وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 29 - سورة الأنفال - تفسير الآية 72 ، الإيمان عدة مراتب فيجب على المؤمن اتباع هذه المراتب حتى يصل إلى أعلاها
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

الإيمان مرتبة علميّة وأخلاقيّة وجماليّة :


أيها الإخوة الأكارم ؛ مع الدرس التاسع والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الثانية والسبعين وهي قوله تعالى : 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ﴾

أيها الإخوة الكرام ؛ ما من آية في القرآن الكريم يحتاجها المسلمون اليوم كهذه الآية.

بادئ ذي بدء : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الإيمان مرتبة ، مرتبة علمية ، أخلاقية ، جمالية ، ذلك لأن المؤمن عرف الحقيقة العظمى ، عرف الله جلّ جلاله ، عرفه خالقاً ، ومربياً ، ومسيراً ، عرفه موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، عرف أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، معرفة الله أصل الدين ، إنك إن عرفت الله عرفت كل شيء ، وإن فاتتك معرفة الله فاتك كل شيء . 

ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء .

 

المؤمن يعرف سرّ وجوده وغاية وجوده :


لذلك كلمة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي هذا الإنسان عرف سرّ وجوده ، عرف غاية وجوده ، عرف منهج الله في الأرض ، عرف أن الدنيا ممر ، وليست مقراً ، عرف أن الدنيا دار عمل ، وليست دار أمل ، عرف أن الدنيا دار تكليف ، وليست دار تشريف ، عرف أن الدنيا زائلة ، وأن الدنيا مزرعة الآخرة ، وأن الدنيا سبب دخول الجنة ، حينما يدخل المؤمنون الجنة :

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)  ﴾

[ سورة الزمر ]

أي جئنا إلى الدنيا ، وتعرفنا إلى ربنا ، وعبدنا ربنا ، وتقربنا إليه بالعمل الصالح ، فكان هذا العمل بشقيه الاعتقادي والسلوكي سبب دخول الجنة . 

فكلمة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ، للتقريب والفرق من الأرض إلى السماء ، للتقريب ،  الآن بالمجتمعات المدنية إذا قلت : دكتور ، أي بالحد الأدنى يحمل ابتدائية ، إعدادية ، ثانوية ، لسانس ، دبلوم عام ، دبلوم خاص ، ماجستير ، دكتوراه ، بالحد الأدنى . 

أي كلمة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أنت قد عرفت الله خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، موجوداً ، واحداً ، كاملاً ، عرفت أسماءه الحسنى ، عرفت صفاته الفضلى ، عرفت أن الدنيا مزرعة الآخرة ، أن الدنيا ممر وليست مقراً .


  إدعاء الإيمان شيء سهل :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ السؤال : كل إنسان يتوهم أنه مؤمن ، نسأله : متى آمنت؟ متى تفكرت في خلق السماوات والأرض ؟ متى قرأت القرآن ؟ متى فهمته ، فهمت تفسيره ؟ متى قرأت السنة ؟ متى اطلعت عليها ؟ فهمت فحواها ؟ متى درست أحكام الفقه ؟ متى عرفت تاريخ الإسلام ؟ تاريخ الصحابة الكرام ؟ متى ؟ كل إنسان ما بذل ولا جهد ، ولا تجشم حضور درس ، ولا تجشم قراءة كتاب ، ولا متابعة موضوع علمي ، يقول لك : أنا مؤمن ، وإيماني أقوى من إيمانك ، وأنا إيماني بقلبي ، وهو غارق بالمعاصي والآثام .

إدعاء الإيمان سهل ، لكن سبحانك يا رب ! لا يستطيع إنسان أن يقول : أنا طبيب ، ولو قال : طبيب ، ووضع لوحة على باب داره ، يعاقب أشد العقاب ، الطب يحتاج إلى شروط ، طبيب أي معه ابتدائي ، إعدادي ، ثانوي ، دخل كلية الطب ، درس علوم عامة ، درس علم التشريح ، علم الفيزيولوجيا ، علم الأمراض ، علم الأدوية ، بعد دراسة سبع سنوات يعطى إجازة في الطب ، لا تقدم ولا تؤخر ، يعمل دبلوم عامة ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه من بلده ، معه دكتوراه بالطب لا تقدم ولا تؤخر ، إذا لم يذهب لبلد بعيد وجاء بالبورد  لا يستطيع أن يكتسب من حرفته ، قال لك : أنا طبيب ، كلمة طبيب للتقريب كل هذه الشهادات ، طبيب معي بورد ، أي درس ببلاد بعيدة ، ودرس سبع سنوات فوق الثلاثة والثلاثين يأتي بالأربعين ، حتى يقول : أنا معي بورد يحتاج إلى أربعين سنة ، هذا الواقع .

كلمة مؤمن أكبر بكثير ، مؤمن أي عرف الله ، عرف سرّ وجوده ، عرف غاية وجوده ، عرف لماذا هو في الدنيا ، عرف ما يصلح له في الدنيا .

 

الإيمان إن لم ترافقه حركة لا قيمة له :


لذلك قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الآن أنت آمنت ، أي إيمان لا ترافقه حركة لا قيمة له .

إنسان على وشك أن يموت عطشاً ، قال له آخر : في هذا المكان نبع ماء ، لم يتحرك ، ولم يتوجه إليه ، ولم يشرب منه ، ومات ، هذا يموت مع حسرة ، لأنه عرف وانحرف ، عرف وما طبق ، لذلك قال تعالى : 

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾

[ سورة الفاتحة  ]

من هم المغضوب عليهم؟ الذين عرفوا وانحرفوا ، وأي مسلم يعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، ويعرف الآخرة ، ولا يتحرك ، والله لا من باب التشاؤم ، ولكن من باب الحقائق المرة ، ترى الناس يتوهمون أنهم مؤمنون بالآخرة ، ولو آمنوا بالآخرة ما اغتصبوا بيتاً ، ولا أكلوا درهماً حراماً ، ولا اعتدوا على الآخرين ، لا على أموالهم ، ولا على أعراضهم ، تجد في قصر العدل سبعمئة ألف دعوى ، عدوان ، هؤلاء الذين يتقاضون في قصر العدل يصلون ، ويصومون ، ويحجون ، ويزكون ، فكيف أكل بعضهم أموال بعض ؟

 

الإيمان الشكلي بالآخرة لا قيمة له إطلاقاً :


إذاً الإيمان بالآخرة ، الشكلي ، اللفظي لا قيمة له إطلاقاً ، أحياناً تأتيك رسالة من دائرة البريد : تعال استلم رسالة مسجلة غداً الساعة العاشرة ، لا تتحرك فيك شعرة ، وقد تذهب ، وقد لا تذهب ، تأتي رسالة من جهة قوية : تعال غداً الساعة العاشرة ، لا تنام ولا دقيقة ، والله لم أتكلم شيئاً ! مثلاً ، تعرف من هو الثاني ، ماذا يملك الثاني من سلطة عليك ، قد تدخل ولا تخرج ، لو عرفنا ربنا كما يعرف بعضنا بعضاً لحلت مشكلاتنا ، إله :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) ﴾

[ سورة الحجرات ]

سهرة كلها غيبة ، إله يقول : 

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾

[ سورة البقرة  ]

لذلك أنا أقول دائما أيها الأخوة : إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في معرفة طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من أمره ، وهذا حال المسلمين اليوم . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ متى آمنت ؟ أي درس حضرته ؟ أي تفسير قرأته ؟ أي كتاب حديث اقتنيته ؟ أي مجلس علم داومت عليه ؟ هذه ، هناك إنسان يستطيع أن يقول : أنا معي شهادة ثانوية ولم ينتسب لأي مدرسة ؟ يستطيع أن يقولها ؟ هذا النظام المدني ، هل يستطيع أن يقول : أنا معي لسانس ولم أدخل الجامعة ؟ طبعاً لا ، يقطعون رقبته ، أما الإيمان كلأ مشاع :

كلٌّ يدعي وصلاً بليلى

***

 

المؤمن إنسان مستقيم ومنضبط بمنهج الله عز وجل :


أيها الإخوة ، إذا قال الله عز وجل : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي عرفوا الله ، عرفوه خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، عرفوه واحداً وكاملاً ، عرفوا أسماءه الحسنى ، أي مطالعة أسماء الحسنى صوتاً أو نصاً جزء من إيمانك ، عرفوا صفاته الفضلى ، عرفوا الدار الآخرة .

أنت لو سافرت لبلد مجاور في أثناء الذهاب وجدت تفتيشاً غير معقول ، لا يمكن إلا أن يفتشوا كل شيء معك ، سافرت إلى هناك والعودة في اليوم الثاني ، هل تشتري حاجة رأيت بعينك كيف تحاسب ؟ مستحيل ! 

لو تعاملت مع الله كما تتعامل مع الأقوياء في الدنيا تستقيم على أمر الله ، لذلك قال تعالى :

(( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ )) – دقق – (( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)) (12) 

[ سورة الطلاق  ]

أنت حينما توقن أن علمه يطولك . 

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) ﴾

[ سورة غافر ]

مثل دقيق جداً : طبيب مسلم يفحص امرأة ، سمح الشرع له أن ينظر من جسمها إلى موضع المرض ، فاختلس نظرة إلى مكان آخر ، هل في الأرض كلها جهة بإمكانها أن تضبطه بهذه المخالفة ؟ ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ علمه يطولك ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لو أن إنساناً قوياً علمه يطولك وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه .

اسأل إخواننا التجار المستوردين بالذات ، حينما تستورد بضاعة تذهب نسخة من إجازة الاستيراد إلى المالية ، فإذا أغفلت هذه البضاعة في حساباتك أُهدرت كل حساباتك ، أنا لا أتصور تاجراً بالأرض يخفي عن المالية صفقة ، لماذا ؟ لأن المالية تعلم من خلال النظام  نظام الاستيراد ، فأنت مع إنسان تنضبط ، ومع خالق الأكوان لا تنضبط ؟ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾   مؤمن أي مستقيم .

 

الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا تستطيع أن تقطف ثماره :


لذلك اسمحوا لي بهذا المثل : دائرة كبيرة كل من قال : هناك إله لهذا الكون ضمن الدائرة ، وقد يرتكب الكبائر ، لكن هذا الإيمان كإيمان إبليس لا يقدم ولا يؤخر ولا ينفع ، قال :

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)  ﴾

[ سورة ص  ]

إبليس ، قال : 

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) ﴾

[ سورة الأعراف ]

آمن به خالقاً ، ربي 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)  ﴾

[ سورة ص  ]

آمن به رباً وعزيزاً . 

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

آمن بالآخرة ، ومع ذلك هو إبليس ، فالإيمان الذي لا يترجم إلى سلوك ، لا يترجم إلى التزام ، لا يترجم إلى مواقف ، لا يترجم إلى حركة باتجاه الخير ، لا يترجم إلى أن يراك حيث أمرك ، ويفتقدك حيث نهاك ، لا قيمة له إطلاقاً ، لا تقل : الحمد لله على الإيمان ، أي إيمان ؟ لم تطبق بالإسلام شيئاً ، صدق ولا أبالغ وهذه حقيقة مرة ، وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا تستطيع أن تقطف ثماره إطلاقاً .

لذلك هذه الدائرة الكبيرة كل من قال : أنا مؤمن ، والله موجود ، ضمن الدائرة ، لكن إن لم يطبق منهج الله دخلنا بدائرة ثانية ضمنها ، ضمن الدائرة الثانية كل إنسان آمن بالله ، واستقام على أمره صار بالدائرة الثانية ، الآن إنسان خارج الدائرة الكبيرة ، الملحد ، وهناك إنسان ضمن الدائرة الكبيرة ، من قال : الله موجود ، لكن لم يطعه ، وهناك إنسان ضمن الدائرة الداخلية ، هذا الذي آمن بالله ، واستقام على أمره ، ولعل مركز هذه الدائرة الأنبياء ، هؤلاء المعصومون ، يوجد دائرة  هناك أشخاص خارج الدائرة ، داخل الدائرة الكبيرة ، داخل الصغيرة ، في المركز ، في المركز النبوات .

 

على كل إنسان أن يوقع حركته وفق منهج الله عز وجل :


أيها الإخوة الكرام ، الآية الكريمة : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ هاجروا تعني الحركة ، مطلق الحركة ، أي يكتسب رزقاً من حرفة لا ترضي الله ، لابدّ من بحث عن حرفة أخرى ، حركة ، يقيم في مكان لا يستطيع أن يطيع الله فيه ، فتركه لمكان يطيع الله فيه ، افهم  هنا الهجرة حركة ، تحرك ، انتقل من مكان إلى مكان ، من مجموعة أصدقاء إلى مجموعة مؤمنين ، من مكان يصعب أن يطيع الله فيه إلى مكان يستطيع أن يطيع الله فيه .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ الهجرة هنا الحركة التي تجسد الإيمان ، ﴿ وَجَاهَدُوا ﴾ الجهاد هنا بذل الجهد لأن الشرع سمي بالتكاليف ، والتكاليف تعني أن الأخذ بها يحتاج إلى كلفة ، إلى جهد ، أي سهل إطلاق البصر ، لكن غضّ البصر يحتاج إلى جهد ، سهل أن تبقى نائماً حتى الساعة العاشرة لكن الاستيقاظ على صلاة الفجر يحتاج إلى جهد ، سهل أن تتحدث عن كل شيء ، غيبة ، نميمة ، بهتان ، كذب ، سخرية ، استخفاف ، مزاح رخيص ، سهل ، أما ضبط اللسان فيحتاج إلى جهد ، فضبط اللسان ، ضبط العين ، ضبط الأذن ، هناك أشياء لا ترضي الله ، ضبط اليد ، ضبط الحركة ، هناك مكان لا يرضي الله ، معنى جاهدوا أي أوقعوا حركتهم وفق منهج الله ، هذا الجهاد ، الله عز وجل أودع فينا الشهوات ، أي بالشهوات يمكن أن تتحرك مئة وثمانين درجة ، لكن مسموح لك بمئة درجة ، فالجهاد أن توقع حركتك نحو المرأة ضمن مئة درجة ، هناك زواج ، هناك محارم ، علاقة المؤمن بالمرأة علاقة زواج ، أو محارم ، لكن لا يوجد في الإسلام خليلة إطلاقاً ، ولا عشيقة ، ولا صديقة حميمة ، لا يوجد ، هناك حيز مسموح به ، وحيز محرم .

بكسب المال ، الربا ، التجارة ، الإرث ، لكن لا يوجد بالإسلام سرقة ، ولا نهب ، ولا غش ، ولا تدليس ، فحركتك في العلاقة بالمرأة مضبوطة بالشرع ، وحركتك في علاقتك بكسب المال مضبوطة بالشرع ، هذا معنى جاهدوا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ﴾ .

 

الهجرة تحتاج إلى جهد وإرادة قوية وتجشم مصاعب :


إخواننا الكرام ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ﴾ بالمعنى الواسع : 

(( عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي . ))

[ مسلم و الترمذي ]

(( حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول:  قال النبي صلى الله عليه وسلم المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه . ))

[ البخاري ]

صديق منحرف تركه من الهجرة عمل لا يرضي الله ، تركه من الهجرة ، علاقة لا ترضي الله تركها من الهجرة ، بلد لا يرضي الله تركه من الهجرة ، مطلق الحركة . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ﴾ هناك جهد ، هناك إرادة قوية ، هناك تجشم مصاعب . 

(( عن عبد الله بن عباس  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَن أنظَرَ مُعسِرًا أو وضعَ لهُ وقاهُ اللهُ مِن فَيْحِ جهنَّمَ ، ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حَزنٌ بِرَبوةٍ ثلاثًا ، ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهلٌ بسَهوةٍ ، والسَّعيدُ مَن وُقيَ الفِتنَ ، وما مِن جرعةٍ أحبَّ إلى اللهِ من جَرعةِ غَيظٍ يكظِمُها عبدٌ ما كظَمها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ جوفَه إيمانًا . ))

[ ابن كثير المصدر تفسير القرآن العظيم ، حديث حسن ،  أخرجه أحمد واللفظ له ، وابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف ]

 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :


﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ﴾ بذل ماله في سبيل الله ، بذل ماله ليتعلم ، بذل ماله ليتقرب إلى الله ، حبذا المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ﴾ ، وفي الجهاد ﴿ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾   جاهد بماله ، وبنفسه . 

في كل آيات القرآن الكريم المتعلقة بالجهاد قدم الله جهاد المال على جهاد النفس ، لأن بذل المال أهون ، الله بدأ بالأهون ، بذل المال أهون من بذل النفس إلا في آية واحدة : 

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[  سورة التوبة ]

الله بدأ بالأهم ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ﴾ طبعاً أنفق من ماله الزكاة ، أنفق من ماله الصدقة ، أنفق من ماله مبلغاً لإنشاء ميتم ، لإنشاء مستوصف ، لإنشاء مستشفى ، لإنشاء معهد شرعي ، لإنشاء جمعية خيرية ، لإطعام الأيتام ، لإطعام الفقراء ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .

سمعت عن إنسان يريد أن يفعل شيئاً له قيمة ، هو إفريقي ، قال لي : في نيجيريا مئة وتسعون مليون مسلم ، فقراء جداً ، ماذا يفعلون ؟ يرسلون أولادهم للتسول ، هو فكرته أن يعطي الأب بدل الدولار الواحد الذي يجمعه ابنه من التسول خمسة دولارات ، أعطنا ابنك لنعلمه ، نعلمه الدين ، نعلمه حرفة ، نعلمه شهادة ، يصبح مهندساً أو طبيباً ، هذا عمل عظيم.

وأنا أقول لكم أيها الأخوة : أي محسن فكر بطالب متفوق ينفق عليه ليأخذ أعلى شهادة يكون قد خدم الأمة ، الأمة تحتاج إلى علماء ، أي محسن فكر بإرسال طلاب إلى جامعات عريقة في العالم ليأتوا باختصاصات مفيدة جداً للأمة هذا قدم صدقة جارية ، وهذا أنا أراه الآن من أعلى مستويات الإحسان .


  الكم القليل من العلماء سبب تخلف الدول النامية :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ هناك حقيقة مرة سأقولها لكم : تمّ قتل ثلاثة آلاف وثمانمئة عالم بالعراق ، أي عالم ، مسلم ، غير مسلم ، سني ، شيعي ، مسيحي ، يجب أن يبقى هذا الشعب قطيعاً ، من يقود الأمة ؟ العلماء ، الأمة بعلمائها ، لا أقصد علماء الدين فقط ، لا ، علماء ، خبراء اقتصاد ، خبراء حقوق ، خبراء بالتجارة ، خبراء بالصناعة ، الأمة بعلمائها ، العالم الغربي سبب تفوقه الكم الكبير من العلماء ، والعالم المتخلف سبب تخلفه الكم القليل من العلماء .

وحينما كنت في الجزائر ، فرنسا حينما دخلت إلى الجزائر نسب المتعلمين تقترب من سبعين بالمئة فلما خرجت كانت نسبة المتعلمين عشرة بالمئة ، فدائماً الدول التي تستعمر تناهض العلم ، فأنا أقول : من أعظم الأعمال الآن طالب متفوق ، عنده ملامح تفوق ، هذا أن تنفق عليه لينال دكتوراه في اختصاص .

كنت مرة في جائزة قرآن كريم في بلد خليجي ، اقترحت على المسؤولين نحن نعطي الطالب الحافظ مليون ليرة ، لا ، نعطيه منحة دكتوراه ، كل إنسان حفظ كتاب الله صار عالماً ، أي إنسان حفظ كتاب الله ينال منحة دكتوراه حتى نهاية الدراسة ، هذا عطاء ، أما المليون فيأخذهم والده منه ذهبوا .

 

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :


يا إخوان ، موضوع العمل الصالح ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، والله هناك أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى .

مرة التقيت بأخ- توفي رحمه الله - قال لي : تجد فتاة صالحة جداً ، تقية ، حافظة كتاب الله ، ما أتيح لها أن تتزوج ، قال لي : هؤلاء الفتيات الصالحات  خطر في باله مشروع أن يعمر بناية صغيرة ، وكل بنت حافظة لكتاب الله يكتب لها بيتاً ، صار هناك عرض خاص ، صارت البنت مرغوبة لأنها معها بيتاً ، مرغوبة جداً ، وفعلاً فعلها ، وكلهن تزوجن .

أنواع العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، لذلك تقرب إلى الله بعمل صالح ، أنا علقت تعليقاً من يومين : تجد أخاً يحضر دروساً بالمسجد من خمس وثلاثين سنة ، ومع ذلك ما قدم شيئاً ، ما تحرك حركة ، ما تكلم كلمة ، أنا لا أريد هذا ، الإنسان يتعلم بعد ذلك يعلم ، يتلقى بعد ذلك يلقي ، يُخدم بعد ذلك يَخدم ، هل من المعقول إنسان ليس له عمل فقط حضور الدروس ؟ والله من دون عمل لا تقدم ولا تؤخر ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا ﴾ . .

 

العلاقة بين المؤمنين أمتن علاقة في المجتمع البشري :


أحياناً يأتي طالب علم من بلد فقير ، يعيش حياة صعبة جداً ، والله هناك أسر بالشام أنا أثني عليها ، تحتويه ، تعطيه غرفة مفروشة ، هناك أناس يتهافتون على الإنفاق على طلاب العلم ، هذا طالب علم ، هذا الذي آوى طلاب العلم ، ونصرهم ، أكرمهم ، أطعمهم ، مرة دعاني أحد طلاب العلم الأفارقة إلى بيته ، الوقت شتاء ، والبرد قارس ، لا يوجد عنده مدفأة ، ولا سجادة ، لا يوجد بيت بالشام إلا وعنده حاجات ليس بحاجة إليها ، منزعج من وجودها ، فكر إذا عندك حاجات لا تستخدمها هناك طلاب علم ، أحياناً سرير ، سجادة ، مدفأة ، أريكة ، شيء ثمين جداً ، تحرك حركة ، قدم شيئاً ، قدم حاجة ، قدم قطعة أثاث ، قدم مبلغاً من المال ، قدم محاضرة ، قدم كتاباً ، قدم دعوة ، قدم إكراماً ، قدم مالاً ، من دون عمل الإيمان وحده لا تقطف ثماره ، الآية واضحة : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا ﴾ أحياناً مثلاً يأتي أخ من حلب ، هناك أخ يدعوه على العَشاء ، والله هذا عمل عظيم ، وجد نفسه محبوباً ، جاء من حلب ، ثلاثمئة وستون كيلو متراً يسمع درس الجمعة ، اذهب إلى الفندق وتعشى هناك ، لا ، خذه إلى البيت و قدم له الطعام ، يطمئن ، ويحس أن هناك علاقة أخوة كبيرة جداً ، هذه معنى : ﴿ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ العلاقة بين المؤمنين هي أمتن علاقة في المجتمع البشري . 

﴿ أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ أنت وليه ، تنصحه ، ترشده ، تدعوه ، تكرمه ، تعينه ، وهو ينصحك ، ويرشدك ، ويكرمك ، ويعينك ، هذا معنى ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ : عن أنس بن مالك  : المؤمنون بعضُهم لبعضٍ نصحةٌ وادُّونَ ؛ وإن بعدت منازلُهم وأبدانُهم، والفجَرةُ بعضُهم لبعضٍ غششة متخاونون ؛ وإن اقتربت منازلُهم وأبدانُهم  .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

 

حجم الإنسان عند الله بحجم بذله وتضحيته :


الآن هناك حالة ثانية ، مؤمن لكن لا يتحرك ، ولا يقدم ، ولا يؤخر ، ولا يدفع ، ولا يلقي كلمة ، ولا يأمر بالمعروف ، يقول لك : الناس لا يُخدمون ، هذه آية أم حديث ؟ هذا كلام الشيطان ، سلامتك يا رأسي ، والله هناك مصطلحات جاءتنا من العصور الوسطى والله هي الكفر بعينه ، امشِ بجنازة ولا تمش بزواج ، من قال لك هذا الكلام ؟ 

عَنْ أَبِي رُهْمٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

(( مِنْ أَفْضَلِ الشَّفَاعَةِ ، أَنْ يُشَفَّعَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي النِّكَاحِ    ))

[ أخرجه ابن ماجة في سننه و سنده ضعيف ]

يا أخي ساهم في تزويج شاب وفتاة ، فتاة مؤمنة ، طاهرة ، حافظة كتاب الله ، عاونها ، دلّ عليها ، يقول : لا دخل لي ، حتى لا يأتيه وجع رأس ، يأتيك وجع رأس ، لمَ لا ؟

بالمناسبة أحياناً يمكنني الله عز وجل من أن أزوج شاباً مع شابة ، يغيب خمس سنوات ولا تسمع أية كلمة عنه ، وعندما يتشاجر مع زوجته يأتي لعندك ، يا أخي عندما كنت مسروراً منها لماذا لم تأت و تشكرني ؟ عندما بتشاجر معها يأتي لعندك ، ((مِنْ أَفْضَلِ الشَّفَاعَةِ ، أَنْ يُشَفَّعَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي النِّكَاحِ )) ، ليس لك عمل صالح ؟

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ﴾ ليس مستعداً لأن يتحرك ، يقول لك : هكذا أفضل ، تكلفه بعمل ينسحب بانتظام ، تكلفه بمهمة يعتذر منها ، تطلب منه أن يأتي إلى الدرس يأتي ، لأن هذه لا تكلفه شيئاً .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ أي حجمك عند الله بحجم التزامك ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، حجمك عند الله بحجم بذلك ، وتضحيتك ، هذا الحجم : ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ . .

 

التعاون بين الناس إما على البر والتقوى أو على الإثم والعدوان :


إخواننا الكرام ، هناك مفاجأة كبيرة جداً ، وقد لا ننتبه إليها : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ يتعاونون ، يعقدون مؤتمرات ، يبذلون جهوداً جبارة ليكيدوا للمسلمين ، والطرف الآخر يتعاونون ، التعاون إما أن يكون على البر والتقوى ، أو على الإثم والعدوان ، قال تعالى : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾

[ سورة المائدة ]

الطرف الآخر يتعاون على الإثم والعدوان ، أي يعتدي ، يقصف ، أو يفسد بالأفلام ، كلام دقيق ، ﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ﴾ الإثم انحراف أخلاقي ، والعدوان إيذاء ، ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ ﴾ . .

إخواننا الكرام ، هذه الآية كما بدأت بها من أخطر آيات القرآن الكريم ، ولا أتصور أن آية المسلمون في أشد الحاجة إليها كهذه الآية ، لكن فيها عقدة ، وفيها حل ، هذا في الدرس القادم إن شاء الله .

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور