وضع داكن
28-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 058 - التقرب إلى الله بالنوافل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية :

 أيها الأخوة الكرام ؛ تكثر في هذه الأيام الأسئلة حول شعبان ، وحول النصف من شعبان ، وحول صيام النصف من شعبان ، وحول رجب قبلها ، وحول الإسراء والمعراج ، جميل جداً أن يسأل الإنسان عن شؤون دينه ، وعن تفاصيل العبادات ، ولكن قبل أن أمضي بالحديث عن شعبان وهو محور الدرس إن شاء الله ، أريد أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة ، لابد للمسلم الصادق والمخلص من سلم أولويات ، الشيء الملاحظ أن العبادات نوعان ، عبادات شعائرية كالصيام ، والصلاة ، والحج ، وعبادات تعاملية كالصدق ، والأمانة ، وغض البصر ، والعفة ، والمروءة ، وعدم البهتان و الكذب ، والإنصاف ، والعدل ، وإنجاز العدل، و وفاء العهد ، هذه عبادات تعاملية ، ويوجد عبادات شعائرية ، وقد ذكرت لكم من قبل كثيراً أنه لا تصح العبادات الشعائرية ما لم تكن العبادات التعاملية ، لأن هذا الدين منهج ، وحقوق العباد كما تعلمون مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة ، وكنت سابقاً أضرب هذا المثل ليتضح لكم الفرق الكبير بين أداء العبادات التعاملية وبين أداء العبادات الشعائرية ، يمكن أن نمثل العبادات الشعائرية بالعام الدراسي فيه محاضرات ودروس ومخابر ووظائف يومية ومذاكرات شفهية وأعمال كتابية وأعمال عملية ودراسات وأعمال ، لكن في آخر العام الدراسي فحص عام لكل هذه المواد ، ماذا في الفحص ؟ طاولة ، و ورقة بيضاء ، ومراقب ، فأداء الامتحان يشبه العبادة الشعائرية ، من يستفيد من هذه الساعات الثلاث ؟ الذي أمضى العام الدراسي في مواظبة على الدروس ، وفي حفظ لها ، ومذاكرة لها ، ومتابعة لها ، ومناقشة ، هذا الطالب أسعد لحظات حياته ساعات الامتحان ، لأن كل علمهِ سيصبه في هذا الامتحان وسينجح ، وسيتألق ، ويعلو في نظر الناس ، أما إذا طالب لم يدرس أثناء العام الدراسي ، ولم يداوم ، ولم يبذل جهداً في فهم الحقائق ، لو دخل إلى قاعة الامتحان كما يدخل جميع الطلاب وجلس بأدب جم ، ومعه أقلام رائعة ، ومعه كل وسائل الراحة من حبة أسبرين ، إلى كل شيء ميسر ، لكنه لم يقرأ شيئاً إطلاقاً لا يستفيد إطلاقاً من هذا الامتحان ، بل سيكون هذا الامتحان مشيراً إليه بالإخفاق.
 أعود وأقول : العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، نحن اتفقنا سابقاً أن كل شيء ينبغي أن يكون له دليل ، والمؤمن الصادق الواعي لا يقبل شيئاً بلا دليل ، لو سألني أحدكم أين الدليل يا أستاذ أن العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية ؟ أقول: الزكاة ، قال تعالى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة: 53 ]

 الحج ، ورد في الحديث الصحيح أن الذي يحج بمال حرام ويضع قدمه في الركاب يناديه مناد في السماء أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك .
 الصيام:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري عن أبي هريرة ]

 الزكاة ، والصيام ، والحج ، الصلاة قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 فالذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر ما حقق من الصلاة هدفها ، إذاً العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، وأكبر دليل قول سيدنا جعفر عندما سأله النجاشي عن الإسلام فقال له : " كنا قوماً أهل جاهلية - الآن نصغي إلى تعريف الإسلام من صحابي جليلٌ جليل- نعبد الأصنام ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام . .. قال : حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه ، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة ، والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وصلة الرحم، وحسن الجوار ، والكف حن المحارم والدماء .
التعريف كان تعريف أخلاق ، هذه العبادة التعاملية ، فإن صحتْ صحت العبادة الشعائرية .

 

النّوافل ليست مقياساً لتقوى الإنسان :

 يبدو أن العبادة التعاملية لا تكلف شيئاً بسيطة لذلك في شهر شعبان و رجب و رمضان يأتيك وابل من الأسئلة حول مشروعية صيام النصف من شعبان ، أي إذا الإنسان غير مطبق لأصول الدين ولأركان الإسلام ، لماذا يتعلق هذا التعلق الشديد بصيام النصف من شعبان وهو سنة ؟
 سآتي بعد قليل إلى أحكام شعبان ، ولكن أنا أريد التوازن ، يوجد سلم أولويات . مرة في بعض الدروس أخ كريم له قريب في بلد غربي بعيد ، أراد أن يرسل له بعض الدروس المصورة في الطاغوسية ، فوضع آلة صغيرة في السدة ليصور الدرس مع الصوت ، ويرسله إلى أمريكا ، يوجد إنسان نظر فوجد هذه الآلة فقال : هذا منكر ، وبالغ في اللوم والتعنيف ، فقلت له : ما قولك بصور متحركة ملونة وموضوع الصورة امرأة شبه عارية ؟ قال : هذا ما يشاهده معظم الناس في البيوت كل يوم ، هذا تتوافق مع مزاجه ومع رغباته يغفلها ، والذي لا يتوافق مع مزاجه ينكره ، أما لا أريد أن أقول الآن حول حرمة التصوير .

((عن مسلم ، قال: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ فَقَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ قَالَ : سَمعَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم : يقول إِنَّ أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المُصَوِّرون))

[البخاري عن مسلم]

 هكذا قال النبي ، وفي اللغة المصورين ولها بحث في اللغة طويل ، كم من امرأة طلقت من زوجها عن طريق صورة أجري عليها تعديل ، الآن التصوير متقدم جداً ، ممكن أن نضع رأس هذه المرأة على جسم آخر شبه عارٍ وتقدم لزوجها ، وأنا أريد أن أقول لكم : أسرة محافظة جِداً جداً لكنها غنية جِداً جداً ، أرادت أن تقيم عرساً في فندق كبير ، وكانت التشديدات أنه لابد من ألا يكون هناك رجال وكل الخدم من النساء ، وحتى على الأبواب ، وقد وضعت تأكيدات كبيرة جداً أن رجلاً واحداً لن يكون في هذه القاعة ، بل إن كل من يدخل إليها من النساء ، ثم اكتشف أن القاعة مراقبة تلفزيونياً ، وأن خمسة رجال يشاهدون هؤلاء النساء الكاسيات العاريات وهن بأبهى زينة ، فطوبى لمن وسعته السنة ولم تستهوه البدعة ، ليس موضوع الدرس الآن عن التصوير هذا موضوع آخر ، لكن أقول : لا يمكن أن نتساهل أن يشاهد الإنسان المسلسلات الساقطة ، والمحطات الأجنبية عن طريق هذه الصحون ثم ينكر صورة أخذت بشكل بريء ، بمجلس علم ، أو بعقد قران ، أنا لا أعطي حكماً الآن ، ولكن مفارقة حادة وتناقضاً مريعاً ، فنحن لا نريد أن نجعل من النوافل مقياساً لتقوى الإنسان ، أحياناً النبي عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه - ودققوا في هذا - كانوا في سفر ، وفي شهر رمضان ، بعض أصحابه أفطر وأخذ بالرخصة ، وبعض أصحابه صام وأخذ بالعزيمة ، فلا الذين صاموا أنكروا على الذين أفطروا ، ولا الذين أفطروا أنكروا على الذين صاموا ، لكن تروي بعض الروايات أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله كان يوماً حاراً جداً وقد بلغ الجهد من أصحاب النبي مبلغاً لا يطاق فقام المفطرون ، و أوقدوا النار ، وطبخوا الطعام ، وخدموا أخوانهم الصائمين ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال:

((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلاً الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا ، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأجْر ))

[البخاري عن أنس]

قضية النوافل بين الإنسان و ربه لا يحق لأحد التدخل بها :

 الحديث الآن عن موضوع صيام النفل ؛ إنسان عنده عمل طويل ، وعنده بعد العمل الطويل أعمال كثيرة جداً ، ينجز في اليوم عشرين عملاً ، هذا إذا أفطر يتقوى على إنجاز هذه الأعمال كلها ، أما إذا صام يوماً واحداً فسيضطر أن يقبع في البيت ، ولا يستطيع أن يتابع ، فقضية صيام النفل لا أحد يتدخل بها إطلاقاً ، رجل متقاعد مرتاح لا يوجد عنده شيء ، نقول له : يجب أن تصوم كل الأيام التي أفطرتها ، ويوجد رجل عنده أعمال كثيرة جداً ، أي لو أنه صام تعطلت كل أعماله له أن يفطر ، فلا الذي يصوم ينكر على الذي أفطر ، ولا الذي يفطر ينكر على الذي يصوم ، هكذا كان أصحاب النبي ، قضايا النوافل لا تتدخلوا بها ، هذه بينك وبين الله ، ألم تصم يوم الخامس عشر من شعبان ؟ يحرجك ، تقول له : والله لم أصم ، فيقول لك : أصلحك الله .
 النوافل كل إنسان له ظروفه الخاصة ، أما رمضان ففرض ، والنبي قال : " لا تحمروا الوجوه " ترى بيتاً متفلتاً ، لا يوجد أمر إلهي مطبق فيه ، كلهم صائمون يوم الخامس عشر من شعبان ، والله الصيام جميل لكن هذا التفلت !!! أي امرأة تمشي في الطريق كما خلقها الله ، تلبس الثياب الضيقة ، وتبرز كل خطوط جسمها وهي صائمة في النصف من شعبان ، الصيام مستحب لا نستطيع ألا نصوم ، الصيام رائع جداً ولكن لا يتناسب صيام النفل مع هذا الخروج ، صاحب معمل يريد أن يروج بضاعته يعمل إعلاناً بأجهزة التلفزيون فيه فتاة شبه عارية ، يعلن عن بضاعته وهو براءة الأطفال في عينيه ، أما إذا يوم نفل فتراه صائماً ، والله رجل التقيت به ، قال : أستاذ عندنا مطعم خمس نجوم يباع فيه الخمر ، ولكن شريكي يريد هذا، إن شاء الله في رقبته ، أنا ليس لي علاقة ، قلت له : ألا تقبض الأرباح كل سنة ؟ قال : نعم ولكن أنا ما طلبت منه .
 نحن لا نريد شخصية خرافية تتمسك بأشياء وتسهو عن أشياء ، قلت أول الدرس : أريد سلم أولويات ، طاعة الله عز وجل في البيع والشراء ؛ في الحديث يجب أن تكون في الدرجة الأولى ، مثلاً : رجل له مظهر ديني ، وله جامع ينتمي إليه ، عملوا مشروعاً سكنياً والمشروع مستحيل أن يتم لأسباب قاهرة ، فأخذ نصف ثمن البيوت وقال لهم : نعمل حفريات حتى نأخذ النصف الثاني حسب العقد ، فقالوا له : لكن لا يوجد أمل في تعمير المحضر ، فأخذ المال وهرب به ، والآن كل الناس لهم معه مال ، وله مظهر ديني يحضر في المساجد، مشكلة ؛ الناس عندما يكفرون بالدين من هؤلاء النماذج ، الشعائر في أعلى درجة أما المعاملات ففي أسفل درجة ، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام .
 امرأة تملك بيتاً في الشام مؤجر بسبعين ليرة سورية ، ثمنه اثنا عشر مليوناً ، فعلت المستحيل كي تستعيد ثمن ربع هذا البيت ، أقسم لي شخص قريب ، استطاع ساكن هذا البيت أن يأخذه منها بسبعمئة ألف ليرة فقط ، بأساليب من الخداع والمراوغة ، والمماطلة والتخويف وهي تملك البيت ، وهو من رواد المساجد يصلي ، هذا الذي يكفر الناس بالدين ، الإنسان عندما يكون بكسب المال وإنفاق المال لا يتقي الله عز وجل فهذه الشعائر لا تقدم ولا تؤخر ، وأحياناً تجد أن صلاته وحجه وصيامه عند الله غير مقبولة لأنه يأكل المال الحرام، ويحتال على الناس ، ويغشهم في بيعهم وشرائهم ، فنحن لا نريد مسلماً فلكلورياً ، مظهر كلابية بيضاء يوم الجمعة ، معطر ، لكن ماله بالحرام ، نحن نريد مسلماً طاهراً ، أنا مرة التقيت برجل أعرف مركز عمله ، فخامة تفوق كل فخامة ، وصف مركز عمله صعب الوصف ، مرة قال لي : أنا عملي قذر ، سبحان الله ! بعد أيام اضطررت أن أجري إصلاحات في سيارتي رأيت رجلاً مؤمناً يرتدي ثياباً ليس لها لون من شحم إلى فحم إلى طين وانبطح تحت المركبة وفك الجهاز وأصلحه وأخذ أجرة معتدلة فكان في نفسي هذا الكلام : إن هذا العمل نظيف ، قد يكون عملك بالوحل ، والشحم ، متعب تحت المطر وفي أيام البرد القارس ، ومع ذلك عملك نظيف وشريف ، ويوجد أعمال فخامة ما بعدها فخامة ، دور اللهو ، ودور القمار ، والملاهي ، فخامة البناء تفوق حدّ الخيال ، وكله مجتمع مخملي ، و أنا أقول : المجتمع المؤمن مخملي يوجد فيه نعومة ، ورقة ، وأدب.

المفارقات الحادة في حياة المسلمين اليوم :

 لذلك موضوع الدرس اليوم : الأولويات ، جميل جداً أن تصوم في أيام شهر شعبان ورجب ، ولكن الأجمل من هذا أن تكون قائماً على حدود الله عز وجل ، أن يجدك الله حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، ليس الولي الذي يطير في الهواء ، ولا الذي يمشي على وجه الماء ، ولكن الولي كل الولي الذي يتقي الله ، قال تعالى:

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[ سورة يونس : 62]

 نحن نريد إسلاماً يجذب الناس إليك ، نريد ورعاً ، سيدنا أبو حنيفة النعمان كان يقف مع رجل في ظل بيت فقال له : تنحى عن هذا الظل إلى الشمس ، قال له : لماذا ؟ قال له : لأن هذا البيت مرهون عندي وإني أكره أن أنتفع بظله ، هذا الورع ، وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، لفت نظري في هذه الأيام المفارقات الحادة ، مولد أقيم في مسبح مختلط ، والذين ألقوا الكلمات أثنوا على صاحب هذا الحفل الكريم من أسرة عريقة إلى . . . . عرفت بالتقوى والصلاح . . . والمسبح مختلط ، هذه هي مفارقات المسلمين ، عرس أقيم في فندق جلبت له الراقصات ، وكل المعاصي ارتكبت في هذا العرس من تكشف للعورات ، ومن شرب للخمور ، ومن أعمال لا ترضي الله عز وجل ، وكل هذه الأعمال نشرت بالصحف ، بصور جميلة وملونة ، أما على بطاقات الدعوة فالطيبون للطيبات .
 هذه المفارقات الحادة ، لا نريد نحن إنساناً متفلتاً ويسأل عن صيام شهر شعبان ، لا نريد نحن إنساناً متفلتاً ويبحث عن عبادة شعائرية ليس في أدائها صعوبة إطلاقاً ، قال تعالى:

﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة التوبة :19]

 ربما كانت معرفة الله وطاعته والوقوف عند حدوده أمراً يحتاج إلى جهاد ، وربما كان أداء بعض العبادات الشعائرية أمراً لا يقتضي إلا جهداً بسيطاً وسمعةً كبيرة .

((عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت : لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كلَّه ، وكان يقول : خُذُوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَملُّوا ، وأحبُّ الصلاة إِلى
النبي صلى الله عليه وسلم ما دُوِمَ عليه ، وإِن قَلَّت ، وكان إِذا صلَّى صلاة داوم عليها ))

[البخاري عن عائشة]

مراعاة الأولويات مع عدم التقليل من قيمة النوافل :

 أخواننا الكرام ؛ أنا أريد أن أوكد أنا ما قصدت أبداً أن أقلل من قيمة الصيام في شعبان ، ما أردت ابداً أن أقلل من قيمة نوافل العبادات بالعكس .

(( إن الله قال : من عادى لي وَلِيّاً فقد آذَنتُه بحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألَني أعْطَيتُه ، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه ، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 أنا ما أردت أن أقلل من قيمة أداء النوافل في هذه الأشهر الفضيلة ، لكن لفت نظري أن إنساناً متفلتاً غير منضبط لا بكسب ماله ، ولا بإنفاق مال ، ولا بمظهر زوجته وأولاده، ولا بنقاء بيته من كل جهاز يفسد الحائط فضلاً عن الإنسان ، مثل هذا الإنسان المتفلت من كل قيد الذي لا يرعى قيداً من قيود الدين ، لا يشغله شيء إلا أن يسأل عن صيام النوافل ، هناك أولويات مثلاً : ممكن أن تركب سيارة ويكون محرك السيارة محروقاً والسيارة واقفة وتقيم النكير بسبب أن المرآة و البرغي ضائع ؟ أنت بهذا لا تعرف الأولويات في السيارة ، المحرك محروق، ممكن أن يأتي إنسان إلى مستشفى يعاني من أزمة قلبية خطيرة ربما مات بعد دقائق وترى أظافره طويلة تنسى قلبه وتقص له أظافره ممكن ؟ يكون في العقل مشكلة ، ممكن أن تنسى دسام قلبه المغلق وتنظر إلى أظافره أنهم يحتاجون إلى قص ؟؟ هكذا بعض الناس يرتكبون الأشياء التي لا ترضي الله ، ويدققون في الجزئيات ونوافل العبادات من جهة ترفعهم في نظر الناس وربما ينتزع إعجاب الناس بها . يوجد أشخاص لا يوجد عنده مانع أن يشرب الخمر ، وأن يزني ، وكلما فتحت محفظته يوجد مصحف ، رجل ورع المصحف لا يفارقه وهو لا يطبق منه شيئاً ، هذه الشخصيات يجب أن تكون معراةً ، أي الإسلام أعمق من ذلك ، قلت لكم : ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله .
 حدثني أخ : إنسان يبيع خضاراً نوع درجة خامسة ، الكيلو بليرتين ، ونوع درجة أولى الكيلو بخمس ليرات ، ويوجد عليه ازدحام شديد ، جاء شخص يصلي ملأ أربعة أخماس الكيس من النوع الجيد ووضع نصف كيلو من النوع السيئ ، و أعطاه بسعر النوع السيئ ، كان تعليقي أنه كان عليه أن يضع عباداته الجوفاء في الحاوية ، ممكن أن يسرق من هذا البائع الفقير ، صار الغش ليس من البائع بل من المشتري وهذه حالة نادرة ، المشتري غشاش، نحن نريد إسلاماً متوازناً ، إسلاماً متماسكاً ، لا نريد تناقضاً نريد وضوحاً ، يقول عليه الصلاة والسلام:

((خُذُوا من العمل مَا تُطِيقُونَ ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا ، وأحبُّ الصلاة إِلى
النبي صلى الله عليه وسلم ما دُوِمَ عليه ، وإِن قَلَّت ، وكان إِذا صلَّى صلاة داوم عليها))

[البخاري عن عائشة]

الواقعية في الكلام تجعله مسموعاً :

 كنت أنا بلقاء من أيام ، رجل مندفع قال لي : أبو حنيفة النعمان قرأ سبعين ألف ختمة في حياته ، وأجرينا إحصاء إذا الإنسان قرأ هذه الختمات يجب أن يعيش مئة وتسعين سنة لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يعمل شيئاً ، يوجد مبالغات كبيرة جداً ، يوجد قصة قرأتها مرة وأحجمت عن روايتها سنوات عدة غير معقولة :
 الرسول العامل الذي جاء من أذربيجان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وصل المدينة ليلاً ، فقال : كرهت أن أطرق باب أمير المؤمنين ليلاً فدخلت إلى المسجد ، طبعاً لا يوجد ضوء سمعت رجلاً يقول ويبكي : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟ قال له : من أنت يرحمك الله ، قال : أنا عمر ، قال : يا سبحان الله ألا تنام الليل ؟ هو كره أن يطرق بابه ليلاً لئلا يوقظه ، قال له : - وهكذا الرواية قرأتها - إني إن نمت ليلي أضعت نفسي أمام ربي وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، هذه القصة والله أحجمت عن إلقائها على الناس أعوام عدة إلى أن عثرت على رواية كما يلي : قال له : إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، هذا معقول إن نمت ليلي كله لأن الله عز وجل أمر النبي أن يقوم بعض الليل ، ما أمره أن يقوم الليل كله ، يقول لك : هذا الفقيه أربعين سنة صلى الفجر بوضوء العشاء ليس معقولاً . ألف إنسان لا تدعهم ينامون ليلتين متتابعتين يختل توازنهم ، النوم رحمة ، دائماً كن واقعياً ، وإذا كنت واقعياً فكلامك مسموع ، أساساً تعريف العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل .

((خُذُوا من العمل مَا تُطِيقُونَ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا وأحبُّ الصلاة إِلى
النبي صلى الله عليه وسلم ما دُومَ عليه ، وإِن قَلَّت ، وكان إِذا صلَّى صلاة داوم عليه))

[البخاري عن عائشة]

 ما دوم عليه ، مبني للمجهول ، هذا حديث صحيح ، وكل هذه الأحاديث بالصحاح ، لأن الدين نقل ، وما دام الدين نقلاً فإن أخطر ما في النقل صحة النقل .

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ ، فَقَالَ : أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ ، و سَمِعْت مُحَمَّدًا يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ ، و قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ : لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ))

[الترمذي عن عائشة]

 المرأة هي المرأة جعلها الله غيورةً على زوجها ليحبها زوجها ، هذه لصالح الزوج ، أحياناً الرجال يتأففون من غيرة نسائهم عليهم ، لولا أنها تغار عليك لما أحببتها ، لكن يوجد حالات خاصة هناك غيرة مرضية ، هناك غيرة سوية تتصف بها كل الزوجات ، أي إذا كان الزوج ملاكاً ، مؤمناً ، تقياً ، نقياً ، ورعاً ، مستقيماً ، من بيته إلى مسجده ، وتأخر ذات ليلة ، مع من كنت ؟ ما هذا الكلام ؟ هذه ليست غيرة ، هناك غيرة مرضية تحتاج إلى معالجة ، تحتاج إلى طبيب ، وهناك بعض النساء كذلك ، أما كل امرأة تحب زوجها هذه السيدة عائشة:

(( فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ ، فَقَالَ : أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ ))

[الترمذي عن عائشة]

 كانت غيورة رضي الله عنها .

((فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ ))

[الترمذي عن عائشة]

 أي يوم مغفرة ، يوم رحمة هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام .

((عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))

[أبو داود عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ]

خصائص شهر شعبان :

 من خصائص هذا الشهر الفضيل أن ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل ، فكان يقول عليه الصلاة والسلام : " أنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم ".

((عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))

[ابن ماجه عن علي بن أبي طالب ]

 هذا الحديث أيضاً في الصحاح .

(( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ))

[كنز العمال عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ]

الاتجاه إلى الله وحده و عدم الإشراك به :

 قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾

[ سورة النساء : 48 ]

 أنا قلت مرة : هذه الآية الكريمة مرت مرات في القرآن عديدة ، وقد تلتبس على بعض الناس ، أولاً أوّلها المفسرون كما يلي : إن الله لا يغفر أن يشرك به ما لم يتب ، فإذا تاب غفر له كل شيء ، هذه الآية معناها إذا مات مشركاً ، أما إذا رجل كان مشركاً وتاب وأسلم وحسن إسلامه فإذا تاب يغفر له الله ذنب الشرك ، مع أن الشرك كما قال الله عز وجل :

﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة لقمان : 13]

 مرة وضحت هذه الآية أن إنساناً له في حلب مبلغ كبير جداً ، وعد أن يقبضه الساعة الثانية عشرة يوم السبت ، ركب القطار الساعة السادسة والطريق يحتاج إلى خمس ساعات ليكون الإنسان في حلب ، يمكن أن يرتكب راكب هذا القطار عدداً كبيراً من الأغلاط ، يمكن أن يقطع درجة أولى وأن يركب درجة ثالثة بالخطأ ، يمكن أن يركب مع أناس غير مهذبين ينزعج أشدّ الانزعاج ، يمكن أن يتلوى من الجوع وقد غاب عنه أن في القطار قاطرة مطعم ، ممكن أن يركب عكس اتجاه القطار فيصاب بالدوار ، مع كل هذه الأخطاء القطار في طريقه إلى حلب وسيصل إلى هناك وسيقبض هذا المبلغ ، أما هناك خطأ لا يغفر أن تركب قطار درعا ، هذا ليس له حل لو كانت المركبة فخمة جداً ، والمقاعد وثيرة ، والقاطرة مدفأة ، والطعام نفيس ، ولكن يسير عكس الاتجاه . فالإنسان وهو مؤمن وهو موحد يغلط ، والله غفور رحيم ، أما أن يتجه إلى غير الله ، إذا اتجهت إلى الله كل شيء يغفر أما إذا اتجهت إلى غيره فالأعمال الصالحة لا تقبل لأن فيها شركاً ، إذا كنت متجهاً إلى الله فالأغلاط تغفر والذنوب تغفر ، أما إذا اتجهت إلى غير الله بعمل عظيم فلا يغفر لأن هذا العمل لابسه الشرك . يقول الله تعالى : " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك - في الحديث القدسي - القلب المشترك لا أقبل عليه والعمل المشترك لا أقبله" .

(( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ ))

[كنز العمال عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ]

فضل صيام الاثنين والخميس و فضل الصيام في شعبان :

 و:

((عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الأيَّامَ يَسْرُدُ حَتَّى يُقَالَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ الأيَّامَ حَتَّى لا يَكَادَ أَنْ يَصُومَ إِلا يَوْمَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِنْ كَانَا فِي صِيَامِهِ وَإِلا صَامَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ لا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ وَتُفْطِرَ حَتَّى لا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلا فِي صِيَامِكَ وَإِلا صُمْتَهُمَا ، قَالَ: أَيُّ يَوْمَيْنِ ، قَالَ: قُلْتُ: يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ ، قَالَ: ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ، قَالَ: قُلْتُ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))

[أحمد عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ]

 الأجسام أنواع ؛ يوجد إنسان إذا صام يوماً من دون صيام سابق ولاحق - سبحان الله الصيام في رمضان رحمة يألفه الناس جميعاً نظام موحد - صام يوم أداء ما كان عليه بأيام الصيف يوم واحد كشهر .

((....فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ لا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ وَتُفْطِرَ حَتَّى لا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلا فِي صِيَامِكَ وَإِلا صُمْتَهُمَا ، قَالَ : أَيُّ يَوْمَيْنِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ ، قَالَ : ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ، قَالَ : قُلْتُ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ : ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))

[أحمد عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ]

 هذا الحديث أيضاً عن فضل صيام الاثنين والخميس ، وعن فضل الصيام في شعبان .
 و قال أيضاً عليه الصلاة و السلام :

(( إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ ))

[أبو داود عن أبي هريرة]

 ليكون لرمضان بهجة ، أي إذا الإنسان ألف أن يصوم صوماً متتابعاً موضوع ثان ، أما إذا أراد أن يصوم بعد النصف من شعبان أول مرة لا الأولى ألا يصوم ، إذا كان هناك تتابع تابع ، أما أن تبدأ صيام النفل بعد النصف من شعبان فهذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

 

تلخيص لما سبق :

 أعيد وأقول : أريد من هذا الدرس فضلاً عن الحديث عن فضل شعبان والصيام فيه وكيف أن الأعمال ترفع إلى الله ، وكيف أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فيغفر لخلقه إلا المشاحن وإلا المشرك ، لكن أردت من هذا الدرس أن يكون عند كل أخ مؤمن سلم أولويات ، فلا يفعل شيئاً ويترك شيئاً أكبر منه ، الأولى أن تطبق المنهج بأكمله ، فجميل جداً أن تصوم النوافل ، والأجمل من هذا أن تكون قائماً بكل الفرائض ، لذلك :

((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألَني أعْطَيتُه ، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه ، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله ، تردّدي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه))

[البخاري عن أبي هريرة ]

 و:

(( من يأخذ من أُمَّتي خَمْسِ خِصالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ قَالَ قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ))

[أحمد عن أبي هريرة ]

 اتقاء المعاصي قبل كل شيء ، أداء الفرائض أيضاً قبل كل شيء ، بعد اتقاء المعاصي وأداء الفرائض لك أن تصوم ما تشاء ، ولك أن تفعل من النوافل ما تشاء ، أما أن تفعل نافلةً ، في الحج مثلاً تراه هجم على الحجر الأسود ، وضرب هذا بيده ، وهذا بصدره ، وهذا رفسه برجله ، ويريد أن يقبل الحجر ، تصوروا أباً جالساً مع أولاده جاء ابن عاق دفع أول أخ وضرب الثاني ورفس الثالث ويريد أن يقبل يد أبيه ، هل يرضى عنه بهذا العمل ؟ يوجد جهل كبير ، يرتكب محرمات ليقوم بأداء سنة ، ولك أن تشير بيدك من بعيد ، لذلك نحن بحاجة للفقه ، هذا واقع المسلمين . لن تغلب أمتي من اثني عشر من قلة ، لهذا السبب مليار ومئتا مليون ليست كلمتهم هي العليا تكفي هذه الكلمة ، لأنه إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني .
 محور الدرس جميل جداً أن تصوم في شعبان ، وأن تصوم كل النوافل ، وأن ترقى بها إلى الله ، بل إن الله عز وجل جعل من هذه النوافل سبباً لمحبته .

((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة ]

 هذا لا شك فيه ، أما اعتراضي على إنسان تارك الفرائض ، وتارك الأصول ، ومرتكب المعاصي والآثام ، ولا يشغله شيء في هذه الأيام إلا السؤال عن أحقية الصيام في شعبان ، هذا شيء لا يحتمل ، هذه المفارقة الحادة ، قلبه توقف ونقص أظافره ، المحرك محروق ونبحث عن قضيب زينة قد وقع من السيارة ، ونتألم أشدّ الألم لأن هذا القضيب وقع منها ، فلابد لكل أخ كريم من سلم أولويات ، لابد من سلم أولويات تعرف ما هو جوهر الدين ، مرة قلت : هذا الراعي الذي سأله سيدنا عمر : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال : ليست لي ، فقال له : قل لصاحبها ماتت - هذه القصة معروفة وأنا قلتها مئات المرات - هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ولو فاته علم غزير ، وضع يده على جوهر الدين ، إذا قلت : إني أخاف الله رب العالمين لا أفعل هذا ، هذا الذي يريده الله منك .

 

تحميل النص

إخفاء الصور