وضع داكن
28-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 088 - الترغيب في البداءة في الخير.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام من الأحاديث الدقيقة التي جاءت تحت باب الترغيب في البداءة بالخير ليستن بها، والترهيب من البداءة بالشر، لئلا يستن بها. عن جرير رضي الله عنه قال..

 يا أيها الإخو قبل أن أقرأ الحديث، كلما ارتقى إيمان المؤمن يشعر أنه إذا قرأ حديثاً صحيحاً أن هذا الحديث ليس من عند النبي، إنما هو من عند الله، لأن الآية الواضحة قطعية الدلالة..

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾

( سورة النجم )

  فعن جرير رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قوم غزاةٌ مجتابي النمار ـ يعني مقطعي الثياب، ثيابهم مهترئة، أجسامهم ظاهرة ـ والعباء، متقلدي السيوف عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه النبي عليه الصلاة والسلام ـ تغير لونه ـ لما رأى ما بهم من الفاقة...

 

 أيها الإخوة بكلام صريح، إن لم يكن في صدرك قلب رقيق لا يحتمل رؤية البؤس، ولا الفقر، ولا المرض، ولا الظلم، ولا القهر، صدقني إن لم يرق قلبك لبائسٍ، أو فقير، أو مقهور، أو مظلوم، أو مريضٍ، فلست مؤمناً، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾

( سورة الزمر: من آية " 22" )

  أبْعَد القلوب عن الله القلب القاسي، قد يؤدي عباداته ولكن قلبه كقطعة من حجر، لا يلين لا يرحم زوجته، لا يرحم أولاده، لا يرحم جيرانه، لا يرحم مريضه، لا يرحم موكِّله، لا يرحم الشاري، بحاسة سادسة يرى أن هذا الشاري مضطر لهذه الحاجة فيضاعف أسعارها أضعافاً مضاعفة، فالذي لا يرحم لا يرحم، الذي لا يرحم مقطوعٌ عن الله، الذي لا يرحم بعيدٌ عن الله، فالنبي تمعر وجهه، أنت اجعل هذا الحديث مقياساً لك، ما أكثر البائسين، ما أكثر المرضى، ما أكثر الفقراء، ما أكثر الأيتام، ما أكثر الأرامل، ماذا يعني هذا الكلام ؟

 

 يعني هذا الكلام أنه ينبغي ألا تسرف في الإنفاق، ولو كنت في بحبوحة، لأن هناك، والله حدثني أخ شخص أخطأ مع شخص براتبه الشهري، قال له: قبضته، وهو لم يقبضه، كاد الدم يجف في عروقه، طعام شهرٍ بأكمله، أحياناً خمسة آلاف يحلون ألف مشكلة، فهناك مَن ينفق مئات الألوف، ملايين ليلةٍ واحدة، من أجل الظهور، وحب الظهور يقسم الظهور.

 أنا كنت قد حدثتكم أن بعض فنادق دمشق الكبرى، أرادت أن تشجِّع الناس ولا سيما الأغنياء على إقامة عقود القران فيها، فدعت كل من عقد قرانه في هذا الفندق خلال ستة أشهر، فإذا هم ستة عشر عقداً، دعوا إلى حفل تكريمي، المفاجأة أن ثلاثة عشر عقدٍ منهم آل إلى الطلاق قبل مضي ستة أشهر، كثرة الظهور تقسم الظهور.

 فالنبي عليه الصلاة والسلام تمعر وجهه، أنت امتحن نفسك، هل لك قلب رقيق ؟ هل تشعر أن المسلمين إخوانك جميعاً وأن بؤسهم يؤلمك، وأن سعاداتهم تسعدك، وأن سلامتهم تطرب لها، أم أنك تعيش وحدك لا تنتمي إلى مجموع المسلمين ؟
 أيها الإخوة... هناك ملمح دقيق في قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ))

( من الجامع لأحكام القرآن: عن " ابن حاتم المزني " )

  كأن النبي فرَّق بين الدين والخُلُق، فقد تكون ديناً بمعنى تصلي وتصوم وتؤدي زكاة مالك وتحج بيت الله الحرام، ولكن ليس لك قلب رقيق، قلب قاسي، والتصرفات قاسية جداً، والله لولا أنني قد يسأل أحدكم: ما الذي يحمل الأستاذ على اختيار موضوع معين ؟ صدقوني أن الذي يحملني على اختيار الموضوعات ما أعانيه من مشكلاتٍ من حولي، تجد كل يوم في مشكلة، تقول لي زوجته: يحضر عندك، وهو قاسي لدرجة غير معقولة بالبيت. فيا رب هذا الإنسان وديع في المسجد ينقلب إلى وحش في البيت، وحش لا يرحم، لا يرحم زوجةً، ولا يرحم ابناً، ولا يرحم بنتاً، يعيش لوحده، يعيش لحظوظه، لذلك النبي اللهم صلي عليه قال:

 

((خيركم خيركم لأهله))

 

( من مختصر تفسير ابن كثير )

  فكل إنسان بالبيت يشعر بحرية، لا يوجد رقيب عليه، قد يتكلم أقسى كلمة مع زوجته، قد يرتدي أفضح ثياب لا يعبأ، قد يمارس شيء يستحي أن يفعله أمام طفل في البيت، فالنبي جعل المقياس هو البيت، المنضبط في البيت حتماً منضبط خارج البيت، كيف أننا في فحص إجازة السوق، يكلَّف المفحوص بأصعب شيء في القادة وهو أن يرجع القهقرة بطريق ملتو ضيق ويوجد علامات متحركة، فلو مس علامةً رسب، أما أن ينطلق بالمركبة إلى الأمام قضية سهلة جداً.

 

 وأنت أيها المؤمن ممتحن في بيتك، فحينما تكون في بيتك رحيماً، حينما تكون وديعاً، حينما تكون مُنْصفاً، حينما ترحم زوجتك، حينما ترحم بناتك، حينما ترحم أولادك، إذا كنت صالحاً في البيت، فأنت صالحٌ خارج البيت، كل هذا ذكرته لأن النبي عليه الصلاة والسلام تمعَّر وجهه حينما رأى قوماً حفاةً، عراةً، فقراء.

 ولذلك حينما أمر الله بقرية أن تهلك، أرسل إليها الملائكة ليهلكوها.
  قالوا: يا رب إن فيها رجلاً صالحاً.
 ـقال: به فابدؤوا.
  قالوا: لم يا رب ؟!
  قال: لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكر.
 هو مستقيم، هو ناجٍ في زعمه، ولكنه لن يفكر أن يأخذ بيد أحد إلى الله.

 ويا أيها الإخوة... كلام دقيق وواضح كالشمس، " مَن لم يجاهد ولم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق "، وإن لم يكن الجهاد القتالي متاحاً، فالجهاد الدعوي متاحٌ بشكل واضح جداً، ما الذي يمنعك أن تنقل درساً إلى إخوانك، إلى جيرانك، إلى أصحابك، إلى من يلوذ بك، إلى أقربائك، إلى أولادك، ما الذي يمنعك ألا تقدم شريطاً لدرس تأثرت به إلى من تحب، لابد من أن تحدث نفسك بالجهاد ولو كان جهاداً دعوياً وقد سمَّاه الله جهاد كبيراً، فقال الله عز وجل: به فابدؤوا ؟ لماذا ؟ قال: لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً.

 والله أنا أعاني من كثيرين، تجد أخ مستقصي لا يهمه أحد، الناس كلها هالكة. أهكذا بهذه البساطة ؟ من قال هلك الناس فهو أهلكهم، أشدهم هلاكاً، وفي رواية ( فهو أهلكهم )، أي هو الذي وصفهم بأنهم هلكى وهم ليسوا كذلك، أنا أيها الإخوة أربأ بكم أن يكون انتماؤكم ذاتياً تنتمي مثلاً، تنتبه لنفسك، يهمك دخلك، أولادك، بيتك فقط، أما المؤمن في عنده هموم غيرية، يعيش للمسلمين، يسهم بحل مشكلة من مشكلات المسلمين.

 والله أخ من إخواننا، جارنا، قال لي: أنا عندي معمل وأقدم كل سنة تقاويم، وعدد كبير ومالها فائدة، فكل محل فيه عدة تقاويم، خطر بباله يعمل مؤلف فيه كلمات طيبة، مضيئة، واقعية، صادقة، مخلصة، مدعمه بالأدلة، وبدلاً من التقويم يطبع مؤلف ويوزعه بأعداد كبيرة مكان ثمن التقويم الذي لا معنى له الآن، فهو فكر يحل مشكلة، فكر يقدم شيء للناس.

 حينما تعيش للناس، صدقوني أيها الإخوة، تحل مشكلاتك الذاتية إكراماً من الله عز وجل، وحينما يعيش الناس لك تتفجر مشكلاتك الداخلية، فإن عشت للناس تولى الله شؤونك، والله من أربعين عاماً هذا الحديث متغلغلٌ في أعماقي:

(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))

( من الجامع لأحكام القرآن )

  لا يوجد مؤمن يشغله الناس، هموم الناس، بؤؤس الناس، ضلال الناس، يشغل بإصلاحهم، بخدمتهم، بإشاعة الفضيلة فيهم، بهدايتهم، بتعليمهم، بمساعدتهم، بحل مشكلاتهم بتمريض مريضهم، بإعطاء فقيرهم، بنصرة مظلومهم، لا يوجد إنسان يتولى خدمة الخلق إلا أعطاه الله فوق ما يعطي السائلين، دون أن تشعر، لأن الله أكرم الأكرمين، وهؤلاء كلهم عباده فإذ كنت أنت في خدمتهم.

 

 أنا والله أيها الإخوة حينما أرى أخاً كريماً يهتم بإخوانه، يهتم بمشكلاتهم، يحاول أن يمد لهم يد المعونة، أن يقدم لهم حل لمشكلاتهم، والله يكبر في عيني، وأنا والله أرى إخوة آخرين ـ سامحهم الله ـ لهم بهذا الجامع حوالي خمسة وعشرين سنة ما سمعت منه أنه قدم شيء، ولا سألني عن شيء، يحضر، يقول لك: الدرس حلو، خير إن شاء الله، لا يقدم شيء ؟!

 وأخوة كثيرون يقولون لي: أنا كهربي، أي خدمة، أنا محام، والله طبيب جراح، قال لي: أنا طبيب جراح مَن تحب أعمل له عملية في الجامع، بعثنا له اثنين، ثلاثة، أربعة، القصة قديمة قبل صندوق العافية، فالطبيب قدم، المحامي قدم، صانع قدم، صاحب حرفة قدَّم، الإنسان في عنده شيء يقدمه.

 فالنبي عليه الصلاة والسلام لما رأى ما بهم من الفاقة تمعر وجهه، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى، ثم خطب فقال:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾

( سورة النساء)

  ثم ختم الآية فقال:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾

 

( سورة النساء)

  وتلى عليهم آية ثانية:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾

 

( سورة الحشر)

  ثم قال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة.

 

 كنا مرة في حفل لجمع تبرعات لصندوق العافية، في إحدى مزارع دمشق، وكان في هذا الحفل نخبة من أغنياء البلد، ألقيت كلمةً، وألقى أحد الدعاة كلمة، والمفاجأة أنه جُمِع في هذا الحفل خمسين مليون لصندوق العافية، ولكن الذي لفت نظري، أن عاملاً يعمل في المزرعة قدَّم ألفين ليرة، أن أطفالاً صغاراً قدموا كل ما في حوزتهم، خمسمائة ليرة، سبعمائة ليرة، ثم بلغني أنه في بعض البلاد الإسلامية أحدثوا وقفاً للأطفال، الوقف نحن يبدو أننا نسيناه، فالوقف من أعظم أعمال البر، والوقف يمكن أن يحل مشكلات المسلمين، وذكرت لكم من قبل فيما أعلم أنني حضرت مؤتمر للوقف في دمشق فرأيت شيئاً لا يصدق، رأيت في بعض البلاد الإسلامية وقف لتشجيع الأطفال على المطالعة، تؤلف قصص راقية إسلامية، يطبع منها أعداد كبيرة، توزع على البيوت مجاناً لأنها وقف، ثم توزع ثانيةً وثالثةً، إلى أن يتعشَّق الطفل المطالعة، وقف للقرض الحسن.

 فكر هذا الذي يهتم بأمر المسلمين ماذا يمنع أن ينشأ في دمشق مصرف للقرض الحسن، واحد ميسور معه مبلغ هو له، أنا أضعه لخدمة الناس كإقراض لا كهبة، وبالطبع يكون في موظفين، خبراء للتحقيق، ضمانات، وكالات، كفالات، يقدَّم لكل إنسان بحاجة لقرض، هذا كان صندوق القرض الحسن.

 صندوق الوفاق الزوجي، كم بيت بالشام فيه مشكلة، والزوجة حردانة، والزوج مزعور والأولاد مشردون، هذا وقف أيضاً، هذا الوقف فيه علماء دين، فيه خبراء اجتماعيين، له مقر في عندهم سيارات، إذا كان واحد يعاني بمشكلة مع زوجته، أو هي تخبر، فيأتي الخبراء، يأتي العلماء يوفِّقون، يضعون الحلول، يجمعون الزوجين، يتصلون بالأهل، يخففون حدة البغضاء، هذا وقف.

 وقف للتوعية المرورية، وقف للتوعية الصحية، وقف لطلبة القرآن، وقف للشباب الفقراء ليتعلموا الكمبيوتر، هذا وقف، والله سمعت شيئاً لا يصدق، ثم شعرت أن الوقف يمكن أن يحل مشكلات المجتمع بأكملها، وقف للزواج، في وقف وقفه المسلمون للزوجة الغاضبة، أحياناً قد تجد زوج وحش، يفتح الباب في منتصف الليل ويركل زوجته إلى الطريق، ولا أحد لها، في وقف تذهب فتنام، وتأكل وتشرب، إلى يرضى عنها زوجها، طبعاً برعاية أشخاص أمناء محترمين.

 في وقف للأواني المكسورة، صانع معلمه قاسٍ جدا، انكسر معه شيء، يذهب بقطعة من هذا اشيء إلى هذا الوقف فيأخذ قطعة جديدة، حلينا المشكلة، في وقف للحيوانات المريضة مرجة الحشيش هذه وقف إسلامي، كل حيوان مريض يأكل ويشرب ويرتاح إلى أن يعافى، كانوا رحماء، كان بقلوب المؤمنين رحمة كبيرة جداً، والله لا يحضرني أنواع الأوقاف التي قرأت عنها، أنا مثَّلت البلد في المؤتمر، فألقيت كلمة فيه، فاستعرضت ماذا يعني الوقف ؟ الوقف أي أنك هذا الشيء حبست الأصل وسبَّلت الثمرة، ريعه للمسلمين.

 فالذي أتمناه في هذا الدرس أن يمتحن أحدنا، وأنا معكم، قلبه، أيرق لفقير ؟ أيرق لمريض ؟ أيرق لمحتاج ؟ أيرق لأرملة بائسة ؟ أيرق لإنسان عاطل عن العمل ؟ إن لم تَرحم تُرْحم، إن أردتم رحمتي فارحموا عبادي، والله سمعت قصصاً لا تصدَّق، من معاملة الله جل جلاله لمن يرحم عباده.

 أحدث قصة قلتها لكم: أن سائق تكسي أوقفه شخص يبدو مريض قال له: آخر جادة بالجبل. قال له: حاضر تفضل، قال له: ما معي ولا قرش. قال له: اطلع، تفضل. في رحم في قلبه، وصل لآخر جادة، أربع خمسة أولاد خرجوا من البيت: بابا أحضرت لنا خبز، قال لهم: بابا والله استحيت من السائق طالعني ببلاش أقول له قف لأحضر الخبز. السائق انتبه نزل لحاله وأحضر خمسة ربطات وطلع، قدمهم له، نزل للبلد اثنين من السعودية: تروح على المطار ؟ حاضر، ما شارطوه، الطلب خمسمائة ليرة، أعطوه ألفين وخمسمائة ليرة، في اثنين بالمطار لفندق الشام، تنزل ؟ أنزل، أوصلهم، فأعطوه مائتي دولار، اثني عشر ألف وخمسمائة ليرة أخذهم بساعة ونصف بحسنة هذا الذي أوصله إلى آخر جادة فمن، فمن شدة رحمته اشترى لهذا الفقير لحمة، وخضار، وحلويات وخبز وطلع، وأعطاه ألفين، قال له: الألفين لا آخذهم أما هؤلاء الله يجزيك الخير. من لا يَرحم لا يُرحم.

أنا ذكرت هذه القصة يوم الجمعة، أحد إخواننا سمعها، رواها لمن حوله، فأحد الأغنياء قال: له مني ألف وخمسمائة كل شهر. بحثنا عنه وجدناه، فقلنا له: إذهب وخذ معاش كل شهر، كلها بدأت من رحمة إنسان بائس قال له لآخر جادة، وليس معي شيء. فو النبي يعلمنا أنك إن لم تَرحم لا تُرحم، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 والله قال لي أخ ـ توفي رحمه الله ـ قال لي: أنا اشتغلت بالجمرك أربعين سنة، و والله الذي لا إله إلا هو ما أكلت ليرة حرام. أنا أدهشت بالجمرك، ولا ليرة، مرة جاءه رصاص من المهربين، قال: أصبت باثني عشر رصاصة بجذعي، أخذت إلى المشفى، كدت أموت، والموت بيني وبينه دقائق، وجد في المشفى خمسة ألتار دم مناسبة له، أعطي هذه الألتار، وأنا مضجع قبل العملية ناجيت الله فقلت: يا رب إذا أنا أؤذي لك واحد من عبادك بكل حياتي موتني وإذا ما أؤذي واحد طيبني، وعاش بعدها خمسة عشر سنة، ومات بالتسعين، قال لي: والله لا أشكو شيء، وقال لي: ما آذيت إنسان بحياتي إلا تهريب المخدرات لا أتحمله ـ ومعه حق ـ هذا لا أرحمه، هذا يجب أن نبطش به.

 فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾

( سورة الحشر)

  الآن عقد تسهيلات، قال: تصدق رجل من ديناره ـ دينار، خمسمائة ليرة ـ تصدق رجل من درهمه ـ مائة ليرة ـ من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة.

 

 أنا قبل شهر تقريباً أو قبل سنة، دعاني أخ من طلاب العلم الأفارقة لبيته، بيته بعيد كثيراً بطرف المدينة، وبالشتاء القارس وليس عنده سجادة، تصور ما في سجادة على البلاط، وبرد شديد، قلت: كم واحد منا عنده على السقيفة بساط عتيق، سجادة مهرية، كم واحد عنده مدفأة عتيقة، براد لا يريده، هذه الحاجات التي هي تشكل عبأ على بعض البيوت ليس لها محل ولا تباع ولا تشترى وحاجزة مكان، والله في عدد من الإخوة أحضروا كم بساط وسجادة عتيقة، لا يهم طالب علم، قاعد له سنتين ثلاثة، عندك مدفأة عتيقة، عندك براد عتيق، عندك سجادة، بساط، فرشة، ديوان لا تريده أنت لا يعجبك، وهذا لواحد لا يوجد عنده بالغرفة على البلاط فرشة إسفنج، الديوان مريح جداً، قلت والله طريقة لطيفة، الذي عنده أثاث متضايق منه وليس بحاجة له، نحن ممكن نعطيه لطلاب العلم الأفارقة، والأتراك، والذين يأتون من البلاد البعيدة، وهم فقراء جداً، وهؤلاء يدرسون هنا ليعودوا إلى بلادهم دعاة إلى الله عز وجل.

 فالنبي أعطى تسهيلات قال: ((تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة)). قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت ـ أي كادت تقع من يده ـ قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب.

 أنا مرة دعيت إلى ميتم في رمضان، تمنوا أن ألقي كلمة لعلي أحمس الناس، وهذا منذ سبع سنوات، والله ألقيت كلمة وإن شاء الله تكون مخلصة، تبرعوا الحاضرين بستة ملايين تقريباً، وكل سنة تصير، ستة، خمسة، سبعة، في سنة كان الترتيب لا يكون في تبرُّع علني كل واحد حسب طاقته، فجمع مليون، أو يمكن ثمانمائة ألف، هذا قال يكفي خمسة عشر ألف، وهذا يكفي خمسة، ما عندما جاره بالمحل قال: أنا مائة ألف، وهو أغنى منه فاستحى قال له: أنا مائة وخمسين، ماذا قال الله؟ قال:

﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾

( سورة البقرة: من آية " 271" )

  في بعض المواطن يجب أن تذكر، لا كبراً ولا فخراً، ولكن كي تشجع الناس، فمرَّة هذه وقت صندوق العافية خمسين مليون التبرع، وببعض المياتم ستة ملايين برمضان، عندما صار اقتراع من دون إعلان ثمانمائة ألف، من ستة ملايين إلى ثمانمائة ألف، فهذا الأنصاري جاء بصرة ـ حتماً فيها ليرات ذهبية، دنانير، وثقيلة جداً ـ تعجز كفه عنها، بل قد عجزت، وتهافت المؤمنون والصحابة الكرام، قال حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة. كأنه من ذهب، صار وجهه مثل الشمس من فرحه.

 

 والحقيقة يا إخوان الأنبياء قمم البشر، مشكلات الناس مشكلاتهم، أفراح الناس أفراحهم، آلام الناس آلامهم، وكل إنسان تصدَّى للدعوة إلى الله يجب أن يشعر بما يشعر به الآخرون، أن يرحمهم، أن يتعاطف معهم، أن يضع يده على جراحهم، فالنبي أصبح وجهه كالإبريز، كالذهب الخالص من شدة الفرح فقال عليه الصلاة والسلام:

((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء))

 أنا مضطر أن أوضح لكم أن هذا الحديث لا كما يتوهمه بعض الناس، أنا سأحدث شيء بالإسلام، كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، البدعة في الدين مرفوضة، البدعة في العقيدة مرفوضة، البدعة في المعاملات مرفوضة، البدعة في العبادات مرفوضة، إنك تجترئ على الله، تدخل على الدين ما ليس منه، إنك تتهمه بالنقص، وإن حذفت من الدين شيئاً تتهمه بالزيادة، إنك مبتدع.

 الذي قصده النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَن سن في الإسلام سنة حسنة)) في حياتنا الدنيوية، الآن مثلاً إحداث صندوق للزواج ما كان على عهد النبي هذا سنة حسنة، إحداث صندوق العافية ما كان على عهد النبي، تهيئة الراحة في المساجد ما كان على عهد النبي، كان الأرض بحص، الآن في سجاد، وموضوع تحت السجاد لبَّاد، سماكته خمسة مليمتر تقريباً لصد الرطوبة، وفي تدفئة، وفي تبريد، وفي تكييف، وفي ماء بارد، وفي ماء ساخن، هذا كله ما كان على عهد النبي، وفي تسجيل، هذا معنى:

(( من سن في الإسلام سنة حسنة ))

أما تتوهم البدعة في الدين، سنة حسنة في الدين، لا يوجد سنة حسنة في الدين، أنت معنى ذلك تضيف على الدين شيء،

(( فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء))

 لكن قد تسمع أنت إلى كلمة ( تجديد في الدين )، التجديد الدين لا يقبل إلا بحالةٍ دقيقة ونادرة، أي أن تنزع من الدين ما عَلِقَ به مما ليس منه، بالضبط، ولا أزيد حركة، أن تنزع عن الدين ما علق به مما ليس منه، أول خميس له في القبر، والأربعين، وهل هناك الخمسين تبعه، وثلاثة سنوات زوجته لابسة أسود، قد يكون أخوها مات، ثلاثة سنين لابسة أسود، وكل أربع في أخذان خاطر، هذه كله ليس من الدين، هذه كلها عادات وتقاليد لا أصل لها في الدين، وفي من هذا القبيل آلاف العادات التي لا أصل لها في الدين، هذا كله ينبغي أن نحاربه، تجد أهل الميت، مفجوع، عمى قلبه، يجب أن نحضر أكل من السوق، للذين وقفوا طلعوا بالجنازة ماذا قال النبي ؟ قال:

((اصنعوا لأهل جعفر طعام فإنه قد جاءهم ما يشغلهم))

( من سنن الترمذي: عن " عبد الله بن جعفر " )

  لا، فوق همه، وفوق نكبته، وفوق مصابه اشتري أكل، وأطعم الناس، هذا منهي عنه فالمؤمن تسعه السنة، ولا تستهوه البدعة.

 

 قال:

(( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزراهم شيء))

  فقد يقول: يا بني نحن ربينا صفرتين لا يوجد عندنا بالبيت، يأتي كل أخواتي البنات وأزواجهم نأكل سفرة واحدة، هكذا أمي تريد، وهكذا أبي يقول لي. هل أبوك مشَرِّع ؟ هذا الصهر رأى كل أخوات زوجته، فتجده يتندم ويقول: والله هذه أحسن من هذه، الله عمى قلبي لو، أخذت هذه. فهذا يحدث، تجده يوازن: لماذا لم يأخذ هذه ؟ لم يرونيها لي، ضحكوا علي غشوني، تخلصوا من الوسطى. هذا كله يحدث بسبب هذه العزيمة المشتركة.. " الحمو الموت ".. فألف عادة ليس لها أصل بالدين ألف عادة غلط بالدين.

(( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزراهم شيء))

  هذا الاختلاط، هذه العادات والتقاليد التي تبتعد عن الشرع، ما نشأ عليه بعض المسلمين من أشياء لا ترضي الله عز وجل، كثير في بالبلاد الإسلامية أشياء محرَّمة يفعلونها، كنت مرة بقرية في أواسط سوريا، يعيشون على بيع السَلَم، بيع السلم شرعي، ولكن تطبيقه غير شرعي يأتي بدوي من البادية عنده قطيع غنم يكاد يموت من الجوع، يبيع الصوف على ظهر الغنم بعشر ثمنها، ليعطوه ثمن علف، فبيع السلم موجود وصحيح ولكنه ليس بسعر لا يصدق، فرضاً كيلو الصوف بخمسين، يشتريه منه بخمس ليرات، فهذا كان ممكن يحصل ثورة كبيرة على الربيع، يجد نفسه كل شيء عنده أحضر به علف للغنم بفترة بسيطة، ويقولون: هكذا بلادنا كلها.

 

 بحلب ـ هكذا سمعت ـ أن واحد يدفع مبلغ لشخص ويجلس ببيت من دون مقابل، يعطيه مليونين، يقعد بالبيت بلا أجرة، عندما يطلب مبلغه يسترد مبلغه يسلم البيت، هذا قرض جرَّ نفعاً، وهذا محرم، وهنا بالشام كذلك يقولون: هذا تاجر آدمي كثير، ما شاء الله حوله، لا يحب الحسابات، يعطيني على المائة ألف بالشهر ألفين، هكذا أريح لي يا أستاذ، أما هذا ربا ما في حسابات بالمرة، يعطي على مائة ألف ألفين بالشهر هكذا أريح، فمائة طريقة لكسب المال المحرم، ببلدنا وبالشمال وبالوسط، إن كان ببيع السلم، وإن كان ببيع التقسيط.

(( ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزراهم شيء ))

( رواه مسلم )

  هذا الحديث أيها الإخوة أحد أحاديث كتاب الترغيب والترهيب، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به، أنا لا أعتقد أن هناك بيت مسلم ولا يوجد به كتاب حديث، لا أعتقد، حديث شريف، سنة النبي، كتاب من الصحاح، رياض الصالحين، الترغيب والترهيب، هذه كتب مهمة جداً، فالإنسان يقرأ سنة النبي، وبالأحاديث اعتمد على الصحيح، حتى في الترغيب والترهيب هناك كتاب أعجبني اسمه إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، فالأحاديث الصحيح مائة بالمائة أخذت من الترغيب والترهيب فجعلت في كتابٍ صغير، وكل حديث ركن من أركان الإسلام، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيدنا جميعاً، إلى معرفة سنة النبي وتطبيقها، لأنك إذا قلت: أنا أحب الله. يقول الله لك:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾

 

( سورة آل عمران: من آية " 31 " )

  علامة حبك لله اتباع سنة النبي، وكيف تتبعها إن لم تعرفها ؟ معرفتها أولاً، واتباعها ثانياً.
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور