وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة يوسف - تفسير الآيات 50 – 57 ، الفرج بعد الشدة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

حكمة يوسف في إظهار براءته :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ حينما سمع الملك تفسير الرؤيا التي رآها ، وكان تفسيراً دقيقاً معبراً خطيراً ، قال عندئذ : ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ ، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ أي أطلقوا سراحه ، أي أريد أن أراه ، استعظم علمه ، وهاله هذا التفسير الدقيق فقال : ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ ، فلما جاءه الرسول ليخرجه من السجن بعد بضع سنين قدرها العلماء بسبع سنين ، قال : ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ هاتوا لي سجيناً واحداً يمضي في السجن سبع سنين ، ثم يأتي أمر الإفراج عنه فيرفض أن يخرج من السجن حتى تظهر براءته ، لأنه دخله مظلوماً ، مضطهداً ، فإذا خرج من السجن كانت حريته أغلى من سمعته ، لكن سمعته وطهارته وبراءته وعفافه وإخلاصه أغلى عنده من حريته ، لذلك رفض أن يخرج حتى يتأكد الملك من براءته ، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ ، أي إلى سيدك ، ماذا سيقول له ؟ هل يقول له : إنّ امرأة العزيز هي التي راودتني عن نفسي ، لا زالت في مكانها ، ولازالت قوية ، هل يقول له : إن امرأة العزيز هي التي راودتني عن نفسي ، عندئذ يفتضح أمر زوجها ، وهو الذي أكرمه ، وهو الذي أحسن مثواه . 

دققوا أيها الإخوة في العبارة التي قالها هذا النبي الكريم ، ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ ﴾ لو أن هذا النبي الكريم قال له : ارجع إلى ربك فأبلغه أني بريء ، ليس في هذا الكلام إثارة ، لو أن هذا النبي الكريم أعلم الملك بالقصة ، ارجع له فقل قصتي كذا وكذا ، الملك قد يصدقها وقد لا يصدقها ، قد يقول : ما من سجين إلا وهو يظن أنه بريء ، لو أن هذا النبي الكريم تلا على هذا الرسول قصته ، وأوكله أن يبلغها للملك ، ما كان بهذا الكلام بليغاً ولا حكيماً ، لو أنه أعلمه مجمل البراءة ، فاسأله ، وجه له سؤالاً ، لو قال : ما شأن امرأة العزيز؟ لقد فضح سيده ، وأحرجها فأخرجها عن طورها ، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ لم يذكر هذا النبي الكريم موضوع المراودة ، ولا موضوع الخيانة ، لا من قريب ولا من بعيد ، إنما غيّر وجهة الحديث : ﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ أي هناك حادثة فريدة من نوعها تلفت النظر ، نسوة قطعن أيديهن في قصر عزيز مصر ، اسأل سيدك ، اسأل هذا الملك ما تفصيلات هذه القصة ؟ ما ملابساتها ؟ ما باعثها ؟ ما نتائجها ؟ ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ هذا العمل سماه هذا النبي الكريم كيداً ، ﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ أي أنت أيها الأخ الكريم إذا كان هناك من يدبر لك كيداً يكفيك طمأنينة ، ويكفيك ثقة بالله عز وجل أن الله عليم بهذا الكيد ، لذلك قال بعضهم : كفاك نصراً على عدوك أنه في معصية الله ، مهما كاد لك ، مهما دبر لك إن هذا الكيد بعلم الله ، إن هذا الكيد سوف يحبطه الله عز وجل :

﴿  إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) ﴾

[ سورة الطارق  ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)  ﴾

[ سورة الحج  ]

﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ الحقيقة لو أنّ هذا النبي الكريم يوسف عليه السلام خرج من السجن ، وعفا عنه الملك ، ومكنه في الأرض فإنّ أي حاسد له يستطيع أن يصل إلى الملك ، ويقول : هذا خائن ، لقد خان سيده عزيز مصر ، لكنه حينما رفض أن يخرج حتى تبدو براءته ، وحتى يثبت للملك براءته فعل هذا حتى يقطع الطريق على كل حاسد أو واشٍ من أن يصل إلى الملك  ، أي حكمة بالغة في عدم خروجه من السجن .

شيء آخر ، لو أنه قال للملك : اسأله ما قصتي ؟ الملك قد ينسى الموضوع ، اسأله ما قصتي ؟ لماذا دخلت السجن ؟ أي رجل دخل السجن ، لكن حينما ذكر له بعض التفصيلات ، ﴿ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ جعله في موطن الجواب ، فالملك لا ينبغي أن يكون جاهلاً فيما يجري في ملكه ، حثه على التحقيق ، أعطاه حادثة غريبة تستدعي التأمل ، ستر امرأة العزيز إكراماً لزوجها ، ستر العزيز ، ذكر نسوة لا دخل لهن في الموضوع ، ولسن متهمات في المراودة ، إنما هن شاهدات على براءة يوسف ، إذاً في هذه الكلمة التي قالها هذا النبي الكريم حكمة ما بعدها حكمة ، وسداد ما بعده سداد ، وهذا شأن الأنبياء :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة البقرة  ]

 

ظهور براءة يوسف عليه السلام بشهادة النسوة وامرأة العزيز :


يبدو أن الملك استفزه هذا السؤال أو استثاره ، فجمع هؤلاء النسوة اللاتي حضرن هذه القصة ، ويبدو أنّ امرأة العزيز كانت معهن ، وسيأتي الدليل ، وسألهن ، ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ من هنا استنبط العلماء أيضاً أن هؤلاء النسوة حينما أردن أن ينصحن يوسف أن يستجيب لامرأة العزيز ، استغللن هذا الموقف وراودنه عن نفسه ، إذاً: هذه تهمة مشتركة ، ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ ﴾ هذا جواب النسوة مجتمعات ، هذا اسمه : التواتر ، أي جمع غفير  يروي قولاً واحداً ، يروي جواباً واحداً ، لذلك القاضي أحياناً يفرق الشهود ، فإذا اضطربت أقوالهم ، وتناقضت عُدت شهادتهم باطلة ، فإذا قالوا جميعاً رواية واحدة فهذا يؤكد صدق روايتهم ، جميع هؤلاء النسوة قلن : ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ﴾ عندئذ قالت امرأة العزيز : ﴿ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ أي ظهر الحق ﴿ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ أنا المذنبة ، أنا التي راودته ، أنا المذنبة وهو بريء وعفيف ﴿ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ﴾ ، يوم قال : ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ حينما قال هذه المقولة أمام العزيز كان صادقاً ، والصدق ما شهدت به الأعداء ، أي هي خصمه وهي الطرف الآخر في الخلاف ، قالت : ﴿ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ﴾


الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء مظانها :


النبي عليه الصلاة والسلام قال : عن عبد الله بن عمر : 

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجعل نفسه موضع التهم . ))

[ السلسلة الضعيفة ، ضعيف جداً  ]

أي لا تقف موقف التهم ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك ، والعلماء قالوا : إن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب الدفاع عن المذنب البريء ، أي إذا كنت بريئاً من الذنب وجب أن تدافع عن نفسك ، هذا لاشك فيه .

هناك واجب آخر وهو ألا تضع نفسك موضع التهمة ، أي ألا تدخل إلى بيت ليس فيه رجل ، أنت بريء ولكن يُظن بك الظنون ، أنت وضعت نفسك موضع التهمة ، لا تدخل إلى محل تجاري صاحبه غائب ، تدخل وتقلب في البضاعة ، ثم تخرج ، فإذا فقد شيئاً  قالوا له : رأينا فلاناً في محلك في غيبتك ، لا تضع نفسك موضع التهمة ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .

النبي عليه الصلاة والسلام كان في أحد ليالي رمضان معتكفاً ، جاءته أم المؤمنين صفية رضي الله عنها ، فحينما أراد أن يذهب معها إلى البيت ليوصلها رآه صحابيان جليلان ، فعن صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( عَلَى رِسْلِكُمَا- أي تمهلا وقفا- إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ !!! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا  ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا . ))

[ متفق عليه ]

أي إذا كنت في محل تجاري ، ودخلت أختك ، وسألتها عن صحتها ، وعندك صديق ، قل له : هذه أختي ، لئلا يظن بك الظنون ، البيان يطرد الشيطان ، لا تضع نفسك موضع التهمة ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .

إذاً : الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء مظانها ، هكذا قال العلماء .

وقال عليه الصلاة والسلام : عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم  : 

(( إياك وما يعتذر منه . ))

[ مختصر المقاصد : حسن لغيره ]

لو أنك سافرت ، وأوكلت أخا زوجتك في رعاية شؤون البيت ، أعلِم الجيران أن لزوجتي أخًا سوف يأتي في غيبتي لئلا يذهبن بهم الظن مذاهب لا تليق بك ، دائماً العاقل والحكيم لا يسمح في تصرفاته للشك والظن .

 إذا جئت إلى سوق في ساعة متأخرة من الليل ، وأنت مضطر أن تأخذ ورقة أو سنداً ، و كنت في اليوم التالي مسافراً ، أعلم حارس السوق أنني جئت لآخذ هذا السند لئلا يظن بك الظنون ، فالعاقل دائماً واضح ، قال عليه الصلاة و السلام :

عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

(( قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ . ))

[ صحيح الجامع الصغير ]

 

الرخص والعزائم :


سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : عن أبي هريرة رضي الله عنه :

(( يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، لو لَبِثْتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ ، ونَحْنُ أحَقُّ مِن إبْراهِيمَ إذْ قالَ له: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ، قالَ: بَلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ))  

[ صحيح البخاري  ]

فكيف يقول النبي عليه الصلاة والسلام هذا القول ؟ العلماء حللوا هذا القول ، أي هذا الذي فعله يوسف شيء يطيقه نبي ، لكن عامة المؤمنين ، لو كان الإنسان في سجن ، وأمضى به سنوات عديدة ، وجاءه أمر إطلاق سراحه ، وكان مظلوماً ، لو قال : أنا لا أخرج حتى تظهر براءتي ، احتمال كبير أن يقول من بيده الأمر : دعوه إذاً ، فكأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يخفف عن أمته ، قد لا يستطيع المؤمن العادي أن يرفض الخروج من السجن ، فقال عليه الصلاة و السلام انطلاقاً من قوله الكريم :

سيروا بسير أضعفكم .

[ لم يثبت  ]

(( وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ، ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ )) ، عندنا رخص ، وعندنا عزائم ، سيدنا يوسف نبي ، سمعته كنبي أغلى عليه من إطلاق سراحه ، لكن لو أنه إنسان ضعيف ، ودخل إلى السجن ظلماً ، وجاءه أمر إطلاق سراحه قد لا يكلفه أن يرفض الخروج حتى تظهر براءته ، لذلك جاء النبي عليه الصلاة و السلام وغطى هذه الناحية ، وأعطى لأتباعه من بعده سماحاً أن يخرجوا إذا ضاق بهم السجن ، وضاق عليهم الأمر .

 

توبة امرأة العزيز :


قال : ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ يستنبط من هذا القول أنها تابت ، ﴿ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ﴾ ذلك ليعلم أي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب ، أي حينما قلت للعزيز سيدي ﴿ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ﴾ ، أنا افتريت على يوسف ، ألصقت به تهمة الخيانة ، إنما فعلت هذا ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ ، هنا ليعلم أي ليعلم زوجي ، الفاعل هنا زوجي ، و بعض العلماء وجه هذا الفعل ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، كأنها تعتذر ليوسف بأنها في غيبته بالسجن ما ألصقت به تهمة باطلة ، أي بعد أن ألصقت به التهمة لزوجها ندمت ثم قالت : ﴿ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ﴾ ، على كل لنا أن نفهم ذلك ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب ، أو ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، أي في غيبته لم أبالغ في الحديث عن خيانته ، بل برأته من هذه التهمة .

 

الله سبحانه وتعالى لا يحب من كان خواناً أثيماً :


لكن : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ طبعاً هذه قاعدة ، ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ قصة ، أما ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ هذه قاعدة ، هذا مبدأ ، هذه سنة من سنن الله في الأرض باقية على الدوام ، الله سبحانه وتعالى يكشف الخائن ، ويوقعه في شر عمله يفضحه بين خلقه ، يحبط عمله ، مبدأ ثابت ، الله سبحانه وتعالى لا يحب من كان خواناً أثيماً ، لا يحب الخيانة : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ ، إخوة يوسف خانوا أباهم ، وخانوا أخاهم فكانوا في أسفل سافلين ، يوسف رفعه الله إلى أعلى عليين ، امرأة العزيز خانت زوجها ففضحها الله عز وجل : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ .

وقال العلماء : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ هذا تعريض بامرأة العزيز ، أي امرأة العزيز كانت خائنة ، وهذا تعريض بالعزيز نفسه ، بمعنى كيف يسمح العزيز لنفسه بعد أن تأكد من براءة هذا النبي الكريم حينما قال تعالى : ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26)وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27)فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ أي استرنا يا يوسف ، أنت يا عزيز مصر تيقنت من براءة هذا الغلام الطاهر ، كيف تزج به في السجن ؟ هذه الآية تعرّض بامرأة العزيز ، وتعرّض بالعزيز نفسه ، لأن العزيز خان الأمانة ، أمانة الحكم .

 

في القرآن الكريم أنفس ثلاث :


﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ إذا أردنا أن نوجه هذا الكلام ، بالمناسبة ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ﴾ الآن حوار ، لكن الحوار منسوب إلى شخص معين : ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ﴾ هذا قول الملك . ﴿ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ﴾ هذا قول امرأة العزيز ، أما ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ ليس قبل هذه الآية كما في سابقتها قال فلان ، هذا حوار ، ولكن لم يذكر ربنا عز وجل من قال هذا الكلام ، وهذا أبرع نوع في الحوار ، أن يأتي في القصة حوار لم يُذكر من قاله ، ويحتمل أن يقوله أحد الطرفين ، ففي حوار آخر أن يوسف عليه السلام قال : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ ، لماذا قلت : ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ ، لماذا قلت : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ – سيدي - أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ يمكن أن يكون هذا الكلام لسيدنا يوسف  ، على كل سنتابع الحوار على أنه لامرأة العزيز  ، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ أي من قبل اتّهمته زوراً ، رغبت فيه ، وهذه خيانة ، واتهمته ظلماً ، وهذه خيانة ، أي ارتكبت خيانتين ؛ خيانة المراودة وخيانة الظلم ، ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ العلماء قالوا : في القرآن الكريم أنفس ثلاث : نفس أمارة بالسوء ،  نفس الجاهل ، نفس المُعرض ، نفس المنقطع عن الله عز وجل ، ونفس لوامة ، وهذه نفس المؤمن :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)  ﴾

[  سورة القيامة  ]

من ساءته سيئته ، وسرته حسنته فذلكم المؤمن ، من علامات الإيمان الصادق أن تسوءك سيئتك ، وأن تسرك حسنتك ، هناك علامات كثيرة ، المنافق ذنبه كذبابة دفعها ، والمؤمن ذنبه كالجبل جاثم على صدره ، علامة الإيمان أن يكبر عليك ذنبك ، وعلامة النفاق أن ترى ذنبك صغيراً ، علامة الإيمان أن ترى نفسك صغيراً ، وأن يراك الناس كبيراً ، وعلامة النفاق أن ترى نفسك كبيراً ، ويراك الناس صغيراً ، وقد قال عليه الصلاة والسلام من أدعيته الشريفة :

(( عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ،   اللهم اجعلْني شكورًا ، واجعلْني صبورًا ، واجعلْني في عيني صغيرًا ، وفي أعيُنِ الناسِ كبيرًا . ))

[  البزار : البحر الزخار:  خلاصة حكم المحدث : فيه عقبة الأصم ليس به بأس أخرجه البزار واللفظ له، والديلمي في الفردوس . ]

أما المنافق فيرى نفسه كبيراً ، وهو عند الناس صغير ، قال ربنا عز وجل :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

[ سورة المعارج  ]

هكذا هذه بنيته لمصلحته ، فحيثما وردت كلمة النفس من دون تقييد ، أو حيثما وردت كلمة الإنسان أي الإنسان المنقطع عن الله عز وجل بحسب بنيته الخام ، أما المصلي فليس جزوعاً ولا منوعاً ولا هلوعاً ، ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ وإذا أجرينا هذا الكلام على أنه لسيدنا يوسف : ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ ، دافعت عن نفسي ، وقلت : ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ ليعلم سيدي الذي أحسن مثواي ﴿ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ تعريض بامرأة العزيز وبالعزيز نفسه ، وفي التعريض بلاغ عن التصريح .

يروى مرة أن الأحنف بن قيس كما يصفه الواصفون كان قصير القامة ، غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، ضيق المنكبين ، أسمر اللون ، أحنف الرجل ، أي يعرج ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب ، أي كان دميماً ، تتفاداه الأعين ، تنبو عنه الأبصار ، وكان مع ذلك سيد قومه ، إن غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيم غضب ؟ لعظم شأنه عندهم ، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه ، حضر مرة مجلس معاوية بن أبي سفيان ، وكان قد جمع وجهاء القوم ليأخذ البيعة لابنه يزيد ، وتكلم الناس ، وأطروا ، وأثنوا ، ومدحوا ، وبالغوا كما هي عادتهم ، فلما بقي الأحنف ساكتاً أربك المجلس ، وأحرج معاوية ، فقال له معاوية : تكلم يا أحنف ، ما رأيك ؟ قال: أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت ، فكان تلميحاً أبلغ من تصريح ، يوجد مواقف حرجة الإنسان يستطيع أن يكني ، من دون أن يصرح ، أن يعرِّض من دون أن يبين .

 

الشهوات أودعها الله في الإنسان ليرقى بها إليه :


﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ تحليل أمارة بالسوء ، أي الله سبحانه وتعالى خلقها أمارة بالسوء ؟ إن كان خلقها كذلك فنحن لنا حجة عندئذ ، يا رب نحن لم نعمل شيئاً ، أنت خلقت نفوسنا أمارة بالسوء ، ففعلنا شيئاً فطرتنا عليه ، وجبلتنا عليه ، فما ذنبنا ؟ الحقيقة الله عز وجل خلق في نفوسنا أو أنفسنا شهوات ، قال تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[  سورة آل عمران  ]

حينما أودع الله في قلوبنا وفي أنفسنا هذه الشهوات أودعها لنرقى بها إلى الله ، هذا أصل الخلق ، كيف ترقى عند الله حينما تغض بصرك عن امرأة حسناء لا تشتهيها في الأصل ؟ لا قيمة لهذا الغض ، كيف ترقى عند الله إذا أنفقت مئة ليرة وليس المال محبباً عندك؟ لا ترقى ، لا يمكن أن تكون جنة من دون شهوات ، حتى إنّ بعضهم قال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ . ))

[ صحيح مسلم ]

هذا الحديث له معنى دقيق ، لئلا يظن السامعون أن الإنسان عليه أن يذنب ، ليس هذا هو المعنى  ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ)) ، المعنى الأول : الذنب هنا يعني الإحساس بالذنب ، إذا أحس الإنسان على ذنبه فهو طاهر ، إذا ظهر على ثوبه بقعة سوداء صغيرة جداً فمعنى هذا أن ثوبه أبيض ، فإذا كان ثوبه أسود اللون ، وممتلئاً بالأقذار لا تظهر عليه بقعة سوداء ، إذاً لو لم تذنبوا بمعنى إن كنتم طاهرين ، إن كنتم تنطوون على حاسة أخلاقية واقترفتم ذنباً تحسون بهذا الذنب ، هذا المعنى ذكرته من قبل .

هناك معنى آخر: هذه الطاولة لا تحب ، ولا تكره ، ولا تشتهي ، مادامت هذه الطاولة لا تشتهي ، ولا تكره ، ولا تحب لا ترتقي ، لا ترتقي إلا إذا كنت تشتهي : 

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)  ﴾

[  سورة النازعات  ]

لأن النوم محبب والفراش وثير يجلب الإنسان إليه كانت قيمة صلاة الصبح :

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

[  سورة السجدة  ]

فالنفس في طبيعتها مزودة بهذه الشهوات ، أنت حينما تعطي سلاحاً لجندي ، إنّ هذا السلاح تعطيه لهذا الجندي كي يدافع به عن نفسه في ساحات الحرب ، أو يقتل عدوه الذي يريد قتله ، فإذا جاء الجندي بهذا السلاح ، وقتل أحد أقربائه فهذا الخطأ ليس في السلاح ، وليس في إعطائك السلاح له ، لا ، الخطأ خطؤه هو ، فالنفس حينما زودها الله بهذه الشهوات إنما زودها بها لترقى ، ولا ترقى إلا بالشهوات ، حكمة بالغة ، ولكن الإنسان من دون أن يقبل على الله عز وجل وقع في العمى ، وإذا وقع في العمى وقع في الخطأ ، فالخطأ بسبب إعراضه . 

أي السيارة وهي منطلقة بسرعة عالية مادام وراء المقود سائق يقظ ماهر متمكن من قيادته فالسيارة تحقق هدفها الذي صنعت من أجله ، لكن السائق إذا كان أرعناً أو جاهلاً أو غافلاً أو أصابته سِنة من النوم لابد من أن يخرج عن خط الطريق الصحيح ، فخروج سيارة عن خط سيرها وتحطمها أتُلام الشركة على ذلك ؟ الشركة الصانعة تلام على ذلك ؟ لا ، حينما زودت هذه السيارة بمحرك قوي من أجل أن تنقلك إلى هدفك لا من أجل أن تنزل به إلى الوادي ، غفلتك أوقعتك بالوادي ، حتى لا يظن الإنسان أن هذه نفس أمارة بالسوء هذا كلام يتناقله العامة ، أخي والعياذ بالله هكذا خلقنا الله ، خلق لنا نفساً أمارة بالسوء ، أكثر الناس يفعلون المعاصي ، ويغطون أنفسهم بهذه الآية : ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ ، هذا هو التفسير ، لابد من أن تكون النفس مشتهية ، لابد من أن تزود بالشهوات كي ترقى إلى رب السماوات ، لكن إذا كانت الشهوة ، ومعها النور الإلهي شهوة النساء تنقلب إلى أسرة سعيدة ، أسرة ، أسرة المؤمن جنة . 

قرأت قصة عن أحد العلماء كان غنياً ، وكان يرتدي أفخر الثياب ، ويركب أجمل الأحصنة ، فرآه يهودي يعمل عملاً قذراً  ، فقير ، شقي ، جائع ، وقد سمع هذا اليهودي حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ . ))

[ صحيح مسلم ]

 فلما وقعت عين هذا اليهودي على هذا العالِم الذي يركب حصانه ، ويرتدي أجمل ثيابه ، محفوظ ، محسود ، بدرت منه هذه الكلمة ، قال له : أي سجن أنت فيه وأية جنة أنا فيها ؟ شيء محير  ، يقول نبيكم : (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ )) ، فأي سجن أنت فيه وأنت على ما أنت عليه من غنى ورفاه وعز وشأن ؟ وأي جنة أنا فيها على فقري وشقائي وحرماني وتعاستي ؟ فأجابه هذا العالِم إجابة أسلم من فوره ، قال له : إنّ حالك هذه التي تشكو منها إذا قيست بما ينتظرك من عذاب أليم فأنت في جنة ، وإنّ حالي التي تراها إذا قيست بما ينتظرني من نعيم مقيم فأنا في سجن . 


المؤمن نفسه لوامة والتقي نفسه مطمئنة والبعيد عن الله نفسه أمارة بالسوء :


 الحقيقة عندما يتأكد الإنسان من :

(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر ٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. ))

[ متفق عليه ]

إذاً : طبيعة النفس أودع الله فيها الشهوات ، مثلاً : الهرة تحب أن تأكل اللحم ، إذا أعطيتها قطعة من اللحم ، وأمرتها أن توصلها إلى البيت الفلاني ، ماذا تفعل في الطريق ؟ تأكلها ، أولاً لا تعقل ، ليس فيها فكر تفهم به كلامك ، وليس عندها قيم تحافظ على هذه القطعة ، شيء طبيعي ، نفس الكافر كهذه الهرة ، مشتاقة إلى حاجات ، حيثما رأى طعاماً يأكله ، له أو ليس له ، هذه سرقة ، وحيثما رأى امرأة يشتهيها ، أكانت تحل له أو لا تحل : 

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[  سورة الحجر ]

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾

[ سورة النور ]

هذا الذي ينساق مع شهواته هو حيوان ، عودة إلى الحيوانية ، دائماً وأبداً أنا أرفض نظرية داروين ، وأرد عليها ، إلا في الأيام الأخيرة بدأت أقتنع بها ، لكن على شكل معكوس ، أي كان هذا الإنسان إنساناً فصار قرداً من شدة تهافته على الشهوات ، وانغماسه في الملذات ، وضربه عُرض الطريق بالقيم والمبادئ ، كان إنساناً فصار قرداً ، أي مُسخ قرداً بعد أن كان إنساناً ، ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ المؤمن نفسه لوامة ، قال تعالى : 

﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) ﴾

[ سورة الفجر ]

المؤمن نفسه لوامة ، والتقي نفسه مطمئنة ، و البعيد عن الله عز وجل نفسه أمارة بالسوء ، إن النفس إذا قطعت عن الله ﴿ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 

اقتناع الملك ببراءة يوسف وجعله من المقربين :


تحقق الملك ، وسأل ، وتبين ، ووصل إلى قناعة تامة بأن هذا السجين الفتى كان بريئاً وطاهراً وعفيفاً ، وأنه دخل السجن ظلماً ، سمع من علمه ، ورأى من عفته ، فماذا بقي على الملك أن يقول ؟ ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ في المرة الأولى قال فقط : ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ ، أما الآن : ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ لأجعله من المقربين ، لأجعله من خاصة حاشيتي ، لأجعله عندي  مكيناً ، لأجعله عندي الوزير الأول عزيز مصر ، فلما كلمه رأى علماً ، قالوا : المرء مخبوء بين ثوبيه ، فلما كلمه رأى علماً ، ورأى منطقاً ، ورأى حكمة ، ورأى أدباً ، نبي حدّث عنه ولا حرج ، ما ظنكم لو أن الله سبحانه وتعالى جمعنا بنبي يستهوينا ، يسحرنا بكماله ، برقته ، بتواضعه ، بعلمه ، بذكائه ، بفطنته ، ويجب أن يكون المؤمن على شيء من ذلك ، أي عفة إلى إنصاف ، إلى حلم ، إلى عفو ، إلى كرم ، إلى شجاعة ، إلى دقة ، إلى عدالة ، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ أنت الآن بأقوى مركز ، من البئر إلى القصر خادماً إلى قصر الحكم عزيز مصر .

 

نقاط ترفع من قيمة العفة عند سيدنا يوسف :


 ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ والله الذي لا إله إلا هو هذه القصة تنطبق على كل مؤمن إلى يوم القيامة ، كن عفيفاً لابد من أن تكافأ بأحسن زوجة في الأرض ، كن أميناً لا بد من أن تعيش في بحبوحة ، كن صادقاً لابد من أن تعيش في مكانة علية ، كل شيء تحاسب عليه في الدنيا قبل الآخرة ، ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ بعض العلماء حلل عفة سيدنا يوسف ، مثلاً لو أنّ شيخاً طاعناً في السن راودته امرأة العزيز ، فقال : معاذ الله ، تجاوز هذه المرحلة ، له أجر ، ولكن ليس كأجر هذا الشاب ، فالعلماء جمعوا نقاطاً دقيقة جداً ترفع من قيمة هذه العفة ، أول نقطة قالوا : إن حب النساء طبع ركّبه الله في الإنسان ، ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ ومع ذلك قال : معاذ الله .

شيء آخر ؛ كان هذا النبي شاباً ، فلو كان شيخاً كبيراً لما كان له أجر هذا الشاب ، لذلك ما من شيء أحب إلى الله تعالى من الشاب التائب ، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد .

يا معشر الشباب ، هذه السورة لكم ، هو بشر ، إذاً ركّب الله به حب النساء ، خالف الهوى ، ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى ﴾ ، الذي ركّبه الله فيه .

شيء آخر ؛ كان شاباً ، ولا يخفى ما عند الشباب من توقُّد ، ومن فتوة ، ومن شهوة متّقدة ، وكان شاباً عازباً ، لو كان متزوجاً وقال : معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ، له أجر ، ولكن ليس كأجر هذا الأعزب الذي ما عرف النساء ، وكان غريباً ، والإنسان الغريب تدعوه نفسه إلى المعصية أكثر مما تدعوه إذا كان مقيماً ، لذلك كلما كان المجتمع قليل العدد كان منضبطاً ، الإنسان معروف ، أخلاق القرية أرقى من أخلاق المدينة ، لأنه معروف في قريته ، أما في المدينة فيها أمم لا يعرفها إلا الله ، إذاً كان بحكم أنه بشر مركب فيه هذه الشهوة ، وكان شاباً ، وكان أعزب ، وكان غريباً ، ودعته امرأة ، لم تدعه امرأة دميمة ، قبيحة ، دعته امرأة ذات منصب وجمال ، ولم تكن هذه المرأة ذات المنصب والجمال متأبيّة عليه ، بل كانت خاضعة له ، وهذا مما يسهل له اقتراف هذه الشهوة ، ولم يكن هو الطالب ، بل كانت هي الطالبة ، هي الطالبة ، ولم تكن متأبية عليه ، وكانت ذات منصب وجمال ، وكان غريباً ، وكان أعزب ، وكان شاباً ، وقد ركب فيه هذا الطبع ، وكان في دارها ، غلّقت الأبواب ، وكانت واثقة من كتمان الأمر ، وكان لا يخشى أن تشكوه إلى أحد ، لأنها هي التي طلبت ، وإذا شكته تقع في شر عملها ، وكان مملوكاً يُلقى عليه الأمر بيدها ، ضمن سلطتها ، واستعانت عليه بنسوة كثر ، حينما أقنعنه أن يستجيب لها ، وتوعدته بالسجن ، وزوجها ليس غيوراً ، هو مطمئن ، ﴿ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ ، هذا الذي فعله زوجها ، بدل أن يقيم القيامة ، بدل أن ينفجر ، بدل أن يبعده عنها ، أبقى كل شيء على حاله ، وقال  : ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ ، إذاً بدا الزوج ليس غيوراً ، بل متساهلاً .

 

تزكية الإنسان نفسه بحالتين فقط :

 

﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ القرآن ما ذكر أن الملك استجاب له أم لم يستجب ، لكن العلماء استنبطوا أن مكانته القوية والعلية عند الملك تجعل طلبه محققاً فوراً ، أي عدم ذكر أن الملك استجاب له ووافق على اقتراحه تكريم لهذا النبي الكريم ، وشيء بديهي ، يقول لك أحدهم : كنا بالحرب الفلانية وانفجر لغم أمامنا ، تقول له : هل مت أنت ، هو أمامك يتكلم معك ، طبعاً كل شيء إذا فهم من دون أن يذكر لا ينبغي أن يذكر ، البلاغة في الإيجاز .

أما كلمة : ﴿ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ أيجوز أن يزكّي المرء نفسه ؟ هذا سؤال دقيق  ، ربنا عز وجل قال : 

﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)﴾

[  سورة النجم  ]

إياكم أن تزكوا أنفسكم ، العلماء استثنوا ، أي إذا كان الناس في ورطة ، وليس أحد يستطيع أن ينقذهم منها ، وكان الرجل واثقاً من قدرته ، يجب أن يقول : أنا أستطيع أن أنقذكم منها ، يوجد حالات شاذة ، لو أنّ في البلدة منصباً لقاضٍ ، لم يتقدم أحد لشغل هذا المنصب ، وكان أحد الرجال واثقاً من علمه ، واثقاً من نزاهته ، واثقاً من عدالته ، وقال : أنا أشغل هذا المنصب ، هذا يجوز ، في الأصل : ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ﴾ هذه واحدة .

والأصل الثاني : لا تزكِّ على الله أحداً ، كان أحد العلماء إذا طُلبت منه تزكية رجل يقول : أعلم فلاناً كذا وكذا وكَذا ، والله أعلم ، فإن بدّل وغيّر - كلام سيدنا الصديق - فهذا علمي به ، ولا أعلم الغيب ، أنا أعلمه أرحم أمة محمد بأمة محمد ، حينما ولاه الخلافة من بعده ، خوّفه بعض الناس ، وقالوا : كيف تولي عمر ، وعمر من الشدة كما تعلم ؟ قال : أتخوفونني بالله ؟ أقول لربي : وليت عليهم أرحمهم .

سيدنا عمر قال له أبو ذر : إنّ الناس خافوا شدتك فبكى  ، فقال : والله يا أبا ذر لو علم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه ، ولكنّ الأمر لا يناسبه إلا كما ترى ، لابد من شدة ظاهرة كي ينصاع الناس ، إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن .

 إذاً : يجوز أن تقول إذا كان الناس في ورطة وفي أزمة : أنا أفعل كذا وكذا ، هذا بإمكاني وبقدرتي ، هذه حالة استثنائية ، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ حفيظ عليم مقياس خالد ، أي إذا أردت أن تعين موظفاً لابد من صفتين اثنتين ، الأولى الكفاءة ، أي أهل لهذا المنصب ، والثانية الأمانة ، الإخلاص ، مخلص لمبدئك ، وكفءٌ في عملك ، سيدنا عمر أخذ من قوله تعالى :

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾

[ سورة القصص ]

كتب كتاباً عين به أحد الولاة وقال له : " خذ عهدك وانصرف إلى عملك ، واعلم أنك مصروف رأس سنتك ، وأنك تصير إلى أربع خلال ، فاختر لنفسك ؛ إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك ، وسلمتْك من معرتنا أمانتك ، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك ، وأوجعنا ظهرك ، وأحسنا أدبك ، وإن جمعت الجرمين الضعف والخيانة جمعنا عليك المضرتين العزل والتأديب ، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ، ورفعنا لك ذكرك ، وأوطأنا لك عقبك " ، أي أعداءك ، إني حفيظ أي أنا أمين  ، عليم أي كفء  ، حفيظ يعني مخلص ، أحافظ على العهود والمبادئ ، عليم خبير بهذا الأمر . 

 

تمكين يوسف في الأرض بعد معرفة علمه وصدقه وعفافه :


﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ﴾ أيّ مكان يذهب إليه حر طليق ، تقول بعض الروايات : إنّ ملك مصر ترك الملك كله له ، وجد علماً وحكمة ، وشخصية وطهراً ، وعفافاً وعدالة ، فسلمه قياد مصر كلها ، وانزوى في قصره ، وانكفأ ، قال بعضهم : أيجوز أن تعمل عند ظالم كافر ؟ الجواب نعم ولا ، أما نعم إذا أعطاك الحرية المطلقة ، أي وكّلك قاضياً ، وقال لك : احكم بين الناس بالعدل ، يا حبذا هذا المنصب ، أي أحقق العدالة في المجتمع ولو كنت معيناً من قبل حاكم ظالم ، أما إذا تدخل في شؤونك اليومية ، احكم في هذه القضية كذا وكذا ، أصدر حكماً ببراءة فلان ، أصدر حكماً باتهام فلان ، فهذا لا يجوز ، العلماء وصلوا إلى حلّ كيف عمل هذا النبي الكريم رئيس وزراء عند فرعون أو عند الملك ؟ وأغلب الظن أن هذا الملك لا يعرف الله عز وجل ، هل يجوز ؟ ما دام قد أطلق صلاحيته قال له : ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ﴾ ، مادام قد أطلق يده في أن تفعل ما تشاء  ، يجوز  ، لو قيده لا يجوز ، ﴿ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ ﴾ ، هنا دقة بالغة؛ أن هذا النبي الكريم كان في البئر ، ائتمروا عليه إخوته ، وصل إلى القصر خادماً ، دخل السجن ، ثم بعدها صار عزيز مصر ، أي مصر كلها بيده ، مقدراتها بيده ، أمره نافذ ، أيّ مكان ذهب إليه يستقبله على الترحاب ، قال : هذه للدنيا والدنيا زائلة . 

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور