مستحيل وألف ألف مستحيل إلا وأن تصل إليها ، ونحن في خدمتها ، لي موقع في الانترنيت .
الأستاذ راضي :
نعود إلى لب الموضوع ، إلى حقيقة الموضوع وقدر الإسلام أن يكون موضع السهام المسمومة ، هناك تيارات فكرية يطلقون على أنفسهم العقلانيون ، نود أن نتعرف عليهم قبل أن نفند هذا الافتراء الذين يدعونه كذباً على الإسلام ؟

 

من هم العقلانيون ؟

الدكتور راتب :
قديماً المعتزلة اعتمدوا العقل على انه أداة وحيدة لمعرفة الحقائق ، وهؤلاء لهم أتباع في كل عصر ، أي إنسان يعتمد على العقل وحده في معرفة الحقائق من دون أن يعتمد على الوحي ، أستاذ راضي لك عين ما قيمة هذه العين من دون ضوء ؟ لا شيء ، لو جلس اثنان الأول بصير والثاني أعمى في مكان مظلم هما سواء ، إذاً كما أن الضوء ضروري للعين الوحي ضروري للعقل ، علاقة الضوء بالعين علاقة أساسية ، وعلاقة الوحي بالعقل علاقة أساسية ، فنحن بحاجة إلى أن يكون العقل مهتدياً بالوحي ، هذه نقطة ، النقطة الثانية العقل علاقته مع النقل خطيرة جداً ، العقل له مهمتان ؛ مهمة قبل النقل ومهمة بعد النقل ، المهمة قبل النقل أن يتأكد من صحة النقل ، وبعد النقل أن يفهم النقل ، دون أن يكون العقل حكماً على النقل ، العقلانيون جعلوا العقل حكماً على النقل ، أما الأصل فهو العقل لفهم النقل .
الأستاذ راضي :
العقل يحتاج لنور الوحي ليبصر الحقائق
يحكموا العقل على الواقع أم على الآيات ؟
الدكتور راتب :
يحكموا العقل في فهم النقل بالفهم لا بإلغاء النقل .
الأستاذ راضي :
إذا كان العقل أشار إليهم بشيء حتى ولو كان مخالفاً للحقيقة ؟
الدكتور راتب :
أبداً ، الوحي أعمق ، كما قلنا قبل قليل الوحي من عند الله عز وجل ، والعقل مربوط بالواقع ، كلما ظهر شيء في المستقبل الآن نستنكره ، مثلاً كانت تنتقل الرسالة خلال شهرين من المدينة إلى الكوفة ، الآن بثوان تنتقل الرسالة ، لو أنا عرضنا لإنسان قبل ألف سنة ما يجري الآن لا يصدق ، معنى ذلك أن العقل مربوط بالواقع ، فأنا أقول العقل مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل ، ومهمته بعد النقل فهم النقل ، ولن يكون العقل حكماً على النقل ، فإذا كان العقل حكماً على النقل انحرفنا كالمعتزلة .
الأستاذ راضي :
أستاذي الكريم ، إذا كان الإسلام يعمل العقل ، ويفتح أمام العقول آفاقاً بعيدة للتطلع والتأمل والنظر والبحث ، كيف نوائم بين جنوح العقل وحكمة الشرع الحنيف ؟

 

المواءمة بين جنوح العقل وحكمة الشرع الحنيف :

الدكتور راتب :
الدين توقيفي بمعنى أنه لا يطور ولا يعدل ولا يبدل ، حتى التجديد في الدين له معنى واحد أن ننزع عن الدين كل ما علق فيه مما ليس منه .
الأستاذ راضي :
كلام فضيلتك أين هو من فقه الواقع المعمول به ؟
الدكتور راتب :
هذا القرآن الكريم كلام الله ، هناك أدلة مذهلة في أنه كلام الله ، مادام هو كلام خالق السماوات والأرض هو العليم هو الحكيم ، فأنا كمسلم أتبع ما في القرآن الكريم لأنه كلام خالق الأكوان ، وأنا مع طبيب يحمل دكتوراه وبورد بالقلب يعطيني نصائح لا أناقشه أبداً لي ثقة بعلمه ، هذا كلام خالق السماوات والأرض ، فالعقل من أجل التأكد من صحة النقل ، ثم لفهم النقل ، ولن يكون العقل حكماً على النقل ، لأن هذا النقل هو كلام خالق السماوات والأرض ، فالعقلانيون أو المعتزلة هم الذين حكموا العقل بالنقل فردوا بعض النصوص لأن العقل لم يتوافق معها ، والعقل مربوط بواقع معين .
الأستاذ راضي :
في نصيحة للسادة المشاهدين ، ما هي المناطق التي يبتعدون عنها من حيث التفكير ؟ أنا إنسان مدعو للتفكر ، بشطحاته ، بعقلانيته .
الدكتور راتب :
أريد أن أقول كلمة دقيقة ، أنت مكلف أن تقلد في الدين وأن تبتدع في الدنيا ، أن تحسن مستوى المعيشة ، أن تهيأ سكن للشباب ، أن تزوج الشباب ، أن تحل مشكلات الأمة .
الأستاذ راضي :
لا نطلق عليها ابتداع ولكن سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول : أنتم أدرى بشؤون دنياكم .
الدكتور راتب :
نحن مكلفون أن نطور حياتنا بالعقل ، والنقل توقيفي ، النقل كلام خالق السماوات والأرض لا يقبل التطوير ولا الزيادة ولا الحذف ولا التعديل إطلاقاً ، فالدين توقيفي ، والدنيا تحتاج إلى إعمال عقولنا ، فالمسلمون قلدوا في دنياهم وابتدعوا في دينهم ، هذه هي المشكلة .

 

خاتمة وتوديع :

الأستاذ راضي :
يعني إذا كانت الدنيا تحتاج إلى إعمال العقول هل نقدم المهم أم الأهم ؟ في الحقيقة هذا موضوع مهم جداً إن شاء الله سنخصص له الحلقة القادمة بعنوان فقه الأولويات ، أيهما يقدم المهم أم الأهم ؟
أخوتي وأخواتي لا يسعنا في هذا اللقاء إلا أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى ضيفنا وضيفكم العالم الجليل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعي الإسلامي في سوريا الشقيقة والوطن الإسلامي والعربي ، جزاكم الله عنا خيراً نرحب بحضرتك .
أخوتي شكراً على هذه المتابعة .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور