وضع داكن
28-03-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 41 - الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، من لوازم الإيمان المحبة، هذه المنزلة، منزلة المحبة تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
أيها الإخوة، هناك علاقة واحدة بينك وبين الله، هي علاقة العبودية، فالرب رب، والعبد عبد، وليس في مقام العبودية شيء من الربوبية، أنت عبد، وهو رب، ولا ترقى إلى أعلى مستويات البشر إلا إذا كنت عبداً لله، فلما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام سدرة المنتهى أوحى إلى عبده ما أوحى، والعبودية تعني بشكل واضح المحبة، لو أن الله أرادنا أن نطيعه لأجبرنا على طاعته، ولكنه أرادنا أن نحبه، أن نأتيه محبين، أن نأتيه طائعين، أن نأتيه مشتاقين، أن نأتيه بمبادرة منا، فلذلك علاقة العبد بالرب علاقة العبودية، وعلاقة الرب بالعبد علاقة ربوبية، وهذه العلاقة أساسها المحبة، فالمحبوبية هي سر وجود الإنسان على سطح الأرض.
 أيها الإخوة، العبودية روح الإيمان، روح الأعمال، روح المقامات، روح الأحوال، من خلا من المحبة فهو كجسد بلا روح، لو ألغيت المحبة من الدين لصار الدين جسداً بلا روح، جثة هامدة، ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، لأن المرء مع من أحب، فإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟
أيها الإخوة الكرام، من أقوال بعض العارفين أن هذه المحبة أقيمت في سوق للعرض، فمن زاد في دفع الثمن نالها، فلم يرضَ الله لها ثمناً دون بذل النفوس، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾

[ سورة التوبة: 111]

 هذا أقدس بيع في الكون، أن تبيع نفسك لله، قال تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) ﴾

 

[ سورة الأنعام: 162]

 لكن لأن المحبة تدَّعى، فلما ادعاها الكثيرون طولبوا بالدليل، والدليل قوله تعالى:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

 

[ سورة آل عمران: 31]

 فدليل المحبة اتباع النبي عليه الصلاة والسلام.
أيها الإخوة الكرام، أدق شيء في موضوع العلاقة مع الله عز وجل أن العلاقة مع الله لها قواعد، وليست علاقة مزاجية، وليست علاقة لا تنضبط بضوابط، فبعض العلماء عدد أسباب المحبة، كيف تحب الله ؟ وكيف يحبك الله ؟ فقال:
الأسباب الجالبة للمحبة كثيرة، منها قراءة القرآن بالتدبر، والفهم، والعلم بما في القرآن الكريم، القراءة الصحيحة المجودة إن أمكن مع الفهم، والتدبر، والعمل، هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾

 

[ سورة البقرة: 121]

 يتلونه وفق قواعد اللغة إن أمكنهم، يتلونه وفق قواعد التجويد، يفهمونه، يتدبرونه، بمعنى أنهم يفحصون أنفسهم في مستوى الآيات، ثم يعملون به، فهذه توجب المحبة.
الشيء الثاني: هو التقرب إلى الله بالنوافل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ))

[ البخاري ]

 فالزكاة فرض، لكن الصدقة نافلة، فربما ارتقيت بالصدقة أكثر مما ترتقي بالزكاة، ذلك لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾

 

[ سورة البقرة: 177]

 على أنه يحب المال أنفقه في سبيل الله، فالنوافل بعد الفرائض.
من الأسباب التي تجلب المحبة دوام ذكر الله عز وجل، إن أردتم محبة الله عز وجل فأكثروا من ذكر الله، قال تعالى:

 

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) ﴾

 

[ سورة الإنسان: 25]

 لكن ذكر الله يدوم مع الإنسان كيفما تحرك، بدءاً من الدعاء، الاستغفار، التسبيح، التوحيد، التهليل، التكبير، المناجاة، التذلل، قراءة القرآن، الصلاة، دراسة العلم، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، هذا كله ذكر.
من الأسباب الجالبة للمحبة أن تؤثر محابه على محابك عند غلابات الهوى، الله يحب منك شيئاً، وأنت تحب شيئاً، فإذا آثرت ما يحب على ما تحب دفعت ثمن المحبة، والقرب من الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) ﴾

 

[ سورة النازعات: 40-41]

 من الأسباب الجالبة للمحبة أن تعرف أسماءه الحسنى، أنت تقول: الله خالق السماوات والأرض، أما حينما تعرف طرفاً من رحمته، طرفاً من قدرته، طرفاً من حلمه، طرفاً من عدله، حينما تطالع أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى تكون قد سرت في طريق المحبة، ثم إن المحبة تقتضي أن تشاهد آلاءه وإحسانه، أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي وبلائي، ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
من الأسباب الجالبة للمحبة أن تكون فيما بينك وبينه منكسر القلب، وأن تكون قوياً على الناس الذين لا يعرفونه، قال تعالى:

 

﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

[ سورة المائدة: 54]

 فكلما مرغت جبهتك في أعتابه ازددت قرباً منه، وكلما تذللت له أعزك بين الناس، وكلما خضعت له رفع ذكرك بين الناس.
من الأسباب الجالبة للمحبة أن تخلو به، يا موسى أتحب أن أكون جليسك ؟ قال: كيف ذلك يا رب ؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني، فإذا خلوت معه في صلاة، في ذكر، في قيام ليل، في مناجاة، فهذا دليل محبته، ودليل أن هذا العمل يجلب محبة الله عز وجل.
من الأسباب الجالبة للمحبة أن تجالس المحبين الصادقين، وأن تلتقط من أطايب ثمراتهم، لا أن تجالس أهل الدنيا المعرضين الغارقين في شهواتهم، فقل لي من تصاحب أقل لك من أنت، قال تعالى:

 

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾

 

[ سورة الكهف: 28]

 أيها الإخوة الكرام، من الأسباب الجالبة للمحبة أن تبتعد عن كل شيء يحجبك عنه، إذا كنت سعيداً بهذه الصلة مع الله فأي سبب يقطعك عن الله يجب أن تبتعد عنه، وهذا يعرفه أي إنسان بالفطرة، المشكلة وأنت مسلم، وأنت محسوب على المسلمين، ومحسوب على الموحدين قد يتخذ الإنسان من دون الله أنداداً، قال تعالى:

 

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ﴾

 

[ سورة البقرة: 165]

 قد يقول قائل: أيعقل أن يدعي إنسان أن هذا الإنسان إله ؟ لا، لا يدعي أنه إله أبداً، هو يقول: إنه بشر، ولكن إن أطعت مخلوقاً، وعصيت خالقاً فقد جعلته نداً لله عز وجل، إذا أطعت مخلوقاً، وعصيت خالقاً هذا الذي أطعته جعلته نداً لله، وكأنك عبدته من دون الله، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً﴾

 

[ سورة البقرة: 165]

 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

 

[ سورة المائدة: 54]

 فكل من يحب الله عز وجل أساسه متين، ومركزه عند الله قوي، هذا الذي لا يمكن أن ينقلب عن دينه، والإنسان أحياناً دون أن يشعر يحب بعض البشر كما يحب الله، كما قال الله عز وجل:

 

﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة التوبة: 31]

 أي خضعوا لهم، و نسوا ربهم، لذلك دخل بعض الأئمة الكبار على إخوانه فقال: يا رب، لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي.
هناك منزلقات في طريق الإيمان، أنت حينما تعظم إنساناً، وتبتغي مرضاته، وقد لا تطيع الله كما ينبغي فهذا نوع من الشرك، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾

 

[ سورة المائدة: 35]

 ابتغوا على محبته الوسيلة، الوسيلة صحبة الصالحين، الوسيلة الأعمال الصالحة، الوسيلة إتقان العبادات، الوسيلة كثرة الذكر، ابحث عن وسيلة تقربك إلى الله عز وجل، لكن بقي أنك إذا قرأت القرآن وقرأت قوله تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾

 

[ سورة البقرة: 222]

 فإذا كنت تائباً فهذا سبب لمحبة الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) ﴾

 

[ سورة التوبة: 4]

 إذا كنت صادقاً فهذا سبب لمحبة الله لك، قال تعالى:

 

﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾

 

[ سورة البقرة: 222]

 إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه، لو قرأت ما في القرآن، وما في السنة لوجدت في كتاب الله، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أسباباً كثيرة لمحبة الله لك، ينبغي أن تحب الله، وينبغي أن تحرص على محبة الله لك، ولا تعدم في القرآن والسنة أن تجد أسباباً كثيرة لمحبة الله لك، ولمحبتك لله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور