وضع داكن
13-11-2024
Logo
فقه السيرة النبوية - الدرس : 46 - المؤاخاة مع المودة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

ضرورة تطبيق منهج الله تطبيقاً متوازناً كاملاً :

 أيها الأخوة ؛ مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، وأحب أن أذكركم تكراراً أن السّنة النبوية هي أقوال النبي ، وأن السّنة النبوية هي أفعال النبي ، أقواله سُنة ، وأفعاله سُنة ، وإقراره سُنة ، وإذا تكلم أحد أمام النبي كلمة فسكت إذاً أقواله صحيحة .
 إذاً أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، أقواله في درس الحديث الشريف ، أما أفعاله ففي درس السيرة النبوية .
 وأذكر مرة ثانية أن أفعاله أصدق في التعبير عن فهمه لكلام الله من أقواله ، لأن أفعاله حدية ، أما أقواله فتحتمل التأويل ، فلذلك قال تعالى :

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[سورة الحشر : 7 ]

 هناك نقطة دقيقة جداً هي أن الأحداث التي وقعت في عهد النبي لم تكن أحداثاً عادية ، إنما هي مقصودة لذاتها ، يأتي حدث فيقف النبي منه الموقف الكامل ، موقفه تشريع ، هو شرع بأقواله ، وشرع بأفعاله ، بل إن أفعاله فيها مغزى ، إنها تعبر عن حقيقة مع البرهان عليها ، ذلك لأن هناك تهمة لمن يرشد الناس ، يقول الذي يستمع إليك : هذا كلام مثالي ، هذا كلام غير واقعي ، لا يطبق ، يصعب تطبيقه ، ما كل أوامر الدين صالحة للتطبيق في آخر الزمان ، هذا إن كانت أقواله ، أما إن كانت أفعالاً ففعل النبي ينطلق من حقيقة يؤكدها النبي بفعله ، لكن الفعل جعل المثالية واقعاً ، لذلك الدعاة مهمتهم أن يجعلوا الواقع مثالياً ، وأن يعبروا عن مثالية واقعية ، أن يعبروا عن مثالية قابلة للتطبيق .
 مثلا : قد تقرأ عن أبي حنيفة النعمان - رحمه الله تعالى - أنه صلى أربعين عاماً الفجر بوضوء العشاء ، هذه مثالية غير واقعية ، هل تستطيع أن تبقى يومين بلا نوم ؟ يختل توازنك ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد قال :

(( أشدكم خشية لله أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء ، آكل اللحم ، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي ))

[البخاري عن عائشة ]

 أنا مع كامل التعظيم لأبي حنيفة النعمان ، قد يكون هذا القول غير صحيح ، لأنه خلاف الفطرة ، النوم أساسي في حياتنا ، لا تأتني بدين لا يصلح للتطبيق ، أعطني منهجاً واقعياً، يمكنني أن أتزوج ، وأن أؤسس عملاً ، وأن أربح ، وأن أُنجب أولاداً ، أن أكون في أعلى درجة القرب من الله ، هذا المنهج .
لذلك اسمعوا هذه الكلمة : عندما ضعف الاتصال بالله ظهر التصوف ، كتعبير عن ضعف الاتصال بالله ، وعندما ضعف الانضباط العلمي ظهر المتشددون في النصوص ، وعندما ضعفت دنيانا وأصبحنا في مؤخرة الأمم ظهرت العلمانية ، فهذه الاتجاهات الثلاث ظهرت لعدم تطبيق منهج الله تطبيقاً متوازناً كاملاً .

النبي عليه الصلاة والسلام مشرع في سيرته وسيرته حديّة :

 إذاً قد يقول أحدكم : أنا أحضر درس سيرة وقعت قبل ألف و أربعمئة عام ، هذه الأحداث التي وقعت أحداث نموذجية ، كانت مقصودة من قِبل الله عز وجل ، وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم منها الموقف الكامل ، فكان موقفه تشريعاً .
 مثلاً : سيدنا عمر أراد أن يهاجر ، وقف أمام المشركين في النهار ، جهرة ، ونهاراً، وإعلاناً ، وقال : " من أراد أن تثكله أمه فليحق بي إلى هذا الوادي " ، وهاجر جهاراً عياناً نهاراً على جميع الخلق ، يأتي سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم يهاجر مع أبي بكر سراً ، باتجاه الساحل ، باتجاه معاكس للمدينة ، يقبع في غار ثور أياماً ثلاث ليخف عليه الطلب ، أيهما أشجع ؟ قد يقول قائل لا يعرف حقيقة النبوة : عمر ، لأنه هاجر متحدياً جهاراً نهاراً ، أما المتعمق في الدين فيقول : الأشجع رسول الله .
 كان الصحابة الكرام إذا حمي الوطيس يلوذون برسول الله ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام مشرع ، أما سيدنا عمر فيمثل نفسه فقط ، سيدنا رسول الله لو هاجر كعمر لعدّ اقتحام الأخطار واجباً ، ولعدّ أخذ الحيطة حراماً ، لهلكت أمته من بعده ، النبي مشرع ، أما سيدنا عمر فيمثل نفسه فقط .
 لذلك أن يقول أبو حنيفة لا أدري ما إذا هذا قاله أم لم يقله ، لكن ورد عنه ، ولا أدري إن كان هذا واقعاً أو ليس بواقع ، على كل ليس في طاقة البشر أن يصلي أربعين عاماً بوضوء العشاء ، فوق طاقتهم ، قيام الليل وارد ، أما ألا ينام إطلاقاً فلا .
 إذاً النبي عليه الصلاة والسلام في سيرته مشرع ، وسيرته حدية ، أي أصدق بالتعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله ، لأن أقواله تحتمل التأويل ، أما أفعاله فلا تحتمل شيئاً .

كل محنة للمؤمن يأتي بعدها منحة من الله :

 لذلك حينما كان عليه الصلاة والسلام في الطائف ، وانتظر منهم أن يؤمنوا به ، وأن يحموه ، وقد أخرجته قريش ، كيف استقبلوه ؟ بالتكذيب ، بالسخرية ، بل أغروا صبيانهم بإيذائه ، حتى سال الدم من قدمه الشريفة ، الآن دققوا ماذا قال ، قال :

(( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ))

[الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر]

 الآن الناس أليسوا هينين على بقية الأمم والشعوب ؟ الله عز وجل قال :

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[سورة الشورى : 40 ]

 إذا أسيء إليهم بتوهمهم يكيلون الصاع ألف ضعف ، نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الدعاء : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم تكن غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي" .
 ما من دعاء يحتاجه المسلمون اليوم كهذا الدعاء :

((لكن عافيتك أوسع لي ))

 أي يا رب إذا كانت هذه الشدة وذاك الإيذاء تعبيراً عن غضبك عليّ فأنا أستغفرك ، وأتوب إليك ، أما إن لم يكن هناك من علاقة بين هذه الشدة وبين غضبك فأنا راضٍ عنك يا رب، هذا الموقف ، لكن شدة ما بعدها شدة .
 تصور إنساناً في أعلى مقام ، بأعلى درجة من الكمال ، بأشد الخلق صلة بالله عز وجل ، يُهان ، يُكذب ، يُسخر منه ، يُضرب ، تعليق : بعد هذا جاء الإسراء والمعراج ، اسمعوا الآية :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾

[سورة الإسراء : 1 ]

 إذا كانت محفوظات الرجل لكتاب الله ضعيفة جداً ، ولم يتمكن أن يتذكر تمام الآية يقول أغلب الظن :

﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة الأحقاف: 33]

 لأنه أسرى به من مكة إلى بيت المقدس ، ومن بيت المقدس إلى سدرة المنتهى ، وفي الأعم الأغلب

﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

  الآية ليست كذلك :

﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

[سورة الإسراء : 1]

 أي يا محمد حينما وضع الله بين يديك إمكانية الانتقام ، ملك الجبال قال له : يا محمد ، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين ، كُذب ، وسُخر منه وضُرب ، ثم أتيح له أن ينهي وجودهم ، قال :

((اللهم اهد قومي ))

[ عبد الله بن عبيد بن عمير ]

 ما تخلى عن قومه ، دعا لهم بالهدى ، واعتذر عنهم :

((فإنهم لا يعلمون))

[ عبد الله بن عبيد بن عمير ]

 ودعا لهم أن تكون ذريتهم صالحة ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده ، هذه المحنة جاءت وراءها منحة ، أنت يا محمد سيد ولد آدم .

﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾

[سورة النجم: 14]

 بلغ درجة ما بلغها مخلوق في الكون .

﴿ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾

[سورة النجم: 15-18]

﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾

[سورة النجم: 12]

 هذا العطاء ،

﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

  أي سمعنا دعاءك يا محمد في الطائف ، وهذه المكافأة ، هذه مكافأة السماء عن جفوة الأرض ، هذه مكافأة ربك الذي دعوت إليه خالصاً عن تكذيب الناس .
 لذلك هناك درس يستنبط من الإسراء والمعراج ، الدرس أن كل محنة للمؤمن يأتي بعدها منحة من الله .

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 216]

 إذا أكل الشخص مالاً حراماً ، أو اعتدى على أعراض المسلمين ، أو غشهم ، فجاء عقاب إلهي ، هذا الكلام الذي أقوله الآن لا ينطبق على هذه الحالة ، هذه الشدة التي أصابتهم عقاب من الله ، وليست ابتلاء ، أنا أقول لمؤمن مستقيم جاءته شدة ، مستقيم ، مصلٍّ ، صائم ، عابد ، مطيع ، له أعمال صالحة ، هذا المؤمن إذا أصابته شدة ، وليس في حياته مخالفة تسـتأهل العقاب نقول : هذه المحنة وراءها منحة ، وهذه الشِّدة وراءها شَدة إلى الله عز وجل ، لذلك للمؤمن المستقيم كل محنة وراءها منحة ، وكل شِدة وراءها شَدة إلى الله عز وجل ، بعد الطائف عرف النبي أنه ولد سيد آدم ، الأنبياء جميعاً في بيت المقدس اِئتموا به ، إذاً هو سيد الأنبياء والمرسلين ، بل هو سيد ولد آدم ، بل هو أفضل الخلق ، وحبيب الحق ، بل الله عز وجل أقسم بعمره الثمين ، فقال :

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[سورة الحجر: 72]

 بل إن الله عز وجل ما ناداه باسمه أبداً ، في حين أنه نادى أنبياءه بأسمائهم .

﴿ يَا يَحْيَى ﴾

[سورة مريم : 12 ]

﴿ يَا زَكَرِيَّا ﴾

[سورة مريم : 7 ]

﴿ يَا عِيسَى ﴾

[سورة آل عمران : 55]

 ليس في القرآن كله يا محمد ، يوجد :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾

[سورة التحريم : 9]

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾

[سورة المائدة : 41]

 تكريماً له .
 أيها الأخوة ؛ إذاً الإسراء والمعراج يعطي المسلمين هذا الدرس ، إن كنا في شدة فلعل بعد هذه الشِّدة شَدة إلى الله ، إن كنا في محنة فلعل بعد هذه المحنة منحة من الله ،

﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

الأعمال الصالحة في صحيفة من عملها إلى يوم القيامة :

 لو أسقطنا هذه المعاني على ما يعانيه المسلمون اليوم من محن ومصائب في أفغانستان ، في العراق ، في لبنان ، في فلسطين ، هذه شِدة ، والله عز وجل يقول :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 لكن الذين شردوا عن الله عز وجل شروداً كاملاً ، وليس فيهم ذرة خير قال عنهم :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 عندنا ملاحظات حول عقد الإخاء الذي تحدثنا عنه في الدرس الماضي .
 إن عقد المؤاخاة اشتمل على خمسة و أربعين رجلاً من المهاجرين ، وخمسة و أربعين من الأنصار ، تصور تسعين رجلاً ، والمسلمون اليوم مليار وخمسمئة مليون .

﴿ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴾

[ سورة إبراهيم: 24]

 أنت قد لا تعلم الخير الكثير الذي ينتج عن دعوتك إلى الله ، قد لا تعلم ، وأنت ضعيف ، لكن الله عز وجل يمكن أن يجري على يديك من الأعمال الصالحة ما لم يوصف .
 للتقريب : أحد الأخوة الكرام عنده بنت في البيت اعتنى بها ، اعتنى بدينها ، بصلاتها ، بإيمانها ، بأخلاقها ، حتى زوجها من شاب مؤمن ، هذه الأسرة أنجبت أولاداً نشؤوا في طاعة الله ، نشؤوا في بيت مسلم ، من يدريك أيها الأخ أن هذا الذي توجه إلى الله ، وتزوج امرأة صالحة ، وأنجب أولاداً صالحين أن هذا يوم القيامة يرى من نسله مليون إنسان مؤمن وكل أعمالهم في صحيفته ؟ والدليل :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 خمسة و أربعون رجلاً نتج عنهم مجتمع من مليار وخمسمئة مليون ، هذا الذي وصل بالإسلام إلى الصين ، كل من أسلم في هذا البلد في صحيفته ، والذي وصل بالإسلام إلى الغرب وشمالي إفريقيا .
 والله مرة سافرت إلى اسطنبول ، دخلت معهداً شرعياً ، أقسم بذات الله أنني في دمشق توافق المسلمين مع بعضهم عجيب ، أخواننا باسطنبول المؤمنون طلاب العلم الشرعي من جبلتنا، من مبادئنا ، من قيمنا ، من أخلاقنا ، من أهدافنا ، المسلمون وحدة .
 لذلك كلما عملت عملاً كهذا العمل في صحيفتك ، هذا على موضوع أن خمسة و أربعين بخمسة و أربعين أصبحوا ملياراً وخمسمئة مليون .
 ثم ينبغي أن نعلم أنه لن تقتصر المؤاخاة على مهاجري قريش وعلى عقد المؤاخاة في دار أنس فقط ، إنما ستستمر بين كل مسلم كانت له أسبقية في العلم .

المؤاخاة ليست مجرد لقاء اثنين بل هي تعاون بين اثنين :

 في الدرس الماضي بينت لكم أن المؤاخاة من كمالها لا أن تكون بين متماثلين ، أن تكون بين إنسان له أسبقية وإنسان حديث ، فالذي له أسبقية يعلم المبتدئ ، وقد تكون بين غني وفقير ، فالغني يرعى الفقير ، وبين قوي وضعيف ، وبين صحيح ومريض ، وبين متزوج وشاب على طريق الزواج ، يعطيه خبراته ، افعل ، لا تفعل ، إياك أن تقول هذه الكلمة ، عامل أهل زوجتك هكذا .
 فلذلك المؤاخاة ليست مجرد لقاء اثنين ، بل التعاون بين اثنين ، فإذا كان هناك تفاوت بينهما كان هذا التعاون مثمراً ، هكذا تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام .
 كان عليه الصلاة والسلام إذا أسلم رجل يقول لأصحابه : خذوا أخاكم ، فقد أسلم ، فعلموه الإسلام .

المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية وعهد دائم :

 أيها الأخوة ؛ المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية ، وعهد دائم يلتزم به المسلم مدى الزمن ، وتفقد بعضهم بعضاً ، وما من شيء أحب إلى الإنسان من أخ في الله ، الأخ في الله غالٍ جداً ، الأخ في الله نوع متميز ، يأخذ بيدك وتأخذ بيده ، ينصحك وتنصحه ، يعاونك وتعاونه، يقرضك وتقرضه ، يخدمك وتخدمه ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه :

((حقت محبتي للمتحابين فيّ ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ ، المتحابون فيّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون - يوم القيامة- والصديقون والشهداء ))

[ أحمد ، والطبراني ، والحاكم ، عن عبادة بن الصامت ]

الإسلام محبة وتواضع و تضحية و إيثار :

 نحن أيها الأخوة كمسلمين بحاجة إلى المحبة ، مع مضي الأزمان قسا القلب ، صار هناك خصومات ، ومهاترات ، وتراشق تهم ، وعلاقات غير طيبة ، لذلك :

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 46 ]

 نحن بحاجة إلى أن نحب .
 أيها الأخوة ؛ ماذا أقول لكم ؟ صحابيان صليا العشاء معاً في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، وخرجا معاً إلى البيت ، عند افتراقهما تعانقا ، التقيا في الفجر ، سبع ساعات ، أربع ساعات ، خمس ساعات ، فتعانقا ، وقال الأول للآخر : وا شوقاه يا أخي ، ما هذه المحبة؟! البارحة الساعة العاشرة كنت معه ، صباحاً الساعة الثالثة والنصف تقول له : وا شوقاه يا أخي ؟! هذا الإسلام ، هذا الحب ، الإسلام محبة ، الإسلام تواضع ، الإسلام تضحية ، الإسلام إيثار ، حتى يحبنا الله .
 فلذلك الذي لا يشعر بحاجة ماسة إلى أن يُحِب ، أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، الحب يشبه وردة طبيعية فواحة الرائحة ، جميلة الألوان ، والإسلام من دون حب وردة بلاستيك ، لا طعم لها ، إذا ألغي الحب من الدين تصحر الدين ، وصار معلومات ، وأدلة ، وفكراً ، الإنسان بعد هذا يمل من الفكر نفسها ، أما إذا كان هناك حب فهناك طاقة .
 والله أيها الأخوة ، أحياناً يجلس مؤمن مع أخ عشر ساعات لا يشعرون بالوقت ، والله الذي لا إله إلا هو مرة سافرت إلى بلد في الشمال لي أخوة كُثر فيه ، والله الذي لا إله هو بدأت الحديث الساعة الخامسة مساء ، أول مرة نظرت إلى الساعة ، فإذا هي الساعة الواحدة ليلاً، ما شعرت بالوقت ، لوجود المحبة ، والمودة ، والتناصح ، والإقبال ، نحن حياتنا متصحرة ، حسد ، غيرة ، ليس هناك هذا الحب بيننا ، هذا من أسباب ضعفنا .
 مرة عليه الصلاة والسلام كان في غزوة ، وسأل عن صحابي واحد ، فقيل له : يا رسول الله شغله بستانه عن أن يجاهد معك ، كان ثمة صحابي وفيّ لذاك الصحابي ، قال له : لا والله يا رسول الله ، لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم ، ولو علموا بأنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك ، فابتسم النبي حتى ظهرت نواجذه ، ابتسم لهذا الحب بين الأخوين .
 يجب أن تدافع عن أخيك ، يجب أن تخبره من حين لآخر : أين أنت ؟ اشتقنا لك ، نحن قلقون عليك ، الصحة طيبة إن شاء الله ؟ تنعشه بهذا الاتصال .

الجماعة رحمة والفرقة عذاب :

 أنا أريد لهذا الدرس أن يترجم إلى واقع ، كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، ينبغي أن يأخذ الواحد منكم أخاً لله ، خذ اسمه ، وهاتفه ، وعنوانه ، وعمله ، الدرس الثاني الاثنين ما جاء ، أخبره ، كم تكلفك هذه ؟ لا شيء ، أحياناً يأتي إنسان إلى الدرس متأخراً جداً ، يدرك مع الشيخ صلاة العشاء ، ما سمع ولا كلمة ، يقول لك : والله انتعشت بهذه الصلاة ، هذا معنى : الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب .

(( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد))

[أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن عمر ]

(( وإنما يأكل الذئب القاصية ))

[أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن عمر ]

 اتخذ لك أخاً في الله ، هذه نصيحتي تطبيقاً لهذا الدرس ، كيف آخى النبي الكريم بين المهاجرين والأنصار ، أنت اختر أخاً ، تستطيع أن تعاونه ، أو يعاونك ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ . إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ ))

[متفق عليه ]

(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ ))

 مودة ، ابتسامة ، وجه طلق ، مصافحة ، دعوة ، ضيافة ، بذل ، هدية ، هذا كله مودة ، الهدية مودة ، والدعوة مودة ، والنصيحة مودة ، والمعاونة مودة .
 والله مرة أحد أخوتنا الكرام اشترى بيتاً ، فكلما جاء بالأثاث أحد جيرانه ينطلق لمعاونته ، يعاونه بحمل الأثاث ، يأتيه بضيافة بعد إيصال الأثاث إلى البيت ، قال لي : والله أنا لا أعرفه ، من حضرتك ؟ من أنت ؟ قال له : أنا بالجامع الفلاني ، في جامعنا ، هذا الأخ ما سبب انطلاقه إلى الدين ؟ قال لي : أنا لي قريب في هذا المسجد ، دعاني لحضور الدروس مرات عديدة ، و أنا لا أريد أن أحضر ، لكن من كثرة ضغطه عليّ سايرته مرة ، وذهبت معه إلى الدرس ، فانتهى الدرس ، الأخ القديم سلم عليّ ، وقال لي : هذا ابن خالتي ، هذا أول درس يحضره ، أنا كلفتني العملية أن أصافحه بحرارة وبمودة ، قلت له كلاماً فيه تواضع : إن شاء الله أعجبك الدرس ؟ قال لي : نعم والله الدرس جميل جداً ، قلت لقريبه : عينك على ابن خالتك ، صافحته بمودة بالغة ، هو فقير جداً ، عندما وجد هذه المودة والمصافحة الحارة ، وسألته عن الدرس ، ووصيت فيه ابن خالته أقسم بالله أنه أتى للدرس مرة واحدة حتى يُسكت ابن خالته ، فإذا هو في هذا الدرس إلى الآن ، وما تركه .
 آخِ أخاً لك في الله ، اسأل عن صحته ، عاونه ، أقول لكم كلمة ثانية : أنا أعتقد أنك لا تُشد إلى الدين بسبب أفكار الدين ، أفكاره رائعة ، أفكاره عميقة ، أفكاره متألقة ، أفكاره دقيقة ، أفكاره متناسبة ، متسقة ، أعطاك فكرة عن الكون والحياة والإنسان ، لكن الذي شدك إلى الدين مجتمع المؤمنين بصفائهم ، بصدقهم ، بتواضعهم ، بخدمتهم ، لذلك الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب .

(( يد الله مع الجماعة ))

[الترمذي عن ابن عباس ]

(( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد))

[الترمذي عن عمر بن الخطاب ]

 وإنما يأكل الذئب الغنم القاصية ، هذا الحديث أيها الأخوة أصل في العلاقات بين المؤمنين .

((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ . إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ ))

[متفق عليه]

الإسلام اجتماعي :

 أخواننا الكرام ؛ الإسلام اجتماعي ، صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بسبعة و عشرين ضعفاً ، الصيام جماعي ، الحج جماعي ، ديننا دين جماعي ، والجماعة رحمة .
 مرة قرأت كلمة أعجبتني ، الكلمة : لست وحدك في الحياة ، أنت لست وحدك في الحياة ، الواحد للمجموع ، والمجموع لواحد .
 هناك أمثلة أيها الأخوة أمثلة كثير جداً ، بعض الأمثلة : إنسان تزوج ، ودخله محدود، وبحاجة إلى ألف حاجة ، أصدقاؤه وأخوانه في الله اجتمعوا وقرروا ، وجمعوا مبالغ من المال جيدة ، وأمّنوا له كل حاجاته الثانوية ، يلزمه مروحة ، يلزمه براد ، يلزمه غسالة ، يلزمه غاز ، أمّنوا له كل ما يحتاج ، كلما تزوج واحد منهم الكل يتعاون ، هذا مجتمع التعاون ، هذا مجتمع المؤمنين .
 فيا أيها الأخوة ؛ لست وحدك في الحياة ، حينما تكون مع مؤمنين صادقين الكل لك وأنت للكل .
 تشريعات الإسلام جميعاً قائمة على بناء المجتمع الموحد المتماسك الصالح في بناء الأسرة ، وحقوق كل من الزوج والزوجة والأولاد وغير ذلك .
 الذي أتمناه عليكم أن ننطلق إلى تنفيذ هذه المؤاخاة ، عندك أخ بالله ، اثنان أحسن، ثلاثة أحسن ، أربعة أحسن ، كلما كان المؤمنون أكثر ولاءً ، وتضحية ، ومؤاثرة ، وخدمة كانوا أقرب إلى الله عز وجل .
 وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذا الموضوع .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور