وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 30 - سورة البقرة - تفسير الآيات 75 - 77 ، صفات المنافقين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الثلاثين من دروس سورة البقرة.

الله تعالى يخفف عن نبيِّه ويسري عنه لئلا يتسرَّب إلى نفسه شيء من الضيق أو الإحباط:

 مع الآية الخامسة والسبعين وهي قوله تعالى:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) ﴾

 أيها الأخوة الكرام، لأن الله عزَّ وجل يعلم أن هؤلاء اليهود سيكون لهم مواقف مع المسلمين متعبة ومزعجة في مستقبل الأيام، الله سبحانه وتعالى يعزِّي ويسلِّي ويسري عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا محمد لا تطمع بإيمانهم، لأنهم أنزل عليهم التوراة، وقرؤوه، وعقلوه، وحرَّفوه وهم يعلمون ما يترتب على من يحرف كلام الله، فهؤلاء شاردون، هؤلاء بعيدون، لأن الإنسان إذا دعا إلى الله وقابله المدعو بالتكذيب والسخرية والإعراض يتألَّمُ أشد الألم، فلئلا يتسرَّب إلى نفس النبي عليه الصلاة والسلام شيءٌ من الضيق أو من الإحباط الله عزَّ وجل يخفف عن نبيِّه، ويسري عنه، ويجعله يطمئن إلى أن المدعو إذا لم يؤمن، وإذا لم يستجب، وإذا لم يلتزم فهذا لا يعبِّر عن عدم صدق الداعية، لأن الله عزَّ وجل ما كلَّفه أن يحملهم على الإيمان.

 

الله تعالى ما كلَّف نبيه الكريم أن يحمل الناس على الإيمان بل أن يبلغهم فقط:

 

 قال تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (272) ﴾

(سورة البقرة: من آية " 272 " )

 لست عليهم بحفيظ:

﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) ﴾

( سورة هود)

 لست عليهم بوكيل:

﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) ﴾

(سورة الأنعام)

 وقال:

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) ﴾

(سورة الغاشية)

 وقال:

 

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (56) ﴾

(سورة القصص: من آية " 56 " )

 النبي عليه الصلاة والسلام عليه البلاغ أما هذا الإنسان يستجيب أو لا يستجيب، لا يستجيب لجهله، أو لا يستجيب لخبثه، أو لاحتياله هذا شيءٌ آخر.

 

الدقة العلمية في القرآن الكريم:

 الله عزَّ وجل كأنه يطمئن المسلمين إلى آخر الزمان أن هؤلاء اليهود متعبون، وأنهم مُشاكسون، وأنهم يزوِّرون الكُتُبَ المقدسة، وأنهم يردون دعوة أنبيائهم، وأنهم قتلوا أنبياءهم بغير حق، وأنهم مجرمون فلا تبتئسوا أيها المؤمنون لمواقفهم، هم من نوعٍ خاص

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ﴾

 فهل تنتظر من إنسان مجرم أن يكون رحيماً حينما يقتل وحينما يسفك الدم ؟ كيف تنتظر منه أن يكون رحيماً ؟ فالآن يلقون من الطائرات دمى، لُعَب مفخخة، من يلتقط هذه اللعب ؟ طفل صغير برئ، يلتقطها، فتتفجر أمامه وتقضي عليه، هذا تاريخهم الطويل، تاريخهم العنصري والإجرامي، تاريخهم في قتل أنبيائهم، وفي حمل العالم على الفساد، فهناك من يقول: إن أكثر ألوان الفساد في الأرض من صنع اليهود ؛ هذا الأدب الإباحي، وهذه الأفلام الخلاعية، وهذه المحطَّات الفضائية وراءها اليهود، إنهم مفسدون في الأرض.
 أيها الأخوة، لأن الله عزَّ وجل يعلم ما سيكون، يعلم معاناة المسلمين من هؤلاء اليهود الذين اتخذوا العنصرية منهجاً لهم وأرادوا أن يعيشوا على أنقاض شعوب العالم، وأرادوا أن يبنوا مجدَهم على سلامة هؤلاء الشعوب، لذلك ربنا عزَّ وجل يُبَيِّن ويقول: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ﴾ فهل تطمع من إنسان قاطع طريق أن يرحم الناس ؟‍! تطمع من إنسان يحارب العلم أن يتعلم ؟‍! تطمع من إنسان يحارب العمل الصالح أن يكون صالحاً:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (75) ﴾

 أيها الأخوة، في القرآن موضوعيةٌ مذهلة، أليس من اليهود من آمن برسول الله وكانت تفيض عينه خُشوعاً، عبد الله بن سلام آمن برسول الله، لولا كلمة منهم ما الذي يحصل ؟ إنسان من اليهود قرأ في التوراة أوصاف النبي وهو ينتظر مجيئه، فلما بعثه الله عزَّ وجل بادر إلى الإيمان به، وإلى نصرته، وكان من أقرب أصحابه إليه، لولا كلمة

﴿مِنْهُمْ﴾

 هذا يحدث ارتباك عند هذا اليهودي

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾

 هذه الدقة العلمية في القرآن الكريم:

﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا(36) ﴾

(سورة الإسراء)

النسبية في القرآن الكريم:

 هناك من يتوهَّم أن هناك أبيضاً وأسوداً، ولكن في الحقيقة هناك آلاف الألوان الرمادية بين الأبيض والأسود، فهناك شيء نسبي، وهل النسبية في القرآن الكريم ؟ دقق :

﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾

( سورة آل عمران: من آية " 167 " )

 الموقع نسبي، قال تعالى:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (5) ﴾

( سورة الروم)

 لكن هؤلاء الروم أهل الكتاب ؛ ولكن عقيدتهم لا تلتقي مع عقيدة المسلمين، تلتقي معها في بعض الجوانب، إذاً هؤلاء المؤمنون يتمنَّون أن ينتصر أهل الكتاب على الوثنيين، إذاً لعل أهل الكتاب أقرب إلى المؤمنين من الوثنيين، فالذي يؤمن أن لهذا الكون خالقاً ولكن له شريك هذا أفضل من الذي يقول: ليس لهذا الكون خالقٌ إطلاقاً، معنى ذلك الألوان متعددة وما بين الأبيض والأسود ملايين الألوان الرمادية، والإنسان كلما كان دقيقاً كلما جاء حُكْمُهُ موضوعياً، فكلمة

﴿مِنْهُمْ﴾

 لو لم تكن هذه الكلمة وهي ثلاثة حروف، لو لم تكن هذه الكلمة في هذه الآية وقرأ الآية عبد الله بن سلام، بماذا يشعر ؟

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (75) ﴾

 دائماً لا تُعَمِّم، التعميم من العمى.

على الإنسان ألا يعمم أو يطلق الأحكام القطعية بل يجب أن يكون موضوعياً في أحكامه:

 كل إنسان يقول لك: هلك الناس ؟ لا، بعض الناس لم يهلكوا، أو يقول: الناس لا يوجد فيهم خير، لا:

(( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ))

[ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة]

((أمتي كالمطر لا يُدْرَى أوله خير أم آخره))

[الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه]

(( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ـ قَالَ أَبُو إِسْحَقَ: لا أَدْرِي أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ ـ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

 الذي وصفهم بالهلاك وهم ليسوا كذلك، إيَّاكَ أن تعمم، إياك أن تطلق الأحكام القَطْعِيَّة، كن موضوعياً في أحكامك، الله عزَّ وجل قال عن فرعون:

﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) ﴾

( سورة النازعات)

 قد يقول قائل: لِمَ لَمْ يقل الله عزَّ وجل: فأخذه الله نكال الأولى والآخرة، فهذا هو الترتيب المنطقي ؟ لماذا قدم الآخرة على الأولى ؟ لأن فرعون قال في الآخرة:

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى(24) ﴾

( سورة النازعات)

 جازماً، وفي الأولى قال:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

( سورة القصص: من آية " 38 " ).

 في تَحَفُّظ، أي أنه بحسب علمي

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

 فالله عزَّ وجل بدأ بالآخرة لأنها أشد كفراً وأشد عتواً، فكلمة:

﴿ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى ﴾

 غير

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

 فأنت دائماً وأبداً حينما تُطْلِق الأحكام، هناك من يقول: هؤلاء ليس فيهم خير، هؤلاء القوم مجرمون، هذه أحكامٌ مُضْحِكَة، التعميم من العمى، لا يطلق الأحكام المُطْلَقَةَ على الناس، وعلى البُلدان، وعلى الشعوب، وعلى الأمم، وعلى الأقاليم، وعلى الأمصار إلا جاهل.

 

الله عزَّ وجل يُسَلِّي نبيه ويخفف عنه من شدة تكذيب اليهود له:

 بالمناسبة ؛ الدين كالهواء للإنسان، هل يستطيع أحد أن يحتكر الهواء ؟ لا أمة، ولا شعب، ولا عَصر، ولا مِصر، ولا إقليم، ولا جماعة، ولا طائفة، ولا فئة، ولا مذهب، أبداً، فهذا الدين دين الله، لا يستطيع أحد أن يحتكره، فإيَّاك والأحكام المُطلقة، إياك والأحكام العنيفة، إياك والأحكام الحادَّة، إياك أن تُطْلِقَ الحكم دون تحفظ، والآية الكريمة:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (75) ﴾

 فريقٌ منهم (من) للتبعيض، أي بعضهم، وبعضهم الآخر آمن برسول الله، وكانوا من أقرب الناس إليه، وكانوا من أرقى أصحابه، وعلى رأسهم عبد الله بن سلام، وله قصة إن شاء الله إذا أمكنني في الدرس القادم أسمعكم إيَّاها، إذاً:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ (75) ﴾

 دائماً الإنسان الخبيث حينما لا يستطيع رَدَّ النَص يحرفه، القرآن قطعي الثبوت، لا يستطيع أحدٌ أن يقول: هذه ليست آيةٌ في كتاب الله، أكيد، لأن الحديث الشريف ظني الثبوت، هناك من يرُدُّ الأحاديث الصحيحة، ومن رد الحديث المتواتر فقد كفر، ومن رد الحديث الصحيح فقد فسق، لذلك كأن الله عزَّ وجل يُسَلِّي نبيه ويخفف عنه من شدة تكذيب اليهود له قال: يا محمد لا تحزن عليهم، لا تبالي بتكذيبهم، عليك البلاغ وعلينا الحساب.

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26) ﴾

(سورة الغاشية )

 هم أتعبوا نبيَّهم، وكذبوا أنبياءهم، وقتلوا أنبياءهم، وفعلوا كل شيء.

 

القرآن قطعي الثبوت والحديث ظني الثبوت:

 الآن كما قلت لكم في درسٍ في هذه السورة: إن الأمراض التي وقع فيها اليهود نحن مرشَّحون أن نقع بها، هم بدَّلوا وغيروا، ونحن معنا كتاب قطعي الثبوت، الحديث ظني الثبوت، فهناك من يردُّ حديثاً لا ينسجم مع هوى نفسه ؛ لكن هذا المنحرف، هذا المبتدع لا يستطيع أن يرد آيةً، فماذا يفعل ؟ يأتي إلى تأويلها، ما دامت آيات القرآن الكريم كلها قطعية الثبوت فلا سبيل إلى تكذيب آيةٍ منها، والقرآن كله قطعي الثبوت، إذاً هناك من يلجأ إلى اللعب بالتأويل، فيؤول، فمن أراد أن يبيح لنفسه الربا قال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً (130) ﴾

( سورة آل عمران )

 يقول: إن الله نهانا عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة، ولم ينهنا عن أكله بنسبٍ ضئيلة، أليس هذا تحريفٌ لكلام الله، لو سألت عالم الأصول لقال لك: إن هذا قيداً وصفياً وليس قيداً احترازياً، هذه قضية دقيقة بالتفسير، هناك أوضح من ذلك:

﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنَاً (33) ﴾

( سورة النور ).

 لو أن الفتاة لم ترد التحصن هل يباح للأب أن يكرهها على الزنا ؟ مستحيل وألف مستحيل، ما معنى هذه الآية ؟ أي

﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ﴾

 اللاتي يردن التحصُّن والزواج، العلماء قالوا: هذا قيد وصفي وليس قيداً احترازياً.

 

مشكلة لَيِّ أعناق النصوص وقع به المسلمون إلى درجة أنك لا تجد شيئاً حراماً:

 إذاً كلمة

﴿ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾

 هذا قيد وصفي، أي أن من شأن الربا أنه أضعاف مضاعفة، مثلاً يقول لك: لا توجد آية تحرم الخمر، أعوذ بالله، لا يوجد أن الخمر حرام، أو محرمةٌ عليكم، ولكن يوجد كلمة

﴿ فاجتنبوه ﴾،

 فالاجتناب أشد أنواع التحريم، لو أن الله عزَّ وجل حرم علينا الخمر لكان من الممكن أن نتاجر به، حرم علينا شربها، أما حينما أمرنا أن نجتنبها، لذلك أمرنا أن نبتعد عن بيعها، وعن شرائها، وعن حملها، وعن نقلها، وعن عصرها، وعن كل شيءٍ يتصل بها، فآية الاجتناب أبلغ من آية التحريم، إذاً يلوون أعناق النصوص، فيقول لك: الخمر ليست محرمة.

﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾

( سورة النساء)

 فُهِمَت هذه الآية على غير ما أراد الله عزَّ وجل، هذا من لَيّ أعناق النصوص، ومن تحريف الكَلِمِ عن مواضعه.

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ ﴾

( سورة الحج).

 لا يصلون، لأن الله لم يمكنهم في الأرض، كلامٌ مضحك، هذه مشكلة لَيِّ أعناق النصوص، هذه مشكلة التبديل والتغيير، والتزوير والتحوير، وهذا وقع به المسلمون إلى درجة أنك لا تجد شيئاً حراماً في النهاية، يقول لك: الفائدة ليست حراماً، فهذه عائدة وليست فائدة، تضع المال في مصرف ربوي، وتتلقى فائدة ربوية، والوصف أنها عائدة وليست فائدة، أليس هذا تزويراً لكلام الله عزَّ وجل ؟ ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

( سورة البقرة: من آية " 279 " )

 لأن كل معصيةٍ لها مستوى، الذي يشرب الخمر يضر نفسه، والذي يزني يؤذي معه فتاةً، والذي يأكل الربا يُسْهِمُ في انهيار مجتمعٍ بأكمله، لأن هذه الكتلة النقدية في الأصل ينبغي أن تكون بين أيدي الناس جميعاً، موزعةٌ بين أيدي الناس، فبأيَّة طريقةٍ إذا اجتمعت في أيدٍ قليلة وحُرِمَت منها الكثرة الكثيرة كانت الكوارث، والحروب، والمنازعات، والشقاء البشري، فقد قرأت البارحة إحصاءً: أن ثلاثة أرباع موارد الأرض، الخمس قارَّات، الثروات الباطنية، كل ما في الأرض من ثروات يملكها عشرون بالمئة من سكان العالم، ثلاثة أرباع ما في الأرض يملكها عشرون بالمئة من سكان العالم، لذلك تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً .

 

تحريم ربنا الربا ليضمن أن يعيش الناس جميعاً في سعةٍ وأمنٍ وبحبوحة :

 أيها الأخوة، من أجل أن تبقى هذه الكتلة النقدية بين أيدي الناس جميعاً حرَّم الشرع أن يَلِدَ المالُ المال، المال يَلِد بالأعمال، فإذا حصرنا كسب المال بالأعمال توازنت الأمور، ووزعت هذه الكتلة النقدية بين أيدي الجميع، بين أيدي كل من يعمل، أما إذا استطاع أحدنا بماله فقط أن ينمِّيه نماءً فاحشاً من دون عمل عن طريق الربا ما الذي يحصل ؟ تتجمع الأموال كلها في أيدٍ قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة، لذلك أكثر الثورات والحروب العالمية وراء سوء توزيع الثروات، طبعاً هذا شيء ثابت، فلما حَرَّمَ ربنا الربا حرمه ليضمن أن يعيش الناس جميعاً في سعةٍ وفي أمنٍ وفي بحبوحة، فهذا الذي يُبَدِّلَ ويغيِّر:

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ (75) ﴾

 إلى أن تصل إلى درجة أن لكل معصيةٍ فتوى ؛ الغناء، والرقص، والتمثيل، كل معصية لها فتوى، ما هذا الدين المرن ؟ صار كالغاز، الدين غاز، في أي مكان يدخل، ينبغي أن تقول: أنا مسلم فقط، افعل ما تشاء، لك أن تكسب المال الحرام، ولك أن تضع المال في المصارف الربوية، ولك أن تلتقي مع من تشاء، فإذا وصل الدين إلى هذا المستوى انتهى الدين، الدين منهج، الدين صُلب لا يسيخ ولا يتبخَّر، فلذلك النقطة الدقيقة أنه حينما يريد أناسٌ من أعداء الدين أن يضعضعوا قيمة الدين، والذين معهم كتاب قطعي الثبوت ماذا يفعلون ؟ يبدلون في التأويلات، أي أنهم يأتون بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، فحينما يواجهون نصاً قطعي الثبوت، قرآناً قطعي الثبوت، ماذا يفعلون ؟ يلوون أعناق النصوص، يحرِّفون، يبدِّلون، يزورون.

 

الإنسان مُخير بدليل أن أقرب أقرباء النبي لم يؤمن به:

 الحقيقة هناك من يُفتي بجهل، هذا إنسان جاهل، ولكن الذي يفتي بخلاف ما يعلم هذا إنسان يرتكب في الدين جريمةً كبيرة، يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحكم الشرعي ولكنه يغير ويبدل ويلوي أعناق النصوص كي يصل إلى فتوى ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك الفتوى جِسْرٌ إلى النار، والإنسان إذا كان جباناً في الفتوى فهو بسبب ورعه وخوفه من الله عزَّ وجل.
 النبي عليه الصلاة والسلام يطمع بهداية الناس جميعاً، لأنه حمل هذه الدعوة، وكل داعية صادق يطمع بهداية الناس جميعاً، ويبذل كل ما في وسعه، ولكن حينما يَصُدُّ الناس عن النبي، وحينما لا يستجيب الناس لهذه الدعوة، هذا لا يقدح في نزاهة الداعية، ولا يقدح في إخلاصه ولا في صدقه، لأن الإنسان مُخير، بدليل أن أقرب أقرباء النبي لم يؤمن به، عمه أبو طالب لم يؤمن به، أبو جهل، أبو لهب، أعمامه لم يؤمنوا به:

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2) ﴾

( سورة المسد )

 من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار، فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

(( من يبطئ به عمله لا يسرع به نسبه ))

[ شعب الإيمان عن ابن عباس]

(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

إنك لا تستطيع هداية من أحببت كما أنك لا تُسأل عن ذلك:

 لو وقفنا وقفةً متأنيةً عند كلمة:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ (75) ﴾

 الإنسان متى يطمع ؟ حينما تتطلع إلى ما لا تملك، حينما تتطلع إلى ما لم تُكلَّف، حينما تتطلع إلى ما ليس في مقدورك، فأنت بهذا تطمع، أحياناً الإنسان الذي تقدمت به السن يطمع أن يكون شاباً، لكن هذا مستحيل، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء، الفقير يطمع أن يكون غنياً، إلا أن الإنسان إذا أراد أن يوسِّع حركته في الدنيا، فبذل جهداً كبيراً كي يوسِّع هذه الحركة هذا لا يطمع، أما حينما يبني رفاهية ورَغَدَ عيشه على حركة الآخرين ؛ على جهدهم، على كسبهم، على كد يمينهم، وعرق جبينهم هذا ظالمٌ لنفسه، فأنت إذا بذلت جهداً كبيراً وحصَّلت دخلاً واستمتعت به لك حساب آخر من نوع ثان، أنك ضيَّعْتَ الوقت فيما لم تخلق له، أما حينما تريد أن تعيش حياةً ناعمةً راغدةً على حساب الآخرين هذا ليس من حقك، هذا أصل الطمع، أن تتطلع إلى ما ليس لك، أن تَتطلع إلى ما لم تكلف به، أن تتطلع إلى ما يفوق قدراتك، هذا أصل الطمع، لو وقفنا عند أصله بشكل موضوعي، فأنت حينما تتطلع إلى ما لا تملك، أو إلى ما ليس لك، أو إلى ما لا تقدر عليه، فأنت وقعت في الطمع والطمع ليس خلقاً محموداً، أما في الهداية فهذا موضوع ثان، المؤمن يطمع بهداية الناس جميعاً مع أنه لم يُكَلَّف بذلك، ليس عليك هداهم:

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (56)﴾

( سورة القصص ).

 إنك لا تستطيع هداية من أحببت كما أنك لا تُسأل عن ذلك، لا تستطيع ولا تُسأل، فحينما طمع النبي بهداية كل الخلق ؛ بهداية المشركين، وهداية أهل الكتاب هذا من كماله، ومن رحمته، ومن قربه من الله عزَّ وجل، ولكن حينما أعرض عنه اليهود ولم يستجيبوا، وبدلوا، وزوروا، وكذبوا، هنا ليس عليه مسؤولية ولم يكلف بما لا يطيق.

 

الكافر واضح والمؤمن واضح أما المنافق فمخيف:

 أيها الأخوة، ثم يقول الله عزَّ وجل بعد أن قال:

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) ﴾

 أخواننا الكرام، المؤمن انسجم مع فطرته وانسجم مع الكون، في الكون حقيقة كُبرى هي الله، فالمؤمن انسجم مع نفسه، مع فطرته، ومع حقيقة الكون الأولى، الكافر انسجم مع نفسه، ولم ينسجم مع حقيقة الكون الأولى، أما المنافق لم ينسجم لا مع نفسه ولا مع حقيقة الكون الأولى، المؤمن انسجم مع نفسه وفطرته ومع حقيقة الكون الأولى، مع الله، والكافر انسجم مع نفسه، ولم ينسجم مع حقيقة الكون، أما المنافق يقول بما لا يؤمن، ويؤمن بما لا يقول، لا مع نفسه كان صادقاً، ولا مع الحقيقة العظمى في الكون كان صادقاً، لذلك:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) ﴾

(سورة النساء)

 الدليل: الكافر واضح، والمؤمن واضح، أما المنافق مخيف، له ظاهر وله باطن، له كلام يعلنه وله معانٍ يُبَطِّنُهَا، له موقف مع المؤمنين، يقول لك: أعطيه جمله، يسايره، وله موقف مع الكفار والمُلحدين، فلذلك:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا (76) ﴾

معرفة اليهود للنبي كمعرفة الإنسان لابنه ومع ذلك كابروا وأنكروا رسالته :

 اليهود عندهم في توراتهم أوصاف النبي كاملةً، وكانوا يتحدَّوْنَ العرب بهذه الأوصاف، سيأتي نبيٌ منكم ونحن سنكون أول من يؤمن به، فلما حَدَّثَ هؤلاء اليهود بعضهم بعضاً:

﴿ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) ﴾

 كأن الله عزَّ وجل لا يعلم، بالمناسبة لا يوجد معرفة بالأرض أقوى ولا أرسخ ولا أثبت ولا أوضح ولا أسهل من معرفة الأب لابنه، فهل سمعتم في كل حياتكم أن أباً قال لابنه: ما اسمك أنت يا بني ؟ مستحيل، مستحيل، قال:

﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾

( سورة البقرة: من آية " 146 " )

 معرفة اليهود للنبي كمعرفة الإنسان لابنه، ومع ذلك ركبوا رؤوسهم وكابروا وأنكروا رسالته، فلذلك:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) ﴾

وصف الله عز وجل المنافقين في عدة آيات:

 أيها الأخوة، هؤلاء اليهود منافقون، وشأن المنافق أنه ليس مع المؤمنين وليس مع الكافرين، حالة نادرة، لا ينسجم لا مع نفسه ولا مع الحقيقة، لذلك وصفهم الله عزَّ وجل في آيات أخرى، قال:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) ﴾

( سورة البقرة)

 وقال:

﴿ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ ﴾

( سورة آل عمران: من آية " 119 " )

 وقال:

﴿ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ(61)﴾

( سورة المائدة)

المناظرة الرائعة التي عرضها الله عزَّ وجل لنا في القرآن الكريم:

 طبعاً هنا:

﴿ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ (76) ﴾

 الحُجَّة ؛ المناظرة، والله عزَّ وجل عرض لنا بالقرآن الكريم مناظرة رائعة، قال:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾

( سورة البقرة: من آية " 258 " )

 عنده جنود، أمر جندياً أن يقتل رجلاً، ثم أمره أن يَكُفَّ عن قتله، قال: إن شئت قتلته ـ أمته ـ، وإن شئت عفوت عنه ـ أحييته ـ أنا أحيي وأميت، إذا كنت تَدَّعي أن الله يحيي ويميت، فأنا أحيي ويميت ـ هذا النمرود ـ الله علمنا فن الحوار، وفن المناظرة، فقد صار تأويلات، هو أوَّل الحياة بأنها عفو، وأَوَّلَ الموت بأنه إعدام، مع أن الموت ليس إعداماً:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) ﴾

( سورة آل عمران ).

 قيل: المتأوّلان لا يتفقان إلى يوم القيامة.

 

تتمة المناظرة كما عرضها القرآن:

 إذا أردت أن تناظر إنساناً وكل إنسان يفهم النص كما يحلو له فالطريق مسدود، فسيدنا إبراهيم وجد أن هذا الطريق مسدود:

﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾

( سورة البقرة: من آية " 258 " )

 لأن هذا الطريق صار فيه تأويل، القصد بالحياة منح الحياة، والموت إنهاء الحياة، النمرود فهم الحياة العفو والموت القتل فتركه في هذا الطريق المسدود وسلك طريقاً آخر:

﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ ﴾

 قال:

﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾

( سورة البقرة: من آية " 258 " )

لا يمكن لإنسان أن يقلب الحق إلى باطل بكلمة:

 هؤلاء اليهود قالوا:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (76) ﴾

 أي أنكم تعطون للعرب حجج:

﴿ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ (76) ﴾

 يوم القيامة:

﴿ ِ عِنْدَ رَبِّكُمْ (76) ﴾

 أنتم تقدمون أوصاف النبي كما جاءت في توراتكم، صار معهم حجة، وكأن الله لا علاقة له بهذا الموضوع إطلاقاً، أرأيتم إلى إيمانهم ؟ فالقضية إذا كان ذكر الشيء وهذا ما يقع به المسلمين أحياناً، فهل من الممكن لإنسان بكلمة أن يقلب الحق إلى باطل ؟ مستحيل، لو قلنا عوائد فوائد، بَدَّلنا كلمة فوائد بكلمة عوائد فهل ألغي الربا ؟ إذا تكلمنا كلمة ألغي الزنا أي إذا قلنا لمرة واحدة: أجرة، مُتْعَة، فهل صار بذلك الزنا مباحاً ؟ فهل من الممكن أن تنقلب الأمور بكلمة أو بحرف ؟ مستحيل، فلذلك ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) ﴾

 الآن اسمع الآية الكريمة:

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) ﴾

 أرأيت إلى ضعف الإيمان، كأن الله في السماء ولا يرى شيئاً في الأرض، شيء مضحك، فكثيراً ما تجد في الفتاوى أشياء مضحكة جداً، كأن يقول لك: بكم سعر هذا الشيء ؟ يقول لك: بألف نقداً، وبألف وخمسمئة تقسيطاً، صارت هناك مشكلة، فيقول: بألف نقداً، ماذا طبخت اليوم ؟ يقول لك: فاصولياء، وألف وخمسمئة تقسيطاً، وما دام في فاصولياء بين السعرين لم يبق في أي مشكلة، شيء مضحك، هذا نفسه وقع عندنا، دخلت كلمة غريبة، فصار هناك مجلسان، فأُلغيت الحُرْمَة.

 

أغلب ما فعله اليهود نفعله نحن اليوم:

 قال تعالى:

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (77) ﴾

 قديماً كان يضع زكاة ماله برغيف خبز ويهبها للفقير، ثم يقول للفقير: بعني هذا الرغيف بخمس ليرات، ويكون في داخل رغيف الخبز خمسة آلاف ليرة، أعطى رغيف الخبز للفقير، فبذلك يكون قد دفع زكاة ماله، ثم استرده بخمس ليرات، وكأن الله لا يعلم، اليهود فعلوا هذا أيضاً:

﴿ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ﴾

( سورة الأعراف: من آية " 163" )

 فَجَمَّعوا الحيتان يوم السبت وصادوها يوم الأحد، وبذلك لم نخالف في شيء، والمسلمون وقعوا في حِيَلٍ شرعيةٍ لا تقل عن هذا، يجب أن يجلس مع زوجة أخيه، القضية سهلة، يحضر طفلة صغيرة عمرها سنة وترضعها زوجة أخيه، أصبحت أمها، يعقد عقده على هذه الطفلة، أصبحت زوجة أخيه حماته على التأبيد، يطلقها فيستطيع بذلك أن يجلس مع زوجة أخيه، وانتهت العملية، هذا الذي فعله اليهود نفعله نحن اليوم، فلذلك أكثر أنواع هذه الفتاوى سببها:

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) ﴾

من ضعف الإيمان أن يظن الإنسان أن الحيل الشرعية مقبولة عند الله تعالى:

 من ضعف إيمانهم يظنون أنهم يأتون بحيلٍ شرعيةٍ مقبولةٍ عند الله عزَّ وجل ؛ قبل أن يحول الحول على المليون يدفعه عربوناً لأيّ بيت، بعد ذلك يلغي العقد، وألغي الحول، فاسترد المليون، أو يريد ألا يورِّط أحداً يكتب سندَ دينٍ وهمي بخمسة ملايين، فصار الميت مديناً، وكل شيء نقدي انتهى، أو يطلِّق زوجته على فراش الموت حتى ينتهي، ويتخلص من ميراثها، وهناك آلاف آلاف الفتاوى كلها باطلة، كلها أساسها أن الذي يفعل هذا لا يعلم أن الله يعلم، يظنه لا يعلم:

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) ﴾

 أيها الأخوة في درسٍ آخر نتابع هذه الآيات، وهي قوله تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور