وضع داكن
20-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الندوة : 08 - الفطرة و الشرع، التمويه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ عدنان :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله، وأرحب بكم في برنامج:" مكارم الأخلاق" وباسمكم أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً .
الأستاذ عدنان :
دكتور مكارم الأخلاق والشرع، الشرع يحثنا على مكارم الأخلاق، والعقل نستطيع من خلاله أن نميز، ونفكر، وهناك الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يطغى العقل، ويمكن أن تنطمس الفطرة، من خلال ارتكاب الجهالات التي قد يقوم بها الإنسان، ونحن نتحدث الآن عن مكارم الأخلاق، كيف يسير الإنسان باتجاه مكارم الأخلاق إذا كان هناك عقل قد يطغى وفطرة قد تنطمس كيف يكون منهجه في الحياة؟

 

الله عز وجل ما كلف الإنسان بعبادته إلا بعد أن أعطاه مقومات التكليف :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ عدنان كما قلنا الإنسان هو المخلوق الأول، والمكرم، والمكلف، كلفه أن يعبده ليسعد بقربه في الدنيا والآخرة، وما كلفه بعبادته إلا بعد أن أعطاه مقومات التكليف، أعطاه كوناً ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، أعطاه عقلاً يكشف به الحقائق:

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾

[سورة الرحمن : 7 ]

أعطاه فطرة يكشف بها الخطأ من الصواب، أعطاه شهوة تكون قوة دافعة له، أعطاه حرية ليثمن بها عمله، ولكن قال تعالى:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[سورة العلق: 6-7 ]

فالإنسان قد يطغى وقد يطغى عقله، حينما يرى نفسه قوياً، غنياً، مالكاً، يطغى، ويطغى عقله قبل طغيانه، إذاً كان العقل ميزاناً موضوعياً فأصبح مزوراً ومشوهاً، أعطاه فطرة يكشف بها الخطأ من الصواب، ولكن الإنسان حينما يغرق في الانحراف تنطمس فطرته، لا بدّ من مرجع ثابت، كيف أن هناك موازين كثيرة عند الباعة لكن عند المحافظة وعند المسؤولين على أمور التموين موازين ثابتة، فأي وزن كان مزوراً يقاس على هذا الوزن المركزي الصحيح، كيف أن محطات الوقود عندها عدادات، لا بدّ من وعاء يساوي عشرين لتراً بالتمام والكمال تفحص به عدادات محطات الوقود، فنحن مع أن هناك عقلاً كميزان علمي، ومع أن هناك فطرة كميزان نفسي أخلاقي، لا بد من مرجع ثابت، أنا حينما أكلف الطلاب أن يحلوا مسألة رياضية، بعض المدرسين يعطون الطالب الجواب، وكأنهم يقولون له: إذا جاء حلك منتهياً بهذا الجواب فأنت على صواب، فإن جاء عندك الجواب مخالفاً لهذا الجواب فأنت على خطأ، لذلك قضية الشريعة قضية أساسية جداً، هي المرجع.

 

العقل والفطرة موازين وضعها الله في الإنسان لاتباع الحق و اجتناب الباطل :

الإنسان آلة معقدة جداً، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، أنت تشتري مركبة، وقد تجتهد في طريقة معالجة بعض أخطائها، وقد تجتهد في أسلوب تنظيفها، وقد تجتهد في أسلوب ملء العجلات بالهواء

لكن إذا فتحت تعليمات الصانع يعطيك تعليمات دقيقة في طريقة تنظيفها من الداخل، وفي طريقة تنظيف البلور، وفي طريقة ملء العجلات بالهواء، فهذه تعليمات الصانع هي الصحيحة، وما من جهة تستحق أن تتبع تعليماتها كالجهة الصانعة، معنا موازين، معنا موازين؛ العقل والفطرة، لكن الحياة معقدة جداً:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾

أنواع القراءات :

1 ـ قراءة بحث و إيمان :

بل إن الله عز وجل حينما قال:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

[ سورة العلق: 1-2 ]

فلا بد من أن تقرأ في هذا الكون قراءة بحث وإيمان:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

[ سورة العلق: 1-2 ]

2 ـ قراءة شكر و عرفان :

و لا بد من أن تقرأ قراءة شكر وعرفان:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٍ ﴾

[ سورة العلق: 1-3 ]

منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية شكر وعرفان.

 

3 ـ قراءة

وحي وإذعان :

ثم يقول الله عز وجل :

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمٍْ ﴾

[ سورة العلق: 3-5 ]

الوحي، كل شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرك الله به، فعندي قراءة بحث وإيمان، وعندي قراءة الشكر والعرفان، وعندي قراءة الوحي والإذعان. 

4 ـ قراءة عدوان و طغيان :

بقي القراءة الرابعة نعوذ بالله من هذه القراءة:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[سورة العلق: 6-7 ]

يطغى بعقله. 

من جاءت أفكاره موافقة للشريعة فهو على حق :

لماذا تتخبط البشرية اليوم بمتاهات الحروب والصراعات؟ لأن عقلها ضلّ، لأن عقل الإنسان لم يهتدِ بوحي السماء، وكنت أقول دائماً: كيف أن الضوء ضروري جداً لرؤية العين، الوحي ضروري جداً جداً لصواب العقل، فعقل من دون وحي كما ترى الإنسان يشقي نفسه بيده، والإنسان إذا ابتعد عن وحي السماء كان شقياً مشقياً، وكان فاسداً مفسداً، وكان مجرماً ويحمل على الجريمة، فلذلك العقل قد يطغى والفطرة قد تنطمس، الإنسان إذا مارس الخطأ، واستمرأه، وتابعه إلى أن تنطمس فطرته هناك تعبير قرآني:

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة المطففين: 14]

الإنسان أحياناً يفقد رؤيته الصحيحة، ويفقد وعيه:

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة البقرة : 18]

لذلك تأتي قيمة الشريعة، الشريعة مرجعية، أنا شككت بهذا الكيلو هل هو مزور؟ هناك إضافات رصاص، أو نقص في الرصاص الذي بداخله، يؤخذ هذا الوزن إلى البلدية إلى قسم الموازين، يوضع على الوزن النظامي، فلذلك الإنسان العاقل يفكر، ويرتاح لشيء، وينزعج لشيء، أي يستخدم عقله تارة وفطرته تارة أخرى، ولكن ليعلم علم اليقين أنه في النهاية له مرجع، فإذا جاءت أفكاره موافقةً للشريعة، وإذا جاءت تصرفاته موافقة للشريعة، فهو على حق، أما أن يخترع كل إنسان دين يقول: هذا يزعجني، هذا يريحني، هذه القضية أصبحنا في فوضى، نحن أمام مليون دين، أصبحنا أمام إنسان يفصل له دين على شاكلته، يريد ديناً فلكلورياً، يريد دين ألقاب علمية، دين مؤتمرات، دين ألقاب علمية، دين مناصب، دين مؤلفات، أما الدين الحقيقي بعيد عنه.

 

الشرع هو المرجع الأساسي للمسلم :

الآن هناك كلمات شائعة، فلان عنده أرضية إسلامية، وخلفية إسلامية، ونزعة إسلامية، وتوجه إسلامي، ومشاعر إسلامية، واهتمامات إسلامية، لكنه ليس مسلماً في الأساس، لا يطبق شيئاً من الدين، فهذه الفوضى، كان الدين مكعباً حديدياً، واضح المعالم، صار كرة نزعت منها النتوءات الثمانية، ثم أصبح كرة مطاطية، ثم أصبح سائلاً في أي وعاء يوضع، ثم أصبح غازاً، لذلك العقل قد يطغى، قد يأتيك إنسان بعقله يبيح لك المحرمات، قد يأتيك إنسان بدليل عقلي واه أنت لا تملك أن تجيبه يبيح لك الكبائر، لذلك هناك متاهات الأطروحات غير الصحيحة، لا بد من مرجع للمسلم، المرجع هو الشرع، هذه نقطة دقيقة جداً، أن العقل الذي هو ميزان قد يطغى، وأن الفطرة التي هي ميزان أخلاقي تنطمس، ما المرجع الأساسي الثابت؟ هو الشرع.
الأستاذ عدنان :
دكتور كلام جميل لا شك، وكما بينتم أن العقل قد يطغى، ويمكن ألا يطغى، وأن الفطرة قد تنطمس، لكن يمكن أيضاً ألا تنطمس، فإذا ما استطاع الإنسان أن يوازن في موضوع العقل بحيث لا يطغى، وفي موضوع الفطرة بأن لا تنطمس، وجعل ميزانه الشرع، هذا هو المنهج السليم، لكن ضربت مثالين توضيحيين، الوزن الثابت الذي تقاس عليه بقية الأوزان، وموضوع آخر الطالب في المدرسة أعطي مسألة رياضية وأعطي الجواب الصحيح، إن كان زيادة فهو خطأ وإن كان نقصاناً فهو خطأ، هنا بالمثال الثاني لا الزيادة و لا النقصان يدخلان في نطاق الصواب، أما في نطاق الوزن فكما يقال زيادة الخير خير، ترى هل هذا أيضاً يدخل في نطاق الشرع؟
الدكتور راتب :
أنا ذكرت نقص الوزن، الزيادة خير طبعاً لكن هناك من يتلاعب، بأن يذيب بعض الرصاص في الأوزان، فيغدو هذا الكيلو تسعمئة غرام، فيغش الناس إلى أمد طويل، لابدّ من مرجع للوزن في البلدية يقاس عليه، كما ذكرت قضية محطات الوقود لابدّ من وعاء يساوي عشرين لتراً بالتمام والكمال تفحص به عدادات وقود المحطات.
الأستاذ عدنان :
أنا قصدت في الحقيقة في موضوع الزيادة في الوزن ما يتصل بالصحابة الثلاثة الذين أرادوا أن يصوم أحدهم الدهر كله والثاني ..

منهج النبي كامل لا يحتاج إلى إضافة ولا إلى حذف :

الدكتور راتب :
بارك الله، أنا ما انتبهت إلى دقة السؤال، الحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

أنا لا أريد لمؤمن أن يزايد على رسول الله، لأن منهجه منهج كامل، بل إن بعض الأشخاص أراد أن يحرم قبل الميقات، قال له أحدهم: لا تحرم قبل الميقات، قال: أنا في عبادة، قال له: هل تتفنن؟ قال: كيف أتفتن؟ قال: وهل من فتنة أكبر من أن ترى نفسك سبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهج النبي كامل لا يحتاج إلى إضافة، ولا يحتاج إلى حذف، أما النقطة الدقيقة أن هذا المنهج يوصلك إلى أعلى مراتب الجنة، فلا تحتاج إلى أن تضيف على الدين ما ليس منه، لذلك قالوا: العبادات الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي الثبوت، أما الأشياء الأصل فيها الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي والثابت.
الأستاذ عدنان :
دكتور من خلال الكون نرى أشياء معجزة، وقد جعلتم في كل حلقة ما يشير إلى إعجاز الله عز وجل، وعظمته في الكون، وفي مخلوقاته، الكون إذاً يرينا أشياء كثيرة من خلالها نعرف الله عز وجل، لكن هذه المعرفة هل توصلنا لوحدها إلى المنهج السليم؟

 

معرفة الآمر هو الخطوة الأولى في طريق الإيمان :

الدكتور راتب :
لا، أنا أقول دائماً أستاذ عدنان أنت أيها المسلم بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، أحياناً تلتقي بإنسان محسن، كريم، منحك شيئاً ثميناً، الآن تفكر كيف تكافئه، كيف تقدم له آيات الشكر، الإنسان إذا عرف الله دون أن يشعر يبحث عن قربة له، يبحث عن منهجه، ما الذي يريده الله؟ ما الذي لا يريده؟ ما الذي يحب؟ ما الذي لا يحب؟ لمجرد أن تعرف الله تبحث عن منهجه، لكن الذي يستغني عن منهجه هو لا يعرفه، لأنه بالكلام الدقيق: إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، لذلك قبل أن نبحث عن الحلال والحرام، هل تعرف من الذي أمرك بهذا؟ وهل تعرف ماذا ينتظرك إن أطعته؟ وماذا ينتظرك لو عصيته؟ فلذلك معرفة الآمر هو الخطوة الأولى في طريق الإيمان، وما تخلف المسلمين إلا لأنهم عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر، لم يعرفوه إلهاً واحداً بيده كل شيء، لم يعرفوا أن الله عز وجل في السماء إله وفي الأرض إله، لم يعرفوا أن ما من إنسان يطيع الله عز وجل إلا ويربح، و مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر وأن تعصيه وتربح، سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.

