وضع داكن
26-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 067 - وجاهدهم به جهاداً كبيرا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام:
 شكوى يشتكيها أكثر المؤمنين، يقول لك هذا المؤمن إنني في أول انطلاقتي إلى الله عز وجل كانت لي أحوال لا توصف، ثم إن هذه الأحوال بدأت تتناقص حتى أصبحت أنكر قلبي، فما سبب ذلك ؟
 الحقيقة لهذه المشكلة ملابسات كثيرة، أول شيء يقال في مستوى هذه المشكلة، أن الإنسان حينما يتوب إلى الله عز وجل ينتقل نقلة نوعية من التفلت إلى الانضباط، من الإساءة إلى الإحسان، من عدم التقيد إلى التقيد، من الغفلة إلى الصحوة، من الانقطاع عن الله إلى الاتصال بالله فهذه النقلة النوعية تورثه سعادة كبيرة جداً لكنه بعد أن ألفها وداوم عليها هيَ هي ولكن إحساسه بها يضعف.
 إنسان في مكان بارد جداً يعاني من أشد حالات البرد دخل إلى غرفة باردة خلال الدقائق الأولى شعر بسعادة لا توصف، ولكن بعد ربع ساعة أو بعد نصف ساعة ألف الدفء وأصبح شيئاً عادياً، من أجل أن يتأكد أنه في غرفة دافئة لو خرج إلى خارج الغرفة لرأى برداً قارصاً.
 فلذلك أول جواب لهذه المشكلة، الإنسان في البدايات ينتقل نقلة نوعية وحادة من الشقاء إلى السعادة، بعد أن يألف هذه السعادة إحساسه بها يضعف وهي موجودة، لو أن إنساناً يسكن في بيت صغير جداً ثم انتقل إلى بيت كبير، الأيام الأولى إحساسه باتساع البيت لا يوصف، ولكن بعد حين يألف هذا الاتساع أو إحساسه باتساع البيت يضعف، لأن البيت ما صغر بقي كبيراً، ولو أنه عاد إلى بيت صغير لعاش حياةً لا تطاق، هذا تطمين، الإنسان في البدايات بكاء، أحواله متأججة، بعد أن يألف طريق الإيمان يخف بكاؤه ويضعف إحساسه بأحواله، هذه أول نقطة.
 لكن يوجد نقطة ثانية يجب أن أضعها بين أيديكم، الإنسان أحياناً يضعف عمله الصالح، فإذا ضعف عمله الصالح فترت صلته بالله عز وجل، وأقوى دليل على هذه الحالة، قال تعالى:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)﴾

( سورة الكهف )

  يعني الله عز وجل هو الخالق، هو العظيم، ليس هناك حواجز بينك وبينه، إلا المعاصي فإن ألغيت المعاصي صار الطريق إلى الله سالكاً بقي عليك أن تقدم شيئاً، أن تقدم تضحيةً، أن تقدم مالاً، أن تقدم خبرةً، أن تقدم خدمةً من أجل أن ترقى إلى الله، لذلك تجد في مسجد أخوةً كثيرين المتألقون منهم هم الذين انطلقوا إلى أعمال صالحة خالصة لله عز وجل، فكل إنسان له عمل صالح خالص تراه متألقاً أيما تألق، منطلقاً أيما انطلاقة، من أعلى مستويات الأعمال الصالحة أن يرزقك الله عز وجل هداية إنسان، هذا الحديث الذي قاله النبي لسيدنا علي كرم الله وجهه يجب أن لا يغيب عنكم إطلاقاً:

 

((فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ))

 

( البخاري ـ مسلم ـ أحمد )

  أحدنا ألا يطمح أن يكون محسوباً على هذا الحديث، والله أيها الأخوة لولا أن هذا الأمر وهذا التكليف بين أيدي المؤمنين لما كلفنا الله به، ورد في بعض الأحاديث:

 

((من مات ولم يحدث نفسه بالجهاد مات ميتة جاهلية، ويوجد رواية مات على غير ملة الإسلام))

  ما هو الجهاد المتاح الآن للمسلمين ؟
 قال تعالى:

 

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان )

  هذا جهاد متاح، حضوركم في هذا المجلس من أجل طلب العلم وأنا حينما أوفق إلى نقل بعض ما في القرآن والسنة هذا أيضاً تعليم فالجهاد المتاح، وجاهدهم به جهاداً كبيرا، هذا جهاد متاح، فلما الإنسان يفكر أن لي صديق، جار، ابن عم، أخ، صاحب، ويجد مودة، حب، قرابة، لقاءات، لما لا أجعل من هذا الصاحب زاداً لي إلى الآخرة ؟ لما لا أجلس معه جلسة إيمان لا جلسة دنيا ؟ لما لا أنقل إليه بعض ما سمعت منه من دروس العلم؟ لما لا أعتني به ؟ لما لا ألبي بعض حاجاته ؟ لما لا أتفقده ؟ لما لا أحسن إليه ؟ لما لا أقدم إليه هديةً أستميل قلبه إليها ؟ لما الإنسان ينطلق إلى هذا عندئذ ربنا سبحانه وتعالى يجري على يديه الخير.
 الحديث الشريف الصحيح الذي رواه أبو هريرة:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا))

 

( مسلم ـ الترمذي ـ أبي داود ـ أحمد )

  أنت ممكن فرضاً هذا شيء محرم، أن تودع مبلغاً في مصرف وأن تتقاضى عليه أعلى فائدة لا سمح الله ولا قدر ـ ولكن الفكرة افتراضية ـ لكن ممكن تنصح إنسان بإيداع أمواله في هذا المصرف والمصرف يعطيك مثل ما يعطيهم ليس معقول، لكنك مع الله هكذا يحصل إن مكنك الله من هداية إنسان، هداية حقيقية تبدأ بإقناعه وتنتهي بطلبه للعلم، وتستمر في العمل الصالح إذا مكنك الله من هداية إنسان كما ينبغي فكل أعماله الصالحة مثلها لك.

 

((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ))

 ولا سمح الله ولا قدر:

 

 

((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا))

  أنا لا أنسى مرة دعينا إلى افتتاح مسجد في الصبورة، الذي أشاد هذا المسجد رأيت فيه حيوية، وانطلاقاً، وشعوراً بالتفوق لا يوصف استقبلنا واحداً واحِداً، وأطعمنا، ثم ألقيت كلمات كثيرة تشيد بهذا العمل الجليل، ثم انتهى الحفل وانصرفنا، خرجت من الشارع الفرعي الذي أشيد به المسجد فإذا أمامي ملهى على الطرف الثاني الذي أشاده لم يدع منكراً إلا واستقدمه إلى هذا الملهى، والمنكرات غير مألوفة في بلدنا، وبعد أن افتتح بأسبوع وافته المنية ـ يعني فطس ـ طبعاً هذا الذي يليق به، هذا كل من صلى في هذا المسجد في صحيفته، كل فرض أدي في هذا المسجد في صحيفته، كل درس ألقي في هذا المسجد في صحيفته، كل خطبة ألقيت فيه في صحيفته، كل من انعقدت توبته في هذا المسجد في صحيفته والطرف الآخر كل من اقترف معصيةً في صحيفة من أشاد هذا الملهى، هذا حديث دقيق:

 

 

(( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا))

  في درس الطاووسية في الظهر جاء رجل من بلد بعيد في طرف الدنيا الآخر قال لي: جئت من عند أخي لتوي، أخوه له عمل بالأفلام والمونتاج وما إلى ذلك، الأفلام بعضه إباحي، وبعضه عمل بعيد جداً، قال: سمع شريط عن أسماء الله الحسنى وعد آية هي قول الله تعالى:
 إن بطش ربك لشديد، استمع إلى هذا الشريط أكثر من خمسين مرة وكان هذا الشريط سبب توبته، وسبب التزامه، وسبب صلاته وسبب قيامه، وسبب طاعته، وسبب إقباله، وسبب طاعته، فأنت حينما تلقي كلمة الحق لا تدري إلى أين تطير هذه الكلمة ولا تدري من يسمع هذه الكلمة، ولا تدري من يتأثر بهذه الكلمة، وقال تعالى:

 

 

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾

 

(سورة إبراهيم)

 أيها الأخوة:
 أنا أفرح كثيراً عندما أجد أخوة كرام يسعون لنشر الحق، في بيتهم عند أولادهم، عند زوجتهم، عند أقربائهم، عند جيرانهم، عند زملائهم في العمل، أما هذا الذي لا يفكر إطلاقاً في نشر الحق ولا بالدعوة إلى الله، ولا بنقل ما تعلمه، ولا بتنفيذ قول النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً))

  هذا الذي لا يفعل هذا إطلاقاً ولا يحدث نفسه أن يفعل هذا هذا يموت ميتةً جاهليه أو يموت على غير ملة الإسلام، لأن الجهاد كما قلت قبل قليل ذروة سنام الإسلام، ولأن الجهاد المتاح الآن جهاد القرآن الكريم، قال تعالى:

 

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان)

  وجهاد النفس والهوى، لك أن تجاهد نفسك وهواك ولك أن تتعلم هذا الكتاب وأن تعلمه، حديث آخر:

 

((عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))
(مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة ـ أحمد ـ الدارمي)

  أنا ذكرت لكم من قبل، مرة حضرت عقد قران الشيء الذي يلفت النظر أن الدعوة وصلتني أما العادة يقدمون شيء كتاب، قطعة ما وصل شيء، خطيب الحفل قال: إن الداعي إلى هذا الحفل قد رصد قيمة الهدية لتزويج شباب المسلمين، مبلغ قريب من مليون ليرة فهذا مودع في أيدي أمينة، وسوف تتولى هذه الجهة إنفاقها على تزويج الشباب، هذه سنة حسنة، يعني ماذا يصنع صحن في بيتي الصحون كلها متفاوتة غير متناسبة، لا يوجد مكان لهذه الصحون وهذه القطع، لكن إذا زوجت شاباً أو شابين بقيمة هذه الهدية هذه سنة حسنة.

 

 

((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ))

  يوجد سنة أخرى أن نوزع كتاب قيم، طبعاً أنا لي على توزيع المصاحف ملاحظة، ما من بيت مسلم إلا وفيه مئــات المصاحف أمـا إذا وزعت كتاب فقه، كتاب حديث، كتاب سيرة مثلاً ممكن تتشكل مكتبة إسلامية متواضعة في بيوتنا، وإذا عندك كتاب وجاءك كتاب مشابه له قدمه هديةً لمن ليس عنده هذا الكتاب، العبرة أن الإنسان يفكر، المسلم إذا فكر وبحث عن عمل صالح ارتقى.
 البارحة أحد أخوانا أجرى عملية كل الأخوان زاروه وقدموا له الهدايا، أنا شعرت بسعادة لا توصف، المؤمنون هكذا يد واحدة قلب واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

 

 

(( ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ))

 يوجد آلاف العادات السيئة، الأعراس، التصوير بالأعراس الاختلاط، هذا التبذل، هذه الألبسة الفاضحة، هذه كلها تقليد.

 

 

((وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ))

 أيها الأخوة الكرام:
 جواباً عن سؤال طرحته في أول الدرس لماذا يشعر بعض الأخوة المؤمنين بفتور في قلبهم مع أنهم مستقيمون ؟ الشعور بأن الاستقامة أزالت من أمامك كل العقبات التي تقف بينك وبين الله، ولكن العمل الصالح هو الذي ينقلك إلى الله عز وجل، هو الذي يجعلك على صلة محكمة بالله عز وجل فلذلك لابد من أن نفكر جدياً في عمل صالح، وفي قمة الأعمال الصالحة أن تأخذ بيد أخ لك إلى الله ورسوله، يحتاج هذا إلى جهد، إلى زيارة، إلى تفقد، إلى تقديم هدية أحياناً، إلى معاونة، يحتاج إلى إقناع، إلى متابعة، هذه الجهود إذا تتابعت ووصلت إلى درجة النضج آتت أكلها وشعرت وأنت قرير العين أن هذا الذي مكنك الله من هدايته هو في صحيفتك إلى يوم القيامة، يعني تصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعاً المليار ومائتين مليون في صحيفته أينما ذهبت، في بعض البلاد الإسلامية في مدينة واحدة ثلاثة آلاف مسجد في مدينة واحدة، كل هذه المساجد يذكر فيها اسم الله عز وجل وتؤدى فيها الصلوات وتلقى فيها الدروس من الذي سبب كل هذا الهدى ؟ تذهب من الشرق إلى أطراف الباكستان، ثم إلى المغرب، ثم إلى الشمال، ثم إلى الجنوب هذا عمل ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:

 

 

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))

 

(مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ أحمد)

 ما معنى قول الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)﴾

 

(سورة النحل )

  أمة، يعني أنت بقلب كم إنسان ؟ الإنسان إذا دعا إلى الله صار بقلوب المئات، بل بقلوب الألوف، بل صار كل من انتفع بدعوته يكن له وداً كبيراً هذا الشيء واقع، لذلك حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
 أنا أقترح عليكم تطبيقاً لهذا الدرس، أو الصيغة العملية لهذا الدرس، أو الحكمة من هذا الدرس، أولاً إن حضرت درس تفسير أو حديث أو فقه، أو درس أسماء الله الحسنى، لابد من أن تأخذ منه الاستماع وحده دون مراجعة لا يجدي، ماذا قيل في هذا الدرس ؟ ما الحديث الذي شرح في هذا الدرس ؟ ما الآية التي شرحت في هذا الدرس ؟ القصة، الحكم، إشارة إليها، إشارة إلى الأفكار الأساسية وطن نفسك طول هذا الأسبوع تتحدث بهذه الموضوعات، على الطعام في زيارة، في عيادة مريض، في سهرة، في وليمة، في سفر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

((عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً))

 

( البخاري ـ الترمذي ـ أحمد ـ الدارمي )

  أنت اختر من الذي سمعته شيئاً تفاعلت معه واجعله محور الحديث طوال الأسبوع، ماذا قال سيدنا علي ؟ قال: يا بني العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.
 أنا حدثت كثيراً عن موضوع الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله ينبغي أن تفتح القلوب قبل أن تفتح الآذان، ينبغي أن تكون أنت قدوةً لمن تدعوه لأن القدوة قبل الدعوة، ينبغي أن تحسن إليه قبل أن تبين له، لأن الإحسان قبل البيان، ينبغي أن تبدأ بالأصول لا أن تبدأ بالفروع، فالأصول قبل الفروع، ينبغي أن تنتقل معه بالتدريج لا بالطفرة، فأسلوب الله عز وجل في تحريم الخمر معروف، أسلوب تدريجي، ترى أول ما علمه من الدين التطهير، أيام في بعض البلاد الذي فيها أجانب أول شيء يلزمه به أن يتطهر ـ الختان ـ رجل طويل عريض أمهلنا في الختان قليلاً اصطبر قليلاً، يوجد أشياء يضعونها عقبة، الله عز وجل الخمر حرمها بالتدريج، أو يلاحظ صورة في البيت فيقول له حرام، أو يجد عصفور مثلاً، يترك أساسيات الدين ويأتي إلى بعض التفاصيل، والبيت غير ملتزم وغير منضبط والعقيدة زائغة، والسلوك متفلت، يجب أن تبدأ بالأصول قبل الفروع كما قلت القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول قبل الفروع، والترغيب لا الترهيب، يعني نبدأ بالعذاب وجهنم والحنش الأقرع، هذا خاف، تكلم عن الجنة وما فيها من خيرات حسان، في الدنيا تكلم عن توفيق الله وحفظ الله، وتأييد الله ومعونة الله، الترغيب قبل الترهيب، الأصول قبل الفروع الإحسان قبل البيان، القدوة قبل الدعوة، التربية لا التعرية ليس القصد أنا أفضح الناس وأعنفهم، وأصغرهم أمامي لأني أنا داعية لا، القصد أن آخذ بيدهم وأربيهم.
 هل يوجد إنسان لا يوجد إنسان حوله ؟ له زوجة، أولاد، أقرباء جيران، أصحاب، زملاء بالعمل، له أخوات، أخوة، فنحن نريد أن نترجم هذا الدرس إلى عمل، اجمع حولك من يلوذ بك من أقرب الناس إليك واجعل لهم جلسة أسبوعية في الدين، الحقيقة شيء يدعو إلى التألق أنا سوف ألقي درس اليوم، ماذا أقول، السماع سهل جداً.
 أنا مرة كنت في العمرة يوم جمعة شيء جميل، الإنسان يرتدي أجمل ثياب ويأتي إلى المسجد مرتاح لا يوجد عنده مشكلة، أما المتكلم شيء والمستمع شيء آخر، فأنت طول عمرك تستمع حاول أن تتكلم، تلقي درس، بموضوع قرآن، بموضوع سنة، سيرة فقه، تاريخ، موعظة عامة، رقائق، إلى آخره.
أما عندما تحضر وتتكلم صرت محاسب أمام نفسك، صار سؤال يطرح عليك أنت هكذا ؟ يعني أكبر شيء يدفعك إلى الله أن تعلم الناس، صدقوني أقول لكم كلمة هي من أسرار الدعوة أكبر مستفيد من الدعوة هو الداعي نفسه، حينما يتكلم له حساب خاص عند الله كل كلمة قالها لا يطبقها يشعر بانهدام، اختلال توازن، فإذا أردت أن تكون متوازناً، وإذا أردت أن تكون إلى الله منطلقاً، وإذا أردت أن تنسجم مع نفسك فحاول أن تدعو إلى الله وأن تلتزم بكل ما دعوت إليه، حاول أن تدعو إلى الله وأن تلتزم بكل ما دعوت إليه تتألق إذا لا يوجد فحص لا يوجد دراسة، رجل يقول في الصيف أريد أن أقرأ ولا يقرأ شيء أما في العام الدراسي يقرأ ولاسيما الكتاب المقرر، إذا الإنسان لا يوجد عنده دعوة إلى الله عز وجل ليس مضطراً أن يقرأ شيء، ولا يحضر، ولا يضبط نفسه، ولا يتابع قلبه، أما عندما يلقي درس صار له حساب خاص، دائماً القدوة له حساب مضاعف إن أحسن له حساب مضاعف، وإن أساء له عقاب مضاعف، إن أحسن له جزاء مضاعف جزاء عمله الصالح وجزاء من اقتدى به وإذا أساء عليه إثم عمله السيئ وإثم من اقتدى به.
 مرة كنت في مكان أعرف رجل تاب إلى الله توبةً نصوحة ولزم دروس العلم رأيته يصافح امرأةً أجنبيةً لا تحل له، كيف فعلت هذا؟ يقول: فلان كان يصافح الناس وهو يحمل شهادة عليا في الشريعة مثلاً، هو ما خطر في باله أن هذا محرم لأن فعله فلان إذاً لا شيء فيه، إذاً كن قدوةً حسنة.
إذاً الذي أريد أن أقوله يجب الدرس أن يترجم إلى جلسة أقرب الناس لك، أخوتك، أخواتك، أبناء أخوتك، أبناء أخواتك، جيرانك زملائك، أقرب الناس إليك، أصح كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم:

 

((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَة وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ))

 

(الترمذي ـ النسائي ـ ابن ماجة )

  خاصة نفسك، من يلوذ بك، أو صداقة، أو جاراً، أو عملاً هؤلاء الذين يلوذون بك هؤلاء أنت محاسب عليهم، أنا لا أنسى قصة ذكرتها لكم كثيراً، أخ كريم أعان أخته بمساعدة بسيطة قال لي: بعد ستة أشهر طلبت مني أختي درس، فاستجاب، ولكن حياته تبدلت عنده الخميس درس عليه أن يحضر الدرس، أخذ من الجامع الصغير عدد من الأحاديث وأخذ شرحهم، وحفظهم، الذي يعلم، حينما تعلم تتعلم، لأن سماع الدرس غير إلقائه، سماع الدرس لا يحتاج إلى جهد، أما التحضير والإلقاء يحتاج إلى جهد، وأنت تتعلم بقدر ما تبذل من جهد، يوجد أناس يقرؤون وهم مضجعون بالسرير ويقرأ ويقلب، يقول لك: الكتاب كله انتهيت منه، لا تذكر بالمائة ثلاثة منه ثاني يوم ولا واحد بالمائة، يوجد رأي أنه تذكر بعد حين بالمائة سبعة وبعد أسبوع لا تذكر شيئاً، الكتاب نفسه ضعه على طاولة وأمسك قلم اقرأ الفقرة ولخصها بالهامش وضع خط أحمر، ضع سؤال هذه الطريقة تثبت المعلومات، بالضبط لا يوجد جهد، لا يوجد تذكر فنحن نريد من هذا الدرس العملي، حدثني أستاذ بجامعة الشريعة قال لي: أنا لا أضيع وقت الغداء مع أولادي قبل أن يغسلوا أيديهم من الطعام أجلس معهم عشر دقائق يوجد آية، حديث، شرح، كل يوم آية العلم يتراكم، كل يوم حديث، فنحن نريد من كل أخ كريم يكون له درس علم هو يدرس، يتدرب، يلقي شرح آية، شرح حديث قصة عن الصحابة، يوجد أب يجلس مع أولاده مساءً يقرأ لهم قصة صحابي، يوجد كتب لطيفة جداً فيها سير الصحابي بشكل مختصر وبأسلوب أدبي رفيع، والكلمات مضبوطة بالشكل، سلاسل معروفة إذا الإنسان ألزم نفسه أن يقرأ كل يوم قصة عن صحابي وتحلقوا حوله وأنصتوا، وقرأ القصة، وعلق عليها، وعلق على بعض المواقف، هكذا المؤمن، أفضل من أن تسمح لهم يتابعوا أشياء ويتعلموا الجريمة.
 لي صديق يعمل في القضاء قال لي: أنا رفعت إلي ثلاث قضايا طفل ارتكب جريمة على منوال ما رآه في بعض المسلسلات، وطفل ألقى بنفسه من الطابق الرابع في الهواء على منوال ما رآه في بعض المسلسلات التي هي للأطفال، ذكر لي ثلاث جرائم ارتكبت وهي تقليد أعمى لما رآه الطفل في بعض المسلسلات، لما أنت تعطي شيء من السيرة، من التفسير، من الحديث، لك جلسة مع أولادك مع أقربائك، مع جيرانك، مع زملائك في العمل، هذا الذي ألح عليه في هذا الدرس أن يكون لك دعوة، هي تبدأ متواضعة، تبدأ مع أطفال صغار، تبدأ مع أخوة صغار، تبدأ مع صغار، تبدأ مع أصدقاء لكن تنتهي بدعوة كبيرة، أساس نجاح الدعوة الإخلاص وأنت إذا أردت أن تتعلم فعلم، إن أردت أن تتلقى فألقي، إن أردت أن تتثبت فثبت، الحقيقة العمر قصير والمهمة خطيرة، وهذا الحديث:

 

((فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))

  أخ من أخواننا له عمل أبعد ما يكون عن الدعوة إلى الله عمل بعيد جداً، طبيعة العمل لا تتصل بالعلم إطلاقاً، تقاعد من عمله وبدأ يعلم الأطفال الصغار في دورة تحفيظ قرآن كريم قال لي: شعرت بسعادة لا توصف أن إنسان يجلس مع أطفال صغار مقبلون على الحياة ويعلمهم آداب الإسلام، تعاليم القرآن، هدي النبي العدنان، ماذا يشعر ؟ يشعر بإنجاز كبير، أنتم تقولون بالصلوات على النبي و على أسعدنا محمد و على سيدنا و على أسعدنا، أي أسعد الخلق قاطبة هو النبي عليه الصلاة و السلام، و أسعد الناس قاطبة هو الذي دعا إلى الله و انطلق من حاجاته إلى حاجات الخلق، من حظوظه إلى هداية الخلق، من مصالحه إلى نشر الحق، فلذلك كل إنسان يمكن أن يكون داعية، نحن مرة في درس من الدروس يمكن بخمس أو ست دروس تكلمت عن القضاء في الإسلام، فكان هناك مقدمة مهمة جداً: أن كل إنسان شاء أو أبى هو قاض، لا تتوهم أن القضاء أن تكون على القوس بقصر العدل، هؤلاء قلة، أما الأب قاض، و التاجر قاض و الجار قاض، و أنت تحكم مئات المرات في الشهر و تُسأل و يُرجع إليك و يُؤخذ رأيك فأنت قاض، و أنت حينما تكون صحيح العقيدة، طليق اللسان، منضبط في السلوك، تدعو إلى الله عز وجل أنت داعية، ما هو الداعية ؟ ليس الذي يقف على المنبر، كل مؤمن داعية بعمله، في بيته، بسلوكه، بطلبه العلم، بنقله للعلم، يمكن أن يكون داعية، فلذلك الأحاديث التي تحض على الدعوة إلى الله تزيد في الصحاح عن ثمانية وثلاثين حديثاً وهذان الحديثان من أبرز هذه الأحاديث.
 يوجد حديث آخر:

 

 

((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاهِدُوا بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ))

 

( النسائي ـ أحمد ـ أبي داود ـ الدارمي )

  أنك بإمكانك أن تجاهد جهاداً لسانياً في نشر الحق، لا يغيب عن ذهنكم أن الدعوة إلى الله كما كنت أقول كثيراً فرض عين على كل مسلم، والدليل قوله تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

( سورة العصر )

  فالتواصي بالحق أحد أركان النجاة، والدليل الثاني، قوله تعالى:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

( سورة يوسف )

  فإن لم تدعو إلى الله على بصيرة أنت لست متبعاً لرسول الله ومن ليس متبعاً لرسول الله لا يحبه الله ولا يحب الله، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

 

( سورة آل عمران)

  هذا الدليل الثاني إلا أن الدعوة إلى الله كما قلت قبل قليل فرض عين وفرض كفاية، فرض عين في حدود ما تعلم وفي حدود من تعلم كل واحد منكم مظنة صلاح فيمن حوله فلان له درس، فلان يحضر في الجامع الفلاني بين أهله وأقربائه، هو مادام يطلب العلم إذاً هو مظنة علم، فهؤلاء الذين حولك والذين يعتقدون أنك تطلب العلم هؤلاء زادك إلى الله وهؤلاء الذين أنت موكل بهم، لذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم وفي حدود من يعلم أما حينما قال الله عز وجل:

 

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

 

) سورة آل عمران )

  ولتكن منكم أمة، أي هذه الدعوة التي هي فرض كفاية، يعني التبحر في العلم ومعرفة الدليل التفصيلي ورد الشبهات، هذه فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تنطلقوا من هذا الدرس إلى جلسة أسبوعية مع أولادك مع جيرانك، مع من تحب، مع من يلوذ بك، أو مع خاصة نفسك عليك بخاصة نفسك، جلسة أسبوعية محورها آية قرآنية أو حديث شريف، أو قصة عن صحابي، أو موضوع فقهي، أو تلاوة قرآن أو حفظ قرآن، هذه الجلسة المتكررة تجعلك تنطلق بالعلم وتتعلم وترسخ، وتبين، وتوضح، أما إذا سئلت يشحن ذهنك، وتتفتق عبقريتك فإذا بعد حين تجد أن أناساً عديدين اهتدوا على يديك، بعد حين تجد أنك دعوت إلى الله بشكل أو بآخر، فلا تضن أيها الأخ الكريم على نفسك بخير عظيم.
 وكل إنسان إذا تولى إنسان، أنا لي ملاحظة قلتها كثيراً، هذا المسجد ألا يستطيع أحدكم أن يُآخي واحد فقط من رواد هذا المـسجد اتخذ أخ، مــا معنى آخيته ؟ أي تفقدت أحواله، إن مرض عدته وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن استعانك أعنته، وإن استقرضك أقرضته، وإن طلب منك شيء أعطيته، وإن سألك عن شيء أجبته، هذا الأخ، وإذا غاب عن الدرس تفقدته يعني لا تقدر شعور الأخ إذا غاب درس واتصلوا به نحن قلقون عليك معنى هذا أنه مهم، أنا أتألم أشد الألم من إنسان غاب شهر ما أحد تفقده، لا نعرف، وأشعر من خلال عتابي لهم بألم أنه شهرين في الفراش ما أحد طرق بابي أين مكانتي في الجامع ؟ ليس لي مكانة إطلاقاً.
 أنا ألح عليكم بإلحاح كل أخ منكم يآخي أخ، إذا غاب تتفقده يوجد مشكلة انقل لي إياها، له قضية ابحثها، له سؤال أجبه ما تمكنت كلف من يجيبه، أصابه خير هنأته، جاءه مولود قدمت له هدية سافر ودعته، قدم من سفر استقبلته، واحد إذا كانت همتك أعلى اثنين، همتك أعلى ثلاثة، أعلى أربعة، أعلى خمسة، عشرة هذا العلم الصالح، الحقيقة ليس درس العلم أنه سمعنا ومشينا، علاقات متينة، أخوة صادقة، معاونة، مآثرة، تضحية، هذا مجلس العلم فإن أردت أن يرضى الله عنك فآخي أخاً في الله، هذا فعله النبي في المدينة قال لأصــحابه تآخيا اثنينِ اثنين، يكون لك أخ في الله تتفقده ويتفقدك، تعينه ويعينك، تقرضه ويقرضك، تسأله ويسألك، تأخذ بيده ويأخذ بيدك، تقيل عثرته ويقيل عثرتك، تدخل على قلبه السرور ويدخل على قلبك السرور، وما أجمل الحياة مع أخ في الله ليس في الدنيا أثمن من أخ في الله.
 يا أيها الأخوة الكرام:
 أنت حينما تتصل بإخوانك وترعاهم وتتفقد أحوالهم، وتلقي عليه بعض ما علمك الله، دعوت إلى الله وأنت لا تدري، وهذه دعوة ذكية، لا تحتاج إلى ضجيج ولا إلى صخب، ولا إلى مشكلات دعوة لطيفة، ترى المؤمن كل من حوله يحبه، كل من حوله يستمعون إليه يقتفون أثره، ينهلون من علمه، يتأثرون بكلامه، فكن علماً، أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم، وربنا عز وجل شكور.
 ما قولك بإنسان أب رحيم له ابن غاب عن البيت ولــم يعد، الأب والأم إذا غاب الابن عن البيت ولم يعد شيء لا يحتمل، يعني ألم مستمر، قلب في حرقة، فالأب له ابن يحبه حباً جماً وخرج ولم يعد أسبوع أسبوعين شهر شهرين، ولا يعرف يا ترى في السجن؟ متشرد في الطرقات ؟ يا ترى مريض ؟ أين ينام ؟ قلق لا يحتمل أحد أصدقاء هذا الأب رأى ابنه في مكان، فأخذه، وأطعمه، وألبسه وأصلح ذات بينه، وجاء به إلى أبيه تائباً راجعاً، قد يقول هذا الأب عملت معي عملاً لا أنساه حتى الموت، إذا كان أب عادي له ابن شارد أرجعته له، إذا كان عبد شارد، عبد ضال، فاسق، منحرف أقنعته، وهذبته، وحملته على الاستقامة، وجعلته يتوب إلى الله ماذا فعلت أنت مع الله ؟ ما معنى قوله عز وجل إنه شكور ؟ يعني يشكرك لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله فلذلك الإنسان لو تأمل عمل الدعوة إلى الله لوجده صنعة الأنبياء وهو أعظم عمل على الإطلاق، وكل واحد منكم بإمكانه أن يكون داعية أقول لكم شيء أبلغ من ذلك هل يوجد بيت لا يوجد به بنات ؟ من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما فأنا كفيله في الجنة، قالوا وواحدة، قال وواحدة.
 يعني كل واحد إذا عنده بنات ابنته وحدها يمكن أن تكون طريقاً له إلى الجنة إذا رباها، وهذبها، وأكرمها إلى أن يزوجها أو يموت عنها فهو في الجنة.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يأخذ هذا الدرس منكم مأخذاً عملياً وأن ينقلب إلى جلسة مع من يلوذ بكم، مع خاصة أنفسكم، يعني أيام يقول لي فلان، وفلان، وفلان الله عز وجل أكرمني وجاءوا معي إلى الدرس، فلان، وفلان، وفلان صاروا من إخواننا، هذا عمل عظيم، يعني كل إنسان غيور على من حوله إذا ذاق طعماً طيباً يشتهي من يحب، فأنت إذا أردت أن يحبك الله فأحب للناس ما تحب لنفسك.

 

تحميل النص

إخفاء الصور