- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠2فقه السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قيمة العلم في حياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ولا زلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وهو يؤسس القاعدة الاقتصادية ، وقبلها التعليمية وقبلها الإدارية ، وقبلها الدينية .
على كلٍ ، في اللقاء السابق تحدثنا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم رسخ مفهومات التعلم ، مفهومات العلم ، قيمة العلم في حياة الإنسان ، وهو الذي يقول دائماً :
(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))
(( إذا كان يوم القيامة يوزن دم الشهداء بمداد العلماء ، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء ))
أثمن شيء يملكه الإنسان حياته ، فهذا الدم الذي يراق في سبيل الله لا يقل عنه المداد الذي يستخدمه العلماء لنشر العلم ، وقال عليه الصلاة والسلام :((. . . وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْحِيَتَانِ في جَوفِ الْمَاءِ ))
رتبة العلم أعلى الرتب :
لذلك رتبة العلم أعلى الرتب ، وقيمة العلم أعلى القيم .
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل . وبينت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع من مكانة العلماء فقال :(( العلماء أمناء الله على خلقه ))
وقال عليه الصلاة والسلام :(( الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ ))
والناس ثلاثة : عالم ومتعلم ، ولا خير فيمن سواهما ، يا بني الناس ثلاثة ، عالم رباني ، هذا كلام سيدنا علي : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، فاحذر يا بني أن تكون منهم ، والله عز وجل يقول :﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾
تأسيس القاعدة الاقتصادية :
أيها الأخوة ؛ ننتقل الآن إلى تأسيس القاعدة الاقتصادية . بالمناسبة ، الإسلام هو الحياة ، وأي مجتمع إسلامي لا يهتم بالعلم ولا يهتم بالاقتصاد مجتمع ضعيف مغلوب على أمره ، وما تفوق النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته إلا لأنه رأى الإنسان كائناً فيه عقل يدرك ، جعل العلم غذاء للعقل ، وفيه قلب يحب ، جعل محبة الله والعمل للجنة غذاء للقلب ، ثم رأى في الإنسان جسماً يحتاج إلى طعام وشراب ، فأرسى مبادئ الاقتصاد ، فالإسلام هو الحياة .
وكما أن الأمة تبجل وتعظم ، من يلوذ في سبيل الله ، لكنها في أمسّ الحاجة إلى إنسان يعيش في سبيل الله ، لذلك المشكلة أن الاقتصاد لم يكن نتاجاً ناقصاً ضعيفاً بقدر ما كان علاقات سيئة ، هذا كلام دقيق ، المشكلة الاقتصادية ليست في حجم الموالي ، ليست في حجم الثروات ، المشكلة في طريقة توزيع هذه الثروات ، الآن عشرة في المئة من سكان الأرض يملكون تسعين في المئة من ثرواتها ، وتسعون في المئة لا يملكون عشرة في المئة ، فالمشكلة هنا في المواد ؟ أم في طريقة التوزيع ؟ ماذا أراد الله من هذا المال أن يكون ؟ أراده متداولاً بين كل الناس، قال تعالى :
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً ﴾
أي متداولاً :﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾
إذا تداول الأغنياءُ المالَ فهناك مشكلة كبيرة ، وفي المجتمعات المتخلفة الأغنياء يقدرون على كل شيء ، ولا شيء يهزهم ، بينما الخط العريض في المجتمع يتأثر بارتفاع الأسعار تأثراً كبيراً ، لأن ارتفاع الأسعار يضعف قوة دخله الشرائية .فلذلك البطولة لا أن يتبادل الأغنياء فيما بينهم السلع ، هذه حالة مرَضية ، البطولة أن يوزَّع هذا المال ، وأن توزَّع هذه المنافع والثروات بين أكبر شريحة في المجتمع ، ومقياس تقدم المجتمع أن الهوة ليست واسعة بين الأغنياء والفقراء ، ولا بين الأقوياء والضعفاء ، وكلما اتسعت هذه الهوة كان التخلف أشد ، وكلما ضاقت هذه الهوة كانت التحضر أشد .
الإنسان أكبر مورد اقتصادي :
لذلك القرآن أثبت هذه القاعدة فقال :
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ ﴾
أي المال :﴿ دُولَةً ﴾
أي متداولاً :﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾
إذاً : هناك مشكلة يعاني منها المجتمع الجاهلي ألا وهي : أن المواد الاقتصادية ، الثروات ، السلع ، المواد الغذائية ، بصرف النظر عن كميتها ، وعن حجمها ، المشكلة فيها أن تداولها ليس صحيحاً بل مرضياً ، لذلك اهتم النبي عليه الصلاة والسلام اهتماماً لا حدود له بتشكيل قاعدة اقتصادية ، وتنظيم نظام اقتصادي متوازن سوي . علمحات عن حالة أهل المدينة قبل مجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام : كان اليهود يسيطرون على موارد التجارة ، ويتعاملون بالربا ، ويتحكمون بالأسعار ، وكان عامة الناس ما بين مزارع ، وراعٍ للشياه والإبل ، وصيّاد ، وصانع ، وجامع للحطب ، هكذا كان وضع الاقتصاد قبل مجيء رسول الله ، هؤلاء الذين يتعاملون في الاقتصاد لا تحكمهم قيم أخلاقية ، ولا شريعة دينية ، إنما يسود بينهم الاستغلال ، والسيطرة ، والغش ، والفساد ، والظلم ، ومع توارث الأساليب القديمة التي وجدوها في مجتمعهم ، وكانت المهمة النبوية شاقة جداً لأن اقتصاد المدينة بحاجة إلى أمرين معاً ، الأول النهوض بالموارد ، معنى موارد ؛ البترول مورد ، الضرائب مورد ، رسوم العبور مورد ، أرباح الصناعة مورد ، أرباح التجارة مورد ، أرباح الخدمات مورد ، وعندنا شيء اسمه الموارد الاقتصادية ، ويقع على رأس هذا المورد الإنسان ، الإنسان أكبر مورد اقتصادي .
عندك محل ، ورأس مال ، وملايين كثيرة ، لكن ليس هناك خبير ، المال تخسره ، أما الخبير فيشتري البضائع ويبيعها ويربح .
فقر الكسل هو ما تعاني منه مجتمعاتنا هذه الأيام :
إذاً في عالم الاقتصاد يعدُّ الإنسان أكبر مورد بشري ، لذلك الكثافة السكانية ليست ورقةً خاسرة في الاقتصاد بل هي ورقة رابحة ، والآن أشد البلاد غنىً أكثرها كثافة ، اليابان مثلاً ليس لديها مورد من ثروات الأرض ، لا بترول ، ولا معادن ، وفيها أكبر كثافة سكانية ، وهي الآن من أغنى دول العالم ، والدخل للمواطن فلكي ، الصين مليار ونصف ، تكاد الآن تلتهم اقتصاد العالم ، وفيها كثافة سكانية عالية جداً ، تايوان ، الهند ، لذلك أكبر مورد اقتصادي هو الإنسان .
بالمناسبة ، الهند حققت أرباحاً قبل عامين بـثلاثة وثمانين مليار دولار من البرمجيات، كمبيوتر ، تصميم برامج ، وبيعها للعالم الغربي .
لذلك أقول لكم بدقة بالغة : هناك فقر الكسل ، وهذه الطامة الكبرى ، فقر كسل عدم إتقان للعمل ، عدم المثابرة على العمل ، عدم تطوير العمل ، عدم إنجاز العمل ، تسويف ، إرجاء ، تأخير ، عدم إتقان ، هذا فقر الكسل ، وفي الاقتصاد معايير دولية ، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان ، على أيام السنة ، الناتج كم يعمل الإنسان في هذا البلد ، في بلاد متقدمة الإنسان يعمل في اليوم ثماني ساعات ، في بلاد أخرى ست ساعات ، وفي البلاد المتخلفة الإنسان يعمل سبعاً وعشرين دقيقة ، وفي بلد آخر يعمل سبع عشرة دقيقة ، وفي بلد آخر يعمل تسعاً وعشرين ثانية .
اسمعوا هذا الكلام الدقيق : أمة يعمل أفرادها سبع عشرة دقيقة في اليوم لا يمكن أن تنتصر على أمة يعمل أفرادها ثماني ساعات .
لذلك الإنسان أكبر مورد اقتصادي ، النبي الكريم أمام مشكلتين ، البطولة في حل المشكلات ، أمام مشروع تنمية الموارد الاقتصادية ، وأمام مشروع آخر حسن توزيع الناتج على الإنسان ، حسن توزيع ورفع الناتج .
شيء مألوف جداً أن الاقتصاد وقتها كان يشمل الزراعة ، والصناعة ، والتجارة ، والصيد ، والثروة الحيوانية والنباتية ، والماء ، والري ، والثروات الباطنية ، وطرق النقل ، ووسائل النقل ، والرسوم الجمركية ، والنقد ، وضوابط هذا كله ، وعائدات العاملين فيه ، ونصيب الإدارة والدولة ، هذا الوضع في المدينة قبل أن يأتي النبي ، موارد ضعيفة ، سوء توزيع للدولة .
البطولة في تنمية الموارد وحسن توزيعها وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام :
هناك طرفة : كان بعض الفلاسفة البريطانيين صاحب دعابة ، فكان له لحية كثيفة جداً ، أما رأسه فلا شعرة فيه ، فلما سئل قال : وفرة في الإنتاج ، وسوء في التوزيع .
أحياناً يكون النقص في الإنتاج ، وفوق هذا النقص سوء في التوزيع ، لذلك واجه النبي هذه المشكلة ، نقص في الإنتاج ، وسوء في التوزيع ، اليهود مسيطرون ، الأسعار بيدهم ، الربا بيدهم ، الموارد بيديهم ، الآن ما هي الضوابط التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام لمعالجة الاقتصاد ؟ وأقول لكم هذه الكلمة : أية أمة ما لم تعالج مشكلاتها الاقتصادية هي أمة سوف تدمر، لأن الإمام علياً كرم الله وجهه أدرك قبل ألف وأربعمئة عام أن الفقر علة العلل ، فقال : كاد الفقر أن يكون كفراً .
في خطبة العيد اقتبست من هذه الكلمة كلمات ، فقلت : وكاد الفقر أن يكون إرهاباً ، وكاد الفقر أن يكون اختلاساً ، وكاد الفقر أن يكون تخريباً ، تجد أي حركة من الجياع ينهبون ، ويحرقون ، ويدمرون ، لأنه ليس عندهم شيء يخسرونه ، وهم ناقمون ، لذلك البطولة في تنمية الموارد ، وحسن توزيعها وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام .
أولاً : من القواعد الاقتصادية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام أن الاقتصاد دين ، وألصق شيء بك العبادة التعاملية ، ألا تكذب ، ألا تغش ، ألا تدلس ، ألا ترفع السعر ، ألا تستغل ، ألا ترابي ، ألا تحتكر ، ألا تزين السلعة بما ليس فيها ، أكثر من مئة معصية في البيع والشراء .
فالبطولة أن النبي عليه الصلاة والسلام قرر أن الاقتصاد دين ، أي أن العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين .
العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين :
أنت تبيع الزيت ، فتحت المحل صباحاً ، فإذا وجدت في علبة الزيت فأرة ، ولا أحد يستطيع أن يكشف الغلطة ، ماذا يعني أن الاقتصاد دين ؟ أن هذه العلبة ينبغي أن تبيعها لمعمل الصابون ، وألا تبيعها للمسلمين ، فإذا بعتها للمسلمين خنت الأمانة ، وألغيت عباداتك ، إن هذا العلم دين ، وإن الاقتصاد دين .
أنواع الغش لا تعد ولا تحصى ، قد تشتري بضاعة من بلد متخلف صناعياً ، تضع عليها إشارة إلى أنها مصنعة في أرقى بلد صناعي ، تأخذ السعر مضاعفاً ، وأنت بهذا كاذب .
(( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق ، وأنت له به كاذب ))
إذاً : العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين .(( من غش فليس منا))
والأمثلة لا تعد وتحصى .(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
أن يكون طعاماً طيباً ؟ لا ، كل طعاماً اشتريته بمال حلال ، أي كسبته بتجارة ليس فيها غش ، ولا كذب ، ولا احتيال ، ولا احتكار ، ولا تدليس ، ولا إيهام ، إذاً : العمل المشروع دخله مشروع ، إن اشتريت به طعاماً فالطعام طيب .(( إنّ الله طَيّبٌ ، ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً))
وهذا الحديث بالاقتصاد يعد من جوامع الأحاديث :(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
طلب الفقه حكم واجب على كل مسلم :
أنت موظف ، والمواطنون في أشد الحاجة إليك ، وعلى الكوة مئات المواطنين ، فتجلس ، وتدير حديثاً مع صديقك ، والناس فوق بعضهم بعضاً ولا يعنيك من أمرهم شيئاً ، أنت بهذا خنت الأمانة .
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
لأن هذا الراتب الذي تأخذه على هذا الدوام المتقطع جزء منه حرام ، فإذا اشتريت منه طعاماً فالطعام غير طيب ، لأن فيه جزءاً حراماً ، لو عرف الناس هذا الحديث لكنا في حال غير هذا الحال .الاقتصاد دين ، وأي عمل اقتصادي يعد جزء من الدين ، مثلاً : عندك مدجنة ، وجدت عشر فراخ ميتة ، أنت تسلم مذبوحاً ، تقدر بكل بساطة أن تذبح الميت وتضعه مع المجموع ويمر ، تأكله فروجاً مشوياً ، يأكل المسلم لحماً ميتاً ، أنت خرجت من دينك ، أنت خنت الأمانة ، أصبح ربحك حراماً ، وطعامك خبيثاً ، ودعاؤك غير مستجاب .
الآن الضوابط الحلال والحرام وفق التشريع الإلهي يحدد ذلك ، لذلك طلب الفقه حكم واجب على كل مسلم ، أن تعرف الحلال والحرام جزء لا يتجزأ من دينك .
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
طلب الفقه حكم واجب على كل مسلم ، طلب الفقه فريضة بعد الفريضة ، لا بد من أن تسأل ما حكم هذا البيع .تحقيق العدالة في التجارة ينطلق من مبدأ أن تكون المنافع متبادلة :
ببساطة يقول لك أخ : أنا مضطر لشراء بيت ، معي نصف ثمنه ، فهل تساعدني بالنصف الآخر ثم أؤجر البيت و أعطيك نصف أجرته ؟ بيت مثلاً أجرته عشرة آلاف في الشهر، نصفه لك ، أنا أعطيك خمسة آلاف ، لكن صاحب هذا المبلغ عندما أراد أن يسترد مبلغه يأخذه بالتمام والكمال ، مادام لم يقيّم البيت تقييماً جديداً ، وأخذ الذي دفع المبلغ بالتمام والكمال ، فهذه الأجرة ليست أجرة ، ولكنها فائدة .
من دخل السوق من دون فقه أكل الحرام شاء أم أبى ، أما إذا قيم البيت تقييماً جديداً، وسعره ارتفع أو انخفض ، ونال نصف ثمنه على التقييم بالأجرة فهذا حلال .
المساواة بين أفراد المجتمع هذه قاعدة اقتصادية ، المساواة بين أفراد المجتمع ، والاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده ، لماذا فرض الله الزكاة على المسلم ؟ قد تجيبني بألف جواب ، لكن هناك جواب قد لا يخطر في بالك ، هو أرقى جواب ، أن هذا المال إن لم تستثمره تأكله الزكاة ، فإن الشرع أراد أن تستثمره لئلا تأكله الزكاة . لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ))
إذاً ، معك مبلغ من المال ، اعمل مشروعاً ، ائتِ بإنسان معه خبرة بلا مال ، أنت معك مال بلا خبرة ، وتعاونا على المشروع ، والربح بينكما ، هذه المضاربة ، وكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام ، أخذ مال خديجة ، واتجر به ، وكان الربح بينهما .تحقيق العدالة في التجارة ينطلق من مبدأ أن تكون المنافع متبادلة ، أنت عندك دكان بأحد أحياء دمشق ، نزلت فجراً إلى سوق الخضار ، جئت بخضار وفواكه وحاجات ، جارك استيقظ السابعة والنصف ، جاء إليك ، وأخذ حاجاته ، بسعر أعلى من ثمن شرائك ، نظير ذهابه باكراً ، ودفع المال ، وحمل البضاعة ، وأتى بها ، أنت وجدتها إلى جانب بيتك ، هو انتفع ربح ، وأنت انتفعت ، ووفرت وقتك وجهدك ، هذه منفعة متبادلة .
لذلك الذي يضبط الحلال أن المنافع فيه متبادلة ، والذي يضبط الحرام أن منفعة بنيت على مضرة ، أوضح شيء السرقة ، السارق انتفع بالمال ، أما الذي أُخذ المال منه أصابه ضرر كبير ، انتفع شخص وتضرر الثاني ، إذاً : الدخل حرام .
من مبادئ الاقتصاد التي أرساها النبي حق المنافسة بين الناس في الكسب والملكية :
من ملامح الاقتصاد تحقيق العدالة ، وتوزيع الثروة ، وتحقيق التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد .
شيء آخر يتصل بالاقتصاد الحر : حق المنافسة بين الناس في الكسب ، وفي الملكية ، أنا أملك سلعة مستواها عالٍ جداً أرفع سعرها ، والإنسان مخير في سلع رخيصة وسلع غالية ، الرخيصة غير متقنة ، والغالية متقنة ، أنا أنوع في الأساليب ، البضاعة تصل إلى البيت، خدمات في الليل ، عبر الهاتف ، يوجد خدمات أؤديها ، أتنافس ، والتنافس مشروع ، ومن حق المستهلكين التنافس . إذاً : من مبادئ الاقتصاد التي أرساها النبي عليه الصلاة والسلام حق المنافسة بين الناس في الكسب والملكية ، ولكن ضمن شروط الحلال والحرام ، وضمن قواعد الأهداف العامة للمجتمع .
أيها الأخوة ، وأقول لكم هذه الكلمة : ما لم تكن متفوقاً في دنياك لا يحترم دينك ، وأعوذ بالله من فقر الكسل ، هناك فقر القدر صاحبه معذور ، وفقر الإنفاق صاحبه مشكور ، سيدنا الصديق افتقر فقر إنفاق ، قال له : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، هذا فقر إنفاق ، هناك فقر قدر ، لعاهة تمنعه أن يكسب المال ، لكن وصمة العار هي فقر الكسل ، وعدم الإتقان ، وعدم الدوام ، والإرجاء ، والتأجيل ، وعدم الاهتمام ، كل هذا يؤدي إلى انصراف الناس عن هذا المحل .
أحيانا ترى محلاً في طريق سفر ، الغلة اليومية خمسة ملايين ، وإلى جانبه مطعم ولا زبون فيه ، هنا إتقان .
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
إن شاء الله في درس قادم نتابع هذه الموضوعات المهمة ، وأنا ألقي القواعد الاقتصادية من خلال هذا الدرس تحقيقاً للمنفعة العامة . أنت حر بقدر ما أنت قوي ، وأنت قوي إذاً أنت حر ، فهناك علاقة بين الحرية ، وبين القوة المالية .