وضع داكن
28-03-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 42 - الأنبياء قدوة لنا في الدعوة إلى الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة، في سورة الصافات تتالت قصص الأنبياء، والأنبياء أيها الإخوة قمم البشر، وهذا الوحي الذي جاء من الله عز وجل، والمنهج القويم لا يحتاج إلى إيضاح نظري بقدر ما يحتاج إلى تطبيق عملي، لذلك مهمة الأنبياء الأولى أنهم كانوا قدوة لمن جاؤوا لهدايتهم، ذلك أن المثالية لا تعيش إلا بالمثل الحي، الآن المثل والأخلاق والقيم في بطون الكتب، لو أن هناك مليون كتاب يتحدث عن الفضائل يغني عن كل هذه الكتب إنسان أمامك يتحرك بصدق، وأمانة، وعفة، فلذلك تكاد تكون مهمة الأنبياء الأولى أن يكونوا قدوة للناس.
الآن إذا أردت أن تحتقر اتجاهاً فقل: مثالي، وإن أردت أن تزهو بمبدأ فقل: واقعي، ماذا فعل الأنبياء ؟ جعلوا المثالية واقعاً، فلذلك ما لم تنقلب المبادئ والمثل والأخلاق إلى واقع نعيشه فإنا لن نفلح في حياتنا أبداً، بطون الكتب ممتلئة بالمبادئ الرائعة، القيم السامية، والقصص المجسدة لهذه المبادئ، ولكن المشكلة اليوم أن الإسلام كقيم ومثل في واد، وأن التعامل اليومي في واد آخر، لذلك كيف يقنع الإنسان أن هذا المنهج حق ؟ حينما يرى أمامه إنساناً صادقاً، إنساناً أميناً، إنساناً عفيفاً، إنساناً موضوعياً، إنساناً منصفاً، لذلك ما فعله الأنبياء وهم قلة في تاريخ الشعوب والأمم لا يستطيع أن يفعله مئات ألوف الدعاة، الفرق هو أنهم كانوا قدوة، وأنهم فعلوا في سلوكهم ما عبروا عنه بألسنتهم.
من هذه الأمثلة، قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) ﴾

[ سورة الصافات: 75]

 هذا النبي الكريم الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما هذا النفَس الطويل في الدعوة ؟ قال تعالى:

 

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) ﴾

 

[ سورة نوح: 5-6]

 النفَس الطويل في الدعوة، أنت أحياناً تجلس مع إنسان تراه معرضاً تنصرف عنه كلياً في جلسة واحدة، أما حينما يكون هذا النبي الكريم الذي بقي في أمته ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو إلى الله فهذا قدوة لنا.
الشيء الذي أنا أعجب منه أنه لا يخطر في بال واحد من الناس أن يكون الأنبياء قدوة له، هم قدوة لنا، قصصهم منهج، أمثلتهم طريق، الحقائق الذي جاؤوا بها هي مبادئ، فأي نبي جاءت قصته في القرآن الكريم ينبغي أن يكون قدوة لنا.
سيدنا إبراهيم فتى، رأى عبادة الأصنام، وكان أبوه عابد صنم، ونصحه بكل أدب، قال تعالى:

 

﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) ﴾

 

[ سورة مريم: 43]

 وماذا فعل ؟ ضحى بحياته حينما أقدم على تكسير الأصنام، وأراد أن يلفتهم إلى الواحد الديان، قال تعالى:

 

﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63﴾

 

[ سورة الأنبياء: 63]

 الإنسان أحياناً يسكت عن الحق سلامة، ومداراة، وخوفاً، ورغبة في أن يكون في مأمن من أي مساءلة، أما سيدنا إبراهيم فضحى في حياته من أجل أن ينكر المنكر، يقابل هذا المنهج النفاق نفاق لا يتصور، عليك أن تكون سليماً معافى، لك دخل كبير، وتعيش حياة فارهة، وليكن الطوفان، لذلك أهجى بيت قالته العرب، والذي دخل من أجله هذا الشاعر السجن:

 

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هذا البيت الذي يعد أهجى بيت قالته العرب هو مثل أعلى لكل إنسان، يقول لك: فخار يكسر بعضه، علي أن أنجو، أن أكون مرتاحاً، انسحاب من هموم الأمة، انسلاخ من حمل الرسالة، كل واحد انتماؤه شخصي، أما هذا النبي الكريم فضحى بحياته من أجل إحقاق الحق، ما هذا الفهم عن الله عز وجل ؟ أب يقول لابنه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فيقول الابن: يا أبت افعل ما تؤمر، بلاء مبين.
هؤلاء الأنبياء أيها الإخوة الكرام ينبغي أن نقرأ قصصهم، وأن نجعل من مواقفهم قدوة لنا.
 سيدنا موسى الذي ابتلي بترك بلده، ومشى من مصر إلى مدين، مشى على ساحل العقبة والسويس مئات الكيلو مترات في البراري والصحارى مع الخوف، خرج منها خائفاً، الآن إذا دعا الإنسان إلى الله الكل يحترمه، والكل يبجله، والكل يرفعه، وما قدم شيئاً، هؤلاء الأنبياء الذين ضحوا بحياتهم، وراحتهم، واستقرارهم، وطمأنينتهم من أجل الدعوة إلى الله، الإنسان كلما قرأ عن هؤلاء الأنبياء يشعر أنه لا شيء، هم قدوة لنا، ثم إن هذا النبي الكريم يواجه طاغية من طغاة العصر، قتلُ الإنسان أهون عنده من قتل ذبابة، ويقول له موسى بكل جرأة: إنك لست إلهاً، إنك عبد من عباد الله.
سيدنا يونس دعا قومه إلى أن شعر أنه لا خير فيهم، فلما تركهم عاتبه الله عز وجل وجعله في بطن حوت.
سيدنا أبو بكر رضي الله عنه حينما بلغه أن مسطحاً هو الذي روج حديث الإفك، واتهم ابنته الطاهرة بالزنا، فقرر ألاّ يتابع مساعدته له، عاتبه الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، نحن حينما نقرأ هذه القصص، وننتفع بها هؤلاء الأنبياء قمم الكمال، قال تعالى:

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ﴾

 

[ سورة آل عمران: 33]

 سيدنا داود ماذا فعل ؟ جاءه خصمان، وكان في خلوة مع الله، وكان في قمة السعادة، أراد أن يتابع هذه الوجهة إلى الله فحكم بينهما سريعاً، ولم يدقق، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾

 

[ سورة ص: 23-24]

 الأخ الأول يرعى تسعًا وتسعين نعجة، والثاني عنده نعجة واحدة، وهو متفرغ لرعايتها، فقال له: أعطني إياها أضمها إلى نعاجي، وعمل شيئاً آخر، أنا أرعاها عنك، لكن قال سيدنا داود:

 

﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾

 

[ سورة ص:24]

 لذلك الله عز وجل عاتبه، وقال تعالى:

 

﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة ص: 26]

 أيّ هوى هذا، أرقى هوى أن تحب الله، وأن تكون معه، لكنك خليفة الله في الأرض ينبغي أن تحكم بين الناس بالعدل.
سيدنا سليمان، قال تعالى:

 

﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾

 

[ سورة ص: 32]

 فعاتبه الله عز وجل، هذه القصص أيها الإخوة الكرام نحتاجها كل يوم، نحتاجها في علاقاتنا، نحتاجها في معاملاتنا، نحتاجها في مبادئنا.
سيدنا يوسف حينما قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

 

[ سورة يوسف: 100]

 إخوته أمامه، وضعوه في غيابات الجب، أرادوا أن يموت، أرادوا أن ينتهي، ما ذكرهم بخطيئتهم، قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾

 

[ سورة يوسف: 100]

 وما قال: من بعد أن تلبسهم الشيطان.
أيها الإخوة الكرام، لو تأملنا قصص الأنبياء لرأينا العجب العجاب من كمالهم، من صبرهم في الدعوة إلى الله عز وجل، من تحملهم المشاق، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))

[الترمذي، وأحمد]

 أيها الإخوة الكرام، نحن في أمسّ الحاجة إلى أن يكون هؤلاء الأنبياء قدوة، لابد من التنويه لذلك.
آية دقيقة جداً، قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) ﴾

 

[ سورة الصافات: 35]

 الآن أي تفسير لما يجري إذا جعلته توحيدياً يرفضه الناس، يريدون تفسيراً أرضياً فقط، لا يقبلون أن يكون الزلزال إهلاكاً من الله لقوم طغوا، وبغوا، يريدون اضطراباً في القشرة الأرضية فقط، لا يريدون تفسيراً دينياً إلهياً توحيدياً لما يجري، لا يريدون أن يكون الاجتياح أو الغزو تأديباً من الله عز وجل، وليس معنى هذا أن تقعد عن مقاومة المحتل، ينبغي أن تضاعف المقاومة للمحتل، ولكن لا ينبغي أن ترى الله أطلق الأقوياء، وتركهم يفعلون ما يشاؤون بالضعفاء، لا قال تعالى:

 

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾

 

[ سورة الزمر: 62]

﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[ سورة الأعراف: 54]

 نحن حينما نفهم الأمور بفهم توحيدي ترتاح نفوسنا، قال تعالى:

 

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) ﴾

 

[ سورة النحل: 112]

 إذاً مواقفهم الكاملة هي منهج لنا في التعامل

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور