وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 03 - سورة يوسف - تفسير الآيات 11 – 21 ، العناية الربانية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا  وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

اقتراحات إخوة يوسف للتخلص من أخيهم :

 

أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في قصة سيدنا يوسف إلى أنّ إخوة يوسف استقر قرارهم على قائلهم الثاني : ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ .

الاقتراح الأول ؛ قتل هذا الغلام الصغير ، والاقتراح الثاني ؛ وضعه في بئر على طريق القوافل ، فإن مات كان هذا هو المراد ، وإن أُنقذ وأخذ إلى بلاد أخرى كان هذا هو المراد ، والمراد أن يفصلوا بين الأب وبين ابنه ليخلو لهم وجه أبيهم ، وفي الحديث عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ))

[ صحيح الدارمي ]

 من فرّق بين أب وابنه ، أو بين أم وابنها ، أو بين أخ وأخيه فليس من أمة سيدنا محمد .

وليس في القرآن دليل على أنّ الأسباط أنبياء ، أما بعض الآيات التي تذكر كلمة الأسباط عقب ذكر الأنبياء فهذا محمول على أنّ هؤلاء إنّما هم من ذرية بني إسرائيل ، وليسوا إخوة يوسف على وجه التحديد . 

 

استدراج إخوة يوسف لأبيهم ليفعلوا بأخيهم ما أجمعوا عليه :


﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ الآن بعد أن أحكموا الخطة ، وكادوا لأخيهم ، واتفقوا جميعاً ، بل وأجمعوا ، انتقلوا إلى أبيهم ، يبدو من خلال السياق أنّ أباهم ما سمح لهم في الماضي أن يصحبوا يوسف ، لقولهم : يا أبانا ، وكلمة(يا أبانا) فيها تحبب ، (يا أيها الأب) فيها جفاء ، يا أبانا فيها تحبب : ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ﴾ هذا استدراج ذكي ، سيدنا يعقوب ما خطر في باله أن يأتمروا على قتله ، كأن تقول لمن تدعوه على طعام : لعلك لا تحب الطعام ، فيقول لك : لا والله ، الطعام طيب ولكنني اكتفيت ، سيدنا يعقوب ما خطر في باله أن يقتلوه ، فلما قالوا له : ﴿ مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ﴾ أي نفى عنه هذه التهمة ﴿ مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ﴾   ثم أسرعوا وقالوا : ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ أخونا ، نحن إخوة له ، ثم تابعوا وقالوا ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا ﴾ إن كنت تأمنّا ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾ ما معنى يرتع ؟ رتع أي جلس في مكان جميل وأكل وشرب ، تماماً كما تفعل في النزهة ، تختار مكاناً جميلاً ، تجلس فيه ، تفتح الزاد وتأكل منه ما لذّ وطاب ، هذا هو الرتع ، وأساسه الأكل ، قد ترتع البهيمة في الحقل أي تأكل ، لكنّ الرتع إذا نُسِب للإنسان كان بمعنى النزهة ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾ اللعب معروف ، والنبي صلى الله عليه وسلم أجاز للرجل أن يلاعب أهله كي يستجلبهم ، أجاز للرجل أن يلاعب فرسه ، أجاز للرجل أن يلاعب أولاده ، كان عليه الصلاة والسلام يركب الحسن والحسين على ظهره ، ويقول :

((  وعن جابر قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يمشي على أربعة ، وعلى ظهره الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وهو يقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما. ))

[ رواه الطبراني ، وفيه مسروح أبو شهاب ، وهو ضعيف .  ]

قال تعالى : ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا ﴾ معنى غداً  ، غدا إلى عمله  ، أي ذهب إليه فيما بين طلوع الفجر وشروق الشمس ، وراح بمعنى عاد إلى منزله بعد الغياب ، فكلمة راح في اللغة الفصحى تعني العودة ، فلو طرق بابك طارق وقال لك : أأخوك هنا ؟ قلت له : والله راح ، وهو داخل البيت ، فقال لك : سلِّم عليه ، هل أنت صادق أم كاذب ؟ كلمة راح تعني أنه عاد ، وأخوك في البيت ، نقول له : أنت صادق لغة وكاذب شرعاً ، لأن الشرع يدور على النتيجة ، ماذا فهم منك ؟ أنه ليس في البيت .

 

شدة حرص يعقوب على ابنه يوسف وتطمين أبنائه له :


إذاً : ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا – غداً أي في الوقت المبكر- يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ هذا أخونا ، قال سيدنا يعقوب قال تعالى : ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ﴾ ... أي إنه ليحزنني أن أفارقه ، إنني لا أحتمل أن يبتعد عني ، إني لا أطيق فراقه ، إني ليحزنني أن تذهبوا به ، ﴿ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾ يبدو أنهم طلبوا من أبيهم أن يأخذوه إلى ظاهر المدينة ، إلى بادية ، إلى صحراء ، وإنّ أَخوفَ ما في الصحراء ذئابها ، ثم عقّب سيدنا يعقوب وقال : ﴿ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ أي أنا لا أتهمكم أنتم ، أخشى أن تتغافلوا عنه ، أن تنشغلوا عنه بسواه فيأكله الذئب ، فكان جوابهم ﴿ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ نحن عشرة رجال أشداء ، إن أكله الذئب وهو بين أظهرنا ، وهو في حفظنا ، وهو على ذمتنا ، وهو في عهدتنا ، نحن إذاً جبناء ، نحن إذاً ضعفاء ، نحن إذاً لسنا جديرين أن نرعى غنماً ، ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ شدة حرصه عليه وشدة تطمينهم له . 

 

أول بوادر المكر والخداع من إخوة يوسف :


﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ ﴾ ذهبوا به ، وقيل إنّه ودّعهم إلى مسافة من الطريق طويلة ، وفي أثناء توديعه إياهم كانوا يحملونه على أكتافهم إرضاء لأبيه ، فلما فارقهم أبوهم ألقوه على الأرض ، وجعلوا ينتهرون به ، ويقولون له : ألم ترَ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ؟ اتضح أن هذه الرؤيا التي رآها سببت لهم كل هذا الضيق ، وكل هذا الحسد ، وكل هذه المؤامرة ، ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾ معنى أجمعوا أي صمموا .

حدثني رجل قال لي : كنت أشتري الصوف من البادية ، سولت لي نفسي أن أتلاعب بالميزان ، فكنت أبلّغ صاحب الصوف رقماً أقلَّ من الرقم الحقيقي عند كل وزنة ، فلما انتهيت شعر صاحب البضاعة أنّ وزنها أقلّ مما يتوقع ، فقال لي كلمات خوّفتني ، ثم تابعت طريقي إلى الشام ، قال لي : في أثناء الطريق أنا في صراع نفسي بين أخذٍ وردٍّ ، أأعود إليه وأنقده بقية الثمن أم أسكت ؟ أأرجئ هذا إلى رحلة قادمة ، لازلت في أخذ ورد ، وسؤال وجواب ، وصراع وحوار ، إلى أن كنت في مكان ما في الطريق ، ما الذي يحدث ؟ هكذا كان ، قال : والله الذي لا إله إلا هو ما هي إلا دقائق حتى رأيت نفسي ملقىً على الأرض وسط بحرة من الدم ، لقد تدهورت بي السيارة .

 كلمة سأجمع تعني إذا شخص وقع بمعصية لا يصر عليها ، يطلب من الله التوبة ، يطلب العفو ، يطلب المغفرة ، أما إذا أصرّ عليها فالجزاء يكون وقتئذ عاجلاً ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا – اتفقوا - أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾ طبعاً هناك بعض التفاسير تفصيلات طويلة جداً ، وحوار ، وسؤال وجواب ، وتوسل من أخيهم ألا يجعلوه في غيابت الجب ، ارحموا ضعفي ، ارحموا والدي ، كيف آكل ؟ كيف أشرب ؟ كيف أنام ؟ أنا ضعيف ؟ أنا أخوكم الصغير ، كانوا مصممين على وضعه في هذا المكان ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾ لابد من أن تكبر ، لابد من أن تنجو من هذه الورطة ، الله سبحانه وتعالى طمأنه ، لابد من أن تنجو من هذا المكان ، ولابد من أن تكبر ، ولابد من أن تنبئهم بفعلتهم هذه وهم لا يشعرون ، قد يقابلونك وهم في أمَسِّ الحاجة إليك ، ولا يعرفونك أنك يوسف ، وقد تفاجئهم بفعلتهم الشنيعة ، ولا يشعرون بهذا ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ وهم لا يشعرون أن الله معه  ، وهم لا يشعرون أن العاقبة لأخيهم الصغير الذي كان أقربهم إلى الله عز وجل  .

 

البكاء سلاح من أسلحة الكذب :


﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ أولاً : بكاؤهم كذب ، فيا أيها القضاة لا تصدقوا متهماً أنه بريء إذا بدأ يبكي ، فالبكاء قد يكون سلاحاً من أسلحة الكذب . ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ وضعوه في الجب ، وكانوا قد أرادوا قتله ، ومع ذلك جاؤوا يبكون ، هذا أول استنباط .

الاستنباط الثاني : جاؤوا عشاءً أي ليلاً ، والليل أستر لحالهم ، أستر لملامح وجوههم ، أستر لفعلتهم الشنيعة ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ(16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ – قالوا : وهذا قميصه - وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ يكاد المذنب يقول : خذوني ، الكاذب يختل توازنه ، عرفوا أنهم كاذبون ، لذلك أشعروا أباهم بأنهم كاذبون حينما قالوا : ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ لن تصدقنا ، معناها أنتم كاذبون ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ ...إن كنا صادقين كنت لا تصدقنا ، فكيف لو كنا كاذبين حقيقة ؟!

 

العلامات هي الطريق الوحيد لاكتشاف الحقائق :


﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ قالوا : خلعوا عنه قميصه الموشى ، وذبحوا شاة ، ووضعوا بعضاً من دمها على هذا القميص ، أمسكه سيدنا يعقوب ، وقال : أيّ ذئب هذا ؟ ما أحكم هذا الذئب ! ألم يخدش هذا القميص ؟ ألم يمزقه ؟ أكل ابني وترك القميص كما هو ؟! أي ذئب هذا ؟ هنا يستدل أنّ الطريق الوحيد لاكتشاف الحقائق العلامات ، علامة كذبهم وعلامة افترائهم أن هذا القميص لم يُمسَّ بأذى ، كان سليماً ، وأن هذا الدم دمٌ مزور ، من هنا يستنبط قضاة التحقيق بعض الحقائق من خلال أدلة قد تبدو في نظر الناس تافهة ، إنّ هذا الدليل التافه عند قاضي التحقيق دليل مرَجِح وكبير . 

 

التسابق مشروع لأن فيه تدريباً للإنسان وتدريباً للدواب :


أمّا : ﴿ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ فقال العلماء : التسابق مشروع ، لأنه فيه تدريب للإنسان ، وتدريب للدواب أيضاً ، فإذا أردت أن تعدّ الخيل للمعركة يجب أن تضمرها ، أي تدربها على الجري ، والنبي عليه الصلاة والسلام استبق مع السيدة عائشة رضي الله عنها ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :

(( خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ ، وَلَمْ أَبْدُنْ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : تَقَدَّمُوا ، فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ لِي : تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ ، فَسَكَتَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ : تَقَدَّمُوا  ،فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ : تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي ، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ : هَذِهِ بِتِلْكَ . ))

[ آداب الزفاف إسناده صحيح ]

 يستنبط من هذه القصة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بسّاماً ضحّاكاً ، كان يقول :

(( عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولفظه : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم . ))

[ سلسلة الأحاديث الضعيفة على هذا الحديث بالوضع  ]

((  ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات  ))

[ سنده ضعيف  ]

كان يقول :

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأِهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأِهْلِي . ))

[ صحيح الترمذي   ]

وكان إذا دخل بيته كان يكنس أرضه ، ويرفو ثوبه ، ويخصف نعله ، ويحلب شاته ، ويصغي الإناء للهرة ، وربما ماءت الهرة ففتح لها الباب وهو يصلي ، ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ لكنّ الاستباق على رهن محرم شرعاً ، هذا السباق سباق الخيل ، إعطاء الخيل أرقامًا ، والمراهنة على هذه الخيل ، وتوزيع جوائز ضخمة ، هذه من نوع القمار واليانصيب تماماً ، هذا محرم ، السبق البريء من دون رهان هذا الذي أحلّه الشرع .

 

الصبر الجميل لا ترافقه شكوى إلى الخلق :


﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ استنبط أنّ هذه قصة ملفقة ، وأنّ هذا القميص قد خلع منه خلعاً ، وأنّ هذا الدم مزور ، وأنّ هناك مؤامرة حاكها إخوته ، وأنّ الذي أحس به من قبل قد تحقق ، اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله ، وينطق بتوفيق الله ، والأنبياء شَعَرَ من دون تفصيلات أن إخوته لا يريدون به خيراً ، وكأن قلبه أحس بهذا . 

﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ ما هو الصبر الجميل؟ الصبر الجميل هو الذي لا ترافقه شكوى إلى الخلق ، ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم ، الصبر الجميل ألا تشكو إلى أحد مصيبتك ، إن شكوت إلى كافر فكأنما اشتكيت على الله ، وإن شكوت إلى مؤمن فكأنما شكوت إلى الله ، وشتان بين من يشتكي على الله وبين من يشتكي إلى الله ، والصبر الجميل لا شكوى لا إلى مؤمن ولا إلى كافر ، ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ لأنك إذا شكوت مصيبتك لمؤمن حزن لحزنك ، وهو عبد فقير لا يستطيع أن يفعل شيئاً ، وإذا شكوت همك إلى كافر شمت بك ، لذلك من الدعاء الشريف : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبلاَءِ ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الأْعْدَاءِ . ))

[ صحيح البخاري ]

﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ وكلما ارتفع مستوى الإيمان تجد أنّ المؤمن يستحيي أن يشكو مصيبته لغير الله ، ليكن هذا النبي الكريم أسوة لنا في المصائب ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ هناك أناس إذا ألمت بهم ملمة ملؤوا الدنيا صياحاً وصخباً ، ما من أحد يلتقون به إلا ويبثونه شكواهم ، يشكون الزمان ، يشكون قلة الدخل :

عن عبد الله بن مسعود :

(( مَنْ تواضعَ لغنيٍّ لأجلِ غِناهُ ذهبَ ثُلثا دينِهِ . ))

[ السيوطي ، الدرر المنتثرة : خلاصة حكم المحدث : أورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب ]

 ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ .. إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن شكر اقتناه ، إذا لم يحبه تركه هملاً ، أنت إذا سمعت من طفل في الطريق كلمة نابية لا تقول شيئاً ، مالي وله ، أما إذا نظرت إلى القائل فإذا هو ابنك ، ماذا تفعل ؟ تؤدبه تأديباً شديداً ، تقيم قيامته ، لماذا فعلت به ما فعلت ؟ من شدة حبك له وحرصك عليه ، فلذلك الذي يحبه الله سبحانه وتعالى يعالجه ، إذا أراد الله بعبد خيراً عجل له بالعقاب ، إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه ، إذا أراد الله بعبد خيراً سيّر حوائج الناس إليه ، إذا أراد الله بعبد خيراً عاتبه في منامه ، فهذا الذي يتابعه الله سبحانه وتعالى على كل ذنب ، يتابعه على كل تقصير ، يتابعه على كل خروج عن طريق الحق ، ليفرح الله يحبه ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

عن محمود بن لبيد الأنصاري  : 

(( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ . ))

[ صحيح الجامع  ]

أي هذا الذي تعالجه سيقدم لك أجزل آيات الشكر ، أي إذا أصابت أحدنا مصيبة- لا سمح الله - وما زاد عن أن قال : الحمد لله يا رب ، لك الحمد والشكر ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ. ))

[ صحيح البخاري ]

هذه سجلت لك ، لقد ابتلاك الله فنجحت في الامتحان ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ ، أي قد تجد إنساناً تأتيه مصيبة تافهة جداً يسبّ كل شيء ، يسب الذات الإلهية لمصيبة تافهة ، واللهِ رأيت رجلاً خُدشت سيارته خدشاً سبّ الإله سباباً وسبّ الأنبياء ، قلت : سبحان الله! لخدش طفيف لا يكلف ليرات ، فقد ابنه ، وائتمر إخوته عليه ، وقال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ ... كاد الحليم أن يكون نبياً ، والحلم سيد الأخلاق ، والحلم له سبب ، ترى أن هذا الفعل من الله ، وأنّ هذه المصيبة ساقها الله إليك ، وهي محض فضل ورعاية واستحقاق:

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)﴾

[  سورة آل عمران ]

(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عِرق ، ولا خدش عود ، إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفُو الله أكثر . ))

[ رواه الطبري و البيهقي في " شعب الإيمان من مرسل قتادة : السلسلة الضعيفة  ]

﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ ليكن هذا النبي الكريم أسوة لنا في المصائب ، والمصائب مِحَكُ الرجال ، قال تعالى : 

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾

[ سورة البقرة ]

 

من كان الله معه فلا أحد عليه :


﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أمرَاً ﴾ هذه القصة غير صحيحة ، هذه القصة ملفقة ، أنتم أردتم له الشر ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18)وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ﴾ تصور أن طريق القوافل طريق في الصحراء قد تمر به قافلة أو لا تمر ، وطفل في ريعان الشباب ، كعمر الأزهار أُلقي في بئر ما لها من قرار ، كيف أُلقي ؟ أُلقي بحبل ، أي الصعود مستحيل ، وهناك قرائن ، ألقي في البئر وقد خُلع قميصه ، في البئر الحيّات ، العقارب ، الوَحشة ، ضيق التنفس ، الظلمة ، لا معين ، لا مغيث ، لا دليل ، لا قريب ، لا صديق ، لا أب ، هذه مصيبة ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى كما قال للنبي عليه الصلاة والسلام :

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

إذا كان الله معك فمن عليك ؟

وإذا العناية لاحظتك عيونها                 نم فالمخاوف كلهن أمان

***

سيدنا موسى :

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)  ﴾

[ سورة القصص ]

 مستحيل ، طفل صغير رضيع ، يوضع في صندوق ويلقى في اليم ! هذه مجازفة ، هذه مغامرة :

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)  ﴾

[ سورة القصص ]

أمران ونهيان وبشارتان ، إذا خفت عليه فألقيه في اليم ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ سيدنا إبراهيم أُلقي في النار : 

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)  ﴾

[ سورة الأنبياء ]

قالوا : لو أنّ الله قال : يا نار كوني برداً لمات من شدة البرد ﴿ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ والإله هوَ هو ، موجود في كل زمان ، هات إيماناً كهذا الإيمان وخذ رعاية وحفظاً كهذه الرعاية ، أبداً ؟

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ سيدنا يونس دخل بطن الحوت ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر الموحش ، وفي ظلمة الليل ، هات مصيبة أشد من هذه المصيبة ؟ لم يبق أمل هنا ، بعض المصائب فيها أمل ، احترق محله ، لا يزال هناك أمل بأن يشتري غيره ، ويعيد تأسيسه ، توفيت زوجته فيتزوج غيرها ، مات ابنه يستطيع إنجاب غيره ، معه مرض السكري يتعايش معه ، صار معه مرض بترت يده لا يزال هناك يد أخرى ، يقول لك : يركب طرفاً اصطناعياً ، ويُرَكِّب يدا أخرى اصطناعية ، لكن دخل بطن الحوت في ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، هنا البطولة :

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ ﴾

[ سورة الأنبياء ]

هذه الآية لنا جميعاً ، الفقرة الأخيرة قلبت القصة قانوناً : ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ لا تخلو حياتنا من مشكلات ، من أزمات وشبح مصيبة ، من مرض لم يكن متوقعاً ، قل : يا رب إنّي كنت من الظالمين ، تبت إليك . 

 

العثور على يوسف في البئر وبيعه بثمن بخس :


الرجل المكلف بجلب الماء لهم من ورود الماء أي الذهاب له ﴿ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ﴾ أدلى البئر ، ألا يجب أن يقول الله عز وجل : فلما رفع الدلو - هذا شيء بديهي - العرب تقول : كل كلام تفهمه إذا لم يذكر يجب ألا يذكر ، قاعدة ، البلاغة في الإيجاز ، ولولا الحذف والتقدير لفهم كلام العرب الحمير ، هكذا قالوا ، هناك حذف دقيق ﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ ﴾ يا بشراي ، كان يريد شيئاً من الماء فإذا في الدلو غلام ﴿ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ﴾ هذه بضاعة غير نظامية لأنّ الحر لا يباع ، وأكل ثمن الحر حرام ، وهم يعرفون ذلك ، أخفوه كبضاعة ، وطمحوا أن يبيعوه في سوق العبيد ، ويأكلوا ثمنه ﴿ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً – البضاعة غير النظامية أي قديمة - وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ هو الذي ساق السيارة ، الله الذي ساقها في الوقت المناسب : 

﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)﴾

[ سورة طه ]

﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ ، لماذا بخس ؟ لأنهم أخفوه كبضاعة ، لا ينبغي أن يباع ، هذا لقيط ، واللقيط حر ، وحينما باعوه فقد خالفوا النظام العام ، لذلك أرادوا أن يتخلصوا منه بأبخس الأثمان ، إذا كان معك بضاعة غير نظامية تبيعها سريعاً لتنجو من مسؤوليتها ، وهذا الذي حصل : ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ أي الدراهم كانت تعدّ إذا كانت قليلة ، وتوزن إذا كانت كثيرة ، مادامت الدراهم معدودة إذاً هي قليلة ، ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ معنى شروه أي باعوه ، شرى بمعنى باع واشترى في الوقت نفسه :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)  ﴾

[  سورة البقرة  ]

أي من يبيع نفسه :

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[  سورة التوبة  ]

 

تقديم بذل المال على النفس :


الغريب أنه في القرآن الكريم ثماني آيات على وجه الحصر قُرِنَ فيها بذل المال مع بذل النفس ، وَقُدِّم بذل المال على بذل النفس :

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

[ سورة التوبة  ]

والعلماء قالوا : قُدِّم بذل المال على بذل النفس لأنّ بذل المال أهون من بذل النفس ، إلا في آية واحدة قُدِّم فيه بذل النفس على بذل المال ، هذا في عقد البيع يُذكر الأهم على المهم ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ .

 

النهي عن التقليل من شأن الناس :


﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ ﴾ ما عرفوا أنّ هذا الطفل الصغير الذي باعوه بثمن بخس سيغدو نبياً عظيماً وحاكماً كبيراً لمصر ، ما عرفوا ذلك ، لذلك الصغار لا يقلل أحد من شأنهم ، هذا الذي أمامك قد يكون مصلحاً اجتماعياً ، قد يكون عالماً كبيراً ، قد يكون فيلسوفاً ، قد يكون داعياً كبيراً إلى الله عز وجل .

 

المبالغة بإكرام يوسف من قِبل عزيز مصر :


﴿ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ(20)وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ ﴾ هذا الذي اشتراه إلى الآن لا ندري من هو ، هذه  العقدة ، لا نعلم من هو ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾ أكرميه شيء ، وأكرمي مثواه شيءٌ آخر ، المثوى مكان الثوي وهو الإقامة ، إذا كان مكان الثوي مكرماً فكيف بصاحب المقام ؟ هذه مبالغة في الإكرام ، لم يقل : أكرميه ، أكرمي مثواه ، أي مبالغة في الإكرام ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ طبعاً هذا الإكرام مشوب بالمنفعة ، وقد يكرم الإنسان أحياناً ليس ابتغاء الإكرام بذاته ، ولكن ابتغاء منفعة ما ، هذا الإكرام مَشُوب لا قيمة له ، لا تغتر بمن يكرمك لمنزلة أو سلطان ، فإنها أوشك أمور الدنيا زوالاً ، ابحث عمن يكرمك لذاتك لا لما عندك :

رأيت الناس قد ذهبوا            إلى من عنده ذهب

[ *** ]

﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ استنبط العلماء أن عزيز مصر الذي اشتراه لم ينجب أولاداً فأراد أن يجعله ابناً له بالتبني ، انتهت أول مرحلة من القصة . 

 

الله سبحانه وتعالى مع المظلوم دائماً :


﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ انتقل من البئر إلى القصر ، ومن جفوة الإخوة إلى إكرام السيد . 

﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ هذه إذا كان الله معك فمن عليك ؟ هذه : ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ ، هذه : 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[  سورة الحج  ]

أنت تريد ، وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد ، ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ :

﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)  ﴾

[ سورة الأنبياء  ]

أرادوا أن يقتلوه ما استطاعوا ، أرادوا أن يجعلوه في غيابة الجب فجعله الله في قصر العزيز ، نجّاه منهم ومن كيدهم ، ومكّن له في الأرض ، وهذا هو بعض من مغزى القصة ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أحياناً أخوَان ، الأخ الأكبر يأكل كل الميراث ، ولا يبقي لأخيه الأصغر شيئاً ، الله سبحانه وتعالى يزيد الصغير نجابة وتوفيقاً وغنىً ، ويتلف الكبير إلى أن يقف الكبير بباب الصغير ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .

تزوجت امرأة رجلاً فطرق الباب طارقٌ قال : من مال الله ، همّت أن تعطيه شيئاً من الطعام ، وكانا يأكلان دجاجة ، فنهرها زوجها وعنّفها ، وقال : اطرديه ، طردته ودارت الأيام ، ونشب الخلاف بينهما ، وكذلك الشقاق ، إلى أن طلقها ، وخطبها إنسان ذو مكانة وشأن وغنىً فتزوجته ، وبينما هي مع زوجها الجديد طرق الباب طارق ، فذهبت لتفتح الباب فاضطربت ، قال لها زوجها : من الطارق ؟ قالت : سائل ، قال : لماذا اضطربت ؟ قالت : لا شيء ، قال : قولي ، قالت : أتدري من الطارق ؟ قال : من ؟ قالت : زوجي الأول ، زوجي الذي طلقني ظلماً ، فقال : أوَ تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ لا تعرف ، شريكان اتفقا على تجارة في بلد مجاور ، ودفع كل منهما مبالغ طائلة لإنشاء معمل ، أحدهما نوى نية سيئة لشريكه ، الأول معه مال وفير ، والثاني معه مصلحة ، معه حرفة ، فلما تمكّن الأول من دخائل هذه الصنعة وخصائصها وخباياها بدأ يزعج شريكه حتى يخرجه من هذه الشركة ، فلما علم شريكه بهذا الأمر قال له : أعطني مالي ، أعطاه ماله مع أرباحه كلها عداً ونقداً ، وكان هذا في لبنان ، أخذ هذا ماله جميعه ، وعاد به إلى بلده الشام ، وما هي إلا أيام حتى نشبت الحرب الأهلية هناك فاحترق المعمل ، وسُرِق المال : ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ، كن عبد الله المظلوم ، ولا تكن عبد الله الظالم ، لأنّ الله بالمرصاد ، هذه بين شريكين ، بين أخوين ، بين جارين ، بين صديقين ، بين زوجين  أحياناً ، يطلقها ظلماً فيرزقها الله عز وجل زوجاً صالحاً خيراً منه ، ويرزقه زوجة لا يرى في الدنيا بلاءً أشد منها ، تريه النجوم ظهراً ، هذه الزوجة تأخذ حق الأولى التي ظلمها ، هكذا هو ربنا عز وجل .

هذه القصة ليست للتسلية ، وليست لرواية الأحداث ، وقعت وانتهت ، ما لنا ولها ، ولكنّ هذه القصة من أجل أن تستنبط منها موعظة وعبرة ، الله سبحانه وتعالى مع المظلوم دائماً ، فإذا كنت مظلوماً فالله معك ، وهو على الظالم : 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ﴾

[ سورة البقرة ]

الله على الظالم ومع المظلوم .

 

على الإنسان ألا يكون مع الأكثرية التي لا تعلم :


﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .. لذلك يجب على الواحد منّا ألا يكون مع الأكثرية التي لا تعلم ، لو أخذت الآن ثلاثة آلاف مليون في الأرض الأكثرية لا تعلم ، الأكثرية مع الدنيا  ، تبحث عن المال وعن المجد في الدنيا ، وعن المتعة الرخيصة ، أكثرية أهل الأرض :

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾

[  سورة الأنعام  ]

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) ﴾

[ سورة يونس ]

أنت مع من ؟ مع الأكثرية أم مع الأقلية ؟ كن مع الأقلية العالمة ، ولا تكن مع الأكثرية الجاهلة ، كن مع الأقلية المستقيمة ، ولا تكن مع الأكثرية المنحرفة ، كن مع الأقلية المنصفة ، ولا تكن مع الأكثرية الظالمة ، كن مع الأقلية ، 

(( عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال:  بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. ))

[ صحيح مسلم : حديث صحيح زاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى : قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي اللفظ الآخر: يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، وفي لفظ آخر: هم النزاع من القبائل. ]

السيئون كثيرون ، من علامات قيام الساعة تفيض الدنيا لؤماً ، يكون المطر قيظاً ، والولد غيظاً ، ويفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، كن مع الكرام القلة ، ولا تكن مع اللئام الكثرة .

 هذا هو المشهد الثاني من هذه القصة العظيمة ، قصة هذا النبي الكريم حينما ألقوه في غيابة الجب ، ثم كيف صار في قصر العزيز معززاً مكرماً ، هذا ابتلاء ، وربما كان الابتلاء الذي بعده أشد من هذا ، هذا الابتلاء قد يموت جوعاً فيدخل الجنة ، قد يموت عطشاً فيدخل الجنة ، قد يأكله ذئب حقيقي ، قد تلدغه حية في الجب ، هذا الابتلاء أهون من الابتلاء الذي سوف يليه حينما ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ﴾ لو أنّه فعل لدخل إلى النار ، لذلك قال الله تعالى :

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) ﴾

[ سورة البقرة  ]

لو أنه مات لمات شهيداً ، ولكنه حينما يفتن يموت شقياً . 

وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع .

أغلب الظن وأرجحه أن الجمعة القادم من رمضان لذلك درسنا كالمعتاد الساعة الخامسة و النصف ، وأما بعد رمضان فالدرس يعود إلى توقيته الأصلي فيما بين المغرب والعشاء إن شاء الله .

 وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور