وضع داكن
16-04-2024
Logo
دروس حوارية - الدرس : 16 - التفكر بالموت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

البدء من النهاية :

 أحد أهم القواعد المهمة التي تميز الناس في درجة ذكائهم هي: "ابدأ من النهاية" ، لذلك هناك فرق بين الأذكياء والأغبياء ، الأذكياء يعيشون المستقبل ، والأقل ذكاءً يعيشون الحاضر ، والأغبياء يعيشون الماضي ، يتغنون بماضيهم وواقعهم سيئ جداً ، فلذلك ما هو الحدث الحتمي الواقعي الذي لا ينجو منه إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة كائناً من كان ؟ إنه الموت ، لذلك قال تعالى :

 

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة هود : 7]

 والتقديم في القرآن الكريم له معنى دقيق جداً ، إنه تقديم أهمية .

الموت والحسابات اليومية :

 حينما يولد الإنسان أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى ، أما حينما يموت فأمامه خياران لا ثالث لهما ، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار .
 الآن كم من إنسان يُدخِل حدث الموت في حساباته اليومية ؟ هل هناك من حدث أكثر واقعية ، وأكثر حتمية ، وأكثر خطورة من أن تنتقل من كل شيء بحسب الظاهر إلى لا شيء ؟ بيت بأربعمئة متر ، ثمنه ثمانون مليونا ، ومركبة ثمنها أربعة وعشرون مليونا ، بيت في المصيف ، بيت على البحر ، مكتب تجاري فخم جداً ، دخل فلكي ، ثم بعد ذلك إلى القبر ، هل نجا أحد من هذا ، هل ننجو نحن من هذا ؟ أبداً ، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((َ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ، يَعْنِي الْمَوْتَ ))

[ الترمذي ، أحمد ]

 عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .
 ما الذي يفعله ذكر الموت في حياتنا ؟

ماذا يعني التفكر في الموت ؟

 إياكم أيها الإخوة الكرام أن تتوهموا أن قضية الموت قضية تشاؤم ، لا ، أنت مطالب أن تنال شهادة عليا ، وأن تنال خبرات عالية ، وأن تتزوج ، وأن تؤسس أسرة ، وأن تتفوق ، وأن تكون شيئاً مرموقاً في الحياة ، وفي الوقت نفسه تفكر بالموت كل يوم .
 أقول لكم بالضبط ماذا يعني التفكر في الموت ؟ التفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله ، التفكر في الموت يسرع الخطا إلى الله ، ويمنعك أن تعصي الله ، إذاً : التفكر في الموت له وجه إيجابي ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((َ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ، يَعْنِي الْمَوْتَ ))

 إنه مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ، عش ما شئت ، فإنك ميت ، وأحبب ما شئت ، فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .

ما هو الذكاء ؟

 أيها الإخوة الكرام ، من أدق أدق تعريفات الذكاء أنه التكيف ، تصور مؤمنا لا يغادر حدثُ الموتِ ذهنَه أبداً ، وساعة مغادرة الدنيا أدخلها في كل حساباته ، والوقوف بين يدي الله عز وجل ، إنه هاجس لا يغيب عنه أبداً .
 مرة موظف في التموين له مكانة كبيرة ، استنصحني لأنني فيما يرى أنني رجل دين ، أردت أن أفاجئه بنصيحة لم يكن يتوقعها مني ، قلت له : اكتب الضبوط كما تشاء ، وأدخل الناس السجن كما تشاء ، ولك أن تفعل ما تشاء ، قال : ما هذه النصيحة ؟ قلت له : هذا الكلام قلته ، لكن لأنك إذا كنت بطلاً فهيئ جواباً لا لرؤسائك ، بل لله عز وجل يوم القيامة .
 كلما تفعل شيئاً تذكر أن الله سيسألك : لماذا فعلت كذا ؟ لماذا غضبت ؟ لماذا رضيت ؟ لماذا أعطيت ؟ لماذا منعت ؟ لماذا وصلت ؟ لماذا قطعت ؟ لماذا طلقت ؟ لماذا صرفت هذا الإنسان من عملك ؟ كل شيء تفعله سوف تسأل عنه .

قيمة الوقت :

 أيها الإخوة الكرام ، ينتج عن ذلك قيمة الوقت ، كلكم يعلم علم اليقين بأن هذا مركوز في أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال ، قد لا يبدو هذا واضحاً لكم الآن ، بأعماق كل إنسان مؤمن أو غير مؤمن الوقت أثمن من المال ، الدليل : لو أن مرضاً عضالاً ـ لا سمح الله ـ أصاب إنساناً ، والعملية التي يرجى أن تنجح ، أو احتمال نجاحها خمسون بالمئة تكلفه ثمن بيته ، هذه الأشياء تقع كثيراً ، أؤكد لكم أن هذا المريض بهذا المرض العضال لا يتردد ثانية واحدة في بيع البيت ، وإجراء العملية الجراحية ، لا يملك بيتا غيره ، يقول لك : أكون مستأجراً في المستقبل ، لأنه مركز في أعماقه أن هذه السنوات التي يمكن أن يتوهم أن يعيشها لو أجرى العملية زيادة على ما يمكن أن يعيش أفضل عنده من كل هذا البيت .
 كل إنسان مركز تركيزاً عميقاً في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال ، والدليل يبيع الرجل بيته الذي لا يملك غيره ليجري عملية يتوهم من خلالها أنها تمد بعمره بضع سنين .
 إن إنسانًا أمسك بمئة ألف أمامكم ، وأشعلها ، وأحرقها حتى أصبحت رماداً ، كم من إنسان يحكم على أنه مجنون ؟ كل الناس ، ماذا فعل ؟ لأنه أتلف هذا المال ، والمال قيمة تحل به مشكلات كثيرة ، وبالتعبير العامي الدراهم مراهم ، إذا كان الذي يحرق مئة ألف ليرة يعد سفيهاً ، ولأن الوقت أثمن من المال فالذي يضيع وقته يعد أشد سفاهة ، كل إنسان يضيع وقته بالقيل والقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ، هذا من دون معاص مبدئياً ، أما بالغيبة والنميمة ، والكلام الفارغ ، والألعاب الفارغة أمرٌ آخر ز
 هل من المعقول لأمة بأكملها ، والعالم بأكمله أصبح عقله في الكرة ؟ عقله ، مبادئه قيمه ، اهتماماته ، شعاراته ، الأعلام بالسيارات ، علم البرازيل ، وإذا نجحت إيطاليا يطلق الرصاص هنا في دمشق فرحاً بانتصار إيطاليا ، مَن هي إيطاليا ؟ يمكن أن يصبح عقل الإنسان في قدمه ؟ طبعاً هؤلاء المهتمون بهذه الألعاب اهتماما يفوق الحد الطبيعي ، يفوق الحد المعقول ، هؤلاء جعلوا من الرياضة ديناً ، هؤلاء ضلوا سواء السبيل .
 لذلك أيها الإخوة الكرام ، سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية ، سألوه عبر حوار في صحيفة : ما السبب الذي جعلك من المتفوقين ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي طوال العام .
 وأنا أقول لكم أيها الأخوة الكرام : هؤلاء جميعاً في هذا المسجد ، وأنا معكم بعد كذا سنة لن تجد واحداً منا على سطح الأرض ، شيء في مقبرة الدحداح ، وشيء في مقبرة المهاجرين ، وشيء في مقبرة باب صغير ، المرحوم فلان ، المرحوم عميد أسرته الطبيب الفلاني ، المحامي الفلاني ، العميد الفلاني هذا الواقع فحدث الموت قائم .
 بالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، لا يستطيع إنسان كائناً من كان أن ينكر حدث الموت ، لكن الناس يتفاوتون لا في إنكار هذا الحدث ، أو عدم إنكاره يتفاوتون بالاستعداد له ، لذلك التكيف أن تتكيف مع حدث مستقبلي لا بد من أن يقع .
 والله أيها الإخوة الكرام ، أعرف إنساناً في بلد آخر في الثمانين أنشأ كازينو ، هل يعيش الموت ؟ أبداً ، كيف يلقى الله عز وجل ؟ ماذا يقول لربه إذا سأله : لماذا فعلت هذا ؟ بلا مبالغة ، ببلدنا كم من اغتصاب لبيوت ، كم من اغتصاب لشركات ، كم من قرض لم يسدد ؟ والله آلاف القروض بأصغر دائرة لا تسدد ، يقول : هذه المحاكم ، قرض لا يسدد ، مع أن الشهيد الذي يضحي بحياته في سبيل الله لا يغفر له الدَّين ، الدَّين مقدس .

التكذيب العملي بالآخرة أخطر أنواع التكذيب :

 إذاً : ما أحد يدخل الآخرة في حساباته أبداً ، وأنا أقول لكم دائماً أيها الإخوة الكرام : أخطر أنواع التكذيب التكذيب العملي لا القولي ، لا يمكن لإنسان في العالم الإسلامي أن يقول : ليس لك هناك آخرة ، أبداً ، في هذا العالم الإسلامي المترامي لا يطرح أبداً إنكار يوم الآخرة ، يطرح في الأوساط الملحدة ، لكن عملياً حتى أتباع الديانات الثلاث الآخرة عندهم في التوراة والإنجيل ، وعندنا في القرآن الكريم ، الخطورة أن هؤلاء الناس أتباع هذه الديانات لا ينكرونها بألسنتهم ، لكن لو دققت في أعمالهم لم يدخلوها في حساباتهم إطلاقاً ، الذي يغتصب شركة ، الذي يغتصب بيتا ، الذي يعتدي على أعراض الناس ، الذي يعد الناس ، ولا يؤدي مضمون وعوده ، كيف يلقى الله عز وجل ؟
 القضية خطيرة أيها الأخوة الكرام ، العبرة أن هل أدخل أحدنا الموت في حساباته اليومية ؟ إن أدخل الموت في حساباته اليومية كان أشد انضباطاً مما هو عليه الآن ، لأن الله سيسألك : لمَ فعلت :

 

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر ]

 كنت أضرب مثلاً : الحقيقة المثل تركيبي ، لكنه معبّر ، لو أن بلداً افتراضاً فيها قانون إيجارات عجيب ، أن مالك البيت يخرج المستأجر في أية ثانية ، و بلا إنذار ، وبلا سبب ، يقول له : اخرج ، ينبغي أن يخرج ، الشيء الثاني في هذا المثل هذا الذي في هذا البيت مستأجر لا يستطيع إلا أن يخرج بثيابه فقط ، ثريات ، سجاد ، أجهزة كهربائية ، غرف ضيوف ، كل شيء اشتراه في هذا البيت بماله الخاص لا يستطيع أن يأخذه معه أبداً ، ولا أمواله ، يوجد صندوق حديد في البيت لا يمكن أن يأخذ شيئاً ، يخرج بثيابه فقط ، هذا البيت مستأجر ، هكذا نظام الإيجار ، والمستأجر عنده بيت ، لكن بالضاحية ، على الهيكل ، وله دخل كبير ، الآن دققوا ، الأولى أن ينفق ماله الوافر على تأثيث هذا البيت ، وتزيينه ، وشراء الثريات ، والسجاد ، والأثاث ، والأجهزة ، ثم يغادر ، ولا يأخذ معه شيئًا أبداً ، أما الأولى أن يجهز البيت الذي يملكه ملكاً حقيقياً ، والذي مصيره إليه هذا المثل ، معنى ذلك أنه الذي يوجد عندك من أموال منقولة ، وغير منقولة ، بيوت ، أراض ، شركات ، مال نقدي ، عملات صعبة ، شيكات ، ديون ، مكاتب ، بيوت في المصيف ، هذا كله سوف تتركه في ثانية واحدة ، ويوضع الإنسان في هذا البيت الذي يملكه ، وهو على الهيكل ، إنه القبر ، فالأولى أن تزين البيت الموقت ، كم من نعيٍ في اليوم .
 مرة سألت أحد الإخوة الكرام له صلة بمكتب دفن الموتى ، قال لي : في اليوم تقريباً مئة وخمس وعشرين وفاة ، بين ثلاثين وأربعين نعيًا ، كل هذه كتب عليها : وسيشيع إلى مثواه الأخير ، إذاً : المعنى الضمني أن هذا البيت الذي تسكنه مثوى مؤقت .
 أحياناً كنت أقف أمام سوق الحميدية أقول : هذه المحلات قديمة جداً ، لكن كل خمسين سنة هناك طقم جديد ، تجد هذا المحل كان لبيت فلان ، توفى الأب فبيع المحل ، هذه البيوت في الأعم الأغلب بعد الوفاة من أجل اقتسام الإرث تباع ، في أفضل الحالات يبقى إلى نهاية حياة الزوجة ، الأب توفي ، مراعاة للأم ، ولشأنها تبقى في بيت زوجها إلى أن تموت ، بعد ذلك يباع البيت ويُقسم ، إذاً نحن خلائف ، يخلف بعضنا بعضاً ، هذه المعاني الدقيقة ، هذا المصير المحتوم ، هذه المغادرة الكبيرة يجب أن تدخل في حساباتنا اليومية ، أنا دائماً أقول : بطولتك أن تدخل الموت في حساباتك .
 والله مرة أحد إخواننا الكرام توفيت والدته ، من واجبي أن أشيع الجنازة ، وقفت على قبرها ، فلما وضعت في القبر ، ووضعت البلاطة ، وأهيل التراب على فتحة القبر ، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على وجه الأرض أعقل ممن يعد لهذه الساعة .
 أحد إخواننا الكرام ـ رحمه الله ـ له نمط في حياته عجيب ، عنده رغبة في الأناقة ، والنظافة بشكل غير معقول ، وهناك حالات طبيعية ، وحالات غير طبيعية ، أنا أعدّها مرضية أحياناً ، توفي هذا الأخ ، ففي أثناء التشييع ، هكذا الترتيب هناك بلاطة عبارة عن قطعة إسمنت ، صبت على شكل بلاطة لتغطية القبر ، قياسها حوالي عشرة سنتمترات ، أقل من الفتحة ، وضعت هذه البلاطة ، وجاؤوا بأحجار متفرقة وضعت في هذه الفتحة عشرين سنتيمترا بالأحجار ، فلما أهيل التراب أتصور أنه نزل فوقه خمسة كيلو من التراب ، لوجود فتحات كثيرة ، أقول : يا رب ، إذا لم يكن الغطاء في اليوم نفسه مغسولاً لا ينام ، أناقة ما بعدها أناقة ، نظافة ما بعدها نظافة ، وسوسة ما بعدها وسوسة ، أربعة أو خمسة كيلو تأتي فوقه ، هذا هو الموت ، هذا الموت أمامكم ، لذلك كفى بالموت واعظاً يا عمر .

حديثٌ يقصم الظهر :

 اسمعوا هذا الحديث ، أنا أقول هذا الحديث يقصم الظهر : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا ))

 أي سارعوا .
 هذا البدوي الذي كان ساكناً بجدة ، عندما توسعت جدة ، واقتربت من أرضه والأرض أصبح سعرها مرتفعاً جداً نزل ، وباع الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً سارق بمبلغ أقلّ من ثمنها بأربعة أمثاله ، فالمكتب اشترى الأرض ، وعمّرها بناية من اثني عشر طابقاً ، وهم ثلاثة شركاء ، أول شريك سقط من أعلى طابق فنزل ميتاً ، والثاني دهسته سيارة ، انتبه الثالث ، بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه ، ونقده ثلاثة أمثال حصته لينجو مما جرى لشريكيه ، قال له البدوي : ترى أنت لحقت حالك .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا .....))

[ أحمد ، الترمذي ]

 أي لا يقبل بعد أن أصبح مليونيرا بهذه الزوجة الدرويشة ، هي قبلته ، وهو فقير ، فلما جاءه المال الوفير طلقها ، هذا غنى مطغٍ .
 واللهِ أخت كريمة أخبرتني بالهاتف أن زوجها هو ببلد عربي قال لها : إذا لم تأت إليّ ، وأنت تلبسين بنطالا من الجينز ، و نصف بطنك ظاهر أرجعك وأطلقك ، اشتغل بشركة ، ودخله كبير جداً ، قال لها : أنا أريد أن أعيش وقتي ، أريد هكذا زوجة ، وهي محجبة ، وبمعطف وحجاب شرعي ، قال لها : إذا لم تأت إليّ وأنت تلبسين بنطالا من الجينز ، و نصف بطنك ظاهر ، وشعرك إلى نصف ظهرك ، وبلا أكمام فلا محل لك عندي ، ترجعين ، طبعاً ما رجعت ، وهي جالسة بالشام ، ولا تعبأ به ز
 الغنى المطغي ، شعر أن معه مالا يجب أن يزني ، يجب أن يسافر ، يجب أن يجرّب السياحة الجنسية .
 هناك أربعمئة ألف عاهرة بالمونديال ، معهم رخص ، وبطاقات ، وشهادات صحية ، وأجر دخول البناء الذي أنشئ لهذا المونديال كلف سبعة ملايين يورو ، وكل صور الأربعمئة ألف موزعة بكاتالوكات على الفنادق بالمدينة ، هم توقعوا من الزوار مليون زائر ، عندهم حاجات جنسية يجب أن نهيئ لهم فتيات للزنا ، عندنا أربعمئة ألف إنسانة داخل القيود ، معهم هويات ، و معهم بطاقات ، و معهم شهادات ، وهذه هي الحضارة الحديثة ، هذه المرأة الإنسانة العظيمة التي هي في الإسلام أم أو زوجة ، أو أخت أو بنت ، أصبحت تمتهن الدعارة ، مادام فيها بقية جمال يمكن أن تكسب مالاً ، لكن بعد حين تلقى كما يلقى المنديل الورقي بعد أن يمسح به أقذر عملية في المهملات ، أما أمهاتنا فملكات ، الأم ملِكة ، لها أصهار ، لها بنات ، لها مكانة اجتماعية ، مرجع لكل أفراد الأسرة ، والكل يبحث عن رضاها ، هذا نظام الأسرة ، نظام الأسرة فيه مستقبل ، البنت لها مستقبل ، لكن لا مستقبل في نظام الزنا .
 تصور علبة محارم ، لو فرضنا شخصا لم يتمكن أن يقضي حاجة ، ولا يوجد ماء ، فأخذ منديلا مسح به الغائط ، وألقاه ، وإن كان مثلا مزعجا والله ، الفتاة التي تأكل بثدييها كهذا المنديل الورقي الذي لا قيمة له إطلاقاً ، تمسح به أقذر عملية ، ويلقى في المهملات ، هكذا .

كل العقل والذكاء والتفوق في التفكر في ساعة الموت :

 فيا أيها الإخوة الكرام ، يجب أن نفكر في هذه الساعة التي لابد منها هذا هو العقل ، العقل كل العقل ، و الذكاء كل الذكاء ، و التفوق كل التفوق ، و الفلاح كل الفلاح ، و النجاح كل النجاح ، و التوفيق كل التوفيق في أن تعد لهذه الساعة التي لابد منها عدتها ، أنا لا أدعوك أن تترك الدراسة بالعكس تفوق .
 إخواننا الكرام ، كلكم يعلم ، هذه بديهية ، لو وضعت هذه الورقة تحت أشعة الشمس تحترق ، ائت بعدسة ، و جعل المحرق على الورقة تحترق الورقة ، ما الذي حصل ؟ خطوط الشعاع في العدسة المحدبة تجتمع في نقطة واحدة ، هذه النقطة تحرق الورقة ، لذلك المؤمن إذا آمن ، واستقام ، وضبط شؤونه كل طاقاته في هدف واحد يتفوق .
 لا أنسى مرة شركة أرادت أن تكرم الطلاب والطالبات المتفوقين والمتفوقات بلوحات إعلانية ، تذكروا من خمس ست سنوات المفاجأة أن كل الفتيات المتفوقات الأوائل محجبات ، الفتاة المحجبة طاقاتها كلها مجموعة في الدراسة ، طاقاتها مجموعة في التفوق ، لا يوجد توزع ، لا يوجد تبعثر ، لا يوجد تشتت ، لذلك التفكر في الموت يعني التفوق ، يعني أن تكون صناعياً كبيراً ، لكن منضبط بالشرع ، أن تكون تاجراً كبيراً ، أن تكون إعلامياً كبيراً ،  أن تكون مثلاً مدرساً كبيراً ، أستاذاً في الجامعة ، أنا أدعوكم إلى التفوق ، إنك إن تفكرت في الموت تتفوق ، تكون كل طاقاتك موجهة لهدف آمنت به ، أما الذي تبعثر ، وتشتت هذا لا يتفوق .
 إذاً : أيها الإخوة الكرام ، ابدأ من النهاية وتكيف معها .
 أنا أضرب مثلاً ، أحياناً عندما كان هناك سفر للبنان واسع جداً ، في اليوم تقريباً أربعون ألفا يغادرون من دمشق إلى لبنان ، فلو فرضنا شخصا سافر إلى بيروت ، فتفاجأ على الحدود في طريق العودة إلى الشام بتفتيش غير معقول ، أحياناً تأتي كريزات ، كل شيء معك يجب أن تضعه في مكان معين ، حتى الجيوب ، لو وجدت تفتيشا بهذا المستوى ، لا يمر شيء ، و لا ربطة خبز ، و لا شيء إطلاقاً ، وأنت سافرت باتجاه بيروت وجدت دراجة جميلة هل تشتريها لابنك ؟ ماذا تقول ؟ لا تمر ، وجدت غسالة صغيرة بالحمام لطيفة جداً ، وحجمها صغير ، و تحل مشكلة ، هل تشتريها ؟ يقول لك : لا تمر ، أتمنى والله ، هل رأيت ونحن قادمون كيف التفتيش ؟ هذه الحادثة نموذجية ، المؤمن كل شيء فيه معصية عنده يقين أن عليه سؤالا ، فلا يعمله ، عنده هاجس دائماً أن هذا العمل عليه مسؤولية فلا أعمله ، لا تبعد أحياناً يقول لك شخص : أنا لا أريد أن أخطئ مع الدولة ، إذا جاءه فاكس أنه هل يوجد عندكم روشيشات قصده الرشاش الذي للزراعة ، يقول له : نحن هذه اسمها رشاشات ، وليست روشيشات ، يخاف أن يفهم هذا فهماً آخر ، لماذا عندما تحس نفسك مراقبا ، ومحاسبا تدقق في الكلمة ؟

ليس في الإسلام حرمان :

 طبعاً أنا أريد من هذا اللقاء ، كما يأتي في القرآن والسنة ابدأ من النهاية ، أريد أن أغادر ، تعيش ، وتتفوق ، و تدرس ، و تؤسس عملاً ، و تتزوج ، و تنجب أولاداً ، لكن كله وفق منهج الله ، لأن الله عز وجل لم يحرمك شيئا ، ولكن حرمك الشيء القذر ، حرمك العدوان ، حرمك الإثم ، حرمك الفحشاء و المنكر ، ولكن لم يحرمك من أن تأكل من طيبات ما خلق الله ، ما حرمك أن تقترن بامرأة صالحة تسرك إن نظرت إليها ، و تحفظك إن غبت عنها ، و تطيعك إن أمرتها ، لم يحرمك من هذا ، فلذلك لا حرمان في الإسلام ، لكن فيه تنظيم .
 أسأل الله لي ولكم السداد والرشاد ، وأكثروا ذكر هذه اللذات ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ، عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب ما شت فإنك مفارق ، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به ، وإن أكيسكم أكثر كم للموت ذكراً ، و أحزمكم أشدكم استعداداً له ، ألا و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، و الإنابة إلى دار الخلود ، و التزود لسكنى القبور ، و التأهب ليوم النشور .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور