وضع داكن
25-04-2024
Logo
الأخلاق المذمومة : الخلق 10 - الابتداع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الأخلاق المذمومة ، انطلاقاً مِن أنّ الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، وانطلاقاً من قول سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إذ قال :

(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ))

[ البخاري ]

مِنَ الأخلاق المذمومة : الابتداعُ :

الخلق المذموم اليوم هو الابتداع ، أن تأتي في الدين بشيء ليس له أصل ، وهذا أخطر شيء يهدد الدين .

1 – الأصل القرآني المحرِّم للابتداع :

الابتداع خلق مذموم
الأصل في الابتداع الآية الكريمة :

 

﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾

الآن :

 

﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

[ سورة الحديد : 27]

 

 

2 – الدين كامل لا يحتمل الزيادة ولا النقص :

دين الإسلام كامل وتام
أيها الإخوة ، حينما قال الله عز وجل :

 

 

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[ سورة المائدة : 3]

الإتمام عددي ، والإكمال نوعي ، أي أن القضايا التي عالجها الدين تامة عدداً ، كاملة نوعاً ، فأية إضافة على الدين تعني ضمناً اتهامه بالنقص ، وأي حذف من الدين يعني ضمناً اتهامه بالزيادة ، فالدين توقيفي من عند الله ، مِن عند المطلق في كماله ، المطلق في علمه ، لا يجوز أن نحذف منه ، ولا أن نزيد عليه .

3 – هذه نتائج الزيادة والحذف في الدين :

لما حذفنا من الدين وزدنا عليه أصبحنا خلف الأمم
لمّا حذفنا منه أصبحنا في مؤخرة الأمم ، كما ترون ، حذفنا منه بعض الفرائض التي تقوّينا ، وتجعل لنا هيبة في العالم ، ولما أضفنا عليه ما ليس منه تقاتلنا ، حولنا حروب أهلية ، بين المتقاتلين قواسم مشتركة تسعون بالمئة ، وهم يتقاتلون ، إذاً : إذا أضفنا على الدين ما ليس كان بأسنا بيننا ضعفنا وإذا حذفنا من الدين ما علم منه بالضرورة أصبحنا في مؤخرة الأمم .

 

 

4 – صاحب البدعة محجوبٌ عن التوبة :

أيها الإخوة المؤمنون ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

 

 

(( إنّ اللهَ حَجَبَ التوبةَ عن صاحبِ كلِّ بدعةٍ ))

[ الطبراني بإسناد حسن ]

5 – العاصي يتوب وصاحب البدعة لا يتوب :

المبتدع لا يتوب لأنه يظن أن منطقه الخاطئ هو الحق
لماذا لا يتوب المبتدع ، ويتوب العاصي ؟ المعصية واضحة ليس عليها خلاف ، أمّا المبتدع فيتوهم أنه وحده على حق ، لذلك لا يتوب ، لذلك أهون ألف مَرة من أن تقع ـ لا سمح الله ـ في معصية من أن تعتقد اعتقاداً مبتدعاً لا أصل له في الدين .
إذاً : النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة ، .
شيء آخر ، يقول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه :

(( ... إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))

[ مسلم والنسائي ، واللفظ له عن جابر]

6 – الابتداع المحرَّم ما كان في الدين ، والأصلُ في الأشياء الدنيوية الإباحةُ :

لا تشرع أية عبادة ما لم يكن هناك دليل قطعي يثبتها
لكن دققوا : البدعة في الدين ، هذا الكلام ، وهذا الوعيد متجه إلى البدعة في الدين ، قلت لكم : الأصل في العقائد والعبادات الحظر ، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي الثبوت والقطعي الدلالة ، أما الأشياء الأصل فيها الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي الثبوت والقطعي الدلالة .
نحن عندنا أشياء ، وعندنا عبادات ، العبادات الأصل هو الحظر والأشياء الأصل فيها الإباحة ، بالحظر نحتاج إلى دليل لإحداث عبادة جديدة دليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة وبتحريم شيء من أشياء نحتاج إلى دليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة .
أيها الإخوة الكرام ،

(( ... إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))

[ مسلم والنسائي ، واللفظ له عن جابر]

هذا حديث صحيح .
مستحدثات الأمور التي تحسن من الأداء ليست ببدع
المقصود بالبدعة في الدين ، أما أحدثنا تكبير صوت فهذه بدعة في الدنيا ، ولا شيء عليها ، أحدثنا تدفئة مركزية ، أحدثنا ماء بارداً في الصيف ، وماء ساخنًا في الشتاء للوضوء ، كل تحسينات الحياة هذه بدع ، لكن لا علاقة لها بالتشريع ، بالعكس نحن مطالبون أن نحسن من شروط حياتنا ، مطالبون أن نحل مشكلات شبابنا ، أي إحداث لشيء جديد لحل مشكلة المسلمين فهذا شيء مقبول وجيّد ، أما إذا قلنا : بدعة فالمقصود بها البدعة في الدين .
أيها الإخوة الكرام ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ :

(( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))

[ الترمذي ، أبو داود]

وفي رواية لحديث آخر :

(( ... وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))

[ مسلم والنسائي ، واللفظ له عن جابر]

7 – وجوب الرجوعِ إلى ينابيع الكتاب والسُّنة :

لابد من العودة إلى أصل الدين الصافي
أيها الإخوة الكرام ، لازلنا نؤكد أن هذا الدين يجب أن يستمر كما بدأ ، أما لو أنه كنهر له ينبوع صافٍ ، والماء في الينبوع عذب زلال ، وسار هذا النهر ، وجاءته روافد من مياه آسنة تراه في المصب أسود اللون ، لذلك الآن نحن بحاجة إلى أن نرجع إلى الينابيع ، الينابيع الكتاب و السنة .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي ))

[ الترمذي]

 

براءة الرسول عليه الصلاة والسلام من المبتدعة وذمُّه لهم في الدنيا والآخرة :

 

الحديث الأول :

هناك الكثير من الطقوس التي لا تمت للإسلام بصلة
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَقُولُ :

(( أَصْحَابِي ، أَصْحَابِي ، فَقِيلَ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، قَالَ : فَأَقُولُ : بُعْدًا ، بُعْدًا ، أَوْ قَالَ : سُحْقًا ، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي ))

[أحمد]

رقصٌ في المساجد وحضرات ، وموالد واختلاط ، ونشاطات وتوسلات ، وسلوك شركي ، إدعاء السحر والشعوذة ، كلها ضمن إطار إسلامي ، لفّته خضراء ، يقول لك : يفك السحر ، وقد يكون منحرفاً فاسقاً ، كل شيء خلاف ما فعله النبي فهو مرفوض ، فلذلك :

(( أَصْحَابِي ، أَصْحَابِي ، فَقِيلَ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، قَالَ : فَأَقُولُ : بُعْدًا ، بُعْدًا ، أَوْ قَالَ : سُحْقًا ، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي ))

الحديث الثاني :

عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )

قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :

(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ـ المادية ، الاتجاه المادي ، يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل ـ وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ، وَدَعْ الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))

[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود ]

لكل اختصاص مرجعياته وكذلك الإسلام
المشكلة أنّ أي اختصاص له مرجعية ، لا نستطيع أن نشق طريقاً إلا بمهندس تربة يفحص التربة ، لا نستطيع أن نقوم ببناء إلا بمهندس معماري ، مهندس مدني ، أيّ نشاط من نشاطاتنا عندنا مرجعيات ، إلا في الدين فكل إنسان هو الوحيد العالِم فيه !!! يقول لك : هذه غير صحيحة ، هذه صعب تطبيقها ، تغيّر الوضع ، من أنت ؟

يقولون هذا عندنا غير صالح فمن أنتم حتى يكون لكم عند
***

أنت من ؟
أيها الإخوة الكرام ،

(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ، وَدَعْ الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))

[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود ]

نسأل الله أن ننجو ، نحن في أيام الصبر ، نحن في أيام أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، نحن في أيام يؤمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، نحن في أيام لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر .

الحديث الثالث :

منهج الإسلام منهج وسطي
شيء آخر أيها الإخوة الكرام ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ :

(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ البخاري ]

هناك منهج ، هذا المنهج وسطي ، منهج يلبي حاجات الجسد وحاجات الروح ، يلبي حاجات الدنيا والآخرة ، يلبي المثل العليا والوقائع الصارخة ، منهج الإسلام وسطي ، وهو دين الفطرة .

الحديث الرابع :

أيها الإخوة الكرام ، شيء آخر ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ :

(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ ، قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ، قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ، قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ))

[ البخاري ]

الإنسان وحده يفتي لنفسه ، يجد مبررات لتقصيره ، يجد مبررات لمعصيته .

الحديث الخامس :

(( وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))

[ أحمد والترمذي عن عمر]

الحديث السادس :

(( وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))

[ الترمذي عن ابن عمر]

الحديث السابع :

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ ))

[ أحمد]

(( فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ))

الحديث الثامن :

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ))

[ متفق عليه ]

الحديث التاسع :

الدين توقيفي من عند الله ولا يقبل أي تعديل
وفي رواية أخرى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ))

[ مسلم ]

هذا الدين توقيفي من عند الله ، لا يقبل التعديل ولا التطوير ، ولا الحذف ولا الإضافة ، ولا التغيير ولا تغيير المسار ، ولا التجديد ولا التعطيل ، هذا دين توقيفي من عند الله ، والله عز وجل خبير عليم ، يعلم خصائص النفس البشرية ، تقول : الدين الآن لا يطبق ، هذا كلام مرفوض ، هناك ظروف جديدة الله يعلمها ، لأن الله علم ما كان ، وعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
أيها الإخوة الكرام ، هذه كلها أدلة قوية صارخة من الكتاب والسنة أن الدين توقيفي ، وأن الدين تام وكامل ، من حيث العدد تام ، ومن حيث النوعية كامل ، وأن أية إضافة عليه تعني اتهامه بالنقص ، وأن أي حذف منه يعني اتهامه بالزيادة .

أقوال العلماء في ذمّ البدع :

الآن نحن أمام أقوال باقة من علماء المسلمين .

القول الأول :

ميمون بن مهران رحمه الله تعالى يقول :
" لا تدخل على السلطان وإن كنت آمره بطاعة ".

القول الثاني :

قال جعفر المنصور لأبي حنيفة : "
يا أبا حنيفة ، لو تغشَّيتَنا ، قال : ولمَ أتغشّاكم ، وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ، وهل يتغشَّاكم إلا مَن خافكم على شيء ؟ قال له : إنك إن أكرمتني فتنتني ، وإن أزريت بي فتنتني أيضاً " .

القول الثالث :

لابد أن تدع بينك وبين المعصية هامش أمان
" ولا تصغين بسمعك إلى هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه " .
تقول : أنا محصَّن ، أنا لا أتأثر ، أجلس معهم ، لكن أنا متمسك بديني ، لا تقدر على ذلك ، أحياناً المجلس يكون فيه معصية ، والمعصية مغرية ، والمعصية محببة للإنسان ، فقوة إرادتك تكون في أن تبتعد عن أسباب المعصية ، في أن تدع بينك وبين المعصية هامش أمان ، تماماً كنهر عميق جداً مخيف ، له شاطئ زلق مائل ، وله شاطئ جاف مستوٍ ، امشِ على الشاطئ الجاف المستوي ، وأنت في أمان ، أما إذا اقتربت من الشاطئ الزلق المائل كان هناك احتمال السقوط في النهر ، إذاً : " ولا تصغين بسمعك إلى هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه " .
هناك كثير أدلة ، وحالات كثيرة جداً لإنسانٍ صحِب الأراذل فأصبح منهم ، صحب من يرتكب المعاصي فأعجبته المعاصي ، وترك دينه كله .

القول الرابع :

" ولا تدخل على امرأة ولو قلت : أعلِّمها كتاب الله " .
النظرة سهم من سهام ابليس
لأن بين المرأة والرجل وضعًا خاصًّا ، فقد تنظر إلى وردة ، وقد تنظر إلى حقل أخضر ، إلى بحر أزرق ، إلى سماء صافية ، إلى غابة جميلة ، إلى نهر رقراق ، كله جميل ، لكن هذا الجمال لا علاقة له بكيمياء دمك ، لكنك إذا نظرت إلى امرأة ، وملأت عينيك من محاسنها يحدث في دمك تغير كيماوي ، تثار ، وهذه الإثارة تستدعي أعمال ، فلذلك يستطيع الإنسان أن يكون عفيفاً إذا ابتعد عن أسباب المعصية ، من هنا يقول الله عز وجل :

 

﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

( سورة الإسراء : 32)

إنه شهوة لها قوة جذب ، فيها وهج ، فإذا اقتربت من أسبابها جذبتك إليها ، لذلك إطلاق البصر من أسباب الزنا ، قال تعالى :

 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

( سورة النور : 30)

استنبط العلماء أن حفظ الفرج سببه غض البصر .
وكذلك صحبة الأراذل ، فكلُّ حديثهم عن مغامراتهم الجنسية ، مطالعة كتاب ماجن ، متابعة عمل فني إباحي ، هذه كلها تقود إلى الزنا ، ولو درسنا القضية دراسة علمية لوجدنا أن كل الجرائم الجنسية التي تمت ، ولا سيما الاغتصاب أساسها إدمان على المشاهد الجنسية .

القول الخامس :

يقول الإمام الحسن البصر رحمه الله تعالى :
" إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل ، وحادوا عن الطريق ، فتركوا الآثار ، وقالوا في الدين برأيهم ، فضلوا ، وأضلوا " .
ليس في الدين رأي شخصي ، الدين شيء مصيري متعلق بحياتك الأبدية ، متعلق بسعادتك الأبدية ، الدين علاقتك معه متعلقة بجنة يدوم نعيمها ، أو نار لا ينفذ عذابها ، ولا مجاملة في الدين إطلاقاً ، " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .

(( عمر ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذا عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

[ العلل لابن أبي حاتم ]

القول السادس :

صل وراء كل إمام ولا يعنيك علاقته بربه فلك صلاتك وله صلاته
سئل الحسن البصري عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال :
" صلِ خلفه وعليه بدعته " .
حتى لا ندخل في متاهات ، يا أخي ، أنت مبتدع ، دخلك حرام ، حلال ، ما وضعك ؟ قل لي قبل أن أصلي وراءك ، هذا ليس معقول ، شيء غير مألوف إطلاقاً ، هناك شيء يؤكد وحدة المسلمين ، صلِ وراء كل إمام ، ولا تعنيك علاقته بربه ، يعنيك أنك صليت وراءك ، ولك صلاتك ، وله صلاته .

 

 

 

القول السابع :

يقول الحسن البصري أيضاً :
" لم يزل لله نصحاء في الأرض من عباده ، يعرضون أعمال العباد على كتاب الله ، فإذا وافقوه حمدوا الله ، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله " .
عرفوا هؤلاء الذين اتبعوا أشياء لم تكن مرضية عند الله عز وجل .

 

 

 

القول الثامن :

وقال بعض العلماء :
" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها " .
أنت في بدعة ، وهناك سنة مقابل لها متروكة ، أية بدعة يقابلها سنة متروكة .

القول التاسع :

قال بعضهم :
" البدعة أحب إلى إبليس من المعصية " .
المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها ، من الناس من يدري ، ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه ، من الناس لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه ، لكن الخطر من الناس من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه .

القول العاشر :

يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى :
" من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة " .
قلت هذا المعنى قبل قليل ، حينما تبتدع بدعة تؤكد للناس أن في الإسلام نقصاً أو زيادة ، فجئت أنت فرممت النقص ، أو حذفت الزيادة ، ولا تنسوا مرة ثانية أن هذا الإسلام دين توقيفي من عند الخالق الذي كل أفعاله كمال مطلق .

القول الحادي عشر :

الحق واحد والباطل متعدد
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
" من جلس على صاحب بدعة فاحذروه " .
والأمثلة كثيرة جداً ، هناك فرقة ضالة تدعي أنه جاء نبي في آخر الزمان ، ظهر في الهند ، وكانوا أقوياء جداً ، الأفكار كلها لا أصل لها في الدين ، لذلك قلت قبل حين : إن الباطل من الصعب أن نستوعبه ، أعمارنا جميعاً لا تكفي لاستيعابه ، لكن يمكن أن نستوعب الحق ، هناك فرق كبير جداً ، لأن الباطل متعدد ،

 

﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾

( سورة الأنعام : 153 )

الحق واحد ، والباطل متعدد ، يمكن أنْ يمرّ من نقطتين خطٌّ مستقيم واحدٌ ، لكن من نقطتين يمر مليون خط منحني ، ومليون خط منكسر ، أعمارنا جميعاً لا تكفي لاستيعاب الباطل ، لكن العمر الذي أكرمنا الله به يكفي لاستيعاب الحق ، يستوعب الحق ، وليكن الحق مقياساً لكل حركاتك وسكناتك .

القول الثاني عشر :

قال بعض العلماء :
" من زوج ابنته من مبتدع فقد قطع رحمها " .

القول الثالث عشر :

وقال بعض العلماء أيضاً :
" إذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له " .
صاحب البدعة الذي يأتي في العقيدة ، أو في العبادة ، بشيء لم يفعله رسول الله ، هل يمكن أن تكون الدعوة إلى الله أساسها أنْ تدخل سيخا في جسمك فيخرج من مكانٍ ثانٍ ؟ هل هذه طريق الدعوة إلى الله ؟ هل فعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟

القول الرابع عشر :

اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين
" اتبع طريق الهدى ، ولا يضرك قلة السالكين ، اتبع طريق الهدى ، ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ، ولا تغتر بكثرة الهالكين " .
الآن الأكثرية في بُعدٍ عن الله ، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

( سورة الأنعام : 116)

كن مع الأقلية المؤمنة المستقيمة ، ولا تكن مع الأكثرية الشاردة .

 

القول الخامس عشر :

" مَن جلس إلى صاحب بدعة لم يعطَ الحكمة ، ومن علامات البلاء أن يكون الرجل صاحب بدعة " .
أيها الإخوة الكرام ، مَن أَمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة .
قال الله تعالى :

 

﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾

( سورة النور : 54)

يقول الإمام ذو النون المصري رحمه الله تعالى :
" إنما دخل الفساد على الخَلق من ستة أشياء : الأول : ضعف النية بعمل الآخرة .
والثاني : صارت أبدانهم مهيَّأة لشهواتهم .
والثالث : غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل .
والرابع : آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله .
والخامس : اتبعوا أهواءهم ، ونبذوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
والسادس : جعلوا زلاّت السلف حجة لأنفسهم ، ودفنوا أكثر مناقبهم " .

القول السادس عشر :

أيها الإخوة الكرام ، قال الإمام النووي في شرح حديث رسول الله صلى الله عليه :

(( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ))

:
" هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه ، واستعماله في إبطال المنكرات ، وإشاعة الاستدلال على ذلك " .

القول السابع عشر :

العبادات مبناها الشرع والاتباع
ثم هناك بعض أقوال العلماء ، وأرقى قول بهذا المعنى قولُ بعضهم :
" العبادات مبناها على الشرع والاتباع " .
الآن يقام زواج صوري حتى تذهب إلى الحج مع محرم ، ينعقد عقد شكلي صوري حتى يكون معها محرم تحج معه ، ثم يخطر في باله أن يتزوجها في الحج ، ثم يعلم أنها غنية فلا يطلقها ، هذا لعب بدين الله ، لذلك : " العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع " .
الإسلام مبني على أصلينِ : أحدِهِما : أن نعبد الله وحده لا شريك له ، والثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع ، يجب أن نعبد الله كما شرع الله عز وجل .
الإنسان أحيانا يحج ، فيبدأ برشوة ، هذه بدعة ، يحج فيبدأ بتصريح كاذب ، هذه بدعة ، يحج بزواج صوري ، حتى تذهب إلى الحج تقيم عقد زواج ، هذه بدعة طبعاً ، أو يستدين ويحج ، هذه بدعة أيضاً ، أو يحج تهريبا ، أيضاً بدعة ، هذا الحج عبادة راقية ، ما كلفك الله أن تبدأ بمعصية .

القول الثامن عشر :

قال بعض العلماء :
" القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن " .

نتائج ومساوئ البدعة :

المبتدع يحبط عمله
ـ إحباط الأعمال ، وإن كانت كثيرة ، فالمبتدع عمله محبط .
ـ ومِن لوازم دعوى عدم كمال الدين لما تضيف أو تحذف ، معنى ذلك أنّ الدين غير كامل ، وغير تام .
ـ صاحبه من أعوان الشيطان ، ومن أعداء الرحمن .
ـ أبغض إلى الله عز وجل الابتداع من كثير من المعاصي .
ـ وصاحب البدعة لا يرجى له توبة بخلاف أهل المعاصي .
ـ وكل البدع ضلالة ، ليس فيها شيء حسن .
ـ أنواعها في العقيدة والعبادة وشرها بدع العقيدة ، وهناك بدع تَركية وبدع فعلية ، فأحيانا تفعل شيئا يعد بدعة ، وأحيانا تترك سنة فترْكُها بدعة .
ـ والبدعة إثمها متجدد لا ينقطع مادام يعمل بها في الأرض .
ـ ومن أقرب مداخل الشيطان للإنسان البدع .
ـ وتؤدي إلى خلط الحق بالباطل ، وعندئذ يحتار الأغرار في التمييز بينهما .
ـ وتؤدي إلى نفور من ليس له قَدم لفهم الإسلام لكثرة ما يظن من التكاليف .
أحيانا هناك تكاليف فوق طاقة الإنسان ، وثمة إنسان ينفر من هذه التكاليف ، لأنه رآها فوق طاقته ، وهي كلها بدع .
الابتداع يضيع معالم الدين
لذلك أيها الإخوة الكرام ، من الأخلاق المذمومة الابتداع في الدين ، والابتداع في الدين مؤداه إلى ضياع معالم الدين .
ـ والابتداع في الدين مؤداه إلى سوء الظن في الدين .
ـ والابتداع في الدين مؤداه إلى ابتعاد الناس عن هذا المنهج القويم ، لذلك :

(( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ))

[ أبو داود عن العرباض بن سارية ]

والاتباعُ هو أصلٌ في الدين ، قال تعالى :

 

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾

( سورة الأنعام : 50)

الخاتمة :

سيد الخلق ، وحبيب الحق يتبع ما يوحى إليه ، فما بالنا نحن أن نخفف هذا الاتباع .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينقلب هذا الدرس إلى حقائق نعيشها ، وإلى سلوك نسلكه ، لا أن يبقى كلاماً في كلام .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور