وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة الأنبياء - تفسير الآيات 92-112
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون... مع الدرس الثامن والأخير من سورة الأنبياء، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾

إِنَّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدةً

 (هذه) اسم إشارة، وكأن الله سبحانه وتعالى يشيرُ إلى قصص الأنبياء، وكيف أن هؤلاء الأنبياء الكِرام عرفوا ربَّهُم، ووحدوه، وأفردوه بالألوهية والربوبية، وعبدوه عبادةً خالصة، ودعوا أقوامهم إلى هذا، فإن هذه المواقف، وهذا التوحيد، وهذا التسليم، وتلك العبادة..

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾

 أي مِلَّتُكُم، كلمة أمة في هذه الآية معناها المِلَّة، أي أن هذا دينكم، هذا مذهبكم، هذه عقيدتكم، هذا دستوركم، هذه شريعتكم، إن هذه مواقف الأنبياء سيدنا إبراهيم، وسيدنا نوح، وسيدنا أيوب، وسيدنا داود، وسيدنا سليمان، وسيدنا إسماعيل، وإدريس وذا الكفل، هؤلاء الأنبياء جميعاً يجمعهم شيء واحد، هذا الشيء هو أنهم عرفوا ربَّهم، ووحدوه، وعبدوه، فسعدوا بقربه، ودعوا أقوامهم إلى هذا، فهذا الذي مر بنا في الأسبوع الماضي عن قصص الأنبياء الكرام، إن سيرة هؤلاء، واعتقاد هؤلاء، وتضحية هؤلاء، وإقبال هؤلاء هو جوهر دينكم أيها الأمة العربية.

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

 أي أن هذا الدين دينٌ واحد، هذا الدين مبادئه واحدة، سننه واحدة، قِيَمُه واحدة، أوامره واحدة..

 

﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285) ﴾

 

( سورة البقرة )

 طبيعة الرسالات السماوية واحدة، لا تتبدَّل ولا تتغير، فإذا تبدَّلت، فإذا زاد بعضُها على بعض فبحكم تطور البشر، كلما ارتقت البشرية من طورٍ إلى طور جاء التشريع السماوي ليغطِّي هذا الطور الجديد، ولكن طبيعة الرسالات السماوية واحدة.

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾

 كلمة لو أن اسم الإشارة جاء بعده اسمٌ معرفٌ بأل لكان بدلاً، إن هذه الأمة أمةً واحدة.. أما:

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾

 أمتكم هي الخَبَر، كأن الله سبحانه وتعالى يشير بهذا الاسم، اسم الإشارة، إلى قصص الأنبياء جميعاً، وإلى عقيدتهم، وإلى توحيدهم، وإلى عبادتهم، وإلى استقامتهم، وإلى أعمالهم الصالحة، وإلى تضحياتهم، وإلى دعوة الناس إلى ربهم..

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾

 والخطاب موجهٌ لمن أنزل هذا القرآن إليهم، وهذا القرآن الذي أنزل على قلب النبي عليه الصلاة والسلام نحن المسلمين مخاطبون به، نحن مخاطبون به، وكأن الله عزَّ وجل يبيِّنُ لنا أن هذه القصص التي ذكرتها لكم لم تُذْكَر من أجل الاطِّلاع، ولكن من أجل أن تتخذ أساساً لعقيدتكم، ولاستقامتكم، ولأعمالكم.

﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

 وهذه المِلَّة وهذا الدين دينٌ موحَّد لأن الخالق واحد، والبشر هم خَلْقُهُ، ولهم طبيعةٌ واحدة، خلقكم من نفسٍ واحدة، إنسانٌ يسكن في أقاصي البلاد في القُطب الشمالي، وإنسانٌ آخر يسكن في القُطب الجنوبي، وإنسانٌ من شرق الأرض وإنسانٌ من غربها، كل هؤلاء لهم طبيعةٌ واحدة

 

﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾

 

( سورة الروم: من آية " 30 " )

 فطرة واحدة، كل هؤلاء البشر حريصون على سلامتهم، كل هؤلاء البشر حريصون على سعادتهم، كل هؤلاء البشر يخافون المُصيبة، يخشون الهلاك، يحبّون الخير، يحبون الحق، يحبون الرحمة، يحبون العدالة، هذه فطرة الله عزَّ وجل، فكلمة أمةً واحدة، أي أنه لا ينبغي أن يكون هناك تناقضٌ بين الأديان، لأن الأصل واحد، لأن المِشْكَاةَ واحدة، ألم يقل النجاشي حينما بلغته رسالة النبي عليه الصلاة والسلام: " إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاةٍ واحدة.. " من أصلٍ واحد، ولو أن الإنسان اطَّلع على الإنجيل كما أنزل، وعلى التوراة كما أنزلت قبل أن يطرأ عليها التحريف والتبديل، لوجد الكتب السماوية من روحٍ واحدة، لأنها كلها كلام الله سبحانه وتعالى.

﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾

افتراق الناس أحزابا وطوائف

 وربنا هوَ هو، ربنا الذي نعبده هو ربُّ هؤلاء الأنبياء الذي أوحى إليهم الكتب، وأنزل عليهم الشرائع، وأمرهم بدعوة الناس للإيمان بالله وعبادته.

﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾

 لكن أتباع هؤلاء الأنبياء تقطَّعوا أمرهم، أمرهم هو دينهم، تقطَّعوه جعلوه قِطَعَاً، هذا أخذ من الدين هذا الجانب وضخَّمه، وجعله الدين كله، وهاجم فريقاً آخر أخذ جانباً آخر، أساس الأديان واحد، لكن أتباع الأنبياء أخذوا من الدين ما يناسب أهواءهم، وتركوا ما يعارض شهواتهم، وتعصبوا لما أخذوه، وتهجموا على من لم يأخذوه، فأصبحت الديانات من بعد الأنبياء طرائق وقطعاً، وأصبحت متناقضة، و:

 

﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(53) ﴾

 

( سورة المؤمنون )

 أي أن هذه الخلافات التي جاءت بعد الأنبياء ما أنزل الله بها من سُلطان، وما أرادها الله، إن أتباع الأنبياء اتبعوا شهواتهم، ولم يتبعوا أنبياءهم، باتباعهم شهواتهم أخذوا من الدين ما يروقُ لهم، وتعصبوا له، وهاجموا كل طرفٍ آخر لم يأخذ ما أخذوا، هذا على مستوى الأديان.
أما على مستوى الدين الواحد، الإسلام كما ترون، فريقٌ رأى أن الفقهَ كل شيء، مع أن الفقه هو جوهر الدين، وفريق رأى أن التفكير كل شيء، وآخر رأى أن علم الحديث كل شيء، ورابعٌ رأى أن التوحيد كل شيء، وخامس رأى أن علم الأصول كل شيء، وسادس رأى أن المواجد والأحوال هي كل شيء، وكلُّ فرقةٍ تعتزُّ بما عندها وتهاجم أختها، لذلك أصبح الدين مِزَقَاً وفِرَقَاً، هذه كلها أشياء متكاملة، فالدين يجب أن يلم بكل هذه العلوم، ويجب أن يراها متكاملة وليست متناقضة، متعاونة لا متنافسة، الدين له جناحان جناح العقل وجناح القلب، فالدين لا يقوم على جناحٍ واحد، لابدَّ من علم الشريعة، ولابدَّ من علم الحقيقة، لابدَّ من الإيمان ولابدَّ من العمل، لابدَّ من الفقه، ولابدَّ من الحُبِّ، لابدَّ من ضبط الحديث ولابدَّ من ضبط التفسير، كل إنسانٍ يظن أنه وحده على حق، والآخرون على ضلال هذه نظرةٌ ضيقةٌ لا يرضاها الإسلام.
 بعضهم يرى أن الدين طرب وأناشيد ومدائح، بعضهم يرى أن الدين كتاب، بعضهم يرى أن الدين سلوك، والحقيقة أن كل هذه الأقوال صحيحةٌ إذا كانت مجتمعة ومتكاملة ومتعاونة..

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾

دعوة إلى التوحيد ونبذ الفرقة

 يجب أن يكون الناس متجهين اتجاهاً واحداً، يجب أن يكون الناس متكاتفين، أما هذه الخصومات بين الفرق الدينية، وبين المذاهب ما أنزل الله بها من سلطان، هذه الخصومات مُفتعلة، هذه الخصومات ما أرادها الأنبياء، ولا أرادها صاحب الرسالة العُظمى، لذلك كلما توحَّدت القلوب، وكلما أحب بعضنا بعضاً وعذر بعضنا بعضاً، كلما كثرت القواسم المشتركة، وكلما ازدادت نقاط اللقاء فنحن في خير، لذلك الإنسان ينبغي أن يكون ذا أفقٍ واسع، وأن يرى أنه عضوٌ في أسرة، وليس هو الأسرة كلها، يرى أنه جنديٌ للحق وليس هو الجيش كلُّه، هذه النظرة المتواضعة، وهذه النظرة المنفتحة هي سِرُّ تقدُّم المسلمين، إذاً:

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾

 لكن..

﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾

رجوع الخلق إلى الله بعد الموت

 هؤلاء الذين اختلفوا، وتناحروا، وتباغضوا، وتحاسدوا، وتخاصموا، واتهم بعضهم بعضاً كلٌ يتهم الآخر بأنه على ضلال، وأن في عقيدته زيغًا، وأن في سلوكه انحراف، وأنه وحده على الحق، هذه النظرة الضيقة سوف يحاسب الإنسان عليها.

﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾

 كل هؤلاء الأطراف الذين فهموا الدين فهماً جزئياً، أخذوا منه قطعةً وأعلنوا أنها هي الدين كله، هؤلاء سوف يرجعون إلينا وسوف نحاسبهم على هذه الفرقة التي أحدثوها، وتلك الخصومات التي افتعلوها، وهذا التمزق الذي صنعوه.

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾

 فمن أساء الظن بأخيه فقد أساء الظن بربه، الأخ المؤمن من غلب عليه الصلاح والتستُّر، يصلي الخمس، يصوم رمضان، يعلن الشهادتين، يأكل مالاً حلالاً، يغض بصره عن محارم الله، هذا أخٌ لك ولو كان تابعاً لأحد العلماء الآخرين، هو أخٌ لك حقيقةً، أما هذه النظرة الضيِّقة، هذا من جماعتنا، وهذا من جماعتكم، وهذا منا، وهذا منكم، هذه نظرةٌ ضيقةٌ لا تليق بالمسلمين أبداً.

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾

 في بعض العصور بلغت الحماقة بالناس أنه لا يجوز أن نزوج الحنفية للشافعي، وقد خاف الناس إذا تزوج الحنفي بالشافعية أن يأتي ولدٌ حنفشعي كما يقولون.

﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾

 من هؤلاء الذين تفرقوا من بعد ما جاءهم الأنبياء..

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾

مقياس البشر في الشرع: الإيمان والعمل الصالح

 هذه الآية دقيقة جداً، أي أن بعد هذه الفرقة، وبعد هذا الخلاف، وبعد هذا التمزُّق، وكلٌ يدعي أنه على حق، وأن أخاه على باطل، كل فرقةٍ تدعي أنها تعرف جوهر الدين، وأن الأخرى لا تفقه شيئاً، وسط هذه الزحمة من المذاهب، والاتجاهات، والتعصُّبات، والأفق الضيق، من هؤلاء جميعاً..

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

 انظر إلى مقياس ربنا عزَّ وجل ؛ أن يكون عملك صالحاً، وأن يُبنى هذا العمل الصالح على إيمان، لو تعلَّمت علم الثقلين، وكان عملك سيِّئاً لست عند الله مقبولاً، لو صحَّت عقيدتك، وساء عملك فلست عند الله مقبولاً، لو صلح عملك، وساءت عقيدتك لست عن الله مقبولاً، عند الله شيئان، مقياسان دقيقان إذا توافرا في الإنسان رفعه الله سبحانه وتعالى، وقبله، وتجلَّى عليه، ورضي عنه..

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

 هذا الذي يصلي ويكذب مرفوضٌ عند الله عزَّ وجل، هذا الذي يصلي ويغتاب الآخرين مرفوضٌ عند الله عزَّ وجل، هذا الذي يصلي، ويأكل مالاً حراماً، يصلي في أول صف، ولم تفته الصلاة في وقتها، ويأكل مالاً حراماً مرفوضٌ عند الله عزَّ وجل، وكما قال سهل التستُّري "والله لترك دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجةً بعد الإسلام "، والله كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

((والله لأن أمشي مع أخٍ مؤمنٍ في حاجته خيرٌ لي من صيام شهرٍ واعتكافي في مسجدي هذا))

 

[مجمع الزوائد (8/191) نحوه عن ابن عمر]

 للبشر مقاييس، أنت إذا درست في جامعاتٍ راقية، وحصَّلت شهاداتٍ عالية، وأعلنت للناس أنك تحمل هذه الشهادة، وأنه قد مضى عليك كذا من السنوات حتى حصَّلتها، ربما كنت عند الناس عظيماً بمقياس أهل الأرض، وإذا عرف الناس أنك غني تملك ألوف الألوف ربما عَظُمْتَ في نظر الناس، لأن مقياس الناس المال، ومقياس الناس الشهادات الرفيعة، وإذا عرف أنك ذو حولٍ وطول، وأنك من أولي الحل والعَقْد، فربما هابوك بمقياس الناس، ولكن البطولة أن تنجح بمقياس السماء، بمقياس الله سبحانه وتعالى، هذا مقياس الله عزَّ وجل:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾

 هذا هو جوهر الدين، عملٌ طيِّب، استقامةٌ على أمر الله، ائتمارٌ بما أمر الله، وانتهاءٌ عما نهى عنه، وأعمالٌ طيِّبة، كل هذا مبنيٌ على عقيدةٍ صحيحة إيمانٍ صحيح، إذا توافر فيك هذان الشرطان، إيمانٌ صحيح، وعملٌ صالح، أي استقامةٌ، وعملٌ صالح فأنت بمقياس الله سبحانه وتعالى مقبولٌ، سعيدٌ في الدنيا والآخرة.

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾

لا يضيع عملُ عاملٍ: وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ

 أما كلمة (كاتبون) هذه كي نطمئن، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أن يكتب..

 

﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى(52)﴾

 

( سورة طه )

 

 ولكن خطابٌ على مستوى عقولنا، الشيء إذا كتب أصبح ثابتاً، فالذي يتملَّك البيت دون مستندات رسمية يبقى قلقاً، أما لو معه مستند رسمي مكتوب موقَّع، مختوم، له رقم، وتاريخ، يطمئن يقول لك: بموجب العقد الفلاني، وفيه رقم، وتاريخ، فربنا عزَّ وجل يخاطب عباده بحسب معطياتهم:

﴿ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾

 أي أن حقك محفوظ، وزوال السماوات والأرض أهون عند الله من أن يضيِّعَ عليك عملك الصالح، عملت عملاً صالحاً لن يضيع عليك هذا العمل.

﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾

وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلكْناها أَنّهم لاَ يَرْجِعونَ

 أحياناً يتوهَّم الإنسان أن هذه القرية أهلكها الله، وانتهى الأمر، ليس هلاكها نهايةً لها، ولكن هلاكها بدايةٌ لحسابها حساباً عسيراً، ليس الموت نهاية إنه بداية، المؤمن تنتهي مشكلاته الدنيوية بالموت، ولكن غير المؤمن تبدأ مشكلاته بعد الموت، يحاسب حساباً عسيراً..

 

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾

 

( سورة الحجر )

﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾

 المعنى الأول:
 حرامٌ، أي واجبٌ على أية قريةٍ أهلكناها أنهم لابدَّ من أن يرجعوا إلينا، حرامٌ أن لا يرجعوا، أي مستحيل أن لا يرجعوا، أي لابدَّ أن يرجعوا إلينا، وبعد الرجوع إلينا يحاسبون على ظلمهم وعلى أعمالهم وانحرافاتهم.
 المعنى الثاني:
 وفي بعضهم التفاسير يعدُّون (لا) زائدة، وهم يرجعون، أي لا يرجعون إلى دنياهم، أي أنهم ماتوا لا يعودون إلى مساكنهم، ولا إلى شهواتهم، ولا إلى ملذَّاتهم، ولا إلى بيوتهم الفَخْمَة، ولا إلى أعمالهم الرائعة، إذا أهلكوا فكان هذا الهلاك نهايةً له، ولا مانع من أن نجمع بين المعنيين، هذه القرية الظالمة إذا أهلكها الله عزَّ وجل لن ترجع إلى الدنيا لتستمتع كما كانت تستمتع، بل سوف ترجع إلى الله عزَّ وجل لتلقى حسابها عن كل عملٍ قامت به، وما ينطبق على الجماعات ينطبق على الأفراد، الإنسان حينما يموت لن يرجع إلى بيته، ولن يستمتع بغرفته، ولن يستمتع بأهله، ولن يستمتع بمكانته، ولن يستمتع بماله، إذا مات انتهى الأمر، وسوف يرجع إلى ربه..

 

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26) ﴾

 

( سورة الغاشية )

 فيمكن أن نجمع بين المعنينن الدقيقين لهذه الآية.

﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾

 الآن الآية التي تليها:

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ(97)﴾

مِن أشراط الساعة: يأجوج ومأجوج

 كلمة (حتى) تفيد انتهاء الغاية، أي أن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والمرسلين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليدعو الناس إلى عبادة الله، فمن استجاب أكرمه الله في الدنيا والآخرة، ومن لم يستجب أهلكه الله، وما تزال هذه السنن قائمةً حتى، أي حتى تحين الساعة، حتى تحين ساعة النهاية، لا يزال الله سبحانه وتعالى يدعو عباده إلى طاعته، وإلى الإيمان به، وإلى التقرُّب إليه. فمن استجاب أكرمه في الدنيا، ومن لم يستجب عذَّبه في الدنيا، فإن كان الكفر عاماً أهلك الله القرية ومن فيها، وما يزال الله عزَّ وجل يبيِّن وينزِّل على عباده الكتب والأنبياء، وينزل على أنبيائه الكتب، ولكن بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام، وهو خاتم الأنبياء، وبعد أن نزل عليه القرآن وهو آخر كتابٍ سماوي، هذا يستمر إلى أن يأتي يأجوج ومأجوج، ويأجوج ومأجوج من أشراط الساعة، وللعلماء مذاهب مثيرة في تفسير هذه الظاهرة، أوجه هذه التفاسير:

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾

 يأجوج ومأجوج مُطْلَقُ الأمم والشعوب التي تستفزُّ بعضها بعضاً، فحينما يطلِّق الناس الدين كله، وحينما ينصبون على شهواتهم، وعلى دنياهم، وحينما تصبح حروبُهم حروب منافع، وحروب مكتسبات مادِّية، وحينما يأكل القوي الضعيف، وحينما يُصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وحينما يوسَّد الأمر إلى غير أهله، وحينما تَلِدُ الأمة ربَّتها، وحينما يأتمن الخائن ويخوَّن الأمين، وحينما يقترب الوعد الحق..

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾

 فشعوبٌ كثيرة، انفجارٌ في السُكَّان، وبعدٌ عن الرحمن، بشرٌ لا يعدُّون ولا يحصون ينسلون من كل جانب وهم جميعاً معرضون، غافلون، يرتكبون الفواحش، يفعلون كل شيء من دون قيدٍ أو شرط، لا قيم تردعهم، ولا دين يحجزهم، ولا منطق يسيِّرُهُم، ولا حكمة تقودهم، إنما هي شهواتهم تحرِّكُهُم إلى مصيرهم، وإلى هلاكهم.

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾

 بعض المُفَسِّرين فَسَّر هذه الآية، ووجهها إلى موجات التتار التي خرجت من شرقي آسيا، وغزت معظم البلاد، وقَوَّضَت العروش والممالك، ففي حينه كانت هذه الهجمات تنطبق عليها هذه الآية، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ))

 

( من سنن الترمذي: عن " أبي أمية الشعباني " )

 أي بشرٌ لا يعدون ولا يحصون، كلُّهم كفار، كلهم غافلون، ينكرون وجود الله عزَّ وجل، دينهم شهواتهم، إذا بلغت البشرية هذا المستوى فاعلم أن الساعة قد اقتربت،

 

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾

 

( سورة يونس: من آية " 24 " )

 القرآن حمَّال أوجه، القرآن ذو وجوه، انفجار سكاني وقِيَم مُدَمَّرَة، لا يوجد قيم أبداً، أحياناً تحس أن القوي يأكل الضعيف على مستوى الكرة الأرضية، الحق للقوة، وليس هناك قيم ثابتة أبداً، كل إنسانٍ دينه شهوته، ولا يعنيه ربه، ولا آخرته، ولا حياته، ولا سعادته، إنما يبحث عن لذَّته الآنية، إذا كان هناك انفجار في السكان، وبعد عن الرحمن فهذه ملامح هذه الآية:

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾

 الحدب المكان المرتفع..

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

فَإِذا هيَ شاخصةٌ أبصار الذين كفروا

 علماء اللغة يقولون: شخصَ البصر أي نظر مع الخوف، عندنا في اللغة نظر، وعندنا حَدَّجَ.. قال عليه الصلاة والسلام:

 

((حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم))

 

[روي في الأثر]

 حدَّج نظر مع محبَّة، وعندنا رنا نظر مع السرور، رنوت إليه، شخص نظر إلى منظر طبيعي جميل، يقال: رنا إليه، وحدَّج، وبحلَقَ، وحَدَّق، وحملق، ظهر حملاق العين، واستشرف، واستشفَّ، ونظر شزراً، وشخص، ولاح، ولمَحَ، يوجد خمسون كلمة تقريبًا، تعبِّر كل كلمةٍ عن حالةٍ دقيقةٍ من حالات النظر، شخص هنا معناها نظر مع الخوف.

﴿ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾

 لذلك البطولة، ليس من يقطع طُرْقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل، البطولة أن تعُدَّ لهذه الساعة عُدَّتَها، البطولة أن تعد لساعة الموت عدتها، الذكاء أن تتوقع هذا اليوم قبل أن يأتي هذا اليوم، أما أن يفاجأ الإنسان بساعة الوفاة، وقد قدَّم الأعمال السَيِّئَة، وكان غافلاً عن الله سبحانه وتعالى عندئذٍ يصعق، قال تعالى:

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ(83) ﴾

( سورة الزخرف )

﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45) ﴾

( سورة الطور )

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 في الدنيا لما يتيه الإنسان، ويشرُد، ويرتكب الموبقات، ثم يُلقى القبض عليه، وقد يفاجأ، لكن انظر إلى وجهه لا ترى فيه لوناً، إن الخوف يظهر من ملامح وجهه.

﴿ يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾

 البطولة ؛ أن لا تكون في غفلة..

﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾

( سورة إبراهيم: من آية " 42 " )

 لا ينبغي أن تكون غافلاً، ولا ينبغي أن تظن أن الله غافل.

﴿ يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾

 فيأتي جواب الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾

إنكم وما تعبدون من دون الله

 حينما نزلت هذه الآية وجدت قريش أن فيها ثَغْرَة، أليس المسيح رسول الله ؟ أليس عُزَيْر رسول الله، نبيٌ من أنبياء الله ؟ فكيف يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾

 أيكون هؤلاء الأنبياء الكرام حصب جهنم ؟ فلما جاءوا النبي عليه الصلاة والسلام لبيِّنوا له هذه الثُغْرَةَ في الآية، تبسم، وقال لأحدهم: " كأنك لا تفهم لغة قومك "، هذه (ما) لغير العاقل، لم يقل الله عزَّ وجل: إنكم ومن تعبدون من دون الله، قال:

﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ ﴾

 و(ما) تنصرف إلى الأصنام، فهذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله أيها الكفار كما جاءت الآية:

﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾

 ومعنى حصب جهنم أي وقود جهنم.

﴿ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾

 واردون أي داخلون..

﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ﴾

إنكم وما تعبدون من دون الله

 مناة والعُزَّى، هذه الآلهة التي زعمها العرب لو كانت آلهةً حقاً ما دخلَتْها..

﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

 المعبود والعابد، الذي عَبَدَ هذه الأصنام، وهذه الأصنام التي عُبِدَت من دون الله إنها جميعاً حصب جهنم.

 

زفير أهل جهنم من شدة العذاب

 

﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾

 الزفير: حينما يتألَّم الإنسان ألماً شديداً يتنفس بصوت، وحينما يتألَّم يحدث مع تنفُّسه صوتاً تعبيراً عن ألمه الشديد.. فهؤلاء وهم في النار..

﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾

 وربما كان هذا الزفير مُرتفعاً إلى درجة أنه يتعطَّل السمع..

﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾

 فهي صورة من صور العذاب في نار جهنم، نارٌ تلفح الوجوه، وأصواتٌ تُصِمُّ الآذان.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾

من زحزح عن النار فقد فاز

 هؤلاء الذين عرفوا الله في الدنيا، اهتدوا إليه، فكَّروا في مخلوقاته، قرؤوا كتابه، أطاعوه، تقرَّبوا إليه، هؤلاء سَبَقَ لهم من الله وعدٌ أن ينجِّيهم من هذا الهول، هؤلاء الذين عرفوه في الدنيا، عرفوا عظمته، عرفوا مقامه، خافوا مقامه، أطاعوا أمره، طبَّقوا سُنَّةَ نبيِّه، تقربوا إليه، هؤلاء وعدهم الله وعداً حسناً، لهم البشرى في الحياة الدنيا، هؤلاء الذين سبق من الله وعدٌ لهم..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾

لا يسمعون حسيسها

 صوت النار، أحياناً لو وضعت في النار شيئاً يكون له صوت، الحطب حينما يحترق له صوت، وأي شيء حينما يوضع في النار له صوت، هذا هو الحسيس، هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحُسنى لا يسمعون حسيسها، أي لئن كانوا مبعدين عن سماع حسيسها، فهم بعيدون عن نارها من باب أولى، لئن كانوا بعيدين عن صوتها فهم عن لهيبها أبعد، وهذه بلاغةٌ في التعبير.

﴿ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾

 هذا هو الفوز، هذا هو الفلاح، هذا هو النجاح، هذا هو الذكاء، هذا هو العَقل، هذه هي الحكمة، هذا هو الإنسان الراقي الذي عرف ربَّه، وأطاعه.
 " ابن آدم أطع ربك تسمَّ عاقلاً، ولا تعصه فتسمى جاهل "، " وكفى بالمرء علماً أن يخشى الله وكفى به جهلاً أن يعصيه ".

﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾

الفزع الأكبر

 إذاً هناك فزعٌ أكبر نعوذ بالله منه، نعوذ بالله أن يصيبنا هذا الفزع الأكبر.

﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾

 أحياناً في الدنيا يفزع بعض الناس، وأُناسٌ آخرون في طمأنينة، تثور قضية، أُناسٌ يحاسبون عليها حساباً شديداً، وأُناسٌ بريئون مستقيمون، هم في دعةٍ وطمأنينة، هذا في الدنيا فكيف في الآخرة ؟

﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ

 هذا هو اليوم الذي وعدتم به، لذلك حال الشيطان يوم القيامة:

 

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ﴾

 

( سورة إبراهيم: من آية " 22 " )

﴿ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

 ولابدَّ من أن يأتي هذا اليوم، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون فيه من الناجين، وأن نكون تحت لواء سيِّد المُرسلين، والبطولة أن نعرف الله الآن، لا بعد فوات الأوان.

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾

من أهوال القيامة العظمى

 حينما تنتهي المحاضرة من قِبَلِ الأستاذ في الجامعة، حينما يُغلق كتابه ما معنى ذلك ؟ المحاضرة انتهت، والدرس انتهى، حينما يُغلق القاضي الإضبارة، معنى ذلك أن القضية انتهت، تشبيهٌ رائع..

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ ﴾

 هذه السماء..

 

﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ(1) ﴾

 

( سورة الانفطار )

 انتهت وظيفتها،

 

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) ﴾

 

( سورة التكوير )

 انتهت وظيفتها،

 

﴿وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2) ﴾

 

( سورة التكوير )

 انتهت وظيفتها..

 

﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5) ﴾

 

( سورة التكوير )

 فهذا الكون قائمٌ على هذا الشكل، وعلى هذا النحو، لأنه الآن يحقق هدفاً عظيماً، وهو أنه دليلٌ على الله عزَّ وجل، وسيلةٌ من وسائل الإيضاح، هذا الكون قائم كي تعرف الله به، فإذا نُفِخَ في الصور وجاء يوم القيامة، وختم العمل، وانتهى الاختيار، وانتهى التكليف، وانتهى كل شيء، فلماذا الكون ؟ لماذا السماء ؟ ولماذا الشمس ؟ ولماذا القمر ؟ ولماذا الأرض ؟ ولماذا الجبال ؟

 

﴿الْقَارِعَةُ(1)مَا الْقَارِعَةُ(2)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ(3)يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ(4)وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ(5)فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7)وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8)فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9)وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ(10)نَارٌ حَامِيَةٌ(11)﴾

 

( سورة القارعة )

﴿إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3) ﴾

( سورة الواقعة )

﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَؤوا كِتَابِيه(3)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه(26)يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) ﴾

( سورة الحاقة )

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ(40)عَنْ الْمُجْرِمِينَ(41)مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين(43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44)وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47)فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ(48) ﴾

( سورة المدثر )

 فلذلك:

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ ﴾

 كيف يطوى الكتاب، وتُرْفَعُ الجلسة ؟ كيف يطوى الكتاب، وتنتهي المحاضرة ؟ كيف يطوى الدفتر، وينتهي التحقيق، ويصدر الحكم ؟ كيف ؟

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾

 حينما تنتهي الحياة الدنيا يُعاد الخلق مرةً ثانية بالطريقة التي خُلقوا بها أول مرة، كيف أن الله سبحانه وتعالى قال: كن فيكون في البداية، وفي الخلق الثاني كن فيكون، في الخلق الأول كن فيكون، وفي الخلق الثاني كن فيكون وانتهى الأمر.

﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾

 وعدُ الله عزَّ وجل في حُكْمِ الواقع، وعد الله كأنه واقع، لذلك ربنا عزَّ وجل في أكثر آيات القرآن التي يتحدَّث بها عن المُستقبل يستخدم الفعل الماضي..

 

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾

 

( سورة المائدة: من آية " 116 " )

 هذا شيء لم يقع بَعد، لكن لتحقق الوقوع، حينما يستخدم الفعل الماضي في معرض الحديث عن المستقبل فهذا لِتَحَقُقِ الوقوع.

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) ﴾

إنا كنا فاعلين

 أي أن من الحقائق الثابتة، من المبادئ الكُلِّيَة التي كتبت في اللوح المحفوظ، أو في القرآن الكريم، أو في التوراة والزبور، ليس المقصود الكتاب، ولكن المقصود المكتوب، ما المكتوب ؟

﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾

العاقبة للصالحين

 أي أن الكُفار مهما علا شأنهم، ومهما سخَّروا الطبيعة لمآربهم، لو وصلوا إلى أطباق السماء، لو غاصوا إلى أعماق البحار، لو اخترعوا كل الآلات الحديثة التي تأخُذ بالألباب، لو أصبحت لهم حضارةٌ لا يُشَقُّ لها غبار..

﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾

 حينما يطيب الإنسان قلبه، وينضج عقله، حينما تنمو مشاعره، ويتَّقِدُ ذهنه يصبح أهلاً أن يكون خليفة الله في الأرض، حينما يوازن بين عقله وقلبه، ولكن أحياناً قد يفترق العقل عن القلب، قد ينمو العقل عند الكُفَّار على حساب قلبهم، وقد ينمو القلب عند المؤمنين على حساب عقلهم، يفترقان، وقد يسمح الله لأهل الكفر أن يعلو في الأرض، فالآن بالعالم الغربي ليست كلمة الله هي العُليا، ربما كانت كلمة الكفر هي العليا، ومع ذلك الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾

 قال بعض العلماء: " هذا الوعد في الآخرة، العباد الصالحون هم الذين يدخلون الجنة ويتنعَّمون بها إلى الأبد، وهم حينما تنتهي الأرض يدخلون الجنة "، وبعضهم قال: " في الدنيا "، الله سبحانه وتعالى:

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾

 

( سورة النور: من آية " 55 " )

 بعضهم قال هذا، وبعضهم قال هذا، والأصح أن يُجْمَعُ بين التفسيرين، أي أن العباد الصالحون لابدَّ من أن يرفع الله شأنهم في الدنيا، فليصبروا، فإذا انتهت الدنيا لابدَّ من أن يدخلوا جنة ربِّهم، فليستبشروا. كتابة: والكتابة لنا، تطمين لنا.

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ﴾

 الذِكر القرآن في بعض التفاسير، والذِكر اللوح المحفوظ في بعضها الآخر.

﴿ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ﴾

 كيف جاء الزبور بعد القرآن ؟ قال: هذا ترتيبٌ رُتَبِيّ وليس ترتيبًا زمنيًا، اللوح المحفوظ، أو القرآن، ومن بعده في الدرجة الزبور كتب فيهما..

﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾

 حتى على المستوى الفردي، إذا صلح عمل الإنسان فلابدَّ أن يرفع ذِكْرُهُ، لابدَّ وأن يرفع الله شأنه، هذه بشارة.

﴿ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾

إن في هذا لبلاغا لقومٍ عابدين

 معنى بلاغاً، أي إن في هذا الكلام وهذا التطمين، وهذه الحقائق، وهذه القصص، وهذه التأكيدات، وهذه المُنطلقات..

﴿ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً ﴾

 أي إن في هذه بُلْغَةً شيءٌ يكفي، والله الذي لا إله إلا هو آيةٌ واحدة في القرآن تكفي، أعرابيٌ جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: " يا محمد عظني وأوجز ".. (لا تطِل علي).. قال له:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾

 

( سورة الزلزلة )

 قال له: " قد كُفيت "، فقال عليه الصلاة والسلام: " فَقُهَ الرجل "، هذه الآية تكفي.. لكن:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1) ﴾

 

( سورة النساء )

 ألا تكفي هذه الآية ؟

 

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14) ﴾

 

( سورة الفجر )

 ألا تكفي هذه الآية ؟

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

 

( سورة النحل: من آية " 97 " )

 ألا تكفي هذه الآية ؟

 

﴿فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(123) ﴾

 

( سورة طه )

 ألا تكفي هذه الآية ؟ والله الذي لا إله إلا هو كل آيةٍ في كتاب الله تكفي، ربنا عزَّ وجل ذَكَرَ آيات، وذكر قصصاً، وذكر أخباراً، وذكر مشاهد ليوم القيامة، وذكر أوامر، وذكر نواهي، ووعداً، ووعيداً، وأمثالاً من أجل أن نهتدي، وكل آيةٍ، وكل قصة، وكل مثلٍ، وكل حقيقةٍ، وكل مشهدٍ، وكل خبرٍ يكفي..

﴿ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً ﴾

 إنه شيءٌ كافٍ.
 تعقيباً على هذه الكلمة، دخل بعض أصحاب رسول الله على الصحابي الجليل سيدنا أبي عبيدة بن الجراح وكان قائد الجيوش في الشام، دخلوا إلى غرفته، فإذا فيها جلدُ غزال، وقدر ماء مغطى برغيف خبز، وسيفٌ معلق على الحائط، فقالوا: " ما هذا يا أبا عبيدة ؟ "، قال: " هو للدنيا وعلى الدنيا كثير، ألا يُبَلِّغُنا المقيل ؟ " معنى يبلِّغُنَا..

﴿ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً ﴾

 هذا التفصيل يكفي، بقي العمل، بقي التطبيق، بقي الانطلاق، بقي السَيْرُ إلى الله عزَّ وجل، ففرّوا إلى الله جميعاً.. " شمِّروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبةٌ كؤود، وأخلصوا النية فإن الناقد بصير ".
 " يا أبا ذر جدد السفينة فإن البحر عميق، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد ".
 ما الذي بقي علينا ؟ أن نتحرَّك لتطبيق هذا القرآن والعمل بأحكامه.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ

 قال عليه الصلاة والسلام:

((إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ))

( من سنن الدارمي عن أبي صالح )

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

 أرسل أحد الولاة لسيدنا عمر بن عبد العزيز كتاباً يقول فيه: " إن الناس جميعاً دخلوا في الإسلام، وانقطعت الموارد.. انتهت الجِزية.. " فقال هذا الخليفة الراشد: " إن الله لم يبعث محمداً جابياً، ولكن بعثه هادياً، والله كم أتنمى أن أكون أنا، وأنت راعيين نرعى الإبل، ويدخل الناس في الإسلام أفواجاً ".. الواردات قلَّت، لأن الناس دخلوا في الإسلام.. هكذا.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

 النبي عليه الصلاة والسلام للعالمين، للبشر ولغير البشر، رأى رجلاً يذبح شاةً أمام أختها فقال:

((هلاَّ حجزتها عن أختها، أتريد أن تميتها مرتين ؟))

 في قلبه رحمة..
 وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))

 

[مسلم]

 لو قتل رجلٌ عقرباً، وعَذَّبه فهو مؤاخذ، هكذا النبي الكريم أمرنا، فإذا قتلتم عقرباً فأحسنوا القتل، ضربة واحدة، وليس تعذيب..

 

((وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))

 وليس بسكين غير حادّة.

 

 

((إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ))

 

( من سنن الدارمي: "عن أبي صالح " )

﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

ملخص القرآن: قل إنما يوحي إليّ أنما إلهكم إله واحد

 هذه الآية تُلَخِّص القرآن ك

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور