وضع داكن
20-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 122 - إياكم و الظن فإنه كذب الحديث .......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم الحديث حديث في الصحاح أخرج الإمامان الجليلان البخاري ومسلم، والبخاري ومسلم كتاباهما يعدان من أصح الكتب بعد القرآن الكريم، وهذا الحديث الجامع المانع للعلاقات الاجتماعية.
وتعلمون أيها الإخوة، أنه كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ ))

[الترمذي]

  الذي يمزق الأمة فساد ذات البين، الذي يضعفها فساد ذات البين، الذي يهلكها في الدنيا والآخرة فساد ذات البين

(( فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ))

 إذا أردت أن يفرَّغ الإسلام من مضمونه، وأن يبقى شكلاً، أحياناً تجد علبة في الطريق تظنها شيئاً، فإذا هي علبة فارغة ترميها ثانيةً، إن أردت أن يفرغ الإسلام من مضمونه، وأن يغدو إطاراً لا معنى له إطلاقاً فلا تسعى لإصلاح ذات البين، لذلك قال تعالى:

 

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 1]

  ونحن كمؤمنين كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، من أبرز نقاط ضعف المسلمين في آخر أزمانهم أن الدين ضغط عندهم، واخترت كلمة ضغط، ولم أقل: كلمة مسخ إلى عبادات شعائرية، بينما الدين منهج قويم، ومنهج شمولي واسع، وأقول دائماً: يبدأ من غرفة النوم إلى العلاقات الدولية، والعبادات الشعائرية خمسة بنود من خمسمئة بند، أحد هذه البنود التي يغفلها المسلمون صلاح ذات البين، في الأسرة خصومات بين الزوجين، بين الإخوة، بين الأخوات، بين أزواج البنات، بين الأقارب، في الحي، في الشركة، في المؤسسة، في العيادة، دائماً هناك فساد ذات البين، والنبي قال:

(( فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ))

  الحديث أيها الإخوة الذي أخرجه البخاري ومسلم عن طريق الصحابي الجليل أبي هريرة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ))

[متفق عليه]

  هل تصدقون أن تسعة أعشار تصوراتنا عن الأطراف الأخرى غير صحيحة، ظن يتعلق بكلمة، يتعلق بتصرف لم يسأل عن تفسيره، يتعلق بتأخر، يتعلق بعدم ابتسامة، يتعلق بإهمال زيارة، ويبني عليه بناءً شامخاً، وهذا البناء لا أصل له، لا أتكلم من هواء، أتكلم على أرض صلبة، أنا عندي آلاف الأمثلة، هناك تمزق المجتمع الإسلامي، هناك تمزق على مستوى الأسر، على مستوى العمل، على مستوى القطاعات، على مستوى التعليم، على مستوى الصحة، تنافس، وعداء، وحقد، وحسد.
مرة ثانية:

(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ))

  ولكن أيها الإخوة، لا بد من شرح قضية يتوهم معظم الناس أنها في أصل فطرة الإنسان، وهي الحسد.
 الفقرة الأولى:

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ))

(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ))

  ماذا بقي من العلاقات الاجتماعية ؟ ماذا بقي من وسائل متانة العلاقات الاجتماعية ؟ لكن لابد من وقفة متأنين متعلقة بالعقيدة حول كلمة

(( وَلَا تَحَاسَدُوا ))

  من يتوهم أن الحسد من جبلة الإنسان فهو خاطئ، والحسد واقع، فما تفسيره ؟ أحياناً نشتري سكيناً، السكين أداة، لكنها حيادية، يمكن أن تستخدمها في تقطع الخضار والفواكه، ويمكن أن تستخدمها في جرح، إنسان أداة حيادية، هل السكين شريرة ؟ لا خيرة ؟ لا، أداة حيادية.
 كأس يمكن أن يملأ ماء زلالاً، أو شراباً طيباً، أو خمراً، الكأس حيادي، السكين حيادية، المركبة حيادية، يمكن أن تلبي بها حاجات المضطرين، أو أن تنقل أهلك إلى مكان جميل، ويمكن أن تتم بها الفاحشة، إذاً أي شيء أمامكم حيادي، لماذا ؟ لأنك مخير، ومادام الإنسان مخيراً فأي شيء حيادي، الشهوات التي أودعها الله فيك، الشهوة حيادية، أودع فيك حب المرأة، وهناك قناة نظيفة، الزواج، وهناك قناة قذرة، الزنا، أودع فيك حب المال، هناك قناة نظيفة، الكسب المشروع، هناك قناة غير نظيفة، الكسب غير المشروع، أودع فيك حب العلو، أن تكون شيئاً مذكوراً، يمكن أن يرفع الله ذكرك إذا طلبت العلم، أو إذا أحسنت إلى الخلق، ويمكن أن يرتكب الإنسان عملاً عنيفاً يهابه الناس، فالشرير يهابه الناس، بل شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره.
 إذاً الشهوات حيادية، الآن الحظوظ حيادية، ما الحظوظ ؟ الذكاء، يمكن بالذكاء أن تنقل الحق بأروع أسلوب، فتقنع الناس به، ويمكن بالذكاء أن تروج الباطل، فالذكاء حيادي، طلاقة اللسان حيادية، يمكن أن تستخدم بيانك لتوضيح الحق، ويمكن أن تستخدم بيانك لإقناع الناس بالباطل، فالبيان حيادي، والذكاء حيادي، ولك قلم سيال، أديب، يمكن أن تكتب شعراً يهز أعمق مشاعر المسلم، وقد يبكي قارئ هذا الديوان، ويمكن أن تكتب شعراً يحرك الشهوات السفلى في الإنسان باسم أدب واقعي، أو إباحي، أو أدب من أنواع كثيرة، الشهوات حيادية، والحظوظ حيادية، والأشياء حيادية، المال شيء، والبيت شيء، والمركبة شيء، والتجارة شيء، الأشياء حيادية، والشهوات حيادية، والحظوظ حيادية، لماذا ؟ لأنك مخير.
 هذا التقديم أيها الإخوة من أجل كلمة الحسد، أودع الله في الإنسان خصيصة، ومن خصائص الإنسان أنه يتمنى أن يكون كمن رآه كبيراً، فأنت إنسان لك دخل محدود، التقيت مع إنسان من أهل اليسار، أهل الغنى، تتمنى، أنت لم تتعلم علماً دينياً، التقيت مع إنسان علمه غزير، تتمنى أن تكون مثله، أنت لك شخصية تكونها، وفيك خصيصة أساسها أنك تتمنى شخصيةً كبيرة، عندك هذه الخصيصة، الآن لو تمنيت أن تكون ورعاً كفلان، تمنيت أن تكون مستقيماً كفلان، تمنيت أن تكون عالماً كفلان، تمنيت أن تكون قريباً من الله كفلان، هذه الخصيصة وظفتها في الخير، لو تمنيت أن تكون غنياً كفلان، وعندك امرأة متفلتة تتباهى بها كفلان، استخدمت هذه الخصيصة لغير ما صممت له، إذاً لأنك مخير فكل شيء حولك حيادي، الحظوظ كحظ المال والذكاء والعلم والبيان وطلاقة اللسان والوسامة حيادية، والشهوات حيادية، الشهوات سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، والأشياء حيادية، فإذا قال النبي الكريم:

(( وَلاَ تَحَاسَدُوا ))

 فليس الحسد أصلاً في العلاقات، أما الأصل أن تحسد كما قال عليه الصلاة والسلام، أي أن تغبط عالماً ينفق علمه آناء الليل وأطراف النهار، وأن تغبط غنياً ينفق ماله آناء الليل وأطراف النهار، والعوام تقريباً لهم كلمة قاسية، يقولون: الذي لا يغار حمار، فالغيرة من سمات النفس البشرية، لأنك إنسان تتمنى أن تكون كزيد، و كعبيد، أو كفلان أو كعلان.
 أيها الإخوة، هذا الحديث منهج، والله نحن في أمسّ الحاجة إليه، نحن في أمسّ الحاجة أن يكون تحت أعيننا كل يوم، بل كل ساعة، ضعه في مكان من البيت

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ))

 كم من طلاق تم على أساس ظن لا على أساس حقيقة، كم ؟ قبل أسابيع إنسان شك بابنته، أخذها إلى قابلة لتفحصها، فأومأت له أنها ليست بنتاً، فقتلها، ثم تبين أنها بنت، وأنها بريئة، أنا أقول لكم كلاماً يدمى له القلب: كم من طلاق بسبب ظن ؟ وكم من فصم شركة بسبب ظن ؟ وكم من أب طرد ابنه بسبب ظن ؟ وكم من شريك ترك شريكه بسبب ظن ؟ وكم من زوجة نكدت عيش زوجها بسبب ظن ؟ يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ))

 ابحث، دقق، تأكد، اطلب الدليل، لا تقبل بدليل غير كاف، هناك أدلة غير كافية، والله أنا من عادتي مثلاً طرقت الباب، ما فتح، قلت له: هو في البيت، قال: نعم، قلت: ما الدليل ؟ قال: سيارته، هذا دليل غير كاف، أراد أن يمشي هذا اليوم، قد تكون السيارة معطلة، لا تعدّ وجود سيارته أمام البيت دليلا كافيًا، إنه دليل غير كاف، عوّد نفسك ألاّ تتهم قبل الدليل الكافي، كان e لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما اعتذاره، طرقت الباب ما فتح، هو في البيت، معه واحدة مشكلة، دليل غير كاف، هذا ظن، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ))

 يقابل هذا الظن السيئ: إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تعمل عملاً له تفسيران، وقد علّمنا هذا سيد الخلق، وحبيب الحق، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ (( أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ !! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ))

 

[متفق عليه]

  عوّد نفسك، البيان يطرد الشيطان.
 حدثني أخ يعمل في التجارة، وفي سوق له حارس، واضطر إلى وثاق سندات كي تكون معه في سفره باكراً، فاضطر أن يأتي إلى محله التجاري الساعة الواحدة ليلاً، والحارس موجود، قال له: يا بني، أنا غداً سأسافر إلى الساحل الساعة السادسة، ولم يكن معي سندات، فجئت لآخذ السندات، البيان يطرد الشيطان، كما أن الذي يسيء الظن كاذب، كذلك الذي يفعل فعلاً يحتمل له عدة تفاسير أيضاً آثم، أنت سافرت، وحديث عهد بهذا البناء، والزوجة شابة، وقد أوصيتَ أخاها أن يتفقدها في غيبتك، الجار وجد شاباً يطرق باب جاره، وجاره غير موجود، وبقي عندها ساعة، وبعد يومين طرق الباب مرة ثانية، هذا التصرف قد يوقع الجار في شك أنها تزني في غياب زوجها، أما أنت فلو بلغت الجار القريب أنني مسافر، وكلفت أخ زوجتي أن يتفقدها في غيبتي فقد قطعت الشك باليقين.
 أيها الإخوة، رجاء، لا تقبل دليلاً غير كاف، ولا توقع أحداً في سوء الظن، من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن إلا نفسه، وقد تكون أنت في أعلى درجة من النقاء، أنت في محل تجاري لصديقك، ومعك خمسمئة ليرة، وأنت مضطر أن تجعلها خمس قطع من فئة المئة ليرة، وأنت جالس على مكتب صديقك، وصديقك منشغل في البيع، فتحت الدرج، ووضعت خمسمئة ليرة، وأخذت خمس قطع، وجدك تأخذ خمس قطع، لكن ما رأى أنك وضعت الخمسمئة، هذا خطأ كبير، اطلب منه أن يقلب لك هذه الخمسمئة إلى خمس قطع، وأنت في أعلى درجات النقاء والصفاء والورع، تتهم لذلك، لا تضع نفسك موضع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك، هذا القول للإمام علي رضي الله عنه.
 سآتيكم بمثل يوضح ذلك، معطف معلق في المسجد، وإنسان جالس في المسجد، واحد في نهاية المسجد رأى هذا الإنسان نظر، واطمأن، ثم مد يده إلى جيب هذا المعطف، وأخذ مبلغاً، ووضعه في جيبه، لو صورنا هذا المشهد فهو سارق، لو علمت أن هذا الإنسان هو الذي بنى المسجد، وقد كلف ثلاثين مليونا، وأن هذا المعطف معطفه، وأنه أراد أن يعطي سائلاً، فالتفت هكذا يبحث عنه، ثم مد يده إلى جيبه، وأخذ مئة ليرة، اختلف الوضع من سارق إلى محسن، فأنت وطن نفسك أنه يمكن أن يكون تفسيري خطأ، نحن نعيش في الوهم، نعيش في أوهام كبيرة جداً في العلاقات، أحياناً يسكت الإنسان، يسكت خجلاً، يقول لك: متمسح ما تكلم ولا كلمة، سوء ظن.
 أول حديث:

 

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ))

 بعلاقتك مع زوجتك، مع أولادك، مع شريك، بعملك، مع رؤسائك، مع مرؤوسينك، مع أي إنسان، إياك أن تتسرع في الحكم، لا تتسرع،

(( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا ))

  ما التحسس ؟ هو تتبع الأخبار الطيبة، تزوج، الحمد لله، كم المهر ؟ المهر ليس عيباً، إذا عقد إنسان عقده على فلانة إنسان وسمى المهر، المهر ليس عيباً، مليون إنسان ليس معقولا، دخل في تفاصيل إنسان لماذا مليون ؟ لا خمسمئة مقبوضة، أو غير مقبوضة، لماذا لم يقبّضهم ؟ كتب هذا في العقد، يريد أن يفهم كل شيء، يفهم أسباب كل شيء، ودوافع كل شيء، وأهداف كل شيء، وأكبر إنسان يزعج هو المتفرغ، هناك أشخاص بلا عمل.
 بالمناسبة أيها الإخوة، الناجحون في الحياة ليس عندهم وقت لهذه السفاسف كلها،

(( وَلَا تَجَسَّسُوا ))

 والله تعينت، مبارك، كم المعاش ؟ ليس لك علاقة بهذا الشيء، هو قبل بهذه الوظيفة، وعمل حساباته، إن قلت له: قليل، ماذا أنت مجنون ؟ قلت له: كثير، هل هناك محل آخر عندكم في الشركة ؟ يريد أن يفعل مشكلة، هذا كله بالتحسس، وليس بالتجسس،

(( وَلَا تَجَسَّسُوا ))

 قال تعالى:

 

﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 87]

  التحسس تتبع الأخبار الطيبة، أخبار ليست سيئة، كنت تمشي في الطريق، رأيت صديقك، أين ذاهب ؟ هو ذاهب ليتدين مبلغًا، لا يقول لك: أنا ذاهب لأتدين مبلغًا، لا تسأله، دعك خفيف الظل،

(( وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا ))

 الأخبار السيئة، فلانة لا تنجب، هل منها أم منه ؟ ليس لك علاقة بالموضوع، هما متفاهمان، ومتوافقان، وكل واحد راض بشريكه، وأنت ليس لك علاقة بالموضوع،

(( وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا ))

 لماذا طلقها ؟ أغلب الظن أنها تخونه، دخلت في تهمة، وقذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، لماذا الشركة فصمت ؟ أحدهم حرامي، فوراً، فمهما كنت دقيقاً، مهما كنت منضبطاً تسمع كلاماً مخيفاً،

(( وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، ولا تنافسوا ))

 كم باعك إياها ؟ الله يصلحك، أنا عندي أرخص، هذا التنافس القذر، كان السلف الصالح إذا استفتح، وجاء زبون آخر يقول له: أنا استفتحت، انظر جاري، لا تنافسوا، أو يكتم معلومات.
 حدثني أب عن ابن وضعه في محل لإصلاح المركبات مقابل أن يتعلم هذه المهنة، فصار يستخدمه استخدامًا لا علاقة له بالمهنة، اذهب أحضر الطعام، نظف، أما وقت فك المحرك فيقول له: دعك الخارج، الأفق الضيق، والنظرة المادية، والبعد عن الله، والشرك الخفي غير المعلن يحمل الإنسان على هذه الأفعال، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا.
 أيها الإخوة الكرام، الحسد ثلاثة مستويات، هناك مستوى أنك تتمنى فقط أن تتحول النعمة التي عند أخيك إليك فقط، ما تكلمت ولا كلمة، لكن تتمنى أن يفتقر، وأن تغنى، أن يزاح من هذا المنصب، وأن تكون مكانه هذا مستوى، المستوى الأسوأ أن تتمنى أن تحول النعمة عنه دون أن تأتي إليك تحب الضرر، الثالثة جريمة أن تكتب تقريرًا من أجل أن تصيبه بمصيبة كبيرة، الأولى تمنٍّ، تمنٍّ مع مصلحة، أما الثانية فشرّ للشر، أما الثالثة فجريمة، هذه مستويات الحسد، وأنا أؤكد لكم، وصدقوا ما أقول: لا تكون مؤمناً ـ والله ـ إلا إذا فرحت بنعمة أصابت أخاك، تفرح من أعماقك، نال شهادة عليا، تزوج، اشترى بيتاً، تسلم منصباً رفيعاً، إن لم تفرح لأخيك بنعمة أصابته فلست مؤمناً، والدليل قال تعالى:

 

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 50]

  هذا شأن المنافقين، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 120]

  أنت لمجرد أن تنزعج من خير أصاب أخاك فأنت في خندق المنافقين، لا تجامل حالك أبداً، لا تحابِ نفسك أبداً، كن صريحاً، وكن واقعياً، حينما تنزعج لخير أصاب أخاك فأنت في خندق المنافقين، وحينما تفرح فرحاً لا حدود له لخير أصاب أخاك فأنت في خندق المؤمنين،

(( ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ))

 هنا ملمح، البغض ليس بيدك، البغض شعور لا إرادي، والحقيقة أن المعنى: لا تعمل عملاً يستوجب أن يبغضك الناس، دخلت، ما سلمت، تكلم أخوك استهزأت.
 كنا مرة في جامعة في درس، يبدو أن طالبة بأول صف سألت سؤالاً، فالمدرس تهكم عليها تهكماً لاذعاً، وأنا أقول لكم: أي مدرس يتهكم على السائل يلغي السؤال كلياً في العام الدراسي كله، يخاف الطالب، أي مدرس رحيم يحترم أي سؤال مهما كان سخيفاً، هذه سألت سؤالا فتهكم عليها المدرس تهكماً لاذعاً، وهي صحتها زيادة، قالت له: يا دكتور، ألم يقل النبي: رفقاً بالقوارير ؟ قال: صحيح، ولم يقل: رفقاً بالبراميل، حطمها.
 يا أيها الإخوة هناك طرف كأنك ذبحته، وتحدث حقداً،

(( ولا تباغضوا ))

 لا تقل كلمة فيها استهزاء، فيها ازدراء، فيها تهكم، فيها تصغير، فيها تحقير، أنت عندئذ لست مؤمناً، أنت حينما تحترم جميع الناس، وأنا أقول والله كلمة، لا أفتأ أرددها: والله أيها الإخوة لا يجوز أن تضيف على كلمة مؤمن ولا كلمة، مؤمن فقير، والله لولا أن تعجبوا فقد تشتهي الفقر من مؤمن فقير، أولاً عزيز النفس، متجمل، لا يتشكى أبداً، وقد تشتهي الغنى من مؤمن غني، سخي، متواضع، وقد تشتهي أن تكون من أبناء الريف بسبب الصفاء و الوفاء والكرم، لا يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، هل تصدقون ماذا قال سيدنا علي ؟ قال: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستخدم علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع دينه بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره "، فالفقير له شأن، أحد أركان الدنيا، والجاهل الذي يتمنى التعلم، أحد أركان الدنيا.

 

(( وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا ))

 أي لا تتكلم كلمة فيها استهزاء، أو سخرية، أو استعلاء أو طعن، أو تشكيك، أو سوء ظن.

 

 

(( ولا تدابروا ))

 أي تدير وجهك عنه، ألاّ تسلم عليه، أن تقاطعه،

 

(( وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ))

 كما أمركم، المسلم أخو المسلم، دققوا

(( لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه، وعرضه، وماله ))

  سيدنا الصديق له خدمة يؤديها لجارته العجوز، وهي حلب شياهها، فلما تولى منصب الخلافة غلب على ظن جارته أن هذه الخدمة قد توقفت، فتألمت، في صبيحة اليوم الأول الذي تولى فيه الخلافة طرق باب العجوز، قالت لابنتها: افتحي الباب يا بنيتي، فلما فتحت الباب قالت: جاء حالب الشاة يا أماه،

(( لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره ))

ليس معقولا، خليفة المسلمين يحلب شياه جارته، المسلم أخو المسلم، صدقوا أيها الإخوة لو كنت مديرًا عامًّا، وزيرًا، عندك حاجب، والحاجب مؤمن، إذا كنت مؤمناً فلا ترى لك عليه أي فضل، مؤمن، ويعرف الله، ويعبد الله، ويخاف من الله، وله الجنة، لكن ظروف الحياة أنت أصبحت مديرًا عامًّا، وهو كان حاجبًا عندك، ما درس، علامة إيمانك ألاّ تزدري مخلوقاً، عندما عاتب الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن أم مكتوم زاره مرة ثانية، فقام له، و هش له، و بش، و مدّ له رداءه، و قال: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي، واللهم صل عليه الله عز وجل عتب له لا عليه، عتب له، لأنه حمّل نفسه ما لا يطيق، فالله عز وجل لفت نظره أن هذا الذي تعنى به ليس أهلاً لهذه العناية، اعتن بهذا فقط.

(( ويشير إلى صدره التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ))

 ترتكب شراً كبيراً دون أن تشعر، بالعقل الباطن تلتقي بإنسان، أنت لك دخل غير محدود، تلتقي بإنسان، أين مكانك ؟ والله عندي وظيفة، ما يعطيك ؟ المعاش لا يكفيك، هل أنت مجنون، أنت أكرمك الله عز وجل، لكن الثاني لحكمة أرادها الله جعل له هذا الدخل، هو راض عن دخله، هذا نوع من الاستعلاء.
 فأحياناً يزهو إنسان ببيته، يزهو بأناقته، يزهو بمركبته، يزهو بدخله، والآخرون قد تكون ـ دققوا ـ قلامة أظفارهم أفضل من مليون إنسان شرد عن الله عز وجل.
 أما يوجد في حياتنا كلمات جديدة اسمها خطوط حمراء ؟ كل إنسان بعمل عنده خط أحمر، لا يتجاوزه، وإلا يدمر، خطوط حمراء، المؤمن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ))

[ مسلم، ابن ماجه ]

  المال معروف:

 

﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 188]

 و الدم معروف:

 

﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 84]

  العرض معظم الناس يتوهمون العرض أن تتهم المرأة بشرفها، الحقيقة العرض سمعة الإنسان، ذكراً كان أم أنثى.
 أنت إذا شوهت سمعة إنسان من دون تحقيق، من دون تدقيق، من حاجة، اتهمته بالسرقة، هو بريء، أو اتهمته بالتقصير، هو بريء، إنك اعتديت على عرضه، و لو كان رجلاً، العرض يستوي فيه الرجل مع الأنثى، والعرض موضع المدح، والذم في الإنسان، نحن نتوهم أن العرض خاص للنساء، وخاص بالقضايا الجنسية، لا، لو اتهمت إنساناً بالتقصير فأنت اعتديت على عرضه، الخطوط الحمراء الثلاثة:

(( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ))

  هذا الحديث يا إخوان جامع مانع، والله لو طبقناه في حياتنا لا يوجد مشكلة أسرية، ولا يوجد مشكلة اجتماعية، ولا يوجد مشكلة بالعمل، لكن سبحان الله ! كيف بقي الإسلام عبادات شعائرية، وهذه العبادات التعاملية الراقية ضعفت عند الناس، جالس يتكلم مرتاحًا.

تحميل النص

إخفاء الصور