1988-01-29
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثاني من سورة طه ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾
قصة موسى عليه السلام :
وذكرنا أيضاً أن قصة موسى هذه أطول قصص سيدنا موسى في القرآن ، قصة سيدنا موسى في القرآن وردت سبع عشرة مرة ، هذه هي أطول روايةٍ لهذه القصة .
أقوال العلماء في مغزى تكرار قصة موسى عليه السلام :
القول الأول :
وعلماء التفسير قالوا : " إن الله سبحانه وتعالى أراد من خلال هذه القصة أن يبيِّن لنا أنه لا إله إلا الله ، فالتوحيد إما أن يلقى إلقاءً مباشراً ، وإما أن يعرض على شكل قصة ، فهذه القصة مِن أَلِفِها إلى يائها ، من خلال كل حوادثها ، تبين حقيقةً واحدة ألا وهي التوحيد " ،
القول الثاني :
وبعض علماء التفسير قال : " إن هذه القصة تبيِّن سَعَةَ علم الله سبحانه وتعالى " ، وبعضهم قالوا : " إنها تبين توحيد الألوهية ، وعلم الله في وقتٍ واحد " .
على كلٍ أيّ قصة لها مغزى ، فإذا لم نقف على المغزى فكأننا ما قرأنا القصة ، وليست القصة في أهدافها تبتغي أن تُمْتِع أسماعنا بحوادث ، وبمواقف ، وبعقده ، ليس هذا هو الهدف ، بل الهدف هو استنباط حقيقة من هذه القصة ، وإن هذه الحقيقة التي ينبغي أن تستنبط منها هو المغزى ، فالعلماء قالوا : " مغزى هذه القصة على طولها التوحيد " ، أي أن نعرف أنه لا إله إلا الله ، وبعضهم قال : " مغزاها أن نعلم أن الله يعلم"، وبعضهم قال : " التوحيد ، وعلم الله سبحانه وتعالى هما المغزى الأساسي لهذه القصة " .
القول الثالث :
وفريقٌ ثالث من العلماء جَهَدوا إلى أن هذه القصة إنما كانت تسليةً ومواساةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا تَلا هذه القصة يرى أن هناك أنبياء آخرين سبقوه من أولي العزم ، أصابهم ما أصابهم ، إنهم تجشَّموا المشاق ، وركبوا الأهوال ، تركوا بلادهم ، ورحلوا إلى أماكن بعيدة ، ومشوا في القِفار ، أصابهم البرد والجوع والخوف ، ثم عادوا إلى مواجهة فرعون ، وكأن هذه القصة أراد الله منها أن يسلِّي النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن يواسيه ، وأن يخفف عنه ، وأن يشجِّعه ، وأن يجعل من هذا النبي سيدنا موسى الذي هو من أولي العزم مثلاً للصبر والدأب ونشر الحق .
مختصر قصة موسى عليه السلام :
كلكم يعلم أن هذا النبي العظيم كان في قصر فرعون ، وفي مكانٍ آخر ، خرج من هذا القصر ذات مرة ، فرأى رجلين يختصمان ، يقتتلان ، هذا من شيعته وهذا من عدوه ، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ، فوكزه موسى فقضى عليه ، أي تسبب في قتله ولم يقتله في نظر القانون إلا ، خطأ فهو يعاقب عقوبة القتل الخطأ ، لأنه التسبب في القتل ، ثم جاء من يبيِّن لهذا النبي الكريم أن هناك قوماً يأتمرون بك ليخرجوك ، فخرج من مصر باتجاه مَدْيَن ، وتروي كتب التاريخ أنه قد قطع ألفين وخمسمئة كيلو متر مشيا على قدميه ، من مصر إلى مدين ، قطع سيناء مُساحِلاً ، أي على خليج السويس وخليج العقبة ، ثم انتقل منهما إلى مدين في شمال الجزيرة العربية ، وكلكم يعلم في موطن آخر في القصص كيف أنه وجد امرأتين تذودان .. قال تعالى :
﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)﴾
وكيف تعرَّف إلى سيدنا شعيب ، وكيف تزوج ابنته ، ثم عاد إلى مصر بعد أن قضى الأجل ، أي رعى لسيدنا شعيب ثماني أو عشر سنوات ، ثم هو في طريقه مع أهله إلى مصر ، وكان الجو ماطراً وبارداً ، وكان مع أهله في وادٍ موحش ، شعر بحاجةٍ ماسةٍ إلى نارٍ يصطلي بها هو وأهله ، وهنا بدأت القصة .
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾
أي يا أيها النبي هل أتتك هذه القصة ، هل سمعت بها ؟ فاستمع إليها .
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً﴾
رجوع موسى عليه السلام إلى مصر :
وهو في الطريق مع أهله من بلاد مَدْيَن إلى أرض مصر ، والطريق طويل ، والبرد شديد ، والظلام دامس ، والخوف على أشده ..
﴿ إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾
القبس في اللغة جذوة النار ، وهو عودٌ مشتعل تأخذه من نارٍ مُضْرَمة.
﴿ لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾
والعلماء قالوا : " كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو " ، أيْ أن الإنسان ليس له أن يحتقر شيئاً ، ولا أن يستصغره ، ولا يهمله ، ولا أن يهمل طلباً ، ولا عرضاً ، ولا مناسبةً ، ولا فرصةً ، فهذا النبي الكريم رأى ناراً فتوجَّه إليها ليأخذ منها قبساً ، فكانت المُناجاة مع الله سبحانه وتعالى..
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا﴾
أي أتى النار ليأخذ منها قبساً يصطلي بها هو وأهله ..
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى﴾
تكليم الله لموسى عليه السلام :
ولذلك فسيدنا موسى هو كليم الله ، خاطبه الله سبحانه وتعالى ..
﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾
طبعاً هذه الآيات فسرها المفسرون بطرق عدة ..
﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾
ربنا سبحانه وتعالى استخدم في هذه الآية الضمير المُفْرَد ، لم يقل : ضع ، على ما يجري في القرآن إننا ..
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)﴾
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)﴾
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾
لا ، قال :
﴿ إِنِّي ﴾
العلماء قالوا : " حيثما كان الحديث عن ذات الله استخدم الله ضمير المتكلم المفرد ، وحيثما كان الحديث عن أفعال الله استخدم الله ضمير الجمع ، لأن فعل الله فيه الرحمة ، وفيه القدرة ، وفيه الغنى ، وفيه اللطف ، وفيه الحكمة ، وفيه الحنان ، أسماء الله الحسنى كلها داخلةٌ في أفعاله " ، أما الحديث عن ذاته فغالباً ما يستخدم ضمير المتكلِّم المفرد.
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾
أَنا رُبُّك الأعلى
أقرب الأسماء الحُسنى إلينا الرب ، لأنه مُرَبِّينا ، خلقنا ، وأمدنا بالطعام والشراب ، والهواء ، والأهل ، والأولاد ، وأعطانا كل ما في الأرض ، وسخَّر لنا كل ما في السماوات والأرض ، إنه ربنا ، أمدنا بأنواره ، وتجلياته ، وربَّانا في طريق الإيمان ، وخوَّفنا تارةً ، وطمأننا تارةً أخرى ، وأعطانا ومنعنا ، ورفعنا وخفضنا ، وأعزنا وأذلنا ، وهذه كلها تربية من الله عزَّ وجل ، فالإنسان مرةً يرفعه الله ، ويمتحنه بهذه الرِفعة ، فإذا أساء استخدامها خفضه ، يمتحنه بالمال ، فإذا أنفقه على شهواته حرمه ، ويمتحنه بالزوجة فإذا نسي معها ذكر الله عَقَّتْهُ ، ويمتحنه بالأولاد ، فربنا سبحانه وتعالى كل شيءٍ يعطيك إيَّاه محض امتحانٍ وابتلاء .
﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾
وما حنان الأم ، وما حَدَبُ الأب ، وما رعاية الأهل إلا طرفٌ يسيرٌ ، ونقطةٌ من بحر من رحمة الله سبحانه وتعالى ، ومن عنايته ، ومن تربيته ، ومن إمداده ، فأقرب أسماء الله الحسنى إلينا اسم الرب لأنه يربينا ، ويُعطي ويمنع ، ويرفع ويخفض ، ويعز ويذل ، ويغني ويفقر ، ويكرِّم ويهين .
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى(48)﴾
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى(43)﴾
أحياناً يضحك الإنسان ، ومعنى أنه يضحك ، أي الله عزَّ وجل أنعم عليه براحة البال ، وأصلح له باله .
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5)﴾
فلو أنه أسمعه خبراً مؤلماً ، أو أراه شبحَ مصيبة خطيراً لجعل ضحكه بكاءً ، فإذا ضحكت فبفضل الله ونعمته .
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى(43)﴾
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى(48)﴾
﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾
تفسير : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
التفسير الأول :
بعض المفسرين فسرَّ هذه الآية : أي دع حظ الدنيا من نفسك ، دع حظوظ الدنيا ، أي أعرض عن الدنيا بكل ما فيها ، وكأن الدنيا شيء تافه لا قيمة لها " ، " الدنيا جيفة ، وطلابها كلابها ، الدنيا دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له " ، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً " ، " ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر " ، والنبي عليه الصلاة والسلام مر في طريقه مع أصحابه على شاةٍ ميتة متفسخة ، جيفة ، قال :
(( انظروا كم هي هينةٌ على أهلها ، للدنيا أهون عل الله من هذه الشاة على أهلها ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
لذلك :
﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾
ما هو الوادي المقدس ؟
المعنى الأول :
هذا الوادي وادٍ مقدس لأنه تمَّت فيه المناجاة .
المعنى الثاني :
وهناك معنىً آخر ، أي إن هذا النبي العظيم في مسلكٍ مقدس ، أو في همٍ مقدَّس ، أو في طموحٍ مقدس ، وأهدافٍ مقدسة ، وغاياتٍ مقدسة ، ومشاغل مقدسة ، إذ هناك مشاغل تافهة ، وأهداف تافهة ، وأعمال تافهة ، وطموحات تافهة :
(( إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها ))
﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾
تشبه هذه الآية :
﴿ وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى(7)﴾
النبي عليه الصلاة والسلام كان في آفاق مقدسةٍ غير هذه الآفاق .
﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾
وطُوى اسم هذا الوادي ، أي وادي المناجاة ، أي أن هؤلاء الأنبياء العظام لسمو مكانتهم عند الله عزَّ وجل ، ولمحبَّتهم ، ولإقبالهم ، ولفنائهم في حب الله ، استحقوا أن يناجيهم الله عزَّ وجل .
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾
اصطفاء الله للأنبياء :
اخترتك ، أي اصطفيتك ، أو انتقيتك من بين عبادي جميعاً لتكون رسولاً لي .
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾
وإذا اختار الله سبحانه وتعالى نبياً عظيماً فلابدَّ أن يكون هذا النبي قمةً في الكمال ، وأية قصةٍ أيها الإخوة تخدش من كمال الأنبياء فهي قصةٌ مرفوضة ، لأن الله اختارهم على عِلْم ، واصطفاهم على العالمين ، ولو أن في أخلاق الأنبياء خدشاً أو نقصاً كما تروي بعض الكتب المقدَّسة الأخرى ؛ أن هذا النبي شرب الخمر ، وأن هذا النبي فعل كذا وكذا بابنتيه ، وأن هذا وهذا ، ولو أن في أخلاق الأنبياء انحرافاً أو خدشاً لما كان اختيارهم حسناً ، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اصطفاهم ، وهو الذي اختارهم ، وأكرمهم ، ورفعهم ، إذاً من لوازم العقيدة الصحيحة أن تؤمن بعصمة الأنبياء .
إنهم معصومون في التبليغ ، ومعصومون في أقوالهم ، وأعمالهم، ومعصومون عن أن يعصوا الله سبحانه وتعالى ، وكل شيءٍ رابك أمرُه فاسأل أهل الذكر ، هكذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(43)﴾
﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾
فاستمعْ لِمَا يُوحَى
والحقيقة أن الإنسان إذا طَمِحَ أن يكون خادماً للخلق ، حبيباً للحق ، وإذا طمح أن يكون مفتاحاً للخير ، ومغلاقاً للشر ، وأن يجعل الله هدى الناس على يديه ، وأن يكون مِشْعَلاً يضيء للناس طريقهم ، وإذا طمح أن يكون كذلك فهناك امتحاناتٌ قاسية وشروطٌ صعبة ، منها أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾
من صفات الدعاة إلى الله الواجب توفرها فيهم :
1 – الصبر :
فيجب أن تصبر ، أن تصبر عن الشهوة ، وعلى الطاعة ، وعن المعصية ، وأن تكون مطيعاً لله عزَّ وجل فيما تعلم ، وفيما لا تعلم ، وفيما تعرف حكمته ، وفيما تجهلها ، وفي السرَّاء والضرَّاء ، وفي الرخاء والشدة ، وفي إقبال الدنيا وإدبارها ..
﴿ وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾
من هذه الشروط قال :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾
2 – العفة عن أموال الناس :
فيجب أن تعف عن أموال الناس ، قليلها وكثيرها ، جليلها وحقيرها ، ويجب أن تجعل من دعوتك عملاً خالصاً لوجه الله عزَّ وجل ، فلا تسأل وجاهةً ، ولا مكانةً ، ولا شيئاً معنوياً أو مادياً .
3 – تبليغ الدعوة كاملةً :
من هذه الشروط فيجب أن تكون جريئاً في إلقاء الموعظة وفي قول الحق ، لقوله تعالى :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ ﴾
4 – الدعوة عن علم وبصيرة :
يجب أن تدعوَ الناس على بصيرة ، وأن تأتي بالدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، إذا كنت ناقلاً فالصحة ، وإذا كنت مبتدعاً فالدليل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾
5 – إظهار عظمة الله عزوجل :
وهكذا ينبغي أن تكون ، ويجب أن تظهر للناس كمال الله عزَّ وجل ، وعدالته ، ورحمته ، وحكمته ..
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾
6 – التواضع للناس :
ويجب أن تكون متواضعاً للناس ، لمن تعلِّم :
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)﴾
ولا ينبغي أن تطالب الناس أن يكونوا متواضعين لك ، بل ينبغي أن تكون أنت قدوةً لهم في تواضعك ..
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)﴾
وهذه الشروط التي إذا نَجَحْتَ فيها تستحق أن تكون بشكلٍ متواضعٍ جداً مشعلاً وضَّاءً ، نبراساً في طريق الهدى وطريق الإيمان ، لذلك ..
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾
فلن يختار الله سبحانه وتعالى من يدعو إليه إلا إذا اجتاز امتحاناتٍ قاسية ، فعلِمَ اللهُ صدْقَه ، وعلِمَ زهده ، وعفَّته ، وشرفه ، واستقامته ، وإخلاصه ..
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
ملخّص الأديان السماوية : إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فإذا أردت أن تلخِّص الأديان السماوية كلها في كلمات ، وأن تلخص كل هذا القرآن في كلمة ..
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
فهذا القرآن الكريم كله ، وهذا الدين الإسلامي كلُّه ، الشرائع السماوية كلها إنما تتلخص في كلمةٍ واحدة ..
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
أي أن ليس في الكون إلا حقيقةٌ واحدة ، وهي الله سبحانه وتعالى ، فكل شيءٍ يؤدِّي إلى هذه الحقيقة ، استقامةً ، وتقرُّباً ، ومعرفةً فهو الحق ، وكل شيءٍ يبعد عن هذه الحقيقة إنكاراً ، أو معصيةً ، أو جحوداً فهو الباطل ، وكل شيءٍ يؤدي إلى مزيدٍ من الاتصال بالله سبحانه وتعالى فهو الحق .
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾
لا نافع ، ولا ضار ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا رازق ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا مكرم ، ولا مهين ، ولا محيي ، ولا مميت ، ولا مغني ، ولا مفقر إلا الله..
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾
فإما أن تعرف هذه الحقيقة ، وإما أن تجهلها ، فإذا جهلتها كان الهلاك والدمار والشقاء .
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾
هذه هي الحقيقة ، فما الموقف الذي يجب أن تقفه منها ؟
﴿ فَاعْبُدْنِي﴾
إذا كنت في أشدِّ الحاجة إلى الماء ، وعلى وشك الهلاك ، ورأيت النبع ، فماذا ينبغي أن تفعل ؟ ينبغي أن تذهب إليه ، ولذلك أخطر شيءٍ في الدين أن يبقى على مستوى الفكر ، وأن يبقى الدين ثقافةً ، أو قناعات ، وتصوُّرات ، ومفاهيم ، وكتباً مجلَّدة تقرأها ، وتعجب بها ، وتتكلم بها ، وتتبجح ، لا ، الدين مواقف ، والدين عبادة يجب أن تعبده ، وأن تعرفه أولاً ، وأن تعبده ثانياً ، تعرفه بالكون ، وتعبده بالشريعة ، يجب أن تكون فقيهاً حتى تعرف كيف تعبده ، وهذه آية دقيقة جداً لخَّصت الأديان كلها ، ولخصت جوهر الدين ..
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
الحكمة من عطف الصلاة على العبادة :
الصلاة أبرزُ العبادات :
وهنا سؤال : أليست الصلاة من العبادة ؟ نعم ، فلماذا خُصَّت بالذكر مع العبادة ؟ ألا تعني العبادة إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ؟ فقال علماء التفسير : " إنما خُصَّتِ الصلاة بذكرٍ منفصلٍ عن العبادة لأنها أبرزُ ما في العبادة .
(( الصلاة عماد الدين ، فمن أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
إن أبرز ما في العبادة أداء الصلاة ، فالصلاة من أجل الصلاة ، والصيام من أجل الصلاة ، والحج من أجل الصلاة ، والزكاة من أجل الصلاة ، والأوامر التفصيلية ؛ غض البصر من أجل الصلاة ، وعدم أكل الربا من أجل الصلاة ، وعدم الغَبْن في البيع من أجل الصلاة ، كل الأوامر والنواهي إنما يفعلها الإنسان من أجل أن يبقي الطريق بينه وبين الله سالكاً ، فأية معصيةٍ ، أو أية مخالفةٍ من شأنها أن تكون عقبةً كؤودًا بين العبد وبين ربه .
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
معنى الذكر في الآية :
والعلماء قالوا : " الذِكر هنا ، الصلاة فيها ذكرٌ لله عزَّ وجل ، وفيها قراءة الفاتحة ، والتسبيح ، والتعظيم ، والثناء ، والحمد ، وتلاوة القرآن ، فالصلاة ذكرٌ لله عزَّ وجل ، ومعنى آخر للذكر هو أن يكون هذا الذكر خالصاً لوجه الله عزَّ وجل ، لا أن تذكر مع الله أحداً ، وأن تذكره بإخلاص ، ومعنى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
أن تذكره ، ولا تذكر شريكاً له ، ومعنى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
أن تذكره ، ولا تنساه ، قال موسى : " يا رب كيف أشكرك يا رب " ، فقال الله عزَّ وجل : " يا موسى إنك إن ذكرتني شكرتني ، وإذا نسيتني كفرتني " ، تذكرني ولا تناسني ، من أجل أن تشكرني يجب أن تذكرني ، ولا تنساني ..
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في كتاب الله عزَّ وجل إلا هذه الآية لكفت ، هذا الدين كله ..
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
الحكمة من إخفاء يوم القيامة :
وهنا سؤال دقيق : لماذا تعلَّقت إرادةُ ربنا سبحانه وتعالى أن يخفي الساعة عن الناس ؟ لِمَ لمْ تكن الساعة جليةً ظاهرة ؟ ولِمَ لمْ تكن ساطعة كالشمس ؟ ولِمَ أخفاها الله عن الناس ؟ ومعنى أخفاها أن الإنسان أحياناً ينسى الموت ، ويحس بقوةٍ في عضلاته ، وبأملٍ في حياته ، ويظن أنه لن يموت ، وينسى الموت ، ويظن أن هذه الحياة لا تنتهي ، فهي مديدة ، ولن يموت ، إذ هكذا يتوهَّم ، فلماذا جعل ربنا سبحانه وتعالى جعل هذه الساعة التي هي آتية ولابدَّ ، والتي لا ريب فيها ، ولماذا أراد الله عزَّ وجل أن تكون خافيةً بعض الشيء ؟ فالإنسان أحياناً يصادف جنازةً ، فلو فكر بهذه الجنازة ، من في هذا النعش ؟ فيها إنسان ، كان البارحة ملء السمع والبصر ، وكان البارحة يسهر، ويضحك ، ويتكلم ، ويقول : سأذهب إلى المكان الفلاني في هذا الصيف ، وكان قبل ساعة يجمع أمواله ، ويُتابع هذا المسلسل ، فإذا هو الآن جثةٌ في نعش ، يتبع الجنازة ، وإذا هذا الإنسان يوضع في حفرة ، ويطمر فوقه التراب ، شيءٌ مخيف ..
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾
وأصعب ليلةٍ يمضيها الإنسان هي أول ليلةٍ في قبره ، يقول الله عزَّ وجل : " عبدي رجعوا ، وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت " .
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾
لماذا يا رب تكاد تخفيها ؟ جاء الجواب :
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
لِتُجْزَى كُلُّ نَفسٍْ بِمَا تَسْعَى
فمثلاً لو أنك صاحب محلٍ تجاري ، وأنت جالسٌ وراء الطاولة ، ولم تغادر هذه الطاولة التي فيها المال لحظةً واحدة ، فهذا الصانع الذي أمامك يا ترى أهو أمينٌ أم خائن ؟ ما كان لك أن تعرفه ، ما دمت وراء الطاولة ، والمال تحت مراقبتك ، وأنت مهيمنٌ عليه ، وكيف تقول : هذا الصانع أمين أم خائن ؟ لم يُتَح لك أن تكشف عن أمانته أو خيانته ، إنك إذا تغافلت عنه قليلاً ، وخرجت من المحل إلى محلٍ مقابل ، وكانت عينك ترعى محلك التجاري ، وراقبت هذا الصانع كيف يبيع ويشتري ، هل يضع هذا المال في الدرج أم يضعه في جيبه ؟ إنك إن تغافلت عنه تمتحن أمانته ، وتعرف أخلاقه ، فما كان لهذا الإنسان أن ينكشف على حقيقته لولا أنك تغافلت عنه ، ولذلك فالإنسان أحياناً يسيء حتى يظن أن الله غافلٌ عنه ، وكأن دابةً لها حبلٌ مُرْخى تظن أنها طليقة ، ولكنها ليست بطليقة ، إنه في اللحظة المناسبة يشد الحبل فإذا هي في قبضة صاحبها ، لذلك :
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
وأحياناً يأتي الموت فجأةً ، وهذا الإنسان خطّط أن يمضي هذا الصيف في هذا المكان ، وهذا الشتاء في هذا المكان ، ومخطط لرحلات ممتعة ، ولسهرات عامرة ، وليالٍ حمر ، وموائد خضر ، فإذا بالموت على الأبواب ، ولذلك :
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
ولابدَّ أن تُكْشَف النفس على حقيقتها ، ولابدَّ أن تمتحن ، أن تُبْتَلى ، وأن يفتن الإنسان .
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2)﴾
الدنيا دار ابتلاء ، والآخرة دار جزاء ، والدنيا دار تكليف ، والآخرة دار تشريف ، والدنيا دار عمل ، والآخرة دار إكرام ..
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
الحظوظ في الدنيا موزعةٌ توزيع ابتلاء ، وسوف توزَّع في الآخرة توزيع جزاء :
﴿ إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)﴾
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
متى ينجح الطالب في الامتحان نجاحاً باهراً ؟ إذا كانت صورة الامتحان في ذهنه طوال العام الدراسي ، وما دام يذكر هذه الساعة الحرجة ؛ ساعة الامتحان فأغلب الظن أنه سوف ينجح ، وما دام الإنسان في الدنيا يغفل عن ساعة الموت ، ولا يحسب لها حساباً ، ولا يعبأ لها ، ويُمَنِّي نفسه ببعض الأُمنيات ، ويقول : هذا الحديث ليس له لزوم الآن ، إذا هرب من هذه الحقيقة فكأنه كالنعامة يغمس رأسه في الرمل ..
﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾
نصيحة ربّانية : فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا
نصيحةٌ ربانية ، أيها المؤمن الكريم لا تستمع إلى إنسانٍ كافرٍ بهذا الدين ، كافرٍ بيوم القيامة ، والبعث ، والجنَّة ، والنار ، وبهذا الكتاب ، لا تُلْق إليه سمعك ، ولا تصغ إليه ، ولا تصدقه ، ولا تهتم بكلامه .
﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾
التلازم بين الكفر باليوم الآخر واتباع الهوى :
وأروع ما في هذه الآية أن هناك تلازماً دقيقاً بين الذي لا يؤمن باليوم الآخر ، والذي يتَّبع الهوى ، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لابدَّ أن يتبع الهوى ، ومن آمن باليوم الآخر يتبع الحق ، والحق أحق أن يُتَّبَع ، فإما أن تقود نفسك إلى الحق ، وإما أن تقودك إلى الهاوية ، وإما أن تكون سيِّداً لنفسك ، وإما أن تكون هي سيدةً لها ، فإما أن تقودك ، وإما أن تقودها ، إما أن تتحكم فيها ، وإما أن تتحكم فيك ، ولذلك فالعاقل يقود نفسه نحو الحق ، والغافل تقوده نفسه نحو الباطل ، والهوى ..
﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾
فتسقط ، فتهلك ، فتنتهي ، فتشقى .
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾
حلاوة المناجاة :
سؤال : رب العزة يناجي هذا النبي الكريم ، يسأله ، يا رب ؛ كيف تسأله وأنت الإله العظيم ، تعلم السر وأخفى ؟ تسأله عن هذه التي بيمينه ؟ هذا النبي الكريم حينما سأله رب العزة :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾
رآها مناسبةً ، مناسبة العمر أن يناجي الله عزَّ وجل ، فقال :
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾
يبدو أنه ذاق حلاوة المُناجاة ..
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾
هذا في البلاغة اسمه إطناب ..
﴿ وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾
ذاق من حلاوة المناجاة فأطال الخطاب ، عندها شعر بالخجل ؛ لعلني أطلت ،وأطنبت ، وتكلمت فوق الحد المسموح به ، فقال :
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى﴾
فإن كان الله سبحانه وتعالى يريد أن أتابع حديثي يقول له : يا موسى ما هذه المآرب الأخرى ، حدثني عنها ، قال :
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى﴾
فالله سبحانه وتعالى أراد من هذا السؤال أن يلفت نظره إلى أن هذه التي بيدك ما هي ؟ تأمل بها إنها عصا ، تأكَّد أنها عصا ، لأنها بعد قليلٍ سوف تكون هذا العصا آيةً كبرى للناس ، قال :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى﴾
معنى أهشّ :
المعنى الأول :
معنى أهش بها على غنمي قال بعضهم : " أي أضرب ورق الشجر ليسقط فتأكله الغنم " .
المعنى الثاني :
وبعضهم قال : " أضعها على ظهور غنمي كي أوجِّهها نحو الهدف المطلوب " ، ومن بلاغة القرآن ليس هناك كلمة أدق من هذه الكلمة ..
﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾
رب العزة يقول :
﴿ أَلْقِهَا﴾
﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾
والله سبحانه وتعالى ما أراد أن يخيفه ، ولكن أن أراد أن يعرِّفه بهذه المعجزة ، فقال :
﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ﴾
بمجرد أن تمسكها تعود عصًا ..
﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾
هذه حلاوة المناجاة ، ولذلك يروى أن مؤمناً وقع في غفلة ، أو وقع في مخالفة ، فظن أنه لابدَّ أن يعاقبه الله عزَّ وجل ، ولابدَّ أن يسوق له بعض المصائب تنبيهاً له لهذه الغفلة ، فانتظر أياماً عِدَّة ، والأمور تجري على شكلٍ طبيعي ، ففي الصلاة ناجى ربه فقال : " يا رب قد عصيتك فلم تعاقبني " ، فوقع في قلبه : " أن عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي " ، ألم يكفك عقوبةً أنك وقعت في هذه الجفوة .
فهذا النبي الكريم حينما ناجى ربنا سبحانه وتعالى بماذا شعر ، إنك إن خاطبت إنساناً يبدو لك عظيماً تبقى أشهراً تستمتع بهذا الخطاب ، وهذا اللقاء ، ولهذا الحديث ، تقول : أدرت معه حديثاً ممتعاً ، فكيف إن كان الحديث مع الله سبحانه وتعالى ؟ .
﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾
جاء لقبس من نار فوجد قبسا من نور :
لقد جاء إلى هذا المكان ليأخذ قَبَسَاً من النار ، لذلك : كن لِما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإذا دعاك إنسان إلى عمل صالح ، قد يكون الهدى في هذا العمل الصالح ، وإذا دعاك إنسان إلى بيته ، فلبِّ هذه الدعوة ، لعلك بهذه الدعوة تنقذ إنسانًا من الضلال ، وأنت لا تعرف .
﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾
معجزة العصا واليد البيضاء :
ضع يدك تحت إبطك ..
﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى﴾
منيرة ، مضيئة من دون بطارية .
﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾
منيرةً ، مضيئةً ، وهَّاجةً ، من غير سوءٍ ، وألمٍ ، وغيرِ أذى .
﴿ آَيَةً أُخْرَى﴾
العصا آية ، وأن تخرج هذه اليد للناس وضَّاءةً ، منيرةً ، متألقةً ..
﴿ آَيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
تجاوز الحَد ، تجاوز حد العبودية ، فادعى الربوبية ، وتجاوز الحد المعقول ، وخرج عن دائرة القبول ، تجاوز الحد البشري ، تجاوز الحدود التي يجب أن يقف عندها الإنسان ، رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده ، قال :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى(24)﴾
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
يا رب ؛ كل شيء إلا فرعون هذا ، فأنا كنت عندهم ، وقتلت منهم رجلاً قبطياً ، وأنا مُلاحق ، فكيف أذهب إليه يا ربّ ؟ هذه قضية صعبة..
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً﴾
﴿ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي :
الإنسان أحياناً ربما لا ينشرح صدره لعملٍ ، مع أنه قادرٌ على إتمامه ، وقد ينشرح صدره لعملٍ ، وليس قادراً على إتمامه ، هذا التلازم ..
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
ولذلك فإذا أقدم الإنسان على عمل ينبغي أن يدعو الله فيقول : اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ، وما توفيقي إلا بالله ..
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
وهكذا ينبغي أن تدعو الله سبحانه وتعالى ؛ قبل أن تقدم على سفر ، وقبل أن تقدم على زواج ، وعلى عمل ، وعلى مشروع ..
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
قبل أن تقابل إنساناً مهماً ..
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
أدخلني مدخل صدقٍ ، وأخرجني مخرج صدق .
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
اتخاذ الأسباب وطلب الإعانة :
فكان سيدنا موسى عنده حبسةٌ في اللسان ، وكان أخوه هارون أفصح منه ، ولكن يبدو أن قلب موسى أفصح من قلب هارون ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى جعل الرسالة في موسى ، ولم يجعلها في هارون ، وهذه الآية دليل قطعي على أن الفصاحة وحدها لا قيمة لها ، فإذا أوتيت لساناً طليقاً ذرباً ، فصيحاً ، من دون قلبٍ كبير ، ومن دون قلبٍ مُفْعَمٍ بمحبة الله عزَّ وجل ، ومعرفةٍ بالله ، فهذه فصاحة لا قيمة لها .
﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي﴾
أيْ إنساناً يعاونني ، وربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
تعاونوا ، وقال العلماء : " البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة".
﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾
نتعاون معاً على هذه الرسالة ..
﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ﴾
للناس ..
﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34)إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً﴾
فهذا النبي العظيم ؛ سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام دعا ربه أن يشرح له صدره ، وأن ييسر له أمره ، وأن يحلَّ عقدةً من لسانه ، ثم يدعو ويقول :
﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي﴾
وزيرًا ، أي معيناً ..
﴿ هَارُونَ أَخِي ﴾
وكان نبياً ..
﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً ﴾
دعاء المؤمن مبنيٌ على علمٍ بالله عزَّ وجل :
هذا الدعاء معقول ، دعاء المؤمن مبنيٌ على علمٍ بالله عزَّ وجل ، لذلك أغلب الظن أن المؤمن إذا دعا الله عزَّ وجل يدعوه لشيءٍ عظيم ، والله سبحانه وتعالى يستجيب له ، قال :
﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾
أجبنا دعوتك ..
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾
هنا نقطة دقيقة جداً ، هو أن الله سبحانه وتعالى مَنَّ عليه بفضلٍ كبير من دون أن يدعوه من قبل ، فلأن يَمُنَّ عليه الآن بفضلٍ وقد دعاه فمن باب أولى ..
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى﴾
من إعجاز القرآن : رجوع آخر القصة على أولها :
عناية الله بموسى عليه السلام الطفل الرضيع :
طبعاً فرعون بلغه أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه ، ولذلك أصدر أمراً بقتل جميع أطفال بني إسرائيل ، وكانت الأم إذا أنجبت مولوداً تأتيها الصاعقة ، لأن ابنها لابدَّ أن يذبح ..
﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى﴾
فهنا الوحي وحي إلهام ، ألهمنا أمك ..
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ﴾
ضعيه في صندوق ..
﴿ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
في البحر ..
﴿ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾
في هذه الآية إشارةً رائعة ، من الذي يلقيه بالساحل ؟ إنه اليم ، فهل اليم عاقل ؟ لقد أراد الله عزَّ وجل أن يعرفنا أن كل شيءٍ خلقه هو بإمرته ، فهذه المياه ، وهذه الأمواج هي بقدرة الله عزَّ وجل ، فهذه مأمورةٌ أن تلقي هذا الصندوق بساحل قصر فرعون ، فإذا كان الصندوق على سطح الماء يتحرَّك بإذن الله ، فتحرُّكُ الناس من باب أولى ، لذلك لا إله إلا الله ، وكما قال سيدنا هود :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ(55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾
﴿ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي ﴾
أي فرعون ..
﴿ وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
فما معنى :
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
مِن حفظِ الله لموسى : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مِنِّي :
أي ما رآك أحدٌ إلا أحبك ، فامرأة فرعون لما رأته أحبته ، وفرعون أحبه ..
***
فموسى الذي رباه جبريل كافرٌ وموسى الذي رباه فرعون مرسلٌ
فموسى الذي رباه جبريل كافرٌ ، فهذا هو موسى السامري ، إذا رباه الوحي ، وموسى الذي رباه فرعون مرسلٌ ، أي سيدنا موسى .
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
ينادَى لـه في الكون أنَّا نحبـه فيسمع مَن في الكون أمر محبنا
* * *
إذا ألقى الله عليك محبةً أحبك الناس جميعاً ، وإذا كنت محبوباً من الناس جميعاً فإيَّاك أن تتوهَّم أنك طيِّب ، فهذه محبة الله ألقاها علي ، ولو نزعها عنك لأبغضك الناس جميعاً ، فإذا دعا الإنسان ربه فليدعه أن يلقي عليه محبةً منه ، وإذا أحب الله عبداً أحبه خلقه جميعاً .
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾
مِن حفظِ الله لموسى : وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي :
أي بصدقك ، ومحبتك ، وإخلاصك ، وذوبانك في طاعتي ، واصطنعتك لنفسي ، أي هيَّأتك تهيئةً خاصة ، وأعددتك إعداداً خاصاً ، فجعلتك موطن عنايتي ، ورعايتي ، وإكرامي ، وجعلت قلبك يتسِّع لعلمي .
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾
فلما التقطه آل فرعون عرضوا عليه المراضع فأبوا ، ولم يكن هناك إرضاع صناعي ، فأبوا ، فما من مرضعةٍ عرضتْ نفسها على هذا الطفل إلا أبى أن يلتقم ثديها ، فالطفل أيضاً بيد الله عزَّ وجل ..
﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾
مِن حفظِ الله لموسى : وَحَرّمْنا عليه المرَضِعَ :
وبطريقةٍ لطيفة استرقت أخته التي تتبعته ، فقصَّت أثره ، وقالت لأهل بيت فرعون : هل أدلكم على من يكفله ؟ طبعاً دَلَّتْهُم على أمه ، فلما جاؤوه بأمه التقم ثديها ، فاطمأنت أمُّه ، فقد كانت تخاف أن يموت ، فإذا هي ترضعه في قصر فرعون ، فإذا أحبك الله سخَّر لك عدوك لخدمتك .
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً ﴾
القبطي ..
﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾
وفي الدرس القادم إن شاء الله تعالى نتابع الحديث عن هذه القصة التي ذكرها الله عزَّ وجل لتكون موعظةً لنا .