وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 056 - إن الله فرض فرائض.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون: حديث اليوم هو الحديث الشريف الذي روي عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها ))

[ حديث حسن رواه الدار قطني وغيره ]

  أيها الإخوة الكرام: يعد هذا الحديث الشريف أصلاً من أصول الدين، بل يعد هذا الحديث الشريف من جوامع الكلم الذي تكلم به النبي عليه الصلاة والسلام، الدين كله لا يزيد على فريضة، وعلى محرم، وعلى حد ومباح.

 

((فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ))

 يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكداً هذا الحديث: ((ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام ))، المشرع هو الله، والإنسان مهما علا قدره، ومهما اتسع علمه لا يصلح أن يكون مشرعاً، لأن هناك شيئين، الأول: قد يكون علمه ناقصاً أو محدوداً، ولو تصورنا العلم الواسع، لكن نفسه قد تأمره بشيء لصالحه، فهو لا يخلو من جهل، أو من تحيز، ولا يخلو من صفة عقلية ناقصة، أو من صفة نفسية ناقصة، فالإنسان محدود العلم، لأن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 85]

  لا يصلح أن يكون مشرعاً، ولأنه قد ينحاز إلى مصلحته، أو إلى بني جنسه، أو إلى طبقته، أو إلى فئته، أيضاً لا يمكن أن يكون مشرعاً، فالحلال ما أحله الله.

 

(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافية، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية:وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ))

  هذا الحديث بالتعبير المصطلحي يعضد الحديث الأول الذي هو موضوع الدرس.
 أيها الإخوة الأكارم: يجب أن تعلم أن في الدين أشياء ثابتة، وفي الدين أشياء متبدلة، وفي الدين أشياء حيادية، لا علاقة لها بأمر سعادتك في الدنيا والآخرة، فالأشياء الثابتة مغطاة بأمر ونهي قطعي الدلالة، والأشياء المتغيرة مغطاة بأوامر ظنية الدلالة، فإذا اجتهد المجتهدون في فهمها فهماً موسعاً فسيغطي هذا الفهم والاجتهاد كل الحالات، وكل الظروف، وكل المعطيات التي يمر بها الإنسان، وهناك أشياء حيادية لا علاقة لها لا بسعادتك ولا بسلامتك، هذه الأشياء الحيادية سكت الشرع عنها، لا حللها، ولا حرمها، إذاً هذه الأشياء المسكوت عنها هي المباحات، فلا إثم إذا فعلتها، ولا إثم إذا تركتها.
 سألني مرة أخ قال لي: أعطني مثلاً على هذا الشيء المسكوت عنه، كان يرتدي قميصاً لونه زيتي، قلت له: هذا اللون محرم أم محلل ؟ قال: لا علاقة له بالحرام والحلال ؟ قلت: هذا اللون من الأشياء التي سكت الشرع عنها، ترتدي أبيض، زيتيًا، أسود، بنيًّت، فهناك فرائض فرضها فلا تضيعوها، ومنهيات نهى عنها فلا تنتهكوها، وحدود حدها فلا تعتدوها، و أشياء سكت عنها فلا تبحثوا عنها.
 أيضاً من باب التعنت، وإن الإنسان لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، هناك أناس يسألون عن الأشياء المباحة يضيقون على أنفسهم إلى أن يقعوا في زاوية ضيقة، فالدين يسر، وسددوا، وقاربوا، ويسروا، ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا، فالحديث الذي يعضد الحديث الأول:

 

((ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافية، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))

 طبعاً هذا مأخوذ من قوله تعالى:

 

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 3]

  القضايا التي جاءت في هذا الكتاب والسنة قضايا تامة كاملة، سئل عليه الصلاة والسلام عن السمن والجبن، أنأكلهما ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

((الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه))

  قال لي أخ: هذه الثياب إذا كانت مصنوعة في بلد غربي حرام هي ؟ قلت: لا، قال: الأجانب صنعوها، قلت له: إذاً حرام.
 هو أراد أن يضيق، طبعاً أنا أقول له لأثيرَ فيه الفكر الفقهي، وليس هناك دليل منع فيه النبي عليه الصلاة والسلام التعامل مع أهل الكتاب، لو كان التعامل معهم محرماً لما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، لك أن تشتري، وأن تبيع من غير المسلمين، ولا شيء عليك، والنبي فعل هذا في حياته ليكون مشرعاً، فلست أنت أكثر ورعًا من النبي عليه الصلاة والسلام.
 أنا أتمنى على كل إخوتنا أن الذي فعله النبي e حق، لا تفكر أن تكون أشد ورعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ:

((مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))

[ متفق عليه ]

  أنا لا أقول هذا الكلام من هواء، أقوله من واقع، هناك أناس حرموا على أنفسهم أن يروا أمهات نسائهم من باب الورع، النبي عليه الصلاة والسلام حينما سمح أن نرى أم زوجاتنا، أو أم زوجتنا فهذا شيء مباح، فلم يفكر أحد أن يكون أكثر ورعاً من النبي عليه الصلاة والسلام، هذا بالتعبير الحديث مزايدة رخيصة، المنهج الذي جاء به النبي هو منهج كامل، و الطريق الذي رسمه النبي هو طريق يوصلك إلى أعلى المراتب من دون أن تزيد عليه، ومن دون أن تنقص منه، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

((َكانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وَتَلَا قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ))

[ أبو داود]

  إنسان يبيع حاجة، يبيع أطباقًا، يبيع ملاعق، ليس مكلفًا أن يسأل المشتري: ماذا سوف تفعل بها ؟ الملعقة تستعمل بشكل موسع لتناول الطعام، يا ترى هل عندك مطعم ؟ هل تقدم في هذا المطعم مشروبًا ؟ أنت لست مكلفاً بهذا، أما إذا رأيت أن إنساناً سوف يستخدم هذه الأشياء في المعاصي، رأيت دون أن تسأله فينبغي أن تمتنع، ولكنك لست مكلفًا أن تحمل نفسك فوق ما تطيق، وألاّ تتعنت في التحرك.

 

((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها))

يقول بعض العلماء: "هذا الحديث يجمع أحكام الدين كلها، الفرائض، والمحرمات، والحدود، والمباحات، ألم يقل عليه الصلاة والسلام:

 

((أوتيت جوامع الكلم))

 هذا الحديث من جوامع الكلم ".
 ويقول عالم آخر: " هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه ".
 ويقول عالم ثالث: " ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أجمع بانفراده بأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة ".
 أنت أمام أربع كليات، حلال، أمر، ونهي، وحد، ومباح، البطولة أن تعرف كل شيء تفعله كل يوم، ما حكمه الشرعي.
 أقول لكم أيها الإخوة الأكارم: ما من شيء بعد الإيمان بالله أنت أحوج إليه من أن تعرف حكم الله، إنك أن عرفت الله تشعر بدافع شديد إلى طاعته، وإلى تنفيذ أمره، وإلى فعل ما أمر، وترك ما نهى وزجر، ولابد من أن تعرف ماذا أمر، وعن أي شيء نهى.
 وحكى بعضهم أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الدين كله في أربع كلمات، قال: " ومن عمل بهذا الحديث حاز الثواب، وأمن من العقاب، لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وسلك البحث عما سكت عن الشرع فقد أدى ما عليه ".
 بالمناسبة، كلكم يعلم أن في الدين فرضاً، وواجباً، الوتر واجب، أما العشاء ففرض، الأضحية تكون أحياناً عند أبي حنيفة واجبًا، يا ترى الواجب كالفرض ؟
 العلماء اختلفوا، عند الأحناف هناك واجب، وهناك فرض، أما عند السادة الشافعية فالواجب هو الفرض، وليس هناك فرق بينهما، لكن السادة الأحناف رأوا أن الفرض ما كان دليله من كتاب الله، وأن الواجب ما كان دليله من سنة رسول الله، أو أن الفرض ما كان دليله قطعيَ الثبوت والدلالة، والواجب ما كان دليله ظني الدلالة، على كل هناك فرق بين الفرض والواجب.
 شيء آخر، لهذا الحديث:

((الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله))

، ليس ثمة إنسان يجرؤ على أن يطلق كلمة حلال أو حرام جزافاً.
 بالمناسبة ليس شيء أكبر عند الله من أن تحرم ما أحله الله، أو أن تحل ما حرمه الله، هذا الشيء من اختصاص خالق الكون، فإما أن تملك الدليل الواضح القطعي على أن هذا الشيء حرام أو حلال، وإلا فاسكت، أما أن تتسرع، وتقول: حرام، وأقول هذا الكلام لأني أعلم علم اليقين أن من إخوتنا الأكارم الكثيرين في بداية حياتهم الإيمانية يتسرعون بإلقاء الأحكام الشرعية، لا تقل: هذا حلال، ولا تقل: هذا حرام، وإلا معك الدليل القطعي، والدليل ليس من عندك، من عند علماء ثقات، أنت وجدت في الكتاب الفلاني العالم الثقة المجتهد أن هذا الشيء حلال، وهذا هو الدليل، أو أن هذا الشيء حرام، وهذا هو الدليل، أما أن تلقي أنت الكلام جزافاً لتحريم شيء وتحليل شيء فهذا يرقى إلى مستوى المعصية الكبيرة، لأن الله عز وجل لما ذكر المحرمات ذكرها بتسلسل تصاعدي، الفحشاء، والمنكر، والإثم، والعدوان، والشرك، والكفر، ثم قال:

﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

[ سورة البقرة: الآية 169]

  مرة في مسجد الطاووسية جاءني رجل منهار نفسياً، يلتقي بطبيب نفسي، سبب انهياره النفسي أن شيئًا كان يفعله في حياته الخاصة، أنبأه إمام مسجد في الشمال أن هذا شيء من المحرمات الكبيرة، وهو ليس محرماً، حدث معه تأنيب داخلي، هذا التأنيب تنامى وتنامى حتى أحاله إلى مريض نفسي، فلما أخبرته أن هذا الشيء مباح، وليس حراماً حرمةً مطلقة، بل مكروه أذكر أنه مزق الوصفة الطبية والأدوية المسكنة، وارتاحت نفسه.
 دققوا أيها الإخوة: تحريم الحلال من أكبر المعاصي، وكذا تحليل الحرام، فهذا الشيء من اختصاص العلماء الكبار، أنت تنقل، والقاعدة الأصولية: إن كنت ناقلاً فالصحة، مدّعياً فالدليل، إما أن تنقل عن عالم ثقة، عن عالم يشهد له المسلمون جميعاً لورعه، الشافعي كبير جداً، الإمام أبو حنيفة كبير، الإمام مالك كبير، الإمام ابن حنبل، إما أن تنقل عن عالم، أو قل: لا أدري، وفي كلمة لا أدري دليل على ورعك، وعلى وقوفك عند حدود الله، الإمام ابن حنبل جاءه وفد من المغرب معهم ثلاثون سؤالاً، أجاب عن سبعة عشر سؤالاً، ولم يجب عن الباقي، فعجبوا، قالوا: أين الإجابة يا إمام ؟ قال: لا أعلم، قالوا: الإمام أحمد لا يعلم، وقد أتيناك من أقاصي الدنيا !؟ قال: قولوا لمن بعثكم إلينا: إن الإمام أحمد لا يعلم.
 يا أيها الإخوة الأكارم: علامة الورع التريث في إصدار الحكم، العالم الورع جبان في إصدار الفتوى، وهذا الجبن وسام شرف له، لا يصدر فتوى إلا بعد حين، بعد دراسة، بعد تحقيق، بعد أن يستأنس بآراء المذاهب، ويستأنس بآراء العلماء، لأن الحلال والحرام من اختصاص الله عز وجل، يقول الله عز وجل:

 

﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

 

[ سورة النحل: الآية 116]

  رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده، قال تعالى:

 

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

 

[ سورة الأنبياء: 7]

﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾

[ سورة الفرقان: 59]

  أنت عندك قضيتان، قضية متعلقة بالدين، وقضية متعلقة بالدنيا، القضية المتعلقة بالدنيا اسأل عنها خبيرا، والقضية المتعلقة بالآخرة أهل الذكر، في الحالتين أمرك الله أن تسأل، والسؤال مفتاح العلم، وأنت بالسؤال تأخذ علم العالم كله، لذلك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى كان يقول: " لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون "، تورع أن تقول على الله ما لا تعلم، واسأل، وارجع، وائت بالدليل، وإن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدّعيًّا فالدليل.
 قال أحد العلماء: " ليتقِ أحدكم أن يقول: أحلُّ كذا، وأحرِّم كذا، فيقول الله: كذبت لم، أحل كذا، ولم أحرم كذا.
 وقال بعض العلماء: " أدركت علماءنا يقول أحدهم إذا سئل: أكره هذا، ولا أحبه، ولا يقول: حلال أو حرام.
 طبعاً إذا سئلت عن الخمر تقول: أكرهه ! أعوذ بالله ! تقول: هذا حرام، بملء فمك، إن سئلت عن حد حده الله، عن فريضة فرضها الله عز وجل، عن نهي نهى الله عنه، أما إذا سئلت عن شيء لا تعرف حكمه الشرعي، لكن نفسك تعافه، فكان بعض العلماء الكبار يقول: أكره هذا، ولا أحبه، وكان يتورع أن يقول: حلال أو حرام، هذا الذي أمر الله به.
 بالمناسبة الذي أمر الله به تتوقف عليه سعادتك نقطة مهمة جداً، الذي أمر الله به في كتابه الكريم بآية محكمة قطعية الدلالة، هذا الأمر يغطي الثوابت في حياتك، حيث لو تركته لانهارت سعادتك، أمرك بالصلاة، لا خير في دين لا صلاة فيه، من ترك الصلاة فقد كفر، شيء كبير، قال تعالى:

 

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

 

[ سورة العلق: 19]

  القرب فرض لسعادتنا، قال تعالى:

 

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

 

[ سورة طه: 14]

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت: الآية 45]

  الصلاة معراج المؤمن، لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل، الصلاة طهور، الصلاة نور، الصلاة حبور، الصلاة ميزان، فمن وفى استوفى، أمر بالصلاة، قوام سعادتك الصلاة، أمر بغض البصر، قوام سعادتك الزوجية غض البصر، أمر بالصدق، قوام مكانتك بالمجتمع الصدق، أمر بالأمانة، أحد أسباب وفرة الرزق هي الأمانة، فكل شيء الله أمر به يجب أن تعلم علم اليقين أن سعادتك في الدنيا والآخرة متوقفة عليه، وكل شيء أمر به، وكل شيء نهى عنه بآية قرآنية محكمة قطعية الدلالة فهو شيء يحطم سعادتك، يؤدي بك إلى الهلاك.
 دقق الآن، أتكلم عن الفرائض والمحرمات، الفرائض والمحرمات تغطي الثوابت في حياتك، أي إنسان في أي مكان، في أي زمان، فقير أو غني، ريفي أو مدني، مثقف أو غير مثقف، بمكانة عالية أو مع دهماء الناس، في أعلى مرتبة أو في أدنى مرتبة، وسيم أو قبيح، الأوامر التي أمر الله بها، والنواهي التي نهى الله عنها هي التي تتوقف عليها سعادتك في الدنيا والآخرة، لذلك أفضل شيء تتقرب إلى الله به أن تؤدي ما افترض الله عليك، والنبي عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الله عز وجل لا يقبل النوافل إلا إذا أوديت الفرائض، لا يقبل نافلةً مع ترك واجب أبداً.
 يجب أن تكون المحللات والمحرمات لها مكانة كبيرة جداً عندك.
 الآن الأحكام ظنية الدلالة التي اجتهد فيها المجتهدون، رأي الإمام الشافعي أنه يجوز، الإمام أبو حنيفة عنده لا يجوز، الإمام مالك يجوز عنده بشرط، مادام هناك اجتهاد، هناك دلالة ظنية في النص، ومادامت الدلالة ظنية معنى ذلك أن الله عز وجل وسع على العباد، فاختلاف المجتهدين يدل على سعة الله لعباده، فالله عز وجل حينما جعل نص كلامه أحياناً ظني الدلالة أراد أن نفهم النص على كل وجوهه، وهذه الوجوه جميعاً تغطي كل الاحتمالات، لذلك الجانب المتغير في حياة الإنسان تغطيه النصوص ظنية الدلالة.
 مثلا: ليس هناك نص قطعي يبين لك أن الزكاة تؤدى عيناً أو نقداً، وفي اجتهاد الإمام الشافعي أنها تؤدى عيناً، الإمام أبو حنيفة اجتهد أنها تؤدى نقداً، أبو حنيفة عاش في البصرة، في المدينة، والشافعي عاش في ريف مصر، الريف غير المدينة، أعطِ إنسان في الريف كيس قمح يمتلئ لك امتناناً، التنور جاهز، والطاحونة جاهزة، والأمور ميسرة، أعطِ إنسانًا ساكنًا في المدينة في قبو مساحته سبعون مترًا، أعطِه كيس قمح، ماذا يفعل به ؟ أين يصونه ؟ أين ينشره ؟ كيف يطحنه ؟ كيف يخبزه ؟ يدفع بقدر ثمنه خدمات له، هنا هناك توسعة، لك أن تدفع زكاة مالك نقداً، ولك أن تدفعها عيناً، لأن أداء الزكاة مطلق غير مقيد بحالة، وما دام مطلقًا إذاً فهناك توسعة، أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً: الأشياء الفرائض مغطاة بآيات قطعية الدلالة، والمحرمات مغطاة بآيات محكمة قطعية الدلالة، الفرائض يبنى عليها قوام سعادتك، والمحرمات سبب هلاكك، الأوامر والنواهي هذه أخطر ما في الدين، لذلك المؤمن لو قطعته إرباً إربا لا يفعل ما نهى الله عنه، ولا يترك ما أمر الله به، أما الأحكام الظنية فهذه متعلقة بالظروف والبيئات والمعطيات والتطور، يا ترى المرأة إذا جاءتها الدورة قبل طواف الإفاضة ماذا تفعل ؟ على رأيٍ أنّ عليها بدنة عند الأحناف، ورأي آخر تغدو أميرة حجها عند السادة الشافعية، ورأي ثالث تطوف بالبيت، ولا شيء عليها عند الإمام مالك، يا رب كم دينًا هناك ؟ إذا كانت المرأة موسرة نقول لها: أنت ينبغي أن تذبحي بدنة، تطعمين بها الفقراء، وإن كانت مقيمة، لها ابن مقيم في مكة، أو في جدة يمكن أن تنتظر إلى أن تطهر، أما إذا كانت فقيرة ملحقة بفوج لا يسمح لها بالتخلف، نقول لها:  طوفي بالبيت، ولا شيء عليك، أرأيتم كيف أن الأحكام الظنية موسعة فيها رحمة للعباد جميعاً.
 لذلك الفقرة الأولى من الحديث: عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها))

[ حديث حسن رواه الدار قطني وغيره ]

  عندنا اقتراب، وعندنا مجاوزة، الله سمح بالطلاق، قال تعالى:

 

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 229]

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾

[ سورة الطلاق: الآية 1]

  وإذا طلق الإنسان طلاقاً بدعياً فقد تجاوز الحد، لك أن تبيع السلعة الإنسان أما إذا بعت، وتجاوزت الحد المعقول في الثمن صار في البيع غبن فاحش، هناك حد مقبول عند الله مسموح به، وهناك تجاوز للحد، أما المحرمات فهذه هي قوة جذب فلابد من هامش أمان تجعله بينك وبينها، لابد من هامش أمان بينك وبين المحرمات.
 لذلك إخواننا الكرام: الورعون هم الذين يضعون هوامش أمان بينهم وبين المحرمات، لأن المحرم يشبه نهرًا عميقًا، من وقع فيه غرق، والحلال شاطئ مستوٍ جاف، والشبهة شاطئ مائل زلق، فالنهر هو الحرام، والشاطئ المستوي الجاف هو الحلال، والمنطقة بين المنطقتين المائلة الزلقة.
عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ...:

((إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ))

[ الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

  إذا أوصى الإنسان لوارث فقد تجاوز الحد، واخترق الحد، ووقع فيما نهى الله عنه، لذلك إن القرآن الكريم من عمل به حفظ حدودي، ومن لم يعمل به فقد تعدى حدودي.
 يا أيها الإخوة الأكارم: أعتقد أنه لا ينبغي أن يشغلكم شاغل، أخطر من أن تعرف دائماً الحكم الشرعي، في أي موضوع، وأقول لكم: المرأة مثلاً إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظ نفسها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، أما الرجل فهو معرض إلى ألف مزلق، فينبغي أن يتفقه، لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، هناك مزالق كثيرة، أحد هذه المزالق يقول له: ادفع معي نصف ثمن البيت أعطك أجرة شهرية، لكن أنا شرطي بعد سنة أسترد المبلغ بكامله، ما درى أن هذه عملية ربوية كاملة، دفعت نصف ثمن البيت، وتقاضيت أجراً ثابتاً، مبلغك محفوظ، هذا حرام، الاسم أجرة، أما هي ففائدة، فلو دفعت نصف ثمن البيت، وتلقيت من الساكن به أجرةً، بعد حين أردت أن تنهي العلاقة فالبيت يقيّم، إما أن يعلو المبلغ، وإما أن ينزل، صار هناك ظرف طارئ، استملاك، أو تنظيم، ذهب أربعة أخماس ثمن البيت، فإذا كان المبلغ معرضًا للزيادة والنقصان بحسب السعر فالأجر حلال، صرت أنت مؤجرًا، كلمة واحدة، أكثر الاستثمار يقول: أعطي على الألف ثلاثمئة، هذه ربا، إذا لم يكن هناك حساب حقيقي للأرباح والخسائر، لا هناك جرد حقيقي، ولا متاجرة حقيقية فاحتمال الربح والخسارة معاً، فهذا العمل صار استثمارًا ربويًا كالمصرف تماماً، فنحن بحاجة ماسة إلى أن نتفقه في الدين، بالمناسبة كل أخ بحسب عمله، أنا أقول: ما من شخص مسلم إلا يبيع ويشتري، والأغلب أنه يشتري، فمعرفة أحكام البيوع وتفاصيلها وأدلتها وشبهاتها فرض عيني على كل مسلم.
 ما من إنسان إلا ويتزوج، فمعرفة أحكام الزواج من معاملة الزوجة، وحقوق الزوجة، وحقوق الزوج، وحقوق الولد، هذه فرض عين على كل مسلم، أخطر شيء زواجك، وعملك ألصق شيء بك.
 أنت الآن محام، المحامي أجره ليس أجر إنجاز، أجر جعالة، يجب أن تعرف أحكام الجعالة، أنت طبيب، هناك أحكام خاصة بالأطباء، أنت مدرس هناك أحكام خاصة بالمدرسين، فطلب الفقه حتم واجب على كل مسلم.
 طبعاً هذا الشيء الأساسي، أحكام الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، هذه أركان الإسلام، والإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، هذه أركان الإيمان، معرفة أركان الإيمان بالتفصيل، ومعرفة أحكام العبادات بالتفصيل هذا فرض عيني على كل مسلم، ثم معرفة أحكام البيوع، وأحكام الزواج، أيضاً فرض عيني على كل مسلم، إذا كان لك اختصاص، وسافرت فهناك آداب للسفر، هناك سفر إلى طاعة، وسفر إلى معصية، هناك أدعية للسفر، وآداب للسفر، فسافرت فالسفر له أحكام.
 في المناسبات الحزينة بدع ما أنزل الله بها من سلطان، لا أصل لها في الدين، يجب أن تعلم حكم الميت، وما الذي يصله من عملك، ترى أحيانا سذاجة، يدفعون أموالا لسقوط صلاة، وسقوط الصيام، والحج البدل، وانتهى، يأتي الغني يقول: لا داعي لأستقيم، عندما أموت يدفعون لي، أين قوله تعالى:

 

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)﴾

 

[ سورة النجم ]

  في بعض المذاهب إن لم يوصِ المتوفى بحجة بدل فليس له حجة بدل، يوصي لأنه شعر بالندم، وكان من الممكن أن يحج، ولم يحج، داهمه المرض، أوصى بحجة بدل، وكثير من الأشخاص بلا فقه يأخذون من مال الميت مبلغاً ضخماً لحجة البدل دون أن يوصي، طبعاً إذا كان تبرعًا فلا مانع، ابنه له أن يحج عنه، والابن عمله يعد ملحقاً بعمل الأب، الابن وحده له حالة خاصة، وإذا أوصى المتوفى قبل أن يتوفى فهناك حكم خاص، أما ترك أولاداً أيتاماً ضعافاً ثم نأخذ من إرثه مبلغاً ضخماً لحجة البدل دون أن يوصي، ودون أن يحج عنه ابنه فهذا مخالف لأحكام الفقه، فيجب أن نعلم ما ينبغي، وما لا ينبغي، ما يجوز، وما لا يجوز.
 هناك تفسير آخر للحدود هي المعاصي، قال تعالى:

 

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 187]

  أي هذه النواهي التي نهى عنها لا تقربوها.
 يا أيها الإخوة الأكارم: مرة ثانية وثالثة ورابعة أقول: ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
 الورع مطلوب، أنت بالورع تقبل على الله، وبالورع تسعد بالله، وبالورع تتنزل على قلبك السكينة، وبالورع تصل إلى الله، فلذلك الورعَ الورَعَ، والورع والإخلاص، القاعدة: إن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، دائماً دقق على شيئين، انطباق عملك على منهج وإخلاص العمل لله، وأنت بالإخلاص تعرف معرفةً يقينية أنك إذا فعلت هذا الشيء أمام الناس فعلته منطلقاً، أما إذا غاب الناس عنك، أو غبت عنهم فلن تفعله، إذاً هذا العمل ليس فيه إخلاص.
 الآن هناك موضوع سريع ملحق بهذا الموضوع، أحياناً يكون الحكم الشرعي مصرحًا به بشكل قطعي الدلالة، بنص شرعي، قال تعالى:

 

﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 38]

  حكم شرعي محدد بدلالة نص، أحيانا يكون الحكم الشرعي بطريق العموم، قال تعالى:

 

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾

 

[ سورة الأعراف: الآية 157]

  قال تعالى:

 

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 23]

  بدلالة النص، بالنص الخاص، أما يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث فهذا تحريم عام، وإباحة عامة، الطيبات والخبائث، أي شيء ثبت أنه خبيث فهو محرم، لا أقول: هو محرم بالنص الخاص، بل محرم بالدلالة العامة، أحياناً بطريق الفحوى، أسلوب في التحريم قال تعالى:

 

﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 23]

  هل ضرب الأب والأم محرم ؟ ليس هناك نص، لو قرأت كتاب الله كله، وقرأت السنة كلها لا تجد نصاً يحرم ضرب الأب والأم، أما التحريم فمن كلمة ( أف )، طبعاً هذا من باب أولى، إذا كانت كلمة أف محرمة بنص قطعي الدلالة والثبوت فأن يحرم ما فوق الأف من باب أولى، هذه الطريقة اسمها طريقة الفحوى، فإما أن يحرم الشيء بدلالة النص، أو إما أن يحرم الشيء بدلالة العموم، وإما أن يحرم الشيء بدلالة الفحوى، والفحوى موافقة أو مخالفة، طبعاً لا تقل لهما أف ولا تنهرهما مع النهي عن كل شيء فوق كلمة أف.
 وأحياناً:

((في الغنم السائمة الزكاة))

  الغنم التي ترعى فيها الزكاة، والتي لا ترعى معفاة من الزكاة، أحياناً تجد التحريم والتحليل مقيدين بشيء، قال تعالى:

 

﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 23]

فهذه الربيبة محرمة بقيد، أحيانا تحريم بالقياس، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( كل مسكر حرام ))

 هناك أشياء الآن لها أسماء غير الخمر، فإذا أسكرت فهي حرام، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام ))

 ما أسكر كثيره فملأ الكف منه فحرام.
 فعندنا حرام بدلالة النص، وحرام بدلالة العموم، وحرام بدلالة الفحوى، وحرام بالقياس، فكل أنواع الخمور، والمخدرات ليس لها علاقة بالحلال والحرام، إذا كان الشيء المسكر محرمًا تحريماً قطعياً فالمخدر أشد إذهاباً للعقل من السكر، أيضاً هذا محرم بالقياس.
 أيها الإخوة: بقيت فقرة أخيرة في الدرس، وهي دقيقة جداً،

((وسكت عن أشياء رحمة بكم ))

  لذلك عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((

إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ))

[متفق عليه]

  الله عز وجل ذكر لنا في سورة البقرة هؤلاء الذين قيل لهم: اذبحوا بقرة، قالوا: ما لونها ؟ فما زالوا يسألون عن تفاصيل حتى أصبحت البقرة التي ينبغي أن يذبحوها واحدةً، وقد طلب صاحبها ثمناً فلكياً، من ضيَّقَ ضيّقَ اللهُ عليه.

 

((إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ))

 قال تعالى:

 

 

﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً﴾

 

[ سورة الأنعام: الآية 145]

  هذه المحرمات، وهناك محرمات في المطعومات، ومحرمات في الزواج، ومحرمات في كسب المال، ومحرمات في المشروبات، فالله عز وجل ذكر المحرمات في القرآن الكريم، وفي السنة بشكل صريح، وفي السنة أيضاً كما قال عليه الصلاة والسلام:

((أوتيت القرآن ومثله معه))

 عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا))

[البخاري]

  فهذا من تحريم السنة، والنبي e قاس على تحريم أن يجمع الإنسان بين الأختين، فالنبي قاس على تحريم الجمع بين الأختين، وتحريم الجمع بين الزوجة وعمتها، والزوجة وخالتها، لئلا تقطع الأرحام.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ))

[ متفق عليه ]

  طبعاً الأمر هنا بالأعمال الصالحة، أمر بالإنفاق، لخدمة الآخرين، لمعاونة المساكين، إن أمرتكم بأمر من الأعمال الصالحة فأتوا منه ما استطعتم.
 هناك نقطة مهمة جداً قبل أن ينتهي الدرس، الأصل في العبادات الحظر، والأصل في المعاملات الإباحة، العبادات مقننة، صلاة، صوم، حج، زكاة، القراءة في الصلاة، الركوع، السجود، كل شيء متعلق بالعبادات الأصل فيه الحظر، لا يكون الدليل على الشيء إلا أن يكون هذا الدليل إيجابياً، أما في المعاملات فالأصل الإباحة، شيء لا يثبت إلا بدليل، أما في العبادات فلا ينفى إلا بدليل، الأصل في العبادات الحظر، والأصل في المعاملات الإباحة.
 مرةً ثانية أيها الإخوة الأكارم: عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها))

[ حديث حسن رواه الدار قطني وغيره ]

  وكيف أن الأحكام الشرعية غطت الثوابت والمتغيرات، والذي سكتت عنه الأحكام الشرعية هي الأشياء التي لا علاقة لك لا بسعادتك، ولا بسلامتك من الدنيا، هذا الحديث كما قلت: أصل من أصول الدين، وهو جامع لأركان الدين كله، الفرائض، والمحرمات، والحدود، والمباحات، وهمُّ كل مؤمن صادق أن يبحث في كل موقف، وفي كل تصرف عن الحكم الشرعي، وإذا علمت فبها ونعمت، وإلا فاسأل، قال تعالى:

 

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

 

[ سورة الأنبياء: 7]

  أخ من إخواننا يعاني من ضائقة مالية شديدة جداً، وعليه ديون متراكمة، عرض عليه أن يصنع بيت مصحف مزخرف، وهذه مهنته وحرفته، الذي عرض عليه هذا المشروع غير مسلم، من أهل الكتاب، فرفض بجهل منه، بلا علم، العمل مباح، والاختصاص يملكه، وهو في أشد الحاجة إلى المال، وعليه ديون متراكمة، رفض من دون أن يسأل، والنبي e عليه الصلاة والسلام تعامل مع أهل الكتاب، ولا شيء عليه، وأنا أقول لكم: التحريم سهل، كل إنسان جاهل يحرم كل شيء، ويرتاح، حرام، حرام، الحياة أنت يجب أن تكون فقيهاً، أن تعرف ما يجوز، وما لا يجوز، ما لا يجوز بالدليل، ما يجوز بالدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فنحن بحاجة إلى دليل، وأنا أنصح إخوتنا الكرام: لا تفعل شيئاً بلا دليل، ولا تدع شيئاً بلا دليل، اسأل، وتعلم، واطلب العلم، نحن من فضل الله عز وجل دروس الأحد تقريباً من عشرين سنة كلها فقه، درسنا موضوع الشركات، موضوع البيوع، هذه الموضوعات الحساسة، شركة المضاربة، موضوعات الربا بالتفصيل، العورات، فأنا بحسب ما كنت أجد هذه الأمور نحن في أمس الحاجة إليها فإذا أحب الواحدُ أن يرجع إلى الماضي بالأشرطة فإنه سيجد موضوع الربا في ثمانية أشرطة، العورات في خمسة، شركات المضاربة لها أحكام تفصيلية، هذا الذي ينبغي أن نبحث عنه، نبحث عن الحكم الشرعي كي يكون عملنا مطابقاً لمنهج ربنا، وبعد معرفتنا بالله فلا شيء نحن في أمس الحاجة إليه كمعرفة الحكم الشرعي، والقرآن بين يديك، الآيات المكية كلها تتعلق بمخلوقات الله، بالآيات الكونية، أما الآيات المدنية فكلها تتعلق بالتشريع، هناك مرحلة إيمان، ومرحلة تشريع، وهاتان المرحلتان ينبغي أن يسلكهما المؤمن في حياته، في مرحلة يجب أن يؤمن، وفي مرحلة يجب أن يعبد، أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، وهذا الحديث أصل من أصول الدين.

إخفاء الصور