وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة يوسف - تفسير الآيات 109 -111 النبوة محصورة في الرجال
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

علامة الإيمان عدم الشرك :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ لست مشركاً ، وعلامة الإيمان عدم الشرك . 

 

انحصار النبوة في الرجال :


﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ لم يثبت أن الله أرسل امرأة نبية ، النبوة محصورة في الرجال ، بدليل قوله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ﴾ والنبوة محصورة ببني آدم ، لن يكون الملك نبياً ، لو كان نبياً لقال الناس : هذا ملك ، نحن بشر يا أخي ، عندنا شهوات ، لا :

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾  

[ سورة التوبة  ]

يحب ما تحبون ، ويكره ما تكرهون ، ويغضب لما تغضبون ، يأكل الطعام ، يمشي في الأسواق ، أكِّدت به الشهوات التي عندكم ، لكنه ضبط نفسه ، وأحب ربه ، ودعا إليه .

 

العيش في البادية جفاء :


﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ النبي الكريم قال :

(( عن البراء بن عازب : مَن بَدا جَفا . ))

[  شعيب الأرناؤوط : تخريج المسند لشعيب ، خلاصة حكم المحدث : إسناده ضعيف  ]

 من عاش في البادية فقد جفا ، ومن عاش في القرية فالقرية أكثر تحضراً ، وقد يوجد فيها عالم أو مجلس علمٍ لذلك يفضل أن يسكن الإنسان في التجمعات السكانية ، لا يسكن وحده ، لأن الإنسان إذا سكن وحده ماذا يستفيد ؟ لا ينفع ولا يضر ، ولا يرتقي ، ولا يزداد علماً ، ولا يزداد عملاً ولا قرباً من أهل القرى ، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ .

 

مستحيل على الأنبياء والرسل أن ييئسوا من الله عز وجل :


﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ ﴾ بعض الناس يتوهمون أن هذه الآية تعني أن الرسل يئسوا من الله عز وجل ، هذا مستحيل ، ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ يستحيل على الأنبياء والرسل أن ييئسوا من الله عز وجل ، لكنّ يأسهم من قومهم ، يئسوا من قومهم ، دعوهم ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانية ، صباحاً ومساءً ، في الرخاء والشدة : 

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

فلذلك هنا اليأس من هداية الناس .

 

نصر الله ثمين وثمنه باهظ :


﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا ﴾ وقال بعضهم : ليس النبي أكثر الناس يأساً من هداية بعض الناس ، ولكنه آخرهم يأساً ، ليس أكثرهم بل آخرهم ، ومعنى آخرهم ، أي قلّما ييئس ، والدليل ما بعد هذه الآية ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ﴾ أي كُذبوا ولم يؤمن بهم أحد عندها جاءهم نصرنا .

من أجمل التعليقات على هذه الآية أنّ نصر الله ثمين ، ثمنه باهظ ، لو قلنا الآن : إن كل طالب معه بكالوريا يتقدم بطلب إلى الجامعة يُمنح دكتوراه على الطلب فقط ، يرجى منحي شهادة دكتوراه في الطب ، في اليوم الثاني تقام حفلة ضخمة ، يمنح هذه الشهادة ، معنى ذلك أنه يأخذ الدكتوراه مليون طالب ، ولا قيمة لهذه الشهادة ، لكن سبع سنوات ، وتحضير دبلوم ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه ، وتأليف ، حتى يمضي عليه أربعة وثلاثون عاماً ويشعر بأنه قد فني، عندها يمنح هذه الشهادة ، هذه الشهادة لها قيمة كبيرة جداً ، لأن ثمنها كان باهظاً ، فنصر الله عز وجل ثمنه باهظ ، ثمنه الصبر ، والجَلد ، وتحمل الأذى ، وتحمل المعارضة ، والمكر، ثمنه هذه المضايقات ، هذه المحن التي ابتلي بها الأنبياء ، أخرجوه من مكة ، ائتمروا على قتله ، لحقوه في الهجرة ، جعلوا مئتين من الإبل جائزة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، حاربوه في بدر ، حاربوه في أحد ، حاربوه في الخندق ، كادوا له ، قاطعوه ، تكلموا عنه ، هجوه بأشعارهم ، إلى أن جاء نصر الله :

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)  ﴾

[  سورة النصر  ]

دخل إلى مكة فاتحاً ، كان بإمكانه أن يبيدهم ، أن يقتلهم عن آخرهم ، قال :

(( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.))

[ رواه أبو إسحاق وفي سنده ضعف ]

هذه القصة تتكرر مع كل مؤمن ، يؤمن يُعارَض ، يُقاوَم من أهله ، من أبيه ، من أمه ، من إخوته ، من أصحابه ، من جيرانه ، ماذا حصل لك ؟ أين عقلك ؟ ضيعت مستقبلك ، تضيق به الدنيا إلى أن ينصره الله ، ويرفع شأنه ، أي هذه القصص تتكرر ، وإذا آمن أحدهم واستقام وطلب أن يستقيم استقامة كاملة ، ولقي معارضة من أهله فله برسول الله أسوة حسنة .

 

الصبر على تحمل الشدائد لأن عطاء الله بلا حدود :


﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ عندما يأتي نصر الله يعرف الذين كفروا أي منقلب ينقلبون ، ويعرف المؤمنون أي مكانة يرتقون ، ويعرف الناس عندئذ من هو الذكي : 

﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ(105)قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِي(108)إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(109)فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) ﴾  

[ سورة المؤمنون  ]

وهناك آية أخرى :

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)  ﴾

[  سورة المطففين  ]

البطولة يوم يأتي ملَك الموت ، تفتح له بعض أبواب الجنة فيقول : ما رأيت شراً قط . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ :

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . ))

[ صحيح البخاري ]

لذلك النصر ثمنه باهظ :

(( من خاف أدلجَ ، ومَن أدلج بلغ المنزلَ ، ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ، ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ . ))

[ الترمذي: إسناده حسن ]

إذا آمن شخص فعليه أن يوطد العزم على تحمل الشدائد ، لأن العطاء الذي سيأخذه فوق التصور ، هذا العطاء لا يعقل أن يكون بلا ثمن ، وثمنه باهظ ، ثمنه الصبر ، والجَلَد ، والاستقامة ، الصبر عن الشهوات ، الصبر على الطاعات ، الصبر على معالجة الله عز وجل ، الصبر في مجالس العلم ، الصبر على تنفيذ أمر الله ، هذا هو الثمن ، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ ﴾ هذا قانون ربنا عز وجل ، هذا النصر باهظ جداً .

 

القرآن الكريم كتاب من عند الله كالتوراة والإنجيل :


إلى أن ييئس الرسل من هدى أقوامهم ، إلى أن يظنوا أنّ أحداً لن يؤمن بهم : ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾ هذه قصة مليئة بالعبر والحكم والاستنباطات والحقائق والقواعد ﴿ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي ما بين يدي النبي من التوراة والإنجيل جاء هذا الكتاب مصدقاً لهما .

 إذاً هذا الكتاب من عند الله ، كما أنّ التوراة والإنجيل من عند الله هذا الكتاب من عند الله ، يبين بعض ما في التوراة والإنجيل ، ويصحح بعض ما اختل في التوراة والإنجيل .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور