وضع داكن
25-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 125 - ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والحديث اليوم رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ))

[مسلم]

  أيها الإخوة الكرام، هذا الحديث منطلق لموضوع دقيق في الأخلاق، أن كل إنسان بحاجة إلى خُلق معين، كيف ؟ الورع حسن، الورع قيمة راقية جداً، لكن في العلماء أحسن، أي ألزَمُ صفة للعالم أن يكون ورعاً، لأنك يمكن أن تنتفع من مهندس أو طبيب، أو عالم ذرة أو عالم فلك أو عالم رياضي، تنتفع به، ولا تلقي بالاً إلى سلوكه و انضباطه، تريد علمه فقط، لكن لا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن ينتفع بعالم الدين إلا إذا كان مطبقاً لما يقول، لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه "، كم شخصًا ؟ عامل مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه.
 الآن هناك حركة، فإذا ضيع العالم علمه، أي لم يستعمل علمه، لم يكن ورعاً، استنكف الجاهل أن يتعلم، ما الذي يزهد الناس في التدين ؟ أن يروا إنساناً متديناً، وليس مستقيماً، متديناً، أي يصلي، و يؤدي العبادات، أما بالتعامل فليس مستقيماً، مثل هذا الإنسان أنا أسميه منفراً، " قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره ".
 وهذا الذي يحصل، إذا بخل الغني بماله أنفق المال على ملذاته، وعلى أساليب حياته التي لا تعقل، يأتي الفقير فيعتنق الإلحاد من أجل أن يأكل ويشرب، يبيع الفقير آخرته بدنيا غيره، يتعاون مع الظالم، لأن المال قوام الحياة، إذا بخل الغني المسلم.
 صدقوا أيها الإخوة الكرام، حقيقة مرة، أن باحثة اجتماعية زارت السجون، والتقت بالذات بالمنحرفات، واللواتي حكم عليهن بالسجن، المفاجأة الخطيرة جداً أن الفتيات المنحرفات لسن فاسدات، لكنهن فقيرات، لذلك أغنياء كل البلدة سيحاسبون أمام الله حساباً عسيراً، لأنهم بخلوا بمالهم، فاضطر الفقير أن يبيع آخرته بدنيا غيره، واضطرت الفتاة أن ترتزق بثدييها، لذلك الورع حسن، لكن في العلماء أحسن، والحياء حسن، الحياء من أروع الصفات، لكن في النساء أحسن، لأن من علامات آخر الزمان أن ينزع الحياء من وجوه النساء، وأن تذهب النخوة من رؤوس الرجال.
 الفتاة لا تستحي، تبدي كل ما عندها من زينة، ولا تستحي، ولا تخجل، والفتاة قد تحد النظر في الرجل، وقد تقسو في الكلمات، وقد ترفع صوتها، ينزع الحياء من وجوه النساء، وتذهب النخوة من رؤوس الرجال.
 يمشي مع زوجته بثياب فاضحة، كل خطوط جسمها واضحة، ولا يستحي، أو يمشي مع ابنته، أو يسمح لزوجته أن تقف في الشرفة بثياب فاضحة، من هو الديوث ؟ الذي لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله.
 لعل قبول الفاحشة نسبتها قليلة جداً بين الرجال، أما الذي لا يغار على عرضه فالنسبة كبيرة جداً، والديوث لا يريح رائحة الجنة.
 إذاً لذلك الورع حسن، لكن في العلماء أحسن، الحياء حسن، لكن في النساء أحسن، التوبة حسنة، لكن في الشباب أحسن، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي.
 أيها الإخوة الكرام، جميل جداً أن ترتاد بيوت الله، لكن جميل جداً جداً أن تكون شاباً ترتاد بيوت الله.
 كنت مرة في مدينة إسلامية، في بلد إسلامي، صليت المغرب في مسجد، المفاجأة أن كل المصلين فوق الثمانين، عندنا في الشام ظاهرة رائعة جداً، أن رواد المساجد من الشباب، يعج المسجد بالشباب، وريح الجنة في الشباب، والتوبة حسنة، لكن في الشباب أحسن.
 شاب تائب، إذا كان من إنسان يُغبَط فهو شاب نشأ في طاعة الله، طبعاً إذا كان الإنسان متقدمًا في السن يرتاد بيت الله شيء جميل، بارك الله به، و كثّر من أمثاله، لكن الإنسان بعد مضي سبعين ثمانين سنة أمضاها في الجهل، وفي التفلت، الآن ليس أمامه إلا القبر، فاضطر أن يأتي إلى المسجد، فرق كبير بين أن يأتي للمسجد، وهو شاب في ريعان الشباب، و بين من يأتي إلى المسجد، و قد ذهبت عنه كل شهواته وغرائزه، ولم يبق أمامه إلا القبر، فاضطر أن يأتي إلى المسجد.
 فالبطولة بالشاب، بالمناسبة إخواننا الكرام، عندما الشاب يأتي إلى بيت الله مبكراً، ويشكل حياته تشكيلاً إسلامياً، يرتاح طوال حياته، اختار زوجة مؤمنة صالحة، اختار حرفة إسلامية صحيحة أو مشروعة، لا يوجد عنده مشكلة مع نفسه، لو أن إنسانًا تعرف إلى الله متأخراً يكون قد أهمل أهله، واختار حرفة لا ترضي الله، واختار زوجة لم تقنع بما قنع، هو في أواخر حياته.
 إذاً الورع حسن، لكن في العلماء أحسن، الحياء حسن، لكن في النساء أحسن، التوبة حسنة، لكن في الشباب أحسن، العدل حسن، لكن في الأمراء أحسن.
 وهذا يقودنا أيها الإخوة الكرام إلى موضوع دقيق، أن هناك عبادة الهوية، أنت من ؟ أنت قوي، العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت غني، العبادة الأولى إنفاق المال، أنت عالم، العبادة الأولى إلقاء العلم، هذه عبادة الهوية، أي لا يقبل من الإنسان الغني جداً يذكر الله باليوم خمسة آلاف مرة، ولا يؤدي حق المال، إنسان له مع إنسان مليون ليرة، وبالغ في المماطلة، وفي الكذب، وفي التأجيل، وفي التسويف، الذي وضع معه هذا المبلغ فقير، فاضطر أن يتصل به مرة يوم الجمعة ليطالبه بالمبلغ الذي له عنده، فقال له بطريقة لا تحتمل: كيف تتصل بي في يوم الجمعة، وهو يوم خلوتي مع الله ؟ أنا كان تعليقي، سامحوني قلت له: قل له: تضرب أنت والخلوة التي لك، اذهب، وأدِّ المليون ليرة أولاً، بعد ذلك نسمي لك خلوة مع الله، ما هذه الزعبرة ؟ قال له: كيف تتصل بي في يوم الجمعة، وهو يوم خلوتي مع الله ؟ وأنت آكل عليه مليون ليرة، وهو في أمسّ الحاجة لها.
 فلذلك عبادة الهوية إن كنت غنياً إنفاق المال، لذلك مطل الغني يحل عرضه، لك أن تتكلم عنه، ولا شيء عليه، معه ولا يعطيك.
 الآن، و الصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، لا يوجد أجمل من فقير متجمل، فقير صابر، لا يتضعضع أمام غني، متجمل، تحسبه غنياً من التعفف:

 

﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 273]

  لذلك كان السلف الصالح يبحثون هم عن الفقير، وأقول لكم كلاماً دقيقاً جداً: لأن الله عز وجل في القرآن الكريم بيّن أن هذه الصدقات لمن تحسبه غنياً من التعفف:

 

﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 273]

  هو لن يسألك، و لن يتضعضع أمامك، و لن يطلب منك، إذاً عليك أن تبحث أنت عنه، صار هناك واجب حتمي استنباطي من قوله تعالى:

 

﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 273]

  إذاً ينبغي أن تبحث أنت عنه.
 وهناك معنى آخر:

 

﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾

 

[ سورة الذاريات: الآية 19]

  من هو السائل ؟ الذي يقتحم عليك، من هو المحروم ؟ الذي يستحي أن يسألك.
 لذلك ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير، ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، و قطعت أسباب السماء بين يديه.

اجعل لربك كل عزك        يستـقر و يثبـــت
فإذا اعتززت بـمن          يموت فإن عزك ميت

 من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، كن متماسكاً الله الغني، الله لا ينسى أحداً من فضله.
 و الله مرة زارني إنسان، ضيفته قطعة حلوى، أمسك القطعة، وأكل أول قطعة منها، و قال: سبحان من رزقنا هذا، ولا ينسى من فضله أحداً !!
 إذا أنت تجملت، و لم تلح، و لم تسأل، و لم تقتحم على الناس، و لم يكن ظلك ثقيلاً عليهم، هل الله ينساك ؟ ولا ينسى من فضله أحدا.
 لا ينساك، لك عنده رزق، اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير، والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن.
 أيها الإخوة الكرام، ورد في بعض الكتب، ليس حديثاً، أنا أسميه من الأثر، أن أحب ثلاثاً، و حبي لثلاث أشد، أحب الطائعين، و حبي للشاب الطائع أشد، شاب في مقتبل الحياة كالمرجل طاقة، و حيوية، و غرائز، و شهوات، و آمالا، كل هذه الطاقة، و كل تلك الشهوات ضبطها وفق منهج الله، أنا في الحج رأيت رجلاً أيقنت أنه من أوربا من هيئته و لونه، فإذا هو من ألمانيا الغربية، يمشي مع من أعرفه، سألته عنه، قال لي: هذا إنسان ألماني غربي سكن عنده طالب سوري، وعنده فتاة جميلة، اشتهى هذا الأب أن يلمح هذا الطالب مرة واحدة ينظر إلى ابنته، دهش، فحاوره وأقنعه بالإسلام فأسلم، هذا الطالب ما تكلم و لا كلمة، إلا أنه غض بصره عن محارم الله، أكبر عالم رياضيات ملحد بسان فرانسيسكو كان يقول له أستاذه في الجامعة: اخرج من القاعة، ولك علامة تامة، لأنه كان يربك أستاذه من شدة تفوقه، ويوم كان طالباً في التعليم الثانوي انتقد أستاذ الديانة في أمريكا طبعاً فطرده أبوه من البيت فاعتنق الإلحاد، وصار علماً من أعلام الإلحاد هناك، فكان أستاذه الذي علمه يستعين به في بعض القضايا في الرياضيات عنده طالبة من الشرق الأوسط محجبة حجاباً كاملاً، و الوقت صيف، و الفتيات في أمريكا شبه عرايا، فأرسلها إلى هذا الأستاذ الملحد كي يجيبها عن بعض الأسئلة، هذا الملحد نظر إليها ظاهرة غريبة، الفتيات عرايا في الصيف، ما بال هذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً، و الحجاب عبء على الفتاة، و لا سيما في الصيف ؟ لكن عبادتها تلك أنا أسميها عبادة إحصان، عبادة إعفاف الشباب، كيف نحن عندنا عبادة اسمها الجهاد ؟ والجهاد ذروة سنام الإسلام، الفتاة لها عبادة خاصة بها، و لو أن فيها بعض العبء، لكن هذه العبادة أقصر طريق إلى الجنة، أنا أسميها عبادة إعفاف الشباب، حينما تستر مفاتنها عن الشباب، و تريحهم قليلاً تكون قد أدت أجمل ما خصها الله به من مفاتن.
 فهذه الفتاة محجبة حجاباً كاملاً، هو يحتقر الشرق الأوسط، وجد فتاة شرق أوسطية في أيام الصيف محجبة حجاباً تاماً، يقول في كتابه: و الله ما تجرأت أن أحدق في وجهها، و رغبت أن أخدمها بكل حاجتها، وشعرت أنها إنسانة قديسة، و تتمتع بقناعات تنفرد بها.
 ماذا فعل هذا الملحد ؟ عكف في اليوم نفسه على قراءة القرآن، إلى أن وصل إلى قوله تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾

[ سورة يونس: الآية 92]

 قال: هذا غلط، واتصل بصديقه موريس بوكاي في فرنسا، وقال له: تفضل، تقول: إن الكتب المقدسة لا يوجد بها أخطاء، هذا القرآن، قال له: هذا فرعون الذي ذكره الله عز وجل أنا رممت جثته بنفسي موجود حتى الآن، وآثار الملح في فمه، وكل الدلائل تؤكد أنه مات غرقاً.
 الآن جفري لنك، هذا الأستاذ الملحد، أكبر داعية في أمريكا إسلامي، هذه الفتاة لم تنطق بكلمة، لكن حجابها دعوة.
 أنا أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام، حجاب الفتاة دعوة، صدقك دعوة، أمانتك دعوة، عفتك دعوة، لطفك دعوة، إنصافك دعوة، عدلك دعوة، المؤمن أكبر داعية دون أن يشعر، صادق، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، لا يتورط:

 

﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 23]

  لذلك أحب الطائعين، و حبي للشاب الطائع أشد، فرق كبير، زعيم قريش أبو سفيان فيما تروي بعض الروايات أنه وقف بباب عمر ساعات، ولم يؤذن له، و هذا زعيم قريش أكبر شخصية في قريش، الذي آلمه أن صهيباً وبلالاً يدخلان، و يخرجان بلا استئذان، فلم دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين، زعيم قريش يقف في بابك ساعات طوالاً، وبلال وصهيب يدخلان بلا استئذان، فقال له كلمتان، قال له: أنت مثلهما ؟
 فلذلك شاب نشأ في طاعة الله، و قال بعض علماء القلوب: " من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة ".
 أحب الطائعين، و حبي للشاب الطائع أشد، أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، المؤمن الفقير زرته، عنده أربع برتقالات، يضعها في صحن، تفضل، يدعوك إلى الطعام الذي عنده، المؤمن لا يبخل بماله أبداً، والله يوجد إخوة كرام دخله لا يكفيه أسبوعين، له صديق أخ في الله فَقَدَ عمله، أعطاه نصف ما عنده، أعرف و الله إخوة إذا زاروا أخاً لهم، وعلموا أنه لا يملك شيئاً من المال إن ذهب ليأتي بالماء وضعوا في جيبه المال دون أن يشعر، لأنه عفيف جداً.
 وأحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، حدثني أخ عمل لي ورقة الأسبوع الماضي أن طفلاً في الجامع معه مئة ليرة، يبدو من مقتنياته سمع عن صندوق العافية فصرفها، ودفع خمسين ليرة، هذه الخمسون يمكن أن تسبق عشرة آلاف ليرة عند الله: هكذا قال عليه الصلاة و السلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ))

[النسائي]

 ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، متى تشعر بقيمة الإنفاق ؟ وأنت شاب، هذه الألف ليرة لها معنى، أما شخص معه احتشاء، ومعه جلطة، ومعه خمسون مرضًا، وهو بالفراش، الألف لا قيمة لها، المال كله لم يعد له قيمة، يجب أن تنفق وأنت صحيح شحيح، المال يفعل معك كل شيء، أحب الطائعين، و حبي للشاب الطائع أشد، أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، وأحب المتواضعين، و حبي للغني المتواضع أشد.
 و الله أيها الإخوة الكرام، يوجد أغنياء مؤمنون تشتهي الغنى من تواضعهم، ومن سخائهم، ومن حبهم للناس، ومن أعمالهم التي لا تعد ولا تحصى.
 أنا ـ والله ـ أعجب أشد العجب من إنسان معه وسائل أن يصل إلى أعلى مراتب الجنة، ويبخل، كل واشرب، واسكن في بيت، واقتنِ الحاجات الأساسية أنت وأهلك، وهذا الفائض الكبير يمكن أن تصل به إلى أعلى درجات الجنة، لكنك لا تفعل.
 معقول يا إخواننا من شخص أمضى حياته في العلم، أربعون سنة في طلب العلم، قال له: بمَ نلت هذا المقام ؟ سليمان بن عبد الملك قال لعطاء بن أبي رباح، فقال له: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي الذي قطعت له أربعين عاماً.
 يأتي إنسان غني بماله فقط يساوي العالم ؟ هكذا النبي قال، عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَ آنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَ آنَاءَ النَّهَارِ ))

[البخاري]

  كنت مرة في لبنان، رجل محسن كبير طبيب ترك مستشفيات ومصحات ودور عجزة ودور للمعاقين، ولبنان كلها تلهج باسمه، وتوفي، وتولت الأوقاف إدارة هذه المؤسسات الكبيرة، هذا الذي يبقى.
 فلذلك أيها الإخوة الكرام، وأحب المتواضعين، و حبي للغني المتواضع أشد، وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، و بغضي للشيخ العاصي أشد، أي مراهق في الستين، ليس من المعقول، تجد شخصاً سخيفاً يبالغ بالزينة، تزين، وتجمل، لكن يوجد وضع معقول، أما المبالغة بالزينة، وكأن الجنس إلهه يعبده من دون الله، وأبغض ثلاثاً، و بغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، و بغضي للشيخ العاصي أشد.

 

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ))

  وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، ما عنده شيء لا يتكلم معه، تجد شخصاً لا يملك علماً، و لا فهماً، و لا مالاً، و لا شيء، وهو متكبر، شيء لا يحتمل، قد يتكبر إنسان، و هو يتربع على ثروة كبيرة جداً، الأمر اختلط عنده، قد يتكبر الإنسان، وهو يحتل منصباً رفيعاً جداً، قد يتكبر الإنسان، و معه أعلى شهادة باختصاص نادر، نوعاً ما مقبول، أما لا علم، و لا فهم، و لا حكمة، و لا مال، و لا شيء، و مع ذلك متكبر.
 وأبغض المتكبرين، و بغضي للفقير المتكبر أشد، الآن، و أبغض البخلاء، و بغضي للغني البخيل أشد، غني يدفع المبالغ الطائلة دون أن يشعر.
 والله مرة رجل محسن كبير شفاه الله الآن مريض، أراد أن يبني مسجداً في منطقة لا يوجد بها مساجد، و كلف أحد إخواننا أن يشتري أرضاً، والأرض اشتراها مناسبة، مساحتها مناسبة، و شكلها مناسب، و اتجاهها مناسب، و جاء هذا المحسن الكبير ليرى الأرض ميدانياً، والسعر مناسب، قال له: ثلاثة ونصف مليون، فوقع شيك بمليونين، أعطاه لصاحب الأرض، صاحب الأرض آذن بالمدرسة، ورثها من شهر، عنده ثمانية أولاد، دخله أربعة آلاف، فقير جداً، لكن ورث هذه الأرض من شهر، فلعل الله ينفعه بثمنها، فقال له: ثلاثة ونصف، هذان مليونان اثنان، أين التتمة ؟ قال له: التتمة عند التنازل، قال له: ما التنازل ؟ قال له: هذه الأرض سوف يبنى عليها مسجد، فحينما تذهب إلى الأوقاف، و تكتب تنازلاً عندئذ نعطيك التتمة، قال له: مسجداً ! فأخذ الشيك، و مزقه، قال له: و الله أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتكون مسجداً، أنا أولى منك أن أقدمها لله عز وجل.
 يقول هذا الغني المحسن: و الله ما صغرت في حياتي أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الفقير، كيف أنه استحيا من الله أن يبيع أرضاً تكون في النهاية مسجداً ؟!
 والآن المسجد قائم، ومئذنته أعلى مئذنة في المنطقة.
 وأبغض ثلاثاً، و بغضي لثلاث أشد، أبغض البخلاء و بغضي للغني البخيل أشد.
 أيها الإخوة الكرام، طبعاً هذا الكلام مستوحى من هذا الحديث الصحيح:

 

(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ))

 عائل أي فقير.

تحميل النص

إخفاء الصور