وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 1140 - ما قاله غير المسلمين في حق سيد المرسلين - المكتبة المنزلية.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

كل احتفال لا يرافقه استقامة لا فائدة منه :

 أيها الأخوة الكرام، نحن في شهر المولد، والحقيقة الدقيقة والخطيرة أن مديحنا للنبي شيء رائع، ولكن ما لم نتبع منهج النبي عليه الصلاة والسلام لن ننتفع من هذا المديح إطلاقاً، لك أن تمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال حياتك، ولكن إن لم تطبق منهجه في كسب مالك، وفي إنفاق مالك، وفي اختيار حرفتك، واختيار زوجتك، وفي تربية أولادك، وفي علاقاتك، وفي كل أحوالك وشؤونك، لن تنتفع من إحياء ذكرى المولد، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33 ]

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾

 من أشد صيغ النفي، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمته وهي تطبق منهجه، فإذا كانوا يعذبون، وتحتل بلادهم، وتنهب ثرواتهم، ويقتل شبابهم، وتؤخذ أموالهم، ويتفنن الآخرون في إذلالهم، هناك إشارة خطيرة إلى أن أمته في آخر الزمان لا تطبق منهجه، لكنها تحتفل بعيد مولده، الاحتفال بعيد المولد ما لم يرافقه تطبيق لسنته لا يقدم ولا يؤخر، بل يقول الله عز وجل:

﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود الآية : 120 ]

 إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد يقيناً بسماع قصة نبي دونه، فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً إذا درسنا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وسنته القولية من باب أولى.

 

ما لم نتبع منهج النبي التفصيلي في حياتنا لن ننتفع من مديحه إطلاقاً :

 أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾

[ سورة المؤمنون الآية : 69]

 نحن مكلفون أن نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

[ سورة سبأ الآية : 46 ]

 أيها الأخوة، شيء قطعي ما لم نتبع منهج النبي عليه الصلاة والسلام التفصيلي في حياتنا فنحن لم ننتفع من مديحه إطلاقاً، لو أن ابناً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، أمضى كل حياته بمدح أبيه العالم، هل ينتفع من هذا المديح؟ إطلاقاً ، لو تبركنا بكل أثر من آثار النبي عليه الصلاة والسلام ما لم نتبع سنته لن ننتفع بهذا التبريك، لذلك أيها الأخوة، في هذه الخطبة سأتحدث لا عن أقوال المحبين، ولا عن أقوال العلماء المسلمين، ولا عن أقوال التابعين، وتابعي التابعين، لا عن أقوال من آمن بهذا النبي عليه الصلاة والسلام، أريد في هذه الخطبة أن أتحدث عن المعارضين، عن أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أقوال أعداء النبي عليه الصلاة و السلام عنه :

1 ـ قول النضر بن الحارث وهو من سادة قريش ومن أكبر المعارضين للنبي الكريم:

 أيها الأخوة، النضر بن الحارث، كان من سادة قريش، وكان من أكبر المعارضين للنبي صلى الله عليه وسلم، ألقى يوماً خطاباً في جمع من قريش، وقال : " يا معشر قريش، إنه واللهِ قد نزل بكم أمر ما أتيتم به بحيلة بعد، كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أرضاكم خلقاً، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاء بما جاءكم به قلتم : ساحر، لا واللهِ ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة وعقدهم، وقلتم : كاهن، لا واللهِ ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم : شاعر، لا واللهِ ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هزجه وزجزه، وقلتم : مجنون، لا واللهِ ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقة، ولا وسوسة، ولا تخليطة، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه واللهِ قد نزل بكم أمر عظيم".
 هذا أحد أكبر المعارضين للنبي نفى أن يكون شاعراً، أو ساحراً، أو كاهناً، وما شاكل ذلك.

 

2 ـ موقف هرقل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم :

 الشيء الدقيق جداً أن حواراً رائعاً جرى بين هرقل الروم وبين بعض زعماء قريش من المعارضين للنبي صلى الله عليه وسلم، بعدما تسلم هرقل رسالة من النبي يدعوه فيها إلى الإسلام، هرقل سأل عما يعرفه من أهل وطنه، فجيء إليه ببعض التجار من المعارضين للنبي من مكة.

(( فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ، وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَباً بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَقُلْتُ : أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَباً، فَقَالَ : أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَ اللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِباً لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ ؟ قُلْتُ : لَا، قَالَ : فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَقُلْتُ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلْتُ : بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ : فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ : فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ : لَا، قَالَ : فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ : لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ : وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا، وَنَنَالُ مِنْهُ، قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ : قُلْ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ : رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ : فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ : رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ : أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ : أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ : هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ : بِمَ يَأْمُرُكُمْ ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ))

[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ]

 هذا كلام هرقل بأسئلة دقيقة جداً، واستنباطات رائعة جداً، أيها الأخوة صدقوا لو أن أصحاب النبي فهموا الإسلام كما نفهمه نحن الآن، مظاهر، احتفالات، زينات، إلقاء كلمات، مؤتمرات، محاضرات، مؤلفات، لكن الحياة اليومية التفصيلية ليست وفق منهج الله، لو فهم الصحابة الإسلام فهماً فلكلورياً ـ إن صحّ التعبير ـ لما خرج الإسلام من مكة المكرمة.
 أيها الأخوة هذا النص جاء في فتح الباري في شرح صحيح البخاري، نص هرقل مع أبي سفيان جاء في أصح الكتب بعد كتاب الله، في صحيح البخاري وفي فتح الباري الذي هو شرح للبخاري.

3 ـ أقوال في النبي محمد لكُتَّاب وباحثين غربيين :

 يقول أحد كتاب السيرة الغربيين وهو ليس من المسلمين: "كان محمد عابداً متحنثاً، وقائداً فذاً، شيّد أمة من الفتات المتناثر، وكان رجل حرب يضع الخطط، ويقود الجيوش، وكان أباً عطوفاً، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن، وكان صديقاً حميماً، وقريباً كريماً، وجاراً تشغله هموم جيرانه، وحاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، ومع ذلك فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها، ورأوها متمثلة فيه، لم يقرؤوها في كتاب جامد، بل رأوها في بشر متحرك، فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي، قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به ".
 الباحث البريطاني كارييل يقول: "إن التشكيك في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه يعد اليوم عاراً كبيراً، وإن علينا الرد على مثل هذه الآراء الغير صحيحة، والأقوال التي لا معنى لها، فعلى الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي ما يزال مئات الملايين من المسلمين في العالم يستضيئون بنور الرسالة".
 ويقول أستاذ جامعي أميركي: "لقد أدرك محمد صلى الله عليه و سلم أهمية الاتحاد وعلو منزلة المجتمع الموحد في بعثته الإسلامية، وبذلك زرع بيديه بذور الاتحاد والمودة في نفوس المسلمين، وسقاها وتعهدها بالرعاية حتى أعطت ثماراً حلوة المذاق ".
 ويقول ميلر الكاتب البريطاني المعروف: "إن بعض الشرائع تهتم بالجوانب الروحية من حياة البشر، وليس لديها في تعليماتها أي اهتمام بالأمور السياسية، والقانونية، والاجتماعية، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم، ببعثته وأمانته الإلهية كان نبياً، وكان رجل دولة، ومقنناً، أي واضعاً للقوانين، وقد اشتملت شريعته على أحكام وقوانين مدنية، وسياسية، واجتماعية".
 ويقول الكاتب والباحث الغربي ريتين: "منذ بزوغ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وسطوع شمس الإسلام أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين، وإن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر، وكل عنصر، وكل قومية، وأن أبناء البشر في كل مكان، وفي ظل أيّة حضارة لا غنى لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني".
 ويقول المسيو جان الكاتب والعالم السويسري المعاصر: "لو أمعنا النظر في أسلوب حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه، على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته، لتمكنا من فهم كنه العلاقة التي تشد ملايين الناس في العالم لهذا الرجل العظيم، والتي جعلتهم وتجعلهم يضحون من أجله، ومن أجل مبادئه الإسلامية السامية، بالغالي والرخيص والنفس والنفيس".

4 ـ سيدنا محمد كما يراه المفكرون في الغرب:

 أما الفيلسوف الروسي تولستوي الذي أعجب بالإسلام وتعاليمه في الزهد، والأخلاق، والتصوف، فقد انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر ذلك واضحاً على أعماله، يقول في مقالة له بعنوان : "مَن هو محمد ؟" : "إن محمداً هو مؤسس ورسول، وكان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال".
ويقول عنه أيضاً تولستوي: "ليس هناك من شك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم، نحن إذا ذكرنا محمداً نصلي عليه فالصلاة مدرجة في النص، قدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية، فهي فخر وهدى للناس، وهي التي أرست دعائم الصلح، والاستقرار، والرخاء، وفتحت طريق الحضارة، والرقي للأجيال، وبديهي أن ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم هو عمل عظيم لا يفعله إلا شخص مقتدر ذو عزم رصين، ومثل هذا الشخص وبلا شك يستحق كل إكرام وتقدير واحترام".
 ويقول مفكر آخر رفع لواء لا إله ـ أي ملحد ـ : "الحقيقة أن محمداً قد جاء برسالة لا يمكن إنكارها، وهي خلاصة الرسالات السابقة، بل وتعلو عليها، بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور ثابت، وما جاء به محمد وأقواله تنسجم وذوق البشر، وإدراك بني الإنسان في هذا العصر".
 وكم هو جميل ما قاله العالم الإيطالي واكستون قال:" لو سألني أحدهم فقال : من هو محمد الذي تمدحه كل هذا المديح ؟ لقلت له بكل أدب واحترام: إن هذا الرجل المشهور، وإن هذا القائد الذي لا نظير له، علاوة على كونه مبعوثاً من الله، هو رئيس حكومة إسلامية، كانت ملجأ وملاذاً لكل المستضعفين والمسلمين، وحامية لمصالحهم الاجتماعية، فإن محمداً الذي يعد باني ومؤسس تلك الحكومة كان قائداً سياسياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى".

 

سيدنا محمد أعظم شخصية عرفها التاريخ بشهادة مؤرخين وكُتّاب غربيين :

 ويقول الكاتب الفرنسي كورسيه : "عندما نهض محمد بدعوته، وقبل وبعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه، وقد تمكن محمد صلى الله عيه وسلم بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين، الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، وفي ظل حكومته الديمقراطية الموحدة تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى، والاختلاف، والاقتتال، التي كانت شائعة في جزيرة العرب، وأرسى بدل ذلك الأخلاق الحميدة محولاً المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع راق ومتحضر".
 وهذا المؤرخ الأوربي جيمس يقول في مقال تحت عنوان " الشخصية الخارقة " عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية، وفي الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيديه، وأقام ديناً خالداً يدعو إلى الإيمان بالله وحده".
 والفيلسوف الفرنسي كارديفو يقول: " إن محمداً كان هو النبي الملهم والمؤمن، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه".
 ويقول الفيلسوف البريطاني توماس كاريل، وقد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام بعنوان : " البطل في صورة رسول "، عدّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ، وقد ردّ هذا المؤلف مزاعم المتعصبين فقال : "يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان، كلا والله، لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، المتورد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة، وخيراً ،وحناناً، وبراً، وحكمة، وحجىً، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، كيف لا، وتلك نفس صامتة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين".
 أما مؤلف كتاب "المئة الأوائل" هذا درس تاريخ البشرية، واختار من بين عظماء البشرية على مرّ التاريخ مئة، سمى الكتاب "المئة الأوائل"، جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على رأس المئة في التاريخ قال: "هو الإنسان الأول من بين المئة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير، ومن حيث نوع التأثير، ومن حيث امتداد أمد التأثير، ومن حيث اتساع رقعة التأثير".
 من حيث القوة، والنوع، والامتداد، والرقعة.

جانب من شخصية النبي العظيم كما وصفه كتَّاب السيرة من المسلمين :

 نختم هذه الخطبة بكلمة لأحد كتاب السيرة المسلمين، هو النص الوحيد الإسلامي، يصف شخصية النبي التعاملية، يقول هذا الكاتب :" كان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا جلس جَلس حيث ينتهي به المجلس، لم يُرَ ماداً رجليه قط، ولم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار، وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته بيده، ويقول: أنا أولى بحملها، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرفو ثوبه، ويخسف نعله، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، ويكنس داره، وكان في مهنة أهله ـ أي في خدمة أهله ـ وكان يأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، يمشي هوناً، خافض الطرف، متواصل الأحزان، دائم الفكر، لا ينطق من غير حاجة، طويل السكوت، إذا تكلم تَكلم بجوامع الكلم، وكان دمثاً، ليس بالجاحد ولا المهين، يعظم النعم وإن دقت، ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم مذاقاً ـ أي طعاماً ـ ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ بصره، وكان يؤلف ولا يفرق، يقرِّب ولا ينفر، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، يحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، ولا يقصر عن حق ولا يجاوزه، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو ما يسره من القول، كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش، ولا عياب ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يخيب فيه مؤمله، كان لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه".

الله عز وجل لخص شمائل النبي الكريم بالآية التالية :

 الحديث عن شمائله صلى الله عليه وسلم حديث طويل لا تتسع له المجلدات ولا خطب في سنوات، ولكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم ]

وأجـمل منك لم ترَ قط عين   و أكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عـيب   كأنـك قد خلقت كما تشاء
* * *
و أسـدت للبرية بنت وهب   يداً بيضاء طوقت الرقاب
لقد وضــعته وهاجاً منيراً   كما تلد السماوات الشهاب
* * *

 أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو مهما مدحنا هذا النبي الكريم لا نوفيه حقه، ولكن مهما مدحنا هذا النبي الكريم إن لم نتبع سنته لا ننتفع من هذا المديح.

   وأخيراً..

 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله.

***

الخطبة الثانية :

 

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

واجب كل أب أن يؤدب أولاده على محبة النبي صلى الله عليه و سلم :

 ماذا يمنع أن يكون في بيت كل منكم كتاب حديث صحيح، وكتاب سيرة، فإذا جلست مساءً مع أهلك لو قرأت من هذا الكتاب صفحة أو صفحتين، وشرحتها لأولادك تكون كما قال النبي الكريم :

(( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال؛ على حبّ نبيكم)).

[ أخرجه الطبراني عن علي]

 واجب كل أب أن يؤدب أولاده على محبة النبي، هل تصدقون أن يقول أب لابنه أحب النبي يا بني؟ ليس هذا هو المقصود ، المعنى أن تعرفه بهذا النبي، بأخلاقه، برحمته، بتواضعه، لك أن تقرأ سنته القولية في كتاب حديث صحيح، ولك أن تقرأ سيرته العملية في كتاب سيرة مختار، كتاب حديث وكتاب سيرة لا بدّ أن يكون في كل بيت حتى نتبع منهج النبي عليه الصلاة والسلام، حتى يكون القدوة لأولادنا ليس لاعب الكرة بل أصحاب النبي، هذا النبي الكريم بسنته الرائعة، بأخلاقه، بشمائله، المشكلة أن الناس يتجهون الآن لا إلى تاريخ هذه الأمة، ولا إلى أمجاد هذه الأمة، ولا إلى أبطال هذه الأمة، لكن يتجهون إلى أناس برعوا في فنون معينة، وكانوا بعيدين عن الدين، غارقين في المعاصي والآثام، وإذا كان هؤلاء قدوة لأبنائنا فالمشكلة كبيرة جداً، نحن في مناسبة عيد المولد ينبغي أن نبدأ بالتعرف على هذا النبي الكريم، على أقواله، وعلى أفعاله، ومحاولة الاقتداء به في كل تفاصيل الحياة.

 

   دعاء الختام..

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور