1986-10-24
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ... وصلنا في الدرس الماضي في سورة إبراهيم إلى قوله تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ(32)وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(33)وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
هل قابلت هذا الإكرام بتعظيم الله؟
الشمس على عظمتها، والقمر على عظمته مُسَخَّران للإنسان، أيهما أعظم عند الله مكانةً المُسَخَّرُ له أم المُسَخَّر؟ إنه المُسَخَّرُ له، الله سبحانه وتعالى جعل كل ما في الكون مسخراً من أجلك أيُّها الإنسان، أنت ماذا فعلت؟ كيف قابلت هذا الإكرام؟ هل قابلت هذا الإكرام بالطاعة أم بالمعصية؟ هل قابلت هذا الإكرام بالشكر أم بالجحود؟ هل قابلت هذا الإكرام بالعمل الصالح أم بالعمل السيئ؟ هل قابلت هذا الإكرام بذكر الله أم بالغفلة عن الله؟ كيف قابلت هذا الإكرام؟
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ ﴾
لا حياة إلا بالشمس :
ما من واحدٍ منَّا إلا وهو يعلم أنه لا حياة من دون الشمس، إنها تَهَبُ الأرض ومن على الأرض الحرارة، ولولا الشمس لأصبحت الحرارة على وجه الأرض أقلَّ من مائتين وخمسين درجةً تحت الصفر، ولأصبحت الأرض كوكباً متجمِّداً لا حياة فيها، والشمس تهب الأرض الضوء، والنبات لا ينبت إلا بالضوء، ولولا ضوء الشمس لما أكلت شيئاً، إذا مات النبات مات الحيوان وتبعه الإنسان .
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ ﴾
تستنيرون بضوئها، وتدفئون بحرِّها، والشمس تقتل البكتريات، لأن الكائنات الضارَّة لا تعيش إلا في الظلام فإذا جاءت الشمس طهَّرت كل شيءٍ يؤذيك، والشمس كما تعلمون تبعد عن الأرض مائة وستاً وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، والشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرَّة، أي مليون وثلاثمائة ألف أرض توضع في الشمس، والأرض انظر إليها، تأمَّل حجمها، تأمَّل أبعادها .
وتزيد حرارة الشمس السطحيَّة على ستة آلاف درجة، بينما تزيد حرارة نواتها على عشرين مليون درجة، ولو وُضِعَت الأرض في الشمس لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، ويقدِّر العلماء عمر الشمس بخمسة آلاف مليون سنة .
وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾
الشمس والقمر مُسَخَّرانِ للإنسان، ربنا عزّ وجل قال على لسان سيدنا إبراهيم حينما خاطب النمرود، قال :
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ ﴾
كأنك تنفخ في الرماد :
هل تستطيع قوَّةٌ على وجه الأرض أن تغيّر مسار الشمس ؟ أو أن تعطِّل شروقها ؟ أو أن تمنع غروبها ؟ أو أن تغيِّر توقيتها ؟ .
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾
معنى : دائبين
أما معنى قوله تعالى :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾
شيءٌ دقيقٌ جداً هو أن الله سبحانه وتعالى لحكمةٍ أرادها ثَبَّتَ أشياء وحَرَّكَ أشياء، شروق الشمس، وغيابها، وتوقيتها، ومسارها، وفلكها ثابتٌ لا يتغيَّر، ولا يتبدَّل، ولا يتحوَّل، ولا يُعَدَّل، ولا يُعطَّل، هكذا أراد الله عزّ وجل من أجل أن تنتظم حياتنا، لولا شروق الشمس في أوقاتٍ منتظمة لاضطربت حياتُنا، ثبَّت الله عزَّ وجل أشياء كثيرة، لا أحد يقلق أن يستيقظ في اليوم التالي والشمس لم تُشْرِق، وليس في الشرع دُعاء الشروق، هناك دعاء الاستسقاء ولكن لا يوجد دعاء الإشراق، لأن الله عزَّ وجل جعل الشمس هكذا، وأرادها أن تكون ثابتة، ودائبة من أجل استقرار حياتنا، من أجل انتظام حياتنا لأن حركة الشمس، وحركة الأرض، وحركة القمر يتبعها نظام الزمن، فكلمة :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾
بمعنى استمرار الحركة، عدم تغيُّر الحركة، ثبات نظام الشمس هذا من نِعَم الله عزَّ وجل، ثبَّت ربنا أشياء كثيرة، ثبَّت البذور، إذا زرعت بذر التفَّاح ينبت التفَّاح، ما أحد في تاريخ البشريَّة زرع بذراً ونبت نبات آخر، ثبات إنتاج البذور هذه من نعم الله عزَّ وجل، وهناك أشياء حرَّكها، حرَّك الأمطار، السماء قد تُمْطِر وقد لا تُمْطِر، قد تأتي سنواتٌ خصبة وقد تأتي سنواتٌ شحيحة، لو أن الله سبحانه وتعالى ثبَّت كل شيء بما في ذلك الأمطار، بما في ذلك أجهزة الجسم لاستغنى الإنسان عن ربِّه، وباستغنائه عن ربِّه يشقى بهذا الاستغناء .
تثبيت الأشياء وراءه حكمة بالغة :
دقِّق، وراء الأشياء التي ثبَّتها الله عزَّ وجل حكمةٌ بالغة، ووراء الأشياء التي حرَّكها حكمةٌ بالغة، ثبَّت الشمس والقمر دائِبَيْن، البشريَّة لم تقلق ولا تقلق ولن تقلق من جهة الشمس لأنها مسخَّرة، لكن :
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
لكل بداية نهاية :
لابدَّ من يومٍ تنتهي به وظيفة الشمس ..
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾
الإنسان الغافل يستضيء بنور الشمس، وينعم بدفْئِها، ولكنَّه لا يعرف الله من خلالها، إذاً استمتاع الإنسان الغافل بالشمس كاستمتاع البهيمة بالشمس، ولكنَّ المؤمن إذا نظر إلى الشمس رأى الله من خلالها، دَلَّته على الله لأن الشمس آيةٌ من آيات الله الدالَّة على عظمته ..
﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾
انتقل من المخلوق إلى الخالقفإن المخلوق مسخَّر :
الأقوام السابقة الغافلون عن الله عزَّ وجل عبدوا الشمس، لماذا عبدوها؟ لِمَا رأوا من خيراتٍ ناتجةٍ عنها، لو دقَّقوا، وتأمَّلوا، وفكَّروا لانتقلوا منها إلى خالقها ..
﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾
إلى أن قال :
﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾
انتقل سيدنا إبراهيم من الشمس إلى الله، والمؤمن ينتقل من كل شيءٍ إلى الخالق، لذلك استمتاع المؤمن بالشمس استمتاعٌ بحقيقتها، واستمتاعٌ بموجِدِها، أي حينما يتأمَّلها ينتقل منها إلى موجدها فيخشع قلبه، فإذا خشع قلبه، انهمرت دموعه، وأقبل على الله عزَّ وجل وعرف أن الشمس كانت دليلاً له إلى الله عزَّ وجل ..
﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾
الآية الثانية :
﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ ﴾
أي كل ما في السماء ..
﴿ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾
مسخَّراتٌ للإنسان بأمر الله، تأتمر بأمر الله، تتحرَّك، تشرق، تغيب، لها فلكٌ دقيق بأمر الله عزَّ وجل .
يقول الله عزَّ وجل في آية أخرى :
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾
الشمس ضياء، ضوءها شديد، ضوءها كشَّاف، لكن القمر نور فقط الإنسان يرغب أحياناً إذا أوى إلى فراشه أن يبقى في الغرفة بصيص ضوءٍ يريه معالم الأشياء، كذلك ربنا سبحانه وتعالى من رحمته بنا ..
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾
أي جعل القمر ( نواصة )في الليل .. إذا أطللت من نافذتك إلى الحقل الذي جانب غرفتك ترى معالم الأشياء بضوء القمر ..
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾
أي إن هذا السير له حَدْ، هذه الشمس وسيلة إيضاح إلى أن يأتي يوم الامتحان تُرفع هذه الوسائل، ويُمتَحن الإنسان، ويظهر عمله .
شيءٌ آخر :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ﴾
الظل دليل على الشمسوحركتها :
هذه آية من آيات الله عزَّ وجل، تكون جالساً في بستان فترى ظلَّ الشجرة، يتحرَّك، يكون أصغر من الشجرة بُعَيْدَ الظُهر، ثم يمتدُّ الظل إلى أن يصبح في طولٍ مثل طول الشجرة، إلى أن يصبح قدر طولين أي ضعفي طولها، إلى أن يصبح ممتدَّاً إلى مسافاتٍ بعيدة، من الذي حرَّك هذا الظل ؟ حركة الأرض الحقيقيَّة أو حركة الشمس الظاهرة، هذه آية، يجب أن تستنبط أنَّ هناك حركة، هناك شيء يتحرَّك، الإنسان الساذج ينظر بعينيه، لكن الإنسان المفكِّر يرى بفكره أشياء لا تراها عينه، هذه العين لا ترى حركة الأرض، ولا ترى حركة الشمس، لكنَّها ترى حركة الظل، وما دام الظل متحرِّكاً فلابدَّ من حركةٍ ما من قِبَلِ الشمس أو من قِبَلِ الأرض .
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾
سكون الظل يعني وقوف الأرض عن الحركة، أو وقوف الشمس عن الحركة ..
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾
لولا أشعَّة الشمس لما عرفت حركة الأرض ..
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾
الشمس دليلٌ على الحركة .
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
هذا الكون بعظمته يسير بنظام عال لا يحيد عنه :
أي أنه تنظيم، الآن لابدَّ للطائرات من قيادةٍ حكيمة في أبراج المطارات، هذه الطائرة تُعطى الخط الأول، خط دمشق باريس مثلاً ، هناك خطوط في الجو، لو أن موظَّفي الأبراج في المطارات أخطئوا وأعطوا طائرتين خطَّاً واحداً لكانت كارثةً مروِّعة، وهذا ما حدث من قبل، طائرتان كل طائرة فيها أربعمائة راكب تحطَّمتا، ومات جميع ركَّابها، لماذا؟ لأن موظَّف البرج أعطى طائرتين خطأً خطَّاً واحداً، لا تستطيع الطائرةٌ أن تُقْلِعَ من المطارٍ إلا بعد أن تأخذ خطاً من برج إقلاعها وبرج وصولها، هذا الخط تستقلُّ به، فإذا طارت طائرةٌ أخرى تُعْطَى خطاً آخر أعلى أو أدنى، كم طائرة موجودة في الأرض؟! لنفرض أنهم خمسة آلاف طائرة، أو خمسين ألف طائرة، عدد الموظفين في كل مطار الذين يعملون على تنظيم حركة هذه الطائرة؟!
كل مجرَّة فيها مليون مليون نجم، وفي الكَوْن العدد الأولي التقريبي حتى الآن التقدير مليون مليون مجرَّة، أي مليون مليون ضرب مليون مليون، أي اثني عشر صفر باثني عشر صفر، أي واحد أمامه أربعة وعشرين صفر، ولم يحدث أن ارتطم نجمٌ بنجم ..
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
كل نجمٍ له فلكه، كل نجمٍ له مساره، هناك آية أخرى توضِّح هذا المعنى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
معنى تزول أي أن تخرج عن خطِّ سيرها ..
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
أي أن تبقى الأرض في مسارها، والشمس في مسارها، والقمر في مساره، والنجوم في مسارها هذه آيةٌ كُبرى من آيات الله عزَّ وجل، لو أن قطاراً خرج عن سِكَّتِهِ لكانت كارثةً كبرى، لو أن قطاراً يمشي على طرف وادٍ سحيق وخرج عن سكَّته لكان كل من في القطار ضحايا، ماذا يحدث؟ لو أن الأرض خرجت عن خطِّ سيرها ودخلت في خطٍّ آخر وارتطم النجمان، لا يبقى على وجه الأرض شيء من عِظَمِ الصدمة .
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾
هناك حسابٌ دقيق، قال العلماء: " حدثت بعض الانفجارات في الشمس، فارتفعت حرارتها، وذابت الكتل الجليديَّة في القطبين، لارتفع البحر إلى مسافة ثلاثةٍ وتسعين متراً فوق مستواه الحالي"، ولغَمَرَ ثُلُثَي اليابسة، لو أن انفجاراً حدث في الشمس أذاب هذا الانفجار الجبال الثلجية في القطبين، لارتفعت مياه البحر ثلاثةً وتسعين متراً، ولانغمر من الأرض أو من اليابسة ثُلُثاها .
إذاً :
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾
الآن بعد الشمس عن القمر، بعد الأرض عن الشمس، بعد الأرض عن القمر، بعد القمر عن الشمس، هذه كلُّها وَفَق حساباتٍ دقيقةٍ دقيقة، يقول الله عزَّ وجل في آيةٍ أخرى :
﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾
الشمس مُتَأَلِّقة، القمر عاكس ..
﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾
أي آن الأوان أن ينطلق هذا الفكر من عِقاله، آن الأوان أن يجول هذا الفكر في ملكوت السماوات والأرض ليتعرَّف إلى عظمة الله، ليخشى قلبه، ليستقيم على أمره، ليعمل الصالحات تَقَرُّباً له، ليسعد في الدنيا والآخرة .
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾
الشمس والقمر، لا حياة من دون الشمس، لا ضوء، ولا دفء، ولا تعقيم، الحياة تنتهي، فالشمس مسخَّرةٌ لنا .
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾
وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
قال ربنا عزَّ وجل :
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾
سُبْحَانَ اللَّهِ! أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ؟
يستمتع أهل الدنيا بالنهار المُشْمِسْ في أيَّام الربيع والخريف، فينطلقون إلى النُزُهات، يستمتعون بالليلة القَمْراء، ينطلقون إلى السَهَرات، إنهم يستمتعون بالليل والنهار كما تستمتع البهائم، ولو أن الإنسان فكَّر في الليل والنهار لرأى الله من خلالهما، لذلك:
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾
سيدنا النبي اللهمَّ صل عليه كان يقول :
(( سُبْحَانَ اللَّهِ! أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ؟ ))
تجد ظلاماً دامساً، الأشياء لا تُرى، قلق، خوف، إذا سار الإنسان في غابةٍ ليلاً يرى آلاف الأشباح، ينخلع قلبه من الخوف أحياناً، فإذا سار في هذه الغابة نهاراً اطمأنَّ قلبه .
(( سُبْحَانَ اللَّهِ! أَيْنَ اللَّيْلُ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ ؟ ))
عندما تكون مسافراً والشمس مشرقة يكون الطريق واضح المعالِم، وأنت مطمئن، فإذا جاء الليل بدأت تُبَحْلِقُ في الطريق، وتتوهَّم أن هذه المركبة قادمةٌ نحوك، وهذه تبتعد، والطريق من اليمين، أين النهار إذا جاء الليل؟ يقول ربنا عزَّ وجل :
﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
اختلاف لها معنيان، إما أن الليل يَتْبَعُ النهار، اختلاف الليل والنهار، وإما تفاوت الليل والنهار في الطول والقِصَر، من جعل الليل يطول في الشتاء والنهار يطول في الصيف ؟ من جعل اختلاف الليل والنهار ؟ إنه الله سبحانه وتعالى، قد يستمتع الإنسان في الشتاء بالليل، يؤذِّن العشاء في وقتٍ مبكِّر، وكما قال عليه الصلاة والسلام :
(( الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِن ))
(( طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه ))
يأتي الصيف حيث النهار الطويل، إن كنت في عملك في الصيف ترى أن الوقت ممتد والليل قصير، وفي الشتاء ترى أن النهار قصير والليل مُمْتَد، فلذلك :
﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
هذا عائدٌ له، من تقديره وحكمته .
الحكمة من إيلاج الليل في النهار :
﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾
أَوْلَجَ بمعنى أدخل، انظر ساعة الغروب كيف أن الليل يأتي من هاهنا، والنهار يُدْبِر من هاهنا، إذا نظرت إلى الأفق الغربي ترى أثر ضوء الشمس، ترى الشفق الأحمر، فإذا نظرت إلى الأفق الشَرقي ترى الظلام، تنعكس الآية عند الفجر إذا نظرت إلى الأفق الشرقي ترى خيطاً أبيض، فإذا نظرت إلى الأفق الغربي ترى الظلام دامساً، فربنا عزَّ وجل يقول :
﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾
وإيلاج الليل في النهار من أعظم الآيات، ما قولك لو أن الشمس غابت فجأةً ؟ ففي بعض القرى حيث محرِّكات الكهرباء تدور وتتوقَّف في الساعة الثانية عشر ليلاً، تنطفئ الكهرباء قبل الساعة الثانية عشر بعشر دقائق لدقيقةٍ واحدة ثم تعود، إشعاراً إلى أنه قد قَرُبَ وقت انقطاع النور فهيِّئ نفسك للنوم، كذلك لو أن الشمس تنطفئ فجأةً لوقع الإنسان في متاهة، أغراضه مُبَعْثَرَة، أغنامه متفلِّتة، حاجاته لم تجتمع بعدُ، أولاده، لكن الشمس تغيب بالتدريج، يغيب قرص الشمس وتبقى الأرض مُنيرة لساعةٍ وربع تقريباً، إلى أن يغيب الشفق الأحمر فهذا هو العشاء، كذلك الشروق، لو أن الشمس تُشْرِق فجأةً لحدث انبهار للعيون، لكن حكمة الله عزَّ وجل حينما تشرق الشمس وحينما تكون على مستوى النظر أن تكون الشمس حمراء اللون لا تؤذي شبكيَّة العين، فإذا ارتفعت في السماء أبْيَضَّ قُرص الشمس وصار النظر إلى الشمس يؤذي العين، حينما تكون الشمس فوق الرأس تكون متوهِّجة، فإذا كانت مقابل العينين كانت الشمس لطيفة، هذه آية من آيات الله عزَّ وجل .
﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾
﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾
الليل سكنٌ وراحةٌ :
الليل سكون، ترى السكون قد خَيَّمَ على أشدُّ البيوت ضجيجاً في الساعة الثانية ليلاً، لا ترتاح أعصاب الإنسان إلا بالسكون، وسُمِّي المسكنُ مسكناً لأن الإنسان يسكن فيه، ترتاح أعصابه في بيته .
الفضل لله عزَّ وجل في أنه جعل في الأرض نظاماً موحَّداً، حينما تغيب الشمس تأوي المخلوقات إلى أوكارها، والإنسان إلى بيته، والنبي عليه الصلاة والسلام كَرِهَ السهر إلا في حالاتٍ نادرة في طلب العلم، أما أن يسهر الإنسان يمضي هذا الوقت الذي أعَدَّه الله لراحته، أعدَّه الله لاسترجاع نشاطه، أعدَّه الله لصحَّته، يمضي هذا الوقت في حديثٍ فارغ، وفي علاقاتٍ ساذجة لا قيمة لها هذا مخالفٌ للسنَّة، كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يتكلَّم بعد العشاء أبداً إلا في حالاتٍ نادرة، لكنَّ هذه الإنارة الشديدة وهذه الأجهزة في البيوت تدعو الناس إلى أن يصبحُ نهارهم ليلاً وليلهم نهاراً، لا يستيقظ قبل الساعة الحادية عشرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا ))
و ..
(( ساعةٌ في أوَّل الليل لا تعدلها ثلاث ساعاتٍ في آخره ))
﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾
قرأت ذات مرَّة مقابلة مع طبيب وهو أستاذ في الجامعة، أعرف أن هذا الطبيب ليس له أيُّ اتجاهٍ دينيٍّ إطلاقاً، إلا أنه قال:
لو أن الإنسان ألْزَمَ نفسه أن ينام باكراً لذاق طعم الحياة، لأن ..
(( لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
(( لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أَكْفِكَ النهار كلَّه ))
﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾
﴿ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78)وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾
﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾
يأتي الليل كالغشاء يُغَشّي الأرض ..
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2)وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا(3)وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ﴾
الليل راحة ..
﴿ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا ﴾
هذه لام التعليل ..
﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾
تصوَّر يا أخي لو لم يكن هناك ليل ولا نهار، ألغيت الحسابات كلَّها، كم عمرك يا أخي؟ أي عُمُرٍ هذا ؟ لا يوجد عمر، لا أدري، لو أن الشمس مشرقة دائماً لا توجد حركة ..
﴿ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾
لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
اختلاف الليل والنهار من أجل معرفة الفصول والشهور والأيام :
لولا دورة الأرض حول نفسها لما كان ليلٌ ولا نهار، لو أنها دارت على مستوىً أفقي لما كان ليلٌ ولا نهار .. لو دارت هكذا والشمس من هنا لصار هذا النصف مشرقاً إلى الأبد، وهذا النصف الآخر مظلمٌ إلى الأبد، لو دارت هكذا .. لا يكفي أن تدور، لابدَّ من أن تدور على محمورٍ غير محور دورانها، إن كان محور الدوران مطابقاً لمستوى محور دورانها حول الشمس يبقى الليل سرمديَّاً والنهار سرمديَّاً
ولكنَّها إذا دارت على محورٍ عموديٍ على مستوي الدوران يكون ليلٌ ونهار، ولكن لا يختلف الليل والنهار، النهار بطول الليل تماماً وتنعدم الفصول .
ما الذي يجعل الفصول ؟ إن محور الأرض مائلٌ هكذا، فالشمس تأتي عموديَّةً على نصف الكرة الشمالي فيكون الصيف، وتأتي مائلةً على نصف الكرة الجنوبي فيكون الشتاء، فإذا دارت الأرض حول الشمس هكذا جاءت الشمس عموديَّةً على نصف الكرة الجنوبي فكان الصيف، وجاءت مائلةً على نصف الكرة الشمالي فكان الشتاء، لولا ميل هذا المحور لما كان صيفٌ ولا شتاء، ولا ربيعٌ ولا خريف، لولا دوران الأرض لما كان ليلٌ ولا نهار، لو دارت على محورٍ أفقيٍّ موازٍ لمستوى دورانها لأُلغي الليل والنهار، إذا كان المحور مائلاً كان الليل والنهار، وكان اختلاف الليل والنهار، وكانت الفصول الأربعة، تصميم من ؟ هندسة من ؟ ترتيب من ؟ تنظيم من ؟ الله سبحانه وتعالى .
﴿ وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾
الليل راحة من مشقة النهار :
من نعمة الليل أن الإنسان في أثناء النهار يكون في محلَّه، في عمله، في وظيفته، في معمله، في تجارته، مشكلة وراء مشكلة، وراء مشكلة، وراء قضيَّة، وراء قضية، في عملٍ دائب، لولا الليل لكان الإنسان في عملٍ دائب إلى أن يموت، يأتي الليل، يعود إلى البيت، يجلس، يبدأ التأمًّل، يبدأ التفكير، أين كنت؟ وإلى أين المصير؟ من خلقني؟ قال ربنا عزَّ وجل :
﴿ وَمِنْ اللَّيْلِ ﴾
حيث السكون، الأولاد نائمون، الزوجة نائمة، الأعمال معطَّلة، المحل مُغْلَق، الهاتف لا تستعمله، الأمور كلُّها ساكنة ..
﴿ وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾
بعض الليل للتهجد والعبادة :
كأنَّ الله عزَّ وجل قد خلق الليل من أجل التَهَجُّد، من أجل التأمُّل، من أجل العبادة، لذلك :
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
لم يقل في نهار القدر، النهار فيه عمل ..
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾
حياتنا منوَّعة ؛ فيها ليل، فيها نهار، فيها صيف، فيها شتاء، فيها ربيع، فيها خريف.
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾
الليل سُبات :
الليل سُبات، هذا الجهاز العصبي يُسْتَهلك في النهار، فإذا جاء الليل واستراح، وتباعدت الخلايا العصبيَّة، وانقطعت السيَّالة الكهربائيَّة، نام الإنسان، يستيقظ وكأنه لم يتعب من قبل، استعاد كل نشاطه .
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾
حدَّثني أخ سافر إلى بلد أوروبي أنه فقد النوم دون أن يدرس ما السبب، أول يوم، ثاني يوم، في اليوم الثالث، الرابع، قال لي : عشرين يوماً ما ذُقْتُ طَعْمَ النوم، ذهب إلى الطبيب الأول، فالطبيب الثاني، إلى مستشفى، حاروا في أمره، فاضطرَّ أن يعود إلى بلده، في أول ليلةٍ عاد إلى بلده نام نوماً عميقاً، شيءٌ يحيِّر !!
لو أن الله سبحانه وتعالى سلب الإنسان النوم، وهذا الكلام لا يعرفه إلا من سُلِبَ هذه النعمة، لأن الأرق لا يُحْتَمِل، يكاد الإنسان ينفجر، هذا الذي يذهب إلى فِراشِه ويضع رأسه على الوسادة وينام هذه نعمةٌ لا يعرفها إلا من فقدها .
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾
أنت في أثناء النهار في عملك، بالليل في بيتك، بالنهار هناك نشاط وبالليل همود ..
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾
هذا الذي قلته قبل قليل، حكمة الليل أن تذكر الله فيه، والآية الدقيقة جداً :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾
أرأيت لو كان الليل سرمديًّا؟!
لو أن الله سبحانه وتعالى أعطى الأمر إلى الأرض وهي بأمره، أن تقف عن الدوران، فبقي الليل مستمرَّاً، ماذا يفعل سكَّان الأرض؟ لو اجتمعوا واتخذوا قراراً ماذا يفعلون؟ هل تستطيع أقوى جهةٍ على وجه الأرض أن تأمر الأرض بالحركة ؟
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾
﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾
شيء دقيق جداً، الأصل هو الظلام، الفضاء الخارجي مظلمٌ ظلامٌ دامس، والشمس استثناءٌ من هذه القاعدة .
إذاً :
﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾
الليل يسري، يتحرَّك ..
﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾
ما من ثانيةٍ على وجه الأرض إلا وقد دخل فيها الليل تواً، أبداً، ما من ثانية، الأصحُّ من ذلك أن كل مكانٍ على وجه الأرض له توقيتٌ خاصٌّ للشروق والغروب، ما دامت الأرض كرةً والشمس من هاهنا والأرض تدور إذاً النهار تدريجي والليل تدريجي، ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ(32)وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾
لا تنسوا كلمة لكم، أي أن الليل والنهار صُمِّما خصيصى لكم أيُّها البشر، هل أنتم شاكرون ؟ هل أنتم ذاكرون ؟ هل أنتم طائعون ؟
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
هل أنتم سألتموه معشر البشر حتى أعطاكم الكون ؟
قال العلماء: " آتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه "، فهل أنتم سألتموه النجوم؟ هل سألتموه المجرَّات؟ هل سألتموه الشمس والقمر؟ هل سألتموه أنواع الأطعمة المنوَّعة؟ هذه الدابَّة تأكل نوعاً واحداً طوال حياتها، هل عرفتم قبل أن تُخْلَقوا أن هناك أنواعاً منوَّعة من الطعام سألتموه إيَّاها؟ لا، استنبط العلماء من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى ابتدأنا بالنِعَم من دون أن نسأله إيَّاها، فلمَّا خُلِقْنا على وجه الأرض سألناه بعضها ..
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾
ما دام توجد “من” للتبعيض، ومن كل ما لم تسألوه .
هل هذا السؤال بلسان الحال أم بلسان المقال ؟
شيءٌ آخر، هذا السؤال يا تُرى بلسان الحال أم بلسان القال؟ الإنسان أحياناً يسأل الله عزَّ وجل مثلاً: يا رب ارزقني، عملاً صالحاً أتقرَّب به إليك، يا رب ارزقني زوجةً صالحة تُعينني على أمر ديني، هذا دعاء، يا رب ارزقني بيتاً آوي إليه، ارزقني ولداً ينفع الناس من بعدي، ارزقني مالاً حلالاً أتقوَّى به على طاعتك، هذا سؤال، لكن الإنسان أحياناً لا يسأل، فإذا ربنا سبحانه وتعالى ييسِّر له حاجاته، هو محتاج إلى شيء يقيه البرد، خلق له الصوف، مهما كان البرد شديداً ترتدي هذا اللباس الصوفي فتشعر بالدفء، فجسمك يسأل الله عزَّ وجل بلسان الحال لا بلسان المقال، يأتي الصيف تشعر بالحر فتشتهي فاكهةً مفعمةً بالماء، يأتي البطيخ، يأتي الشتاء تشتهي الدفء، خلق الله لك الوقود، الحَطَب، أو الوقود السائل، حينما تدخل غرفةً تشتعل فيها المدفأة وكنت في بردٍ شديد تُحِسُّ بالنعيم وتقول: والله النار فاكهة الشتاء، هذا الجسد يحتاج إلى الدفء فخلق الله له ما يسدُّ هذه الحاجة، قد يحتاج الرجل إلى إنسانٍ يسكن إليه له تفكير، وله مشاعر .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
إما أن تسأله بلسان الحال وإما أن تسأله بلسان المقال، إذا رأى الأب الرحيم ابنه محتاجاً إلى معطف والشتاء قد اقترب، من دون أن يدري الابن، من دون أن يسأل، يأتي هذا الأب الرحيم بمعطفٍ لابنه قُبيل فصل الشتاء، فالابن لم يسأل لكن حالته تقتضي معطفاً ..
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾
سألتموه بلسان الاستعداد :
شيءٌ آخر، قال بعض المفسِّرين : " وآتاكم من كل ما سألتموه بلسان الاستعداد " .
أحياناً يكون لدى الإنسان إمكانيَّات عالية يجد شيئاً يسدُّ هذه الإمكانات، أحياناً يتوقُ إلى المعرفة فيجد من العلوم ما يسدُّ هذه الحاجة، سألتموه إما بلسان القال، أو بلسان الحال، أو بلسان الاستعداد، أحياناً يوجد عند مخترع شوق إلى أن يخترع شيئاً، فالله سبحانه وتعالى يلهمه الاختراع، لذلك الشيء الثابت أن كل المخترعات الحديثة التي كشفها الإنسان إنما هي في الحقيقة إلهامٌ من الله عزَّ وجل، لأن هذا المخترع عنده استعداد، فجاء الله سبحانه وتعالى وآتاه سؤلَهُ .
سُئل أحد المخترعين واسمه أديسون عن الاختراع فقال: "الاختراع تسعٌ وتسعون بالمائة عرق، بذل جهد، وواحد في المائة إلهام "، أي أن الله سبحانه وتعالى ألهم المخترعين فكرة الطائرة، وفكرة أي جهازٍ يخترعونه، والدليل قوله تعالى :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
مَن طلب شيئا بصدق نال مراده :
ألهم الفكرة، وخلق المواد، وخلق الوقود، إذاً تُعْزَى إليه، إذاً إنك تسأله بلسان المقال، أو تسأله بلسان الحال، أو تسأله بلسان الاستعداد .
مثلاً: لو أن الطالب صدق في حلِّ مسألة عويصة في الرياضيّات لألهمه الله حلَّها، كأنني أنتقل بهذا الموضوع إلى موضوع الاختيار، أي حينما خلق الله الإنسان على وجه الأرض تَعَهَّد الله عزَّ وجل أن يؤتيه سؤلَهُ، لو أن إنساناً طلب من الله أن يطير في الأجواء لألهمه وسائل هذا الطيران، لو أنه طلب أن يغوص في أعماق البحار آتاه سؤله، لو أنه طلب أن ينقُل صورةً من قارَّةٍ إلى قارَّة لألهمه سؤله، فأي شيءٍ تقع عليه عينك في هذه الأرض إنما هو إلهامٌ من الله عزَّ وجل، ولكن على حسب الطلب، ليس على حسب الطلب غير الصادق بل على حسب الطلب الصادق، أي اصدق في أي شيء تنله، هذا ملخَّص الملخَّص، أيّ شيءٍ إذا صدقت فيه يمكن أن تناله ..
طفل في قرية من القرى النائية حيث العلم معدوم هناك، صار في مستقبل أيَّامه رئيساً للجامعة، انتقل مشياً من قريته إلى أقرب مدينة، عمل في مدرسةٍ بطعامه فقط كي يصبح فيها مدرِّساً، تقلَّب من مدرسة إلى مدرسة إلى أن نال أعلى الشهادات وصار رئيساً للجامعة، لماذا صار كذلك؟ لأنه طلب من الله ذلك ..
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا(18)وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾
استمعوا :
﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاء وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾
أقول لكم : اصدقوا في طلب أي شيء فلابدَّ من أن يحقَّق لكم، أما الشيء الذي لم تصل إليه فلست صادقاً في طلبه، الشيء الذي وصلت إليه أنت صادقٌ في طلبه، والذي لم تصل إليه لست صادقاً في طلبه .
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
إنْ كنت عاقلا فاسأل الله الجنة :
إذاً اطلب من الله ما شئت ولابدَّ إن كنت صادقاً في طلبك من أن يحقِّق الله طلبك، لكنك إذا كنت عاقلاً فاسأله نعيماً مقيماً، اسأله الدار الآخرة، اسأله شيئاً لا ينتهي بالموت، أي شيءٍ في الدنيا ينتهي بالموت إلا معرفة الله عزَّ وجل، لذلك لم يسمّ الله سبحانه وتعالى الدنيا عطاءً، إنها أحقر من ذلك ..
(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاء ))
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ : أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ : فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ))
اسأله ما شئت، أي شيءٍ تسأله إيَّاه بصدقٍ يحقِّقه لك، ولكن إن كنت عاقلاً اسأله ما لا يفنى، إذا سألته ما يفنى فقد استهلكت هذا العطاء الكبير في أمدٍ يسير، لكنك إذا سألته ما يبقى سعدت بهذا العطاء إلى الأبد .
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
شيءٌ آخر .
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
الفائدة من إفراد لفظ النعمة :
نعمة، بعض المفسِّرين قالوا : الله لم يقل نعم الله، ولكنه قال :
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾
أي وإن تعدوا الخيرات من نعمةٍ واحدة وهي البصر لا تحصوها، لا تعدُّ خيرات نعمة السمع، لا تعد خيرات نعمة الزوجة، نعمة الأولاد، نعمة الصحَّة، نعمة الخَلْقِ .
مَن لا يحصي النعمَ عدًّا لا يبلغها شكرا :
شيءٌ آخر في الآية، إن كنتم لا تستطيعون إحصاءها فهل تستطيعون شكرها ؟ أنتم عاجزون عن إحصائها فما بالكم في شكرها، أنتم عاجزون عن إحصائها فقط لا النعم كلها، نعمة واحدة، يعجز البشر جميعاً مجتمعين ومتفرِّقين عن إحصاء خيرات نعمةً واحدة، فكيف بكل الخيرات؟ وكيف بالشُكر؟ أي نحن عاجزون عن إحصاء خيرات نعمة واحدة ..
فمثلاً المثانة، لو لم تكن المثانة لكانت حالة الإنسان صعبةً جداً، لو كانت ولم تكن مزوَّدةً بالعضلات لكانت حالة الإنسان صعبةً جداً، نعمة طَرْحِ الفضلات، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أكل طعاماً يقول :
(( الحمد لله الذي أذاقني لذَّته، وأبقى فيَّ قوَّته وأبعد عني أذاه ))
نعمة طرح الفضلات، نعمة أن الرئتين تعملان وحدهما بتقدير عزيزٍ عليم، لو أن الله عزَّ وجل أوْكَل هذا العمل لك لما وُجِدَ النوم أبداً تنام فتموت، نعمة ضربات القلب ليست إراديَّة، وإلا ما بقي أحد حياً يقف قلبه لأي سبب فيموت، القلب لا يأتمر بأمرك، هذه نعمة، أي أن نعمة الله لا تحصى ..
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
الإنسان ظلوم لنفسه كفَّار يجحد خالقه :
حينما يغفل عن ربِّه، وحينما يغفل عن آخرته، وحينما يغفل عن المهمَّة التي جاء من أجلها، وحينما يغفل عن معاده، إنه ظلوم يظلم نفسه، وكفَّار يجحد خالقه، أي يظلم نفسه ويجحد نِعَمَ خالقه ..
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ ﴾
إذا غفل عن هذه النِعَم، إذا غفل عن الله، إذا غفل عن الآخرة، إذا انغمس في الدنيا ..
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
يظلم نفسه، وظلمُ النفس أشدُّ أنواع الظلم، ويكفر ربَّه، وليس من جريمةٍ أبشع من أن يكفر الإنسان بربه الذي خلقه من قبل ولم يكن شيئاً .