وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 9 - سورة طه - تفسير الآيات 129 – 135
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس التاسع والأخير من سورة طه ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ

 أيها الإخوة ... لولا حرف امتناعٍ لوجود ، أداة شـرطٍ غير جازمة، تقول مثلاً : لولا المَطر لهلك الزرع ، امتنع هلاك الزرع لوجود المطر :

﴿ فَلَوْلاَ كَلِمَةٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾

﴿ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُسَمًّى ﴾

 شيئان .

 

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾

لكان لزاماً هلاكُهم :

 أي لكان لزاماً هلاكهم ، أي أن قومك يا محمد بعد أن كذَّبوك ، وبعد أن عصوا ، وبعد أن ردّوا هذه الدعوة ، كان يجب أن يهلكوا ، وكان يجب أن يعاقبوا عقاب تدمير ، وعقاب استئصال ، ولكن سبقت من الله عزَّ وجل كلمة ، وكان لهم أجلٌ مسمى .

معاني الكلمة في الآية :

 عند هذه الآية ، وقف العلماء وقفاتٍ متعددة ، فما هي هذه الكلمة التي سبقت من الله عزَّ وجل ؟

المعنى الأول :

 قال بعضهم : هذه الكلمة هي قوله تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

( سورة الأنفال : من آية " 33 " )

 فما دُمت بين ظهرانيهم فالله سبحانه وتعالى لن يعذبهم ، لأن الدعوة قائمة ، وهذه بعض تفسيرات هذه الكلمة .

المعنى الثاني :

 وهناك شيء آخر ، فإكراماً للنبي عليه الصلاة والسلام لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن يستأصل أمة سيدنا محمد استِئْصالاً ، فهي في بحبوحةٍ من أمرها ، وهذا هو المعنى الثاني ، أي إكراماً للنبي عليه الصلاة والسلام ، فإن الله عزَّ وجل لن يعذبها عذاب استئصال ، إذ عنده عذاب مُعالجة ، وهناك عذاب استئصال، فعذاب الاستئصال التدمير الكامل ، فقوم عادٍ ، وثمود ، وقوم فرعون دُمِّروا تدميراً كاملاً ، فالعلماء قالوا : هذا التدمير تدمير استئصال ، هذا العذاب عذاب استئصال ، فالله سبحانه وتعالى لم يشأ لهذه الأمة التي كرَّمها الله بهذا النبي العظيم أن يعذبها عذاب استئصال ، وهذا هو المعنى الثاني .

المعنى الثالث :

 والمعنى الثالث : أن الله سبحانه وتعالى عَلِمَ أن في هذه الأمة خيراً فأعطاها مهلاً .
 المعنى الأول :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

 والمعنى الثاني : أنه إكراماً للنبي عليه الصلاة والسلام قد جعل هذه الأمة في بحبوحةٍ من أمرها .
 والمعنى الثالث : أن الله عزَّ وجل علم في هذه الأمة خيراً فأعطاها مهلةً لعلها تتوب أو لعلها ترجع .

المعنى الرابع : الأمانة والتكليف

 وبعض العلماء قال : " إن هذه الكلمة التي سَبَقَت من الله عزَّ وجل هي أن الله عزَّ وجل حينما خلق الإنسان في الدنيا كَتَبَ على نفسه أن يعطيه سُؤلَهُ كائناً من كان ، وكائناً ما كان " ، كائناً من كان من بني البشر ، وكائناً ما كان من السُؤل ، فالإنسان لن يموت حتى تلبَّى له طلباته ، أو حتى يُعْطَى سُؤلَهُ ، لقوله تعالى :

﴿ كُلا نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20)﴾

( سورة الإسراء )

 أي أن الإنسان حينما قبل الأمانة التي حَمَّلَهُ الله إيَّاها :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ﴾

( سورة الأحزاب : من آية " 72 " )

أمانة التكليف :

 قال العلماء : هي التكليف ، ومعنى التكليف أنه رضي أن يأتي إلى الدنيا ، وأن يعطى حرية الاختيار ، وأن يزوَّد بالعقل ، وأن يزوَّد بالشهوة ، وأن يكون مسؤولاً عن تصرُّفاته ، فما لم يعط الإنسان في الدنيا سؤْله لا يكون مسؤولاً عن تصرفاته ، ولذلك سبقت من الله كلمةٌ أن هذا الإنسان له مشيئةٌ حرة ، ويقتضي ذلك أن يعطى سُؤْلَهُ ، وأي شيءٍ يختاره فالله سبحانه وتعالى يعطيه إياه ، فحينما يُطلق الله الإنسان لتحقيق اختياره فليس معنى هذا أن الله راضٍ عنه ، ولا معنى هذا أن الله أجبره ، قد يختار الإنسان شيئاً لا يرضي الله ، والله سبحانه وتعالى لم يجبره ولكن سبقت من الله كلمةٌ أن يعطي الإنسان سُؤْلَهُ .

مسألة الاختيار وعلاقتها بالتكليف :

 فأنت مخَيَّر ، اختر ما تشاء والله سبحانه وتعالى يعطيك ما تريد إذا كنت صادقاً فيما تريد ، أما التمنِّي فشيء والإصرار شيءٌ آخر ، لذلك لو أن الإنسان عصى الله عزَّ وجل لا يستحق الهلاك الفوري لأنه لم يستنفذ سُؤْلَهُ ، إذ له عند الله سؤْل ، فالله سبحانه وتعالى لابدَّ أن يعطيه سؤله ، ولولا هذه الكلمة التي سبقت من الله عزَّ وجل لأهلك الكفار ، والفُجار لأول بادرةٍ من معصية ، ولولا أن الله عزَّ وجل جاء بهم إلى الدنيا وكلَّفهم حمل الأمانة ، وأعطاهم اختياراً ، وأودع فيهم شهوةً ليرقوا بها إلى الله ، وبَثَّ في الكون الآيات الدالة عليه ، وأنزل إليهم الكتب ، وبعث إليهم الرُسُل ، ولولا أن الله سبحانه وتعالى كتب على نفسه أن يعطيهم سؤْلَهُم لأهلكهم .
 وتوضيحاً لهذه الفكرة : لولا أن هناك نظاماً عاماً في الجامعة يقتضي أن لا يفصل الطالب من الجامعة إلا بعد أن يرسب سنتين ، فهذا الذي يمتنع عن الدراسة إطلاقاً لن يطرد حتى يأتي الامتحان الأول فيرسب ، وحتى يأتي الامتحان الثاني فيرسب ، وحينما تنطبق عليه مواد النظام الداخلي عندئذٍ يُفصل من الجامعة ، أما أن يُفصل لقناعة المدرس فلا تكفي ، لابدَّ أن يجري امتحانًا ، وأن يرسب فيه ، ولابدَّ أن يعطى فرصةً ثانية ، ويجري امتحانًا ، ويرسب فيه ، وبعدئذٍ يفصل ، فالقضية ليست تابعة لقناعة المدرس ،ولا لرغبته في فصل هذا الطالب الكسول ، وهناك نظامٌ عام .
 فلذلك خَلَقَ ربنا سبحانه وتعالى حينما الإنسان على هذه الأرض أعطاه حريَّة الاختيار ، وشيءٌ آخر أعطاه أجلاً محدداً ، بالإضافة إلى حرية الاختيار ، ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان أجلاً ثابتاً لا يتقدَّم ولا يتأخَّر ، فلذلك إن الإنسان في عقيدة أهل السنة والجماعة لا يموت إلا بأجله ، حتى إن المقتول يُقْتَل لأجله .

﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(34)﴾

( سورة الأعراف )

 إذاً ما الذي يمنع أن ينزل بالكفار عقابٌ أليم ؟ وما الذي يمنع أن يستأصل الكفار من أصلهم ؟ وأن يدمَّر الكفار ؟ أن الله سبحانه وتعالى خلقهم في هذه الدنيا وكتب على نفسه أن يعطيهم سؤْلَهُم ، وحدد لهم أجلاً لا ريب فيه ، فعلى الإنسان ألا يتمنَّى لو كان له قريب ، أو له عدو، فقضية الآجال بيد الله عزَّ وجل ، أي أن هذا الإنسان له عند الله أجل ، لا يموت إلا بأجله ، وله عند الله أمانة ، فلابدَّ أن يستنفذ شروط الأمانة ، وهذا هو المعنى الرابع .

المعنى الخامس : رحمةُ الخلق

 وهناك معنى آخر ، قال به بعض العلماء : ما هذه الكلمة التي سبقت من الله عزَّ وجل ؟ هذه الكلمة هي أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس ليرحمهم لا ليعذبهم ، ولذلك هو يعطيهم الفرصة تلو الفرصة ، فحينما تنشأ مدرسةٌ لا من أجل أن يفصل الطُلاب منها ، فلو أن الطالب غاب عن المدرسة أسبوعين متتاليين تنطبق عليه مواد النظام الداخلي ، ولكن المدير يعطيه فرصةً ، إذ ليـس القصد فصل الطالب ، إنما القصد تعليمه ، وتهذيبه ، وتربية عقله ، ونفسه ، وخلقه ، هذا هو القصد ، وليس القصد أن الله سبحانه وتعالى كلما رأى الإنسان قد انحرف أنزل به العقاب الأليم إنه رحمنٌ رحيم :

﴿ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود : من آية " 119 " )

 وهذا المعنى الأخير ، معنى دقيق ، فليس القصد إنزال العقاب بالكفار والفـجَّار ، بل القصد أن يرحمهم الله عزَّ وجل ، وأن يهديهم إليه ، وأن يسعدهم ، وأن يقرِّبهم ومن هنا جاء حلم الله سبحانه وتعالى ، فهو يعطيهم الفرصة تلو الفرصة تلو الفرصة فلعلهم يرجعون إلى الله عزَّ وجل ، ولذلك فهذه الآية تفعل في نفس المؤمن فعلاً مؤثراً ..

 

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾

 أي هل قصد الأب أن يطرد ابنه من البيت أم القصد أن يربيه ؟ ولذلك يعطيه فرصة ..

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾

المعنى السادس : وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ

 وبعضهم قال : حينما قال الله عزَّ وجل :

﴿ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36)﴾

( سورة البقرة )

 هذا عهدٌ على الله عزَّ وجل ، ولكم يا بني آدم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين ، فلذلك حينما يخلق الله الإنسان في الدنيا يعطيه هذا الاستقرار ، وهذا المتاع ، كافراً كان أو مؤمناً .

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا(18)وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(19)كُلا نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20)﴾

( سورة الإسراء )

المعنى السابع : الكلمة هي الأجل المسمى :

 وبعضهم قال : الكلمة التي سبقت من الله عزَّ وجل هي نفسها الأجل المُسمى ، يؤكِّد هذا بعض الآيات القرآنية الأخرى ، إن هذه الكلمة التي سبقت من الله عزَّ وجل هي الأجل المُسمى الذي حدده الله للإنسان لا يزيد ولا ينقص ، وعلى كلٍ نحن في حلم الله وفي رحمته ، والسعيد من عرف الله قبل فوات الأوان ، ومن أدرك الحكمة من خلقه على وجه الأرض ، ومن عرف ربه ، واستقام على أمره ، ومن أَعَدَّ لساعة الفراق عُدته .

 

﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾

 وربما كان في الآية تقديمٌ وتأخير ، وربما يفهم معناها لو وضعت بعض الكلمات بحسب ترتيبها اللغوي .

 

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾

 ولولا كلمةٌ سبقت من ربك ، وأجلٌ مسمى لكان لزاماً هلاكهم ، واستئصالهم ، وإنزال العقوبة بهم ، فكأن الله سبحانه وتعالى يُسَلِّي النبي عليه الصلاة والسلام ويقول له : يا محمد ما دمت قد أعطيتهم أجلاً لا ريب فيه ، وما دامت قد سبقت مني كلمةٌ ألا أستأصلهم إكراماً لك ، أو علماً لما في نفوسهم من خير ، إذاً أنت فاصبر على ما يقولون ، فأقوالهم، واستخفافهم ، وتكذيبهم ، وردُّهم ، وهذه الكلمات التي قد تحزُنك ، وقد تؤلمك اصبر عليها .

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ ﴾

( سورة الأحقاف : من آية " 35 " )

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾

ما عند الله لا ينال إلا بعد امتحان :

 في هذه الآية حقيقةٌ أساسية ، وهي أن ما عند الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينال إلا بعد امتحان ، ومن لوازم الامتحان أنه شديد ، وهذا العطاء الكبير لن يُنال والإنسان في بحبوحة ، وكما يشتهي ، فلابدَّ من امتحان :

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142)﴾

( سورة آل عمران )

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2)﴾

( سورة العنكبوت )

 فحينما دعا الله سبحانه وتعالى نبيَّه إلى الصبر ، فقد كان من الممكن أن يخلق الله النبي وأصحابه الكرام من دون أعداء ، وهؤلاء الأعداء الكفار الفُجَّار المعارضون الذين كادوا للنبي عليه الصلاة والسلام ، كان من الممكن أن يأتي بهم قبل بعثة النبي أو بعدها بكثير ، ولكن العبرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ لكل مؤمن ، فيجب أن يتحَمَّل المتاعب ، حتى تكون سيرته قدوةً لنا ، ومثلاً أعلى يحتذى .

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾

 حتى تكون متاعبه التي تحملها مسليةً لنا إلى آخر الزمان ، النبي عليه الصلاة والسلام عصمه الله من أن يقتل ، أو أن الله سبحانه وتعالى عَصَمَ النبي عليه الصلاة والسلام من أن يناله المشركون بالقتل لئلا تغتال الدعوة باغتياله ، ولكن لم يعصمه عن إيقاع الأذى الذي تحمَّله أيَّما تحَمُّل وصبر له أيما صبر ، ولذلك ربنا سـبحانه وتعالى يقول:

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ ﴾

( سورة الأحقاف : من آية " 35 " )

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾

 أي إذا عارضك إنسان ، وسفَّه دعوتك إنسان ، واستخفَّ بك فلك أسوةٌ حسنة بهذا النبي العدنان ..

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

الصبر مقرون بالصلاة :

 دائماً جاء الصبر مع الصلاة ..

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾

( سورة البقرة : من آية " 45 " )

 الصبر وحده قد لا يكفي ، لكن الصبر إذا جاءت معه الصلاة إذ في الصلاة يأتي التجلي الإلهي ، ويأتي التثبيت ، والبُشرى ، ويأتي وعد الله عزَّ وجل ، ووعيده ، فالإنسان إذا صلَّى ، واتصل بهذه الصلاة ، وعقل ما يتلو في الصلاة ، إن هذا كله يثبت قلبه ويطمئنه ، فلذلك جاء الأمر :

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾

تنزيه الله وتسبيحه :

﴿ سَبِّحْ ﴾

 أي نزه يا محمد ، نَزِّه ربك عن كل ما لا يليق به ، نزهه عن كل صفات النقص ، ونزهه عن أن يكون مثل البشر ليس كمثله شيء، كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، فكلمة : سبحان الله تعني التنزيه ، فسبحان الله عن أن يكون ظالماً ، وسبحان الله عن أن يكون قاسياً ؛ إنه رحيمٌ ، إنه عدلٌ ، إنه لطيفٌ ، إنه عليمٌ ، إنَّه حليمٌ ، فكلما نفيت عنه صفات النقص بشكلٍ أو بآخر أثْبَتَّ له صفات الكمال ، أو نزِّهه عما لا يليق به ، ومجِّده بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وعلى كلٍ سبِّح، بعضهم استنبط من هذه الآية أن التسبيح هو الصلوات المكتوبة ، لأن الصلاة المكتوبة فيها تسبيحٌ سبحانك اللهم ، وبحمدك وتبارك اسـمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، فيها تسبيحٌ ، وفيها تنزيهٌ ، وتمجيدٌ ، وتعظيمٌ ، وتكبيرٌ ، وحمدٌ ، وتوحيدٌ ، وربوبيةٌ ، وألوهيةٌ .

 

﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾

 متى ؟ يقول ربنا سبحانه وتعالى :

 

﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾

تفصيل الآية لأوقات الصلوات :

1 - صلاة الفجر :

 هذه صلاة الفجر ، قبل طلوع الشمس ، " ابن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله " ، لا تعجز ، وفي بعض الأحاديث الصحيحة بما معناه أنه :

(( من صلى الفجر في جماعة ، ثم جلس يذكر الله عزَّ وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانتا له حجةً وعمرةً تامةً تامة ))

(الترمذي عن أنس)

(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

(صحيح البخاري عن أبي هريرة )

 قال تعالى :

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا(6)﴾

( سورة المزمل )

﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا(2)نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا(3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا(4)﴾

( سورة المزمل )

﴿ أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78)وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا(79)﴾

( سورة الإسراء )

 إذاً :

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾

 لأني أمهلتكم ، ولأن كلمةً سبقت مني ألاّ آخذهم إلا في أجلهم المحدد ، فقد أمهلتهم فلعلَّهم يؤمنون ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام وهو بالطائف حينما جاءه جبريل عليه السلام يقول له :

((يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين " ، ماذا أجاب النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( لا يا أخي اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحِّد الله ))

( السيرة النبوية )

 وهذا الذي حصل ، فقد جاءته وفود ثقيف تُعلن إسلامها بعد حين ، إذاً كأن الله سبحانه وتعالى علم بهذه الأمة خيراً ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( أمتي كالمطر لا يدرى أولها خير أم آخرها ))

( الجامع الصغير عن عمرو بن عثمان مرسلا بسند ضعيف )

﴿ ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ(39)وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ(40)﴾

( سورة الواقعة )

 هؤلاء أصحاب اليمين ، وأما السابقون السَّابقون :

﴿ ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ(13)وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ(14)﴾

( سورة الواقعة )

 إذاً :

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾

 هذه صلاة الفجر ..

 

﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾

2 - صلاة العصر :

 هذه صلاة العصر ..

 

﴿ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ ﴾

3 – 4 صلاة المغرب والعشاء :

 من أوقات الليل صلاة المغرب والعشاء .

 

﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾

5 - صلاة الظهر :

 صلاة الظهر ، لأنها تقع بين طَرَفَيّ النهار ، حينما تكون الشمس في كبد السماء ينتصف النهار ، فنصفه الأول ونصفه الثاني ، وتقع صلاة الظهر في الجزء الأول من نصفه الثاني ، إذاً فسر بعض العلماء هذه الآية بأنها تشتمل على الصلوات الخمس المكتوبة .

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

المحافظة على الصلوات والذِّكر طلباً لرضا الله تعالى :

 لعلك إذا أقبلت على الله عزَّ وجل ، وإذا ذقت طعم القرب ، ولعل الله إذا تجلى على قلبك ، تقول : ليس في الأرض من هو أسعد مني :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت : من آية " 30 " )

 هذه الطمأنينة لا يعرفها إلا المؤمن .

﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة : من آية " 103 " )

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا(42)هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43)﴾

( سورة الأحزاب)

﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

 لعلك إذا أقبلت على الله عزَّ وجل وإذا ذُقت طعم القُرب ، وإذا ألقي النور في قلبك قلت : ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، ولذلك من علامات الإيمان أن المؤمن يحسُّ بسعادةٍ حقيقية ، لكن الذي له معصيةٌ أو انحرافٌ أو تقصيرٌ ، مقطوعٌ عن الله ، يبقى الإسلام عنده ثقافةً ، أي معلومات ، وقناعات ، وأفكار ، وثقافات ، الإسلام في فكره لا في قلبه ، أما إذا استقام على أمر الله فتنعقد الصلة بينه وبين الله عندئذٍ يعرف قيمة هذه الآية ..

 

﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

 فهذا الذي سأل عنه النبي عليه الصلاة والسلام عَقِبَ معركة أحد فلم يره أحد ، فكلَّف أحد أصحابه بتفقد شأنه ، فتوجَّه إلى أرض المعركة فإذا هو على وشك الموت ، قال له : " يا ربيع لقد سأل عنك النبي عليه الصلاة والسلام فهل أنت مع الأحياء أم مع الأموات ؟ " إنسانٌ في مقتبل الحياة ، وفي النزع الأخير ، وعلى وشك الموت فما هي حاله ؟ من كلماته تعرفون أحواله ، قال : " أبلغ رسول الله مني السلام ، وقل له : جزاك الله عنا خيراً ما جزى نبياً عن أمته ، وقل لأصحابه : لا عذر لكم عند الله إذا خُلِصَ إلى نبيكم ، وفيكم عينٌ تطرف " ، كم هو سعيد وهو على وشك الموت ، وهو في مقتبل العمر ، اسأل الأطباء الذين يشاهدون حالات الموت ، كيف أن الإنسان إذا أوشك على الموت انهارت أعصابه ، وصرخ بأعلى صوته أحياناً ، وندم عل ما فات ، لكن هذا الإنسان الذي تربَّى على يدِ النبي عليه الصلاة والسلام ، وقذف الله في قلبه النور وتجلَّى على قلبه عرف طعم القرب ، إذاً :

 

﴿ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

 وآيةٌ أخرى تؤكَّد هذا المعنى :

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)﴾

( سورة الضحى )

 الله سبحانه وتعالى كما أنك تبتغي رضاه هو يريد أن يرضيك ، ولكن إذا أرضاك قبل الوقت المناسب فربما قعدت وتكاسلت .

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)﴾

 فلابدَّ أن يأتي اليوم الذي ترضى أشد الرضى ، ولابدَّ أن يأتي اليوم الذي تذوب فيه خجلاً للعطاء الإلهي ، ولكن من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ، ولسوف ترضى ..

﴿ِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

حقيقةُ النهي موجَّهةٌ إلى المسلمين لا إلى النبي عليه الصلاة والسلام :

 قال بعض العلماء : " هذه الآية صياغتها موجهةٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكنها في حقيقتها موجهةٌ إلى أمته ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان أبعد الناس عن أن يمد نظره إلى الدنيا ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعلها موجَّهةً إليه رأفةً بقومه ، فالكلام موجهٌ إلى النبي ، وهو في الحقيقة موجهٌ إلى كل مؤمن ..

 

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

معنى الآية :

المعنى الأول :

 فإذا وقفت أمام بيتٍ جميل ، ونظرت إليه فامتلأ القلب حسرةً ، تنظر إلى مساحته ، وتنظر إلى هذا الذي يبالغ في التأمُّل في زينة الحياة الدنيا ، فهذا فيه نهيٌ بنص هذه الآية ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( إياكم وفضول النظر ، فإنه يبذر في القلب الهوى ))

( ورد في الأثر )

 فالعلماء قالوا : " ليس النهي نهياً عن النظر ، ولكن النهي نهيٌ عن مد العينين إلى ما متعنا به أزواجاً منهم " ، أي المبالغة في التأمُّل ، وفي التدقيق ، وفي التنهُّد بعد النظر ، هنيئاً له على هذه المركبة ، ما هذه المركبة ؟ هذا النظر ، والتنهُّد ، والتحسُّر ن ليس من أخلاق المؤمن ، النبي عليه الصلاة والسلام كلما نظر إلى شيءٍ من متاع الدنيا قال :

(( اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَة ...))

( من صحيح البخاري عن سهل )

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾

 إذاً النهي عن مدّ العينين ، وكأن العين تخترق ، وتنظر ، وتشـتهي ، والقلب يتحسَّر ، والفكر يطمح ، لا ، لم تُخْلَق لهذا ، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعي إلى اللعب وإلى اللهو يقول :

(( لم أُخْلَقْ لهذا ))

 أنت لم تخلق لهذا :

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ﴾

( سورة الأحقاف : من آية " 33 " )

 كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي :

(( أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كل حين !! خلقت السماوات والأرض من أجلك وخلقتك من أجلي ، خلقت السماوات والأرض من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ))

( ورد في الأثر )

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾

 فلا تقف أمام بيتٍ فخمٍ وتبالغ في النظر إليه ، ولا تقف أمام مركبةٍ فخمةٍ جداً وتبالغ في النظر إليها ، لا تدقق في هذه الرياش والأثاث التي قد تطالعك إذا دخلت إلى بعض البيوت ، ولذلك قال سيدنا عمر رضي الله عنه: " من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط" ، أي أن هؤلاء الأغنياء المترفين غير المؤمنين يعرضون على الزائر ما عندهم من طنافس ومن رياش ومن متاع ، ويتحدثون عن قيمتها ، وعن ثمنها ، وكيف اشتروها ، وما شأنها ؟ وكم قطعة في دمشق منها ؟ فهذا الحديث عن الأثاث ، والرياش ، والمتاع يبعد عن الله سبحانه وتعالى ، يا عائشة :

(( إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ ، وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ ))

( من سنن الترمذي : عن " عائشة " )

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ﴾

المعنى الثاني :

 الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء يقول : لهذه الآية معنىً آخر ، إنك إذا دخلت إلى بيت مترف لسببٍ أو لآخر ، وكان صاحب هذا البيت بعيداً عن الله عزَّ وجل ، وقيمته في هذا المتاع ، كما قال الإمام عليٌ كرم الله وجهه : " يأتي على الناس زمان قيمة الرجل متاعه " ، أي يستمد قيمته من نوع مركبته ، ومن موقع بيته ، وثمنه ، وأثاثه ، فهذه مكانته ، وليس له مكانة أخرى إطلاقاً ، وهو في نظر الله صغير جداً ، لهم صغارٌ عند الله ، ولا شأن له عند الله فهو ساقطٌ من عينه ، ولكن يستمد مكانته من هذه الرياش ، وهذه الطنافس ، وهذا الأثاث ، وهذه الإمكانات ، فلذلك إذا دخل عليه المؤمن ، وبدا عليه الدهشة ، وبدا عليه مد النظر ففي هذا زعزعةٌ لمكانة المؤمن ، وكأن الكافر بهذا استعلى على المؤمن ، ولذلك يجب أن لا تبالي إذا دخلـت على مُترف ، بما عنده منها ، وألا تلقي لها بالاً ، ولا تدقق النظر إليها ، ولا تمدن عينيك إليها ، كن عادياً ، وأعرض عنها ، ولا تكترث بها ، فهذا شيءٌ ترد به على أهل الدنيا الذين يستمدون مكانتهم فقط من رياشهم ومن متاعهم ، ومما عندهم منها .
 وهذا أيضاً يظهر بشكلٍ واضحٍ عند النساء ، فإذا كانت امرأةٌ لها زوجٌ غني وقد أعطاها كثيراً من الحِلِيّ ، فإنها تضع هذا الحلي لتباهي به النساء الأخريات ، أو لتضع في أنفسهن الحَسرة ، فالمرأة المؤمنة لا تبالي بهذا ، ولا بهذه الحلي ، ولا بهذه الألبسة الغالية ، ولا بهذا البيت الفخم ، إنها إن تعلقت بهذا فقد ضعضعت مكانتها ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( من جلس إلى غنيٍ فتضعضع له ذهب ثلاثا دينه ))

( الترغيب والترهيب عن أبي الدرداء بسند ضعيف)

 وإذا أطلعك على شيءٍ فخمٍ فلا تحملق عينيك فيه ، ولا تندهش ، ولا تقل ما أجمله ، بل أعرض عنه ، فهكذا الأمر الإلهي ..

 

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ ﴾

 قال عليه الصلاة والسلام :

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

(سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ)

أقوال الصحابة في ذم الدنيا :

 وهذه الدنيا لا تستأهل فوق ذلك ، إنها دار الموقت ، وليست دار القرار، هي ممرٌ وليست مقراً ، عش في الدنيا كأنك غريب ، عش في الدنيا كأنك مسافر ، << ما لي وللدنيا ، يا دنيا طلقُّتك بالثلاث طلاقاً لا رجعة فيه ، فشأنك حقير ، وخطرك كبير ، فإليك عني يا دنيا >> ، هذا قول سيدنا علي .
 وقد دخلوا على سيدنا أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه ، وقد قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :

(( أمين هذه الأمة ))

( متفق عليه عن أنس )

 وكان قائد الجيوش الإسلامية في بلاد الشام ، فرأوا غرفةً صغيرةً لا تتسع لشخصين ، ورأوا قدر ماءٍ غطي برغيف خبزٍ ، وجلد غزالٍ ، وسيفاً معلقاً على الحائط ، هذا هو كل ما عنده ، فقال له بعض أصحابه : ما هذا يا أبا عبيدة ؟ قال : << هو للدنيا ، وعلى الدنيا كثير >> .
 ودخل عدي بن حاتم على النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : << والله ما هذا بأمر ملك ، دخلت عليه فدفع إلي وسادةً من أدمٍ محشوةً ليفاً ، فقال : " اجلس عليها " ، قلت : " بل أنت " ، قال : " بل أنت " ، قال : " فجلست عليها وجلس رسول الله على الأرض " ، وليس في بيته إلا وسادةٌ واحدة ، فلما جلس عليها عدي بن حاتم جلس النبي عليه الصلاة والسلام على الأرض ، هي للدنيا وعلى الدنيا كثير >> .
 ودخل عليه سيدنا عمر وقد أثر الحصير على جبينه الشريف ، فبكى، فقال : " يا عمر ما يبكيك ؟ " قال : " رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير !! " ، قال :

(( يا عمر ، إنما هي نبوة وليسـت ملكاً ، أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ))

 هذه الدنيا الحقيرة التي لا شأن لها سريعة الأفول والزوال ، هي لهم ، إذاً :

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً ﴾

 وحينما يشتهي الإنسان الدنيا يصبح معها كالزوج ، فهو مغرمٌ بجمع الدرهم والدينار ، وهو عبد للدرهم والدينار ..

(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ، وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ))

( من صحيح البخاري عن أبي هريرة )

(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ))

 وهذا مغرمٌ بالشهوات :

(( تعس عبد الفرج ))

 وهذا مغرمٌ بالطعام والشراب :

(( تعس عبد البطن ))

 وهذا مغرمٌ بالأناقة واللباس والرياش :

(( تعس عبد الخميصة ))

 فلذلك المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))

( من مسند أحمد عن معاذ بن جبل )

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً ﴾

 فهو والنساء زوج ، وهو والمال زوج ، وهو والرياش زوج ، وهو والسفر زوج ، فهذه هوايته في الحياة ..

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

الدنيا كالزهرة سريعة الذبول والانقراض :

 والله سبحانه وتعالى شبَّه هذه الدنيا ، وزينتها ، وبهرجها ، وزخارفها ، ورياشها ، ونساءها ، ومالها ، وبيوتها ، وبساتينها ، ومركباتها ، شبهها بالزهرة ، والزهرة سريعة الذبول ، فقبل أسبوع كانت الغوطة كلها أزهار ، فأين هي الآن ؟ انتهت ، ولذلك قال بعض الشعراء يعاتب خليفةً ويقول :

لا يكن عهدك وردا ً إن عهـدي لك آسُ
* * *

 ما معنى ؟ لا يكن عهدك ورداً ؟ أي سريع الذبول ، فربنا عزَّ وجل شبَّه الدنيا بأنها زهرة ، حتى يستكمل الإنسان مقومات حياته في الأربعين ، وقد يموت في الخمسين ، عشر سنوات ، قبل الأربعين كلها تعب ، تعبٌ كلها الحياة ، فما أعجب إلا من راغبٍ في زيادة ، زهرة الحياة الدنيا ..

﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾

( سورة الكهف : من آية " 19 " )

 فلذلك خيركم من طال عمره وحسن عمله ، والنبي عليه الصلاة والسلام :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات ، ومفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ))

(( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا ، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوِ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوِ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

(سنن الترمذي عن أبي هريرة )

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ ﴾

 لنمتحنهم أيؤثرون الله عزَّ وجل أم يؤثرون الدنيا ؟

﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

رزقُ اللهِ خير وأبقى :

 تقول أنت : صدق الله العظيم ، فهل أنت مصدقٌ ربك في هذه الآية؟

 

﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

 إذا كنت مستقيماً على أمر الله ، وطائعاً لله فالآخرة لك ، والعقبى لك ، وأنت الفائز ، وأنت الرابح ، والناجح ، والمتفوق ، والأول .

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

( سورة الأحزاب )

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت : من آية " 30 " )

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

( سورة الجاثية : من آية " 21 " )

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾

( سورة القصص )

﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

 الدنيا أقل وأقصر ، وكلها متاعب ، وإنها دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي " .

﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

 وعن قوله تعالى :

 

﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾

 يقول عليه الصلاة والسلام :

(( ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر ))

( ورد في الأثر )

 والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

( سورة النساء : من آية " 77 " )

 وإذا كان الجليل يقول عن متاع الدنيا : قليل ، فهل تراه أنت كثيراً ؟

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

( سورة النساء : من آية " 77 " )

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ(38)﴾

( سورة التوبة )

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾

وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ

 والإنسان لحكمة أن الله سبحانه وتعالى جعل نظام المجتمع أساسه الأسرة ، فالإنسان لا يسعد إذا كان هو مهتدياً ، وأهله في ضلال ، وإن هناك المخاصمات ، والمُشاحنات ، والتناقضات ، والصراعات ، فمن أجل أن تسـعد لابدَّ أن يكون أهلك معك على خطِّك ، وعلى طريقتك ، ولابدَّ أن يشربوا من مشربك ، وأن يهتدوا بهداك ، فلذلك جاء الأمر الإلهي :

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾

الأمرُ بالاصطبار :

 أي اصطبر كي تصبح صلاتهم كما أرادها الله عزَّ وجل ، مُرهم بالصلاة ، واصطبر عليهم .

 

﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾

الله هو الرزاق ذو القوة المتين :

 أي أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ذو القوة المتين ، فهذه الصلاة فيها اقتطاعٌ للوقت ، والوقت كما تعلمون أصل كسب المال ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الرزَّاق ، وما دام الله هو الآمر فهو الضامن والناصر ، وما دام الله هو الآمر بالصلاة فهو الذي يتكفَّل برزقك ، وهو الذي يرزقك من حيث لا تحتسب ، فعلى الإنسان ألا يحتج بالرزق لتقاعسه عن حضور مجالس العلم ، ولا يحتج بالرزق لتقاعسه عن أداء الصلاة ، فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، فلذلك كم من إنسانٍ اقتطع من وقت قسطاً ليصلي فيه ، فجاء رزقه وفيراً ، وكم من إنسانٍ ضن بوقته عن أن يصلي فيه ، فجاءت مصيبةٌ أتلفت ماله ، فلذلك فما عند الله لا ينال بمعصيةٍ ، ومن ابتغى شيئاً بمعصية الله كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى .

 

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾

 أي زوجتك وأولادك ، ومن في عهدتك ، ومن في رعايتك ، ومن أنت عليهم ولي .

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

(( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَدْرَكَهُ كَانَ لَهُ كِفْلانِ مِنَ الأَجْرِ ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الأَجْرِ ))

(سنن الدارمي عن واثلة بن الأسقع )

(( أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب ))

( ورد في الأثر )

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)﴾

( سورة الطلاق )

نزلتْ فلما اسـتحكمت حلقاتها  فـرجت وكنتُ يـظن لا تفرجُ
* * *

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

العاقبةُ للتقَوى :

 هذا كلام الله ، خالق الكون ، يقول لك : العاقبة للمؤمن ، للتقي ، والزمان يدور ، وينتهي بفوز المؤمن وهلاك الكافر :

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾

( سورة الإسراء )

 فالعاقبة للمتقين ..

 

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى * وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾

أسلوب التحدي عادةُ الكفار :

 كما فعل سيدنا موسى ، أو سيدنا صالح .

 

﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾

 أليس هذا هو الآية ؟ أليس في هذا القرآن أخبار الأمم السابقة ؟ هل عرف النبي هذا إلا عن طريق الوحي ؟ أنَّى له أن يعرف ما جرى في الأقوام السابقة لولا أنه نبيٌ يوحى إليه ، أليس هذا الكتاب آيةً كافيةً على نبوته ؟ .

 

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى * وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾

 أي أن الله عزَّ وجل يرسل الأنبياء ، ويرسل المرسلين ، وينزِّل الكتب لتقوم الحجة على العباد ، ولو لَم يُذَكِّر :

 

﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا﴾

كلُّ فريق يُجزَى بما كسب :

 والله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالخيرات ، ووعد الكافرين بالعقوبات ، وعليه :

﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(22)﴾

( سورة المطففين )

﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ(14)﴾

( سورة الانفطار )

 الناس رجلان : برٌ تقي كريمٌ على الله ، وفاجرٌ شقي هينٌ على الله .

 

﴿ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا﴾

 وكل إنسـان ينتظر ما وعده الله به ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.

 

﴿ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾

يوم القيامة يُكشَف كُلُّ مخبوءٍ :

 هذه السين للاستقبال ، ولابدَّ أن يأتي اليوم الذي تعرفون فيه مصداق هذا القرآن الكريم :

﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّ

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور