2008-05-19
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى:(الحسيب):
أيها الأخوة الكرام، بشكل ملخص الحسيب معناهالاعتماد على غير الله مذلة:
الاعتماد على غير الله، من اعتمد على ماله ضلّ، من اعتمد على من حوله ذلّ، من اعتمد على الله لا ضلّ ولا ذلّ.(( لو كنتُ متخذاً من أُمَّتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي ))
الله عز وجل محاسب و مكافئ كل إنسان على عمله:
أيها الأخوة، "الحسيب" المحاسب، يوجد أخ مرة التقيت به في لقاء خاص فحدثني عن القصة التالية:من أكبر أفضال الله على الإنسان أنه سمح له أن ينتسب إليه:
الآن الله حسيب يعني ذو شرف، عظيم معنى رابع، لذلك من أكبر أفضال الله علينا أنه سمح لنا أن ننتسب إليه.﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾
أنت عبد من ؟ عبد خالق السماوات والأرض، ما قولك أن هناك أناساً في العالم يعبدون الشجر، أن هناك أناساً يعبدون الشمس والقمر، أن هناك أناساً يعبدون النار، أن هناك أناساً يعبدون بعض الحيوانات، هناك جماعات كثيرة جداً في آسيا يعبدون الجرذان والحديث طويل، في اليابان يعبدون ذكر الرجل، وقد شرفنا الله عز وجل بأن نعبد الله، بأن نعبد خالق السماوات والأرض، بأن نعبد من له ملكوت كل شيء، أن نعبد من إليه يرجع الأمر كله، أن نعبد من هو في السماء إله وفي الأرض إله، أن نعبد خالقنا، الرحمن، الرحيم، القوي ، الغني، الحكيم.عبد القهر و عبد الشكر:
أيها الأخوة، لذلك قال العلماء: فرق كبير بين العباد وبين العبيد، العبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر، العبد الذي عرف الله ابتداءً، وأقبل عليه، وأحبه ، واستسلم لأمره، وسعى لخدمة خلقه، وتقرب إليه بالعمل الصالح، يجمع على عباد.﴿ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
أما العبد الذي قلبه بيد الله، وحركته بيد الله، وسمعه بيد الله، وبصره بيد الله ، ومن فوقه بيد الله، ومن تحته بيد الله، وهو في قبضة الله، وفي أية لحظة سكتة دماغية ، في أية لحظة احتشاء في القلب، في أية لحظة من أهل القبور، هذا العبد المقهور ببقائه ، وباستمرار بقائه، المقهور بصحته، المقهور بأجهزته، هذا اسمه عبد القهر ويجمع على عبيد.﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
فشتان بين أن تكون عبد القهر، وبين أن تكون عبد الشكر، بين أن تكون عبداً أحبّ الله.إرادة الله عز وجل في أن تكون العلاقة بيننا و بينه علاقة حب لا علاقة إكراه:
لذلك الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى ما أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة قهر، ولا علاقة إكراه.﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد الله جل جلاله أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب، قال:﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
من اعتمد على غير الله فقد أشرك:
أيها الأخوة، الآن لو دخلنا في بعض التفاصيل، من الشرك أن تعتمد على غير الله، يعني صحابة رسول الله وهم قمم البشر، ومعهم سيد البشر، في حنين اعتمدوا على كثرتهم، فقالوا:(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
فتخلى الله عنهم، ولو أنه نصرهم لسقط التوحيد، وفي أحد عصوا الله، هم قمم البشر، وفيهم سيد البشر، فهم لم ينتصروا، لأنهم لو انتصروا لسقطت طاعة رسول الله فإذا كان الصحابة الكرام هكذا، فما بال المسلمين اليوم، وهم واقعون في مئات المعاصي والآثام ؟الله سبحانه وتعالى إذا أعطى وفى وكفى:
أخوانا الكرام، لا يجوز إعطاء الزكاة لابن الغني (الابن فقير)، لكن العلماء قالوا: هو غني بغنى أبويه، غني بغنى أبيه، والمؤمن قوي بقوة الله، وغني بغنى الله ، وحكيم بحكمة الله، أن يكفيني الله لأنه قوي، ولأنه رزاق، ولأنه غني، ولأنه عليم، ولأنه كريم، ولأنه سميع، ولأنه مجيب، ولأنه رؤوف، ولأنه رحيم، هو المعطي، هو المانع ، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل.عدم قبول كلمة حسبي الله و نعم الوكيل منك إلا إذا بذلت ما في وسعك:
لكن نقطة دقيقة جداً الآن، النقطة الدقيقة أن هذه الكلمة قد تقال في غير موضعها يعني طالب ما درس أبداً، وما نجح يقول للناس: حسبي الله ونعم الوكيل، هذه مشيئة الله ماذا أفعل ؟ هكذا أراد الله ! لا، هذا كذب، أنت لم تدرس، لذلك لم تنجح، فعدم النجاح جزاء التقصير، لا تقال كلمة حسبي الله ونعم الوكيل، معنى ذلك كل كسول، كل مقصر، كل مهمل، كل مرجئ، يغطى بهذه الكلمة ؟ لا، تقول حسبي الله ونعم الوكيل إذا درست الدراسة التي في وسعك ولم تقصر، ولم تضيع الوقت إطلاقاً جاء عارض صحي حال بينك وبين الامتحان، عندئذٍ تقول حسبي الله ونعم الوكيل.حسبي الله ونعم الوكيل تقال لمن بذل كل الجهد وشاءت حكمة الله ألا يحقق مراده:
لذلك مرة قضى النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين، فالذي عليه الحق والذي قضى النبي لخصمه قال: حسبي الله ونعم الوكيل فعاتبه النبي، لا تقل هذه الكلمة أنت مقصر، كأن حسبي الله ونعم الوكيل ينبغي أن تقال لمن بذل كل الجهد، وشاءت حكمة الله ألا يحقق مراده، يقول عندئذٍ حسبي الله ونعم الوكيل تأدباً مع الله عز وجل، أما الذي يقصر، لا يأخذ بالأسباب، لا يعتني.(( مَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ منه طِبّ، فهو ضامِن ))
عليه مسؤولية جزائية، علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا جاءت الأمور كما تتمنى فاشكر الله عز وجل، وإذا جاءت الأمور بعكس ما تريد فقل حسبي الله ونعم الوكيل، وقد بذلت كل الجهد، وأخذت بكل الأسباب عندئذٍ لك أن تقول حسبي الله ونعم الوكيل.من ابتعد عن الله عز وجل فهو في فقر دائم:
الحقيقة لا يوجد على وجه الأرض جهة غير الله تغني، علم الله هو كل شيء ، يعطيك منصباً، يعطيك مساعدة، يعطيك دفعة، أما يغنيك، يكفيك، لا تحتاج معه إلى أحد، هو الله وحده، فإما أن تكون مع الله فأنت المكتفي، وإما أن تبتعد عنه فأنت في فقر دائم ، لذلك أنت من خوف الفقر في فقر، خوف الفقر فقر، أنت من خوف المرض في مرض، توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، لذلك قل حسبي الله ونعم الوكيل، وليس في الوجود حسيب سواه.عطاء الله عز وجل يبدأ بعد الموت:
أخوانا الكرام، لساعة غفلة عن الله، نتوهم أن الدنيا كل شيء، هي ليست بشيء، لأن عطاء الدنيا ينقطع عند الموت، ولا يليق بكرم الله أن يعطيك عطاءً ينقطع عند الموت، هذا ليس عطاء إله، هذا عطاء إنسان يعطيك بيتاً، ما دمت حياً تستمتع به، فإذا وافته المنية انتهى البيت، يعطيك منصباً، أما الإله يعطيك الآخرة، يعطيك سعادة الدنيا والآخرة.﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
لا تصدق أن يكون عطاء الله منقطعاً، لا تصدق أن يكون عطاء الله ينتهي عند الموت، هذا عطاء أهل الدنيا لكن عطاء الله عز وجل يبدأ بعد الموت، لذلك:(( لو كَانت الدُّنيا تَعْدِلُ عند الله جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سقَى كافراً منها شَرْبَة مَاءْ ))
الدنيا هينة على الله.عطاء الله عز وجل عطاء أبدي لا ينتهي:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
ليس باباً واحداً، بل أبواب، ليس باب شيء﴿ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
لذلك هناك كلمة رائعة جداً للإمام علي رضي الله عنه يخاطب ابنه يقول له: يا بني ! " ما خير بعده النار بخير ".(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً:
أيها الأخوة، دقق في هذه الآية، الله عز وجل حدثنا عن قارون، قال:﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
الإنسان أحياناً يدهشك بمركبته، ببيته الواسع، بإطلالته الرائعة، بدخله الوفير ، بحجمه المالي، بمكانته الاجتماعية، بمنصبه الرفيع، يترنم بكلمة مسؤول كبير، والله لو علم معنى مسؤول كبير لارتعدت فرائصه.﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
فاطمة دخلت على زوجها رأته يبكي، مالك تبكي ؟ قال: دعيني وشأني، قال ويحك يا فاطمة، إني رأيت المريض الضائع، والفقير الجائع، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير، والرزق القليل، والمأسور، والمظلوم، وابن السبيل ، وأمثالهم، بطول البلاد وعرضها فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي.﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾
العاقل من حاسب نفسه قبل أن يلقى الله عز وجل:
الآن هناك معنى فرعي من معاني اسم "الحسيب" أن الله هو المحاسب، فإذا كنت بطلاً، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، زن عملك قبل أن يوزن عليك، من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً.(( الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله الأماني))