الإنسان بالكون يعرف الله وبالشرع يعبده :

إذاً الإنسان بالكون يعرف الله، وبالشرع يعبده، أنا أضرب مثلاً؛ إنسان يعمل في لف المحركات، فأحياناً يأتي محرك فيه شريط خارجي مقطوع، يحتاج إلى نقطة لحام ويعود كما كان، أجرته غالية جداً، هذا الإنسان قبل أن يعرف الله يأخذ الأجرة الكاملة خمسة آلاف ليرة على إصلاح هذا المحرك، وكلفه دقيقة واحدة، بعد أن عرف الله يطلب خمساً وعشرين ليرة، فأنت لمجرد أن تعرف الله تبحث عن طريقة تتقرب إليه من تنفيذ أمره، ومن الابتعاد عن نهيه، لذلك الحلال والحرام، والمنهج التفصيلي، والعبادة التعاملية، متى يحتاجها الإنسان؟ إذا عرف الله، أما هي الآن مبذولة بين يدي الناس، لا يوجد إنسان إلا ويعرف أنه يعصي، إلا يعرف أنه يأخذ ما ليس له، ومع ذلك يأخذ ما ليس ويعصي لأنه ما عرف الآمر، إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، قد تأتي ورقة أحياناً من البريد تدعوك إلى تسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك شعرة في جسمك، وقد تأتي ورقة من جهة أخرى فلا تنام الليل، الفرق بين الورقتين الآمر، فإذا عرفنا الآمر تفانينا في طاعته، وإذا لم نعرف الآمر تفننا في التفلت من الأمر.

الطاعة لها ثمن معجل و ثمن مؤجل :

يقال الثواب، ما الثواب؟ أنت حينما ترفع عملاً صالحاً إلى الله:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

يعود عليك من الله سكينة، سعادة، لذلك أسعد الناس المحسنون، المحسن يمتلئ قلبه سعادة، ولو وزعت سعادة المحسن على أهل بلد لكفتهم، لأن الله عز وجل كافأه بالسكينة، تجلى على قلبه، أودع فيه السكينة، أودع فيه الطمأنينة، قربه إليه، فلذلك الطاعة لها ثمن معجل، في عقود القران هناك مهر معجل ومهر مؤجل، والطاعة في الدنيا لها ثمن معجل، ولها ثمن مؤجل في الآخرة:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

الأستاذ عدنان :
دكتور، من خلال هذا الميزان الذي تحدثنا عنه وهو الشرع، وهو المنهج السليم، ترى الإنسان الذي يطغى عقله وتنطمس فطرته يحاول أن يموه في استباقه تعاليم الشرع، إذا تابعنا موضوع التمويه في الحيوانات التي خلقها الله عز وجل، وهي ليست مختارة في تصرفاتها، ترى كيف نجد من إعجاز الله عز وجل في هذا الأمر؟

 

الإعجاز العلمي :

الأخطبوط أمهر مموه في البحار :

الدكتور راتب :
بارك الله بكم، الحقيقة الحيوان أحياناً يقوم بأعمال تفوق حدّ الخيال تنطوي على دقة متناهية، ومع ذلك ليس له عقل، هذا يستنبط منه أن الله يُسير الكائنات، والإنسان أعطاه الله عقلاً، وأطلق له حريته، فهذا يتصل بحرية الإنسان، وبالمنهج الذي أعطاه إياه، أنت حر ومعك منهج، الحيوان كمن يقود قطاراً يمشي على سكة، أما الإنسان يقود مركبة، هناك علامات سير، وإشارات مرور، و خبرة بالقيادة، وهناك واد، الإنسان مسؤول في قيادة مركبته، لأنه مخير في تحريكها إلى أية جهة، أما قائد القطار ليس مسؤولاً.

لا يقتصر وجود المهارة بالتمويه على الغابات والثلوج فحسب، بل يمكن إيجادها في أعماق البحر في الوقت نفسه، ولعل الأخطبوط أمهر مموه في البحار، بعض الأنواع من الأخطبوط تحقق تناسقاً تاماً مع لون وشكل أرضية البحر الذي تعيش فيه، هذا الأخطبوط الذي نتابعه مقلد ماهر إلى أقصى حد، إلى جانب تقنية التمويه الفائقة لديه، فعندما يمر بأرضية بحر رملية يصعب عليه معها التمويه، يبدأ باستخدام إمكانية تقليد الطحلب، أحياناً يصل تغيير شكل الأخطبوط إلى درجة لا يمكن تمييزه من الصخرة التي يلتصق بها، على هذه الصخرة أخطبوط آخر إلا أنه يستحيل أن نميزه إن لم يتحرك، هذا السبق لأول وهلة يقف وكأنه اختفى داخل الطحلب، حيث تظهر الحقيقة إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً، فلم يكن أمامنا طحلب بل حصان بحر على شكل طحلب، الذي يرى كأنه إسفنج بحر لأول وهلة، هذا الكائن الحي هو في الحقيقة سمكة، بفضل هذه الحاسة الخاصة لتحقيق وظيفة الصنارة تستطيع اصطياد الأسماك الصغيرة.

 

التمويه عند الحشرات :

هنا على الغصن نتوءان، لكن أحدهما بالحقيقة عنكبوت مموهة في وقت الخطر، العنكبوت تموه نفسها مرة أخرى بنتوء الغصن الحقيقي، ليس لهذه العنكبوت إمكانية التفكير فكيف تتمكن من التمويه بنتوء الغصن؟ هذا من فعل الله عز وجل .
هناك أمثلة لا تنحصر بالعناكب فقط، فمثلاً هنا حشرة مختبئة بين هذه الأوراق، إنها هنا تماماً، لاحظوا لا يوجد أي فرق بينهما فجسمها كالورقة تماماً، من شكل الورقة إلى عروقها خلقت بدون أي نقصان، يوجد هنا حشرة بين هذه الأوراق الصفراء، لنحاول الآن إيجادها، هذه هي حشرة مموهة ببراعة من الصعب جداً رؤيتها على الورقة، جناح الحشرة له تفصيلات دقيقة حتى البقع الفاسدة على الورق المصفر، لنفكر الآن قليلاً بتصميم هذا التمويه ليس لدى هذه الحشرة إمكانية التفكر ولا تعلم مدى احتياجها إلى التشبه بالأوراق لبقاء حياتها حتى لو علمت لا تستطيع رسم شكل ورقة عليها، إذاً الرسم الموجود على جناح الحشرة المصممة بشكل واع أثر من؟ لا شك هذا الرسم آية من آيات الخالق.

الحقيقة دارون كما هو معروف تزعم نظريته ـ نظرية التطور ـ أن جميع الكائنات في الطبيعة وجدت نتيجة لمصادفة عمياء، ولكن حتى التصميم الذي على أجنحة هذه الحشرة الصغيرة لم يكن مصادفة بل هو كاف لرؤية أثر الخالق، لو شمر فنان لرسم الورقة لا يستطيع أن يرسمها لتبدو كالحقيقة، إلا أنها هنا ليست مجرد صورة بل هي أنموذج مصغر لورقة منسقة بالأبعاد الثلاثية في جسم الحشرة، خالق هذا الكائن بهذا الشكل، وهذا التصميم الخارق، يرينا فيه صنعته، وقدرته، إنه رب العوالم، إنه رب العالمين سبحانه وتعالى.

 

التمويه آية من آيات الخالق :

الآن هذا الجسم المتحرك على الغصن لأول وهلة يطابق ورقة جافة شكلاً ولوناً، إلا أنه ليس كذلك بل هو شرنقة فراشة جافة وبفضل تقنية التمويه الفائقة التي وهبها إياها الله تعالى أثناء وجودها دودة في الشرنقة، حيث ليس لها أي دفاع يتم نموها دون أن يشعر بها أعداؤها، وتبدأ أول خطوات حياتها فراشة جديدة.

الآن نشاهد زهرة الأوركيد، لكن هذا المنظر الذي نراه ليس كله لها، بل هناك كائن آخر منسجم مع شكل هذه الزهرة، حتى مع درجات لونها، إنه الحشرة المسماة فرس النبي بتمويه مدهش، ويكمل الشبه من جهة اللون، والشكل، والنقش، في قوله تعالى:

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

[ سورة السجدة : 7 ]

إذاً الحيوان مسير، الإنسان مخير، الإنسان مخير ومعه منهج، أما الحيوان فمسير، والحيوان يقوم بأعمال لا يستطيع العقل تصورها من دقتها وبراعتها، لكنه فعل الله عز وجل.

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ عدنان :
الحقيقة كما أشرتم من خلال تخيير الإنسان نستطيع أن نرى الآثار الرائعة عندما يتمثل مكارم الأخلاق، أما الحيوان ولأنه مسير فموضوع التمويه الذي شرحتم عنه وحياته كلها لا يمكن إلا أن تكون في النطاق الذي هو عليه، أما الإنسان المؤمن الذي تعلو به مكارم أخلاقه فإنه يزداد سمواً وسمواً، وهذا من تشريف الله عز وجل للإنسان.
في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، في كليات الشريعة و أصول الدين، وكل الشكر أيضاً للأخوة المشاهدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور