وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 27 - سورة الأنفال - تفسير الآية 70 ، الأحكام المتعلقة بالعلاقة بالآخر ـ قصة خيبر وإسلام العباس عمّ رسول الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى الهواء :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس السابع والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية السبعين وهي قوله تعالى : 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) ﴾

أيها الإخوة ؛ كنت أقول دائماً إن الإسلام منهج كامل ، يبدأ من فراش الزوجية ، ويصل إلى العلاقات الدولية ، فهو كالهواء يحتاجه كل إنسان ، لا تستطيع أمة أن تحتكره ، ولا بلد ، ولا قطر ، ولا مذهب ، ولا طائفة ، حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى الهواء ، لذلك هو يغطي كل حركات الإنسان ، بدءاً من أدق علاقاته الخاصة من فراش الزوجية وانتهاء بالعلاقات الدولية .


  علاقة المسلمين بالآخرين تقوم على أمور منها :

 

1 ـ من يعاهد المسلمين ثم يخلف عهده لابدّ من أن يؤدب ردعاً للباقين :

إخواننا الكرام ، يوجد مجموعة أفكار دقيقة مستنبطة من الآيات التي تتحدث عن علاقة المسلمين بالآخرين ، علاقة سلم ، علاقة حرب ، علاقة هدنة ، علاقة معاهدة ، علاقة اتفاق ، أول هذه العلاقات أن الذين يعاهدون المسلمين ثم يخلفون عهدهم لا بدّ من أن يؤدبوا ردعاً للباقين .

أحياناً الإنسان يعطي ويأخذ ، أما حينما يكون اتفاق ومعاهدة وشيء موثق ، ثم يأتي الطرف الآخر فيخونه لابدّ من أن يؤدب الآخر عقاباً على خيانته ، وردعاً من أن يفكر الآخرون بخيانة المسلمين .

أحياناً العالم الآخر يقيم دعوى مطولة على مبلغ ، قد تكون تكاليف الدعوى أكبر من هذا المبلغ ، ما الحكمة ؟ من أجل أن يلقي في روع من يعاملونه أن حقه ثابت .

إذاً من بعض النصوص القرآنية والنبوية ، ومن بعض أحكام السيرة ، نستنبط أن الآخرين - الطرف الآخر - إذا اتفقوا مع المسلمين ، ونقضوا اتفاقهم ، أو خانوا اتفاقهم ، لا بدّ من عقاب أليم أراده رب العالمين ، كي يكون هناك ردع يردع الآخرين عن أن يتلاعبوا باتفاقاتهم مع المسلمين ، هذه حقيقة أولى .  

2 ـ السماح للمؤمنين ابتداءً أن يلغوا الاتفاق مع الطرف الآخر بشرط الإعلام :

أحياناً الطرف الآخر يخشى أن ينقض العهد ، سمح الله للمؤمنين ابتداءً أن يلغوا الاتفاق ، إلغاء مع الإعلام ، أنا متفق مع إنسان على قضايا معينة ، فإذا شعرت ، أو غلب على ظني أنه سوف يخونني أنا ابتداءً أنا أبدأ أنهي هذه المعاملة وأبلغه ذلك ، هذا أيضاً حكم آخر ينبغي أن يراعى في العلاقات مع الآخرين .

مثلاً  : حينما اتهمت دولة بإسقاط طائرة دفعت دية كل إنسان على الطائرة تقريباً خمسمئة مليون ليرة سورية ، دفعت هذه الدولة مليارين وسبعمئة مليون دولار ، بالمقابل هناك يقول لك : خطأ في القصف ذهب ضحيته مئة إنسان ، خطأ ، لأننا ضعاف ، كل القتل بالمئات بل بالألوف ، بالعراق مليون قتيل ، مليون معاق ، خمسة ملايين مشرد ، ولا شيء عليهم ، وضع طبيعي ، أحدث الأسلحة ، أحدث الطائرات ، قتلت النساء والأطفال في غزة ، ألف وخمسمئة طفل وامرأة قتلوا بأرقى الأسلحة ، تماماً كمصارع كبير يمسك طفلاً رضيعاً ويضربه ، ويقول : انظروا قوتي شيء مضحك ! 

جاءت أوروبا إلى شرم الشيخ تصريحها الوحيد أنها جاءت من أجل أن تمنع تهريب السلاح إلى الفلسطينيين فقط ، أما هذه الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية حينما أراد الله من خلال القرآن الكريم ، ومن خلال السنة المطهرة ، أن الطرف الآخر إذا عاهدناه ، ونقض عهده معنا ، وخان العهد ، وانقلب علينا ، وطعننا في ظهورنا ، ينبغي أن نؤدبه ، لأن الحق له أظافر ، والحق ينبغي أن يكون قوياً .

أنا لا أقول كما يقول أهل الغرب : أنت قوي أنت إذاً على حق ، هذا كلام شيطاني ، الحق ما جاء به وحي السماء ، لكن الحق يحتاج إلى قوة ، دقق ، بين أن يكون القوي على حق هذا اعتقاد أهل الغرب ، القوي هو على حق ، ما دمت قوياً انهب ثروات الشعوب ، أفقر الشعوب ، خذ ثرواتهم .

والله مرة استمعت إلى إنسان في أعلى منصب في العالم ، قال : لقد تمّ في رواندا قتل ثمانمئة ألف - في أسبوع قُتلوا ذبحاً ، في بلد إفريقي في الجنوب - قال : وكان بإمكاني أن أتدخل وأن أنقذ أربعمئة ألف ، لكنني لم أتدخل ، هكذا قال ، لأنه لا يوجد هناك نفط .


  إن لم يتفوق الإنسان في دنياه فلن يُحترم دينه :


أنا أقول كلمة  : ما لم تصدق كلام الله عز وجل . 

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

ما لم نصدق كلام الله فالمعاناة معهم صعبة جداً ، لكن سمعت كلمة رائعة ، هم لا يحبوننا ، لكن إذا كنا أقوياء يحترموننا ، وإذا كنا ضعافاً مع عدم محبتهم لنا يحتقروننا ، هذا شأن القوي ، القوي لا يعظم إلا القوي ، هم لا يحبوننا قطعاً ، لكن فرق كبير بين ألا يحبوننا ويحترموننا ، وبين ألا يحبونا ويحتقروننا .

فلذلك أنت حينما تعاهد مسلماً ، وتنقض العهد ، تطعنه في الظهر ، فهناك عقاب شديد تأكيداً لقيمة المسلمين ، ولثمن حياتهم ، وثمن سلامتهم ، أما إذا غلب على ظنك أن هذا الذي عاهدته ربما نقض العهد أنت أنهِ الاتفاق ابتداءً وأعلمه ، لكن دائماً الله عز وجل قال : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ رأيتم في بلد مجاور كيف أن أعداء الأمة - اليهود - دمروا بنيته التحتية في عشرين يوماً تدميراً كاملاً ، بنية تحتية كلفت أربعين ملياراً ، هي ديون على هذا البلد دُمرت في عشرين يوماً نهائياً ، فمعناها لا بدّ من أن تكون قوياً ، والآن العصر عصر قوة ، والعالم لا يخضع لك إلا إذا كنت قوياً ، بل إن لم تتفوق في دنياك لا يُحترم دينك ، أبداً ، لا تقبل أن تكون إنساناً عادياً ، تأكل وتشرب فقط ، كن رقماً صعباً ، كن من النخبة ، كن من الطليعة ، كن من الذين يحار الطرف الآخر فيهم .

لذلك جاء على الدنيا مليارات ممليرة ، مليارات ولدوا ، وكبروا ، وتزوجوا ، وأنجبوا ، وماتوا ولم يدرِ بهم أحد ، أنا أنصح إخوتي الحاضرين لا تكن رقماً سهلاً ، كن رقماً صعباً ، إما أن تُخطط ، وإما أن يُخطط لك ، تفوق في دراستك ، هذا التفوق قوة لأمتك ، تفوق في صناعتك ، هذا التفوق قوة لأمتك ، تفوقك في تجارتك هذا التفوق قوة لأمتك ، تفوق في اختصاصك ، هذا الاختصاص قوة لأمتك .

 

أنواع الجهاد :

 

1 ـ جهاد النفس والهوى  : 

أيها الإخوة ، ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ أنا مضطر أن أذكركم أن هناك جهاداً نفسياً ، جهاد النفس والهوى ، أن تجاهد نفسك وهواك ، وما من كلمة أروع من كلمة صحابي جليل عاد من غزوة مع العدو فقال : "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى" ، هل تستطيع أن تضبط شهواتك ؟ هل تستطيع أن تتحرك بها وفق منهج الله ؟ هل تستطيع أن تقيم الإسلام في نفسك ؟ وفي بيتك ؟ وفي عملك ؟ وصدقوا ولا أبالغ لستم مطالبين بأكثر من ذلك ، مع أن هناك قوى كبيرة تتربص بالمسلمين ، لكن :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)  ﴾

[ سورة البقرة ]

ما كلفك الله إلا أن تقيم الإسلام في نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، لو فعل كل منا هذا لكنا في حال آخر . 

فلذلك ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ هذا اسمه : الجهاد النفسي ، أعد للآخر إيماناً قوياً ، أعد للآخر اتصالاً بالله ، أعد للآخر قرباً منه ، أعد للآخر نوراً يلقيه الله في قلبك حينما تتصل به ، هذا الجهاد الأول ؛ جهاد النفس والهوى . 

2 ـ  الجهاد الدعوي  :

ثم هناك الجهاد الدعوي ، أن تبحث عن الحقيقة فأنت مجاهد ، أن تأتي من مكان بعيد إلى مسجد ، تجلس على الأرض من دون ضيافة لتتعلم كلام الله ، هذا جهاد ، هذا اسمه جهاد دعوي تؤكده آية كريمة  :

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) ﴾

[  سورة الفرقان ]

الهاء تعود على القرآن ، ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ ولعل النبي عليه الصلاة والسلام استنبط من هذه الهاء قوله الكريم  :

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ  . ))

[ مشكاة المصابيح  ، صحيح  . ]

خيركم على الإطلاق ، لذلك قال تعالى  : 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت  ]

لا تجد على وجه الأرض إنساناً أفضل عند الله ﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ .

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)﴾

[ سورة الملك ]

شاب يخطط ليتزوج امرأة مؤمنة ، يخطط لينجب أولاداً مؤمنين ، يخطط ليخفف متاعب أمته ، يخطط ليحمل عبء هموم أمته ، هذا شاب عند الله كبير جداً ، وهناك شاب يخطط ليستمتع بالحياة فقط ، هو صغير .

 

أبواب البطولة مفتوحة على مصارعها إلى يوم القيامة :


يا أيها الإخوة الكرام ؛ لولا أن أبواب البطولة مفتوحة على مصارعها إلى يوم القيامة لما أقيمت الحجة على المؤمنين ، أبواب البطولة مفتوحة على مصارعها إلى يوم القيامة . 

﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) ﴾

[ سورة الواقعة ]

ممكن أن تكون في آخر الزمان : 

وددت أني لقيت إخواني ، قال: فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أوليس نحن إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني

نحن في آخر الزمان ، أية حركة معها معصية ، بالانترنيت يوجد معصية ، بالفضائية يوجد معصية ، بالصحيفة يوجد معصية ، بالمجلة يوجد معصية ، بالطريق يوجد معصية ، بالجامعة يوجد معصية ، أبداً ، لذلك :

من حديث أبي ثعلبة عند الترمذي (3058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

(( إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ  ))

(( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، قيل : ومَن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس . ))

[ أورده الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث سهل بن سعد الساعدي بنحوه وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح ، غير بكر بن سليم وهو ثقة . ]  

3 ـ الجهاد البنائي :

أيها الشاب ! ما الذي يمنعك أن تكون بطلاً ؟ تعلّم ، فعلمك خدمة لأمتك ، أحياناً نأتي بخبير يأخذ مئة ضعف عما يأخذه المواطن ، يستغلون جهلنا ، فإذا تعلم الإنسان في الطب ، في الهندسة ، في أي اختصاص ، وسدّ ثغرة لهذه الأمة معنى هذا أنه مجاهد هذا الجهاد الثالث ، الأول : جهاد نفسي : 

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

[ سورة العنكبوت ]

والجهاد الثاني : الجهاد الدعوي ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾  ، والثالث : الجهاد البنائي ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ ، صنعوا طائرة "b52 "هذه الطائرة تنطلق من أمريكا وتقصف أفغانستان وتعود إلى أمريكا دون أن تحتاج للتزود بالوقود ، صنعت عام 1960 ، وصالحة لعام 2040 ، أعدوا لنا أم أعددنا لهم ؟ 

ألقوا قنبلة قبل سقوط بغداد تفني البشر ، وتبقي الحجر ، عشرة آلاف إنسان أصبحوا كالهباء ، والأبنية كما هي ، النوم مدمر ، أنا أخاطب كل واحد منكم ، تعلم ، أتقن اختصاصك  لتكون دعماً لأمتك ، أتقن اختصاصك ، أتقن تجارتك ، أتقن صناعتك ، أتقن دراستك ، أتقن حرفتك .

اسمعوا هذه الكلمة  : الأمة بحاجة إلى من يموت في سبيل الله ، والله لكن أقول : هي في ألف حاجة إلى من يعيش في سبيلها ، كما أن الأمة هي بحاجة إلى من يموت في سبيلها هي بحاجة إلى من يعيش في سبيلها ، إذاً هذا الجهاد البنائي ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ الإعلام قوة ، والأقمار الصناعية قوة ، والأسلحة قوة ، والتماسك الاجتماعي قوة ، هناك مجتمع لا يخترق أبداً ، تلاحظون أكبر دولة بالأرض لم تستطع أن تخرق جماعة ، تحتل الآن معظم أفغانستان ، تخترقها ؟ أبداً ، فالمجتمع لا يُخترق الآن ، وهناك مجتمعات تُخترق .

فأنا أقول  : أنت كمواطن عادي تستطيع أن تجاهد نفسك وهواك أولاً بحضور ، درس علم تقوم بالجهاد الدعوي ، تتعلم ، وبإتقان عملك تقوم بالجهاد البنائي ، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

4 ـ الجهاد القتالي :

إذا نجحنا في الجهاد النفسي ، وفي الجهاد الدعوي ، وفي الجهاد البنائي ، يُنتظر أن ننجح في الجهاد القتالي ، المعركة معركة مصير ، معركة بمصطلح معاصر نكون أو لا نكون .

والله يُخطط للمسلمين ، لإفقارهم ، ولإضلالهم ، ولإفسادهم ، ولإذلالهم ، وهناك واحد غير معلن ولإبادتهم ، تجد يموت الملايين ، ولا تصريح ، ولا تعليق ، ولا احتجاج ، ولا استغراب أبداً ، مهما قُتل من المسلمين ، الكل ساكت ، أسير واحد يأتي رئيس أمريكي إلى المنطقة في برنامج زيارته زيارة الأسير ، ولنا عند اليهود أحد عشر أسيراً وثمانمئة ، لم يخطر في باله أن يزور أسرة واحدة للتوازن .

اعلم علم اليقين حينما قال الله تعالى عز وجل : ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ﴾ تيقن ، هم لا يحبوننا ، لكن نريد أن نضيف إلى عدم محبتهم لنا أن نُحترم عندهم إذا كنا أقوياء ، إذا كنا متماسكين ، صدق ولا أبالغ طرح القضايا الخلافية الآن جريمة ، لماذا ؟ لأنهم وضعونا جميعاً في سلة واحدة ، فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد .

الآن لا زلنا في الأحكام المتعلقة بالعلاقة بالآخر ، انطلاقاً من أن منهج الله عز وجل منهج شمولي ، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، إذا جنح فريق من غير المسلمين إلى مسالمة المسلمين نحن معهم ، من مركز قوي ، لكن نحن معهم ونحن يقظون ، كان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس ، ويحترس منهم من دون أن يطوي بشره عن أحد ، أرادوا السلام ؟ نحن مع السلام ، لكن سلام مشرف ، سلام مع الكرامة ، سلام مع الاعتزاز .

 

الإيمان من دون طاعة لله عز وجل لا قيمة له إطلاقاً :


أما النقطة الدقيقة جداً إذا قال الله عز وجل : ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ إله ، الذي خلقنا ، المؤمن في حالة قوة إيمانه يستطيع أن يواجه عشرة أضعاف ، وفي حال ضعف إيمانه الواحد يواجه اثنين ، فالجهاد في الإسلام لا يعتد كثيراً بتوازن القوى ، يعتد بقوة الإيمان ، قوة إيمان مع الإعداد ، إن سألتني عن قانون النصر ، والنصر يطمح له كل إنسان ، قانون النصر الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله ، إيمان من دون طاعة لا قيمة له إطلاقاً ، إيمان فولكلوري ، والإعداد أن تعد لهم ما تستطيع ، وكل واحد ضمن اختصاصه .

مرة سألني طفل : أنا ماذا أفعل ؟ قلت له  : ادرس ، تعلم ، خذ شهادة ، لأنه كلما كثُر المتعلمون باختصاصات متنوعة تنهض الأمة ، أنت احمل همّ الأمة ، لا تحمل همّ نفسك ، احمل همّ الأمة ، الأمة بحاجة إلى شباب يعيش في سبيلها . 

مرة التقيت مع شخص بكل معمل الآن معمل يعمل على الكمبيوتر تقريباً ، يوجد قطعة بالكمبيوتر معقدة جداً ، والله أطلعني على خارطة لهذه القطعة طولها ستة أمتار ، يكون فيها قطعة تتلف ، تذهب الأجهزة إلى بلاد بعيدة ، الوقت يستغرق شهراً ، ترجع الأجرة بعشرة ملايين ، أحد الإخوة الكرام في هذا البلد الطيب استطاع أن يحل هذه المشكلة ، الآن يأخذ عشرة آلاف ، عوض مليونين أو ثلاثة ، أتقن صناعة المازربورد بالكومبيوتر ، يكون الكومبيوتر صناعياً ، المعمل متوقف ، يدفع صاحب المعمل أي مبلغ ، هم يتقصدون وضع قطعة ضعيفة  تتعطل كل سنة مرة يقبضون ملايين مملينة ، شاب مؤمن وفقه الله واستطاع أن يحل اللغز ، والله الخريطة رأيتها ، طولها ستة أمتار ، هناك قطعة تالفة وضع محلها قطعة جيدة انتهى الأمر ، فالعلم الآن ضروري ، العالم الآن صار قرية واحدة ، كان خمس قارات صار قارة ، صار بلداً ، صار مدينة ، صار الآن قرية صغيرة ، قرية ، بيت ، غرفة ، سطح مكتب .

أيها الإخوة ، لابدّ من أن نتعرف إلى الحقيقة ، لابدّ من أن نطلب العلم ، لابدّ من أن نلقى الله بعمل يرضي الله عز وجل .

 

الحكمة من أمر النبي الكريم عدم قتل عمه العباس :


أخواننا الكرام ، هذه الآية التي ذكرتها في بداية الدرس  : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ قال علماء التفسير في أسباب النزول : إن هذه الآية نزلت في العباس ، لكن هناك قصة تؤكد لكم من العباس ، هو عم النبي ، لكن كان في مكة ، وكان مسلماً ، هو عين النبي ، قيادة ذكية جداً ، لكن حينما وقعت موقعة بدر قال عليه الصلاة والسلام دقق : " لا تقتلوا عمي العباس" ، بلا تعليل ، صحابي قال : أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه ؟! سيدنا العباس كان مسلماً ، فإذا قال : لا تقتلوه لأنه مسلم كشفه ، وانتهى دوره ، وإذا سكت قد يُقتل بالحرب ، وإذا ما خرج مع المشركين يكشف نفسه أيضاً ، لذلك قال  :" لا تقتلوا عمي العباس" .

هذا الصحابي بعد أن علم أن العباس كان مسلماً يقول : ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله . 

 

قصة خيبر وإسلام العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم :


القصة أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر الحجاج بن علاط السلمي فأسلم ، وكان غنياً كثير المال ، فقال : يا رسول الله ، إن مالي عند امرأتي أم شيبة بمكة ، ومتفرق في تجار مكة ، فائذن لي يا رسول الله أن آتي مكة لآخذ مالي قبل أن يعلموا بإسلامي ، عندئذٍ لا أقدر على أخذ شيء منه ، يبدو أنه كان غنياً كبيراً ، وأمواله كلها متفرقة في مكة ، في تجار مكة ، عند امرأته أم شيبة ، فائذن لي أن أذهب إلى مكة قبل أن يعلم أهل مكة بإسلامي لآخذ مالي ، عندئذٍ لا أقدر على أخذ شيء منه ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم .

لكن هناك سؤال محرج ، ثم قال الحجاج  : يا رسول الله لابدّ من أن أقول ، أي أن أتقول شيئاً بخلاف الواقع ، أتسمح لي حتى أحتال به لأخذ مالي ؟ فقال عليه الصلاة والسلام رحمة به وكماله : قل ما شئت ، قال الحجاج فخرجت ، حتى إذا قدمت إلى مكة وجدت بثنيتي البيضاء رجالاً من قريش يستمعون الأخبار ، لم يكن هناك فضائيات ، كانوا يخرجون إلى ظاهر المدينة يتلقون الركبان ليسألوهم عن الأخبار ، وكانوا يسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر ، وهي من أقوى قرى الحجاز ، وهم يتجسسون الأخبار من الركبان ، وكان بينهم تراهن عظيم على مئة بعير حول من سيغلب ، هناك مراهنة بين أطراف قريش حجمها مئة بعير على من سيغلب أهل خيبر أم رسول الله ؟ فلما رأوا الحجاج ، ولم يكونوا قد علموا بإسلامه ، قالوا : الحجاج والله عنده الخبر اليقين ، يا حجاج ! إنه قد بلغنا أن القاطع - لعنهم الله - يعنون رسول الله قد سار إلى خيبر ؟ فقال الحجاج  : عندي من الخبر ما يسركم ، هو معه إذن من رسول الله ، فاجتمعوا عليه يقولون : إيه يا حجاج ، تكلم ، قال الحجاج : فقلت لهم : لم يلقَ محمد وأصحابه قوماً يحسنون القتل مثلهم ، فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها ، وأسر محمد ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث فيه إلى مكة فنقتله بين أظهرهم ، بمن كان أصاب من رجالهم ، فانطلق هؤلاء الرجال فرحين أشد الفرح إلى أهل مكة فقيل لهم : قد جاءكم الخبر ، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم ، ثم قال لهم الحجاج : أعينوني على غرمائي – المدينين - أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك ، فجمعوا لي مالي على أحسن ما يكون - استرد كل ديونه - ففشا ذلك بمكة ، وأظهر المشركون الفرح والسرور ، وانكسر من كان بمكة من المسلمين ، الآن الشاهد : وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب ، فجعل لا يستطيع أن يقوم - لم يعد يستطيع أن يقف من شدة حزنه بهذا الخبر - ثم بعث العباس إلى الحجاج غلاماً ليقول له : يا حجاج ! انظر حسن الظن بالله ، الله أعلى وأجلّ من أن يكون الذي جئت به حقاً ، غير معقول .

وصدقْ إذا أنت مؤمن مستقيم لا تخاف ، لم يقبل ، فقال الحجاج  للغلام : اقرأ على أبي فضل السلام ، وقل له : ليُخلِ لي بعض بيوته لآتيه – ألا يكون هناك أحد – لآتيه بخبر على ما يسره ، واكتم عني ، فأقبل الغلام وقال : أبشر أبا الفضل ، فوثب العباس - من فرحه قفز - فرحاً كأن لم يمسه شيء وأخبره الغلام ، أعتقه العباس رضي الله عنه لوجه الله من فرحه ، وقال  : لله عليّ عتق عشر رقاب على هذا الخبر السار .

فلما كان الظهر جاء الحجاج فناشد العباس أن يكتم عنه ثلاثة أيام ، وقال : إني أخشى الطلب ، فإذا مضت ثلاثة فأظهر أمرك ، أي اكتم خبري عنهم ثلاثة أيام حتى أسافر ، أخذ أمواله كلها ، فإذا مضت ثلاثة فأظهر أمرك ، وطالت على العباس تلك الأيام الثلاث كأنها سنوات ثلاثة ، وبعد مضي هذه الأيام الثلاث قال عمد العباس رضي الله عنه إلى حلة فلبسها ، وتخلق بخلوق - تعطر - وأخذ بيده قضيباً ، ثم أقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش ، وهم يقولون إذا مرّ بهم  : لا يصيبك إلا الخير يا أبا الفضل ، عرفوا أن الخبر مؤلم جداً ، هو يتحمله ، هذا والله من التجلد بعد المصيبة ، قال : كلا والله الذي حلفتم به لم يصبني إلا خير بحمد الله ، أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله عز وجل على يد رسوله ، وجرت فيها سهام الله ، وسهام رسوله ، وتزوج رسول الله صفية بنت ملكهم ، وإنما قال لكم ذلك ليأخذ أمواله منكم ، وإلا فهو ممن أسلم ، فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، فقال المشركون : ألا يا عباد الله انفلت عدو الله - يعنون حجاجاً ، أي ضحك عليهم - أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ، ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر الآخر أن النبي انتصر على أهل خيبر وتزوج صفية بنت ملكهم ، والأمر على عكس ما يكون .

معنى ذلك نريد أن نقول لكم : العباس كان مسلماً ، لذلك قال : " لا تقتلوا عمي العباس " ، لماذا ؟ أي كلام آخر الخطة تذهب ، لم يقل لماذا ، أنت بحاجة إلى حسن ظن بالله عز وجل ، فلذلك أيها الإخوة ، هذه الآية سوف نوسعها إن شاء الله في درس قادم  : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ .

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور