وضع داكن
20-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 055 - الإيمان والعمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام: الدرس الماضي كان في الحلال والحرام، وكان آخر دروس الحلال والحرام، وسوف ننتقل إلى موضوع آخر، ولكن من عادتي في التدريس أن أجعل بين الموضوعات الكبيرة درساً فيه مراجعة للحسابات.
 الواحد منا من حين إلى آخر يراجع حساباته، يرتب مكتبته، يرتب حاجاته، والإنسان يحتاج أشد الحاجة إلى أن يخلو مع نفسه، وأن يتأمل في سلوكه وفي حركاته وسكناته، لأن الحياة أحياناً تستهلك الإنسان.
 الإنسان أحياناً ينسى سر وجوده، ينسى لماذا هو على وجه الأرض ؟ ينسى الهدف الذي أرسله الله من أجله فتستهلكه الحياة، من عمل إلى عمل، من لقاء إلى لقاء، فجأة يدرك أنه ضيع حياته لغير ما خلق له.
 ذكرت مرة مثلاً أعيده كثيراً، إنسان ذهب إلى بلد، ونام في الفندق، واستيقظ، أكبر سؤال: لماذا أنا هنا ؟ حركة هذا الإنسان في هذه البلدة تصح إذا عرف لماذا هو في البلدة، السائح إلى المقاصف والمتنزهات، طالب علم إلى المعاهد والجامعات، التاجر إلى المعامل والمؤسسات، فحركة الإنسان لا تصح إلا إذا عرف الهدف، والإنسان كلما قطع مرحلة فعليه أن يدرس ماذا حقق في هذه المرحلة ؟ يا ترى نجح، أخشى ما أخشاه أن تنقلب حياتنا إلى أنماط ثابتة متكررة رتيبة، لما يطول أمدُ الإنسان على سلوك غير متبصر يفقد معنى الحياة والتجدد.
 فالذي أريده في هذا الدرس أن يراجع الإنسان نفسه في كليات، حياته، يا ترى عقيدته بالله سليمة ؟ أول شيء عقيدته سليمة، في الرخاء لو جاءته شدة هل هذه العقيدة تصمد أمام هذه الشدة ؟ هذا سؤال دقيق جداً، ثم إنه إذا عرف الله عز وجل، واعتقد به اعتقاداً صحيحاً، الآن سلوكه متطابق مع الشرع، يقول العامة: هكذا نشأنا، هكذا المجتمع، هذا كلام مردود، ينبغي أن يكون السلوك مطابقاً للشرع، يا ترى أحوالك متطابقة مع وصف النبي للمؤمنين، مثلاً يقول عليه الصلاة والسلام:

((الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن))

 ذكرت اليوم في درس الطاووسية ظهراً أن كل شيء أراده الله وقع، وأن كل ما وقع أراده الله، وأن الذي وقع وقع لحكمة بالغة مطلقة، وأن هذه الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك هذا الكلام ملخص لكلمة: لكل واقع حكمة، إذا أيقنت أن لكل واقع حكمة، وأن في ملك الله ما يقع إلا ما يريده الله، أكثر الضغوط النفسية والشدة النفسية التي هي الآن المسؤول الأول عن معظم الأمراض العضالة في الجسم هي المسؤولة الأولى عن كل الأمراض العضالة في الجسم، هذه الشدة النفسية أساسها ضعف الإيمان، أساسها ضعف التوحيد، أساسها الخوف من جهات أرضية، أساسها الاعتقاد أن جهات أرضية بيدها الحل والربط، بيدها الخير والشر، بيدها العطاء والمنع، بيدها الإعزاز والإذلال، بيدها الحياة والموت، حينما يعتقد الإنسان أن جهةً في الأرض مستقلة في إرادتها عن إرادة الله تملك الحل والعقد، وتملك الخير والشر، والرفق، والحياة، والموت فهذا هو عين الشرك، وهذا الشرك وحده يسبب هموماً وأسقاماً وأمراضاً ومخاوف لا حصر لها.
 فالإنسان بحاجة إلى ساعة تأمل، حياتنا كلها - طبعاً الحياة المعاصرة - فيها ضغوط شديدة، والمطالب كثيرة، والمكاسب قليلة، والوقت كله مستغرق في طلب الرزق، فالإنسان يصل إلى البيت في ساعة متأخرة، يأوي إلى النوم، ويستيقظ إلى عمله، ويعمل عملاً شاقاً إلى أن يأتي المساء، فإذا تابع ما هو فيه من استهلاك لطاقاته وقدراته وحيويته يفاجأ بعد فوات الأوان أنه فعل كل شيء إلا الذي خلق من أجله.
 فيا أيها الإخوة الأكارم: نحتاج من حين إلى آخر إلى جلسة تأمل مع الذات إلى جلسة محاسبة، إلى جلسة إعادة ترتيب الأوراق، إلى جلسة المنجزات، الإيجابيات والسلبيات، نقاط الضعف ونقاط القوة، المكاسب والخسائر، الأرباح والخسائر، فكل إنسان ليس له جلسة مع نفسه من حين إلى آخر يمضي وقته سدى، ويأتيه ملك الموت على غير استعداد للقائه.
 فنحن أولاً: الدين فيه كليات، وفيه عقيدة، وفيه عبادة، وفيه معاملة، وفيه آداب العقيدة يجب أن تكون سليمة، لأن أخطر شيء في الدين صحة العقيدة، يعني من الممكن أن تخطئ في وزنة واحدة، هناك خطأ في الوزن، وخطأ في الميزان، الخطأ في الوزن لا مشكلة له، لأنه لا يتكرر، أما الخطأ في الميزان فخطير جداً، لو وزنت بهذا الميزان ألف وزنة كلها غير صحيحة، فالخطأ في أصل الميزان لا في الوزن، فالخطأ في العقيدة خطأ في الميزان، إذا انطلق إنسانٌ إلى عمل، وهو يعتقد أنه صواب، هذا لا يتوب منه، أما إذا العقيدة الصحيحة، وانطلق إلى عمل غير صحيح سرعان ما يتوب منه.
 شيء ثان: أتمنى أن يكون لكم أقلُّ شهادة في التعليم العام تحتاج إلى جهد مركز، أقل شهادة، ولو كانت الكفاءة، ولو كانت شهادة ثانوية، درجة الإجازة، الليسانس، البكالوريوس، الماجستير، الدكتوراه، هذه شهادات الأرض تحتاج إلى جهد مركز جداً، شهادة الإيمان ألا تحتاج إلى جهد ؟ ألا تحتاج إلى مراجعة ؟ إلى مذاكرة ؟ إلى قراءة ؟ إلى إصغاء ؟ إلى متابعة ؟ فلما يتوهم الإنسان أن أعلى شهادة في الأرض أن تكون مؤمناً هذه بلا ثمن وبلا تعب، عندئذ هذا الإنسان لا يعرف من الحقيقة شيئاً، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((ألا إنّ سلعة الله غالية))

 سلعة الله غالية، تريد جنةً عرضها السماوات والأرض، تريد حياة أبدية ناعمة، خالية من كل تعب، بلا جهد جهيد، وبلا ضبط، وبلا مشقة، وبلا تعب، وبلا طلب علم، أية درجة علمية تحتاج إلى وقت، لذلك الإنسان يحضر مجالس العلم من أجل أن يطلب العلم، ومن أجل أن يطبق العلم، فإذا طلب العلم، وطبق العلم حقق الهدف الأول من وجوده، فيجب أن نعتقد جميعاً أنه في حياتنا لا يعلو شيء على طلب العلم، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
 أول ملاحظة في هذا الدرس: لا تجعل ارتباطك في المسجد وحضور مجالس العلم مضطربًا، اجعله هو الأصل، وشكل أوقاتك ومواعيدك ونشاطاتك التجارية والاجتماعية والأسرية وفق هذا البرنامج، برنامج طلب العلم هو الأصل، إذا ذهبت إلى بلد أجنبي لطلب العلم، والتحقت بجامعة فبرنامج الجامعة هو الأصل، فزياراتك الخاصة، لقاءاتك مع أصدقائك، زيارة المتاحف، هذه كلها في أوقات خارجة عن أوقات الكلية، أنت جئت من الشام إلى بلد غربي من أجل نيل الدكتوراه، فبرنامج الكلية هو كل شيء، هو الأصل، وفقه تشكل حياتك، فالذي أتمناه حقيقة: الثبات نبات، وما من إنسان تفوق في الدين إلا بثباته على طلب العلم، والإنسان لما يثبت في طلب العلم يصير معه شيء اسمه التراكم، كل درس لبنة، والدروس كلها مسلسلة، دروس التفسير مسلسلة، دروس الفقه مسلسلة، دروس السبت، مسلسلة دروس الاثنين مسلسلة، كل درس لبنة، فأنت لا تشعر إلا وأنت متمكن من حقائق، ولعل الدليل عليها أن السلوك تغير، وحتى يعرف مع من يجلس، مع صديق له في سن واحدة، لكنه متفلت، يصغي إليه ساعة وهو يتكلم كلاماً سخيفاً، يتكلم كلاماً فيه شرك، فيه ضعف، فيه خوف وقلق وسخف، أحيانا أنت لست كذلك، أنت أرقى بكثير، حضور مجالس العلم أحد ثمارها هذا السلوك القويم، وهذا المنهج المعتدل، وهذا الانضباط، فلما يداوم الإنسان على مجالس العلم يكون قد تراكمت عنده الحقائق التي ينالها في كل درس، ولما تتراكم الحقائق وهو لا يشعر شكلت سلوكاً متوازناً، فالسلوك المتوازن ثمن الجنة.
 يا أيها الإخوة الكرام: أول شيء: الواحد يطالب نفسه، له ارتباط بمسجد، فيه دروس، يختار الدروس التي بإمكانه أن يتابعها إلى ما لا نهاية، ويثبت عليها، وأحد أسباب التفوق الثبات، والآن هناك جامعات في بعض البلاد الغربية تعطي الشهادة على الدوام فقط، إنسان يداوم، أنت لما تنتقل من مكان إلى مكان لحضور مجلس علم هل هناك عمل أشرف من هذا العمل ؟

 

((إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع))

 

((ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتدارسون كتاب الله إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده))

 فارتباطك بدرس العلم ارتباط أساسي، أنا قلت في درس سابق: إن الخطبة محاولة إقناع الإنسان بالتزام الدين، أما إذا اقتنع، وأراد أن يلتزم فالدين يحتاج إلى تفاصيل، إلى معلومات دقيقة حول كتاب الله حول سنة رسول الله.
 أول نقطة: يجب أن نجعل برنامجًا طلب العلم هو الأصل.
 النقطة الثانية: العلم من دون تطبيق لا قيمة له إطلاقاً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الحسن:

((الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه))

 قلت مرة كلمة: المتكلم كلامه لا قيمة له إلا إذا طبق، والمستمع إصغاؤه لا قيمة له إلا إذا طبق ما سمع، فلا المتكلم يفلح، ولا المستمع يفلح إلا إذا طبق، فنحن لا نتحاج إلى عادات تنقلب إلى ممارسات مفرغة من مضمونها، استمعت إلى هذا الدرس، إلى الحديث، إلى هذه الآية في هذه الخطبة، إلى هذا التوجيه: ما موقفك من هذا ؟ هناك أسئلة صريحة وخطيرة، فهذا كلام الله، القرآن بين يديك، إذا أمرك الله عز وجل بأمر، وأنت لست تفعله، ما جوابك لله يوم القيامة، ماذا تقول ؟ هل هيأت الجواب ؟ هل تضمن أن تعيش إلى ساعة واحدة بعد ما أنت فيه ؟ أبداً، فالإنسان العاقل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً))

 مرة ذكرت مثلاً مضحكاً عرضوا على إنسان قارورة للزيتون ثمنها عشرون ليرة، وكأس كريستال ثمنه ألف ليرة، قطعة ماس ثمنها خمسة ملايين، وقلنا له: اختر أحد هذه الأشياء الثلاثة، ألا أستطيع أن أحكم على عقل الرجل من نوع اختياره ؟ بالتأكيد أحكم على عقله من نوع اختياره، فأنت كلما اخترت الشيء النفيس كان عقلك كبيراً، الشيء النفيس أن تختار الله ورسوله، قال:

((يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال الله ورسوله))

 أحد الصحابة كان في طريق الهجرة فلحق به الكفار، وأرادوا منعه من الهجرة، أو قتله، فكان صريحاً معهم، قال: لي في مكة مال كثير خبأته في مخبأ خفي، إن دللتكم عليه أتطلقوني إلى رسول الله ؟ قالوا: نعم، فدلّهم على مخبأ ماله فأطلقوه، فلما وصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام قص عليه ما حدث، فقال عليه الصلاة والسلام:

((ربح البيع أبا يحيى ربح البيع))

 هو وصل إلى النبي e بكل ماله، هذه حقائق نحتاج إليها، كما قلت، أنا أشعر أن العمل الديني عمل رتيب، حضور، استماع، مشكلات قائمة، صلاة غير متألقة، فتور أحياناً، نحن جميعاً بحاجة من حين إلى آخر إلى مراجعة حساباتنا، إلى ترتيب الأوراق، إلى حساب المنجزات، إلى إحصاء السلبيات والإيجابيات، أول ملاحظة ضرورة الثبات، والدليل كما قال عليه الصلاة والسلام:

((أحل الأعمال إلى الله أدومها وإن قل))

 إخوة كثر يسألونني من حين إلى آخر: نشعر بفتور ماذا نعمل ؟ الحقيقة الفتور أحد أسبابه قلة العمل، فإذا تعرضت أنت إلى عمل صالح فأنا لا أشك أن أحداً منكم جميعاً إذا عرض عليه عمل صالح يرفضه، لكن البطولة أن تتحرى أنت العمل الصالح، أن تبحث عنه أنت، إذا شددت قدميك لعمل صالح تبتغي به الله والدار الآخرة فأغلب الظن أن الله يثيبك، ما معنى يثيبك ؟ العمل الصالح الذي تفعله خالصاً لله عز وجل تبتغي به مرضاة الله عز وجل، هذا العمل يصعد إلى الله، ويعود إليك سكينة في قلبك، فالمخلص دائماً يشعر بسكينة أودعها الله في قلبه هي ثمن عمله الصالح.
 الشيء الآخر، أحياناً الأعمال الصالحة أو الأعمال تتجه كلها إلى مصالحك اليومية، قد تكون تجارة واسعة، قد يكون عملا علميًا، لكن هذا العمل بالنهاية لك، لا تشعر أن هناك رقيًا دائمًا لهذا العمل، أما حينما تعمل عملاً خالصاً لا تبتغي به إلا وجه الله عز وجل، والإخلاص عندك واضح وضوح الشمس، عندئذ تشعر أن الله قد تجلى على قلبك.
 مستحيل أن تتقرب من الله عز وجل ولا ترى من الله السكينة، ولا ترى منه التوفيق، ولا ترى منه النصر، ولا ترى منه التأييد، ولا ترى منه الشوق، إنسان عادي لو سلمت عليه لرد عليك السلام، إنسان عادي لو سألته: كم الساعة يجيبك عن الساعة، خالق الأكوان صاحب الكمال المطلق، الذات الكاملة، تتقرب إليه بعمل، بدعاء، بصلاة، بذكر، بخدمة العباد، ولا تجد من الله ما يقابل هذا العمل ؟ إذا أتاني عبدي مشياً أتيته هرولةً، أي حركة نحو الله، بعبادة، بعمل، بدعاء، بصدقة، بإنفاق، بخدمة، بمطالعة، بنشر علم، بطلب علم، بأمر بالمعروف، بنهي عن المنكر، أيّ حركة نحو الله يجب، وأقول: يجب  لأن هذه أخلاق الله عز وجل، يجب أن ترى الثمرة، والجواب، والجزاء من الله.
 أذكر أن أخًا من إخواننا الكرام سألته عن أحواله، وهو صادق إلا قال لي: الحمد لله.
 ومرة ثانية، أكثر شيء يشدك إلى الله ليس أن الدين منطقي فحسب، هو منطقي، وليس أن الدين يقدم لك تفسيرًا دقيقًا للحياة والكون والإنسان، وليس أن الدين مبني على أسس ثابتة وأبدية، لا يوجد مذهب أرضي إلا وتزلزل، ترى مذهبًا عاش سبعين سنة، ثم صار في الوحل، وما من نظرية أرضية إلا تضعضعت، كلما ظهر بحث جديد يظهر عيبها، وخللها، حتى هذا التاريخ، هل ظهر شيء من أربعة عشر قرناً يناقض قول الله عز وجل ؟ أبداً، أنت مع الثوابت، كتاب الله وحي الله إلى الأرض، هذا من أثبت الثوابت، فلا يوجد عندنا مشكلة عقائدية إطلاقاً، أخطر مشكلة المشكلة العقائدية، تؤمن بمذهب ثلاثين سنة، ثم تكتشف أنه مذهب باطل، ليس له أساس من الصحة، هذه خيبة أمل كبيرة جداً، أحياناً تعتقد عقيدة يثبت العلم بطلانها، أحياناً حتى على مستوى العلم يعتقدون أن في السماء أشياء، فتأتي الكشوفات تبطل هذه الاعتقادات، هل في القرآن الكريم كله عقيدة أو حقيقة أو إشارة أثبت العلم عكسها ؟  أبداً، أنت مع كلام خالق الأكوان، فالإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه.
 الشيء الآخر، دوامنا جيّد، حاولنا أن نطبق كل شيء سمعناه، إخواننا الكرام حديث دقيق جداً:

((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم))

 إن سميته كشفاً، إن سميته إشراقاً، إن سميته تألقاً، إن سميته نوراً قذفه الله في قلبك، سماه العلماء كشفًا، سماه علماء آخرون إشراقًا، سماه أناس نورًا يقذف في القلب، هذه القفزات النوعية في الحقل الديني لا تكون إلا بطاعة الله،

((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم))

 إذا أردت الإشراق، إذا أردت أن يقذف الله في قلبك النور فاعمل بما علمت، وحاول دائماً وأبداً أن تطبق ما تسمع، أن تكون وقّافا عند الحلال والحرام، الإمام الجنيد يقول: " ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الولي الذي يمشي على وجه الماء، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ".
 شيء آخر، لو أن الإنسان مدحه جميع الخلق، ولم يكن الله راضياً عنك فلا ينتفع بشيء، والقرآن يقول لك:

 

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

 

[ سورة يونس: الآية 62]

 أحياناً لا يقف الإنسان عند دقائق الكلام، يقرأ الآية بشكل سريع، لا خوف عليهم من المستقبل، ولا هم يحزنون على الماضي، إذا تقدمت بالإنسان السن، ورأى صورة له في سن الخامسة عشرة، بالثامنة عشرة، شاب جميل الصورة، والآن في الخامسة والخمسين يشعر بألم لا يوصف،
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
 أما المؤمن الذي أمضى حياته في طاعة الله فيرى أن هذا الماضي وسام شرف له، منذ نعومة أظفاره كان في طاعة الله، وكان في خدمة الخلق، وكان في طلب العلم، وكان في نشر العلم، فلذلك العاقل لا يندم، مرة أخ قلت كلمة: ممكن أن يكون لا بعد نعم، أما نعم بعد لا فغير موجودة، أحياناً تأتيك فرصة، إياك أن تضيعها، اقتحمها، إن وجدت الخير كان الذي أردت، و إن لم تجد ترفضها، أما إذا رفضتها قبل أن تعلمها، فأنا لم أجد إنساناً أحمق من شخص جاءته رسالة سميكة مزقها قبل أن يقرأها، اقرأها، لعل فيها خيراً كبيراً، لعل فيها حوالة بمليون، اقرأها قبل أن تمزقها، أحياناً إنسان يعرض عليه منهج الله، يعرض عليه طلب العلم، يعرض عليه قراءة كتاب، سماع شريط، يرفض، اسمع، ثم ارفض، لا بعد نعم ممكن، أما نعم بعد لا فغير ممكن، فالعاقل لا يضيع فرصة، ولا يدع مناسبة إلا و يستغلها لمصلحته الأخروية.
 لازلنا في مراجعة النفس، بدأنا بالدوام، ثنينا بالتطبيق، ثلثنا ببرنامج يومي، وكنت ألح على ذلك، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ))

[ مسلم، الترمذي، أحمد ]

 عبدي لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله، إن بدأ يومه في صلاة الفجر في المسجد فهو في ذمة الله، الحياة فيها مطبات، فيها مفاجآت، فيها ورطات، فيها مزلات أقدام، فيها منزلقات، فيها تهم ظالمة أحياناً، ألا تريد أن تكون في ذمة الله، في رعاية الله، في ظل الله، ابدأ يومك بصلاة الفجر في جماعة، وعندما تزداد الجماعة الناس يأنسون، أحياناً نحن بفضل الله عندنا صفان طويلان، أي حوالي ثمانين شخصاً، أحياناً ثلاثة صفوف أي مئة وعشرون، أحياناً تجد في المسجد سبعة أشخاص، ستة أشخاص، لكن لو أخذت البنية المحيطة بالمسجد يجب ألاّ يكون هناك محل صباحاً، لو أن الناس جميعاً على منهج واحد، وعلى تطبيق كلام الله عز وجل يجب أن ترى المساجد في الفجر ممتلئة إلى آخرها.
 الآن هناك ظاهرة بالمساجد عجيبة جداً: أضخم مسجد يوجد معه مصلى خمسة أوقات، تجد مسجداً مساحته ألفا متر، معه مصلى مساحته خمسة وعشرون متراً، أو ثلاثون متراً، هذا المصلى يكفي طوال الأسبوع لصلاة الأوقات الخمسة، أما المساحة الواسعة لخطبة الجمعة ألا ينبغي أن يمتلئ المسجد على رحبِه في كل الصلوات ؟ إذا كان الله جل جلاله شرع لنا صلاة الجماعة، ونحن نقاتل العدو في خط المواجهة الأول، ماذا يعني ذلك ؟ أنها مهمة جداً، إذا كنت تحارب العدو بالسلاح الأبيض وجهاً لوجه في خندق مقابل فيجب أن تصلي الصلاة جماعةً، فكيف بك في السجن، وأنت في راحة وبحبوحة وسكينة.
 يا أيها الإخوة الأكارم: النقطة الثالثة، وضع برنامج ديني، شيء من تلاوة القرآن الكريم، وشيء من التفكر، وشيء من أداء الصلوات والنوافل، هذا البرنامج الديني يرفع مقامك عند الله، والدليل قال تعالى:

 

﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 هذه الآية دقيقة جداً، لمَ لمْ يقل الله عز وجل: اجعلني صادقاً ؟ كلام موجز جيد، لما قال:

(( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وِأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ))

 لأن ما كل إنسان دخل في عمل خالص لله خرج منه بالنية نفسها، قد يدخل مخلصاً، ويخرج منافقاً، البطولة لا أن تدخل، أن تخرج.
 شيء آخر، أحياناً الله عز وجل يصف المؤمنين في كتاب الله الكريم، تقرأ أنت هذه الآيات ينبغي أن تشعر أين أنت من هذه الآية، لما ربنا عز وجل قال:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 2]

 هذا حال المؤمن، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 30]

 هذا حال المستقيم، قال تعالى:

 

﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 30]

 فكلما قرأت آية أو حديثاً عن أحوال أهل الإيمان ينبغي أن تشعر، أو أن تدقق أين أنت من هذه الآية، فكل إنسان أغفل نفسه خسر آخرته.
 أحد التابعين الأجلاء قرأ آية كريمة من كتاب الله أن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب فيه ذكركم، فقرأ القرآن، كلما قرأ آية فيها وصف لكبار المؤمنين قال: لست هنا، لست هنا، فلما قرأ الآيات التي فيها وصف للكفار قال: لست هنا، فلما قرأ قوله تعالى:

 

﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 102]

 قال أنا هنا.
 أنت إذا قرأت القرآن الكريم هل تعرف أين أنت من كتاب الله ؟ أنت مع أي صنف ؟ أي وصف ينطبق عليك ؟ هذا شيء مهم جداً.
 من الأحاديث المتعلقة بالإيمان، الإيمان كما يقول عليه الصلاة والسلام:

((عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع))

[الجامع الصغير]

 العفة النهي الداخلي، أحيانا الإنسان يتمنى، لكن لا يتمكن، أما العفة فحالة أرقى من الداخل، لا يتمنى، العفة أحد خصائص المؤمن، الإيمان في حقيقته

((عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع))

 لا يقع فيما حرم الله، ولا يتمنى ما ليس له، ولو أن الناس اكتفوا بما لهم، ويئسوا مما ليس لهم، لكانوا في حال غير هذا الحال، لكن الطمع هو الذي أذل رقاب الرجال،

((الإيمان عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع))

 مادام هناك رغبة أن تأخذ ما ليس لك فقد ابتعدت عن الإيمان، أو رغبة أن تقع فيما نهى الله عنه فأنت أيضاً مما لا تنطبق عليك صفات المؤمنين، وهذا من الأحاديث الصحيحة التي وردت في الجامع الصغير:

((الإيمان عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع))

 قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أنس:

((الإيمان نصفان نصف في الصدر، ونصف في الشكر))

 هل هناك حالة ثالثة ؟ أنت بين حالين، إما أن شيئاً أردته قد وصلت إليه، وإما أن شيئاً قد حرمت منه، فالذي أردته، ووصلت إليه يجب أن تكون شاكراً عليه، والذي حرمت منه ينبغي أن تكون صابراً، ومن أروع الأدعية التي يدعوها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع:

((اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب))

 أحياناً الإنسان يستخدم ماله في نصرة الدين، يستخدم أحياناً جاهه مكانته في نصرة الضعيف، أحياناً يستخدم علمه في نشر الحق، يستخدم طلاقة لسانه، يستخدم قلمه السيال في كتابات ترضي الله عز وجل، يستخدم أحياناً أدواته ومركبته، يستخدمها في خدمة الخلق، يستخدم بيته لنشر الحق، فالمؤمن يوظف كل شيء أعطاه الله إياه في الحق، هذا معنى دعاء النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب))

 حينما تعتقد أن هذه الحياة يجب أن تكون كما تريد فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، وحبيب الحق كان إذا أصابه خير قال:

((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات))

 وإذا جاءت الأمور على غير ما يريد يقول:

((الحمد لله على كل حال))

، فالإيمان يقتضي أن تستسلم، وأن ترضى، والحقيقة، وألح عليها كثيراً أن الشدة النفسية التي مبعثها ضعف الإيمان، وضعف اليقين، وضعف التوحيد هي سبب أكثر الأمراض خطورة في الحياة والإنسان، كلما كانت صحته النفسية جيدة بسبب إيمانه الصحيح وتوحيده الصحيح هذا الإنسان يعيش في صحة لا تعدلها صحة بسبب يقينه، أنا أذكر أنه في بلادنا على الرغم من تفلت بعض الناس، لكن هناك بقية إيمان، هذه البقية تجعل الأمراض النفسية قليلة جداً إلى درجة أنها منعدمة، قلما تجد إنساناً عنده خلل، وإذا وجدت فالنسبة قليلة جداً، وقد سمعت في بلاد الغرب أن الذين يرتادون عيادات الأطباء النفسيين مئة وخمسة وخمسون بالمئة، كيف ؟ مئة بالمئة يذهبون، وخمسة وخمسون يذهبون مرتين، أو إلى طبيبين نفسيين، لأن ضغط الحياة من دون إيمان يجعل الإنسان مضطرباً، القلق أحد ثمار العصر الحديث المُرَّة، دع القلق، وابدأ الحياة.
 طبع كتابٌ أول طبعة خمسة ملايين، القلق شرك، الإنسان ضعيف، الإيمان يجعل لك ركناً تأوي إليه، الإله تحتمي به، تلجأ إليه، تثق به، ترتاح لعدالته، ترتاح لقوته، لرحمته، أما الكافر ففاقد للشيء، واللهِ هناك آية أقرأها أشعر بتأثر كبير، قال تعالى:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾

[ سورة محمد: الآية 11]

 تصور طفلا له أب كبير علماً، وقدراً، ومالاًُ، ورعاية، يحرص على أنفاس ابنه، دراسته درجة أولى، طعامه، صحته، غرفته الخاصة، رفقائه، الأجهزة التي في البيت، كي تنمو بذكائه، انظر إلى ابن بلا أب ولا أم في الطرقات مع المنحرفين، مع السارقين، مع الشاردين.

 

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾

 

[ سورة محمد: الآية 11]

 أيْ متفلتين.
 إذا قبِلك الله عز وجل أن تكون ممن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قبِلك أن تكون ممن يتولاهم، الواحد إذا وكل محاميًا لامعًا جداً يطمئن، يقول: هذا المحامي ما خسر دعوى في حياته، فكيف إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الذي يدافع عنك ؟ فنحن بحاجة إلى تجديد إيمان، كلما شعر الإنسان أن إيمانه ضعف، وصلاته فترت، وتلاوته للقرآن ما فيها حيوية التي يتمناها، وكلما خف عمله الصالح عليه أن يتحرك حركة تجديدية، التجديد ضروري، حتى رواد المسجد الواحد يحتاجون من حين إلى آخر إلى تجديد، ابحث عن عمل صالح، اعرض خدماتك، اطلب عملاً ترق به إلى الله عز وجل، لما يعمل الإنسان عملاً لوجه الله، لا يرجو إلا الله، وقد يكلفه وقتاً وجهداً ومالاً أحياناً بهذا ترقى، الله عز وجل حاضر ناظر، ناظر إلى هذه التضحية، وهذا البذل، وهذا الإقبال، عندئذ يكافئك، فالإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام:

((الإيمان نصفان، نصف في الصدر، ونصف في الشكر))

 والنبي عليه الصلاة والسلام سن لنا صلاة الشكر، إنسان جاء لك بخبر طيب، نجح بشهادة، نجح بعمل، الله سلمه من مرض مخيف، التحليل سليم، الورم غير خبيث، الصورة جيدة، إنجاز تحقق، هذا عمل طيب، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نصلي صلاة الشكر، وشيء لطيف جداً، قال الله عز وجل:

 

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 7]

 وفي حديث آخر يتعلق بالإيمان وقد كان محور الدرس الإيمان، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))

[ ابن ماجه ]

 يجب أن تعتقد أن في الإسلام ثلاث كليات، كلية فكرية، كلية سلوكية، كلية جمالية، الفكرية هي الأساس، السلوكية هي الثمن، الجمالية هي الهدف، ما من مؤمن إلا ويسعد بالله، لأنه يطيعه، ولأن طاعته لله أساسها معرفته، إن أردت التفوق فعليك بالحركة في هذه الخطوط الثلاثة، خط الإيمان، وخط السلوك، وخط الإقبال على الله عز وجل، ما لم يكن هناك تقصير، أو خلل أو غلو، فإذا نما جانب على حساب جانب كان هناك الخلل والضعف، أما إذا تحركت في الخطوط الثلاثة صاعداً كان هناك التفوق.

 

((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))

 والإيمان بالله الإقرار باللسان، وتطبيق بالقلب، وعمل بالأركان، وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ))

[ متفق عليه ]

 أعلى شيء في الإيمان التوحيد، أما أدنى عمل تبتغي به وجه الله فهذا نوع من الإيمان لو أزاح أحدهم قشرة موز، لماذا أزاحها ؟ لعل طفلا صغيرًا، أو رجلا كبيرًا تنزلق بها قدمه، فتكسر بها ساقه، فأزاحها رحمة بالناس، وإرضاءً لرب الناس، فإزاحة الأذى عن الطريق نوع من الإيمان، وعند الله كل شيء بحسابه، إزاحة الأذى أن تميط الأذى عن الطريق، ومن الإيمان أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ دلوك في دلو المستسقي، وأن تقف في المركبة العامة لامرأة مسنة محجبة، وأن تعطي دورك في رتل طويل لرجل مسن، والله عز وجل جعل الإيمان منوعًا كثيراً، فالذي سقى الكلب غفر الله له، رجل يمشي في الطريق اشتد به العطش، رأى بئراً، نزل فيها، شرب حتى ارتوى، ثم خرج، فإذا بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، قال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني، نزل البئر مرة ثانية، ملأ خفه ماءً، وأمسكه بفيه، ثم رقي البئر، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له.
 ترى حياة المؤمن مبنية على استراتيجية هي الطاعة والعطاء، وحياة الكافر مبنية على أساس واحد، التفلت من منهج الله، والإيذاء، والأخذ،.
 مرة قلت: الناس على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم ومشاربهم ومذاهبهم وأعراقهم وثقافتهم وأنسابهم وطبقتهم ومعتقداتهم لا يزيدون على رجلين، رجل عرف الله، فاتصل به، فأطاعه، فأحسن إلى خلقه، فسعد بكل ذلك، ورجل لم يعرف الله، طبعاً هو مقطوع عنه، متفلت من منهجه، مسيء إلى خلقه، شقي، قال عليه الصلاة والسلام:

((الناس رجلان، بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله))

 فاجر يعني عاصيًا، شقيًّا بمعصيته، هينًا على الله عز وجل، في آخر الزمان حيث المعاصي تكثر نحن في خير في بلدتنا هذه، أما أن تخرج مظاهرة من بلد أوربي تزيد على مئة ألف إنسان يرفعون لافتات أنهم شاذون جنسياً، ويجب أن يكون لهم حقوق، وأن تعترف الدولة بهم، وأن تعطيهم تعويض الزواج، مسيرات ضخمة تعرضها الشاشات في الأخبار، هذا شيء خلاف الفطرة، السحاق، واللواط، وتبادل الزوجات، وزنا المحارم، هكذا المجتمع الآن، لذلك ترى موتًا كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيم قتل، يقولون: تطهير عرقي، لماذا تقتله ؟ ما اقترف ذنباً ؟ لذلك هان أمر الله عليهم، فهانوا على الله.
 إذا أردت أن تعرف الذي لك عند الله فانظر ما لله عندك، أنت تريد الكرامة، والله يريد منك الاستقامة، قال: يا رب لقد عصيتك ولم تعاقبني، فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك و لم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي، فالصالحون الذين عندهم حساسية بالغة إذا حُجِب عن الله قليلاً يشعر بذلك.
 إخواننا الكرام: أنا أجعل بين الدروس المتسلسلة الطويلة درس استراحة ومراجعة حسابات، هذا الدرس من هذه الدروس، أرجو الله سبحانه و تعالى أولاً أن نحاسب أنفسنا حساباً عسيراً، إذا حاسبنا أنفسنا حساباً عسيراً كان حسابنا يوم القيامة يسيراً، دائماً وأبداً تصور ماذا تجيب الله يوم القيامة لو قال لك: يا عبدي لماذا فعلت كذا ؟ ورد في الأثر، أن يا عبدي ـ يوم القيامة ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يا رب عملنا حفلة كلفت عشرين مليوناً، أحضرنا راقصات، ووزعنا خمورًا، وأقمناه مختلطاً، أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ ونشرناه بالصحف في بيروت، كله منشور، و النساء كاسيات عاريات، و الخمور تدار، و الراقصات ترقص، والمغنون يغنون، و المبلغ عشرون مليوناً، الحفلة فقط، أما العرس فقد كلف مجموع النفقات مئة مليون ومليونين، كم من شاب يتزوج بهذا المبلغ ؟ كم من شاب كالوردة ينتظر غرفة يسكن بها ؟ وصف الله أهل الدنيا أنهم إذا أمسكوا المال أمسكوه بخلاً و تقتيراً، وإن أنفقوه أنفقوهُ إسرافاً وتبذيراً، هذه حادثة، إذا أنفق أنفقَ تبذيرًا، وإذا أمسك أمسكَ بخلاً، أما المؤمن فله مع الله شأن آخر، أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، قال: عبدي ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم.
 واللهِِ حدثوني عن أسرة تركت مئات الملايين، بعد سنوات لا تزيد على عشر لا يملك أحد أولاده درهماً، الذي يترك ثروة ولا يترك تربية هذا خاطئ، البطولة أن تربي ابنك، لا أن تترك له المال الوفير، إذا تركت له المال قال له: إلى أين أنت ذاهب ؟ قال له: و الله أريد أن أسكر على روح أبي، والله هكذا قالها شاب، وأنذل الناس رجل دخل ورثته بماله الجنة، و دخل هو بماله النار، قال له: أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال: يا رب لم أنفق منه شيئاً على أحد من بعدي مخافة الفقر على أولادي من بعدي، قال: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، سأل عبداً آخر قال: عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، قال: يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك، اكسب حلالاً، وأنفق حلالاً، والله عز وجل مكانك بعد وفاتك في تربية أولادك، وفي حفظهم، وفي تأييدهم، وتوفيقهم.
 أيها الإخوة: ملخص الدرس أن نجدد إيماننا من حين إلى آخر عن طريق مراجعة الحسابات، وضبط الأمور، وتقويم العبادات، وضبط المعاملات، ومعرفة الإيجابيات والسلبيات، والمنجزات والتقصيرات، هذا كله يرقى بالإنسان، وهذا معنى قول الله عز وجل:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

 

[ سورة العنكبوت: الآية 69]

 وأشرف عمل هذا الجهاد، جهاد النفس والهوى، ورد الجهاد في القرآن الكريم، قال تعالى:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 52]

 يعني أن تتعلم كتاب الله، وأن تلقيه على الناس، وأن تعلم الناس الخير، هذا نوع من الجهاد، إن لم يكن الجهاد الآخر متاحاً في ظروف معينة، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يلهمنا الخير.

 

إخفاء الصور